بعد إنتهاء مهمة التحالف الدولي: تقييم الخطوات القادمة للقوات الأميركية في سوريا

ربى خدام الجامع
2025.03.21
في 27 أيلول 2024، أعلنت الولايات المتحدة والعراق عن خطة انتقالية من مرحلتين لسحب تدريجي لعمليات التحالف في العراق، ومع ذلك، لابد أن تبقى القوات الأميركية في البلاد لدعم المهمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شمال شرقي سوريا والعراق، إذ هنالك قرابة 2500 جندياً من قوات التحالف في العراق، و2000 جندياً أميركياً في سوريا.
ومن المتوقع أن تنتقل القوات الأميركية تدريجيًا من مواقعها الحالية في بغداد إلى إقليم كردستان في العراق، بما يعزز النفوذ الاستراتيجي لحكومة الإقليم باعتبارها مركزاً لوجستياً وعملياتياً للعراق وسوريا معاً. لكن، وبعد سقوط نظام الأسد في سوريا في كانون الأول الماضي ، ومع إمكانية عودة تنظيم الدولة لنشاطه عبر الحدود، فضّلت بغداد الإبقاء على قوات التحالف في قاعدة عين الأسد غربي العراق لمواجهة التهديدات المحتملة القادمة من الحدود السورية. ويعكس هذا التغيير أيضاً قلق العراق من الارتباطات السابقة للسلطات الجديدة في سوريا التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة كما شاركت في القتال داخل العراق.
تشتمل المرحلة الأولى من خطة الانسحاب، والتي من المقرر لها أن تنتهي في أيلول 2025، على إنهاء القيادة العسكرية للتحالف وتحويلها إلى شراكات أمنية مؤلفة من طرفين، أما المرحلة الثانية التي تمتد حتى أيلول من 2026 على أقل تقدير، فستواصل خلالها دول التحالف السابقة عملياتها ضد تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا انطلاقاً من القواعد الموجودة في العراق، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، وحكومة إقليم كردستان، والحكومة الفيدرالية في العراق.وبعد ذلك، من المرجّح أن تبقى القوات تعمل بموجب اتفاقيات أمنية مشتركة مع الحكومة الفيدرالية في العراق.
هذا ولقد أفاد المفتش العام للبنتاغون في تقريره الفصلي الذي رفعه للكونغرس الأميركي بتاريخ 19 شباط ، بأن التحالف بقيادة الولايات المتحدة يعتزم توسيع عديده وعتاده في قاعدة أربيل الجوية الموجودة في إقليم كردستان، إلى جانب جعل عمليات السيطرة والتحكم في قاعدة عين الأسد تتم في بغداد.
غير أن التطورات الحاصلة في سوريا قد تؤخر عملية الانتقال في العراق، إلا في حال قررت إدارة الرئيس دونالد ترمب الانسحاب من سوريا، كما فعلت عندما أعلنت لفترة قصيرة عن ذلك في عام 2019، لأن انسحاباً كهذا قد يمهّد الطريق لعملية تركية تستهدف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما قد يخلق فراغاً أمنياً يمكن لتنظيم الدولة أن يستغله، لا سيما في مناطق مثل دير الزور، وقد أفادت شبكة NBC بأن ترمب أبدى اهتماماً بالانسحاب، ما دفع البنتاغون إلى إعداد خطط لذلك.
هنالك أيضاً الخوف من أن يستغل تنظيم الدولة الوضع الأمني في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لا سيما في ظل محدودية قدرات الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في السيطرة على كامل الأراضي السورية، واضطراره إلى التعامل مع مقاتلين أجانب تعود أصولهم لآسيا الوسطى (على الرغم من أنه لا يعير هذا الخطر أي أهمية). ومع ذلك، فإن استمرار الغارات الأميركية ضد تنظيمي الدولة والقاعدة في سوريا بعد سقوط النظام يثبت أن التهديد لا يزال قائماً، فقد واصلت القيادة الوسطى الأميركية مع قسد تنفيذ عمليات مشتركة ضد فلول التنظيم تكللت بالنجاح.
