المسلمون منزعجون أكثر من المسيحيين”… تصاعد مخاوف سوريين بسبب الدعوات الإسلامية/ مناهل السهوي

22.03.2025
ظهرت “الدعوات إلى الإسلام” في الفضاءات العامّة في سوريا بعد فترة وجيزة من سقوط النظام، وتنوّعت أشكالها بين ملصقات تدعو النساء والرجال إلى اللباس المحتشم، ودعوات لنساء “مخمّرات” يطلبن من النساء في الشوارع ارتداء لباس شرعي وصولاً إلى الدعوة للإسلام عبر مكبّرات الصوت.
سيارات دعوية تجوب الأحياء ذات الغالبية المسيحية في دمشق بين الحين والآخر، مردّدة عبر مكبّرات الصوت عبارات مثل: “إن الدين عند الله الإسلام، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه”.
تمرّ هذه السيارات في مناطق باب توما، وباب شرقي، والقصاع، وصولاً إلى حي الدويلعة، يرافقها عدد من الدراجات النارية، وفي أحدث ظهور لها، توقّفت إحداها أمام كنيسة مار يوسف في حي الدويلعة المتاخم لباب شرقي، وأظهر مقطع فيديو مجموعة من الأشخاص متجمهرين حول السيارة، بينما بدأ رجل غاضب يصرخ: “أنا مسلم، وعبقلك تفل!” ثم يدفع أحد مستخدمي السيارة، قبل أن يصعد هو وشخص آخر إليها ويغادرا الحي.
ظهرت “الدعوات إلى الإسلام” في الفضاءات العامّة في سوريا بعد فترة وجيزة من سقوط النظام، وتنوّعت أشكالها بين ملصقات تدعو النساء والرجال إلى اللباس المُحتشم، ودعوات لنساء “مخمّرات” يطلبن من النساء في الشوارع ارتداء لباس شرعي، وصولاً إلى الدعوة للإسلام عبر مكبّرات الصوت.
قلق مسيحي سوريا يتزايد
تُثير هذه الدعوات قلقاً لدى الأقلية المسيحية، وحتى لدى باقي الأقليات انتهاء بالمسلمين المعتدلين، إذ يرى البعض في هذه الدعوات ضغطاً دينياً في مرحلة حسّاسة من تاريخ البلاد، تقول ريتا (اسم مستعار) وهي شابة مسيحية من دمشق: “الأديان تشترك في رغبتها في نشر تعاليم دينها، لكن الطريقة تختلف. ففي أوروبا، مثلاً، يتمّ عرض الكتاب المقدّس على المارّة في الشوارع، مما يُتيح لهم قراءة بعض الآيات من الإنجيل”.
تتابع ريتا: “المشكلة التي نشهدها في سوريا هي النزعة الإقصائية، حيث يُنظر إلى الآخرين على أنهم لا يفهمون شيئاً، ويُقدَّم الإسلام على أنه الطريق الصحيح الوحيد. ما يميّز الوضع هنا هو الأسلوب القسري، حيث يتمّ استخدام أساليب ومظاهر غير مألوفة ومزعجة حتى للمسلمين أنفسهم، مثل اللحى والملابس الغريبة مثل الجلابيات، ليتمّ دعوة المسيحين للانضمام، ويُنظر إليهم على أنهم لا يفهمون الحقيقة أو حتى ضالّون”.
تقول كريستين (اسم مستعار) وهي شابة مسيحية، كانت تمرّ قبل أيام في حي الدويلعة وشاهدت سيارة الدعوة: “منذ البداية، قلّة قليلة من المسيحيين ابتهجت حقاً بسقوط النظام، بينما ساد الخوف والتوجّس لدى الأغلبية، خشية أن تنزلق البلاد نحو التشدّد، لا سيما إذا تولّت القوى الإسلامية الحكم”.
