واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 23 أذار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
——————————
بعد إنتهاء مهمة التحالف الدولي: تقييم الخطوات القادمة للقوات الأميركية في سوريا
ربى خدام الجامع
2025.03.21
في 27 أيلول 2024، أعلنت الولايات المتحدة والعراق عن خطة انتقالية من مرحلتين لسحب تدريجي لعمليات التحالف في العراق، ومع ذلك، لابد أن تبقى القوات الأميركية في البلاد لدعم المهمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شمال شرقي سوريا والعراق، إذ هنالك قرابة 2500 جندياً من قوات التحالف في العراق، و2000 جندياً أميركياً في سوريا.
ومن المتوقع أن تنتقل القوات الأميركية تدريجيًا من مواقعها الحالية في بغداد إلى إقليم كردستان في العراق، بما يعزز النفوذ الاستراتيجي لحكومة الإقليم باعتبارها مركزاً لوجستياً وعملياتياً للعراق وسوريا معاً. لكن، وبعد سقوط نظام الأسد في سوريا في كانون الأول الماضي ، ومع إمكانية عودة تنظيم الدولة لنشاطه عبر الحدود، فضّلت بغداد الإبقاء على قوات التحالف في قاعدة عين الأسد غربي العراق لمواجهة التهديدات المحتملة القادمة من الحدود السورية. ويعكس هذا التغيير أيضاً قلق العراق من الارتباطات السابقة للسلطات الجديدة في سوريا التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة كما شاركت في القتال داخل العراق.
تشتمل المرحلة الأولى من خطة الانسحاب، والتي من المقرر لها أن تنتهي في أيلول 2025، على إنهاء القيادة العسكرية للتحالف وتحويلها إلى شراكات أمنية مؤلفة من طرفين، أما المرحلة الثانية التي تمتد حتى أيلول من 2026 على أقل تقدير، فستواصل خلالها دول التحالف السابقة عملياتها ضد تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا انطلاقاً من القواعد الموجودة في العراق، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، وحكومة إقليم كردستان، والحكومة الفيدرالية في العراق.وبعد ذلك، من المرجّح أن تبقى القوات تعمل بموجب اتفاقيات أمنية مشتركة مع الحكومة الفيدرالية في العراق.
هذا ولقد أفاد المفتش العام للبنتاغون في تقريره الفصلي الذي رفعه للكونغرس الأميركي بتاريخ 19 شباط ، بأن التحالف بقيادة الولايات المتحدة يعتزم توسيع عديده وعتاده في قاعدة أربيل الجوية الموجودة في إقليم كردستان، إلى جانب جعل عمليات السيطرة والتحكم في قاعدة عين الأسد تتم في بغداد.
غير أن التطورات الحاصلة في سوريا قد تؤخر عملية الانتقال في العراق، إلا في حال قررت إدارة الرئيس دونالد ترمب الانسحاب من سوريا، كما فعلت عندما أعلنت لفترة قصيرة عن ذلك في عام 2019، لأن انسحاباً كهذا قد يمهّد الطريق لعملية تركية تستهدف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما قد يخلق فراغاً أمنياً يمكن لتنظيم الدولة أن يستغله، لا سيما في مناطق مثل دير الزور، وقد أفادت شبكة NBC بأن ترمب أبدى اهتماماً بالانسحاب، ما دفع البنتاغون إلى إعداد خطط لذلك.
هنالك أيضاً الخوف من أن يستغل تنظيم الدولة الوضع الأمني في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لا سيما في ظل محدودية قدرات الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في السيطرة على كامل الأراضي السورية، واضطراره إلى التعامل مع مقاتلين أجانب تعود أصولهم لآسيا الوسطى (على الرغم من أنه لا يعير هذا الخطر أي أهمية). ومع ذلك، فإن استمرار الغارات الأميركية ضد تنظيمي الدولة والقاعدة في سوريا بعد سقوط النظام يثبت أن التهديد لا يزال قائماً، فقد واصلت القيادة الوسطى الأميركية مع قسد تنفيذ عمليات مشتركة ضد فلول التنظيم تكللت بالنجاح.
يتعين على الولايات المتحدة خلق حالة توازن في علاقاتها مع بغداد وأربيل في حال إرسالها لمزيد من جنودها إلى إقليم كردستان، إذ قد يحتاج الكرد لضمانات أمنية، يمكن أن تشمل نظم دفاع صاروخي بموافقة بغداد، وذلك لردع أي هجوم يمكن أن يستهدف أربيل. وفي حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، فيجب أن تبدأ بمحادثات مع تركيا لاحتواء أي تصعيد عسكري قد يُزعزع الاستقرار. كما يمكن لواشنطن أن تدعم عملية السلام الجديدة التي أصبحت قيد النقاش حاليًا بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، وثمة حاجة لتوقيع اتفاقيات ثنائية جديدة بين بغداد ودول التحالف في حال إنهاء مهمة التحالف، وكذلك بهدف تطوير برنامج خاص لتأشيرات الهجرة المخصصة للشركاء السوريين والعراقيين الذين تعاونوا مع القوات الأميركية، تحسبًا لأي انسحاب أميركي مرتقب.
المشهد العسكري والسياسي الحالي
تأسست فرقة العمل المشتركة الموحدة وعملية العزم الصلب في تشرين الأول من عام 2014، وتضم قوات من 25 دولة، وهي جزء من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم 87 دولة عضواً في محاربة تنظيم الدولة. وتعمل قوات فرقة العمل المشتركة الموحدة وعملية العزم الصلب مع قوات مكافحة الإرهاب العراقية، وقيادة العمليات المشتركة في العراق، والقوات الجوية العراقية، وقوات البيشمركة العراقية والكردية، والقوات التابعة لها التي تسعى لمكافحة للإرهاب، وعلى صعيد منفصل، هنالك بعثة حلف شمال الأطلسي إلى العراق.
تحتفظ قوات التحالف التي تترأسها الولايات المتحدة بنحو 2500 جندياً في العراق، ولديها وجود عسكري موزع على أربع قواعد رئيسية وهي قاعدة أربيل الجوية في إقليم كردستان ومركز الدعم الدبلوماسي في بغداد عند المطار، وقاعدة يونيون الثالثة الواقعة في المنطقة الخضراء ببغداد، وقاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار. وفي كانون الأول من عام 2021، أعلن التحالف عن تغير دوره من قتالي إلى استشاري في العراق وذلك بعد انتهاء العمليات الكبرى ضد تنظيم الدولة في 2017. غير أن القوات الأميركية واصلت مساهمتها في عمليات مشتركة، ومنها تلك العملية التي نفذت في غربي العراق واستهدفت تنظيم الدولة في آب من عام 2024 ما أسفر عن إصابة سبعة جنود أميركيين، كما شاركت في عملية نفذت في السادس من كانون الثاني والتي قتل فيها أحد جنود التحالف.
أما في سوريا، فهنالك نحو 2000 جندي أميركي في شمال شرقي سوريا، ضمن محافظتي دير الزور والحسكة، ويشمل ذلك منطقة خراب الجير، ومهبط الرميلان، والشدادي، والقرية الخضراء التي أقيم فيها مركز لدعم العمليات، وفي منطقة كونكو، وفي قاعدة التنف المقامة على الحدود السورية-الأردنية. وهذه القوات تعمل على دعم عمليات قوات سوريا الديمقراطية منذ قيام معركة كوباني. كما تنشط قوات التحالف في الرقة، وعملت أيضاً من مدينة كوباني على مراقبة مساعي وقف إطلاق النار بين الفصائل المدعومة تركياً وقسد في منبج.
حافظت القوات الأميركية على شراكتها مع قسد منذ هزيمة تنظيم الدولة في آذار من عام 2019 في معركة البوغوز، كما دعم التحالف الجيش السوري الحر في قاعدة التنف القريبة من الحدود مع الأردن والعراق، لكنها وسعت نفوذها بعد سقوط الأسد إلى تخوم تدمر.
ومنذ سقوط نظام الأسد، تعرض كرد سوريا لهجمات شنتها فصائل مدعومة تركياً. ثم إن النظام الجديد في دمشق تربطه علاقات وطيدة مع تركيا، ولهذا يناقش مع أنقرة مخططات لإقامة قواعد تركية في سوريا.
وفي كانون الأول من العام الفائت، أجبرت الفصائل المدعومة تركياً قوات قسد على الانسحاب من شمالي حلب ومنبج، ولايزال القتال محتدماً بالقرب من سد تشرين الاستراتيجي. يذكر أن تركيا نفذت ثلاث عمليات عبر الحدود منذ عام 2016 وكان هدفها من خلالها الحد من الإدارة الذاتية لقسد مع التلويح بشن هجمة عسكرية أخرى عبر الحدود، وذلك لأن تركيا تعتبر قسد رديفاً لحزب العمال الكردستاني الذي صنفته الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي، ولذلك شدد المسؤولون الأميركيون على أهمية مواصلة دعمهم لقسد وسعوا لقطع الطريق على أي عملية تركية جديدة.
وبصرف النظر عن المساعدات المقدمة لقوات قسد، يسعى التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة إلى ترحيل الأجانب ضمن مقاتلي تنظيم الدولة ومساعدة قسد على تأمين السجون والمخيمات التي تؤوي عائلات مقاتلي تنظيم الدولة، وعلى رأسها مخيم الهول.
ديناميات العلاقات ما بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية وإقليم كردستان
منذ سقوط صدام حسين في 2003، شهدت العلاقات بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان توترات حول الميزانية، وذلك بخصوص تمويل قوات البشمركة وصادرات النفط، والمناطق المتنازع عليها مثل منطقة كركوك الغنية بالنفط. وتنص المادة 140 من الدستور العراقي على إجراء استفتاء للبت بأمر تلك المناطق وتابعيتها إما لإقليم كردستان أو للعراق. إلا أن هذا الاستفتاء لم ينفذ حتى الآن.
وبعد أن حررت الولايات المتحدة العراق، تقدمت قوات البشمركة نحو أجزاء من محافظة نينوى وكركوك وديالى، على الرغم من معارضة بغداد. وفي كانون الثاني من عام 2010، اتفقت القوات الأميركية والعراقية وقوات البشمركة الكردية على تسيير دوريات مشتركة في تلك المناطق بهدف الحد من التوتر. وفي حزيران من عام 2014، تقدمت البشمركة في المناطق المتنازع عليها بعد انهيار الجيش العراقي تحت وطأة إحدى عمليات تنظيم الدولة، وبعد مرور شهر على إقرار الاستفتاء باستقلال كردستان في أيلول 2017، أخرج الجيش العراقي قوات البشمركة من المناطق المتنازع عليها، فاستغل تنظيم الدولة الفراغ الحاصل في السلطة ضمن ما يعرف بخط التنسيق الكردستاني الذي يفصل بين القوات المسلحة العراقية وقوات البشمركة في المناطق المتنازع عليها، واستعان مقاتلو تنظيم الدولة بتلك الثغرات الأمنية التي تمتد على مسافة تتراوح ما بين 3-5 كيلومترات ليشنوا هجومهم على قوات الأمن العراقية والكردية، إلى جانب قتلهم لمدنيين واختطافهم لآخرين وممارسة الابتزاز عليهم من أجل تحصيل الأموال. ونتيجة لذلك، ضغط التحالف من أجل إقامة جسور مشتركة من القوات العراقية وقوات البشمركة وذلك لسد الثغرة كما حرص على رفع مستوى التنسيق بين بغداد وأربيل، فانتقد بعض السياسيين في العراق الولايات المتحدة بسبب المدفعية التي قدمتها لقوات البشمركة الكردية، إذ خشي هؤلاء من تعاظم قوة تلك القوات، مما كشف بأن الدعم الذي قدم من أجل أي تطورات مستقبلية قد جرى تقديمه على مستوى عال من التنسيق. وفي تشرين الأول من عام 2017، وقعت اشتباكات بين قوات البشمركة وقوات الأمن العراقية عقب محاولة العراق التقدم في مواقع البشمركة، غير أن العراق استغل قوته ونفوذه منذ فترة قريبة للحد من الاستقلال الذاتي الممنوح لإقليم كردستان.
أما حالياً، فتعمل كل من إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وهولندا، والولايات المتحدة على تقديم دور استشاري في معظمه داخل إقليم كردستان، وذلك ضمن عمليات المجموعة الاستشارية متعددة الجنسيات التي تؤيد برنامج الإصلاحات وتدعمه حتى يعمل على توحيد القطعات العسكرية التابعة لأحزاب سياسية متناحرة وعلى رأسها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني تحت مظلة وزارة شؤون البشمركة.
قدمت الدول المشاركة في التحالف التدريب والسلاح لقوات البشمركة والقوات العراقية خلال حرب القضاء على تنظيم الدولة، ولهذا، في حال قررت القوات الأميركية الرحيل عن تلك المناطق، فسيكون من الصعب الالتزام ببرنامج الإصلاحات لكونه يعتمد على الدعم التقني والمالي الذي يقدمه التحالف والدول الغربية، كما يرجح أن تتحول مواصلة الدعم إلى عنصر ضروري بالنسبة للعلاقات الثنائية الجديدة.
أكد العقيد والتر فان بيجليفت وهو مستشار عسكري سابق لدى القنصلية الهولندية العامة بأربيل على أن المجموعة الاستشارية متعددة الجنسيات ليست جزءاً من التحالف، ولهذا بوسعها البقاء ومواصلة عملها ككيان منفصل، وأضاف: “أما عملية العزم الصلب فتمثل التحالف وتشارك في المجموعة الاستشارية متعددة الجنسيات بوصفها كياناً سابعاً مضافاً لها”. ولقد قدّم صندوق وزارة الدفاع الأميركية لتدريب وتجهيز القوات ضد تنظيم الدولة مخصصات مالية لرفد رواتب قوات البيشمركة التابعة لوزارة شؤون البيشمركة. ومن المقرر أن تتوقف هذه المخصصات في عام 2026، لكن التحالف الدولي يتوقع أن يستمر هذا الدعم لما بعد تشرين الأول من عام 2026.