يتعين على الولايات المتحدة خلق حالة توازن في علاقاتها مع بغداد وأربيل في حال إرسالها لمزيد من جنودها إلى إقليم كردستان، إذ قد يحتاج الكرد لضمانات أمنية، يمكن أن تشمل نظم دفاع صاروخي بموافقة بغداد، وذلك لردع أي هجوم يمكن أن يستهدف أربيل. وفي حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، فيجب أن تبدأ بمحادثات مع تركيا لاحتواء أي تصعيد عسكري قد يُزعزع الاستقرار. كما يمكن لواشنطن أن تدعم عملية السلام الجديدة التي أصبحت قيد النقاش حاليًا بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، وثمة حاجة لتوقيع اتفاقيات ثنائية جديدة بين بغداد ودول التحالف في حال إنهاء مهمة التحالف، وكذلك بهدف تطوير برنامج خاص لتأشيرات الهجرة المخصصة للشركاء السوريين والعراقيين الذين تعاونوا مع القوات الأميركية، تحسبًا لأي انسحاب أميركي مرتقب.
المشهد العسكري والسياسي الحالي
تأسست فرقة العمل المشتركة الموحدة وعملية العزم الصلب في تشرين الأول من عام 2014، وتضم قوات من 25 دولة، وهي جزء من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم 87 دولة عضواً في محاربة تنظيم الدولة. وتعمل قوات فرقة العمل المشتركة الموحدة وعملية العزم الصلب مع قوات مكافحة الإرهاب العراقية، وقيادة العمليات المشتركة في العراق، والقوات الجوية العراقية، وقوات البيشمركة العراقية والكردية، والقوات التابعة لها التي تسعى لمكافحة للإرهاب، وعلى صعيد منفصل، هنالك بعثة حلف شمال الأطلسي إلى العراق.
تحتفظ قوات التحالف التي تترأسها الولايات المتحدة بنحو 2500 جندياً في العراق، ولديها وجود عسكري موزع على أربع قواعد رئيسية وهي قاعدة أربيل الجوية في إقليم كردستان ومركز الدعم الدبلوماسي في بغداد عند المطار، وقاعدة يونيون الثالثة الواقعة في المنطقة الخضراء ببغداد، وقاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار. وفي كانون الأول من عام 2021، أعلن التحالف عن تغير دوره من قتالي إلى استشاري في العراق وذلك بعد انتهاء العمليات الكبرى ضد تنظيم الدولة في 2017. غير أن القوات الأميركية واصلت مساهمتها في عمليات مشتركة، ومنها تلك العملية التي نفذت في غربي العراق واستهدفت تنظيم الدولة في آب من عام 2024 ما أسفر عن إصابة سبعة جنود أميركيين، كما شاركت في عملية نفذت في السادس من كانون الثاني والتي قتل فيها أحد جنود التحالف.
أما في سوريا، فهنالك نحو 2000 جندي أميركي في شمال شرقي سوريا، ضمن محافظتي دير الزور والحسكة، ويشمل ذلك منطقة خراب الجير، ومهبط الرميلان، والشدادي، والقرية الخضراء التي أقيم فيها مركز لدعم العمليات، وفي منطقة كونكو، وفي قاعدة التنف المقامة على الحدود السورية-الأردنية. وهذه القوات تعمل على دعم عمليات قوات سوريا الديمقراطية منذ قيام معركة كوباني. كما تنشط قوات التحالف في الرقة، وعملت أيضاً من مدينة كوباني على مراقبة مساعي وقف إطلاق النار بين الفصائل المدعومة تركياً وقسد في منبج.
حافظت القوات الأميركية على شراكتها مع قسد منذ هزيمة تنظيم الدولة في آذار من عام 2019 في معركة البوغوز، كما دعم التحالف الجيش السوري الحر في قاعدة التنف القريبة من الحدود مع الأردن والعراق، لكنها وسعت نفوذها بعد سقوط الأسد إلى تخوم تدمر.