غالباً ما يُواجَه قلق المسيحيين، سواء في الأوساط الشعبية أو على وسائل التواصل الاجتماعي، بالقول إن هذه الدعوات تندرج ضمن حرّية التعبير التي يسعى إليها السوريون. وحول ذلك يقول الكاتب والباحث روجيه أصفر: “هل هذه الحرّية تشمل الجميع؟ هل يمكنني كمسيحي، على سبيل المثال، أن أذهب إلى أحياء ذات أغلبية مسلمة وأدعو إلى المسيحية بالطريقة نفسها التي يتمّ فيها التعبير عن هذه الدعوات؟ أعتقد أن الكثير منا يتّفق على أنه أمر غير ممكن. وبالتالي، فإن الأمر لم يعد حرّية تعبير، بل أصبح حرّية محصورة بفئة معينة”.
يتابع أصفر قائلاً: “مع توازن القوى الذي نعرفه، حيث توجد أغلبية وأقليات، ومنطق منتصر ومهزوم ومظلومية سنّية محقّة وعميقة، يصبح الموضوع أكبر من مجرد حرّية تعبير. إنه تحدٍ لفرض رأي معين، ويمكن أن يُعتبَر استفزازاً. إذا كان الحادث فردياً، قد يتعامل الناس معه بشكل مختلف، ولكن عندما يصبح جزءاً من سلسلة تصرّفات صادرة عن سلطة الأمر الواقع، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بفرض آراء دينية على المسلمين السنّة من مذاهب مختلفة، يصبح من السذاجة أن نراه مجرّد تصرّف فردي أو تعبير عن حرّية شخصية. الموضوع يتعدّى ذلك ليصبح فرض رأي وتحدياً واستفزازاً”.
حول هذا تقول ريتا: “ما يزعجني أكثر، هو أن هذا النوع من الدعوة الدينية لا يقتصر فقط على نشر الدين، بل يتضمّن أيضاً التهديد بالعقاب لمن لا يتوافق معه، مما يقلّل من الأمان ويزيد من القلق والتوتّر بين الناس”.
لكن خوف ريتا الأكبر هو أن يتحوّل هذا الدافع الديني إلى تهديد مباشر، أو أن يتعرّضوا للعنف أو حتى القتل. فبعد طرد سيارة الدعوة من حي الدويلعة، انتشرت بين السكان مخاوف من أن يعودوا للانتقام منهم، حسبما تقول ريتا.
بجميع الأحوال المخاوف من هذه الحركات تمسّ الأقليات كلها وحتى المجتمع السنّي المعتدل، الذي لم يعتد هذه المظاهر، وهو ما تختصره كريستين بقولها: “الإسلام مزعوجين أكثر من المسيحيين”، وهذا ما تجسّده حادثة الدويلعة حين قام رجل مسلم بطرد سيارة الدعوة.
خوف على الحريات الدينية
كانت كريستين تدافع عن الحكومة الجديدة أمام عائلتها وأصدقائها، مطمئنةً إياهم بأنه لا داعي للقلق كأقلية، وأن الحكومة الجديدة لن تتجرّأ على ارتكاب أية انتهاكات بهدف الحفاظ على صورتها أمام المجتمع الدولي، خاصّة مع سعيها للتخلّص من العقوبات، لكنها اليوم، باتت تشعر أن الواقع ليس كما تصوّرته، وأن هناك خطراً حقيقياً يهددهم.
تقول كريستين: “قد لا يُغادر المسيحيون سوريا، لكنهم قد يُحرمون من ممارسة طقوسهم بحرّية، في ظلّ توجّه الدولة نحو إسلامية خالصة. قد يُشبه ذلك وضع المسيحيين في الأردن، حيث يمكنهم أداء شعائرهم، لكن من دون صدى واسع أو ظهور علني بارز”.