وفي كانون الأول الماضي، زار وزراء دفاع هولندا وإيطاليا وألمانيا كلًا من بغداد وأربيل لمناقشة عملية الانتقال نحو اتفاقيات أمنية ثنائية واستمرار مكافحة تنظيم الدولة، وذلك في ظل التطورات التي أعقبت سقوط النظام السوري، وهذا ما دفع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى التصريح بأن العراق يجري حاليًا مباحثات حول علاقات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى مثل فرنسا.
وأضاف بأن هذه الاتفاقيات ستأتي: “بشكل وأسلوب مختلف.. كما أعطينا الموافقة بشأن بقاء بعثة حلف شمال الأطلسي”.
في حين صرح وزير الدفاع الهولندي روبن بريكلمانس بأن النقاشات مستمرة حول احتمال انسحاب قوات التحالف، وحذر من أنه سواء تم الانسحاب أم لا، فإن “أي تصعيد للتوتر في سوريا قد يمنح تنظيم الدولة فرصة لتعزيز موقعه هناك”.
وخلال جلسة تثبيت تعيينه في مجلس الشيوخ الأميركي، صرح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن تخلي الولايات المتحدة عن شركائها ستترتب عليه عواقب وخيمة، وقال:
“لقد قدم هؤلاء الشركاء تضحيات كبيرة وتعرضوا لمخاطر جسيمة، بل إنهم هم من سجن مقاتلي تنظيم الدولة.”
وأكد في بيان صدر في 9 آذار بأن:
“الولايات المتحدة تقف إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمع الكردي.” وبحسب تقارير، فإن العراق تراجع أيضًا عن موقفه الداعم لانسحاب قوات التحالف، وذلك بعد سقوط النظام السوري الذي كان حليفًا للحكومة العراقية.
وفي تصريح له خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في شباط الماضي، شدد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني على أن التوقيت “غير مناسب” لانسحاب التحالف من العراق.
العوامل المؤثرة في إعادة انتشار القوات
في حال بقاء القوات الأميركية في العراق، فإنها ستتعرض لتحديات أمنية عديدة. إذ على الرغم من تعهد بغداد بحماية قوات التحالف، واصلت الجماعات المسلحة الموالية لإيران استهداف هذه القوات في العراق وسوريا باستخدام الطائرات المسيّرة، وصواريخ أرض-جو، وقذائف صاروخية، فقد شنت هذه الجماعات ما لا يقل عن 170 هجوماً منذ اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول 2023.
وتمثل تلك الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية جزءاً من حملة الضغط التي تشنها إيران لإجبار القوات الأميركية على مغادرة العراق، وهذه الحملة بدأت قبل الحرب على غزة. وإضافة إلى ذلك، نفذت إيران والجماعات التي تدعمها 32 هجوماً في إقليم كردستان بين أيلول 2018 وتشرين الأول 2023. وتعتبر وزارة شؤون البيشمركة هذه الميليشيات إحدى التهديدات الرئيسية، وخاصة بعد أن أدى هجوم صاروخي إيراني في كانون الثاني من عام 2024 إلى مقتل رجل الأعمال الكردي بشرو ديزايي.
ينص قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي لعام 2024 على تزويد قوات البيشمركة بنظم دفاع جوي لتحمي نفسها من هذه الهجمات. وأشارت تقارير إلى أن الولايات المتحدة تتوقع البقاء في كردستان إلى ما بعد عام 2025 وذلك لتكون ضمانة أمنية في وجه هذه التهديدات، إلا أن وجود القوات الأميركية هناك يجعل الإقليم أيضًا هدفاً لإيران، خاصة إذا تمركز معظم الجنود في كردستان. كذلك قد يُثير تعزيز الوجود العسكري الأميركي في كردستان مخاوف جيران العراق وذلك بالنسبة إلى احتمال دعم الولايات المتحدة لقيام دولة كردية مستقلة، وهذا ما يحتم إبقاء جنود أميركيين بهدف التنسيق في بغداد.
وإذا تحتم بقاء القوات الأميركية وعساكر تابعين لدول أخرى في العراق بموجب اتفاقيات ثنائية، عندئذ لابد من مواصلة تقديم الرواتب والدعم من أجل إدخال إصلاحات على قوات البشمركة حتى تسقر أمورها وتتعزز إمكانياتها إلى جانب مواجهتها للميليشيات المدعومة إيرانياً، كما أن السبب وراء ذلك يتلخص في أن المجموعة الاستشارية متعددة الجنسيات لا تتبع للتحالف بشكل رسمي.
خطوات محتملة لإعادة الانتشار وتداعياته
هنالك قوات من عدة دول تابعة للتحالف موجودة في قاعدة أربيل الجوية، في حين تم إخلاء قوات التحالف من قاعدة حرير الجوية في كردستان في 20 تشرين الأول 2024. وتخطط الولايات المتحدة والعراق لتقليص عدد قوات التحالف البالغة 2500 جندياً خلال عامين.
تواصل قوات التحالف تقديم المشورة للقوات الأمنية العراقية والكردية، وتشارك الوحدات الخاصة في عمليات مكافحة الإرهاب، بما أن الولايات المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا دخلت في شراكات فعلية مع قطعات مكافحة الإرهاب العراقية والكردية وتلك التابعة للبشمركة، وهدفها تحييد المخاطر المتمثلة بخلايا تنظيم الدولة. وفي حال رحيل التحالف عن العراق، فإن هذه العمليات قد تتوقف على الأرجح، ما لم تُوقّع اتفاقيات ثنائية جديدة، رغم أنه من المرجّح استمرار هذه العمليات للحد فرص تنظيم الدولة في العودة إلى الظهور من جديد.
خلاصة
لتوطيد الثقة واستمراريتها مع كل من بغداد وأربيل بعد قيام علاقات جديدة بين العراق والولايات المتحدة، ينبغي على الولايات المتحدة تحقيق توازن دقيق يمنع ظهور أي انحياز واضح لكردستان. لذا، يجب الإبقاء على قوة صغيرة من القوات الأميركية في بغداد بعد انسحاب التحالف وذلك لتنسيق العمليات مع الحكومة العراقية.
نفّذ تنظيم داعش أكثر من 150 هجوماً في عام 2024 في كل من العراق وسوريا، وهذا العدد أعلى من عدد الهجمات التي أعلن التنظيم عن تنفيذه لها في 2023. وبعد سقوط النظام السوري وتولي حكومة انتقالية وأحمد الشرع لمقاليد الحكم في سوريا في كانون الأول الماضي، تواصل مسؤولون أميركيون مع الإدارة السورية الجديدة، كما أعرب مسؤولون عراقيون عن تخوفهم من استيلاء تنظيم الدولة على أسلحة الجيش السوري والعمل على إعادة تنظيم صفوفه من جديد.
بلغت تلك المخاوف أوجها في العواصم الغربية مع احتمال هروب مقاتلي تنظيم الدولة وأهاليهم المحتجزين في شمال شرقي سوريا في حال نفذت تركيا أي هجوم يستهدف قسد، ولهذا لابد من الاعتماد على مزيد من الدبلوماسية الغربية لاحتواء الوضع، كما أبدى المسؤولون في دمشق اهتمامهم بتولي أمور السجون والمخيمات المقامة هناك.
نظراً لاعتماد القوات الأميركية في سوريا على قواعدها في أربيل، فإن عمليات مكافحة الإرهاب في سوريا يمكن أن تستمر، إلا في حال قرر ترمب الانسحاب من سوريا، مما قد يفتح المجال لعودة التنظيم، خاصة في ظل تصاعد عملياته مؤخرًا في سوريا. لكن زيادة النفوذ الأميركي في كردستان قد تستدعي هجمات من جماعات مدعومة من إيران أو قوات الحشد الشعبي، الأمر الذي لابد أن يتطلب لضمانات حماية لأربيل.
من المرجح لأي وجود أميركي أقوى وأكبر في إقليم كردستان أن يحقق للولايات المتحدة نفوذاً أكبر في ملف إصلاح قوات البيشمركة التي تتبناه حكومة كردستان، ومن المرجّح استمرار الدعم المالي الأميركي لهذه القوات من أجل إقامة علاقة وطيدة مع إقليم كردستان، ومن المتوقع أن تبقى دول أوروبية مثل ألمانيا، وهولندا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا وغيرها من القوات العسكرية الدولية التابعة للتحالف الدولي من أجل محاربة تنظيم الدولة في العراق، وأن تواصل شراكتها وتقديم مشورتها لقوات الأمن العراقية وخاصة لقوات البيشمركة الكردية.
على الرغم من أن عدد القوات الأميركية في العراق وسوريا قليل نسبياً مقارنة بتعداد عساكرها في كوريا الجنوبية مثلاً، يلعب وجودها دوراً محورياً في منع عودة تنظيم الدولة والاحتفاظ بنفوذها في تلك المنطقة بما أنه يمكن لإيران أو روسيا أو حتى الصين ملء الفراغ الذي ستخلفه الولايات المتحدة حال رحيلها.
توصيات سياسية
إعادة تموضع القوات: ينبغي للإدارة الأميركية أن تحتفظ بالعدد الحالي لقواتها، مع نقل بعض القوات الموجودة في الأنبار إلى كردستان لتعزيز التعاون بين العراق وسوريا، وتقليل فرص تعرض القوات لهجمات من إيران وميليشياتها.
الاحتفاظ بالقوات الأميركية في سوريا: إن البقاء في شمال شرقي سوريا ضمانة للانتصار على تنظيم الدولة إلى جانب كسب الولايات المتحدة لنفوذ جديد عند تشكيل الحكومة السورية الجديدة، ثم إن القوات الأميركية وقوات قسد تقوم حالياً بحماية البنية التحتية النفطية المهمة التي يمكن أن تستفيد من الاستثمارات الأميركية في تطوير قطاع النفط والغاز.
إصلاح قوات البيشمركة: لابد أن يستمر الدعم الأميركي للإصلاحات الخاصة بقوات البشمركة، بيد أن هذا الدعم يجب أن يربط بشرط إحراز تقدم في تحقيق أهداف الإصلاحات إلى جانب تشكيل حكومة جديدة تضم الحزبين الكرديين (أي الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني).
التمركز الدائم للقوات: على وزارة الدفاع الأميركية أن تدرس فكرة إقامة قواعد دائمة لعساكرها في إقليم كردستان العراق، إلى جانب زيادة التمويل المخصص للإنشاءات العسكرية المعنية بتشييد الثكنات والمقار ومركز للاحتجاز في شمال شرقي سوريا.
الاستقلالية في مجال الطاقة وإجراء إصلاحات مصرفية: يجب على إدارة ترمب مواصلة دعم النمو الاقتصادي في العراق واستقلالية مجال الطاقة فيه وذلك عبر إنهاء الاستثناءات الممنوحة لإيران بخصوص قدرتها على بيع الكهرباء للعراق، مع تشجيع بغداد على استئناف تصدير النفط عبر أنابيب النفط التي تمر بين العراق وتركيا، إلى جانب توجيه إرشادات للمصارف العراقية من خلال الإصلاحات حتى تمنح المستثمرين العراقيين والأجانب مزيداً من الثقة.
الضمانات الأمنية: يحتاج الكرد أيضاً إلى ضمانات أمنية بسبب نشر عدد أكبر من القوات الأميركية، بما أن ذلك يمكن أن يشمل نشر نظم دفاع صاروخية بما يمنع تعرضها لأي هجوم، ويبنغي لذلك لأن يتم بشفافية وبموافقة بغداد على تجنب تصعيد التوتر وذلك بموجب اتفاقيات أمنية مشتركة، كما لابد من تحذير إيران من مغبة تنفيذ أي هجوم على الكرد العراقيين سواء عبر وكلائها أو من بواسطة الصواريخ الباليستية التي تملكها.
التعاون الإقليمي: قد يسهم إشراك تركيا في النقاشات حول النشاطات العسكرية الأميركية في العراق وسوريا في التخفيف من حدة الأعمال العسكرية التركية التي لابد أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وبوسع الولايات المتحدة دعم عملية السلام بين حزب العمال وأنقرة التي ماتزال في الوقت الراهن قيد المناقشة في تركيا، كما يمكن للولايات المتحدة مواصلة دعمها لقسد في أثناء عملية اندماجها ضمن صفوف وزارة الدفاع السورية الجديدة.
الاتفاقيات الثنائية: على العراق أن يسارع إلى توقيع اتفاقيات ثنائية جديدة مع دول التحالف إلى جانب تلك التي وقعها مع الولايات المتحدة، تحسبًا لما يمكن أن يحدث بعد عام 2026 وللتطورات التي تحدث اليوم في سوريا.
البرنامج الخاص لمنح التأشيرات: في حال الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا، يتوجب عندئذ على الولايات المتحدة إطلاق برنامج خاص بمنح تأشيرات الهجرة على أن يخصص للشركاء السوريين، وأن يستمر العمل به مع الشركاء العراقيين وذلك من أجل حماية من خاطروا بأرواحهم عندما دخلوا في شراكة مع الولايات المتحدة.
المصدر: New Lines Institute
تلفزيون سوريا
———————————
باي باي أوجلان/ درويش محما
تحديث 22 أذار 2025
ظهور حزب العمال الكردستاني في أواخر السبعينيَّات من القرن الماضي هو أسوأ ما حصل للكرد في تاريخهم المعاصر، وأفضل ما قد يحصل لهم في المستقبل القريب هو اختفاء هذا الحزب بكل فروعه ومشتقاته. وكلما سألني أحدهم عن كيفية التخلص من هذه العاهة المستديمة التي أصابت الكرد في مقتل، كنت أقول: بقاء هذا الحزب من عدمه بيد أنقرة.
