سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 24 أذار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
——————————-
هل تفيدنا تخريجة «الطائفة الأسدية»؟/ حسام جزماتي
2025.03.24
إثر الانهيار المفاجئ لحكم بشار الأسد وجدت سوريا نفسها أمام استحقاقات كبرى على عدة مستويات. ومن ذلك استحقاق «الرواية»؛ أي تأريخ ما عاشته البلاد في العقود الماضية، ولا سيما خلال أربعة عشر عاماً دامياً من عمر الثورة، وتحديد المسؤوليات، العامة والفردية، للسير في طرق العدالة الانتقالية؛ جنائياً وسياسياً ورمزياً.
وحتى قبل أن تصل معركة «ردع العدوان» إلى مستقرها في دمشق وجدت نفسها أمام «الإشكالية العلوية» إذا صح التعبير. فمن الشائع أن النظام اعتمد على أبناء هذه الطائفة في مفاصل عسكرية وأمنية وميليشياوية عديدة، مما جعل تعرضها لانتقام جماعي احتمالاً وارداً عقب سقوطه. ولأن تحقيق الانتقال في الحكم بأقصى قدر من السلاسة وأقل كمية من الدم كان شرطاً لنيل التغيير غطاء سياسياً فقد أُعدّت، على عجل، «فتوى سياسية» مستخرجة من خطابات وطنية متقادمة، أفادت بأن الأسدين لم يعتمدا على جماعة أهلية محددة بل على خليط من أبناء الطوائف والقوميات والمناطق من دون تمييز، وباعتبار معايير الولاء.
في الحقيقة لم يخالف هذا فقط ما هو معروف عن تاريخ سوريا المعاصر لدى باحثين ومراقبين غربيين محايدين، بل أيضاً ما يعرفه السوريون عما عاشوه خلال سنوات طويلة، بمن فيهم العلويون أنفسهم الذين كانوا يلمسون أثر هذا التمييز وإن لم يطلهم جميعاً بشكل شامل وفردي وحصري لأسباب عديدة منها وجود بقايا كبيرة لم يمكن تجاوزها من «الدولة الحديثة». لكنهم فضّلوا رواية «الطائفة الأسدية» العامة على رواية أخرى تفصيلية قد تأتي بالذبح، أو تفتح باب محاسبات واسعة غير قابلة للهضم، اجتماعياً وقرابياً، حين تطول الأخ وابن العم وصديق النشأة.
كما فضّلت السلطة الجديدة في دمشق السير في هذا الطريق لأنه يستجيب لسلّم أولوياتها الملحّ الذي يهدف إلى ترسيخ التمكين، وعدم التعرض لهزات عسكرية كبيرة، وجمع السلاح من فلول النظام.
وأضيف إلى ذلك غموض في إجراءات العدالة وملاحقة المجرمين البارزين، مما وضع في الزاوية، المفعمة بمشاعر ضاغنة معتقة، عشرات ألوف المقاتلين ضد نظام الأسد، ومئات الألوف من «أولياء الدم» الفعلي، وملايين من أولياء الدم الرمزي من حاضنة الثورة وجمهورها الأوسع. ولا جدوى من تجاهل أن هؤلاء شعروا، بنسب متفاوتة بالطبع، بالخيبة تجاه الاضطراب في تطبيق العدالة على الذين سببوا مآسيهم، أو «الثأر» الجماعي الذي «يشفي الغليل» وإن لم يكن عادلاً، كما يعلمون في قرارة أنفسهم ويعلم الجميع عند تيقظ الضمير.
بالتأكيد، لا تبرير للمجازر وللانتهاكات تجاه الأرواح والكرامات والأملاك والأراضي، لكن من تمام معالجة هذه المسائل أن يجري تفكيك دوافعها من صدور من قام بها ومن أيدها من الجمهور. ومن الضروري هنا أن نلاحظ أن هؤلاء شعروا أنفسهم مغبونين، لا يلمسون طريق العدالة التي ستبرّد قلوبهم بعد احتقان سنوات، ويفتقدون إلى التعويض الرمزي، وهو جزء هام من بنية العدالة الانتقالية يتمثل باعتراف المجرمين السابقين، ومؤيديهم والمتغاضين عنهم، بارتكابهم خطيئة أخلاقية.
لا جديد إذا قلنا إن تجربة السوريين مع نخبهم الثقافية-السياسية لم تتسم تاريخياً بما يكفي من الثقة والاحترام فضلاً عن التمثيل. ولهذا لم تُفاجأ «العامة» من مبادرة قسم وافر من المثقفين إلى تبني سردية «الطائفة الأسدية» والترويج لها بحجج غير مكينة، كاحتلال مسؤولين من الطائفة السنّية، أو غيرها، مناصب مدنية صورية غالباً، أو تكوّن قاعدة الجيش السابق من تنوع طائفي ومناطقي بحكم التجنيد الإجباري أو للحفاظ على مظهر «الدولة الوطنية». بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المجادلات التي تصعب مناقشتها هنا.
حسنٌ أن يكون المثقف مهموماً بحقن الدماء وبتماسك بنية المجتمع. لكن ذلك يجب أن ينبني على محاججة قوية تقنع الناس ولا تُشعِر بعضهم بالاستغفال. لا سيما إذا كان هذا البعض مسلحاً ومحتقناً، ولا يقرأ!
وبالمقابل ارتكب مثقفون آخرون، من طرف مقابل، خيانة كبيرة حين يلعبون دور شاعر القبيلة، إن غوت غوى وإن ترشد أصابه الركود، متخلياً عن دوره كضمير للجماعة إلى تقديم المرافعات ضد خصومها الأهليين، وتبرير أفعالها، والتستر على انتهاكاتها.
المسألة الطائفية أشد قضايا السوريين خطراً في المرحلة بعد التغيير. ورغم أن الجميع يقول هذا إلا أن المعالجات تتسم بكثير من الخفة والنظرات المبسطة المسبقة والاكتفاء بتبويس الشوارب بعد المأساة. وكانت لنظام الأسد الحصة الأكبر في تفخيخ المجتمع بهذه القضية عبر سياساته التمييزية فعلاً والإنكارية ظاهراً، في ما صار يُعرَف بسياسة كنس الوسخ إلى تحت السجادة. وها هي السجادة السورية تُنفَض بأعنف ما حدث لها خلال تاريخها الحديث كله. ولا فائدة، في هذه المرحلة، ولا في سواها في الحقيقة، من ترميم سياسة التعمية نفسها، ببساطة لأنها لن تجدي. وهذا ما رأيناه جميعاً في ليل الجمعة 7 آذار الجاري، ليلة «النفير العام»، حين توفز عشرات آلاف المحاربين لتحصيل «حقهم» وباطلهم بأياديهم.
تلفزيون سوريا
———————————
هل تلون الحكومة بالكرد والدروز والعلويين يخمد الطائفية؟/ سميرة المسالمة
الإثنين 2025/03/24
تبدو حالة التأخير عن إعلان تشكيلة الحكومة الانتقالية في سوريا أمراً صحياً وضرورياً. فحالة الغربة التي يعيشها السوري عن السوري الآخر أعمق بكثير من معناها المكاني. إذ قد تصل في كثير من الأحيان إلى حالة افتراق معرفي وأيديولوجي، وحتى تفسيري، رغم الاشتراك في المرجعية الثقافية والدينية والمذهبية. ما يتطلب عملية اندماج اجتماعي من جديد.
وفي السياق ذاته، تتجلى الاختلافات في تبني الخطط الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل تطبيق مبدأ الحكومة الشاملة، بما تعنيه من مشاركة حقيقية لكل المكونات السورية، معضلة حقيقية، في ظل مجتمع سمَّمه نظام الأسد (الأب والابن) بكل أنواع الخلافات، فتصدعت أسباب وحدته، وتآكلت وشائج الترابط المجتمعي المعوَّل عليها في بناء الدولة الوطنية، على أنقاض بلد مدمَّر اقتصادياً وفاسد مؤسسياً.
معايير الولاء
وهذا ما يبرر اليوم الحذر في تصدير أسماء. إذ إن اختلاف انتماءاتها لا يعني بالضرورة مشاركة ذات مغزى لمرجعياتها الشعبية. فليس بالأمر السهل البحث عن أسماء مضمونة الولاء الكامل للرئيس أحمد الشرع والأيديولوجيا التي يعمل وفقها، وفي الوقت ذاته تحقق معادلة التوازن بين التوافق السياسي المحلي السوري لجميع المكونات القومية والدينية والمذهبية، والمرجعيات الثقافية والسياسية المتنوعة، وتكون أي الحكومة قادرة على الالتزام بالإصلاحات المطلوبة، وإرضاء المجتمع الدولي بما يؤدي إلى الاعتراف الكامل بالحكومة، ورفع العقوبات الأميركية والغربية عن سوريا. خصوصاً، في ظل تشتت الكفاءات السورية من جهة، والجهل بآليات العمل الحكومي من جهة أخرى، وعدم وضوح معايير الولاء، من جهة مقابلة.
فوجود شخصيات سورية بمؤهلات أكاديمية عالية لتولي المناصب لا يُعتبر شرطاً كافياً لنجاح المهمة الوزارية، ما لم تتوافر الصلاحيات الفعلية لتنفيذ السياسات المطلوبة. فمن جهة، تحتاج عملية اختيار الحكومة إلى الثقة بين المكونات السياسية، التي لا تزال خلافاتها مسلحة وعلنية وأيديولوجية، سواء مع الكرد السوريين أو مع أهالي السويداء من الطائفة الدرزية، أو ضمن حالة الفوضى والفلتان الأمني في الساحل السوري وبعض المناطق الأخرى. مما يجعل الأسماء المرشحة (بغض النظر عن تقييمها) للحكومة تتخوف من ردّ فعل مجتمعاتها، في غياب تمثيلها المنبثق عن تفاهمات معها ومنها.
