عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 23 أذار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
الأحداث التي جرت في الساحل السوري
——————————
سوريا في شهر الثورة.. التحديات كبيرة/ أحمد مظهر سعدو
2025.03.23
تتشابك التحديات وتتعقد، بعد نحو 4 شهور من انتصار ثورة الشعب السوري، وإزالة نظام الأسد، وفرار رأس النظام إلى موسكو. إذ يحاول السوريون الاحتفاء بتاريخ ثورتهم العظيمة، ثورة الحرية والكرامة في ذكراها، أمام تحديات كبيرة وكثيرة ومتعددة، بل وأكثر تعقيدا، طالت مجمل الواقع المتغير في المشهد السوري. حيث لم تُترك سوريا بشعبها المكافح لفرحة النصر، كما لم يُترك الإنسان السوري ليعيش زمنا جديا خاليا من القتل والموت والعبث بأوضاعه، حتى بدأت المشكلات والإشكاليات تنبثق في طريقه الشاق نحو بناء الدولة السورية الجديدة، الخالية من خراب عصابة الأسد، فسادها وإفسادها وحالة الدولة السورية التي عاشها السوريون على مدى ٥٤ عاما من حكم آل الأسد ومساراتهم المليئة بالدم والنهب والخراب على كل المستويات، حتى أضحت سوريا في الدرك الأسفل من الفوات والعفن على جميع الأحوال والمتغيرات.
تتمظهر اليوم حالات كثيرة من تلك التحديات التي تعوِّق حركة العمل المطلوب من أجل سوريا الحرة، التي لا بد من أن تبنى على أسس جديدة وقيم وطنية أخرى، وسيادة جدية للدستور والقانون المغيبين قسرا زمن الأسد الابن وقبله الأب.
ولعل التحدي الأكبر هو ماتفعله إيران وأدواتها من الفلول التشبيحية، في محاولاتهم المستمرة ضمن الساحل السوري، وكذلك على الحدود اللبنانية السورية، من أجل زعزعة الأمن والاستقرار الضروريين جداً من أجل قيامة جديدة للدولة السورية. وإذا كانت غايات إيران في ذلك ومعها زبانية نظام الأسد واضحة المعالم، وهي التي انهزمت على يد الشعب السوري صبيحة 8 كانون أول/ ديسمبر 2024 هزيمة نكراء، أسهمت في هدم صرح المشروع الإيراني الفارسي الطائفي في المنطقة، وتم قطع الطريق كليا على امتدادات وأطماع إيران في المنطقة، فأصبح طريق طهران بغداد دمشق بيروت غير سالك، بل مقطوع نهائيا في أوسطه، أي داخل الجغرافيا السورية تحديدا، وهو ما جعل إيران/ الملالي تتجرع كأس السم الزعاف في سوريا هذه المرة، بعد أن تجرعه (آية الله الخميني) في العراق أواخر ثمانينيات القرن الفائت. من هنا فإنها لن تألو جهدا من أجل العمل وبشتى السبل، لزعزعة الأوضاع الأمنية في سوريا، ضمن محاولاتها البائسة للعودة من جديد إلى الساحة السورية المطرودة منها، رغم كل إمكانياتها وثقلها العسكري.
أما التحدي الآخر الذي يقف في طريق الدولة الجديدة في سوريا، فهو تحدي القوة المتصاعدة الإسرائيلية حيث خرجت إسرائيل منتصرة في حربها على قطاع غزة وجنوبي لبنان، وهي اليوم تريد أن تستثمر وتستغل هذه الفرصة عبر سوريا، في ظل وجود عسكري لجيش سوري ناشئ ومتواضع، وضمن اللاإمكانات الجدية للمواجهة، كي تنجز وضعا جديدا عبر قضم المزيد من الأراضي السورية في الجولان والهيمنة على كامل المنطقة العازلة، وتدمير ما تبقى من عتاد عسكري سوري، واللعب على الوتر الطائفي، بدعوى حماية الأقليات، وخاصة في الجنوب السوري . كل ذلك يجري في ظل غياب كامل لأي مشروع عربي قادر على لجم التمدد الإسرائيلي، أو إيقاف التهديدات الصهيونية المستمرة للوضع الجديد في سوريا، وضمن أجواء هيمنة الرئيس الأميركي (دونالد ترمب) على العالم، وانحيازه المطلق إلى جانب إسرائيل، على حساب العرب كل العرب، من دون الاهتمام بمواقف النظام العربي الرسمي الضعيف، هذه المواقف التي لا تتعدى شكلية إصدار بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع.
كما لا يمكننا إلا التوقف أمام التحدي الآخر الذي لايقل خطورة، وهو موضوع شمال شرقي سوريا، حتى بعد أن تم توقيع اتفاق مهم بين الإدارة السورية الجديدة وتنظيم (قسد) حيث ما تزال هناك الكثير والكثير جدا من من العقبات، التي تعترض طريق تنفيذه خلال تسعة أشهر قادمة، وهي المدة الزمنية المعطاة له من أجل الإنجاز، حيث ما برحت هناك كثير من العقبات بل والخلافات بين الطرفين، وصولًا إلى حالة اندماج ما، قد تحصل وقد لا تحصل في المؤسسة العسكرية السورية الجديدة، وهذا يرتبط بالضرورة وبشكل مباشر وواضح بمدى رضى أو عدم رضى الإدارة الأميركية عن أداء الحكم الجديد في سوريا.
كذلك فإن إشكالية الجنوب السوري ماتزال قائمة، واللعب بورقة (الدروز) من قبل الإسرائيليين ما تزال جدية، رغم الوقوف المعلن لمعظم الفعاليات الوطنية السورية في جبل العرب، انحيازا حقيقيا وواضحا إلى جانب وحدة سوريا، والاندماج بالحالة السورية الجديدة، وعدم الالتفات إلى ما تحاول أن تفعله إسرائيل من تحريك لبعض أدواتها في السويداء من أجل الهيمنة على الجنوب السوري والتهيئة لحالة جديدة من تفسخ الوحدة الوطنية السورية.
وقد لا يقل أهمية عن كل ذلك تحدي بناء الدولة الوطنية، على أسس تشاركية وحدوية لا تتكئ على اللون الواحد، ولا تسمح بالانفراد بالسلطة، من قبل لون سياسي واحد بحد ذاته، فمطالبات الداخل والخارج تفترض مشاركة الجميع، وفق معايير وطنية ديمقراطية تتمكن من تخطي زلات وهنات الإعلان الدستوري، وصولًا إلى تشكيل حكومة وطنية جديدة، متعددة المشارب، وقادرة على الوصول إلى بناء وطني للدولة ديمقراطي وعصري. بالإضافة إلى ضرورة الإسراع في تشكيل هيئة عليا للعدالة الانتقالية، التي باتت ضرورية وملحة، لتقطع الطريق على كل العابثين بأمن الوطن السوري. وكذلك العمل بدأب من أجل تأمين الخدمات الضرورية للعيش، وتحسين الأداء الاقتصادي الأفضل، كي يجذب ذلك السوريين المهجرين قسرا إلى الخارج، كي يعودوا جميعا ويسهموا في بناء الوطن السوري القادم والجديد.