عملية السلام التي أُعلن عنها قبل بضعة أشهر في تركيا، بإشراف غير علني من الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان، تجري بشكل حسن وسلس، وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال، سنشهد خلال الأشهر القليلة القادمة، وقبل انقضاء العام الحالي، نهاية وخاتمة سعيدة لهذه العملية التي جرى التخطيط لها بعناية في أنقرة.
قبل شهر من الآن، وبالتحديد في 18 شباط (فبراير) الماضي، خطا السيد عبد الله أوجلان من سجنه في إمرالي الخطوة الأولى في مسار عملية السلام الجارية، برسالة مقتضبة من خط يده، يعلن فيها عن رفضه لكل ما هو قومي كردي، وأن ديمقراطية الشعوب وأخوة الشعوب هي غايته ومنتهى أمنيته، والسلاح يجب تركه والتخلي عنه، وحزبه حزب العمال الكردستاني يجب حله وفسخه. رسالة أوجلان هذه أُرسلت لثلاث جهات: قيادات “بي كا كا” في جبال قنديل، ومظلوم عبدي قائد قوات “قسد” في شمال سورية، وأوروبا حيث يتواجد أتباعه ومريدوه بكثرة.
الرد بالموافقة من قبل قنديل لم يتأخر، فأوجلان كان واضحاً في رسالته وقد كفى ووفى وعمل ما باستطاعته، ولأن طلباته أوامر بطبيعة الحال، ستعمل قيادات قنديل على عقد مؤتمر للحزب في قادم الأيام كما طُلب منها، وسيكون مؤتمرهم الأخير إن شاء الله، يعلنون فيه عن حل حزبهم المشؤوم وإلقاء سلاحهم. أما السيد مظلوم عبدي، قائد ميليشيات “قسد”، وهو عضو في حزب العمال الكردستاني منذ نعومة أظفاره، والابن الروحي لعبد الله أوجلان، فقد صرح في البداية وعلى العلن، أنَّ الرسالة موجهة لحزب العمال الكردستاني، وأنها لا تخصه ولا تخص “قسد” كونهم سوريين، لكن العبرة بالنتائج لا بالتصاريح، حيث استعجل عبدي إلى دمشق، وحتى يثبت أنه ابن أبيه والأكثر وفاءً وحرصاً على تنفيذ أوامره، قام بالتوقيع مع الرئيس السوري أحمد الشرع، في العاشر من آذار (مارس) الحالي، على اتفاق يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية الجديدة، دون أي امتيازات تُذكر للمكون الكردي السوري.
الرئيس أردوغان، المهندس البارع لعملية السلام الجارية اليوم، أعلن بدوره عن رضاه عن الاتفاق الذي حصل بين السيد عبدي والرئيس أحمد الشرع، بعد مرور 24 ساعة من إعلان بنود تلك الاتفاقية، ولم يكتفِ بذلك، بل أرسل وفداً رفيع المستوى من حكومته إلى دمشق، يترأسه وزير الخارجية التركي السيد هاكان فيدان، للوقوف على تفاصيل الاتفاق وإعطاء بعض النصح والإرشادات للقيادة السورية. وفي خطوة مباركة تصالحية أخرى، وبعد مقاطعة طويلة من طرف الرئيس أردوغان لحزب المساواة والشعوب الديمقراطية المحسوب على أكراد تركيا، أعلن الرئيس أردوغان عن قبوله واستعداده للقاء بعض القياديين من الحزب المذكور، طبعاً للوقوف على مجريات عملية السلام والبحث في مستجداتها.
مبادرة السلام التركية-الكردية تجري كما خُطط لها في أنقرة، وإصرار تركيا القديم الدائم على نزع سلاح “قسد” لم يعد مطروحاً اليوم، بل على النقيض من ذلك، تركيا تريد وبشدة انضمام “قسد” واندماجها بالقوات العسكرية والأمنية السورية. ولا يحتاج المرء إلى الحنكة السياسية لفهم الأمر وهضمه، فموافقة قنديل على حل حزب العمال الكردستاني من جهة، والأحداث الأخيرة التي جرت في الساحل السوري، من عمليات قتل وحشية طالت المدنيين من أبناء الطائفة العلوية من جهة أخرى، دفعت تركيا إلى تغيير موقفها من ميليشيات “قسد”. فانضمام أكثر من 100 ألف مقاتل محترف ومتمرس من “قسد”، ودمجهم في الجيش والأمن السوريين، يُعتبر تركة ثمينة خلفها حزب العمال الكردستاني المنحل قريباً، وهبة من الله للرئيس أحمد الشرع، ليس فقط من أجل استتباب الأمن والأمان في سورية، بل سيتم استخدام تلك القوات على أفضل وجه، لوضع حد لسيطرة المتشددين على الجيش السوري والإدارة السورية. فالعمليات العسكرية الأخيرة التي جرت في الساحل السوري، كشفت عن الوجه البشع لهؤلاء التكفيريين المنضوين تحت مظلة الجيش السوري، وهذا أمر خطير للغاية، قد يتسبب في جرّ الدولة السورية إلى مكان آخر، وهذا ما لا ترغب فيه تركيا ولا يتوافق مع طموحاتها بسورية موحدة مزدهرة حليفة وقابلة للحياة وتمتلك القيم والمعايير نفسها التي تمتلكها وتؤمن بها الحكومة التركية.
خلال زيارته لتركيا في 4 شباط (فبراير) الماضي، الرئيس أحمد الشرع في مؤتمره الصحفي الذي عقده، لم يقل “الجمهورية العربية السورية”، بل قال “الجمهورية السورية”، وكررها مرتين على التوالي، لكن نص الإعلان الدستوري الذي صدر في 13 آذار (مارس) الحالي، والذي وقع عليه الشرع نفسه، أخذ بالاسم الدارج القديم، “الجمهورية العربية السورية”. وقد يقول قائل: ما السبب وراء هذا التغيير؟ أعتقد جازماً أنَّ تغيير اسم الدولة من “الجمهورية العربية السورية” إلى “الجمهورية السورية” هو تحصيل حاصل، وسيثبت في نص الدستور السوري الدائم، كاستحقاق قادم مرتبط بنجاح عملية السلام التي تجري بين تركيا وعبد الله أوجلان.
العد التنازلي للتخلص من حزب العمال الكردستاني قد بدأ، وكلنا أمل وتفاؤل بزمن كردي أفضل في غياب هذا الحزب وأفعاله من إرهاب وعنف ودماء ونفاق وتهاون بحقوق الكرد وأرواحهم، “ودرب يسد وما يرد”.
ايلاف
————————–
لماذا قررت طهران إيقاظ جواسيسها في تركيا؟/ سمير صالحة
2025.03.22
فيما كان السفير الإيراني في أنقرة محمد حسن حبيب الله زاده يحمّل إسرائيل مسؤولية ما يجري في سوريا والإقليم، كان جهاز الاستخبارات التركي “ميت ” يضع اللمسات الأخيرة على ملف تسليم خلية تجسس إيرانية إلى القضاء التركي بتهمة التجسس وجمع معلومات عن قواعد عسكرية ومناطق حساسة داخل تركيا وخارجها ونقلها إلى مشغليهم في استخبارات الحرس الثوري الإيراني.
نفذ جهاز الاستخبارات التركي قبل أيام وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية حملة مطاردة واعتقال لخلية تجسس إيرانية مؤلفة من 5 أشخاص تنشط على خط إسطنبول – مرسين – أنطاليا بمهمة جمع معلومات عسكرية وسياسية حول مراكز التصنيع الحربي التركي وأماكن وجودها.
لا بد هنا من العودة بالذاكرة إلى الوراء والهجوم الذي استهدف في تشرين الأول 2024 مقر الشركة التركية لصناعات الطيران والفضاء “توساش” الواقع قرب العاصمة أنقرة الذي أودى بحياة 5 أشخاص، والحديث عن وجود أصابع دولة خارجية على طريقة تبادل الخدمات، في تحريك مجموعة “حزب العمال الكردستاني ” التي أعلنت مسؤوليتها عن هذا الاعتداء.
لا معلومات تفصيلية بعد حول نتائج التحقيقات لكن هناك أكثر من تقرير استخباراتي وأمني تركي يتحدث عن استعدادات إيرانية مكثفة لتفعيل خلايا ناشطة ونائمة إلى جانب محاولة زيادة عدد الشبكات المحلية التي تجندها للعمل لصالحها في الداخل التركي. لذلك فاحتمال توسيع أنقرة لرقعة عمليات المطاردة كبير جدا، بحسب المعلومات المسربة حول نشاطات الخلية والأدوات المستخدمة والأشخاص الذين يتم تجنديهم وتواصلهم المباشر مع قيادات جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني.
المؤشرات التي تؤكد ذلك لا تعود فقط إلى حملات المطاردة والتوقيف التي ينفذها جهاز الاستخبارات التركي ضد هذه الخلايا ومجموعات التجسس الإيرانية في الأعوام الأربعة الأخيرة والتي تجاوز عدد المعتقلين فيها 40 شخصا تمت عمليات رصدهم وتوقيفهم في العديد من المدن التركية. بل إلى اتساع رقعة التباعد التركي الإيراني في ملفات ثنائية وإقليمية عديدة في الأعوام الأخيرة تقود القيادة الإيرانية للذهاب وراء خطوات بهذا الاتجاه.
هناك:
– تدهور العلاقات التركية الإيرانية في الإقليم حيال ملفات سياسية وأمنية وتجارية بطابع استراتيجي.
– تراجع النفوذ الإيراني في سوريا وتحميل أنقرة بالتنسيق مع “هيئة تحرير الشام” المسؤولية الأساسية على ذلك.
– التقارب التركي العربي والتركي الغربي وزيادة التنسيق في ملفات سياسية وعسكرية تقلق طهران.
– الصعود العسكري والسياسي التركي خصوصا في مجالات التصنيع الحربي.
– توقيت عملية توقيف عملاء إيران قبل أيام والذي لا يمكن فصله عن انفجار الأحداث الأخيرة في الساحل السوري حيث الكثافة السكانية العلوية وردة الفعل في الداخل التركي من قبل بعض قيادات المعارضة التي تريد لعب هذه الورقة لكسب دعم الجناح العلوي في المدن التركية، والذي حذر بعضهم من أنه يخدم أهداف إيران لزعزعة الاستقرار في تركيا وسوريا. وهكذا تكون إيران قد أضافت البعد السوري الجديد إلى أسباب تفعيل تحرك أجهزة استخباراتها في الداخل التركي منذ سنوات والذي كان يركز على:
– جمع المعلومات حول النشاطات العسكرية والاقتصادية والأمنية في تركيا.
– مطاردة النشاطات الإسرائيلية وجمع المعلومات حول الأقلية اليهودية في المدن التركية ومحاولة اغتيال رجال الأعمال الأتراك من أصل يهودي كما حدث في شباط 2022 بعد عملية فاشلة خطط لها ضد يائير غللر الصناعي المتخصص في قطاع التكنولوجيا المتطورة وأجهزة التصنيع العسكري انتقاما لمقتل أحد أبرز المشاركين في برامج إيران النووية محسن فخري زاده.
– رصد تحركات مجموعات المعارضة الإيرانية وكوادرها التي طلبت اللجوء إلى تركيا ومحاولة اختطافهم وإعادتهم إلى طهران كما حدث في منتصف كانون الأول 2020 عندما كشف جهاز الاستخبارات التركية عن خلية تجسس تعمل لصالح إيران نجحت في اختطاف أحد رموز المعارضة الإيرانية خلال زيارة له إلى تركيا.
– متابعة نشاطات المجموعات الكردية الإيرانية الهاربة إلى تركيا.
حاولت أجهزة الاستخبارات الإيرانية والإسرائيلية أكثر من مرة نقل المواجهة إلى الساحة التركية رغم جهود جهاز الميت التركي قطع الطريق على عمليات من هذا النوع. لكن هدف إيران هذه المرة وكما يبدو هو محاولة اختراق الداخل التركي نفسه وحيث تكثر الأنباء التي تتحدث عن احتمال اتساع المواجهة التركية الإيرانية.
قناعة كثير من الأتراك اليوم أنه لا يمكن الفصل بين نشاط جهاز الاستخبارات الإيراني المكثف في الآونة الأخيرة فوق الأراضي التركية وبين العديد من التطورات السياسية والاستراتيجية الإقليمية:
– إيران منزعجة من التحول الحاصل في سياسة تركيا الإقليمية وانفتاحها الجديد على العواصم العربية وتدرك أن ذلك سيضر بمصالحها وحساباتها الإقليمية في المنطقة، ويعرقل أكثر من مشروع استراتيجي إيراني في مسائل خطوط التجارة وحركة البضائع.
– وهي تعتبر أنّ سياسة تركيا الجديدة في ملفّات الطاقة عبر مناطق البحر الأسود وشرق المتوسط والقوقاز، تتجاهل النفوذ والمصالح الإيرانية الاستراتيجية على أكثر من خطّ في تلك المناطق بينها قطع الطريق على حلم الوصول إلى السواحل السورية.
– وإيران أيضا تريد عرقلة خطط ومشاريع أنقرة في تفعيل برامج البحث عن مصادر طاقة جديدة بينها اكتشافات حوض البحر الأسود والجهود التركية لصناعة تفاهمات ترسيم الحدود المائية في شرق المتوسط، وكلها ستنعكس سلبا على إيران وحساباتها ومصالحها في المنطقة.
هناك جهود إيرانية تبذل بشكل مكثف لتصفية الحسابات مع أنقرة التي نجحت في إضعاف وتراجع النفوذ الإيراني في الإقليم وعلى أكثر من خط مواجهة تركية إيرانية بطابع سياسي وأمني واقتصادي. وهناك تحسب تركي واستعدادات لسيناريوهات الرد الإيراني ضد المصالح التركية في الداخل والخارج
تلفزيون سوريا
——————————–
تدريبات عسكرية مكثفة لقوات التحالف الدولي في شرق سورية
محمد كركص
22 مارس 2025
نفّذت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مساء الجمعة وفجر السبت، تدريبات عسكرية مكثفة باستخدام أسلحة ثقيلة ضمن إحدى قواعدها العسكرية في ريف دير الزور الشرقي، تزامناً مع تحليق مكثف للطائرات الحربية الأميركية وطائرات الاستطلاع في أجواء المنطقة.