ترتيب البيت الداخلي
إن وجود شخصية (وعذراً لهذا التفصيل) كردية أو تركمانية أو آشورية أو مسيحية أو درزية أو علوية أو سنية ذات توجه ديمقراطي في الحكومة (على شاكلة ما حدث في مؤتمر الحوار الوطني 24 و25 شباط الماضي) لا يعني بالضرورة تمثيلاً حقيقياً لهذه المكونات، ما لم تكن هذه المكونات نفسها شريكة فعلية في السلطة. وهذا ما عبَّرت عنه فحوى الاتفاقية الموقعة مع مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وما نُشر من مضمون اتفاقية مع وجهاء الطائفة الدرزية. إذ يوحيان معاً بالرغبة الفعلية للرئيس الشرع في ترتيب البيت الداخلي. وعلى غرار ذلك، قد يكون هناك تفاهم مشابه مع الطائفة العلوية لإخماد فوضى السلاح من جهة، وعزل الطائفة كمكون عن فلول النظام كشريحة فاسدة، وبتر يد الحرب الأهلية قبل أن تمتدَّ لتغتال وحدة سوريا دولةً وشعباً. وهذا ما يُتوقع أن ينعكس في صورة الحكومة الجديدة، حيث قد يكون الخيار في تأخيرها أفضل من الندم في التعجيل في تشكيلها، والعودة إلى نقطة الخلاف الرئيسة بين السوريين، تحت شعار “يمثلني ولا يمثلني”.
ورغم أن تشكيل الحكومات لا يكون عادةً عبر الانتخابات، فإن الحالة السورية تتطلب توافقاً واسعاً بين مختلف الأطراف، لضمان شرعية أي حكومة وقدرتها على العمل بفعالية. فالتعيين الشكلي لا يحقق تمثيلاً حقيقياً، وأي وزير بلا صلاحيات فعلية سيظل مجرد اسم على الورق، من دون تأثير حقيقي في صنع القرار أو في معالجة التحديات التي تواجه البلاد.
اختباران
وفيما يرغب الرئيس الشرع في اختيار أسماء توافقية شاملة، يسعى في الوقت ذاته إلى ضمان حكومة قادرة على العمل وفق رؤيته، مع الحرص على عدم تشتيت ولاءات المحيطين به، من المشاركين في عملية تحرير سوريا من نظام الأسد الهارب. وفي الوقت ذاته، يحتاج إلى أن تكون تلك الشخصيات الحكومية مقبولة من المجتمعين المحلي والدولي، مما يجعل تلك الأسماء تمر عبر اختبارين؛ الأول، وهو لقاء اللجنة المكلفة بذلك، قد يكون أصعب من عبور الاختبار الثاني، مع “الشرع” شخصياً، لأن الاختبار الأول ربما تحكمه مرجعية أيديولوجية أكثر من مرجعية عقل الدولة التي طرحها الرئيس الشرع للانتقال من الفصائلية إلى بناء الدولة.
وهنا يمكن المصارحة بأن تشكيل لجنة لمقابلة المرشحين يثير تساؤلات جوهرية حول معايير الاختيار الحقيقية، وما إذا كانت الكفاءة والخبرة والحيادية هي الأساس، أم أن الاعتبارات الأيديولوجية والتوازنات السياسية هي التي تتحكم في العملية؟ خصوصاً في ظل غياب منصب رئيس الحكومة المستقل، الذي كان يمكنه تقييم فريقه بشكل مباشر عبر هذه اللقاءات، ما يجعل تشكيل “فريق عمل” متكامل أكثر سلاسةً ووضوحاً.
كما أن وجود هذه اللجنة يعيد إلى الأذهان دور القيادة القُطرية لحزب البعث سابقاً في تقييم الحكومات في سوريا وكذلك في العراق، مما يثير مخاوف من إعادة إنتاج آليات الاختيار القديمة. وهذا ما يبرر التساؤل: في ظل تصدع البلاد، والحاجة إلى عمل سياسي متواصل من رئيس الجمهورية، ربما يستهلك كامل وقته! هل يؤدي إلغاء منصب رئيس الحكومة إلى تسهيل عملية التشكيل، أم أنه يقوض استقلالية السلطة التنفيذية ويزيد من تعقيد المشهد؟ وفي ظل أن لا شيء مقدساً في النظم الوضعية، فهل يعيد الرئيس الشرع النظر في أهمية إعادة هذا المنصب وتحييد سلبيات غيابه، أم أن التجربة على مخاطرها هي المقياس؟
المدن
—————————–
لماذا خفض مؤتمر المانحين دعمه لسوريا وما انعكاسات ذلك؟/ حسن الشاغل
23/3/2025
عُقد مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين حول سوريا في 17 مارس/آذار 2025، بتنظيم من الاتحاد الأوروبي، بهدف حشد الدعم الدولي لعملية انتقال شاملة وسلمية في سوريا، وتلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين داخل البلاد وفي الدول المضيفة للاجئين.
حضر المؤتمر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، وهي المرة الأولى التي تتمثل فيها سوريا رسميا في هذا الحدث السنوي.
وأكد الشيباني التزام الدولة السورية بالعمل مع الشركاء في المجال الإنساني لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، ودعا الدول المانحة إلى المساهمة الفعّالة في جهود إعادة الإعمار ودعم مشاريع التنمية المستدامة.
وبلغ إجمالي التعهدات المقدمة من المشاركين في المؤتمر 5.8 مليارات يورو (6.3 مليارات دولار)، منها 4.2 مليارات يورو (4.56 مليارات دولار) كمنح، و1.6 مليار يورو (1.74 مليار دولار) كقروض ميسرة، وتحمّل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه 80% من إجمالي المنح المقدمة، وهذا يجعله أكبر جهة مانحة لدعم سوريا.
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي سيتعهد بتقديم 2.5 مليار يورو (2.71 مليار دولار) لدعم السوريين داخل سوريا وفي دول اللجوء خلال عامي 2025 و2026.
تجدر الإشارة إلى أن المساعدات المقدمة ستُنفذ عبر الوكالات الدولية والمنظمات الإنسانية، من دون تدخل الحكومة السورية، وذلك لضمان وصول المساعدات بشكل فعّال وشفاف.
انخفاض في الالتزامات
شهد مؤتمر بروكسل تراجعا في التعهدات المالية لسوريا مقارنة بالسنوات السابقة، ففي السنة الماضية قدم المؤتمر تعهدات بقيمة 7.5 مليارات يورو (8.15 مليارات دولار) أما هذه السنة فتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم نحو 5 مليارات يورو (5.43 مليارات دولار).
ويقول الخبير في الاقتصاد السوري، يونس الكريم للجزيرة نت: “كان من المتوقع أن يكون الدعم المقدم من مؤتمر بروكسل نواة إعادة بناء البنية التحتية للقطاع الصحي والصرف الصحي وإعادة بناء وهيكلة مؤسسات الدولة، واستقطاب اللاجئين”.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي أسامة القاضي في تصريح للجزيرة نت، أن المنح التي أُعلن عنها بمؤتمر بروكسل جيدة ومقبولة بالنظر إلى أن حصة سوريا تبلغ نحو 2.5 مليار دولار من المساعدات التي ستشرف عليها منظمات دولية والحكومة السورية.
ويقول القاضي إنه سيتم توزيع قسم من المساعدات على الدول التي تحتضن لاجئين سوريين في العراق والأردن ولبنان وتركيا التي كان لها النصيب الأكبر من المنح.
ويشير أسامة القاضي إلى أن الدول التي قدمت تعهدات مالية في المؤتمر غير ملزمة بالدفع، وقد لا تتجاوز قيمة التعهدات التي تدفعها 60% من الرقم المعلن.
ويشير القاضي، إلى أن جزءا من التعهدات المالية تذهب في شكل مصاريف إدارية وتشغيلية لمنظمات الأمم المتحدة التي ستشرف على توزيع المساعدات.
أسباب انخفاض المنح
ويقول الباحث حسن المروان إن القيمة الفعلية المتوقعة لعام 2025 قد لا تتجاوز 3.48 مليارات يورو (3.78 مليار دولار)، وهذا رقم سيتعرض أيضا لمزيد من التقليص عند احتساب الحصص المخصصة للدول المضيفة حيث سيقدم لتركيا بمفردها ما يقارب مليار يورو (1.08 مليار دولار).
ويقول المروان للجزيرة نت إن المبلغ الضئيل سيتم توزيعه على 3 مجالات رئيسة، ما يحدّ من تأثيره الفعلي على الاقتصاد:
القطاع الإنساني: يشمل تمويل الإغاثة الطارئة، مثل توفير الغذاء، الرعاية الصحية، المأوى، والمياه النظيفة، وهو ما يُبقي التركيز على الاحتياجات الأساسية من دون الاستثمار في مشاريع تنموية.
المجال القانوني: سيخصص جزء من التمويل لبرامج العدالة الانتقالية، المواطنة، والديمقراطية.
الجانب العسكري: سيخصص جزء من التمويل لمراقبة الأسلحة الكيميائية، وهذا يعني أن جزءا من الموارد المتاحة يُستنزف في قضايا رقابية وأمنية بدلا من توجيهه نحو بناء البنية التحتية أو تحفيز الاقتصاد.
ويشير الباحث حسن المروان، إلى التحديات الكبيرة المرتبطة بإيصال هذه الأموال إلى سوريا وذلك بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على البنك المركزي السوري.
ويؤكد المروان على امتناع الولايات المتحدة عن تقديم دعم مالي رغم كونها كانت من أكبر المانحين في مؤتمر بروكسل وقدّمت في العام السابق نحو 1.2 مليار دولار كأحد الأسباب المهمة لانخفاض المنح المقدمة.
وقررت الإدارة الأميركية هذا العام إعادة تقييم مساعداتها الخارجية، وهذا أدى إلى غياب التمويل الأميركي وأسهم بشكل كبير في انخفاض إجمالي التعهدات.
رسائل سياسية
ويقول القاضي إن دول الاتحاد الأوروبي ودولا أخرى حاولوا بعث رسائل سياسية مهمة للحكومة السورية الجديدة عبر مؤتمر بروكسل.
وأكدت كل أطراف الاجتماع عبر خطاباتهم ضرورة رفع العقوبات عن سوريا، ودعم الحكومة الانتقالية.