ولن ننسى التحدي الآخر الكبير وهو تحدي كيفية إقناع الغرب وخاصة الأميركان بإزالة كل أنواع العقوبات المفروضة على سوريا، والتي لم يعد هناك من مبرر لوجودها، بعد إزاحة السبب، الذي أدى إليها، وهو “نظام الفاشيست” الأسدي، وهو مايجب الاشتغال عليه وبشتى الطرق، وعبر كل أصدقاء سوريا، حتى لا تبقى هناك معوقات حقيقية على طريق بناء اقتصاد سوري وطني قوي وقادر على الإيفاء بالمتطالبات الوطنية السورية المعيشية للناس.
إذا فالتحديات كبيرة وكثيرة، لكن الأمل ما يزال موجودا لتخطيها جميعا، وعبر جهد حقيقي، يشارك فيه كل السوريين، مع أصدقاء الشعب السوري، الذين وقفوا إلى جانب سوريا، لكن المسألة شاقة ومتعبة، وتحتاج إلى كثير من الانفتاح والتشاركية، والعمل الدؤوب من أجل سوريا التي نحب ونرغب جميعا.
————————–
السوريون العلويون وموسم قطاف الدم/ عبير نصر
22 مارس 2025
كتبتُ في “العربي الجديد”، منذ سنتين، عدة مقالات تناولت اختطاف نظام الأسد الطائفة العلوية في سورية، مستثمراً مظلوميّتها التاريخية لصهرها في دورة عنف يُعاد تدويرها متى دعت الحاجة، بعدما جعل أفرادها يقفون في حيّزٍ من الغموض الهُويَّاتي وعدم اليقين الوطني، مختصراً كينونتهم في مليشيات متطرّفة، وأكباش فداء في جبهات القتال. وبناء عليه، كتبتُ إنه لا بدّ أن يأتي يومٌ يدفع فيه العلويون فاتورة طغيان الأسد، فاستدامة سيطرته على البلاد أصبحت مستحيلةً، وهم الدرع الحامي لعرشه المقدّس، فكيف لا يتلقّى عنه رصاص اللوم والانتقاد وسياط الغضب. على التوازي، لم تكن العلاقة بين نظام الأسد والحاضنة الموالية متجانسةً أبداً، وهذا تأتّى بعد مراجعةٍ نقديةٍ صارمةٍ للذاكرة الجمعية العلوية في ظلّ عدم القدرة على التكيّف المرن مع إكراهات السلطة وإجرامها، فقد انتقدت ثلّة من المثقّفين والناشطين السوريين العلويين علناً استبدادها وفسادها، فأصدرت رابطة تنسيقيّات الساحل السوري، ورابطة الإخاء الوطني والعيش الواحد، عام 2011، بياناً بشأن ما وصفتاه زوابع إعلامية مثارة عن تأييد الطائفة العلوية ممارسات الأسد ضدّ المتظاهرين، كما اضطر بعض زعمائها إلى إصدار ما سمّي “إعلان وثيقة إصلاح هُويَّاتي” عام 2016، نصّ على عدم تحميل الطائفة وِزر الجرائم التي ارتكبها النظام، تلاها في عام 2023 ظهور “حركة الضبّاط العلويين الأحرار”، التي أعلنت (من قلب ريف القرداحة) دعمها حركة التحرّر الوطني وانضمامها إلى المجلس العسكري السوري، ما أسفر آنذاك عن حرائق هائلة في منطقة التمرّد لن يخفى على أحد بالطبع منفذها، ثمّ ظهور حركة “10 آب” في الساحل السوري، معبّرة عن فقدان الأمل بالنظام الحاكم، ودعت إلى الحفاظ على الوطن بعيداً عن أيّ تدخل خارجي.
هذه التحرّكات الأشبه بمساراتٍ ثورية في الظلّ، لأنها من دون زعامة موحّدة، ولم تشفع للطائفة اليوم، حصلت بعد إحباطات عميقة بين العلويين الذين باتت لديهم شكوك بشأن الوجهة التي يقودهم بشّار الأسد إليها. كتبتُ إنّ ثمّة موسم حصادٍ دموي قادم للصمت العلوي، بعدما نجح النظام في توريطهم بالمقتلة السورية للتمترس بهم، وهو استحقاق سوري لا بدّ منه في بلد ابتُلي بلعنةِ الهُويَّة ما قبل الدولتية. وها هو المُتوقَّع يحدُث أخيراً. ولكن لنطرح السؤال الملحّ: لماذا كان الثمن باهظاً إلى هذه الدرجة وقد انتصرت الثورة، وسقط نظام الأسد البائد؟
شكّل سقوط نظام الأسد وتصدّر الإسلاميين المشهد السياسي في سورية منعطفاً مفصلياً، لتُحصَد أخيراً تركة الأزمات الثقيلة التي أودعها الأسد (الأب)، مؤسّس مملكة الرعب، وابنه المخلوع، ورغم عدم امتلاك القيادة الجديدة رؤيةً سياسيةً نهائيةً للمرحلة الانتقالية، لكن المهم (وقبل أيّ شيء) تفاديها اللجوء إلى الوسائل المتّبعة طوال خمسة عقود وسط اتساع رقعة الخوف “الأقلّوي”، الذي يُعبّر عن حالة الهلع النفسي الارتدادي بعد مجازر الساحل السوري، وهو في الأصل ناتج من سوء هضم المظلوميات التاريخية والوقوف على مسبّباتها الحقيقية. في السياق، وصف الجغرافي الفرنسي جاك ويولرسه العلويين عام 1940 بأنهم منسيون من التاريخ، وللمفارقة هم اليوم في قلب الحدث يتعرّضون لعقابٍ جماعي مهول. مجازر بالجملة أشبه بطعنةٍ عميقة في جرح لم يندمل بعد. ولعلّ توقّع حدوث هذه الانتهاكات، إن آجلاً أو عاجلاً، يبرّر تطرّف الطائفة العلوية سابقاً واستكانتها لحكم الأسد، الذي عزف بحرفيةٍ مذهلة على نغمةِ اندلاع ويلاتٍ مذهبية، فسجنَ العلويين في “غيتو” رعبٍ كامل الأوصاف، ربّما لن تخرج منه قريباً، رغم أنّ رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قد صرّح: “ستبقى الدولة ضامنةً للسلم الأهلي ولن تسمح بالمساس به على الإطلاق”. لكن الجرح فُتح في منطقة الساحل السوري حقّاً، ولا بدّ من تضميده، ما يطرح مجموعة متشابكة من أسئلة شائكة لطالما جرى تأجيلها، وينبغي الإجابة عنها بشفافية تامّة، وهو أمر بالغ الأهمية مقدّمةً لإعادة صياغة العقد الاجتماعي السوري على أسس الدولة الحديثة وبداية تحوّل جديد في تفاعل الديني والسياسي معاً.
