سوريا: وثائق تكشف القصة الكاملة وراء إشراف نهلة عيسى على أفلام وثائقية طلبتها المخابرات الجوّية

أحمد حاج حمدو – – أحمد حاج بكري (سراج) مصعب الياسين – عمّار المأمون (درج)
22.03.2025
عام 2013، وبينما المظاهرات في سوريا تعمّ الشوارع، قررت “المخابرات الجوّية” إنتاج مجموعة أفلام وثائقيّة بناء على اعترافات معتقلين كانوا في عهدتها، واقتُرح إشراك مجموعة من الأساتذة الجامعيين في عملية صناعة الأفلام، على رأسهم الأستاذة في كلية الإعلام الدكتورة نهلة عيسى التي رُشحت لـ”إخراج” أحد الأفلام من “الناحية المنهجية”.
كشفت وثائق حصرية اطّلعت عليها “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج” و”درج”، بعد سقوط النظام السوري، في مقرّ المخابرات الجوّية في المزة، أن المخابرات الجوّية أوعزت بضرورة إنتاج “أفلام وثائقية”، لتضليل الرأي العام السوري بعد اندلاع الثورة، وتدعيم سردية الأسد ضدّ المعارضة، بما في ذلك”ارتهانها الأعمى للخارج”، و”ارتباطها بجماعات إرهابية عابرة للحدود”، فضلاً عن إيهام السوريين بأن البلاد “ستخرج منتصرة بقيادة بشار الأسد”، حسبما تُشير الوثائق المكتوبة بخط يد أحد ضبّاط المخابرات الجوّية، سيئة الصيت.
ففي عام 2013، وبينما كانت المظاهرات التي تهتف بإسقاط بشار الأسد في أوْج ذروتها، بالتزامن مع توسّع العمل المسلّح ضدّ النظام، وتصاعد عمليات “الجيش السوري الحر”، كانت “المخابرات الجوّية” السورية التابعة للجيش والقوّات المسلحة، تفكّر في كيفية الاستفادة إعلامياً من مجموعة معتقلين لديها، فقرّرت رفع مقترح إلى العميد الركن قحطان خليل (الذي تمّت ترقيته في كانون الثاني/ يناير 2024 الى رتبة لواء) لإنتاج سلسلة أفلام وثائقية لضرب المعارضة.
المفارقة أن “المخابرات الجوّية” عملت على اقتراح إشراك مجموعة من الأساتذة الجامعيين في عملية صناعة الأفلام المنوي إنتاجها، على الرغم من أن هؤلاء الأساتذة كانوا يقومون في الوقت نفسه بدورهم الأكاديمي، في تدريس المناهج وتخريج طلاب في اختصاصات مختلفة في الكليات والجامعات السورية، وكان على رأسهم الأستاذة في كلية الإعلام الدكتورة نهلة عيسى التي رُشحت لـ”إخراج” أحد الأفلام من “الناحية المنهجية”.
تواصلنا مع الدكتورة نهلة عيسى، التي أكدت في ردّها: “لم أُخرج، ولم أُنتج، ولم أكتب سيناريو فيلم، كل ما في الأمر أنه في نهاية العام 2012 على ما أعتقد، اتّصل بي العميد قحطان خليل ودعاني لشرب فنجان قهوة في مكتبه، وقد رفضت وقلت له بالحرف ضاحكة: (يا عمي الله يسعدكم ويبعدكم) فردّ عليّ بكل تهذيب: أنني سأكون جزءاً من اجتماع موسّع سيحضره الكثير من أساتذة الجامعة والمحامين والناشطين في مجال العمل العام، والإعلاميين، وحتى ناس عاديين، لأخذ رأينا في موضوع مرتبط بما كان يجري من أحداث في الوطن”.
كلية الإعلام: بناء جديد ودعاية أسدية!
افتُتح قسم الإعلام في كلية الآداب في جامعة دمشق في عام 1987، وفي 1 آذار/ مارس 2011، افتُتحت كلية الإعلام بوصفها كلية مستقلة، منفصلة عن كلية الآداب، مُلحقاً بها استديوهات التصوير التلفزيوني، وكان الهدف تدريب الطلاب على مهارات العمل الإعلامي.
الكلية الجديدة ترافقت مع بناء جديد يختلف عن باقي أبنية الجامعة، وتمّ إيجاد نظام جديد أيضاً للدراسة عُرف باسم “نظام الساعات المعتمدة”، كان قائماً على تكثيف الامتحانات والجوانب العملية، وفرز الطلاب ضمن أربعة أقسام: الإذاعة والتلفزيون، والصحافة والنشر، والإعلام الإلكتروني، والعلاقات العامّة، وهو ما شكّل بادرة أمل لأجيال جديدة من الطلاب في تنويع الخبرات التي يحتاجها سوق العمل.
تزامن افتتاح الكلية مع اندلاع الثورة في سوريا، وتحوّل المكان الذي من المفترض أنه “يُلقّن” طلابه مفاهيم الشفافية والعمل الصحافي، إلى مساحة خطرة، خصوصاً مع وجود أعضاء من الكادر التدريسي تحوّلوا لاحقاً إلى جزء من بنية النظام، منهم الدكتور بطرس الحلّاق الذي عُيّن وزيراً للإعلام في عام 2021، وخضع للعقوبات الأوروبية.