وفي هذا الصدد يرى حسن المروان أن امتناع الولايات المتحدة عن تقديم أي دعم مالي، كان رسالة سياسية واضحة لسوريا.
أما يونس الكريم فيرى أن الأحداث الأخيرة في الساحل أثرت على مواقف الدول المانحة، لذلك أبدت بعض دول الاتحاد الأوروبي تحفظات دفعتها لإعادة النظر في الخطط التمويلية المقدمة لسوريا.
شراكة مالية
ويرى القاضي أنه كان من الضروري على وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أن يطلب من الدول الأوروبية انضمام سوريا إلى نظام “سيبا” (SEPA) أو منطقة المدفوعات الأوروبية الموحدة وهو نظام أوروبي يهدف إلى تسهيل عمليات الدفع والتحويلات المالية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى، مثل سويسرا والمملكة المتحدة والنرويج، باستخدام اليورو.
ويسمح هذا النظام للأفراد والشركات بإجراء تحويلات مصرفية باليورو بالسهولة نفسها والتكلفة كما لو كانت داخل البلد نفسه، بأسعار منخفضة.
ومن شأن انضمام سوريا إلى هذا النظام تسهيل إجراء العمليات التجارية والتحويل باليورو من دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى البنك المركزي السوري بسهولة، وفق يونس الكريم الذي يحذر من أن سوريا أصبحت على أعتاب أزمة غذائية، لأن المساعدات التي تأتي من مؤتمر بروكسل، لا تلبي طموح السوريين، ولا تزال بعيدة عن تلبية احتياجات الشعب السوري.
وذكرت مصادر إعلامية أن ألمانيا -من أكبر الداعمين للملف السوري- قدمت 300 مليون دولار كمساعدات غذائية وصحية، وتُغطي 30% فقط من التكلفة الشهرية للفاتورة الغذائية، وهذا يترك الفجوة كبيرة على باقي دول المؤتمر تغطيتها، وهو أمر مقلق جدا خاصة مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تعيشها سوريا.
وهنا يقول الكريم: “إذا ركزنا فقط على من هم في حالة انعدام الأمن الغذائي، فإن المبلغ يغطي احتياجاتهم إذا تم استبعاد من انضمت حديثا إلى فئة انعدام الأمن الغذائي، بسبب الأزمات الاقتصادية، وتسريح عدد كبير من موظفي الدولة، وتوقف الأعمال التجارية، وتغير مكان إقامة الأفراد”.
المصدر : الجزيرة
——————————
رسالة بوتين إلى الشرع.. إشارات إلى معارضيه في الداخل ودلالات توافق أميركي روسي؟/ طه عبد الواحد
2025.03.24
فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجميع مؤخرا برسالة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، أعلن عنها الناطق الرسمي باسم الكرملين، ولم يصدر أي تصريح من السلطات السورية بشأنها.
والمفاجئ في الأمر هو أن هذه الرسالة أتت من دون أن يكون هناك مبرر مباشر لإرسالها. إذ جرت العادة أن يوجه الرؤساء رسائل لنظرائهم إما في المناسبات الوطنية أو للتهنئة بالتنصيب أو نجاح الانتخابات، استفتاء ما، وأحيانا للتعبير عن التضامن والتعاطف في حالات الكوارث، وما إلى ذلك. إلا أنه لم يسجل وقوع أي حدث أو مناسبة من هذه، على الأقل في اليومين الأخيرين قبل رسالة بوتين.
وكان دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية أعلن عن توجيه الرئيس بوتين رسالة إلى الشرع، ونشر الكرملين على موقعه الرسمي بياناً حول تلك الرسالة، جاء فيه: “بعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برسالة إلى رئيس الدولة السورية أحمد الشرع، أعرب فيها عن دعمه للجهود الرامية إلى استقرار الوضع في البلاد بأقرب وقت ممكن بما يخدم ضمان سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها”.
وأضاف بيسكوف: “تم التأكيد على استعداد روسيا المستمر لتطوير التعاون العملي مع القيادة السورية بشأن جميع القضايا المدرجة على جدول الأعمال الثنائي، وذلك من أجل تعزيز العلاقات الروسية السورية الودية”.
صحيح أنه لم يكن هناك حدث محدد كمناسبة لتوجيه بوتين رسالته تلك إلى الشرع، إلا أنه لا يمكن النظر إلى الرسالة ومضمونها بمعزل عن الوضع الذي تمر به سوريا بعد الأحداث المأساوية التي شهدتها منطقة الساحل، وسقوط ضحايا بين المدنيين إثر مواجهات نشبت بعد محاولة ضباط من بقايا النظام الاستيلاء على تلك المنطقة ومن ثم على السلطة في البلاد.
على خلفية تلك الأوضاع نشطت مجموعات وشرائح وتيارات قليلة في البلاد ترفض حتى الآن تقبل السلطات الجديدة، وتنتقد تدابيرها لمعالجة الوضع في الساحل، كما وتعترض على مجمل الخطوات التي تتخذها تلك السلطات بهدف تهيئة أرضية مناسبة لبدء عملية بناء الدولة السورية.
وبدا وكأن البعض من هؤلاء يعولون على دعم روسي، فكان لا بد من أن يعلن الكرملين عن موقف واضح، يؤكد الاعتراف بأحمد الشرع رئيسا لسوريا للمرحلة الانتقالية ودعم التدابير التي تتخذها السلطات في معالجة الوضع الداخلي بما يضمن سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية.
في سياق متصل يمكن قراءة رسالة بوتين إلى الشرع على أنها خطوة لوضع النقاط على الحروف بشأن اتهامات يوجهها البعض لروسيا بالوقوف خلف محاولة بقايا النظام استعادة السيطرة على البلاد. إذ يؤكد بوتين عبر رسالته التزامه بالعلاقة مع السلطات الرسمية في دمشق ويعبر عن حرصه على تلك العلاقات.
هناك جهات أخرى قد تكون هي “المرسل إليه” الذي يريد بوتين إيصال رسالة له عبر مخاطبة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع برسالة الدعم هذه.
والحديث هنا يدور عن الولايات المتحدة، التي بات واضحاً أنها تعكف بنشاط على صياغة سياستها نحو سوريا، وهو ما برز بوضوح في تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي بات اليوم لاعباً رئيسياً في تنفيذ سياسات ترمب الخارجية، فهو يدير عملية ناجحة حتى الآن لبدء مفاوضات بخصوص تسوية النزاع الروسي –الأوكراني، ونجح قبل ذلك في إدارة مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والعدو الصهيوني، تمخض عنها اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، كان سيؤدي إلى نهاية الحرب على قطاع غزة لو لم تعد إسرائيل كعادتها وتنسفه.
وكان بوتين استقبل ويتكوف مرتين في الكرملين الأولى خلال زيارة غير معلنة لويتكوف إلى موسكو في 11 فبراير والثانية في 14 مارس، وأجرى معه محادثات موسعة، يُرجح أنها لم تقتصر على الموضوع الأوكراني، بل وشملت كذلك الوضع في سوريا إلى جانب الحرب على قطاع غزة.
سوريا حاضرة بقوة في الاتصالات الأميركية –الروسية
وفي 19 نوفمبر، أي بعد يوم واحد على محادثات الرياض، الأولى التي تجري بين مسؤولين روس وأميركيين منذ عام 2022، تحدث الرئيس الروسي عن أهم ما تم التوصل إليه خلال تلك المحادثات وقال إن النقطة الثانية من حيث الأهمية هي أنه “تم اتخاذ الخطوة الأولى نحو استئناف العمل في مجموعة متنوعة من المجالات ذات الاهتمام المشترك. وهذا يشمل أيضاً الشرق الأوسط بالمعنى الواسع للكلمة”. وأوضح بوتين أنه يعني بذلك “وجودنا حتى الآن في سوريا، والتسوية الفلسطينية الإسرائيلية، وما إلى ذلك”.
سوريا إذاً حاضرة بقوة في الاتصالات الأميركية –الروسية، ولعل بوتين استمع من ويتكوف عن النهج الذي يُتوقع أن تبلوره إدارة الرئيس ترمب نحو سوريا.
ويمكن القول بناء على تصريحات ويتكوف في مقابلة مع الصحفي الأميركي تاكر كارلسون أن البيت الأبيض قد يمضي نحو انفتاح أوسع في العلاقة مع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، ويُفترض أن يشمل ذلك تخفيفاً تدريجياً للعقوبات؛ بينما يبقى ضمان أمن إسرائيل وطبيعة العلاقات بين دمشق وتل أبيب هاجساً رئيسياً بالنسبة لترمب في تعاطيه مع الملف السوري، كما هي الحال خلال رئاسته السابقة للولايات المتحدة. وأخيراً يبدو واضحا أن ترمب قد يسحب القوات الأميركية من سوريا.
الرئيس الروسي الذي وقع عام 2017 اتفاقية مع ترمب حول وقف إطلاق النار جنوبي سوريا وإبعاد إيران وميليشياتها عن تلك المنطقة لحماية أمن إسرائيل، التقط كل تلك الإشارات. وبعد أقل من يومين على محادثات هاتفية أجراها مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تناولا خلالها بما في ذلك ” الوضع في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر”، واتفقا على “بذل جهود مشتركة لتحقيق الاستقرار في مناطق الأزمات”، بعث الرئيس الروسي في 20 مارس برسالته إلى الرئيس السوري أحمد الشرع.
وإذ لا يمكن تجاهل أهمية ما جاء في رسالة بوتين من عبارات دعم بالنسبة للسلطات السورية التي تواجه تحديات جمة داخلياً، فإن تلك الرسالة إما أنها حملت إشارات لإدارة ترمب بأن موسكو ما زالت تحافظ على اتصالات جيدة وعلاقات ودية مع دمشق، وهي مستعدة للعب دور في سوريا يتوافق مع الرؤية الأميركية، أو أن تلك الرسالة جاءت في سياق توافق أميركي – روسي حول الوضع في سوريا ومنح روسيا الضوء الأخضر لانفتاح أكبر على السلطات السورية الجديدة، بما يتوافق مع الرؤية الأميركية – الروسية المشتركة.