يتساءل الخبير في الشؤون السورية في مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات (مقرّها واشنطن)، ديفيد أديسنيك، إذا ما كانت هيئة تحرير الشام تعتبر هُويَّة الأسد بوصفه علوياً سبباً لوحشيته الشديدة؟ وإذا كان الجواب “لا”، فلا سبب يُذكر لإلقاء اللوم على العلويين والانتقام. بالتالي، من الضرورة بمكان مسارعة النظام الجديد إلى معالجة جرح الساحل السوري بجدّية قصوى، لتحديد مدى قدرته على استيعاب مقتضيات المرحلة المأزومة وسط إشكالات شتّى ذاتية وموضوعية، والتأكيد على أنّه نظام ضدّي لسياسة نظام الأسد سيتفادى بخفّةٍ سياسيةٍ نتائج الكمين الذي نصبته “فلوله”، فمذابح الساحل تعدّ أشدّ موجات العنف دمويةً منذ عقود، كما تعتبر تحدّياً حقيقياً لحكومة دمشق في سعيها إلى الحصول على الشرعية الدولية ورفع العقوبات الأميركية والغربية، فيما يرى مراقبون أنّ “المذبحة العلوية” تلعب لصالح إسرائيل، وتطرح وضع الدروز والأكراد تحت حمايتها المطلقة، تنفيذاً لخطّةٍ شيطانيةٍ مضمرةٍ تطاول المنطقة العربية بأسرها.
فعلياً، إذا جاز لنا التأمّل، ولو قليلاً، في كمّية الدم السوري الذي أُريق لقاء انتفاضة الشعب السوري ضدّ الأسد، فسنتأكّد حكماً أنّ سقوط الأخير لن يمرّ من دون ثمن باهظ يدفعه الفقراء من مواليه، ما قد يؤدّي إلى حربٍ أهليةٍ مستدامة، وتفسّخ وفوضى، إنْ لم يُتدارك الأمر. فالمجازر تُوجب قراءة عميقةً ومتأنّيةً لمعالجة المخاوف التي باتت تطرح نفسها بإلحاح شديد، خاصّة أن العلويين (بعد عام 2011) حوصروا بين مطرقة الجهاديين، الذين يعتبرونهم مرتدّين، وسندان نظام فاشي منّاهم بحربٍ سهلة الفوز، بينما تعاني فقراً وطنياً مزمناً. والنتيجة: فُرّغت القرى العلوية من الشبّان، وعندما اتّشحت نساؤها بالسواد وضعن حواجز في مداخل قراهنّ الجبلية لمنع الجيش من أخذ أبنائهنّ بالقوة، وكان كلّما وجد نظام الأسد صعوبةً في تعويض القتلى من العلويين لجأ إلى الترهيب والإكراه والاعتقال. واليوم تستمرّ الطائفة العلوية في دفع فاتورة نظام ديكتاتوري لعب على وتر تسييس الهُويَّات الطائفية، تستعيد ذكريات الاضطهاد التاريخي المرير لتطفو المخاوف الوجودية إلى السطح مترافقةً مع أفق سياسي لم تتضح بعد معالمه، هي التي اعتبرت سقوط بشّار الأسد حلماً وردياً تحقّق بمعجزة إلهية، وأملت ألا يتحوّل كابوساً جديداً.
في ضوء ما سبق، وإذا ما تناولنا تاريخياً حالات الانتقال من منطق الثورة إلى منطق الدولة، سنجد أنّ الخروج من متاهة الاستبداد مرَّ دائماً بطرقٍ عُبّدت بجثث الأبرياء. وفي سورية اليوم تنفجر التناقضات استجابةً لعمليات التحوّل العميقة، بينما يقبع العلويون في حالة تخبّط مريعة، يحاولون إنشاء مجالس فاعلة نظراً لغياب القيادة، تصدر بيانات متشرذمة تزيد الطين بِلَّةً، ما يجعل رهانهم الوحيد على السلطة الجديدة ومدى نجاحها في تخفيف الحمولة الأيديولوجية عن خطابها الديني المتشدّد، وتحويل الطائفة الجريحة من مجرّد جيوب علوية مهمّشة في إقليم ملتهب إلى مشاركين فاعلين في بناء الدولة السورية. عيونُ العلويين تتجه إلى الرئيس الشرع بانتظار محاسبة مرتكبِي مجازر الساحل كي لا يُختزَل مصيرهم بتلك الأم السورية (أم أيمن) وهي تجلس بجانب جثث عائلتها، شاردةً في قهرها وصمتها وعجزها، لا تلوي على شيء.
العربي الجديد
————————–
تفاصيل ما حدث في جبلة بعد هجوم فلول النظام.. سرقات واسعة وإحراق للممتلكات/ حسام جبلاوي
2025.03.22
دفعت مدينة جبلة جنوبي اللاذقية فاتورة باهظة ثمنا للهجمات التي شنها فلول النظام المخلوع في السادس من الشهر الجاري، سواء من أرواح المدنيين وعدد من شبانها الذين قاتلوا بما توفر من سلاح ومنعوا سيطرة الفلول لأكثر من يومين على المدينة، أو من ممتلكاتهم التي تعرضت للحرق والنهب بعد سيطرة الجيش السوري على المدينة.
ومع بداية الهجمات التي انطلقت في قرية الدالية بريف جبلة بادعاء تسليم أكبر مخزن للسلاح في الساحل السوري ومحاصرة قوات الأمن العام والاعتداء عليهم بكمين قتل فيه وجرح عدد من العناصر، تطور الأمر بسرعة خلال ساعات وبدأت تظهر مجموعات مسلحة لفلول النظام على طريق اللاذقية – جبلة وعند قاعدة حميميم العسكرية الروسية، وتزامن ذلك مع نصب حواجز في أحياء جبلة الشمالية والكورنيش ومهاجمة سيارة للأمن العام ذهب ضحيته خمسة عناصر أحدهم من مدينة جبلة.