ومنذ سقوط نظام الأسد، تعرض كرد سوريا لهجمات شنتها فصائل مدعومة تركياً. ثم إن النظام الجديد في دمشق تربطه علاقات وطيدة مع تركيا، ولهذا يناقش مع أنقرة مخططات لإقامة قواعد تركية في سوريا.
وفي كانون الأول من العام الفائت، أجبرت الفصائل المدعومة تركياً قوات قسد على الانسحاب من شمالي حلب ومنبج، ولايزال القتال محتدماً بالقرب من سد تشرين الاستراتيجي. يذكر أن تركيا نفذت ثلاث عمليات عبر الحدود منذ عام 2016 وكان هدفها من خلالها الحد من الإدارة الذاتية لقسد مع التلويح بشن هجمة عسكرية أخرى عبر الحدود، وذلك لأن تركيا تعتبر قسد رديفاً لحزب العمال الكردستاني الذي صنفته الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي، ولذلك شدد المسؤولون الأميركيون على أهمية مواصلة دعمهم لقسد وسعوا لقطع الطريق على أي عملية تركية جديدة.
وبصرف النظر عن المساعدات المقدمة لقوات قسد، يسعى التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة إلى ترحيل الأجانب ضمن مقاتلي تنظيم الدولة ومساعدة قسد على تأمين السجون والمخيمات التي تؤوي عائلات مقاتلي تنظيم الدولة، وعلى رأسها مخيم الهول.
ديناميات العلاقات ما بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية وإقليم كردستان
منذ سقوط صدام حسين في 2003، شهدت العلاقات بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان توترات حول الميزانية، وذلك بخصوص تمويل قوات البشمركة وصادرات النفط، والمناطق المتنازع عليها مثل منطقة كركوك الغنية بالنفط. وتنص المادة 140 من الدستور العراقي على إجراء استفتاء للبت بأمر تلك المناطق وتابعيتها إما لإقليم كردستان أو للعراق. إلا أن هذا الاستفتاء لم ينفذ حتى الآن.
وبعد أن حررت الولايات المتحدة العراق، تقدمت قوات البشمركة نحو أجزاء من محافظة نينوى وكركوك وديالى، على الرغم من معارضة بغداد. وفي كانون الثاني من عام 2010، اتفقت القوات الأميركية والعراقية وقوات البشمركة الكردية على تسيير دوريات مشتركة في تلك المناطق بهدف الحد من التوتر. وفي حزيران من عام 2014، تقدمت البشمركة في المناطق المتنازع عليها بعد انهيار الجيش العراقي تحت وطأة إحدى عمليات تنظيم الدولة، وبعد مرور شهر على إقرار الاستفتاء باستقلال كردستان في أيلول 2017، أخرج الجيش العراقي قوات البشمركة من المناطق المتنازع عليها، فاستغل تنظيم الدولة الفراغ الحاصل في السلطة ضمن ما يعرف بخط التنسيق الكردستاني الذي يفصل بين القوات المسلحة العراقية وقوات البشمركة في المناطق المتنازع عليها، واستعان مقاتلو تنظيم الدولة بتلك الثغرات الأمنية التي تمتد على مسافة تتراوح ما بين 3-5 كيلومترات ليشنوا هجومهم على قوات الأمن العراقية والكردية، إلى جانب قتلهم لمدنيين واختطافهم لآخرين وممارسة الابتزاز عليهم من أجل تحصيل الأموال. ونتيجة لذلك، ضغط التحالف من أجل إقامة جسور مشتركة من القوات العراقية وقوات البشمركة وذلك لسد الثغرة كما حرص على رفع مستوى التنسيق بين بغداد وأربيل، فانتقد بعض السياسيين في العراق الولايات المتحدة بسبب المدفعية التي قدمتها لقوات البشمركة الكردية، إذ خشي هؤلاء من تعاظم قوة تلك القوات، مما كشف بأن الدعم الذي قدم من أجل أي تطورات مستقبلية قد جرى تقديمه على مستوى عال من التنسيق. وفي تشرين الأول من عام 2017، وقعت اشتباكات بين قوات البشمركة وقوات الأمن العراقية عقب محاولة العراق التقدم في مواقع البشمركة، غير أن العراق استغل قوته ونفوذه منذ فترة قريبة للحد من الاستقلال الذاتي الممنوح لإقليم كردستان.