تلفزيون سوريا
———————————-
سوريا ما بعد الأسد… قراءة في حصيلة مئة يوم/ حايد حايد
سرعة مبادرات الشرع والنتائج التي صدرت عنها أثارت ردود فعل متباينة
آخر تحديث 24 مارس 2025
مع انتهاء الولاية الأولى لحكومة تصريف الأعمال في سوريا والتي امتدت لثلاثة أشهر، تقف البلاد على أعتاب منعطف مصيري. ففي ظل رئاسة أحمد الشرع، أخذت الحكومة المؤقتة على عاتقها تنفيذ سلسلة من الخطوات الرامية إلى قيادة البلاد خلال مرحلة الانتقال السياسي، ولكن جهودها لم تسلم من النقد والتدقيق.
صحيح أنها حافظت على استقرار نسبي، إلا أن تعاملها مع الحكم والاقتصاد والأمن أثار ردود فعل متباينة. فبينما يؤيد أنصار الشرع خطواته تأييدا تاما، يشكك المنتقدون في عملية الانتقال المتسرعة، والوعود الاقتصادية التي لم تتحقق، وتدهور الخدمات العامة، وتردي الأوضاع الأمنية.
لقد كان متوقعا بالطبع أن تكون المرحلة الانتقالية صعبة، لكن فشل حكومة تصريف الأعمال في تحقيق تحسينات ملموسة ربما أدى إلى تجدد الاضطرابات. ويتوقف مستقبل سوريا على مدى فعالية الشرع في التعامل مع هذه الأزمات. ولعل أفضل فرصة أمامه لتوجيه البلاد نحو الاستقرار والازدهار هي في إقامة حكومة شفافة وشاملة وتشاركية- حكومة تدعم سيادة القانون وتلبي توقعات الشعب السوري.
مسار مثير للجدل نحو الانتقال السياسي
لقد لامس خطاب الشرع آمال كثير من السوريين، مجدِدا تطلعاتهم نحو مستقبل أكثر إشراقا. ومنذ توليه السلطة، دلت تصرفاته على حرص متعمد على رغبته في الالتزام بالقواعد القانونية والإجرائية– في مسعى واضح لطمأنة الرأي العام وتبديد الهواجس المتعلقة بماضيه المثير للجدل. ومن أبرز خطواته في هذا السياق لجوؤه لنيل الشرعية من القوى الثورية التي أسقطت نظام الأسد، بدلا من فرض سلطة أحادية الجانب. وفي إطار مساعيه لإرساء دعائم انتقال منظم، بادر الشرع إلى تشكيل لجنة تتولى تنظيم مؤتمر للحوار، فاتحا بذلك الباب أمام نقاش وطني موسع. كما كلف لجنة ثانية بإعداد إعلان دستوري حال الانتهاء من صياغته، ليكون الأساس القانوني لهيئة تشريعية جديدة وحكومة انتقالية.
غير أن سرعة هذه المبادرات وطريقة تنفيذها والنتائج التي صدرت عنها أثارت ردود فعل متباينة. فالبعض يراها إنجازات تاريخية، بحجة أن التحرك السريع كان ضروريا للحفاظ على الاستقرار المؤسسي. ومع ذلك، يرى آخرون أن العملية كانت متسرعة وسطحية وتهدف إلى ترسيخ سلطة الشرع أكثر من تعزيز التحول السياسي الهادف. وكان مؤتمر الحوار الوطني، تحديدا، محط انتقادات حادة جراء استعجال انعقاده، ما أثار الشك في أن العملية أعطت الأولوية للمظاهر على حساب الجوهر.
من جانبه أثار الإعلان الدستوري القلق لدى فئات من السوريين، لأنه يمنح الرئيس سلطات واسعة النطاق دون آليات واضحة للمساءلة أو لقاعدة الضوابط والتوازنات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وإلى جانب هذه القضايا المتعلقة بالحوكمة، يجادل المنتقدون بأن الوثيقة لا تعكس واقع المشهد الاجتماعي والسياسي المتنوع في سوريا. ولكن مؤيدي الشرع في المقابل يدافعون عن الصلاحيات الرئاسية الواسعة باعتبارها ضرورية لضمان انتقال منظم وفعال. وبينما يصعب قياس المستوى الدقيق للدعم أو المعارضة لتحركات الشرع السياسية، فإن من الواضح أن جهوده لم تعزز الوحدة التي كان يأملها الكثيرون.
حُكم متوتر ووعود لم تُنجَز
ومع أن الآراء السياسية بشأن مسار المرحلة الانتقالية في سوريا متفاوتة إلى حد كبير، يمكن القول إن الانتقادات الموجهة إلى تركيبة حكومة تصريف الأعمال وأدائها باتت أكثر انتشارا وحدّة. ويأتي في صدارة هذه الانتقادات هيمنة شخصيات مرتبطة بـ”هيئة تحرير الشام” على مفاصل الحكومة، الأمر الذي أثار مخاوف من الإقصاء واحتكار السلطة. وفي معرض تبرير هذا الوضع، دافع الرئيس المؤقت أحمد الشرع وعدد من المسؤولين عن التشكيلة الحكومية الراهنة بوصفها ترتيبات مؤقتة تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار وضمان كفاءة الإدارة. كما تعهد الشرع بأن تتسم الحكومة الانتقالية المقبلة بمزيد من التشاركية. ومع ذلك، ومع انقضاء الولاية الأولى التي امتدت ثلاثة أشهر، لا يزال السوريون بانتظار الإصلاحات التي وُعدوا بها.
وتتخطى الانتقادات مسألة تشكيلة الحكومة لتطال أداءها الضعيف. فبالنسبة لكثير من السوريين– ولا سيما في المناطق التي كانت خاضعة سابقا لسيطرة النظام– لا تكمن الأولوية في التمثيل السياسي، بل في فشل الحكومة في تقديم الخدمات الأساسية. وتشير شهادات من مختلف أنحاء البلاد إلى أن خدمات حيوية، كالماء والكهرباء، قد شهدت مزيدا من التدهور مقارنة بسنوات حكم الأسد الأخيرة، بدل أن تتحسن.
وإن كانت قلة الموارد واستمرار العقوبات وغياب الدعم الدولي قد حدت من قدرة الحكومة على التصدي لهذه التحديات، فإن مشاعر الإحباط الشعبي تفاقمت بسبب الوعود التي لم يوفَ بها. وكانت السلطات قد تعهدت بتحسينات كبيرة، بما في ذلك زيادة الرواتب بنسبة 400 في المئة وإيجاد حل سريع لمشكلة نقص الكهرباء، لكن هذه التوقعات الكبيرة لم تتحقق، مما زاد من خيبة الأمل العامة.
وتأتي على قمة هرم الاستياء أيضا مشكلة الفصل الجماعي التي طالت عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام. وفي حين أن بعض حالات الفصل قد يكون لها ما يبررها– بحجة الفساد والتغيب عن العمل وتضخم الكادر الإداري في المؤسسات– فإن حجم هذه المشكلة والسرعة التي تحدث بها قد تركا الكثيرين دون عمل بديل أو مساعدة مالية. ومن ناحية ثانية، تسببت إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في تعليق الخدمات البيروقراطية الأساسية، مما زاد من تعقيد الحياة اليومية. وفي حين أن حكومة تصريف الأعمال أعادت مؤخرا بعض الموظفين المفصولين من وظائفهم وأعادت تفعيل بعض مؤسسات الدولة، فإن هذه الإجراءات لا تزال قاصرة عن معالجة هموم المواطنين بصورة فاعلة وشاملة.
مكاسب أولية بددتها الاضطرابات المالية
في أعقاب الإطاحة بالأسد مباشرة، حققت حكومة تصريف الأعمال إنجازات اقتصادية متواضعة، لا سيما في مجالي التجارة وتوفير الوقود. فقد سارعت السلطات إلى رفع الكثير من القيود المفروضة على الاستيراد وخفض الرسوم الجمركية، مما أدى إلى تدفق كميات أكبر من السلع الأجنبية بأسعار أكثر تيسيرا. كما شهدت أزمة نقص الوقود التي عانت منها البلاد لسنوات انفراجا نسبيا، مع تحسن في توفر مادتي الغاز والمازوت. وعلى الرغم من أن أسعار الوقود بقيت أعلى من معدلاتها السابقة المدعومة، فإنها ظلت أدنى بكثير من أسعار السوق السوداء التي لطالما كانت المصدر الرئيس للتزود بالوقود.
وقد أسهمت هذه التحسينات الأولية– إلى جانب ارتفاع مؤقت في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار– في تعزيز القدرة الشرائية، وبثت قدرا من التفاؤل الاقتصادي المشوب بالحذر.
على أن هذه المكاسب سرعان ما تبددت، وكانت إحدى المشاكل الرئيسة هي فشل الحكومة في تحقيق الاستقرار في سعر صرف الليرة، مما أدى إلى تقلبات شديدة– أكثر من 30 في المئة خلال أيام. وقد أدى تقلب العملة إلى اضطراب الأسواق، وخلق حالة من عدم اليقين على نطاق واسع.
ويقع في قلب الأزمة نقص حاد في السيولة بالليرة السورية، تفاقم بسبب السياسات التقييدية التي فرضها البنك المركزي. وتنطبق هذه القيود أيضا على الشركات والمنظمات الخيرية، مما أعاق عملياتها بشدة. وبالإضافة إلى تأخر دفع الرواتب والتسريح الجماعي للعمال، أجبرت هذه الإجراءات كثيرا من السوريين على الاعتماد على المدخرات أو الوقوع في دوامة الديون.
وفي حين لعبت العوامل الخارجية مثل العقوبات الدولية والانهيار المالي الموروث من نظام الأسد دورا كبيرا، فإن الكثير من السوريين لا يعفون حكومة تصريف الأعمال من المسؤولية، ويلقون باللوم عليها لفشلها في إدارة الأزمة بشكل فعال.