حاولت بعدها مجموعات فلول النظام التقدم نحو داخل المدينة من جميع الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية مع قلة أعداد عناصر الأمن العام، لكن عددا محدودا من شبان المدينة أوقفوا الهجوم رغم حصارهم بأسلحة فردية وقتل خلال هذا التصدي سبعة من أهالي المدينة بالإضافة إلى رجل وزوجته قتلا على طريق اللاذقية – جبلة على يد مسلحي فلول النظام.
عمليات سطو واسعة في أحياء جبلة
ومع وصول التعزيزات الكبيرة للجيش السوري والأمن العام ووصولهم إلى داخل جبلة، فوجئ أهالي جبلة بعمليات سرقة وسطو واسعة لمختلف الأحياء بما فيها تلك التي كانت تتصدى لهجمات مسلحي فلول النظام، وأحرقت ونهبت عشرات السيارات واستمر الوضع على حاله لمدة يومين.
هذا الأمر أغضب الكثير من سكان المدينة الذين طالبوا الحكومة بضبط الأمور وتعويض الخسائر التي تكبدها مدنيون لا علاقة لهم، كما سجلت انتهاكات بحق عدد من المدنيين وترهيبهم.
وبحسب الناشط الإعلامي في مدينة جبلة فراس حاج عمر تتحمل مجموعات مسلحة جاءت لفك الحصار عن المدينة مسؤولية في بعض هذه الانتهاكات، كما استغل عدد من اللصوص المسلحين حالة الفوضى لتنفيذ سرقاتهم، وبعض من السيارات أحرقت على يد مسلحي فلول النظام.
جبلة
وأضاف حاج عمر:” كانت ليلة مرعبة سمعنا أصوات المتاجر تكسر وأصوات إطلاق رصاص كثيف، وتزامن هذا مع انقطاع الكهرباء ولم يكن بمقدور أحد إيقاف هذه الأعمال وسط غياب عناصر الأمن العام الذين كانوا مشغولين بمعارك مع مسلحي فلول النظام في مناطق أخرى”.
وأكد الناشط أن المجموعات التي نفذت عمليات سرقة ونهب جاءت من مناطق مختلفة ولم يستبعد أن تكون من خارج منظومة وزارة الدفاع مع وصول الكثير من هذه المجموعات بشكل فردي وغير منظم مؤكدا ضرورة محاسبتها على ما اقترفته بحق سكان المدينة.
خسر أحمد فندو أحد سكان مدينة جبلة كامل بضاعة متجره الذي يبيع فيه هواتف وحواسيب إلكترونية بالقرب من الملعب البلدي وقال في حديث لموقع تلفزيون سوريا إن خسارته كبيرة جدا ولا يمكنه تعويضها لاسيما أن بعض البضائع بالدين ولم يدفع ثمنها بعد.
وتساءل فندو:” هل هذا جزاء سكان المدينة الذين دفعوا دمهم ثمنا لمقاومة فلول النظام؟ ومن سيتحمل نتائج ما حصل؟ وطالب في حديثه الدولة السورية بتشكيل لجنة لإحصاء الأضرار وتعويض الأهالي.
من جانبه قال المحامي عبد الله غزال وهو من سكان مدينة جبلة إن ما حصل من تجاوزات مخيف ويجب عدم تكراره، مضيفا في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن عشرات السيارات بما فيها عربته سرقت أو أحرقت دون أن تكون ضمن مناطق الاشتباك.
وأشار غزال إلى أن الأمن العام سعى بعد يومين لضبط الأوضاع وإعادة ما أمكن من المسروقات لكن التدخل كان متأخرا جدا والأهالي خسروا الكثير من أرزاقهم.
وفاقمت هذه المشكلة من معاناة أهالي المدينة وريفها وما زالت بعض المتاجر مغلقة حتى اليوم بعد سرقتها، وسط جهود بعض المتطوعين لنفض الركام وإصلاح الأضرار.
من جانب آخر تسببت هجمات فلول مسلحي النظام في أضرار كبيرة في المشفى الوطني بجبلة ومشفى النور التخصصي الخاص، وتعرضت أجزاء في المشفيين للتكسير والتخريب.
وقال الطبيب عبد الوارث قره علي وهو إداري في مشفى جبلة لموقع تلفزيون سوريا إن المشفى يعاني من نقص كبير في المستلزمات الطبية، كما تحتاج غرف العمليات والإسعاف إلى عربات نقل مرضى بعد تعرض الكثير منها للتخريب.
ويخدم مشفى جبلة المركزي في المنطقة آلافاً من سكان المدينة والريف وهو المشفى الحكومي في مدينة جبلة وريفها الواسع.
انتهاكات في الساحل السوري
أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان
تقريراً أولياً يوثّق حصيلة الانتهاكات المرتكبة إثر الهجمات التي شنَّتها مجموعات مسلحة خارجة عن إطار الدولة مرتبطة بفلول نظام الأسد، وتمركزت بصورة رئيسة في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، والتي أسفرت عن مقتل 803 أشخاص خارج نطاق القانون خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 10 من آذار 2025.
وأشار التقرير إلى أنَّ سوريا شهدت في تلك الفترة تدهوراً أمنياً غير مسبوق، وصفه بأنَّه أحد أسوأ موجات العنف التي شهدتها البلاد منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024.
جبلة
وقد نفّذت المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة المرتبطة بنظام الأسد هجمات منسّقة استهدفت مواقع أمنية وعسكرية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة المؤقتة، ما دفع القوات الحكومية الرسمية إلى شن عمليات أمنية موسعة لملاحقة المهاجمين. وشاركت في هذه العمليات إلى جانب القوات الرسمية فصائل عسكرية محلية، وتنظيمات إسلامية أجنبية منضوية شكلياً تحت مظلة وزارة الدفاع دون أن تندمج معها تنظيمياً بصورة فعلية، بالإضافة إلى مجموعات محلية من المدنيين المسلحين الذين قدموا الدعم للقوات الحكومية دون أن تكون لهم تبعية رسمية لأي تشكيل عسكري محدد. وفق التقرير.
وأضافت الشبكة “إلا أنَّ هذه العمليات الأمنية لم تقتصر على ملاحقة المتورطين مباشرةً في الهجمات، بل سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة ارتُكبت خلالها انتهاكات جسيمة واسعة النطاق، اتّسم معظمها بطابع انتقامي وطائفي، وكان للفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية التابعة شكلياً لوزارة الدفاع الدور الأبرز في ارتكابها”.