وهو ما يُوافق عليه روجيه أصفر: “أعتقد أنه ليس هناك خطر مباشر على حياة المسيحيين في سوريا بسبب ديانتهم، بل الخوف الأكبر يكمن على حقوقهم وحرّياتهم الشخصية. فهم يعيشون في قلق دائم على نمط حياتهم الذي قد يتأثّر بالتغيّرات السياسية والاجتماعية. يمكن تشبيههم بعصفور الكناري في المناجم، إذا حدث تهديد أو تغيير غير صحّي، سيكونون أول من يشعر به”.
يُذكر أنه في يوم سقوط حُكم بشّار الأسد، ساد الذعر في بلدة معلولا ذات الأغلبية المسيحية، وفرّ بعض سكانها إلى دمشق، بعد انسحاب جيش النظام السابق وتقدّم “هيئة تحرير الشام”، خشوا تكرار سيناريو 2013، عندما سيطرت “جبهة النصرة” على البلدة لسبعة أشهر، محوّلةً إيّاها إلى ساحة حرب شهدت القتل والخطف وتدمير الكنائس والمنازل.
ما موقف السلطة مما يحدث؟
ما يحصل يُثير أسئلة حول رضى السلطة الجديدة ودورها، وحول هذا يقول روجيه أصفر: “من خلال متابعتي، يظهر لي أن السلطة تتّبع سياسة تسمح بالفوضى، وبتوجّه إعلامي يتقصّد الغموض، وقد تكون جزءاً من سياسة جسّ نبض لمواقف معيّنة وفرض بعض الآراء باسم الدين. يتمّ السماح لبعض العناصر من ذوي الحميّة الدينية العالية، بالتعبير عن آرائهم، أو ربما في حال تلقّي ردود فعل رافضة بقوّة تُمنع هذه التعبيرات لاحقاً، لتظهر السلطة أنها تدعم حرّية الآخرين وتحميهم”.
تواصل “درج” مع الكاهن فراس لطفي من دمشق، الذي قال: “وصلتني مشاهد أناس يدعون للإسلام في أحياء يقطنها المسيحيون في باب شرقي وباب توما، فسارعنا إلى إعلام السلطات المحلّية، التي استنكرت بشدّة وقالت إنها تصرّفات فردية وغير رسمية”، كما أعلمت السلطات الكاهن أنها ألقت القبض عليهم، وشجّعته على تقديم شكوى مباشرة في المرّة المقبلة لدى أقرب مخفر أو جهة أمنية، لكن ظهور سيارة جديدة قبل أيام في حي الدويلعة يُثير تساؤلات عن مدى الجدّية في معالجة هذا الوضع.
يُذكر أنه لا تُوجد أرقام دقيقة لأعداد المسيحيين في سوريا، لكن لا ينفي ذلك تناقصهم منذ بداية الثورة السورية، وترك الكثيرين منهم سوريا نحو بلدان المهجر، خصوصاً مع التسهيلات الأوروبية التي قُدّمت لهم تحت شعارات إنقاذ مسيحي الشرق.
روجيه أصفر يقول: “الخطر على الوجود المسيحي في المنطقة يزداد بسبب سياسات السلطة الحالية. يُعاني المسيحيون من تراجع الحرّيات والضغط الديني والاجتماعي. ربما شعروا بالارتياح لغياب الأسد، إلا أنهم لا يرون أي مؤشّر إيجابي من السلطة الجديدة، مما يعني أن الوضع لم يتحسّن بشكل ملموس، ولا يبدو أن الوضع الحالي يُشير إلى تحسّن حقيقي مقارنة بالوضع السابق النظام السابق”.
يزيد الوضع الاقتصادي من الاحتقان في الشارع السوري، كما يتسبّب بالإحباط لكثير من السوريين بخاصة الشباب، الذين حاولوا التمسّك بالبلد رغم انتهاكات نظام الأسد.