وأكد الناشط الإعلامي وسام العكيدي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن التدريبات العسكرية جرت في قاعدة حقل العمر النفطي، أكبر قواعد التحالف في سورية، حيث استخدمت فيها قوات التحالف أسلحة متطورة وقذائف مدفعية. وأضاف أن تلك التدريبات ترافقت مع تحليق طائرات مسيّرة وحربية أميركية في سماء المنطقة الشرقية.
وفي سياق متصل، سيرت قوات التحالف الدولي دوريات عسكرية في القرى السبع الواقعة على سرير نهر الفرات من الطرف الشرقي (بادية الجزيرة)، انطلاقاً من قاعدتها العسكرية في حقل كونيكو للغاز، ومروراً ببلدة خشام. كما جالت أمس الجمعة دورية عسكرية مؤلفة من ست عربات مصفحة وسيارة في بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي.
وتأتي هذه التحركات في ظل تكثيف قوات التحالف تدريباتها العسكرية في دير الزور خلال الأشهر الماضية، تزامناً مع استمرار وصول تعزيزات عسكرية ولوجستية كبيرة إلى قواعدها. وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، أجرت قوات التحالف تدريبات بالذخيرة الحية بالتزامن مع تحليق طائرات حربية وإطلاق قنابل مضيئة في سماء قاعدة حقل العمر.
وكانت قاعدة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، شمال شرق سورية، قد شهدت يوم الاثنين الفائت، استنفاراً عسكرياً تزامن مع هبوط أربع طائرات مروحية عسكرية وطائرة شحن محملة بأسلحة وذخائر ومعدات لوجستية، قادمة من قواعد التحالف في إقليم كردستان العراق.
وكانت قوات التحالف الدولي شنت بمساعدة من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عدة عمليات ضد خلايا وأفراد من تنظيم “داعش” الإرهابي منذ بداية العام الحالي، أسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص، بينهم مدنيون، فيما تواجه “قسد” اتهامات بشن اعتقالات تستهدف المدنيين بحجة الانتماء لتنظيم “داعش”، إذ أدانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في 22 من الشهر الماضي، استمرار احتجازها مدنيين منذ مطلع العام الحالي بسبب التعبير عن الرأي.
—————
سوريا في شهر الثورة.. التحديات كبيرة/ أحمد مظهر سعدو
2025.03.23
تتشابك التحديات وتتعقد، بعد نحو 4 شهور من انتصار ثورة الشعب السوري، وإزالة نظام الأسد، وفرار رأس النظام إلى موسكو. إذ يحاول السوريون الاحتفاء بتاريخ ثورتهم العظيمة، ثورة الحرية والكرامة في ذكراها، أمام تحديات كبيرة وكثيرة ومتعددة، بل وأكثر تعقيدا، طالت مجمل الواقع المتغير في المشهد السوري. حيث لم تُترك سوريا بشعبها المكافح لفرحة النصر، كما لم يُترك الإنسان السوري ليعيش زمنا جديا خاليا من القتل والموت والعبث بأوضاعه، حتى بدأت المشكلات والإشكاليات تنبثق في طريقه الشاق نحو بناء الدولة السورية الجديدة، الخالية من خراب عصابة الأسد، فسادها وإفسادها وحالة الدولة السورية التي عاشها السوريون على مدى ٥٤ عاما من حكم آل الأسد ومساراتهم المليئة بالدم والنهب والخراب على كل المستويات، حتى أضحت سوريا في الدرك الأسفل من الفوات والعفن على جميع الأحوال والمتغيرات.
تتمظهر اليوم حالات كثيرة من تلك التحديات التي تعوِّق حركة العمل المطلوب من أجل سوريا الحرة، التي لا بد من أن تبنى على أسس جديدة وقيم وطنية أخرى، وسيادة جدية للدستور والقانون المغيبين قسرا زمن الأسد الابن وقبله الأب.
ولعل التحدي الأكبر هو ماتفعله إيران وأدواتها من الفلول التشبيحية، في محاولاتهم المستمرة ضمن الساحل السوري، وكذلك على الحدود اللبنانية السورية، من أجل زعزعة الأمن والاستقرار الضروريين جداً من أجل قيامة جديدة للدولة السورية. وإذا كانت غايات إيران في ذلك ومعها زبانية نظام الأسد واضحة المعالم، وهي التي انهزمت على يد الشعب السوري صبيحة 8 كانون أول/ ديسمبر 2024 هزيمة نكراء، أسهمت في هدم صرح المشروع الإيراني الفارسي الطائفي في المنطقة، وتم قطع الطريق كليا على امتدادات وأطماع إيران في المنطقة، فأصبح طريق طهران بغداد دمشق بيروت غير سالك، بل مقطوع نهائيا في أوسطه، أي داخل الجغرافيا السورية تحديدا، وهو ما جعل إيران/ الملالي تتجرع كأس السم الزعاف في سوريا هذه المرة، بعد أن تجرعه (آية الله الخميني) في العراق أواخر ثمانينيات القرن الفائت. من هنا فإنها لن تألو جهدا من أجل العمل وبشتى السبل، لزعزعة الأوضاع الأمنية في سوريا، ضمن محاولاتها البائسة للعودة من جديد إلى الساحة السورية المطرودة منها، رغم كل إمكانياتها وثقلها العسكري.
أما التحدي الآخر الذي يقف في طريق الدولة الجديدة في سوريا، فهو تحدي القوة المتصاعدة الإسرائيلية حيث خرجت إسرائيل منتصرة في حربها على قطاع غزة وجنوبي لبنان، وهي اليوم تريد أن تستثمر وتستغل هذه الفرصة عبر سوريا، في ظل وجود عسكري لجيش سوري ناشئ ومتواضع، وضمن اللاإمكانات الجدية للمواجهة، كي تنجز وضعا جديدا عبر قضم المزيد من الأراضي السورية في الجولان والهيمنة على كامل المنطقة العازلة، وتدمير ما تبقى من عتاد عسكري سوري، واللعب على الوتر الطائفي، بدعوى حماية الأقليات، وخاصة في الجنوب السوري . كل ذلك يجري في ظل غياب كامل لأي مشروع عربي قادر على لجم التمدد الإسرائيلي، أو إيقاف التهديدات الصهيونية المستمرة للوضع الجديد في سوريا، وضمن أجواء هيمنة الرئيس الأميركي (دونالد ترمب) على العالم، وانحيازه المطلق إلى جانب إسرائيل، على حساب العرب كل العرب، من دون الاهتمام بمواقف النظام العربي الرسمي الضعيف، هذه المواقف التي لا تتعدى شكلية إصدار بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع.
كما لا يمكننا إلا التوقف أمام التحدي الآخر الذي لايقل خطورة، وهو موضوع شمال شرقي سوريا، حتى بعد أن تم توقيع اتفاق مهم بين الإدارة السورية الجديدة وتنظيم (قسد) حيث ما تزال هناك الكثير والكثير جدا من من العقبات، التي تعترض طريق تنفيذه خلال تسعة أشهر قادمة، وهي المدة الزمنية المعطاة له من أجل الإنجاز، حيث ما برحت هناك كثير من العقبات بل والخلافات بين الطرفين، وصولًا إلى حالة اندماج ما، قد تحصل وقد لا تحصل في المؤسسة العسكرية السورية الجديدة، وهذا يرتبط بالضرورة وبشكل مباشر وواضح بمدى رضى أو عدم رضى الإدارة الأميركية عن أداء الحكم الجديد في سوريا.
كذلك فإن إشكالية الجنوب السوري ماتزال قائمة، واللعب بورقة (الدروز) من قبل الإسرائيليين ما تزال جدية، رغم الوقوف المعلن لمعظم الفعاليات الوطنية السورية في جبل العرب، انحيازا حقيقيا وواضحا إلى جانب وحدة سوريا، والاندماج بالحالة السورية الجديدة، وعدم الالتفات إلى ما تحاول أن تفعله إسرائيل من تحريك لبعض أدواتها في السويداء من أجل الهيمنة على الجنوب السوري والتهيئة لحالة جديدة من تفسخ الوحدة الوطنية السورية.
وقد لا يقل أهمية عن كل ذلك تحدي بناء الدولة الوطنية، على أسس تشاركية وحدوية لا تتكئ على اللون الواحد، ولا تسمح بالانفراد بالسلطة، من قبل لون سياسي واحد بحد ذاته، فمطالبات الداخل والخارج تفترض مشاركة الجميع، وفق معايير وطنية ديمقراطية تتمكن من تخطي زلات وهنات الإعلان الدستوري، وصولًا إلى تشكيل حكومة وطنية جديدة، متعددة المشارب، وقادرة على الوصول إلى بناء وطني للدولة ديمقراطي وعصري. بالإضافة إلى ضرورة الإسراع في تشكيل هيئة عليا للعدالة الانتقالية، التي باتت ضرورية وملحة، لتقطع الطريق على كل العابثين بأمن الوطن السوري. وكذلك العمل بدأب من أجل تأمين الخدمات الضرورية للعيش، وتحسين الأداء الاقتصادي الأفضل، كي يجذب ذلك السوريين المهجرين قسرا إلى الخارج، كي يعودوا جميعا ويسهموا في بناء الوطن السوري القادم والجديد.
ولن ننسى التحدي الآخر الكبير وهو تحدي كيفية إقناع الغرب وخاصة الأميركان بإزالة كل أنواع العقوبات المفروضة على سوريا، والتي لم يعد هناك من مبرر لوجودها، بعد إزاحة السبب، الذي أدى إليها، وهو “نظام الفاشيست” الأسدي، وهو مايجب الاشتغال عليه وبشتى الطرق، وعبر كل أصدقاء سوريا، حتى لا تبقى هناك معوقات حقيقية على طريق بناء اقتصاد سوري وطني قوي وقادر على الإيفاء بالمتطالبات الوطنية السورية المعيشية للناس.
إذا فالتحديات كبيرة وكثيرة، لكن الأمل ما يزال موجودا لتخطيها جميعا، وعبر جهد حقيقي، يشارك فيه كل السوريين، مع أصدقاء الشعب السوري، الذين وقفوا إلى جانب سوريا، لكن المسألة شاقة ومتعبة، وتحتاج إلى كثير من الانفتاح والتشاركية، والعمل الدؤوب من أجل سوريا التي نحب ونرغب جميعا.
————————–
استعادة ثروات الفرات… بوابة تعافي الاقتصاد/ مناف قومان
22 مارس 2025
قليلٌ من السوريين من توقعوا حدوث انفراجة سياسية في ملف “قسد” مع الحكومة السورية الانتقالية، لا شك أن الاتفاق توّج بعد سلسلة من اللقاءات والمحادثات بين الطرفين، لكن في النهاية وقصارى القول إنه أنهى أي حديث عن تقسيم سورية ورسم الخرائط وتلوينها، لتعود سورية كلها خضراء كما يراها أهلها منذ خرجوا في العام 2011 وهتفوا في الشوارع ضد التقسيم مؤكدين على وحدة سورية أرضاً وشعباً.
تلوح في الأفق اليوم فرصة قد تعيد ملامح الاقتصاد السوري المنهك في خضم الدمار الذي خلَّفه أكثر من عقد من الحرب والعقوبات الدوليّة، إذ يشكل الاتفاق المُبرَم بين الطرفين لاستعادة السيطرة على حقول النفط والغاز والمناطق الزراعية في شمال شرقي سورية، منعطفاً جيوسياسياً واقتصادياً قد يُعيد توجيه بوصلة البلاد نحو التعافي خلال العامين القادمين على أقل تقدير، أو على الأقل يُخفف من حِدّة الأزمات.
لكن إلى أي مدى يمكن لهذه الثروات أن تملأ الهوّة العميقة في أزمات الاقتصاد السوري؟
الاقتصاد السوري… محاولة النهوض
قبل الخوض في تأثيرات الاتفاق، لا بد من فهم حجم الكارثة التي يعيشها الاقتصاد السوري اليوم. وفقاً لتقديرات البنك الدولي، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من 60% منذ عام 2011، وفقدت الليرة السورية 98% من قيمتها، بينما يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر. ولا تزال العقوبات الغربية، وعلى رأسها “قانون قيصر”، تحاصر النظام المالي وتحجب سورية عن الدخول إلى المنظومة المالية الدولية، وتعيق أي محاولة لإعادة الإعمار.
ولمّا كانت سورية بحاجة للاعتماد على مواردها لتقليل الاعتماد على الخارج وتخفيف حدة الأزمات، تُمثِّل المناطق الشمالية الشرقية (محافظات دير الزور والحسكة والرقة)، خزاناً استراتيجيّاً لسورية، كان خارج سيطرة الحكومة السورية المؤقتة منذ سقوط النظام في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، ودخل إلى حساباتها مع توقيع الاتفاق مع “قسد” في العاشر من مارس/ آذار 2025. تُنتج هذه المنطقة ما يصل إلى 80% من احتياطيات سورية النفطية، التي تُقدر بـ2.5 مليار برميل، بالإضافة إلى حقول غاز مهمة.
وكان الإنتاج النفطي قد انخفض من 380 ألف برميل يومياً عام 2010 إلى أقل من 80 ألف برميل في اليوم، بحسب تقديرات عام 2023، معظمه يُهرب عبر وسطاء إلى دول مجاورة أو يُستخدم محليّاً.