وأوضح التقرير أنَّ هذه الأحداث تضمنت عمليات قتل خارج نطاق القانون، شملت إعدامات ميدانية وعمليات قتل جماعي ممنهجة بدوافع “انتقامية وطائفية”، إضافة إلى استهداف المدنيين، بمن فيهم أفراد الطواقم الطبية والإعلامية والعاملون في المجال الإنساني. كما طالت الانتهاكات المرافق العامة وعشرات الممتلكات العامة والخاصة، متسببة في موجات نزوح قسري طالت مئات السكان، فضلاً عن اختفاء عشرات المدنيين وعناصر من قوى الأمن الداخلي، الأمر الذي أدى إلى تفاقمٍ حادٍّ في الأوضاع الإنسانية والأمنية في المناطق المتضررة.
تلفزيون سوريا
———————
أحداث الساحل السوري والسياسات المسؤولة للدولة الناشئة/ رغد الشماط
22/3/2025
عقارب الساعة لن تدور إلى الوراء، ونظام الأسد وأبده قد سقط!. هذا يقين السوريين، رغم أن البعض ما يزال يسعى لإيجاد مخرج ينقذه من الوقوف أمام العدالة، ومحاسبته عن جرائمه التي ارتكبها في عهد النظام البائد، حتى لو كان ذلك على حساب أبناء قريته وطائفته.
واخترت هنا الوقوف على تصرف الدولة السورية الجديدة الوليدة مع تسارع الأحداث في الساحل السوري؛ والمقارنة التي لا بد منها بين تعامل نظام كان مترسخًا على مدار عقود، وبين نظام حكم ناشئ لم يستكمل بعد بناء جيش منظم، وقوى أمن منضبطة، وأجهزة استخبارات متكاملة.
وكان السؤال الذي تبادر لذهني وأنا أتابع إجراءات وتصريحات الإدارة السورية الجديدة المتتابعة: ماذا لو اتبعت حكومة النظام المخلوع هذه السياسات المسؤولة عند انطلاقة شرارة الثورة السورية في عام 2011؟
بداية، لقد أسقطت الدولة السورية مخططًا للتمرد، أُريد له أن ينتهي بانقلاب مكتمل الأركان، مدعوم من عدة دول وقوى خارجية، استخباراتيًا وعسكريًا وإعلاميًا، حيث سُجل نشاط مكثف لصفحات ومواقع روسية وإيرانية بعد فترة طويلة من خمولها.
وتحقق إحباط هذا المخطط الانقلابي بدعم منقطع النظير من الشعب السوري، الذي أثبت أنه لن يتخلى ولن يتنازل بسهولة عن المكاسب العظيمة التي حققها، ودفع ثمنها غاليًا؛ إذ ذكرت بعض التقارير توجه نحو 70 ألف سوري من جميع المحافظات نحو الساحل السوري في غضون ساعات بعد دعوات إعلان النفير العام.
بعد ساعات من اشتعال الأحداث في الساحل، توجه الرئيس أحمد الشرع بخطاب حازم وقوي وواضح للشعب وللمقاتلين وللمدنيين في النقاط الساخنة، وأكد على المضي قدمًا في القضاء على فلول النظام المخلوع، أعلن فيه تحمل المسؤولية عن سقوط الضحايا من المدنيين، وعن إجراء تحقيقات ومحاسبة المتورطين.
كما ذكّر بأخلاق التعامل مع الأسرى، وطالب “جميع القوى التي التحقت بمواقع الاشتباك بالانصياع الكامل للقادة العسكريين والأمنيين هناك، وأن يتم على الفور إخلاء المواقع لضبط التجاوزات الحاصلة، ليتسنى للقوى العسكرية والأمنية إكمال عملها على أتم وجه”.
وبعد أقل من 24 ساعة على خطابه الأول، ظهر الرئيس مرة أخرى معلنًا تفعيل المسار القانوني والحقوقي والمجتمعي، وذلك بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق مؤلفة من قضاة وحقوقيين، لمتابعة التحقيقات بشأن سقوط الضحايا من المدنيين، والنظر والتحقيق في الأحداث التي تسببت بمقتل قوات الأمن، إضافة إلى تشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي، وهو اعتراف مهم بوجود مشاكل وانقسامات عميقة ضمن المجتمع السوري، لا يمكن تجاوزها بقرار.
كان هذا بينما شارك الشرع في صباح اليوم نفسه المصلين في صلاة الفجر، وأرسل رسائل طمأنة للشعب السوري، وفي السياق نفسه أعلن محافظ اللاذقية عن اعتقال عدد من المتورطين بالانتهاكات ضد القرى العلوية، وظهر الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية مع مواطنين من هذه القرى لطمأنتهم، وتشجيعهم على البقاء في قراهم، كما ظهرت مشاهد لقوات الأمن تقوم بمصادرة كل المسروقات وإعادتها لأصحابها.
ويساهم حضور الرئيس المستمر، والبدء بإجراءات عملية لحماية السلم الأهلي، إضافة إلى مشاهد انتشار قوات الأمن مع أبناء القرى العلوية مع استمرار العمليات العسكرية والأمنية، وإعلان الدولة عزمها تطهير الساحل السوري من فلول النظام.. يساهم هذا كله في طمأنة جميع مكونات الشعب السوري، وترسيخ مبدأ الدولة وقدرتها على تحقيق العدالة للجميع.
ويبدو أن الدولة الوليدة تنجح شيئًا فشيئًا في هذا، حيث كان من اللافت للنظر أن نداءات الاستغاثة التي خرجت من مناطق الطائفة العلوية طالبت بتدخل وزيادة حضور قوات الأمن السورية الجديدة لتأمين حمايتهم.
وهذا ما لم يحدث على الإطلاق في زمن النظام المخلوع، رغم حدوث مجازر مروعة وأكثر بشاعة وتنظيمًا في المناطق السنية.
على مدى أكثر من 50 عامًا من حكم آل الأسد لسوريا، لم تتحمل السلطة يومًا مسؤوليتها تجاه هذا الشعب، رغم امتلاكها أدوات الدولة الكاملة، وتجذر سلطتها وسيطرتها في مختلف مناحي الحياة.
قبل 14 عامًا انطلقت شرارة الانتفاضة في درعا، وطالب المتظاهرون حينها بمحاسبة المتورطين بتعذيب أطفال كتبوا عبارات مناهضة للنظام، إلا أن قوات الأمن واجهتهم بمزيد من العنف المنظم.
ولم يظهر الرئيس السوري إلا بعد تصاعد الاحتجاجات والمواجهات الدامية مع الأجهزة الأمنية، وذلك بخطاب هزيل لا يرقى لتحديات المرحلة، وتطلعات الشعب إلى محاسبة مرتكبي الجرائم، والعبور نحو حوار وطني شامل.