تصاعد العنف وعدم الاستقرار
ولم يكن حال الأمن أفضل من حال الاقتصاد، فقد أظهر الوضع الأمني في سوريا في البداية درجة من الاستقرار، لكنه تدهور بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين. في البداية، كان الانضباط في صفوف الجيش وقوات الأمن عاملا أساسيا في منع حدوث اضطرابات واسعة النطاق. لكن الهجمات ضد قوات حكومة تصريف الأعمال تصاعدت. وظهرت تقارير في المقابل تشير إلى حوادث عنف انتقامية وانتهاكات لحقوق الإنسان، ناهيك عن ارتفاع ملحوظ في الأنشطة الإجرامية، بما في ذلك عمليات الخطف والسرقة.
وتأتي هذه الصعوبات نتاجا لأسباب متعددة، بما في ذلك تفكيك الهياكل الأمنية التابعة للنظام السابق بالجملة، وعجز حكومة تصريف الأعمال عن بسط نفوذها على المناطق التي كانت خاضعة لسلطة الأسد في السابق، والضغوط المتزايدة من المصاعب الاقتصادية. ويزيد من تفاقم الوضع غياب أي مساءلة ذات مغزى لمسؤولي النظام السابق، مع تأخير البدء في أي عملية عدالة انتقالية، مما يقوض سيادة القانون والسعي الأوسع نطاقا لتحقيق الاستقرار.
ويمثل التصعيد الأخير في اللاذقية- حيث أسفرت الهجمات المنسقة عن مقتل أكثر من 13 عنصر أمن- أخطر التحديات الأمنية التي واجهتها السلطات الجديدة. وعلى الرغم من أن الحكومة سحقت التمرد العسكري بسرعة، فإن المخاوف لا تزال قائمة بشأن قدرتها على معالجة انتهاكات حقوق الإنسان ومنع المزيد من الاضطرابات.
وبعد مرور مائة يوم على سقوط نظام الأسد، لا تزال سوريا على مفترق طرق. ويضطلع الشرع بدور محوري في توجيه البلاد نحو الاستقرار والازدهار، لكن قدرته على القيام بذلك تتوقف على الوفاء بوعوده بطريقة شاملة وتشاركية. وإذا لم تتحقق هذه الوعود فإن الانقسامات ستتعمق والتوترات ستتصاعد، وقد تواجه سوريا مرة أخرى اضطرابات عنيفة.
ومع ذلك، يجب أن يكون واضحا أنه لا الشرع ولا أي زعيم يستطيع بمفرده تحقيق ذلك كله. فالدعم الإقليمي والدولي سيكون حاسما في إعطاء سوريا فرصة عادلة للتغلب على أزماتها المتشابكة. وسيكون رفع العقوبات وتقديم المساعدات غير الإنسانية ضروريا لإعادة إعمار سوريا.
وباختصار، إن مستقبل سوريا في الميزان، والخيارات التي يجري اتخاذها الآن لن تحدد مسار سوريا فحسب، بل ستحدد أيضا استقرار المنطقة الأوسع.
المجلة
———————–
ماذا يريد ترمب من الشرع؟/ إبراهيم حميدي
هناك مشكلة أساسية في توقعات واشنطن إزاء موقف دمشق من مشروع ترمب للشرق الأوسط الجديد، أنها تأتي في وقت لا تزال فيه إسرائيل في مناطق احتلتها بعد سقوط الأسد
آخر تحديث 23 مارس 2025
كل المؤشرات تدل على أن سوريا ليست أولوية في حد ذاتها لإدارة الرئيس دونالد ترمب. وإلى حين بروز سياسة سورية واضحة في البيت الأبيض، يمكن الحديث عن اتجاهين: الأول، يرفض مطلقا التعامل مع الحكم السوري الجديد وينظر إليه من منظور جهادي والتعامل مع التنظيمات المتطرفة والمدرجة على قائمة الإرهاب. والثاني، يضع قائمة طويلة من المطالب لتلبيتها قبل رفع العقوبات الأميركية والذهاب إلى الكونغرس للتصويت على إلغاء “قانون قيصر”.
ما يجمع بين الاتجاهين أن إدارة ترمب تنظر إلى سوريا من منظور جيوسياسي، وليس من منطلق يخص مطالب الشعب السوري. صحيح أن الأميركيين يتحدثون عن ضرورة تشكيل “حكومة جامعة” للمكونات السورية واعتماد دستور تعددي وقيام مرحلة انتقالية سلسة تتضمن محاسبة ومساءلة وشفافية وتأسيس جيش مهني يتم فيه إبعاد المقاتلين الأجانب، لكن الأمور التي تهم واشنطن أكثر تتعلق بالقضايا الاستراتيجية ومصالح إسرائيل من جهة والأمن القومي الأميركي من جهة ثانية.
آخر مثال على ذلك، الرسالة التي سُلمت إلى الخارجية السورية خلال مؤتمر المانحين في بروكسل الأسبوع الماضي، إذ تضمنت مجموعة من المطالب الأميركية مقابل تمديد إجازة استثناءات العقوبات لستة أشهر أخرى، وتتضمن هذه القائمة الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل والسلاح الكيماوي، والتعاون في الحرب ضد “داعش” ومنع ظهور التنظيم ثانية، وتشكيل فريق سوري للتعاطي مع ملف المفقودين الأميركيين ومعرفة مصير الصحافي الأميركي المفقود آستون تايس، وتصنيف “الحرس الثوري الإيراني” مجموعة إرهابية، مع توقعات بإبقاء إيران خارج سوريا، وضبط الحدود مع لبنان، وتشجيع بيروت على توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، أي الانضمام الى “الاتفاقات الإبراهيمية”.
بالفعل، فإن الإدارة الأميركية تنظر إلى سوريا من منطق تحالف واشنطن مع إسرائيل والعلاقة الخاصة بين ترمب وبنيامين نتنياهو من جهة، ومن منطق خطتها التصعيدية ضد إيران. والتصريحات التي قالها المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في مقابلته المطولة مع تاكر كارلسون قبل يومين، عن الرئيس السوري أحمد الشرع تعطي فكرة واضحة عن تصور إدارة ترمب للملف السوري.
ويتكوف بدا معجبا ومدافعا عن التحول الذي قام به الشرع، الذي كان قد وجه رسالة علنية لترمب بعد فوزه بالانتخابات، ثم وضع صديق الرئيس الأميركي، كل ذلك في سياق مشروع “ترمب الثاني” للبنان وسوريا وإيران والشرق الأوسط الجديد وتوسيع “الاتفاقات الإبراهيمية”. اللافت، ان كلام ويتكوف جاء بعد “الاتصال التحولي” بين الرئيس رجب طيب اردوغان وترمب.
لا شك أن إيران، المحطة الأساسية في مشروع الشرق الأوسط الجديد. وقد بعث ترمب برسالة إلى “المرشد” علي خامنئي، وأعطاه مهلة 60 يوما للوصول إلى صفقة تتضمن تخلي طهران عن البرنامج النووي العسكري وتغيير سلوكها الإقليمي، وإلا ستلجأ مع إسرائيل إلى خيار عسكري للقضاء على البرنامج النووي.
ما يتوقعه ترمب وفريقه، هو أن تتموضع سوريا-الشرع، حاليا في مشروع الإدارة الأميركية الجديدة للشرق الأوسط بجميع محطاته:
محطة غزة بـ”حماس” منزوعة السلاح وإخراج “الغزيين” إلى دول عدة مثل السودان والصومال وأرض الصومال وسوريا.
محطة لبنان واستمرار وقف النار ونشر الجيش في الجنوب وانسحاب “حزب الله” منه، ثم بدء مفاوضات سلام مع إسرائيل.
محطة إيران والاختيار بين الصفقة النووية أو الضربة العسكرية، والتخلي عن الوكلاء والأذرع بما في ذلك “الحوثيون” في اليمن.
وكذلك، أن تكون سوريا ضمن تحالف تبادل المعلومات الاستخباراتية والحرب ضد “داعش” والتموضع الإقليمي الجديد وهيكلة الشرق الأوسط وما يتضمنه من تفاوض مع إسرائيل وبحث فكرة السلام بينهما.
هناك مشكلة أساسية في توقعات واشنطن إزاء موقف دمشق من مشروع ترمب للشرق الأوسط الجديد، أنها تأتي في وقت لا تزال فيه إسرائيل في مناطق احتلتها بعد سقوط الأسد نهاية العام الماضي، مثل جبل الشيخ والمنطقة العازلة ومنابع المياه في الجولان، وأنها تواصل توجيه ضربات لأي موقع حيوي استراتيجي يسعى الجيش السوري الجديد لتشغيله.
ما يجري بين أميركا وسوريا، وبين إسرائيل وسوريا، سيكون في الفترة المقبلة، موضوعا مهماً فيه تقاطعات اقليمية.
المجلة
————————–
ماذا حققت حكومة تسيير الأعمال السورية؟/ محمد أمين
24 مارس 2025
فور سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ارتأت إدارة العمليات العسكرية في حينه تولي “حكومة الإنقاذ” في شمال غرب سورية، التي يرأسها محمد البشير، تسيير أعمال الوزارات والمؤسسات الحكومية حتى مطلع مارس/ آذار الحالي، لحين تشكيل حكومة تتولى إدارة المرحلة الانتقالية. لكن حتى اليوم، تواصل حكومة تسيير الأعمال السورية هذه المهمة، ولم تتشكل الحكومة الجديدة. وترددت أسماء عدة لمرشحين وطامحين لتولي منصب رئاسة الحكومة، وسط ترقب لتركيبتها. ونص الإعلان الدستوري الذي صدر يوم 13 مارس الحالي على أن يمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية ضمن الحدود المنصوص عليها في هذا الإعلان الدستوري، مع ما حمله هذا البند من تغيير في آلية عمل الحكومة بغياب رئيس لها.