بعد تفجير استديوهات قناة “الإخبارية السورية” الحكومية في بلدة دروشا في ريف دمشق، في 27 حزيران/ يونيو 2012، تمّ “احتلال” استديوهات الكلية من قِبل كادر القناة، وحرمان الطلاب من فرصة التدريب، وما تزال الاستديوهات إلى الآن في عهدة “الإخبارية السورية”، حسب عميدة الكلية السابقة والمدرّسة الدكتورة بارعة شقير.
أبرز وجوه الكلية الدكتورة نهلة عيسى التي تدرّس عدداً من المواد في الكلية، وشغلت منصباً إدارياً فيها. وقد تمّ إيقافها عن العمل من قِبل وزارة التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة الحالية، إثر وقفة احتجاجية نظّمها طلاب أمام مدخل الكلية، رفعت شعارات من قبيل “لا لشبّيحة الجامعة”.
إذ إنه مع اندلاع الثورة في سوريا، انطلقت مظاهرات عدّة في جامعة دمشق، وتعرّضت للقمع مباشرةً على يد “الاتّحاد الوطني لطلبة سوريا”، واعتُقل طلاب من كلية الإعلام، بعضهم قضى تحت التعذيب، كما يبرز اسم الدكتورة عيسى أثناء الحديث عن كلية الإعلام بصورة دائمة، لا سيما بسبب التهم الموجّهة إليها بترهيب الطلاب.
يستذكر الصحافي عماد خورشيد في حديثه لـ”سراج”، كيف استدعته الدكتورة نهلة في صيف العام 2011، عندما كان طالباً في الكلية، قائلاً: “قامت بتوبيخي بسبب مواقفي المعلَنة الداعمة للثورة السورية، ووجّهت تهديدات مبطّنة، ولكن لم أفهم تلك التهديدات على منحى شخصي”.
في حزيران/ يونيو 2011، ومع وصول الطالب عماد خورشيد إلى كلية الإعلام في جامعة دمشق لتقديم امتحانات التخرّج، وجد على لوحة الإعلانات استدعاء له وزميله محمود علي، لمراجعة سكرتيرة نائب عميد الكلية للشؤون الإدارية نهلة عيسى.
في ذلك الحين، كانت قد مضت أشهر قليلة على اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، فيما لم يتبقَّ لتخرّج خورشيد سوى تقديم امتحانين فقط. لكن مع وصوله وزميله محمود علي إلى مكتب السكرتيرة، وتُدعى سوسن، واستفسارهما عن سبب طلب المراجعة، طلبت منهما الأخيرة الانتظار وذهبت إلى غرفة مجاورة حيث أجرت اتصالاً، كما يروي خورشيد لـ”سراج”. وبعد خمس دقائق فقط، دخل ثلاثة أشخاص إلى مكتب السكرتيرة، تبيّن سريعاً أنهم من المخابرات السورية، مع طلبهم من خورشيد وعلي التوقيع على ورقة تبليغ لمراجعة الفرع 227 التابع للأمن العسكري (شعبة المخابرات العسكرية) بزعم وجود “مشاكل في أوراق التجنيد يجب حلّها”.
وكما يوضح خورشيد ، فإنه “قبل أسبوعين فقط من تلك المحادثة، استدعتني نائبة عميد كلية الإعلام للشؤون الإدارية نهلة عيسى، وقامت بتوبيخي بسبب مواقفي المعلَنة الداعمة للثورة السورية، ووجّهت تهديدات مبطّنة، ولكن لم أفهم تلك التهديدات على منحى شخصي”، ويقول إنه “عندما طلبت منا السكرتيرة سوسن الانتظار، قرّرت اللحاق بها ورأيتها تتحدّث عبر الهاتف، وأخبرت زميلي محمود علي أننا قد نكون على وشك الاعتقال، لكن لأننا لم نكن متأكدين قرّرنا البقاء وعدم تثبيت التهمة علينا”.
في اليوم التالي لتسلّم الاستدعاء، ذهب خورشيد وزميله محمود علي إلى الفرع 227، ليتمّ اعتقالهما لمدّة ثلاثة أسابيع، بتهمة التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام والتواصل مع وسائل إعلام خارجية، كما يذكر خورشيد لـ”سراج”.
“مين أنتو وليك!”
بحسب روايات الطلاب الذين قابلناهم ودرسوا في كلية الإعلام على مدار العقد الماضي، وفي السنوات الأولى من عمر الثورة، شكّلت الدكتورة عيسى رعباً لأغلب طلاب الكلية، تخلّلته الإهانات والشتائم المناطقية، كما تتّهمها الطالبة نرجس فرج القادمة من محافظة دير الزور، إذ تروي “أنها كانت ذاهبة إلى مكتب الدكتورة لتقدّم خطة بحثية جديدة لرسالة الماجستير الخاصّة بها، كون عيسى اختارت الإشراف على نرجس، بل حاولت فرض موضوع محدّد عليها، لتفاجأ بأن الدكتورة تتحدّث مع شخص على الهاتف تخاطبه تارةً بـ”سيادة العميد” وتارةً أخرى “أبو إياد”، وخلال التحدّث معه كانت توجّه إهانات لأهالي دير الزور.