تقول ريتا: “قضيت سنوات طويلة متمسّكة بفكرة أنني لا أريد مغادرة البلد، وأنني أحبّ هذا المكان وأريد العودة إليه دائماً. لكن في الآونة الأخيرة بدأ شعور جديد يتسلّل إليّ. صرت أفكّر أنه ربما أصبح من الضروري مغادرة البلاد بسبب حالة الخوف المتزايد، وكأننا نعيش تحت تهديد مستمرّ. لقد كنت أظنّ أن الوضع في سوريا كان صعباً بسبب النظام والظروف الاقتصادية، لكن الآن بدأت أشعر وكأننا نعيش في جوّ من الاضطهاد والخوف، وكأننا قد نكون الضحايا الجدد”.
تتابع ريتا: “حتى أصدقائي المسيحيين يتحدّثون بالطريقة نفسها عن مغادرة البلاد، ويتشاركون المخاوف نفسها. نحن لم نعد نخشى فقط من الاعتقالات والتضييق على آرائنا، بل أصبح الخوف من أن الانتماء الديني نفسه يشكّل تهديداً لنا”.
درج
———————————
مداهمة ناشط دمشقي…بعد فيديو الترانيم المسيحية
ظهر الناشط السوري بدر الدين جحا في مقطع فيديو، مساء الجمعة، وهو يبكي معلناً أن منزله تعرض لمداهمة نفذها أشخاص يرتدون زياً عسكرياً، مؤكداً أنه اضطر للفرار عبر أسطح المنازل المجاورة وأنه “لن يسلم نفسه إلا ميتاً” إلا إلى قائد الأمن العام في العاصمة دمشق.
وفي التسجيل نفسه، أعلن جحا أن ابن خالته اعتُقل خلال المداهمة، قائلاً: “عشت طول عمري تحت سلطة عائلة الأسد مقموعاً، والآن تتم ملاحقتي فقط لأنني طالبت بالعدالة لجميع مكونات الشعب السوري”.
وبدأت قضية جحا قبل أيام عندما نشر مقطع فيديو وهو يتجول بسيارته في شوارع دمشق، مشغلاً تراتيل مسيحية عبر مكبر صوت رداً على “حملات دعوية إسلامية” كانت تجوب الأحياء المسيحية عبر مكبرات الصوت، ما أثار غضباً واسعاً بين السكان المحليين، بمن فيهم مسلمون اعتبروا أن هذا النوع من الدعوة العلنية “غريب عن بيئة دمشق” ولا يمت لتراثها المشترك بصلة.
وفي المقطع، قال جحا بشكل واضح: “كما يسمح للرعاع بالتجول والدعوة للإسلام، فمن حق كل مكوّن من الشعب أن يمارس شعائره بالطريقة نفسها، إذا نال مكوّن ما امتيازاً، فليُمنح للجميع”، ما أثار حفيظة بعض الفئات الدينية المحافظة، وفتح الباب أمام اتهامات ضده بـ”التحريض الطائفي” أو “المساس بالمقدسات”، علماً أن جحا مسلم وليس مسيحياً.
وأثار فيديو جحا وهو يبكي ويطلب من السوريين حمايته ردود أفعال واسعة، حيث تباينت الآراء بشكل حاد. فهناك من طالب بحمايته ومنع تعرضه لأي أذى، معتبرين أن ما قام به لا يخرج عن إطار “رد الفعل الطبيعي على سلوك طائفي مرفوض”، وداعين إلى احترام التعددية الدينية في سوريا، وأشادوا بالفيديو الذي نشره، واعتبروه مبادرة لطيفة، لإظهار التعددية الدينية.
في المقابل، رأى آخرون أن تصرفاته “استفزازية وخطيرة”، خصوصاً بسبب استخدامه لمصطلحات مهينة مثل “الرعاع”، ما قد يُستغل في تعميق الانقسامات المذهبية، رغم أن جحا نفسه قال إنه يطالب بالمساواة لا التصعيد.