ترميم العمل الحكومي
عقب سقوط الأسد، انتقلت كوادر ووزراء “الإنقاذ” إلى دمشق للبدء في محاولات ترميم العمل الحكومي وسد الفراغ الذي تركه سقوط نظام ترك البلاد منهكة من النواحي كافة. فالعقوبات تكبّل الاقتصاد، والبنية التحتية متهالكة، وراتب الموظف لا يصل إلى 20 دولاراً شهرياً، فضلاً عن الشروخ العميقة التي خلقها النظام المخلوع بين مكونات الشعب السوري والتي كادت أن تعيد دورة العنف إلى ما كانت عليه أكثر من مرة بعد سقوطه. وكان واضحاً منذ البداية أن الأولويات التي حددتها الإدارة الجديدة لحكومة تسيير الأعمال السورية هي المحافظة على السلم الأهلي والاستقرار في البلاد، وضبط الأمن، والحيلولة دون تعرض الدولة للانهيار خلال المرحلة الانتقالية، وتقديم الخدمات للمواطنين. وقد بادرت وزارة الداخلية إلى نشر الأمن العام الذي كان يعمل في إدلب ومحيطها في كل البلاد، خصوصاً في العاصمة، لضبط الأمن والحيلولة دون قيام عمليات انتقام واسعة النطاق بحق الحاضنة الاجتماعية للنظام المخلوع.
لكن سرعان ما تعرض السلم الأهلي لأكثر من تهديد، خصوصاً في المناطق التي يقطنها علويون مثل حمص (وسط) والساحل (غرب)، وحتى على أطراف دمشق الغربية حيث يقطن بعض أبناء هذه الطائفة. كما حدث التهديد نفسه في بلدة جرمانا ذات الغالبية الدرزية في جنوب شرق العاصمة، إلا أن الحكومة احتوت هذه الأحداث من خلال الحوار مع الفعاليات الاجتماعية والدينية. فور تسلمه مهامه، شرع وزير الدفاع في حكومة تسيير الأعمال مرهف أبو قصرة في مهمة تبدو عسيرة وصعبة، وهي بناء جيش وطني على أنقاض عشرات الفصائل التي أسهمت في إسقاط النظام السابق. وواجهت هذه العملية صعوبات جمّة، لا سيما أن فصائل الجنوب السوري، وخصوصاً في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، لا تزال مترددة في الانخراط في الجيش الوطني بسبب مخاوف تحاول الحكومة تبديدها من خلال اجتماعات لم تنقطع مع قادة هذه الفصائل.
الاقتصاد والبنية التحية
كانت الإدارة الجديدة في البلاد أعلنت، في يناير/ كانون الثاني الماضي، حل جيش النظام وحل الفصائل تمهيداً لتشكيل جيش وطني من عناصر هذه الفصائل، فضلاً عن متطوعين فتحت الإدارة الباب لهم للانتساب إلى جيش محترف. وخلال 100 يوم، شهدت جوانب اقتصادية تحسناً بطيئاً، إذ استطاعت حكومة تسيير الأعمال السورية الإيفاء بوعدها بزيادة ساعات التغذية الكهربائية إلى نحو ثماني ساعات خلال شهر رمضان الحالي. وكشف وزير الكهرباء في حكومة تسيير الأعمال عمر شقروق، في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، عن الحاجة إلى 23 مليون متر مكعب من الغاز وخمسة آلاف طن من مادة الفيول يومياً لتوفير التغذية الكهربائية على مدار الساعة. وأشار إلى أنه جرت صيانة بعض محطات توليد الكهرباء والعنفات (توربينات) ووضعها بالخدمة، ما أدى إلى زيادة ساعات التغذية. كذلك، أعلنت قطر، منتصف الشهر الحالي، عن مبادرة لتزويد سورية بالغاز الطبيعي عبر الأردن، للإسهام في توليد الطاقة الكهربائية إلى ما يصل إلى 400 ميغاواط من الكهرباء يومياً في المرحلة الأولى.
في موازاة ذلك، أعادت حكومة تسيير الأعمال السورية تأهيل مطار دمشق الدولي المتهالك، بمساعدة قطرية وتركية، خلال فترة زمنية قصيرة. وافتتحت الحكومة، الأسبوع الماضي، مطار حلب الدولي بعد عملية إصلاح وإعادة تأهيل استمرت عدة أشهر، بحيث أصبح جاهزاً لاستقبال الرحلات الجوية بعد استكمال جميع التجهيزات الفنية والإدارية. من جهة أخرى، أولت حكومة تسيير الأعمال السورية البعد الخارجي اهتماماً كبيراً، إذ نشط وزير الخارجية أسعد الشيباني في المحافل الإقليمية والدولية، وزار العديد من العواصم العربية والأجنبية. ساهم ذلك في تخفيف جانب من العقوبات المفروضة على سورية، وإعادة العديد من الدول افتتاح سفاراتها في دمشق، آخرها ألمانيا الخميس الماضي.
ولم تول حكومة تسيير الأعمال السورية اهتماماً بالجانب الثقافي في البلاد، إذ جرى تعطيل أعمال وزارة الثقافة التي لا تزال من دون وزير منذ الثامن من ديسمبر الماضي. وواجهت الحكومة صعوبات في مجال الإعلام بسبب تهالك البنية التحتية في هذا القطاع، خصوصاً في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ما دفعها للاستعانة بجهات خاصة من أجل توفير الإمكانيات الفنية لإطلاق قناة “الإخبارية” السورية قريباً.
ووُوجِهت الحكومة بانتقادات واسعة بعد إدخال تعديلات على مناهج دراسية بعد أقل من شهر من تسلمها مهام تسيير الأعمال، لا سيما أنها غير مخولة بالقيام بهذه الخطوة كون مهامها تقتصر على تسيير الأعمال لا أكثر. بيد أن وزير التربية والتعليم في الحكومة نذير القادري أوضح في بيان، خلال يناير الماضي، أن التعديل طاول “بعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة، فاعتمدنا شرحها الصحيح كما ورد في كتب التفسير للمراحل الدراسية كافة”. وفي السياق، واجهت حكومة تسيير الأعمال السورية احتجاجات واسعة نددت بقرار هذه الحكومة فصل الآلاف من الموظفين في القطاع العام، ومنح إجازات مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر لموظفين آخرين. غير أن الحكومة قالت إنها اتخذت هذا القرار لوجود خلل واضح في عملية التوظيف خلال فترة حكم “النظام البائد”، الذي أدى بدوره إلى ترهل إداري وضعف في الأداء.
إنجازات وإخفاقات حكومة تسيير الأعمال السورية
رأى الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن إنجازات حكومة تسيير الأعمال السورية “تتجلى في ثلاث نواح رئيسية”، إذ “حفظت الإدارة (الجديدة) الاستقرار والأمن، بعد نظام استبدادي طويل الأمد”، معتبراً أن “هذه مهمة ليست سهلة”، إلى جانب أنها استطاعت “بناء الثقة بين الأجهزة الأمنية الجديدة وبين الشعب خلال فترة قصيرة جداً”. في المقابل، أشار زيادة إلى وجود “إخفاقات في المجال الاقتصادي خلال 100 يوم من تسلم الإدارة الجديدة للسلطة، موضحاً أن “الخطاب الاقتصادي ركّز على مسألة رفع العقوبات الدولية، بينما كان يجب تشكيل مجلس اقتصادي مهمته وضع تصور يسهم في تحسين الأحوال المعيشية”. وبرأيه، فإن “الاقتصاد هو الملف الأهم في المرحلة الحالية”، مضيفاً أن “هناك خطوات جزئية في موضوع الكهرباء والمواصلات، ولكن يجب أن تكون الرؤية الاقتصادية للمرحلة المقبلة خاضعة للنقاش”.
وفي السياق، بيّن الباحث السياسي وائل علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هذه الإدارة وضعت أمامها أهدافاً من أجل تحقيقها خلال 100 يوم، “منها تشكيل حكومة تقود المرحلة الانتقالية تحل محل حكومة تسيير الأعمال السورية”، مضيفاً أن هذا الهدف تأخر لأسباب تتعلق بتوسيع الاستشارات. وباعتقاده، فإن “هذه الحكومة ستعلَن خلال 140 إلى 150 يوماً من تسلم الإدارة للسلطة”، أي في حدود مايو/ أيار المقبل. وأوضح علوان أن “هذه الحكومة قطعت شوطاً كبيراً في مسألة حفظ الأمن والاستقرار من خلال إجراء تسويات مع مسؤولي النظام المخلوع، ومواجهة الفلول الذين رفضوا هذه التسوية، خصوصاً في الساحل”.
وأشار إلى أن وزارة الداخلية في هذه الحكومة “خرّجت عدة دورات لعناصر الأمن العام لحفظ السلم الأهلي والأمن الداخلي”، لافتاً إلى أن “هناك حاجة للاستمرار في هذا المشروع لتحقيق ضبط أكبر للأمن”. وباعتقاده، فإن “الحكومة واجهت صعوبات في مجال توفير الخدمات للمواطنين “بسبب انهيار البنية (الخدماتية) في البلاد”، معتبراً أن تحسين الاقتصاد “هو الهدف الأصعب الذي كان أمام هذه الحكومة”.
لم تستطع الإدارة الجديدة، وفق علوان، إحداث “خرق في هذا الجانب، لكنها بدأت خطوات جادة في قطاع الكهرباء بسبب الدعم الخارجي من دولة قطر والتفاهمات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)” في شمال شرق البلاد، حيث حقول النفط (توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، يوم 10 مارس الحالي في دمشق، اتفاقاً يقضي بإدماج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة، ورفض التقسيم). ورأى علوان أن حكومة تسيير الأعمال السورية “خطت خطوات مهمة خلال 100 يوم”، لكنها “بحاجة إلى ضعف هذه المدة ليبدأ الشارع في تلمّس نتائج هذه الخطوات”، عازياً ذلك إلى “الظروف الداخلية والخارجية التي تفرض الكثير من الوقت والجهد”.
بالمقابل، فضّل الأكاديمي السوري يحيى العريضي، في حديث مع “العربي الجديد”، التحذير والتنبيه “حرصاً على وطن ليس لنا غيره”، بدل الغوص في إنجازات وإخفاقات حكومة تسيير الأعمال. وبرأيه، فإن هناك “مَن لا يشعر بالقلق هذه الأيام؛ وقد يكون ذلك نتيجة للقدرة على التلوُّن والتكويع، والتقية والكذب؛ وربما يُعزى ذلك لضياع القيم والأخلاق والثوابت”. واعتبر أنه “لا يمكن اللعب برصيد الثورة الأخلاقي”، لأن هناك من يريد إيصال “أهل الثورة” إلى حال “ما حدا أحسن من حدا”، مقارنة مع “منظومة الاستبداد الأسدية، وهناك مَن يسحب البلد بذاك الاتجاه”. وحذّر العريضي “من الذهاب بذاك الاتجاه”، إذ “لا رجعة إلى الخلف بالثورة، ولا يمكن قبول أي اقتراب أو تشابه لها مع مسلك أو نهج منظومة الاستبداد، مَن يقبل أو ييسّر أو يسهم بذلك سيكون بحكمها حتماً”.