توضح نرجس لـ”سراج”: “قالت كلمات من قبيل (نساؤهم تحت أحذيتكم يا أبو إياد) والكثير من الكلام المهين بحقنا، وهنا لم أستطع كتم غيظي رغم أنني حاولت كثيراً، وعندما أغلقت الهاتف قلت لها: لماذا قلت هكذا عنا؟ وهي لم تكن تعرف أني من دير الزور، فأجابتني: مين أنتو وليك؟ هنا عدت للتحدّث بلهجتي الأصلية، وقلت لها نحن أهالي دير الزور، فسألتني: ليش أنت من دير الزبالة؟”، وهنا قالت لها نرجس: “احترمي نفسك دكتورة”، فتوعّدتها الأخيرة بأنها “لن تبات في بيتها”.
إثر ذلك تركت نرجس دراستها وهربت إلى ريف دير الزور الخارج عن سيطرة النظام، في الليلة ذاتها، وفي اليوم التالي داهمت مجموعة مسلّحة منزل نرجس، وسألت عنها لكنّها لم تجدها. والغريب في الأمر أن عائلة نرجس؛ كما تروي الطالبة، قامت بالتحقّق الأمني من ملّفها (فيش رباعي) عدّة مرات وتبيّن أنها لم تكن مطلوبة لأي جهة، ولم تُعرف الجهة التي داهمت منزلها.
في ردّ مكتوب على أسئلة معدّي هذا التقرير، وصل إلى “سراج” و”درج”، ترفض الدكتورة عيسى التهم كافّة، الموجّهة إليها بشأن تعاونها مع نظام الأسد المخلوع وأجهزته الأمنية، لا سيما تسليم طلاب للفروع الأمنية.
في الردّ الذي ننشره كاملاً أدناه، أرجعت عيسى “ما يُروى عن تسليمي للطلاب للأمن” إلى “محاولة شيطنة لشخصي لأنه جسمي “لبّيس” لأنني ابنة ضابط سابق (رغم أنه مسرّح من الخدمة منذ تسعينيات القرن الماضي) وأيضاً من طائفة معيّنة مُدانة الآن للأسف، ولكن قطعاً أنا لم أفعل ذلك، لأن قيمي وأخلاقي وكرامتي لا تسمح بذلك”.
وفي ما يتعلق بقضيّة الطالب تحديداً، فإن استدعاءه، كما تقول، كان “لنُصحه باعتباري أم خائفة على أحد أولادها قبل أن أكون أستاذة (وليس لتهديده كما أشار) للالتفات لدراسته، وإعلان رأيه خارج الجامعة، منعاً للاحتقان وللخلافات مع زملائه داخل الكلية”.
وثائقيات المخابرات الجوّية
في إحدى الوثائق، يرد اسم الدكتورة عيسى كعضو لجنة حكم، تم ترشيحها للمشاركة في إنتاج فيلم وثائقي، وتم ترشيحها لـ”إخراج الفيلم من الناحية المنهجية”، وتبرير ذلك يرتبط بتحصيلها العلمي، والأهم علاقتها مع الفيلم الوثائقي بشكل خاص، كونها ألّفت كتاباً عن الموضوع في عام 2020 صدر عن مطبوعات “الجامعة الافتراضية السورية”.
في الوثيقة ذاتها، المؤرّخة يوم 18 يناير/كانون الثاني 2013 والمذيّلة بموافقة العميد قحطان خليل مع عبارة “بالسرعة الكلية”، موجّهة إلى اللواء مدير إدارة المخابرات الجوّية آنذاك، ترد قائمة بأسماء أعضاء لجنة تضمّ مجموعة من الأساتذة الجامعيين ورجل دين (شيخ) تتقدّمهم الدكتورة عيسى، تمّ وصفهم بـ”أنهم جميعاً موثوقون”، مهمّتهم وضع الأسئلة الخاصة بمحاور الفيلم الوثائقي.
وبحسب الوثيقة ذاتها، كتب العميد قحطان خليل للواء ما يلي:
في حال موافقة سيادتكم على الأسماء الواردة أعلاه (علماً أنهم جميعاً موثوقون) سيتمّ ترتيب اجتماع يوم السبت أو الأحد مساءً، لصياغة الأسئلة في كل محور، كما ستُشرف الدكتورة نهلا عيسى على عملية إخراج الفيلم الوثائقي من الناحية المنهجية.
د. العميد الركن المجاز قحطان خليل
من أهداف الفيلم الوثائقي: “إعادة ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية ورفع معنوياته وإضعاف معنويات المسلّحين وإحباطهم”، و”إظهار حقيقة قادة العمل المسلّح على أنهم مجموعة من الفاشلين الحاقدين وعديمي الضمير وبلا مبادئ”، و”تعزيز ثقة المواطن بالنصر وبخروج سوريا بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد أصلب وأقوى”.