وتذكر بعض التقارير أن السوريين كانوا ينتظرون الخطاب الأول للرئيس المخلوع بعد الثورة بكثير من الأمل والتوقعات المرتفعة؛ نظرًا لمواقف سوريا الخارجية “الإيجابية”، والتوقعات بأن الرئيس الشاب يجلب نهجًا مختلفًا لإدارة سوريا.
أي إن الرئيس المخلوع اختار التخلي عن مسؤوليته في حماية المجتمع السوري من حرب أنهكته على مدار 14 عامًا، رغم فرصه الكثيرة وقدرته على تغيير مصير البلاد.
واليوم، حين يؤكد الرئيس الجديد أن الدولة هي الضامن للسلم الأهلي، فهذا من عجائب الدنيا السبع بالنسبة للإنسان السوري، الذي لم يعرف إلا نظامًا يقتات على الطائفية وإثارة القلاقل المذهبية والعرقية، وامتدت أذرعه خارج البلاد مساهمةً في الانقسامات وتغذيتها، وعمل النظام البائد على مواجهة الانتفاضة والثوار ببث الفتنة الطائفية والتحريض بين مختلف مكونات الشعب السوري، وإثارة مخاوف الطائفة العلوية من تبعات تغير نظام الحكم في سوريا.
ولكن الدولة الوليدة اليوم ترى أنها تستمد شرعيتها بتعزيز السلم الأهلي، وضمان تعايش مختلف فئات الشعب في سلام وأمان، وترى هذا هو السبيل الوحيد لبناء دولة قوية ذات أسس راسخة.
ورغم أن الانتهاكات التي وقعت خطيرة، ويبدو أنها كانت جزءًا من آلية تغذية مخطط التمرد، بإثارة المخاوف وانهيار السلم الأهلي المهدد أصلًا، فإنها كانت أقل من المتوقع إذا ما نظرنا إلى الأعداد الغفيرة من الحشود التي توجهت إلى هذه المناطق، إضافة إلى الإرث الثقيل الذي خلفه النظام الطائفي، وتوريطه لطائفته في ارتكاب مجازر وجرائم بحق المناطق السنية المجاورة لها، فضلًا عن المظلومية العميقة التي يشعر بها كل السوريين تجاه الامتيازات منقطعة النظير التي قدمها النظام لطائفته على حساب مصلحة الشعب ككل.
ومن الجدير بالذكر أن الحاضنة الشعبية للثورة السورية طالبت السلطات الجديدة بتسريع إجراءات العدالة الانتقالية، ومحاسبة مرتكبي الجرائم في زمن النظام البائد، وهو ما يراه كثيرون صمام الأمان للسلم الأهلي.
حق لكل سوري أن يفخر ببلده اليوم كما افتخر بثورته بالأمس، إنها أيام ثقال طويلة لكنها أيام عظيمة، وستبقى وسام شرف وعز على صدر كل سوري اختار المضي قدمًا في بناء دولة عدالة.
ولئن كان البعض يركز على محاسبة المتورطين بانتهاكات ضد الأقليات، فإن علينا ألا نفقد البوصلة، وأن نقف جميعًا إلى جانب جميع الضحايا بلا استثناء، ومنهم أيضًا رجال الأمن الذين سقطوا غدرًا وهم يحمون هذه الأحياء العلوية -كما بقية الأحياء والمدن- من الفلول واللصوص.
كذلك لا ننسى الضحايا من الطوائف الأخرى، الذين استهدفتهم فلول النظام، وتعرضت سياراتهم لهجمات لأنها تحمل لوحة “إدلب”، وكأن النظام الذي لم يكتفِ بقتل السوريين على “الهوية ” على مدار خمسين عامًا، يحاول أن يكمل عمله بقتلهم على “لوحة السيارة”.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
كاتبة سورية
الجزيرة
———————–
جبل محسن مرآة الساحل السوري: نزوح وخوف من المجهول/ جنى الدهيبي
الأحد 2025/03/23
منذ السادس من آذار الجاري، توجه آلاف النازحين من الساحل السوري إلى جبل محسن في طرابلس. وأبناء الجبل ذو الغالبية العلوية يعيشون هواجس كبيرة، حتى بعد الهدوء الحذر الذي أعقب المواجهات الدامية في الساحل السوري.
وتفيد معطيات “المدن” بأن عشرات العائلات في جبل محسن لديها أقارب ممن قضوا قتلاً وإعداماً في الساحل السوري. ,يسود الجبل حالة من السخط جراء العمليات بين فلول النظام وقوات الأمن التابعة للإدارة السورية الجديدة، والتي أسفرت عن سقوط أكثر من 1500 مدني، معظمهم من الطائفة العلوية.
مبادرات فردية وجماعية
حالياً، تستضيف عشرات القاعات والمدارس والمنازل في جبل محسن العائلات النازحة من الساحل السوري. ورغم عودة الهدوء النسبي في سوريا، يواصل آلاف السوريين نزوحهم من الساحل السوري إلى شمال لبنان عبر المعابر غير الشرعية ومن النهر الكبير الذي يفصل أقصى عكار عن سوريا.
تنتشر المبادرات الفردية والجماعية لإيواء النازحين السوريين في الجبل، وسط سخط من غياب أي دور للمنظمات المحلية والدولية. وهو ما أكده رئيس الطائفة العلوية الشيخ علي قدور، أثناء ترؤسه وفدًا من الطائفة زار رئيس الحكومة نواف سلام قبل أيام. قدور، الذي حمل قائمة مطالب تحت شعار “حقوق العلويين في لبنان”، أعرب عن خشيته من تداعيات ما حدث في الساحل السوري على لبنان، خصوصًا وأن عدد النازحين منه تجاوز الثلاثين ألفًا. وقال بوضوح: “على المنظمات الأممية أن تتعاطى مع النازحين من الساحل السوري كما تعاطت مع أسلافهم”.
التصدي للفتنة والتحولات
بعد اندلاع المواجهات في الساحل السوري، ساد القلق في جبل محسن من افتعال أي فتنة. ويقول الناشط المدني في جبل محسن يوسف سلطيه “إن الجيش اللبناني تمكن من إبقاء الوضع في الجبل تحت السيطرة، حيث يجري دوريات مكثفة بفضل التنسيق مع الفعاليات المحلية والأجهزة الأمنية”.