وتمثل المنطقة أيضاً، وخاصة محافظتي دير الزور والحسكة، خزاناً استراتيجياً للغاز الطبيعي في سورية، حيث تقدّر احتياطياتها بنحو 240 مليار متر مكعب من الغاز، حيث تنتج حقول مثل “كونوكو” و”الطابية” و”العُمر” في منطقة دير الزور، قرابة 21 مليون متر مكعب يوميّاً، مُغطيةً نحو 40% من احتياجات سورية المحلية من الغاز، والتي تُستخدم أساساً في توليد الكهرباء وتشغيل المصانع، في حين انخفض الإنتاج إلى أقل من خمسة ملايين متر مكعب يومياً بحلول عام 2023.
ويبلغ إجمالي إنتاج سورية من الغاز الطبيعي ما بين 30 – 35 مليون متر مكعب يومياً يغطي الاستهلاك المحلي، والفائض يذهب للتصدير، في حين بالكاد يصل الإنتاج اليوم إلى نحو عشرة ملايين متر مكعب يومياً من جميع الحقول. أما في قطاع الزراعة، فتحتضن المنطقة 70% من أراضي سورية الزراعية، وتعتبر القلب النابض للزراعة السورية، بما في ذلك حوض الفرات الذي كان يُنتج قرابة 50% من القمح السوري قبل النزاع، و60% من الشعير، وهي محاصيل أساسية لتوفير رغيف الخبز الذي يمثل المادة الأساسية على المائدة السورية.
وتبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة في المنطقة نحو 1.2 مليون هكتار، أي نحو 40% من إجمالي الأراضي الزراعية السورية، وإضافة إلى زراعة القمح يزرع فيها القطن والشعير والخضروات، وتعتمد نسبة كبيرة من سكان المنطقة على الزراعة مصدرَ دخل رئيسياً، وتشكل الزراعة 25% من الناتج المحلي الإجمالي السوري.
الاتفاق… أرقامٌ مُتفائلة
وسط تحديات كبيرة من نافلة القول إن الاستعادة الرسمية لهذه المناطق قد لا تعني بالضرورة عودة فورية لكامل الإنتاج، في ظل العقبات اللوجستية والسياسية التي تظلّ كابحاً رئيسيّاً، إذ تعرّضت منشآت النفط في دير الزور والحسكة لتخريب واسع من قبل تنظيم داعش، ثم القصف الروسي والأميركي والتركي لاحقاً والعمليات العسكرية التي استمرّت لسنوات، إضافة إلى حجم الفساد المستشري في التعاطي مع ملف النفط في المنطقة.
وتتطلب إعادة تأهيلها استثمارات ضخمة قد تصل إلى مليارات الدولارات وخبرات تقنية غائبة حالياً، وبحاجة لرفع العقوبات عنها لتمكين الشركات من الدخول وإعادة الترميم وتأهيل الآبار لعودة الإنتاج لطبيعته.
وفيما لو نجحت سورية في استعادة إنتاجها النفطي إلى 200 ألف برميل يوميّاً، أي حوالي نصف مستويات ما قبل العام 2011، فقد تساهم في سد 80% من الاحتياجات المحلية للنفط والتي تقدر بحوالي 250 ألف برميل يومياً، وتبلغ قيمتها بالسوق بالعالمية حوالي ملياري دولار (على افتراض سعر 60 دولاراً للبرميل) ستشكل وفراً للخزينة العامة، إضافة إلى عودة التيار الكهربائي لسابق عهده وانخفاض تكاليف الإنتاج وانعكاسها على القوة الشرائية للسكان.
كما أن عودة المنطقة الشمالية الشرقية والتي تلقب بـ”سلة غذاء سورية” ستساهم في انتعاشة الاقتصاد الزراعي أكثر بعد سلسلة من الخسائر منيت بها الدولة خلال السنوات الماضية، حيث شهد إنتاج القمح انخفاضاً من أربعة ملايين طن سنويّاً إلى أقل من مليون طن، ومن شأن استعادة الزراعة تُقلّص فاتورة استيراد الغذاء، وقد تسمح بالتصدير مجدداً. وقد يدفع الاتفاق الجديد دولاً مثل الصين وتركيا والسعودية للاستثمار في سورية، مستفيدة من تراجع الوجود الأميركي وحاجة الدولة الماسّة للاستثمار في قطاع الطاقة والزراعة.
الاتفاق ليس مجرد صفقة اقتصادية عابرة، بل خطوة نحو إعادة دمج المكون الكردي مع بقية المكونات السورية، بعد سنوات من “الإدارة الذاتية”. وقد يُشكّل سابقة لتفكيك الانقسامات الجغرافية – الاقتصادية التي غذَّتها النزاعات طوال السنوات الماضية. وعلى الرغم من الجانب المشرق لتوقيع الاتفاق، لكن يجدر الانتباه لجملة من التحديات التي قد تواجه الطرفين، ولعلّ أهمها الانقسام الأيديولوجي بين “هيئة تحرير الشام” و”قوات سوريا الديمقراطية”، وإرث العنف، إذ لطالما حاربت فصائل المعارضة “قسد” بدعم من تركيا، واشتركت الأخيرة في معارك مع النظام ضد فصائل المعارضة أيضاً.
لذا سيتوقف نجاح الاتفاق على حجم الانفتاح السياسي من قبل الطرفين والاتفاق على عقد اجتماعي يضمن حقوق الجميع ويعيد بناء الثقة. والتحدي الآخر مرتبط بالتدخل الخارجي، إذ لا تزال واشنطن تدعم “قسد” وسط معارضة تركيا لهذا الدعم، وثالث تلك التحديات مرتبط بإدارة الثروات؛ إذ تطالب الحكومة السورية بالسيادة الكاملة على الحقول، فهل تنجح في إقرار آلية توزيع عادلة للثروة وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة لجميع المحافظات انطلاقاً من منطقة شرق الفرات؟
رابع التحديات، هو العقوبات الغربية، فعلى الرغم من تجميد بعضها لمدة عام، إلا أن هذا الملف يحتاج لوقت طويل لحين الانفكاك من هذه العقوبات. أخيراً، لا شك أن استعادة السيطرة على النفط والغاز والزراعة في الشمال الشرقي خطوة ضرورية، لكنها ليست كافية لإنقاذ الاقتصاد السوري. التعافي الحقيقي يتطلب حلّاً سياسيّاً شاملاً يفتح الباب أمام رفع العقوبات. وإصلاحات مؤسسية لمحاربة الفساد وضمان توزيع عادل للثروة، وتنمية اقتصادية لكافة المحافظات وسكانها، واستثمارات دولية غير مشروطة بأجندات إقليمية.
العربي الجديد
—————————
فرص شراكة أميركية-تركية في سوريا/ فادي حيلاني
23/3/2025
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تميزت السياسة التركية تجاه هذا الحراك الشعبي بتعدد أوجهها وتغير مساراتها، إذ انتقلت من دعم الإصلاحات السياسية والسعي إلى تغيير النظام في بداية الثورة، إلى التدخلات العسكرية المباشرة لاحقًا، لا سيما ضد القوى الكردية في شمال سوريا.
وقد أفضى هذا التدخل إلى تداعيات عميقة على العلاقات التركية- الأميركية، حيث وجدت أنقرة نفسها في معادلة معقدة بين تحالفها الإستراتيجي مع واشنطن ضمن إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبين موقفها المناهض لقوات سوريا الديمقراطية، التي حظيت بدعم الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
التدخلات العسكرية التركية في سوريا: دوافعها وتبعاتها
مع تصاعد الصراع في سوريا، نفذت تركيا سلسلة من العمليات العسكرية شمال البلاد، مدفوعة بمزيج من الهواجس الأمنية الطارئة، والطموحات الإستراتيجية طويلة الأمد.
ففي بادئ الأمر، تبنّت أنقرة موقفًا داعمًا للمعارضة السورية الساعية إلى إسقاط نظام بشار الأسد، انسجامًا مع موجة الربيع العربي التي رفعت لواء التغيير والإصلاح.
غير أن تعقّد المشهد السوري وظهور فاعلين جدد على الساحة دفع تركيا إلى إعادة ترتيب أولوياتها، حيث انحسر تركيزها تدريجيًا من إسقاط النظام إلى مواجهة النفوذ المتنامي للقوى الكردية المسلحة على حدودها الجنوبية.
وقد تأجّج هذا التحوّل الإستراتيجي مع صعود وحدات حماية الشعب الكردية، التي أصبحت العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، وهو الكيان الذي تنظر إليه أنقرة بعين الريبة باعتباره امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، والذي تصنّفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمةً إرهابيةً نظرًا لنشاطه العسكري داخل الأراضي التركية.
وبما أن توسع السيطرة الإقليمية لوحدات حماية الشعب كان يُعدّ تهديدًا وجوديًا للأمن القومي التركي، فقد عمدت أنقرة إلى شنّ حملات عسكرية متتالية للحيلولة دون قيام كيان كردي متصل على طول حدودها الجنوبية، وهو ما كانت ترى فيه مقدمةً لإقامة حكم ذاتي كردي قد يُحفّز الطموحات الانفصالية داخل تركيا ذاتها.
المحطات المفصلية في التدخل العسكري التركي
كانت عملية “درع الفرات” (2016) أولى الحملات العسكرية التركية الكبرى، وقد استهدفت في آنٍ واحد تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الكردية في الشمال السوري، وأسفرت عن إنشاء منطقة أمنية عازلة تمتد بين مدينتي جرابلس والباب، خاضعة للنفوذ التركي.
وفي عام 2018، أطلقت أنقرة عملية “غصن الزيتون”، التي ركّزت على عفرين، المعقل الكردي الإستراتيجي، وانتهت بسيطرة القوات المدعومة من تركيا على المدينة، مما أدى إلى نزوحٍ واسع النطاق للسكان الأكراد، في تطور أثار انتقادات دولية حادة.
ثم جاءت عملية “نبع السلام” عام 2019، التي استهدفت شمال شرق سوريا، في محاولةٍ لتوسيع نطاق السيطرة التركية وتقليص النفوذ الكردي في المنطقة.
وخلال هذه العمليات، رأت أنقرة في تدخلاتها ضرورةً أمنية لا تحتمل التأجيل، فيما وُجهت لها انتقادات حادة؛ بسبب تداعياتها الإنسانية، لا سيما فيما يتعلق بعمليات التهجير القسري للسكان الأكراد، فضلًا عن اعتمادها على الجيش الوطني السوري، وهو تحالف من الفصائل السورية المعارضة المدعومة تركيًا، في تنفيذ عملياتها العسكرية.
العلاقات التركية- الأميركية: التوتر المتصاعد بين الحلفاء
لم تكن هذه الحملات العسكرية بمعزلٍ عن تداعياتها على العلاقات التركية- الأميركية، إذ تزامن توسع النفوذ التركي في شمال سوريا مع تعمق الشراكة بين واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية، التي اعتبرتها الولايات المتحدة ركيزةً أساسية في إستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب.
فقد قامت واشنطن بتزويد القوات الكردية بالأسلحة والدعم الجوي والمعلومات الاستخباراتية، نظرًا لفاعليتها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
غير أن هذا الدعم أثار حفيظة أنقرة، التي رأت في تسليح الأكراد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، متهمةً الولايات المتحدة بأن الأسلحة التي تقدمها لمحاربة تنظيم الدولة يتم تسريبها إلى المجموعات المسلحة الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.
ورغم الاحتجاجات التركية المتكررة، تمسّكت واشنطن بموقفها، معتبرةً الأكراد شركاء لا غنى عنهم في الحرب ضد الإرهاب، مما أدى إلى مواجهات دبلوماسية متكررة بين الجانبين، وجعل الحليفين في الناتو في وضع غير مسبوق، حيث تدعم كلٌّ منهما أطرافًا متصارعة على الأرض السورية.
وقد أسهم هذا التباين في وجهات النظر في تعكير صفو العلاقات الثنائية، حيث باتت الخلافات حول سوريا جزءًا من التوتر الأوسع بين البلدين، انعكس سلبًا على التنسيق الإستراتيجي بينهما، سواء في القضايا الإقليمية أو في حلف الناتو.
الإطاحة بالأسد والقيادة الجديدة في سوريا
أرسى سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2024 متغيرًا جديدًا في المشهد السياسي السوري، إذ أثار الفراغ في السلطة مخاوف جمّة من عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى لملمة شتاته، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى النظر في زيادة دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، حفاظًا على الاستقرار، واستمرارًا في جهود مكافحة الإرهاب.
في المقابل، شدّدت تركيا من حملاتها العسكرية ضد القوات الكردية، ساعية إلى تفكيك سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المناطق التي تحكم قبضتها عليها.
وقد أفضى هذا التصعيد إلى مواجهات مباشرة بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، مما زاد من تعقيد المشهد وألقى بظلاله على العلاقات الأميركية- التركية.
وكان لهجوم موالين لنظام الأسد على قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة في مارس/ آذار عام 2025 في محاولة لاستعادة نفوذهم المفقود الذي سرعان ما تحوّل إلى موجة من الاقتتال الطائفي، العامل الأهم في دعم وتسريع الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والإدارة السورية في دمشق؛ بهدف رأب الصدع الداخلي والحفاظ على وحدة البلاد في مواجهة شبح التقسيم والصراع المفتوح.
فقد نص هذا الاتفاق على إدماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة السورية، مما يشكل نقطة تحول مفصلية في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وعلى موازين القوى بين الولايات المتحدة وتركيا في المشهد السوري المتأزم.
وقد لعبت الولايات المتحدة، بوصفها الحليف الوثيق لقوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، دورًا رئيسًا في توجيه تلك القوات نحو الاتفاق مع دمشق.
ويأتي هذا التحرك الإستراتيجي متوافقًا مع رؤية واشنطن الأوسع الهادفة إلى ترسيخ وحدة سوريا واستقرارها، تمهيدًا لخفض منظّم لوجودها العسكري في المنطقة.
ومن خلال دمج قوات سوريا الديمقراطية في البنية الوطنية السورية، تسعى واشنطن إلى درء مخاطر الصراع السياسي والعسكري الذي قد يكون سببًا للجماعات المتطرفة لتعيد لملمة شتاتها.