اللافت أن الفيلم الوثائقي تمّ بالاتفاق مع رئيس فرع التحقيق، ويحوي محاور تحمل سردية تتلخّص بـ”إظهار الارتباط بالخارج”، و”إظهار دور التكفيريين والسلفيين في قيادة العمل المسلح”، و”إظهار هشاشة التشكيلات العسكرية وهشاشة قادتها”.
بحسب الوثيقة، يتألّف الفيلم من 11 محوراً، يُفترض تغطيتها في الفيلم بناءً على اعترافات معتقلين، وربما هذا ما يفسّر دور الاتفاق مع رئيس فرع التحقيق، إذ تُشير إحدى الوثائق الموجّهة إلى مدير إدارة المخابرات الجوّية، فرع التحقيق، إلى “الرؤية التي تمّ الوصول إليها للاستفادة من الموقوفين لدينا إعلامياً”.
هذه الاستراتيجية قائمة على مقابلات تُبث بصورة يومية بعد نشرات الأخبار، وبحسب إحدى الوثائق، فإن هدفها ربط “المجموعات المسلّحة” بـ”الفكر التكفيري السلفي الجهادي”، و”مقاربة الفكر القاعدي”، و”زرع الرعب في قلوب هؤلاء المسلّحين عبر بثّ صور اعتقالهم”، والأهم “الترويج وتهيئة المواطن السوري لما يسمّى القاعديون الجدد”، والتركيز على ذوي المعتقلين وهم “يعلنون البراءة من ذويهم الخونة وما جلبه سلوك أولادهم لهم من عار وخزي وذلّ وهوان”.
“المواد الأولية” المستخدمَة في صناعة الدعاية الأسدية تتجاوز المعتقلين نحو الاستفادة من التنصت، إذ تتضمّن إحدى الوثائق تفريغاً بالحرف والكلمة لمكالمة بين شخصين، مكتوبة بخط اليد، مع إشارة إلى رقم هاتف المتصل، ورقم هاتف متلقّي الاتصال، وفي آخرها عبارة “تُحفظ صورة عن المكالمة في ملف الفيلم الوثائقي”.
وكذلك صورة عن محضر استجواب من شعبة المخابرات – الفرع 294، تعود إلى العام 2013، أوصي بحفظ صورة عنها أيضاً لاستخدامها في الفيلم.
نقد فني في فرع أمني!
تتضمّن إحدى الوثائق الموجّهة إلى العميد قحطان خليل، بتاريخ 9 آذار/ مارس 2013، ملاحظات بالجملة للفيلم الوثائقي، مع مقترحات لتحسين العمل من إدارة المخابرات الجوية.
وثيقة أخرى، تتضمّن ملاحظات من أحد الاشخاص الذين شاهدوا الفيلم، وردت للمخابرات الجوّية حول “حقيقة الحراك المسلّح”، من غير المعروف إن كانت تلك الملاحظات أثناء العمليات الإنتاجية أو بعد العرض.
لكن هذه الانتقادات، حسب الوثيقة، تبدو “حالة صحّية” كونه “لكل عمل انتقادات لأنه ليس هناك شيء كامل إلا الله سبحانه وتعالى”، وايضاً “الملاحظات على الفيلم مجرّد وجهة نظر، أعتقد أنه إذا أُخذ بها سيكون أكثر تأثيراً”، حسب الوثيقة نفسها.
لكن ما لفت نظر واضعي الملاحظات على النسخة الاولية من الفيلم، بالدقيقة والثانية وهم على الأغلب ضبّاط في المخابرات الجوّية، هو “طريقة تصوير الإرهابيين”. بحسب وثيقة ملاحظات على الفيلم من الضابط الذي أوردها للجنة المنتجة او المشرفة، فإن الطريقة التي تمّ تصويرهم (المعتقلين) فيها (نظيفين وأنيقين وعلى مفروشات جلدية) وهي “سلاح ذو حدين فالموالي والرمادي والمعارض، لا يمكن أن يقتنعوا بأن المعتقل في سوريا بهذه الرفاهية، حتى لو كان ذلك حقيقة الأمر على الأرض”.
هذه الملاحظة جاءت في عام 2013، في الفترة نفسها التي انتشرت فيها صور لمعتقلين خرجوا من سجون النظام، “أشكالهم” بعد التعذيب لا تبدو بالشكل الذي يظهر به المعتقلون في الفيلم، خصوصاً أن الظاهرين في الفيلم موجودون “في مكان نظيف مرتب”، ما قد يثير الشك في أن “هؤلاء تم الدفع لهم أو شرائهم”، بحسب الوثيقة.
يقدّم بعدها التقرير “حلولاً” لهذه المشاكل: الإشارة إلى أن المعتقلين وضعوا في مكان مريح “كي يتحدّثوا على سجيتهم”، لكن يؤكد أحد الحلول “ضرورة حذف عبارة قالها أحد الإرهابيين وهي: ما حدا ضربني، ما حدا حاكاني”.