العربي الجديد
——————————-
سوريا من الداخل والخارج/ بشير البكر
الإثنين 2025/03/24
لا يشبه الوضع في سوريا، ما يكتبه أغلبية الكتاب والناشطين والصحافيين من الخارج. وهناك إجماع لدى زوار دمشق، على هشاشة الأفكار والتصورات التي تتشكل من الخارج. تختلف زاوية النظر بعد الزيارة، ولا يتأخر الزائر، حتى يتخلص عن محرضات التشاؤم، والأفكار السطحية، والنظريات التبسيطية، حيال ما تمر به البلاد. أول ما يلفت الانتباه هو، أن المجموعات التي تبث من وراء البحار، لا تحظى بمتابعة واسعة، ولا يتأثر أحد بما يصدر عنها، بل لا تكاد معروفة عند الناس، الذين شغلتهم في الأعوام الأخيرة مصاعب الحياة اليومية، وابتكار وسائل وأساليب وحلول لحال الانهيار الشامل، الناجم عن توحش نظام بشار الأسد.
البلد منهك جدا، ومن يتأمل حاله، يلاحظ أنه تعرض لنمط من التعذيب القاسي، على يد جلادين منفلتي الغرائز الحيوانية، تركوه ينزف، مثل ضحية سمك القرش، التي نجت في اللحظة الأخيرة من الفك المفترس بعد أن علكها. ولا يخفى على من يتجول في شوارع دمشق أن سوريا في الرمق الأخير اقتصاديا، ولمن أراد أن يعرف أكثر فإن مدينة دمشق تعيش في الظلام بلا كهرباء، محاطة بالدمار من الجهات كافة، ولا توجد سوى عدة أحياء ناجيه من الكارثة، وما تبقى ركام على الأرض، يشهد على وحشية النظام وحلفائه الإيرانيين والروس، والأمكنة التي لم تصلها القذائف والبراميل وقصف الطيران الحربي، أصابها الإهمال الشديد، وعدم الاهتمام، وتسرب إليها الوهن، وهذه الصورة، غير الزاهية، تستقبل الزائر في المطار، وترافقه في كل مكان يقصده داخل المدينة.
من يراهن على خراب سوريا، لا يقرأ تاريخ هذا البلد جيدا، ولا يعرف معدن السوريين الفعلي. ويكفي له أن يزور البلد، حتى يبدل نظرته السوداوية بأخرى متفهمة، ويراجع قناعاته الاستشراقية، التي تشكلت من وحي أحكام عبثية، تصدر عن ناشطين وصحافيين وكتاب عاطلين عن التفكير، بما آل إليه حال هذا البلد. هؤلاء على درجة عالية من البلادة، التي تحول دون تلمسهم نبض الشارع السوري. والأمر الخطير هو أن نسبة من منشورات وسائل التواصل تنحدر إلى قاع النظام السابق، الذي فشل بتقسيم سوريا إلى طوائف ومناطق وقوميات، رغم أنه لم يوفر وسيله من أجل زرع بذور حروب أهلية، تؤدي إلى تشظي البلد الذي، حكمته عائلة الأسد باسم خرافة حماية الأقليات.
حتى لا يفهم أحد كلامي من منظور الدفاع عن السلطة الجديدة، أريد أن أوضح بأن ما أتحدث عنه هنا، لا صلة له بخطواتها، التي بينها ما يستحق الدفاع عنه، وما يتوجب النقد والرفض. تقتضي الأمانة التحلي بشجاعة الوقوف في هذا المكان، مهما كلف ذلك. وليس لدي أي اعتبار سوى ما يفيد هذا البلد، الذي تركته لمدة 45 عاما بسبب الدكتاتورية، وعدت إليه مؤخرا كزائر، لكن حاله الصعب أشعرني بمسؤولية إلى حد الخجل، وتأنيب الضمير حيال الدمار الذي تعرض له، وقد تساءلت وأنا أصعد الطائرة عائداً إلى لندن، هل أترك هذا البلد لفترة طويلة مرة أخرى، وهو في أمس الحاجة لكل أبنائه، كي يساهموا في مداواة جراحه التي لا حصر لها.
من غاب، طويلا، عن سوريا، يشعر بالألم، ويصيبه الحزن الشديد، كلما انتقل من حي إلى آخر داخل دمشق، وهو يعاين البؤس والفقر والإهمال والفوضى، ولن يغمض له جفن لو أمضى يوما كاملا، وهو يتنقل في محيط العاصمة بين الأحياء الملاصقة لها، والمدن التي تشكل حزاما له، جوبر، زملّكا، داريا، دوما، وحرستا، لأن الدمار على درجة يعجز عنها الوصف. دمرها النظام قبل تهجير أهلها عام 2018، وتركها كما هي، لم يرفع حتى جبال الركام، الذي بات يطوق المدينة من الشرق والجنوب.
ثمة ما يبعث على التفاؤل، وهو أن التعميم لا يصلح في الوضع السوري، الذي بلغ مستوى متقدما جدا من النضج، والعقلانية. ليس هناك طائفة للنظام، وأخرى للثورة، حتى لو كانت الغالبية السنية تقف إلى جانب الثورة، والعلوية في صف النظام السابق، وهذا غير صحيح في الحالين، فإن القياس على أساس طائفي لا يستقيم، ولن يفلح كوسيلة للتجييش، لا من قبل السلطة الحالية، ولا من طرف خصومها، سيخسر الجميع إذا لم يتجاوزا هذه المقاربة الضارة. لن ينجح الفلول في جر الطائفة العلوية، وسيسيئون لها أكثر مما حصل في السابق، حينما استخدموها لقهر الآخرين، وحاولوا نزعها من النسيج الوطني، كي يستمر لهم الحكم. وإذا تعاملت السلطة بدافع وحدة البلد، تستطيع أن تنزع هذه الورقة من مزاد الاستثمار الطائفي. وفي كل مناسبة تلوح أمامها فرصة ثمينة، كي تتجاوز تركة آل الأسد الثقيلة.
هناك تيار سوري قيد التشكل في الداخل والخارج، يدعو لمقاطعة السلطة الحالية، والوقوف ضدها، وذلك بحجة أنها منغلقة على نفسها، وتعمل على تشكيل البلد، ليصبح من لونها. وقد يكون في هذا الرأي الكثير من الوجاهة، من خلال بعض التعيينات التي تقوم بها في المناصب. غير أن هذا المنطق لا يصمد إذا تم قياس الموقف من زاوية مصلحة البلد. وهنا تبرز نقطتان مهمتان. الأولى هي أن سوريا اليوم منهكة، وكل مساعدة تصب لمصلحة تمكينها، لتسترد عافيتها، وكل ضعف سوف ينعكس على مستقبل البلد. والثانية هي، إن الإمكانية متوافرة للمشاركة في البناء من خارج السلطة، هناك مساحات للتعبير، مفتوحة أمام السياسة والثقافة والإعلام.
المدن
——————————
سوريا بين غياب المؤسسين وحصار الكاريزما: فشل بناء الدولة؟/ مها غزال
الإثنين 2025/03/24
لم تكن الكارثة السورية محض نتيجة لحكم مستبد أو ثورة ناقصة، بل كانت انعكاساً عميقاً لغياب النخب السياسية والفكرية القادرة على حمل مشروع وطني جامع. بين سلطة ترى الوطن مزرعة خاصة، ومعارضة تائهة بين الولاءات والمصالح، تاهت سوريا في البحث عن “القائد الضرورة” الذي ينقذها، فيما ظل الوطن بأسره بلا من يؤسسه فعلاً.
تفريغ المفاهيم
تم تفريغ المفاهيم السياسية من جوهرها عمداً أو جهلاً. روّج النظام، وشاركه في ذلك جزء من المعارضة، لفكرة أن الديمقراطية هي صندوق انتخابي فحسب. وكأن الصراع على سوريا هو معركة إسقاط فرد واستبداله بآخر، لا معركة إعادة بناء الدولة من أساسها. تحوّلت الانتخابات إلى غاية، لا وسيلة. وغابت الأسئلة الكبرى: كيف نكتب عقداً اجتماعياً جديداً؟ كيف نحمي حقوق المواطنين على اختلاف قومياتهم وأديانهم وانتماءاتهم السياسية؟ كيف نبني دولة القانون لا دولة العائلة أو الطائفة أو الحزب؟
في هذا الفراغ، أعيد إنتاج مفهوم “القائد المنقذ”. شخصيات تم تصديرها كبدائل محتملة، لا لامتلاكها مشروع دولة، بل لأن آلة الإعلام العربي والغربي وجدت فيهم فرصة لملء الفراغ وتفادي الفوضى. هكذا بقيت سوريا تدور في فلك البحث عن “الرجل المناسب”، بينما كانت بحاجة إلى رجال دولة ونخب تؤسس، لا تُدير الأزمة فقط.
في كل تجربة انتقال ديمقراطي ناجحة، كان وجود “آباء مؤسسين” شرطاً للعبور من القمع إلى الدولة الحديثة. نخب تعرف جغرافيا بلادها وتاريخها، تفهم التحولات الديمغرافية والاقتصادية، وتملك الشجاعة لصياغة دستور جديد، لا إعادة تدوير الاستبداد.
لكن سوريا، على مدار عقد كامل، افتقرت إلى هذه النخبة. فلا أحد امتلك الجرأة على فتح ملفات التهجير والتغيير الديمغرافي. ولا أحد طرح السؤال عن الثروة والموارد ومن يملك الحق في إدارتها. ولم يظهر من يستطيع تجاوز هواجس الطائفة والعشيرة والولاءات الخارجية.