إلى ذلك، نشر الممثل السوري جابر جوخدار بياناً نقلاً عن “ملتقى الفنانين السوريين” جاء فيه أن جحا ناتجة عن قيامه بنشاط ديني (تشغيل تراتيل مسيحية بمكبرات صوت) من دون تنسيق مسبق مع الجهات المختصة، ما استدعى تحركاً قانونياً مماثلاً لما حدث سابقاً مع دعاة إسلاميين خالفوا الأنظمة.
وأوضح جوخدار أن جحا غادر منزله خوفاً، قبل اكتمال الإجراءات، لكن الجهات الأمنية تتعامل معه حالياً بطريقة ودية وقانونية، وتسعى لحل الموقف بهدوء من دون تصعيد، مع التأكيد على أن جميع الإجراءات تتم في إطار القانون ومن دون تمييز ديني أو طائفي. وشدد جوخدار على أن الدولة ملتزمة بمبدأ المساواة في تطبيق القانون، ودعا إلى احترام الأنظمة التي تنظم الأنشطة العامة لضمان التعايش بين مكونات المجتمع السوري.
ولم تصدر الأجهزة الأمنية حتى الآن أي توضيح رسمي بشأن ما إذا كان جحا مطلوباً لديها، أو ما إذا كانت المداهمة تمت بأمر قضائي أو بمبادرة فردية أو تمت من أفراد لا ينتمون لها أصلاً، ما زاد من حالة القلق والارتباك، خصوصاً في ظل وجود معلومات تؤكد أن الأشخاص الذين كانوا يقومون بالدعوة للإسلام في حي الدويلعة ذي الغالبية المسيحية قبل أيام، تم اعتقالهم فعلاً، لكن أفرج عنهم بعد أقل من 24 ساعة، من دون توجيه أي تهمة رسمية لهم.
المدن
——————————–
“الدعوة” للإسلام تدخل أحياء المسيحيين في دمشق
الجمعة 2025/03/21
ويظهر في المقطع الذي انتشر على نطاق واسع، شخص يعترض على وجود هذه السيارات، مؤكداً أنه مسلم لكنه غير راضٍ عن نشاطها في المنطقة، مشدداً على أن السكان، بمختلف انتماءاتهم، يعرفون دينهم ولا يحتاجون لمن يبشرهم بأي شيء، وبأنه ليس من حقهم عرض الدين بهذه الطريقة. كما يظهر شخص آخر في المقطع يقول: “هذا الشاب مسلم، وأنا مسيحي، ولا نريد الخروج عن ديننا!”. فيما يوثق الفيديو أيضاً حالة من التدافع تنتهي بمغادرة رجال الدعوة المكان.
وبعد انتشار المقطع، تداولت صفحة تحمل اسم “قيادة العمليات العسكرية” منشوراً حول الحادثة، مشيرةً إلى أن سيارات الأمن في طريقها إلى “تأديب” مَن طردوا رجال الدعوة. لكن سرعان ما قامت الصفحة بحذف المنشور من دون تقديم أي توضيحات.
وأثار انتشار المقطع نقاشات واسعة، حيث اعتبر معلقون أن استمرار تجوّل “سيارات الدعوة” في شوارع دمشق وريفها بمكبرات الصوت، خصوصاً في الأحياء ذات الغالبية المسيحية، يشكل استفزازاً واضحاً. ووصف البعض هذه الممارسات بـ”المهزلة”، محذرين من أن استمرارها سيؤدي إلى تصاعد الغضب الشعبي، مؤكدين أن الناس بدأوا يفقدون صبرهم. كما تساءل آخرون عن سبب التبشير بالإسلام بهذه الطريقة، ولماذا يتم التعامل معهم وكأنهم “كفار” بحاجة إلى الهِداية. في المقابل، أشار آخرون إلى أن البلاد تعاني انقسامات عميقة وأزمة اقتصادية خانقة، وأن مثل هذه النشاطات لن تؤدي إلا إلى زيادة الاحتقان والغضب بين الناس.