أما حالياً، فتعمل كل من إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وهولندا، والولايات المتحدة على تقديم دور استشاري في معظمه داخل إقليم كردستان، وذلك ضمن عمليات المجموعة الاستشارية متعددة الجنسيات التي تؤيد برنامج الإصلاحات وتدعمه حتى يعمل على توحيد القطعات العسكرية التابعة لأحزاب سياسية متناحرة وعلى رأسها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني تحت مظلة وزارة شؤون البشمركة.
قدمت الدول المشاركة في التحالف التدريب والسلاح لقوات البشمركة والقوات العراقية خلال حرب القضاء على تنظيم الدولة، ولهذا، في حال قررت القوات الأميركية الرحيل عن تلك المناطق، فسيكون من الصعب الالتزام ببرنامج الإصلاحات لكونه يعتمد على الدعم التقني والمالي الذي يقدمه التحالف والدول الغربية، كما يرجح أن تتحول مواصلة الدعم إلى عنصر ضروري بالنسبة للعلاقات الثنائية الجديدة.
أكد العقيد والتر فان بيجليفت وهو مستشار عسكري سابق لدى القنصلية الهولندية العامة بأربيل على أن المجموعة الاستشارية متعددة الجنسيات ليست جزءاً من التحالف، ولهذا بوسعها البقاء ومواصلة عملها ككيان منفصل، وأضاف: “أما عملية العزم الصلب فتمثل التحالف وتشارك في المجموعة الاستشارية متعددة الجنسيات بوصفها كياناً سابعاً مضافاً لها”. ولقد قدّم صندوق وزارة الدفاع الأميركية لتدريب وتجهيز القوات ضد تنظيم الدولة مخصصات مالية لرفد رواتب قوات البيشمركة التابعة لوزارة شؤون البيشمركة. ومن المقرر أن تتوقف هذه المخصصات في عام 2026، لكن التحالف الدولي يتوقع أن يستمر هذا الدعم لما بعد تشرين الأول من عام 2026.
وفي كانون الأول الماضي، زار وزراء دفاع هولندا وإيطاليا وألمانيا كلًا من بغداد وأربيل لمناقشة عملية الانتقال نحو اتفاقيات أمنية ثنائية واستمرار مكافحة تنظيم الدولة، وذلك في ظل التطورات التي أعقبت سقوط النظام السوري، وهذا ما دفع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى التصريح بأن العراق يجري حاليًا مباحثات حول علاقات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى مثل فرنسا.
وأضاف بأن هذه الاتفاقيات ستأتي: “بشكل وأسلوب مختلف.. كما أعطينا الموافقة بشأن بقاء بعثة حلف شمال الأطلسي”.
في حين صرح وزير الدفاع الهولندي روبن بريكلمانس بأن النقاشات مستمرة حول احتمال انسحاب قوات التحالف، وحذر من أنه سواء تم الانسحاب أم لا، فإن “أي تصعيد للتوتر في سوريا قد يمنح تنظيم الدولة فرصة لتعزيز موقعه هناك”.
وخلال جلسة تثبيت تعيينه في مجلس الشيوخ الأميركي، صرح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن تخلي الولايات المتحدة عن شركائها ستترتب عليه عواقب وخيمة، وقال:
“لقد قدم هؤلاء الشركاء تضحيات كبيرة وتعرضوا لمخاطر جسيمة، بل إنهم هم من سجن مقاتلي تنظيم الدولة.”