أما تركيا، فقد جاء موقفها إزاء هذا التطور مشوبًا بالتفاؤل الحذر. إذ لطالما نظرت أنقرة إلى قوات سوريا الديمقراطية، ولا سيّما وحدات حماية الشعب التي تشكل ركيزتها الأساسية، على أنّها امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي تدرجه ضمن التنظيمات الإرهابية.
وإن كان إدماج هذه القوّات في المنظومة العسكرية والإدارية للدولة السورية قد يخفّف من المخاوف الأمنية لأنقرة عبر إنهاء الوجود العسكري الكردي المستقل على حدودها الجنوبية، فإنها مع ذلك تبقى على أُهْبة الاستعداد واليقظة، مشددة على ضرورة نزع سلاح وحدات حماية الشعب واندماجها الكامل في الجيش السوري، دون أن تظل لها أي قدرات عسكرية مستقلة.
وفي ظل هذه المستجدات، باتت العلاقات الأميركية- التركية في سوريا ماضية نحو مرحلة جديدة من التعاون المشوب بالحذر، وإعادة ضبط الحسابات الإستراتيجية. إذ يشترك الطرفان في مصلحة كبرى تتمثل في ضمان استقرار سوريا والحيلولة دون عودة الجماعات المتطرفة إلى الواجهة.
وقد يفضي دعم الولايات المتحدة لاتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع دمشق إلى تهدئة بعض المخاوف التركية بشأن النزعات الانفصالية الكردية، مما قد يفضي إلى تنسيق مستدام بين واشنطن وأنقرة.
بيد أنّ مدى استدامة هذا التعاون سيظل رهينة بمدى تنفيذ الاتفاق، لا سيّما فيما يخص تفكيك القدرات العسكرية لوحدات حماية الشعب وضم مقاتليها إلى جيش الدولة السورية.
وعلاوة على ذلك، فإن الانفتاح الدبلوماسي الأخير لتركيا تجاه دمشق، والذي تجلّى في زيارات رفيعة المستوى تزامن مع تصاعد العنف الطائفي، يؤكد سعي أنقرة للعب دور بناء في إعادة إعمار سوريا، وتفعيل مسار العملية السياسية.
وقد يمهد هذا التقارب لآفاق أرحب من التعاون الأميركي- التركي في سوريا، بشرط أن يتمكن الطرفان من مواءمة أهدافهما الإستراتيجية، ومعالجة هواجسهما الأمنية المشتركة بروح من الشفافية والتفاهم المتبادل.
الطريق إلى الأمام
قد يُتيح هذا المشهد الجيوسياسي المتغير في سوريا فرصة مهمة للولايات المتحدة وتركيا للتعاون على الصعيدين؛ الاقتصادي والعسكري، مما يعزز الاستقرار الإقليمي ويعالج الهواجس الأمنية المشتركة.
فعلى الرغم من تباين رؤى البلدين حيال بعض جوانب الصراع السوري في السابق، فإن التحولات المتسارعة على أرض الواقع تهيئ إطارًا للتعاون على أساس المصالح المشتركة.
ومع الاتفاق الأخير الذي يقضي بإدماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن كيان الدولة السورية، تبرز إمكانية لأنقرة وواشنطن للتنسيق على إعادة الإعمار الاقتصادي والتدريب العسكري، حيث بوسعهما الإسهام في استقرار سوريا، وكبح عودة التنظيمات المتطرفة، والتصدي لنفوذ القوى الخارجية، مثل إيران وروسيا.
فإعادة إعمار سوريا بعد الحرب تستلزم استثمارات اقتصادية ضخمة، والولايات المتحدة وتركيا في موقع يؤهلهما لقيادة هذه الجهود. فقد خلفت الحرب دمارًا واسعًا في البنية التحتية الحيوية، من طرق ومستشفيات ومدارس وشبكات الطاقة، مما أفضى إلى أزمة إنسانية تُذكي نيران الاضطراب.
ومن شأن إنعاش الاقتصاد أن يخفف من وطأة الفقر، ويحدّ من الظروف التي تسهم في تفشي الأيديولوجيات المتشددة. وهنا تستطيع الولايات المتحدة توظيف نفوذها السياسي والدبلوماسي وتحالفاتها الدولية لتنسيق الاستثمارات في مشاريع إعادة الإعمار، فيما يمكن لتركيا، بفضل قربها الجغرافي وشبكاتها التجارية الممتدة في الشمال السوري، أن تضطلع بدور محوري في إعادة بناء القطاعات الصناعية والزراعية.
وقد انخرطت الشركات التركية بالفعل في مشاريع البنية التحتية في المناطق الواقعة تحت نفوذها، مثل أجزاء من محافظتي حلب وإدلب، وتوسيع نطاق هذه المبادرات إلى مناطق سورية أوسع، تحت إشراف دولي، قد يوفر فرص عمل ويمهد الطريق أمام استقرار اقتصادي طويل الأمد.
علاوة على ذلك، فإن برامج الإغاثة المستهدفة، المدعومة من واشنطن وأنقرة، من شأنها معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة، وفي الوقت ذاته، تمهيد السبيل لتنمية مستدامة..
أما العقوبات، فهي تمثل حجر الزاوية في مسار التعافي الاقتصادي السوري، لا سيما في ظل الإدارة الجديدة في دمشق، التي تسعى إلى إعادة بناء الدولة عقب الإطاحة بنظام الأسد. فالعقوبات الأميركية المشددة، المفروضة بموجب قانون قيصر، والتي صُممت لإضعاف قبضة النظام السابق على السلطة، باتت اليوم تهدد بإعاقة مساعي الاستقرار وإعادة الإعمار.
وبينما التزمت تركيا في معظم الأحيان بهذه العقوبات، فإنها حافظت على انخراط اقتصادي في المناطق الخاضعة للمعارضة، ما يشي بإمكانية تبني نهج أكثر شمولية في المستقبل.
ومن هنا فإن تعاونًا أميركيًا- تركيًا مشتركًا لإعادة النظر في القيود الاقتصادية، بما يتلاءم مع الإصلاحات التي تجريها الحكومة الجديدة، قد يسهم في تحقيق انتقال سياسي أكثر شمولًا.
ويمكن لواشنطن وأنقرة، من خلال تخفيف العقوبات تدريجيًا مقابل خطوات إصلاحية ملموسة في مجالي الإدماج السياسي وإصلاح القطاع الأمني، أن تهيِّئا الظروف لانطلاقة اقتصادية متجددة.
كما أن هذا التحول من شأنه أن يشجع الدول الخليجية، التي أبدت اهتمامًا بالاستثمار في سوريا، لكنها لا تزال مترددة بسبب الإطار العقابي الحالي، على الانخراط بفاعلية أكبر ضمن إستراتيجية اقتصادية تؤدي لدمج سوريا ضمن المنظومة الاقتصادية الإقليمية، وهذا لن يسهم في إعادة إعمار البلاد فحسب، بل سيحدّ أيضًا من قدرة الخصوم، كروسيا وإيران، على الهيمنة على مستقبلها الاقتصادي.
وفي الجانب العسكري، فإن التعاون الأميركي- التركي ضرورة ملحة لمنع عودة الجماعات الإرهابية وضمان استقرار المناطق المحررة من قبضة تنظيم الدولة. فاستمرار وجود الخلايا المتطرفة في مناطق عدة، ولا سيما في الصحاري الممتدة بين دير الزور وحمص، يشكل تهديدًا دائمًا للأمن.
ولذا فإن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجانبين قد يعزز من كفاءة العمليات المضادة للإرهاب، مما يتيح تنفيذ ضربات دقيقة ضد معاقل المتشددين ومعسكرات تدريبهم.
ولطالما اعتمدت الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية كقوة برية في حملتها ضد تنظيم الدولة، بينما نفذت تركيا عمليات عسكرية عابرة للحدود للقضاء على العناصر الإرهابية على طول حدودها الجنوبية.
وبإرساء إطار يسمح بتبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الناشئة وتنسيق العمليات العسكرية، يمكن تحسين فاعلية الجهود الأمنية وتقليل احتمالات التصادم غير المقصود بين الطرفين.
كما أن إدماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الدولة السورية يمثل فرصة لإعادة صياغة الترتيبات الأمنية بما يراعي الهواجس التركية. فلقد عارضت أنقرة على الدوام الإدارة الذاتية للقوات الكردية المحاذية لحدودها، خشية أن تغذي هذه الصيغة النزعات الانفصالية داخل تركيا.
فإذا تمكّنت الولايات المتحدة من الإسهام في إعادة هيكلة الفصائل التابعة لقوات سوريا الديمقراطية ضمن إطار عسكري وطني أوسع، فقد تصبح تركيا أكثر استعدادًا للانخراط في تعاون عسكري يركز على مكافحة الإرهاب بدلًا من النزاعات الإقليمية.
بيدَ أن هذا المسار يتطلب مفاوضات دقيقة، لضمان ألا تنظر الفصائل السورية المدعومة من تركيا إلى هذا الإدماج باعتباره تهديدًا لأمنها.
وقد يكون إنشاء برامج تدريبية مشتركة للقوات الأمنية المحلية، بدعم من الولايات المتحدة وتركيا، وسيلة لتعزيز احترافية المؤسسات العسكرية السورية، وتقليل الاعتماد على التشكيلات المسلحة غير النظامية، التي تؤجّج حالة عدم الاستقرار.
ومع بروز ملامح دولة سورية جديدة، عقب زوال نظام الأسد وإدماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، سيغدو التعاون الأميركي- التركي حجر الأساس في إرساء الاستقرار الإقليمي.
ومن أبرز التحديات الأمنية التي ستواجهها سوريا، تأمين حدودها، التي طالما مثلت معبرًا لتسلل المسلحين وتجارة الأسلحة والسلع غير المشروعة، مما أسهم في تأجيج الاضطراب.
ومن هنا فإن تبني مقاربة مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا في ضبط الحدود، عبر استغلال التكنولوجيا المتقدمة، مثل أنظمة المراقبة الجوية والطائرات المسيرة وآليات تبادل المعلومات الاستخباراتية، قد يعزز الأمن، ويمنع تسلل العناصر المتطرفة.
ويمكن تعزيز عمليات مكافحة التهريب التركية عبر تنسيق مباشر مع القدرات التقنية والاستخباراتية الأميركية، مما يوفر منظومة أمنية أكثر شمولًا وفاعلية.
أما في السياق الإستراتيجي الأوسع، فإن التوافق الأميركي- التركي في سوريا بات ضرورة ملحة. فروسيا وإيران لا تزالان تسعيان للتمسك بحضورهما في البلاد.
غير أن تعزيز التعاون بين واشنطن وأنقرة من شأنه أن يحدّ من توسع الهيمنة الروسية في الغرب السوري ويسهم في تقليص نفوذ المليشيات المدعومة من إيران قرب الحدود مع العراق. وهذا التنسيق لا يفترض بالضرورة تطابق المصالح، بل يكفي إدراك أن العمل المشترك يمنح الطرفين نفوذًا أكبر مقارنة بالتحركات المنفردة أو المتعارضة.
وختامًا، فإن تقارب المساعي الأميركية- التركية في سوريا، ولا سيما في مجالي الإعمار والعمليات العسكرية، قد يكون رافدًا رئيسيًا لاستقرار البلاد.
وبرغم الخلافات السياسية القائمة، فإن واقع الأرض يفرض ضرورة التعاون بما يخدم المصالح الأمنية المشتركة. ومن خلال حوار مستمر، وتعاون اقتصادي، وتنسيق عسكري مستدام، يمكن لواشنطن وأنقرة المساهمة في رسم مسار جديد لسوريا، يحول دون عودة القوى المتطرفة، ويحدّ من هيمنة الخصوم، ويؤسس لنظام إقليمي أكثر توازنًا واستقرارًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
أكاديمي وباحث رئيسي في المجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية
الجزيرة
——————————–
مركز مشترك لمحاربة تنظيم “الدولة”.. إدراك إقليمي لخطر قائم
عنب بلدي – حسام المحمود
تحديث 23 أذار 2025
لا تزال مخاطر تنظيم “الدولة الإسلامية” حاضرة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وهي مسألة استشعرتها دول جوار سوريا التي قررت خلال اجتماع جرى في العاصمة الأردنية، عمان، في 9 من آذار الحالي، بذل مجهود جماعي في سبيل محاربة التنظيم.
وخلال البيان الختامي للاجتماع الذي جرى بمشاركة وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ولبنان وتركيا، بالإضافة إلى وزراء الدفاع ورؤساء هيئات الأركان، ومديري أجهزة المخابرات، جرى الاتفاق على إدانة الإرهاب بكل أشكاله، والتعاون في مكافحته عسكريًا وأمنيًا وفكريًا، وإطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودعم الجهود ومنابر العمل الإقليمية والدولية القائمة، للقضاء على التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم، والتعامل مع سجون عناصره.
وقد سبقت البيان الختامي كلمات ومداخلات لوزراء الخارجية المشاركين، تمحورت حول ضرورة التوصل لجهد مشترك في هذا السياق، إذ قال وزير الخارجية الأردني، إن الاجتماع بحث التحديات التي تواجه سوريا، والاتفاق على جهد مشترك لمحاربة التنظيم، بينما قال نظيره العراقي، إن الاجتماع ركز على تهديدات “الدولة الإسلامية” في المنطقة، ونمو أعداد قواته في الإقليم.
الوزير العراقي اعتبر أن الدول بحاجة للمبادرة وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن نمو التنظيم، بما يؤثر سلبًا على أمن المنطقة، مشيرًا إلى أن استقرار العراق ينبع من استقرار سوريا.
وجاء في الاجتماع الذي ستُعقد جولة ثانية منه في تركيا، في نيسان المقبل، تأكيد تركي على توحيد دول جوار سوريا قدراتها لمحاربة التنظيم.