تُقدّم وثيقة أخرى نموذجاً للتوجيه الذي كان يأتي من المخابرات الجوّية. إذ تظهر ملاحظات على الحاشية بخط يد ضابط يحمل رتبة ومسمّى الرائد يامن سليمان، متدخلاً في تصحيح “السكريبت” الخاص بالفيلم، مبدياً نصائح بالحذف والإضافة بالدقيقة والثانية، بما يتماشى مع الهدف النهائي الذي تريده المخابرات من هذا الفيلم.
أفضى بحث فريق التحقيق عن أفلام وثائقية ظهر فيها واحد من الشخصيات المذكورة، إلى الوصول إلى فيلم وثائقي بعنوان “الحريق“، تم بثّه على جزئين على كل القنوات الرسمية (التلفزيون السوري، والإخبارية السورية، وقناة الدنيا) حمل الجزء الأول اسم “الوقود”، والثاني اسم “الحصار”.
ما أظهرته وثائق المخابرات الجوّية من خطّة عمل ومنهجية ومحاور، تم تنفيذه حرفياً في الكواليس ولدى إنتاج الفيلم، القائم على اعترافات مجموعة من المعتقلين، يردّدون سردية النظام التقليدية حول الجماعات الإرهابية وتعاطي المخدرات والتعامل مع الخارج.
وفي ما تقول عيسى “لم أُخرج، ولم أُنتج، ولم أكتب سيناريو فيلم”، فإنها تُقرّ، في ردّها ذاته، أنها كانت صاحبة اقتراح “تقسيم الفيلم” السابق إلى جزئين يحملان اسمي “الوقود”
و”الحصار”،
عقب دعوتها لمشاهدة فيلم طويل بدعوة من العميد قحطان خليل.
تقول عيسى عن الفيلم: “تضمّن الفيلم اعترافات لمعتقلين قادة، تحدّثوا فيها عن لقاءات أجروها مع رجال مخابرات أميركية وبريطانية وفرنسية وتركية، وأمراء عرب يموّلون الصراع الدائر على الأرض السورية، وذلك في غرفة “الموك” في الأردن…”، و تضيف “أن ما عُرض علينا مخيف لأنه يُشير إلى التورّط العربي والإقليمي والدولي في دماء السوريين، وأن حقيقة ما يجري على الأرض معظمه مخطط له، ومدفوع الثمن لتدمير سوريا (وهو أمر أكّده وزير الخارجية القطري فيما بعد، عندما تحدّث عن أنهم تهاوشوا على الصيدة وفلتت منهم) وقلت إن عرضه مهم جداً لكي يعي شعبنا موالاة ومعارضة، أن هناك أيدي خارجية تعبث في شؤونه الداخلية، لكني أكّدت ضرورة التفريق بين من خرجوا إلى الشارع من أجل قضايا وطنية مطلبية، وبين من هم فعلاً جزء من القرار السياسي والعسكري لما يجري على الأرض، لأن أصحاب المطالب يُستخدَمون من دون معرفة، كوقود في معارك أصحاب القرار، وأصحاب المشروع، ولذلك يجب تقسيم الفيلم إلى جزئين للتفريق بين الطرفين، وقد وافقني معظم الحاضرين الرأي، وهذه كانت مساهمتي، وليست لتجميل وجه النظام السابق، ولكن خوفاً على البلاد”.
واظبت الدكتورة نهلة عيسى على الظهور في وسائل الإعلام المقرّبة من النظام السوري، من قبيل “شام أف أم”، و”الفضائية السورية”، وقناة “الميادين”، حيث اتّهمت في عام 2018 “الجماعات المسلّحة” بأنها” تدعم المشروع الصهيوني- أميركي في المنطقة”، وفي العام 2020، في لقاء مع صحافية في قناة محلّية، نفت الدكتورة عيسى التهم الموجّهة إليها بأنها “ديكتاتورية في التعليم”، و”قاسية”، و”تُهين الطلاب”، معتبرة نفسها “صارمة صرامة الأم… ما يعنيني أن يذكرني (الطلاب) بعد عشر سنوات… ويجب أن أكون مُهابة”.
لكن عدا التهم، فإن للدكتورة عيسى دوراً علنياً في ضخّ “البروباغاندا” لصالح نظام الأسد على شاشات التلفزة، إذ فسّرت ما شهدته سوريا بأن هناك “أساطير تنتمي إلى ما يسمّى الربيع السوري، من ضمنها الحوريات وجهاد النكاح… كواحدة من عوامل الإغراء”.
كما تتّضح مؤشرات نفوذ عيسى في صور لها ملتقطة داخل قطعٍ عسكرية حساسة، من ضمنها صورتها الشهيرة داخل مطار عسكري، بالتزامن مع استخدام المطارات العسكرية السورية في الضربات الجوّية على المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، إضافةً إلى صورة أخرى مع مدافع وقذائف.
وقد خرجت على قناة “سما” الفضائية السورية مشكّكةً في الحصار، الذي تعرّض له أهالي مضايا في ريف دمشق من قبل قوات نظام الأسد وميليشيا حزب الله اللبناني بين تموز/يوليو 2015 ونيسان/أبريل 2017، قائلةً: “كيف سُربت هذه الصور؟”، أي صور المجاعات التي ضربت سكان المدينة “إذا كانت هناك حالة حصار مُطبق؟… على الأقل هناك “موبايل” أو أجهزة اتصال موجودة، وهذا لا يجري خلال الحصار”.