ويؤكد سلطيه لـ”المدن” أن “هناك محاولات من بعض الأطراف لاستغلال الظرف في الساحل السوري لإثارة الاضطراب في جبل محسن، الذي عاش سنوات طويلة من المعارك والجولات القتالية مع أبناء منطقة التبانة. لكن المجلس العلوي في الجبل والفعاليات السياسية والمدنية بذلوا جهودًا كبيرة لدرء محاولات الفتنة، مؤكدين على ارتباط أبناء الجبل بالميثاق الوطني اللبناني، وعدم ربط وجودهم أو تهديده بما يحدث في الساحل، والمشهد السوري عمومًا، بعد سقوط نظام بشار الأسد”.
يتقلب جبل محسن على تحولات كبرى، عنوانها أن ما قبل سقوط الأسد ليس كما بعده. يفصل بين أبنائه (علويّون) وأبناء باب التبانة (غالبية سنية) شارع سوريا. وبعد سنوات من جولات القتال ورغم “المصالحة” بين أبناء المنطقتين، فإن ما يحدث اليوم لا ينفصل عن المسار التاريخي للجبل. ولا شك أن أبناء جبل محسن، كحال أبناء باب التبانة، أدركوا أنهم طوال سنوات الحروب والاقتتال الطائفي والسياسي، كانوا فيها وقودًا للحزب العربي الديمقراطي بقيادة آل عيد والمحسوب على آل الأسد، وكذلك للنظام السوري، لا سيما خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، حين كان الجيش السوري يحتل لبنان ويمعن في قتل وقمع أبناء طرابلس.
العلاقة مع سوريا
تاريخياً، يعيش عشرات الآلاف من العلويين في جبل محسن والقرى المجاورة لعكار شمالًا. وتربطهم قرابة وعلاقات وطيدة مع علويي سوريا. وأثارت الأحداث في الساحل السوري مخاوف كبيرة في نفوس أبناء جبل محسن، حيث وجدوا فيها تهديدًا لوجودهم. وكأنهم يتعرضون لانتقام طائفي بعد سقوط الأسد الذي كان يشكل مظلة لهم، بدءًا من الساحل السوري. غير أن أبناء جبل محسن، بعد سقوط الأسد، تجاوزوا اختبارًا صعبًا، وتمكنوا من درء محاولات الفتنة والاستفزاز. إذ بادر كثيرون منهم إلى إزالة صور الأسد المرفوعة في الجبل، فيما أبدوا احتضانًا وتفهمًا لخيار الشعب السوري، وقبولاً لفكرة الانتقال السياسي في سوريا.
ويقول ناشطون في جبل محسن إنهم تعاملوا بوعي كبير مع سقوط الأسد، بهدف انعكاس الانتقال السياسي في سوريا إيجابًا على العلويين في كلا البلدين، مقابل رفض الانجرار إلى دوامة القتال والانتقام والفتنة.
لكن ما وصلهم من مشاهد دامية في الساحل السوري، وما يخبرهم به النازحون الذين هربوا من القتل ويخافون من العودة، أجج مشاعر الخوف والرغب، وطرح أسئلة كثيرة عن مستقبل الأقلية العلوية التي كانت تحكم سوريا. لذا، ما يجمع عليه العلويون في جبل محسن هو أن حصانتهم الأولى والدائمة هي لبنان، دولة ودستورًا وجيشًا وميثاقًا للعيش المشترك.
المدن
———————————–
“بروكسل 9”.. تعهدات لا تسد الفجوة
أحداث الساحل تكبح اندفاعة الأوروبيين
عنب بلدي – جنى العيسى
تحديث 23 أذار 2025
بقيمة تعهدات أقل بنسبة تقارب 29%، اختتم مؤتمر المانحين الدوليين بشأن سوريا الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي اجتماعه السنوي في العاصمة البلجيكية، بروكسل، لكنه وللمرة الأولى حظي بتمثيل سوري بناء على دعوة رسمية لوزارة الخارجية السورية.
لاقت قيمة التعهدات المالية التي قدمتها الدول المانحة في المؤتمر الذي عقد في 17 من آذار الحالي، عدم قبول خاصة من قبل المنظمات الدولية والأممية العاملة في سوريا، إذ لا تسد إلا جزءًا قليلًا من احتياجات البلاد، خاصة في ظل المتغيرات التي فرضها سقوط النظام المخلوع، وأولوية الحاجة إلى إعادة الإعمار بدلًا من الاكتفاء بالمساعدات الإغاثية والإنسانية المؤقتة.
من الناحية السياسية، بدا موقف الاتحاد الأوروبي إيجابيًا تجاه الحكومة السورية، لكنه مشروط وحذر، فعلى سبيل المثال، لم يتم التطرق بشكل شفاف وواضح إلى أن أموال هذه المساعدات ستعطى للحكومة بشكل مباشر، كما لم يتم إبداء القابلية لإزالة العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا بسبب انتهاكات مارسها النظام السابق بشكل كامل وغير مشروط.
منذ عام 2017، ينظم الاتحاد الأوروبي مؤتمرات للمانحين في بروكسل لدعم سوريا، وكان مؤتمر هذا العام بعنوان: “الوقوف مع سوريا: تلبية احتياجات انتقال ناجح”.
تعهدات أقل من المأمول والحاجة
وصلت قيمة تعهدات الدول المانحة في مؤتمر “بروكسل” بنسخته التاسعة المخصص لدعم سوريا ودول المنطقة إلى 5.8 مليار يورو (6.3 مليار دولار أمريكي)، وهو مبلغ أقل من المبلغ المقدم في 2024، نتيجة عدم مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في الدعم هذا العام.
وكانت أمريكا تعهدت في “بروكسل 8” بـ545 مليون يورو، بحسب بيانات يوفرها الاتحاد الأوروبي.
المفوضة الأوروبية للبحر المتوسط، دوبرافكا سويكا، قالت، إن الدول المانحة تعهدت بما مجموعة 5.8 مليار يورو، هي 4.2 مليار من الهبات، و1.6 مليار يورو من القروض.
مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، قالت إن هذه التعهدات ستدعم سوريا في المرحلة الانتقالية الحاسمة، وتعالج الاحتياجات الماسة على الأرض.
من سيحصل على الأموال؟
في مؤتمرات “بروكسل” السابقة التي عقدت على مدار السنوات الثماني الماضية، كانت تعهدات الدول المانحة التي يتم الإيفاء بجزء منها فقط تصل إلى سوريا عبر منظمات أممية ووكالات تابعة لها عاملة على الأرض.
دعوة الحكومة السورية بشكل رسمي لحضور المؤتمر للمرة الأولى في تاريخه أنبأت بأن الأموال يمكن أن تصل إلى سوريا عبر الحكومة نفسها، التي تحتاج بدورها إلى هذه الأموال نظرًا للأولويات الملحة التي تنتظرها خاصة فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، وهو ما لم يجرِ فعلًا.