الحديث عن إطلاق هذا المركز لم يتوقف عند هذا الحد، وسلك منحى جديًا عبّرت عنه تصريحات وزير الخارجية العراقي خلال لقائه في بغداد نظيره السوري، حين شدد على ضرورة التعاون دوليًا من أجل القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، مؤكدًا أن غرفة العمليات لمحاربته ستبصر النور قريبًا.
خطوة مبررة
رغم الإصرار الدولي على محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا، قبل وبعد رحيل الأسد، والذي تجلى بمواصلة الضربات الأمريكية واستهدافات طيران التحالف الدولي شخصيات من تنظيم “حراس الدين” (فرع القاعدة)، قبل وبعد حل نفسه، بداية العام، فإن تنظيم “الدولة الإسلامية” اقتحم بعد هدوء نسبي، المشهد السوري من بوابة عريضة بعد وقت قصير من سقوط الأسد، ما يبرر السعي الإقليمي لموقف مشترك في محاربته.
اعتبر تنظيم “الدولة”، في كانون الثاني الماضي، أن الفصائل العسكرية المشاركة في عملية “ردع العدوان” (استمرت 11 يومًا وانتهت بإسقاط حكم بشار الأسد)، “بيادق” بيد تركيا والدول الأخرى، وأنها “تنفذ حربًا بالوكالة” بين “البيادق التركية والأذرع الإيرانية”، وقال إن “من يدعو لدولة مدنية في سوريا هو شريك وعميل لليهود والصليبيين وطاغية جديد”.
كما وصف الثورة السورية بأنها “ثورة جاهلية” لأنها تسعى لترسيخ مفهوم الدولة المدنية، وأنها “ثورة وليست جهادًا في سبيل الله”، وأنها ثورة تحرر من نظام قمعي يستأثر بالسلطة بغية الوصول إلى نظام آخر ديمقراطي يتقاسم السلطة.
تهديدات التنظيم لم تقف عند حدود الكلمة والبيانات، وصولًا إلى محاولة تفجير داخل مقام السيدة زينب بريف دمشق، أعلن جهاز الاستخبارات العامة السوري إحباطها، في 11 من كانون الثاني الماضي.
مصدر بجهاز الاستخبارات العامة اتهم تنظيم “الدولة الإسلامية” بالوقوف خلف التخطيط للتفجير، ثم أعلنت وزارة الداخلية اعتقال عدة أشخاص متورطين، ونشرت صورًا تظهر أربعة أفراد قالت إنهم يتبعون للتنظيم.
وفي 18 من آذار، أصدرت وزارة الداخلية السورية تسجيلًا مصورًا تضمن اعترافات لأفراد في خلية قالت إنها تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” متهمة بمحاولة تفجير عدد من المواقع في سوريا منها في مدينة معلولا، ومنطقة السيدة زينب بريف دمشق، ومتورطة بمقتل “أبو ماريا القحطاني”.
وبحسب الإصدار، فإن هذه الخلية هدفت إلى تنفيذ عمليات تحمل طابع الحساسية القصوى في سوريا سعيًا منها لزعزعة الأمن والاستقرار وزرع الفوضى في البلاد.
وأكدت الوزارة مسؤولية هذه الخلية عن مقتل القيادي السابق في “هيئة تحرير الشام”، ميسر الجبوري، الملقب بـ”أبو ماريا القحطاني”، الذي قتل بانفجار عبوة ناسفة استهدفته في منطقة سرمدا بريف إدلب الشمالي، في نيسان 2024.
الخلية خططت لتنفيذ عدد من الهجمات عقب سقوط النظام السوري في كانون الأول 2024، مستغلة الحالة الأمنية التي كانت تعيشها سوريا، بحسب الإصدار الذي نشرته الداخلية.
ووفق اعترافات الخلية، فإنه كان مخططًا أن تتركز الهجمات على “الأقليات” من مختلف الطوائف في سوريا “لتأجيج الرأي العام والدولي بهذه القضية”.
كما اعترفت الخلية بتخطيطها للهجوم على كنيسة في مدينة معلولا بسيارة مفخخة تزامنًا مع عيد رأس السنة الميلادية، لكن التشديد الأمني حال دون تنفيذ الخطة.
“الهيئة” إلى جانب “قسد” ضد “التنظيم”
الباحث في الشأن السياسي وجماعات ما دون الدولة عمار فرهود، أوضح لعنب بلدي أن هذه الخطوة مهمة وتفيد الإدارة السورية في كسب الشرعية التي تبحث عنها، من خلال المجتمع الدولي، وليس المجتمع السوري فقط.
ويرى فرهود أن مكافحة التنظيم بالتعاون مع المجتمع الدولي خطوة متقدمة جدًا في الحصول على الشرعية والاعتراف المطلوب، لا سيما أن التنظيم لا يشكل تهديدًا محليًا سوريًا فقط، بل هو تهديد عابر للحدود، ومصنف على لوائح الإرهاب الدولية، وكان السبب المعلن للوجود الأمريكي في سوريا، وإدخال الإدارة السورية الجديدة واعتبارها شريكًا في مكافحة التنظيم خطوة مهمة في السياق السياسي.
ومن المستبعد أن تعول الإدارة السورية على هذه الخطوة للحصول على الاعتراف الكامل، في ظل وجود مطالب للمجتمع الدولي قبل الوصول إلى هذه النقطة، مع الإشارة إلى وجود منافس قوي لدمشق في ملف مكافحة التنظيم، وهو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تمتلك الخبرة وتدير السجون والمخيمات، بالإضافة إلى قتالها للتنظيم إلى جانب الولايات المتحدة منذ سنوات.
“التنظيم يتأقلم بسرعة مع المتغيرات التي تجري على الأرض، ولذلك من المستبعد أن تحقق الأدوات القديمة في مكافحة التنظيم نفعًا، بسبب تغيرات التنظيم ووجود قبضة أمنية رخوة مع انفتاح الجغرافيا السورية على بعضها وإمكانية التحرك ونقل السلاح وانتشاره في سوريا”، أضاف الباحث.
ومن العوامل التي يمكن أن تضعف قدرات التنظيم، إلى جانب مكافحته من قبل “قسد”، إضافة “تحرير الشام” إلى هذه الملف، لا سيما أن “الهيئة” من خلفية مشابهة وذات خبرة، وينتمي الفريقان لنفس المدرسة الأمنية والعسكرية والدينية، ما يجعل مكافحة “الهيئة” للتنظيم إضافة مهمة، فيمكن أن تطور خطابًا شرعيًا قادرًا على فض عناصر “التنظيم” عنه، بالإضافة إلى خبرة أمنية وقدرة على فهم آلية عمل التنظيم، لا سيما أنه لم ينفذ عمليات حقيقية في المناطق التي كانت تسيطر عليها “تحرير الشام”.
والقدرة على الحكم على هذا التحالف بحاجة لوقت واختبار في الميدان، مع إمكانية أن تمنع هذه الخطوة بشكل كبير من الاستفادة من الأراضي السورية لشن عمليات داخلها، أو استخدام سوريا لعمليات خارجية، وفق الباحث عمار فرهود.
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، دعا، في 13 من شباط الماضي، السلطات الجديدة في سوريا إلى دراسة الشراكة مع التحالف الدولي المتمركز في العراق لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” لمنع زعزعة استقرار سوريا في فترتها الانتقالية.
وفي كلمته الختامية لفعاليات المؤتمر الدولي حول سوريا الذي انعقد في باريس، أكد ماكرون أن الهدف الأول هو الأمن وضمان عدم تحول سوريا مرة أخرى إلى منصة لوجستية للميليشيات المرتبطة بإيران والتي تشارك عبر أجندتها في زعزعة الاستقرار الإقليمي.
وأضاف، “إذا وافقت سوريا على مقترح للتعاون، فإن فرنسا ستنظر إليه ليس فقط بإحسان، بل أيضًا بالتزام”، مبديًا استعداد فرنسا للقيام بأعمال مشتركة تحترم السيادة السورية، لمحاربة المجموعات الإرهابية، كما شدد على وجوب الاستمرار في محاربة “المنظمات الإرهابية” التي تنشر الفوضى في سوريا وتريد تصديرها، مؤكدًا أن محاربة “التنظيم” وجميع الجماعات الإرهابية “أولوية مطلقة”.
كما دعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، الحكومة السورية للانضمام إلى التحالف المناهض لتنظيم “الدولة”، وذلك في مؤتمر صحفي بدمشق، حضرته عنب بلدي.
ويمتلك التنظيم خلايا نائمة داخل سوريا، وهي مسألة لم ينفِها وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في مقابلة مصورة مع التلفزيون “العربي”، في 21 من كانون الثاني الماضي، حين تحدث عن خطر موجود لتنظيم “الدولة الإسلامية”، والعمل على مكافحته من قبل وزارة الدفاع وجهاز الأمن السوري.
وفي وقت سابق، كانت “هيئة تحرير الشام” (نواة السلطة السياسية والعسكرية في سوريا الآن) تعلن باستمرار عن القبض على قياديين في مناطق نفوذها، شمال غربي سوريا، حيث تحتوي سجون إدلب التي كانت تحت نفوذ “الهيئة” على العديد من قياديي التنظيم.
———————————-
مظلوم عبدي قائد «قسد»… الذي وقّع اتفاق الدمج في الدولة السورية مع رئيسها أحمد الشرع
قواته تسيطر على مناطق واسعة بشمال شرقي سوريا
دمشق: كمال شيخو
22 مارس 2025 م
تصدّر اسم مظلوم عبدي، القائد العام لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على صعيد الساحة السورية، بعد توقيعه اتفاق الدمج ضمن مؤسسات الدولة السورية مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، ليس كفصيل عسكري، كما سبقه باقي الفصائل المسلحة، ولكن ككتلة عسكرية واحدة. جاء هذا مع تأكيده على وحدة الأراضي ورفض التقسيم، ولقد نشر تغريدة له على حسابه في منصة «إكس»، أكد فيها المضي قدماً في هذه الفترة الحساسة، للعمل من أجل ضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات كل السوريين في العدالة والاستقرار؛ إذ قال: «نحن ملتزمون ببناء مستقبل أفضل، يضمن حقوق جميع السوريين، ويحقق تطلعاتهم في السلام والكرامة». واعتبر عبدي الاتفاق فرصة حقيقية وتاريخية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوّناتها، وتضمن حسن الجوار، في إشارة إلى «الجارة» الإقليمية تركيا.
وُلد مظلوم عبدي عام 1967 في قرية حلنج بريف مدينة عين العرب (كوباني) لعائلة سورية كردية، وتلقى تعليمه الجامعي في قسم الهندسة المدنية بجامعة حلب خلال ثمانينات القرن الماضي، ونشط هناك سياسياً في الجامعة. ولم يلبث أن اعتقله النظام السوري السابق غير مرة بسبب نشاطه المعارض. ومن ثم غادر سوريا قبل أن يعود إليها مع بداية الثورة في ربيع 2011، ويغدو من أبرز الشخصيات العسكرية.
«وحدات حماية الشعب»
برز عبدي بوصفه قائداً عسكرياً منذ بداية الحرب السورية في أعقاب تأسيسه ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية بنهاية 2012، ثم شكّلت «الوحدات» فيما بعد ميليشيا أوسع قاعدة هي ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).
«قسد» أسسها عبدي عام 2015، بالتحالف مع فصائل عربية ومسيحية بدعم من «قوات التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة. وذكر في البيان التعريفي الأول بـ«قسد» أنها تكتل عسكري وطني يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان، وأنها تهدف إلى القضاء على تنظيم «داعش».
غير أنه بعد انسحاب قوات نظام الأسد من المناطق ذات الكثافة الكردية، فُتح المجال أمام عبدي وأكراد سوريا لتوطيد نفوذهم، وتأسيس إدارة شبه ذاتية في ظل استمرار الدعم الأميركي. وحالياً يقدّم مظلوم عبدي نفسه على أنه شخصية قيادية كردية تسعى إلى الدفاع عن قضية الأكراد السوريين واستعادة حقوقهم التي سلبتها الحكومات المتعاقبة، بينما تصنفه تركيا على قوائم الإرهاب ووضعته على لوائحها الحمراء، ولقد طالبت الولايات المتحدة بتسليمه أكثر من مرة.
أسس تفاهمه مع نظام دمشق الجديد
تنظيمياً، نجح عبدي في المحافظة على هيكلية «قسد» بوصفها كتلة عسكرية واحدة في الجيش الجديد لسوريا، وإبقاء هياكل الإدارة الذاتية المدنية وإلحاقها – كما هي – بوزارات الحكومة، على أن يخدم مقاتلو «قسد» في مدنهم وبلداتهم بشمال شرقي سوريا، والحصول على حصة ثابتة من الثروات النفطية والاستراتيجية، مع الاحتفاظ بسيطرتها على المعابر الحدودية وإدارتها، ونصوص في الدستور تضمن حقوق الأكراد القومية والاعتراف بلغتهم الأم.
يرى عبدي أن سوريا الجديدة لا يمكن أن تنعم بالسلام من دون حل القضية الكردية سلمياً. وهو يطالب علناً بتأسيس سلطة لا مركزية، والاعتراف بحقوق الشعب الكردي القومية والثقافية والسياسية في الدستور الجديد، وفي المقابل تعهد بأنَّ الجانب الكردي سيسعى لأن يكون جزءاً من الحكم الجديد في دمشق.
واقعياً، يراهن عبدي على وجود القوات الأميركية وتحالفه معها تحت عباءة «قوات التحالف الدولي» في حربها ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، إلى جانب التعداد العسكري لقواته وانتشارها وتوزّعها في 3 محافظات متصلة جغرافياً، وتشكل مناطق سيطرته الحالية نحو 20 في المائة من مساحة البلاد، وإلى القدرات القتالية والآيديولوجية لغالبية المقاتلين، بالذات الأكراد منهم الذين يتولون قيادة «قسد»، والذين خضعوا لتدريب الجيوش النظامية من قبل قوات التحالف، وتحديداً الولايات المتحدة.