يُذكر أيضاً أن عيسى استُضيفت على “القناة الفضائية السورية”، لمناقشة وثائقي عن مجزرة “البيضا” في عام 2013، الذي يحوي مجموعة من الاعترافات التي تحاول تفنيد ما وصفته عيسى بـ”مجزرة مكتملة الأركان”، ارتكبتها “الجماعات الإرهابية” واتّهم بها الجيش السوري، في تناقض مع ما أشار إليه تقرير “هيومان رايتس ووتش” حينها.
تختم عيسى ردّها بالقول: “لم أكن موالية لبشار الأسد وهذا ليس تكويعاً، ولكنه حقيقة والجميع يعرفها، وكنت من أشدّ منتقدي مرحلة حكمه وعلناً”.
رد من د.نهلة عيسى ينشر كما هو :
“ليس لديّ ما أُخفيه، أو أخافه، أو أخجل منه، ولذلك سأُجيبك لأنه لا أحد فوق سلطة القانون، لا أنا ولا غيري، ومعرفة الحقائق مفيدة لنا جميعاً، ولكن لدي تساؤل لك أين هذه الوثائق التي تُشير إلى أني تعاونت ونسّقت مع أجهزة الأمن لكي أرى ما فيها، لأستطيع تفنيدها بالشكل الصحيح، لأن كل ما يوجَّه إليّ من اتهامات على مواقع التواصل يستند إلى روايات مرسلة، وتخمينات، وربما تمنيات بأن أكون كذلك.
لكن رغم عدم وجود وثائق سوف أردّ على تساؤلاتك بالترتيب:
1- لم أُخرج، ولم أُنتج، ولم أكتب سيناريو فيلم، كل ما في الأمر أنه في نهاية العام 2012 على ما أعتقد، أتصل بي العميد قحطان خليل، ودعاني لشرب فنجان قهوة في مكتبه، وقد رفضت وقلت له بالحرف ضاحكة: يا عمي الله يسعدكم ويبعدكم، فردّ علي بكل تهذيب: أنني سأكون جزءاً من اجتماع موسّع سيحضره الكثير من أساتذة الجامعة والمحامين والناشطين في مجال العمل العام، والإعلاميين، وحتى ناس عاديين، لأخذ رأينا في موضوع مرتبط بما كان يجري من أحداث في الوطن.
وفعلاً حضرت الاجتماع مع آخرين كثر في مسرح، وعُرض علينا فيلم طويل جداً يتضمّن اعترافات لمعتقلين قادة، تحدّثوا فيها عن لقاءات أجروها مع رجال مخابرات أميركية وبريطانية وفرنسية وتركية، وأمراء عرب يموّلون الصراع الدائر على الأرض السورية وذلك في غرفة “الموك” في الأردن، وأيضاً في تركيا، كما عُرضت علينا اعترافات لمعتقلين مقاتلين عرب وأجانب، على ما أذكر أحدهم كان تونسياً، وآخر فرنسياً ربما.
وبعد العرض سألونا عن رأينا جميعاً في ما عُرض، وعن مدى أهمية عرضه على الشعب السوري، وكان رأيي: أن ما عُرض علينا مخيف لأنه يشير إلى التورط العربي والإقليمي والدولي في دماء السوريين، وأن حقيقة ما يجري على الأرض معظمه مخطط له ومدفوع الثمن لتدمير سورية (وهو أمر أكّده وزير الخارجية القطري فيما بعد، عندما تحدّث عن أنهم تهاوشوا على الصيدة وفلتت منهم) وقلت إن عرضه مهم جداً لكي يعي شعبنا مولاة ومعارضة، أن هناك أيدي خارجية تعبث في شؤونه الداخلية، لكني أكّدت على ضرورة التفريق بين من خرجوا إلى الشارع من أجل قضايا وطنية مطلبية، وبين من هم فعلاً جزء من القرار السياسي والعسكري مما يجري على الأرض، لأن أصحاب المطالب يُستخدَمون من دون معرفة كوقود في معارك أصحاب القرار، وأصحاب المشروع، ولذلك يجب تقسيم الفيلم إلى جزئين للتفريق بين الطرفين، وقد وافقني معظم الحاضرين الرأي، وهذه كانت مساهمتي، وليست لتجميل وجه النظام السابق، ولكن خوفاً على البلاد.
2- منذ العام 2012 أشارت العديد من تقارير الأمم المتحدة، وبعض أجهزة المخابرات العالمية والعربية والإقليمية، إلى دخول مجموعات ارهابية إلى سورية للقتال فيها، بل إن أحد تقارير الأمم المتحدة في عام 2013، أشار إلى وجود أكثر من (80) فصيل إرهابي وجهادي تكفيري يقاتلون على الأرض السورية، وبالتالي فجزء كبير من الجيش السوري السابق كان يحارب الإرهاب، بل إن بعض الدول الكبرى في العالم والأمم المتحدة، وبعض فصائل المعارضة في الخارج كانت وما زالت تصنّف جبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام الآن، باعتبارها مجموعات ارهابية، وإن كانت الجبهة قد قاتلت فيما بعد ضد داعش، بل إن هذه الدول الكبرى أنشأت تحالفاً دولياً لمحاربة هذه المجموعات، وكثير من التقارير المخابراتية الدولية المسربة أو المعلنة طوعاً، أشارت إلى أن واحداً من أهم عوامل إبقاء هذه الدول على نظام بشار الأسد، أنه كان يقاتل هذه المجموعات، أي أنه كان شريكاً في محاربة الإرهاب.