للحصول على معلومات تتعلق بطريقة وصول أموال التعهدات إلى سوريا والجهات التي ستتسلمها هناك، بالإضافة إلى طبيعة الدور الرقابي الذي سيمارسه الاتحاد الأوروبي لناحية صرف الأموال، فضلًا عن القطاعات التي سيتم التركيز عليها في التمويل، تواصلت عنب بلدي مع المكتب الصحفي لبعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، إلا أنها لم تتلقَ ردًا حتى ساعة تحرير التقرير.
في سياق متصل، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل آلباريس، قوله إن الاتحاد الأوروبي سيقدم النسبة الكبرى من تعهداته في مؤتمر “بروكسل 9” على شكل مساعدات عينية عبر الوكالات الدولية ومنظمات إنسانية، وليس عبر الحكومة الانتقالية مباشرة.
أربع أولويات رئيسة
التعهدات المطروحة في مؤتمر “بروكسل 9” في حال إتمام دفعها بالكامل، وهو ما لا يحدث كل عام، لا تكفي حاجة البلاد، وفق ما أكده الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، لعنب بلدي.
تتراوح تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بين 250 و400 مليار دولار، ولا يزال أكثر من نصف السكان السوريين نازحين داخل البلاد وخارجها، ويعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، ويعتمد 16.7 مليون شخص، أي ثلاثة من كل أربعة أشخاص في سوريا، على المساعدات الإنسانية بحلول عام 2024، وفقًا لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة.
في هذا السياق، اعتبر جوزيف ضاهر، أن أي فاعل سياسي يخلف نظام الأسد يواجه مهمة جسيمة، في حين أن احتياجات السكان والبلاد تستمر في التزايد.
بالإضافة إلى المشكلات الهيكلية الاقتصادية للبلاد والعقوبات، فإن إجراءات التقشف (إنهاء الدعم وتسريح موظفي الدولة) للسلطة الحاكمة الجديدة تزيد من تكلفة حياة السكان واحتياجاتهم.
في ظل انخفاض قيمة التعهدات مقارنة بمؤتمر “بروكسل 8″، يرى ضاهر أن الأولوية في سوريا من الناحية الاقتصادية يمكن اختصارها بأربعة محددات رئيسة تتمثل بـ:
زيادة تحويل المساعدات الطارئة إلى مساعدات إعادة الإعمار.
رفع العقوبات المفروضة على البلاد وتنشيط الاقتصاد.
إعادة بناء البنى التحتية للبلاد، وخاصة موارد الكهرباء والطاقة، وشبكات النقل، ومؤسسات الصحة والتعليم.
الاستثمار في القطاعات الإنتاجية للاقتصاد، وخاصة الصناعة والزراعة، ودعم الإنتاج الوطني.
تكلفة التقاعس أعلى من تكلفة الاحتياجات
عقب إعلان قيمة التعهدات في “بروكسل 9″، حذرت “لجنة الإنقاذ الدولية” من أن التعهدات التي انخفضت بنسبة 29% عن تعهدات العام الماضي، لن تكفي لسد فجوة التمويل المتزايدة التي لا تزال تعوق الاستجابة الإنسانية بشدة، موضحة أن قيمة هذه التعهدات لن تكفي لدعم السوريين في التعافي وإعادة الإعمار بعد عقود من الدمار.
بدورها، دعت الأمم المتحدة الدول المانحة إلى عدم التقاعس في دعم سوريا لأن تكلفة التقاعس أكبر من تكلفة الدعم، وقال منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، في 20 من آذار الحالي، إن تكلفة التقاعس “أعلى بكثير من تلبية الاحتياجات الفورية ومتوسطة الأجل للشعب السوري”.
وأضاف عبد المولى أن سوريا تقف عند “نقطة تحول” مع بداية عهد جديد من “الأمل في السلام والأمن”، محذرًا مما خلفته الأعمال العسكرية على مدار 14 عامًا، إذ يحتاج اليوم 16.5 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية في سوريا.
“تحت المجهر”
في جلسة مغلقة لوزراء الاتحاد الأوروبي قبيل مؤتمر “بروكسل” مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، شدد الوزراء على أن الاتحاد عزم على مساعدة النظام الجديد “بشرط أن تساعدنا الحكومة الانتقالية بأفعالها وخطواتها العملية وتدابيرها الملموسة لاحترام جميع الأقليات وحمايتها، وإرساء أطر تشريعية واضحة تضمن احترام الحريات الأساسية، خاصة حقوق المرأة”.
ورغم التوقعات الإيجابية التي كانت تنتظر “بروكسل 9” من الناحية السياسية، يرى البعض أن التطورات الأمنية الأخيرة في الساحل السوري، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى “وضع النظام السوري الجديد تحت المجهر”، كما قالت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، أمام مجلس وزراء الخارجية، ومراقبة الإجراءات التي يتخذها قبل الإقدام على أي خطوة في اتجاه تقديم المزيد من المساعدات ورفع العقوبات الاقتصادية.
الباحث السياسي في مركز “أبعاد للدراسات” فراس فحام، قال لعنب بلدي، إن استمرار العقوبات الأمريكية سيبقى عائقًا لطرح مشاريع إعادة إعمار حقيقية من طرف الأوروبيين، لأن أوروبا لا تريد المزيد من التوتر مع الإدارة الأمريكية.
خشية الأمريكيين تبرر للاتحاد الأوروبي، وفق فحام، عدم تبني سياسة دعم واضحة لإعادة إعمار سوريا، موضحًا أنه بدلًا عن ذلك يتجه الأوروبيون إلى منح تمويل لدول الجوار ومنظمات الأمم المتحدة لتقوم بدورها في الإشراف على بعض مشاريع إعادة التعافي المبكر.
تعليقًا على الحذر الأوروبي وضبط عدم الانفتاح الكامل مع حكومة دمشق، أشار فحام إلى وجود مطالب سياسية ضمن الاتحاد الأوروبي، تتعلق بضمان عدم استمرار استخدام روسيا الشواطئ والأجواء السورية ووجودها في منطقة حوض البحر المتوسط على اعتباره “تهديدًا للأمن القومي الأوروبي”.
من هذا المنطلق، يريد الاتحاد الأوروبي التأكد إلى أي مدى سيكون هناك إعادة تقييم للعلاقات بين دمشق وموسكو.
يتوقع الباحث فحام أن يكون هناك توجه أوروبي إلى المزيد من تقليص العقوبات، إلا أن الموقف الأمريكي ومدى استعداد أمريكا لتقليص العقوبات التي تفرضها على سوريا سيكون مؤثرًا بشكل كبير في هذا السياق.
عني بلدي
———————————
===================