وأكد في بيان صدر في 9 آذار بأن:
“الولايات المتحدة تقف إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمع الكردي.” وبحسب تقارير، فإن العراق تراجع أيضًا عن موقفه الداعم لانسحاب قوات التحالف، وذلك بعد سقوط النظام السوري الذي كان حليفًا للحكومة العراقية.
وفي تصريح له خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في شباط الماضي، شدد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني على أن التوقيت “غير مناسب” لانسحاب التحالف من العراق.
العوامل المؤثرة في إعادة انتشار القوات
في حال بقاء القوات الأميركية في العراق، فإنها ستتعرض لتحديات أمنية عديدة. إذ على الرغم من تعهد بغداد بحماية قوات التحالف، واصلت الجماعات المسلحة الموالية لإيران استهداف هذه القوات في العراق وسوريا باستخدام الطائرات المسيّرة، وصواريخ أرض-جو، وقذائف صاروخية، فقد شنت هذه الجماعات ما لا يقل عن 170 هجوماً منذ اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول 2023.
وتمثل تلك الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية جزءاً من حملة الضغط التي تشنها إيران لإجبار القوات الأميركية على مغادرة العراق، وهذه الحملة بدأت قبل الحرب على غزة. وإضافة إلى ذلك، نفذت إيران والجماعات التي تدعمها 32 هجوماً في إقليم كردستان بين أيلول 2018 وتشرين الأول 2023. وتعتبر وزارة شؤون البيشمركة هذه الميليشيات إحدى التهديدات الرئيسية، وخاصة بعد أن أدى هجوم صاروخي إيراني في كانون الثاني من عام 2024 إلى مقتل رجل الأعمال الكردي بشرو ديزايي.
ينص قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي لعام 2024 على تزويد قوات البيشمركة بنظم دفاع جوي لتحمي نفسها من هذه الهجمات. وأشارت تقارير إلى أن الولايات المتحدة تتوقع البقاء في كردستان إلى ما بعد عام 2025 وذلك لتكون ضمانة أمنية في وجه هذه التهديدات، إلا أن وجود القوات الأميركية هناك يجعل الإقليم أيضًا هدفاً لإيران، خاصة إذا تمركز معظم الجنود في كردستان. كذلك قد يُثير تعزيز الوجود العسكري الأميركي في كردستان مخاوف جيران العراق وذلك بالنسبة إلى احتمال دعم الولايات المتحدة لقيام دولة كردية مستقلة، وهذا ما يحتم إبقاء جنود أميركيين بهدف التنسيق في بغداد.
وإذا تحتم بقاء القوات الأميركية وعساكر تابعين لدول أخرى في العراق بموجب اتفاقيات ثنائية، عندئذ لابد من مواصلة تقديم الرواتب والدعم من أجل إدخال إصلاحات على قوات البشمركة حتى تسقر أمورها وتتعزز إمكانياتها إلى جانب مواجهتها للميليشيات المدعومة إيرانياً، كما أن السبب وراء ذلك يتلخص في أن المجموعة الاستشارية متعددة الجنسيات لا تتبع للتحالف بشكل رسمي.
خطوات محتملة لإعادة الانتشار وتداعياته
هنالك قوات من عدة دول تابعة للتحالف موجودة في قاعدة أربيل الجوية، في حين تم إخلاء قوات التحالف من قاعدة حرير الجوية في كردستان في 20 تشرين الأول 2024. وتخطط الولايات المتحدة والعراق لتقليص عدد قوات التحالف البالغة 2500 جندياً خلال عامين.
تواصل قوات التحالف تقديم المشورة للقوات الأمنية العراقية والكردية، وتشارك الوحدات الخاصة في عمليات مكافحة الإرهاب، بما أن الولايات المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا دخلت في شراكات فعلية مع قطعات مكافحة الإرهاب العراقية والكردية وتلك التابعة للبشمركة، وهدفها تحييد المخاطر المتمثلة بخلايا تنظيم الدولة. وفي حال رحيل التحالف عن العراق، فإن هذه العمليات قد تتوقف على الأرجح، ما لم تُوقّع اتفاقيات ثنائية جديدة، رغم أنه من المرجّح استمرار هذه العمليات للحد فرص تنظيم الدولة في العودة إلى الظهور من جديد.