ولذلك فالجيش السوري بمعظمه كان يقاتل مجموعات ارهابية دفاعاً عن سورية، ولذلك قمت بزيارة بعض المواقع العسكرية مع آخرين كثر، تجمّعات فنية، مؤسّسات مجتمع أهلي، جمعيات… الخ، لدعم الجيش معنوياً في حربه ضد الإرهاب والدفاع عن الوطن.
والدليل أن الحكومة الحالية تنظر للجيش السوري نظرتي ذاتها، إذ إنها لم تجرّم الجيش كله، بل أجرت تسويات وأعادت تقريباً الجميع إلى بيوتهم، وأصدرت قائمة بالمطلوبين من هذا الجيش باعتبارهم قاموا بسفك الدم السوري.
3- أي تنسيق أمني سيكون بيني وبين “جميل حسن”!! هل أنا قائد عسكري، وما مجال خبرتي بهذه الشؤون!؟
أنا فقط صديقة لأبنة اللواء جميل من قبل الأحداث، ولم أقابلها في الـ 14 سنة الماضية سوى مرتين أو ثلاثة، بسبب الظروف الأمنية للعائلة، ولم أقابل والدها في حياتي كلها سوى مرة واحدة في إطار عائلي ولدقائق.
4- كان رأيي المعلن إعلامياً وما زال حتى الآن، أن ما جرى في سورية على مدار السنوات الماضية هو حرب “اختلاط الحروب”، بمعنى أننا جميعاً قتلة وضحايا في الوقت نفسه، معارضة ومولاة وما بينهما، وأن جميعنا شارك في هذه الحرب شاء أم أبى، وأننا جميعاً خاسرون، وإذا كان سيكون هناك حساب فيجب أن نحاسَب جميعاً.
ولذلك فظهوري على وسائل الإعلام لم يكن دفاعاً عن نظام أنا أكثر من انتقدته، وتصنيف الشعب السوري في جبهتين “مولاة أو معارضة”، هو تقزيم وتصنيف جائر للعقل الوطني، وأنا كنت ممن ينقدون كلا طرفي الصراع، لأن المشاهدات على الأرض والتجربة المباشرة، كانت تؤكد أن الجيش يخوض معركة ضد الإرهاب، كمثال: الهاون اليومي لسنوات على مدينة دمشق الذي ذهب ضحيته مئات المدنيين، السيارات المفخخة، مذابح قرى صلنفة، مجازر عدرا العمالية… الخ، وبالتالي ظهوري الإعلامي كان قائماً على رؤيتي الشخصية المباشرة للأحداث التي أعايشها، ولم أدافع يوماً عن مجزرة، لأن النظام السابق لم يعترف بمجزرة لأدافع أنا عما فعله، بل العكس كنت ضد الدم، وقلت عشرات المرات على شاشات التلفزة أنه لولا أن الصراع أصبح مسلّحاً ومموّلاً من الخارج، لكنت أول الجالسين في ساحة الأمويين مع الثائرين، وهذا اللقاءات ومع الحل السياسي، خاصّة وأن معظم لقاءاتي التي توقّفت تقريباً منذ عام، موجودة على “اليوتيوب”، ولكن لا أحد ممن يجرمونني يعترف بها، وعامة معظم ظهوري القليل خاصة بعد 2015، على شاشات الإعلام السوري كان للحديث عن الدور الخطر للإعلام المعاصر في صناعة الحروب وتأجيجها، وشيطنة الخصوم، ما عدا لقاءات قليلة جداً بعد ذلك، تناولت قضايا إعلامية وأكاديمية.
هذا مع العلم أنني لم أكن خياراً مستحبّاً ولا مفضّلاً لدى وسائل الإعلام السورية، لأنني من وجهة نظرهم ضيف متعب لا يؤمَن جانبه، وأنني شديدة الانتقاد للدولة ومؤسساتها، ولا يمكن السيطرة عليّ.
5- كل ما يُروى عن تسليمي للطلاب للأمن هو محاولة شيطنة لشخصي، لأنه جسمي “لبيس”، لأنني ابنة ضابط سابق (رغم أنه مُسرّح من الخدمة منذ تسعينيات القرن الماضي) وأيضاً من طائفة معينة مدانة الآن للأسف، ولكن قطعاً أنا لم أفعل ذلك لأن قيمي وأخلاقي وكرامتي لا تسمح بذلك، ومعروف عني أنني لا يمكن أن أكون صبياً أو تابعاً لأحد مهما علا، ومن اتّهمني بذلك ونشر شكاواه على مواقع التواصل، واضح من صياغته للشكوى أنه يخمّن تخميناً أنني أنا من وشيت به! بناءً على استدعائي له إلى مكتبي قبل أسبوعين لنصحه باعتباري أم خائفة على أحد أولادها قبل أن أكون أستاذة (وليس لتهديده كما أشار) للالتفات لدراسته وإعلان رأيه خارج الجامعة، منعاً للاحتقان وللخلافات مع زملائه داخل الكلية.