وكتب أحد المعلقين أن هذا الفيديو يحمل رسالة واضحة برفض هذه الممارسات من مختلف الطوائف المسلمة، وتحديداً من أبناء الطائفة السنّية، مؤكداً أهمية السلم الأهلي واحترام تقاليد العيش المشترك التي نشأ عليها السوريون بمختلف انتماءاتهم الدينية.
وقالت إحدى المعلّقات إن السوريين لا يعرفون بعضهم البعض جيداً، لأنهم عاشوا لفترات طويلة في عزلة تامة عن بعضهم البعض. كما أشادت بموقف العديد من المسلمين الرافضين لهذه الممارسات، معتبرةً أنه يعكس التمسك بقيم التعايش والاحترام المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع.
في المقابل، حاول بعض المعلقين تبرير انتشار “سيارات الدعوة” باعتباره حقاً ضمن حرية التبشير بالأديان، مشيرين إلى أن هذه الظاهرة منتشرة في العديد من دول العالم المتحضر. إلا أن الجدل لم يتوقف هنا، حيث علّقت صفحات مهتمة بالشأن السوري قائلة: “نتمنى أن يكون لدينا ولو ربع الرخاء الاقتصادي والاستقرار والتعايش الذي تنعم به دول العالم المتحضر، وعندها لا مانع من نشر الدعوة”. كما وصفوا المقارنات بين سوريا وألمانيا بغير المنطقية في الوقت الحالي، مشيرين إلى أن سوريا ما زالت تعاني عدم الاستقرار، ما يجعل مثل هذه الممارسات سبباً إضافياً للتوتر بدلاً من تعزيز التعايش.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها “سيارات الدعوة” في دمشق، فقد سبق أن وثّقت مقاطع فيديو مماثلة نشاطها في أحياء باب شرقي وباب توما ذات الغالبية المسيحية، ما أثار حينها جدلاً واسعاً واستنكاراً من مختلف الطوائف، خصوصاً بسبب استهدافها المتكرر لهذه المناطق. وطالب العديد من الناشطين السلطات بالتدخل لوقف هذه الممارسات، إلا أن استمرارها، رغم الاعتراضات، دفع البعض إلى القول إن السلطات في دمشق تغض الطرف عنها، إن لم تكن راضية عنها بشكل غير معلن.
ورغم الاستنكار الواسع لهذه الظاهرة، التي بدأت بالظهور بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة قوات المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” على دمشق، فإن الإدارة الجديدة ووزارة الداخلية لم تستجيبا حتى الآن لدعوات وقفها. كما لم يصدر أي بيان رسمي يوضح موقفها من انتشار هذه الأنشطة أو يحدد آلية عملها.
وتخضع أنشطة التبشير في معظم الدول الأوروبية، لقوانين واضحة، حيث يطلب من الجهات الداعية الحصول على تراخيص رسمية، ولا يسمح للأفراد بممارسة التبشير بشكل فردي. بدلاً من ذلك، تعمل هذه الأنشطة من خلال منظمات تبشيرية وخيرية تقدم خدمات اجتماعية أو إنسانية إلى جانب الدعوة الدينية، مما يساهم في جذب الناس وتعريفهم بالدين بطريقة غير مباشرة. وتنظم المؤسسات التبشيرية عملها ضمن مكاتب أو أماكن محددة، ولا يسمح لها بالتجول في الشوارع بمكبرات الصوت أو باستخدام وسائل دعائية قد تُعتبر تدخلاً في الحياة العامة أو استفزازاً لمجتمعات متعددة الأديان. أما ما يجري في دمشق، فيراه كثيرون أقرب إلى محاولة استفزازية منه إلى نشاط دعوي حقيقي، معتبرين أن هذه الأساليب تنفّر الناس من الدين بدلاً من تقريبهم منه، وفقاً لتعليقات العديد من المراقبين والمعلقين.
المدن