خلاصة
لتوطيد الثقة واستمراريتها مع كل من بغداد وأربيل بعد قيام علاقات جديدة بين العراق والولايات المتحدة، ينبغي على الولايات المتحدة تحقيق توازن دقيق يمنع ظهور أي انحياز واضح لكردستان. لذا، يجب الإبقاء على قوة صغيرة من القوات الأميركية في بغداد بعد انسحاب التحالف وذلك لتنسيق العمليات مع الحكومة العراقية.
نفّذ تنظيم داعش أكثر من 150 هجوماً في عام 2024 في كل من العراق وسوريا، وهذا العدد أعلى من عدد الهجمات التي أعلن التنظيم عن تنفيذه لها في 2023. وبعد سقوط النظام السوري وتولي حكومة انتقالية وأحمد الشرع لمقاليد الحكم في سوريا في كانون الأول الماضي، تواصل مسؤولون أميركيون مع الإدارة السورية الجديدة، كما أعرب مسؤولون عراقيون عن تخوفهم من استيلاء تنظيم الدولة على أسلحة الجيش السوري والعمل على إعادة تنظيم صفوفه من جديد.
بلغت تلك المخاوف أوجها في العواصم الغربية مع احتمال هروب مقاتلي تنظيم الدولة وأهاليهم المحتجزين في شمال شرقي سوريا في حال نفذت تركيا أي هجوم يستهدف قسد، ولهذا لابد من الاعتماد على مزيد من الدبلوماسية الغربية لاحتواء الوضع، كما أبدى المسؤولون في دمشق اهتمامهم بتولي أمور السجون والمخيمات المقامة هناك.
نظراً لاعتماد القوات الأميركية في سوريا على قواعدها في أربيل، فإن عمليات مكافحة الإرهاب في سوريا يمكن أن تستمر، إلا في حال قرر ترمب الانسحاب من سوريا، مما قد يفتح المجال لعودة التنظيم، خاصة في ظل تصاعد عملياته مؤخرًا في سوريا. لكن زيادة النفوذ الأميركي في كردستان قد تستدعي هجمات من جماعات مدعومة من إيران أو قوات الحشد الشعبي، الأمر الذي لابد أن يتطلب لضمانات حماية لأربيل.
من المرجح لأي وجود أميركي أقوى وأكبر في إقليم كردستان أن يحقق للولايات المتحدة نفوذاً أكبر في ملف إصلاح قوات البيشمركة التي تتبناه حكومة كردستان، ومن المرجّح استمرار الدعم المالي الأميركي لهذه القوات من أجل إقامة علاقة وطيدة مع إقليم كردستان، ومن المتوقع أن تبقى دول أوروبية مثل ألمانيا، وهولندا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا وغيرها من القوات العسكرية الدولية التابعة للتحالف الدولي من أجل محاربة تنظيم الدولة في العراق، وأن تواصل شراكتها وتقديم مشورتها لقوات الأمن العراقية وخاصة لقوات البيشمركة الكردية.
على الرغم من أن عدد القوات الأميركية في العراق وسوريا قليل نسبياً مقارنة بتعداد عساكرها في كوريا الجنوبية مثلاً، يلعب وجودها دوراً محورياً في منع عودة تنظيم الدولة والاحتفاظ بنفوذها في تلك المنطقة بما أنه يمكن لإيران أو روسيا أو حتى الصين ملء الفراغ الذي ستخلفه الولايات المتحدة حال رحيلها.
توصيات سياسية
إعادة تموضع القوات: ينبغي للإدارة الأميركية أن تحتفظ بالعدد الحالي لقواتها، مع نقل بعض القوات الموجودة في الأنبار إلى كردستان لتعزيز التعاون بين العراق وسوريا، وتقليل فرص تعرض القوات لهجمات من إيران وميليشياتها.