وهو يعرف؛ أي الطالب، وجميع زملائي في الكلية أن اتّهامه لي لا صحّة له، ولا دليل عليه بالمرّة، لأني حتماً لا أعرف المواقف السياسية للطلاب، ولأن الأمن كان يراقب صفحاته على “الفيس” ولا يحتاج إلى تبليغ مني أو من غيري، ولأن الطلاب أنفسهم وخاصة الاتّحاد الوطني، كانوا يقومون بالإبلاغ عن بعضهم بعضاً.
بل العكس صحيح، اختلفت مع عميد الكلية في ذلك الوقت، وفي بهو الكلية وعلى رؤوس الأشهاد لكونه سمح للأمن باقتياد الطالب من الكلية، وقلت إنه ليس رجلاً لأنه سمح بأخذ طالب من بيته (كليته) وسارعت للاتصال بأمين فرع حزب الجامعة (الدكتور محمد الأحمد) باعتباره رئيس اللجنة الأمنية فيها، وطالبته بمنع الأمن من اقتياد الطلاب من كلياتهم لأن ذلك غير أخلاقي ولا تربوي، كما طالبته بإجراء الاتصالات اللازمة للإفراج عن الطالب وصديقه، وقد أُفرج فعلاً عنهما بعد يومين، وأتى والد الطالب معه إلى مكتبي لشكري على موقفي!!
6- إيقافي عن العمل وإحالتي إلى التحقيق من قِبل الجامعة، جاء على خلفية الشكوى التي تقدّم بها الطالب الذي رويت قصته أعلاه، وتحت ضغط الهجوم غير المسبوق عليّ، على مواقع التواصل من العديد من الأشخاص، معظمهم كان ينام ويتنعم في حضن النظام السابق، ويرفل بعزه، بينما أنا أسكن في حي عشوائي، وأركب سيارة شعبية قمت بتقسيطها من راتبي، ومُنعت من تولي منصب عميد كلية رغم أحقيتي بذلك في عام 2021، “بأوامر عليا”، أو كما قيل في الاجتماع “من فوق”، لأنه غير مرضي عني من الاتّحاد الوطني ووزير الأوقاف، وبالتالي من “الفوق” والدكتور يسار عابدين رئيس جامعة دمشق آنذاك، والدكتور خالد حلبوني أمين فرع الحزب شاهدان على ذلك، وهناك عشرات المواقف الأخرى التي دلّت على هذه المشاعر غير الودّية تجاهي من أركان النظام السابق، ولم تكن تعنيني لأنني لا أريد شيء منهم.
ولذلك اتّهامي بالدفاع عن نظام هو لا يحبني، ولم يحسبني يوماً عليه، وأنا لا أواليه ولم أسعَ يوماً لأن أكون من ضمن بطانته، ولا من حملة سيفه، ولا من الأكّالين على موائده يبدو غريباً أليس كذلك؟
ولهذا عندما تم إيقافي من قِبل الجامعة تقدّمت باستقالتي من الجامعة، لتخفيف الضغط على كليتي وزملائي الذين أصبحوا تحت المجه،ر في وقت قول الحقّ فيه مخاطرة كبرى، ولرفع الحرج عن جامعتي التي أفخر بالانتماء إليها، لأنها إن أنصفتني ستصبح في مرمى نيران مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا أتعالى بها عن أن تتّخذ قراراً غير منصف بحقّي لدرء النيران، ولذلك غادرت بقراري.
7- أخيراً، أنا سورية علمانية، لا أنتمي لطائفة، لأن إيماني بالله فحسب كافياً عند الله، وأنا لست بعثية، ولم أكن موالية لبشار الأسد وهذا ليس تكويعاً، ولكنه حقيقة هو والجميع يعرفها، وكنت من أشدّ نقّاد مرحلة حكمه وعلناً، وعلى صفحتي على الفيسبوك على مدار سنوات طويلة، ولكنني كما أشرت سابقاً أيضاً، كنت ناقدة لمعظم من شاركوا في ما جرى، لأنني كنت أرى في ما جرى مشروعاً دولياً تفكيكاً للوطن الذي أحبه وأنتمي بكل جوارحي إليه، وأننا نحن الخاسرون.
والحقيقة ليست لدي مشكلة مع النظام الجديد في سورية، ولا مع الجامعة، لأني في صف كل من يحافظ على وحدة بلادي وأراضيها وسلامة وأمن شعبها، بغض النظر عن الأسماء، والأديان، والأيديولوجيا، وأتمنّى حقاً أن يأتي قريباً جداً اليوم الذي تعود فيه كل أراضينا تحت سيطرة الدولة، ويعود فيه السوريين للسوريين.
د. نهلة عيسى
18/3/2025
درج