شريك رئيس لواشنطن
يقود عبدي قوات تمتلك أسلحة متطورة ثقيلة حصلت عليها من قوات التحالف، وكان لافتاً إعلان «قسد» أخيراً امتلاكها طائرات مسيّرة، ومضادات للطيران المسير وأسلحة نوعية غربية، في مواجهة التهديدات التركية وأي تهديدات قد تأتي من أي فصيل عسكري منافس.
وحقاً، أصبح عبدي شريكاً محلياً رئيسياً للتحالف الدولي وواشنطن، وقاد حروباً ومعارك ضد التنظيم؛ أبرزها معركة عين العرب (كوباني) مسقط رأسه حيث دافع عن مدينته باستماتة، ودحر فلول «داعش» ملحقاً به أكبر انتكاساته في أوج تقدمه العسكري. وفي عامي 2016 و2017 سيطر عبدي على محافظة الرقة ومدينتي الطبقة (جنوبي نهر الفرات) ومنبج (في ريف حلب الشرقي)، وقاد معركة الباغوز والقضاء على خلافة «داعش» المزعومة، وسيطر على مناطقها الجغرافية والعسكرية عام 2019.
غير أن اتهام تركيا «قسد» وقائدها مظلوم عبدي بالإرهاب، واعتبارها امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» المحظور لديها، شكّلا تحدياً كبيراً في تقدم العلاقة مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع؛ إذ يخوض حزب «العمال الكردستاني» التركي تمرداً عسكرياً منذ 45 سنة راح ضحيته عشرات الآلاف. وفي المقابل، تهدد أنقرة بشن هجوم بري عسكري جديد على غرار العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، ضد «قسد» في المناطق الخاضعة لنفوذها. وبالفعل، سيطرت تركيا خلال السنوات الماضية عبر عملية «غصن الزيتون» على مدينة عفرين، مارس (آذار) 2018، وفي عملية «نبع السلام» سيطرت مع حلفائها على مدينتي رأس العين (بمحافظة الحسكة)، وتل أبيض (بمحافظة الرقة).
عبدي أعرب أخيراً عن اعتقاده بأنَّ سلطة دمشق بقيادة الشرع «تتعرّض لضغوط من جانب تركيا» بهدف اتخاذ خطوات ضد المناطق التي تسيطر عليها «قسد». وأشار إلى أنَّ قواته في واقع الأمر في «حالة حرب» مع تركيا، داعياً إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين، وهو ما ترفضه أنقرة.
ترتيب علاقة
من جهة ثانية، يرى مراقبون أن أولويات الشرع وعبدي تبقى عند حدود ترتيب العلاقة بين العاصمة دمشق ومناطق الإدارة الذاتية في القامشلي والرقة، تفاوضياً عبر الحوارات المباشرة. ويعتبرون أن طريق الحوارات السياسية والتوافقات سيظل أقل كلفة من مواجهة عسكرية محتملة مع تركيا، نظراً لأهمية مناطق سيطرة «قسد» وعديدها وتحالفاتها المحلية والدولية.
عبدي قال بعد عقده أول لقائه مع الشرع في «قصر الشعب» بدمشق خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، إن اللقاء كان إيجابياً، وأعلن عن اتفاقه مع السلطة الجديدة على وحدة وسلامة الأراضي السورية، ورفض أي مشاريع تقسيم تهدد وحدة البلاد.
ولكن هذا، في حين تدور معارك في الشمال السوري بين المقاتلين الأكراد وفصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وهذه الأخيرة تحاصر مدينة عين العرب (ريف حلب الشمالي الشرقي)، كما انتزعت مدينة منبج القريبة بعدما سيطرت على بلدة تل رفعت الاستراتيجية بريف حلب الشمالي، وباتت هذه المدن السورية خاضعة للنفوذ التركي.
قوات منضبطة وإدارة مدنية… ودعم أميركي
لقد نجح مظلوم عبدي في جعل «قسد» قوة عسكرية منضبطة وفق قواعد الجيوش النظامية، مهمتها حماية الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وبناء نظام إداري محلي يغطي مناطق سيطرتها. وأيضاً نجح عبر هذه الإدارة في توفير الخدمات بشكل أفضل من نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، ودفع رواتب أعلى (مليون ومائتي ألف) تعادل 120 دولاراً أميركياً، ولدى هذه الإدارة اليوم نحو 250 ألف موظف بينهم 100 ألف عسكري وعنصر أمن، وفق تقرير للمجلس الأوروبي للشؤون الخارجية.
هذا، ويرى البعض أن ما يميّز النموذج السياسي لـ«قسد» والإدارة الذاتية بقيادة عبدي هو ابتعاده عن السعي لتأسيس دولة قومية كردية منفصلة، وهو خيار استراتيجي واقعي يعكس حقائق الجغرافيا والديموغرافيا. وتقوم رؤيته على مفهوم ديمقراطية
الشعب و«إدارة لا مركزية» تعطي أولوية للمجالس المحلية والتشاركية المجتمعية، ومبادئ المساواة بين الجنسين ورئاسة مشتركة بين الرجل والمرأة، والتعددية العرقية والدينية بوصفها ركائز أساسية للحكم.
وعموماً، حافظ هذا الزعيم الكردي على الأمن والأمان في معظم المناطق الخاضعة لنفوذه، رغم بقاء الوضع في بعض المناطق متقلباً وسط استمرار نشاط خلايا «داعش»، والتهديدات التركية بشن عملية عسكرية واسعة ضد تلك المناطق، ما دفع واشنطن، شريكته الأساسية، إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية لتجنب مواجهة عسكرية كبرى في هذه الفترة الحساسة بتاريخ سوريا.
بالفعل، يتمتع عبدي بدعم كبير من الولايات المتحدة ودول التحالف الدولي إلى جانب علاقاته المتوازنة مع روسيا. وعلى الرغم من الانسحاب الجزئي للقوات الأميركية من سوريا في 2019، استمرت العلاقة بين عبدي وواشنطن، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب وضمان استقرار مناطق سيطرة «قسد»، ولديه اليوم علاقات وثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أثني على دوره في محاربة «داعش»، ما أثار غضب أنقرة.
ولكن، المؤكد أن توقيت توقيع الاتفاق بين الشرع وعبدي مثّل لحظة فارقة للدولة السورية الجديدة، ورفع معنويات السوريين، ووفّر دفعة لسلطة الحكم الانتقالي، معزّزاً فرصها في العبور بسلام من المرحلة الانتقالية.
الشرق الأوسط
——————————
نورث برس تنشر مسودة الوثيقة السياسية المعدة “للمؤتمر الكردي” في سوريا
22-03-2025
حصلت نورث برس على بنود مسودة الوثيقة السياسية المعدة من قبل اللجنة التحضيرية “للمؤتمر الكردي” في سوريا، وهي رؤية تشمل المجال الوطني السوري والمجال القومي الكردي.
وتتألف اللجنة التحضيرية “للمؤتمر الكردي” من أحزاب “الوحدة الوطنية” وأحزاب كردية من خارج الإطارين في سوريا، ما عدا أحزاب المجلس الوطني الكردي التي تلقت دعوة للمشاركة في تحضير المؤتمر وحضوره، لكنها لم تحسم موقفها بعد، وفقاً للجنة.
المجال الوطني السوري
تتضمن المسودة أن الجمهورية السورية هي دولة ديمقراطية متعددة القوميات والأثنيات والثقافات والأديان والطوائف، يضمن دستورها حقوق كافة المكونات السورية من عرب وكرد وسريان وآشوريين وشركس وتركمان وعلويين ودروز وإيزيديين ومسيحيين، وبمبادئ فوق دستورية.
في البند الثاني من المسودة، جاء أن تلتزم الدولة السورية بالعهود والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان ومبدأ المواطنة المتساوية، وأن يكون نظام الحكم في سوريا برلمانيًا يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، وبأن تكون سوريا دولة لا مركزية سياسية تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والأطراف.
المجال القومي الكردي
الوثيقة السياسية تدعو للإقرار الدستوري بالوحدة الإدارية والسياسية للمناطق الكردية، وأن يضمن الدستور السوري حقوق الشعب الكردي السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ويحافظ على الخصائص التاريخية والبنى الديموغرافية الأصيلة للمناطق الكردية.
وتقر الوثيقة بالوجود القومي للشعب الكردي في سوريا كشعب أصيل على أرضه التاريخية، وضمان حقوقه القومية دستوريًا وفق العهود والمواثيق الدولية.
كما تدعو الوثيقة إلى الاعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في البلاد، وضمان التعليم والتعلم بها، والاعتراف الدستوري بالإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا ومؤسساتها الإدارية والأمنية كنموذج للامركزية وحل لقضايا التنوع القومي والعرقي والديني والطائفي في سوريا.
مناهج الإدارة الذاتية
تؤكد الوثيقة على حق التعليم باللغة الكردية للمواطنين الكرد في المناطق السورية، والاعتراف بالمؤسسات التربوية والتعليمية والمناهج الخاصة بالإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا.
وترى الوثيقة أن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” هي جزء من الجيش الوطني السوري، تدافع عن الأراضي السورية وتحميها تجاه أي هجوم أو خطر خارجي محتمل، في حين أن وحدات حماية المرأة هي قوات الدفاع المشروع عن المرأة والمجتمع، وتنظم نفسها بشكل خاص ضمن “قسد”.
كما تدعو الوثيقة إلى تقدير تضحيات جرحى الحرب “وشهداء روج آفا كردستان” – شمال وشرق سوريا، باعتبارهم شهداء الثورة السورية، ومساندة عوائلهم وتضمين حقوق ذويهم في الدستور الجديد.
وتتضمن الوثيقة أيضًا اعتبار الشباب القوة الفاعلة في المجتمع، وأن له الدور الأساسي في حماية المكتسبات، ويجب ضمان مشاركته وتمثيله بشكل عادل في كافة مؤسسات الدولة.
علم ونشيد الدولة
وجاء في المسودة أن اسم الدولة وعلمها ونشيدها الوطني يجب أن يعبر عن التعدد القومي والثقافي للمجتمع السوري، مع التأكيد على حيادية الدولة تجاه الأديان والمعتقدات، وحق ممارسة الشعائر الدينية، والاعتراف بالديانة الإيزيدية كديانة رسمية في الدولة. كما يجب اعتماد هوية وطنية جامعة تراعي خصوصيات المكونات المختلفة، وضمان المساواة الدستورية بين الرجل والمرأة وتمثيلها في كافة المؤسسات.
كما تشير الوثيقة إلى حماية حقوق الأطفال المعلنة في الاتفاقية الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، ورعايتهم ومساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتوسيع الفرص المتاحة لتنمية طاقاتهم وقدراتهم مع الأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم الخاصة التي تتناسب مع طبيعتهم وأعمارهم.
كما تضمن الوثيقة إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية الحالية بما يراعي الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية، واسترجاع الآثار والأوابد السورية المنهوبة التي نُقلت إلى داخل وخارج البلاد.
“الاحتلال التركي”
جاء في الوثيقة السياسية أيضًا إنهاء الاحتلال التركي بكل مرتكزاته ومؤسساته للمناطق الشمالية من الوطن، وخاصة عفرين وسري كانييه/رأس العين وتل أبيض، وإخراج جميع الفصائل المسلحة الموالية لتركيا منها، وإزالة كافة الآثار الناجمة عن الانتهاكات والتجاوزات التي حصلت فيها.
بالإضافة إلى وقف إطلاق نار شامل ودائم في جميع الأراضي السورية كخطوة أساسية نحو عقد مؤتمر للحوار الوطني السوري.
كما تدعو الوثيقة إلى تشكيل لجنة تحضيرية برعاية ودعم دولي تضمن مشاركة ممثلي جميع الأطراف السورية فيه، وبتمثيل وازن وعادل للكرد، لتنبثق عنه جمعية تأسيسية وإعلان دستوري وحكومة انتقالية من كافة ألوان الطيف السوري بصلاحيات تنفيذية كاملة ولفترة زمنية محدودة.
الثقافة الكردية
كما جاء في الوثيقة ضرورة الاهتمام باللغة والتراث والتاريخ والثقافة الكردية، وفتح مراكز إعلامية من قنوات إذاعية وتلفزيونية باللغة الكردية، وإصدار الكتب والمجلات والمطبوعات، وفتح مراكز للدراسات والبحوث، وإنشاء معاهد وجامعات في المناطق الكردية.
وتدعو الوثيقة إلى ضمان تمثيل الكرد في مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية والأمنية، واعتماد الحادي والعشرين من آذار عيد نوروز عيداً رسمياً في البلاد.
اتفاقية أضنة
دعت الوثيقة أيضًا إلى إلغاء كافة السياسات والإجراءات والقوانين الاستثنائية التي طبقت بحق الكرد مثل مشروع الحزام العربي وعمليات التعريب في المناطق الكردية، وتعويض المتضررين من تلك السياسات التمييزية، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل صدورها.
كما دعت إلى إلغاء كافة الاتفاقيات السرية والعلنية التي تمس الأمن الوطني والسيادة الوطنية السورية، مثل “اتفاقية أضنة 1998”.
كما دعت إلى إعادة الجنسية السورية للمواطنين الكرد المجردين منها بموجب إحصاء 1962 الاستثنائي، للمواطنين المتبقين منهم ومكتومي القيد، وإيقاف التغيير الديمغرافي في المناطق الكردية وكافة المناطق السورية، وتأمين عودة آمنة للنازحين واللاجئين إلى ديارهم، وتطوير البنية التحتية للمناطق الكردية وتخصيص نسبة من عائدات ثرواتها في التنمية والإعمار، بسبب تهميشها الممنهج وإهمالها المتعمد في المراحل السابقة.
“كافة بنود الوثيقة قابلة للنقاش وسيتم البحث فيها خلال المؤتمر”، وفقاً لما قاله عضو في اللجنة التحضيرية لنورث برس.
إعداد وتحرير: عبدالسلام خوجة
———————————–
===================