الاحتفاظ بالقوات الأميركية في سوريا: إن البقاء في شمال شرقي سوريا ضمانة للانتصار على تنظيم الدولة إلى جانب كسب الولايات المتحدة لنفوذ جديد عند تشكيل الحكومة السورية الجديدة، ثم إن القوات الأميركية وقوات قسد تقوم حالياً بحماية البنية التحتية النفطية المهمة التي يمكن أن تستفيد من الاستثمارات الأميركية في تطوير قطاع النفط والغاز.
إصلاح قوات البيشمركة: لابد أن يستمر الدعم الأميركي للإصلاحات الخاصة بقوات البشمركة، بيد أن هذا الدعم يجب أن يربط بشرط إحراز تقدم في تحقيق أهداف الإصلاحات إلى جانب تشكيل حكومة جديدة تضم الحزبين الكرديين (أي الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني).
التمركز الدائم للقوات: على وزارة الدفاع الأميركية أن تدرس فكرة إقامة قواعد دائمة لعساكرها في إقليم كردستان العراق، إلى جانب زيادة التمويل المخصص للإنشاءات العسكرية المعنية بتشييد الثكنات والمقار ومركز للاحتجاز في شمال شرقي سوريا.
الاستقلالية في مجال الطاقة وإجراء إصلاحات مصرفية: يجب على إدارة ترمب مواصلة دعم النمو الاقتصادي في العراق واستقلالية مجال الطاقة فيه وذلك عبر إنهاء الاستثناءات الممنوحة لإيران بخصوص قدرتها على بيع الكهرباء للعراق، مع تشجيع بغداد على استئناف تصدير النفط عبر أنابيب النفط التي تمر بين العراق وتركيا، إلى جانب توجيه إرشادات للمصارف العراقية من خلال الإصلاحات حتى تمنح المستثمرين العراقيين والأجانب مزيداً من الثقة.
الضمانات الأمنية: يحتاج الكرد أيضاً إلى ضمانات أمنية بسبب نشر عدد أكبر من القوات الأميركية، بما أن ذلك يمكن أن يشمل نشر نظم دفاع صاروخية بما يمنع تعرضها لأي هجوم، ويبنغي لذلك لأن يتم بشفافية وبموافقة بغداد على تجنب تصعيد التوتر وذلك بموجب اتفاقيات أمنية مشتركة، كما لابد من تحذير إيران من مغبة تنفيذ أي هجوم على الكرد العراقيين سواء عبر وكلائها أو من بواسطة الصواريخ الباليستية التي تملكها.
التعاون الإقليمي: قد يسهم إشراك تركيا في النقاشات حول النشاطات العسكرية الأميركية في العراق وسوريا في التخفيف من حدة الأعمال العسكرية التركية التي لابد أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وبوسع الولايات المتحدة دعم عملية السلام بين حزب العمال وأنقرة التي ماتزال في الوقت الراهن قيد المناقشة في تركيا، كما يمكن للولايات المتحدة مواصلة دعمها لقسد في أثناء عملية اندماجها ضمن صفوف وزارة الدفاع السورية الجديدة.
الاتفاقيات الثنائية: على العراق أن يسارع إلى توقيع اتفاقيات ثنائية جديدة مع دول التحالف إلى جانب تلك التي وقعها مع الولايات المتحدة، تحسبًا لما يمكن أن يحدث بعد عام 2026 وللتطورات التي تحدث اليوم في سوريا.
البرنامج الخاص لمنح التأشيرات: في حال الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا، يتوجب عندئذ على الولايات المتحدة إطلاق برنامج خاص بمنح تأشيرات الهجرة على أن يخصص للشركاء السوريين، وأن يستمر العمل به مع الشركاء العراقيين وذلك من أجل حماية من خاطروا بأرواحهم عندما دخلوا في شراكة مع الولايات المتحدة.
المصدر: New Lines Institute
تلفزيون سوريا