اللحظة التأسيسية الحاسمة
على الضفة الأخرى من العالم، نجحت دول كانت غارقة في الدم والفوضى، لأنها امتلكت تلك اللحظة التأسيسية الحاسمة مثل: الولايات المتحدة التي خرجت من حرب أهلية طاحنة، لكنها أنجبت نخباً سياسية كتبت دستوراً صمد قروناً. حيث تمّت إدارة التعدد والاختلاف عبر القانون والعقد الاجتماعي لا عبر الغلبة والقتل.
أما جنوب إفريقيا فقد اختارت طريق المصالحة والعدالة بدل الثأر والانتقام. وكتب نيلسون مانديلا ورفاقه دستوراً جديداً يضمن الحقوق للجميع، ويحفظ توازن مجتمع شديد التعقيد.
كما صاغت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية دستور “بون” الذي وضع الإنسان وكرامته في قلب المشروع الوطني. والأهم أن الجمهورية الجديدة لم تُبنَ على إنكار الماضي، بل على الاعتراف بالجرائم والتعهد بعدم تكرارها.
حتى تشيلي، بعد دكتاتورية بينوشيه، واجهت ماضيها بتأسيس “لجنة الحقيقة والمصالحة”، ووضعت ذاكرة الضحايا في قلب الدولة، لتمنع تكرار المأساة.
فخّ الفشل
لكن في المقابل، ثمة دول سقطت في فخ الفشل لأنها افتقرت لتلك النخبة القادرة على التأسيس:
العراق بعد 2003، نموذج صارخ على أن إسقاط الطاغية لا يعني بالضرورة بناء الدولة. غابت النخب الوطنية، وحلّ مكانها نظام محاصصة طائفي وعرقي عمّق الشرخ المجتمعي، وأعاد البلاد إلى حروب أهلية وصراعات مستمرة حتى اليوم.
ليبيا بعد القذافي، تحولت إلى ساحة مفتوحة للصراع بين أمراء الحرب والمليشيات، لأن لحظة التأسيس ضاعت في اقتتال على السلطة لا على شكل الدولة، فغرقت البلاد في فوضى السلاح والخراب.
حتى تونس التي حاولت، ولو بشكل متعثر، أن تكتب دستوراً جديداً بعد الثورة، سرعان ما ارتدت إلى مربعات الاستبداد. مقاومة الدولة العميقة، وعودة الشعبوية، وانقلاب المشهد السياسي، كلها عوامل جعلت التجربة التونسية تتعثر، رغم أنها كانت الأقرب لمحاولة إنتاج نخب تؤسس لدولة القانون.
إن ما جمع كل التجارب الناجحة هو إدراكها لحقيقة بسيطة: لا يمكن بناء دولة جديدة من دون مواجهة الماضي. والعدالة الانتقالية ليست ترفاً، بل ضرورة أخلاقية وسياسية. وهي التي تمنع تكرار المجازر وتضمن للضحايا مكاناً في ذاكرة الوطن، وتفتح الباب لمصالحة حقيقية.
مع الأسف، في سوريا، تم تجاهل هذا الملف حتى الآن. ولم تجرؤ القيادة الجديدة على طرح خطة واضحة للعدالة والمحاسبة. هكذا تُرك السوريون أسرى لذاكرة مثقلة بالدم، لا أفق فيها سوى الانتقام.
العالم بأسره اليوم غارق في موجة شعبوية جارفة، لكن سوريا لا تملك ترف الانجراف أكثر. إنها بحاجة إلى نخب حقيقية، تكتب دستوراً لكل السوريين، وتبني مشروع وطن لا مجرد سلطة جديدة.
زعامات اللحظة
استمرار صناعة “زعامات اللحظة” وتسويق شخصيات بلا مشروع وطني، لن يقود إلا إلى جولة جديدة من الدم، ودولة مفخخة بالكراهية والحقد. وحدها النخب المؤسِّسة، العارفة بتفاصيل سوريا وتعقيداتها، قادرة على كتابة العقد الاجتماعي الجديد، وإطلاق مرحلة انتقالية تنتهي إلى انتخابات حرة تعبّر عن الجميع لا عن لحظة انتصار فريق على آخر.
في النهاية، لا تبنى الأوطان على ركام الكراهية ولا تُصاغ الدول في غرف الصفقات أو شاشات الإعلام. ما تحتاجه سوريا اليوم ليس قائدًا جديدًا ولا انتخابات شكلية، بل نخبة تمتلك شجاعة التأسيس، لا إدارة الخراب. نخبة قادرة على مواجهة الماضي بدل دفنه، وكتابة عقد اجتماعي يعيد تعريف الوطن والمواطنة والعدالة.
من دون ذلك، ستبقى سوريا تدور في حلقة مغلقة من الدم، حيث الضحايا والجلادون يتناوبون الأدوار، وحيث تتحول كل محاولة للخلاص إلى مدخل لمجزرة جديدة. وحده مشروع التأسيس- لا مشروع السلطة- يمكن أن يُعيد لهذه البلاد روحها، ويمنح أهلها فرصة أخيرة للخروج من هذا الجحيم.
المدن
——————————-
نظام “بي. أو. تي” حلاً مناسباً لسورية/ عدنان عبد الرزاق
24 مارس 2025
ليس أسهل من رمي مليارات الدولارات حينما تتكلم عن سورية، ولعل الفارق الهائل بين التقديرات، المحلية والإقليمية والدولية، يثير الشك وحتى الريبة، فبعد أن اعتاد المتابعون على قراءة وسماع 400 مليار دولار، بصفتها خسائر للاقتصاد السوري خلال فترة الثورة، خرجت العام الماضي تقديرات تقول عن 600 مليار دولار، لتتبعها العام الجاري أخرى، تتحدث عن 800 مليار دولار.
والحال ينسحب على تكلفة إعادة الإعمار وخسائر الناتج الإجمالي والنفط وبقية القطاعات، وكأن الأمر، لمن يتفكر به “بازار” يطرحه كل طرف بحسب ما يلبي أهدافه، فأن يخرج الكلام عن جهة محلية في مصلحتها تهويل الجرائم والخراب وجذب الاستعطاف والتمويل، يختلف عنه فيما لو صدر عن روسيا التي شاركت بالهدم والخسائر، وسيختلف، بطبيعة الحال، عن تقديرات أممية تتطلع للقروض أو مؤتمرات إعادة الإعمار.
ولعلّ كل ما قيل، على الأرجح، لم ينطلق من دراسة الواقع أو المقارنة بين ما كان وما هو كائن مع إضافة فوات المنفعة، خلال سني الثورة، لذا، قد تكون تلك الأرقام، من منطق اقتصادي وتفكير علمي، مجرد تقديرات غائية أو يشوبها الاندفاع وتكتنفها المبالغة.
ولكن، وأياً كانت مبالغ الخسائر وتقديرات إعادة الإعمار، فهي بالمحصلة هائلة وأكبر من قدرة سورية على تحملها، فما فعله نظام الأسد وحلفاؤه، بطهران وموسكو، من تدمير بنى وتهجير رساميل وقتل كفاءات، سيضع سورية بموقع الدولة المتخلفة والفقيرة لعقود، إلا إن حدثت معجزات اقتصادية ولاقى الملف السوري اهتماماً، إقليمياً ودولياً، فدعوا لمؤتمرات إعادة إعمار وقدموا المنح والقروض الميسرة، وسخروا إمكانات تطورهم لما يمكن أن يعيد سورية إلى موقع الدولة المنتجة والمكتفية.
وهذه الحاتمية، قلما حدثت من قبل مع دول خرجت من حروب، ولن تحدث مع سورية على الأرجح، إلا بحال تكبيلها بقروض تبقيها تدور في فلك ضغط الفوائد وتئن تحت وطأة إملاءات القروض، الاقتصادية وحتى السياسية.
قصارى القول: ربما ما من حل اقتصادي، يناسب، إن لم نقل الأنسب، لحالة كما السورية اليوم، والتي تعاني الخراب وشبه انعدام الموارد وإلحاح تحسين الواقع المعيشي والخدمي للسوريين والواقع الأمني والاستثماري للرساميل السورية والخارجية، أكثر من نظام “بي. أو. تي” B.O.T، الذي يعتبر من الوسائل المناسبة لتمويل مشاريع البنية الأساسية بدون المساس بموازنة الدولة. هذا النظام ليس اختراعاً أو ابتكاراً، بل هو متداول في كثير من الدول التي تحتاج مشروعات بنى تحتية ضرورية، للطاقة والنقل والإنتاج، لكن مواردها لا تسمح لها، وتتحفظ على مد اليد للمؤسسات الدولية لما لتلك القروض، من تكبيل وشروط وإملاءات.
ويمكن اختصار مبدأ “بي. أو. تي” بأنه نظام أو شكل استثماري يمنح للقاع الخاص المحلي أو الأجنبي، مشروعات كبيرة بالعادة، على مبدأ، البناء والتشغيل والاستثمار، من ثم إعادة الاستثمار للدولة، بعد فترة زمنية تضمن للمستثمر استعادة تكاليف الاستثمار وتحقيق الأرباح.
ولكن، أول الأسئلة ربما، قبل البحث بآثار هكذا استثمارات هو، ما هي الميزات والمغريات للرساميل، لتستثمر في سورية، والتي لم تحقق الاستقرار بعد ويحمل مناخها العديد من المخاطر؟ ربما الإجابة هنا أن عديداً من المشروعات مضمونة الربح، ويمكن أن تغري الرساميل للدخول بهذا النظام، فإن تكلمنا عن المطارات والمرافئ والطرق السريعة أو مشاريع توليد الطاقة أو إعادة تأهيل مواقع النفط والغاز، أو مشروعات صحية كبرى كمثل المدن الطبية، ومشروعات تعليمية أو حتى إنتاجية ضخمة لصناعات يحتاجها الواقع السوري.
كما يمكن أن تتساهل هيئة الاستثمار السورية بالشروط، سواء ما يتعلق بفترة استعادة المشروع للدولة أو التسهيلات والإعفاءات، مقابل آلية تمويلية لإنشاء البنى الأساسية والمشرعات الضرورية، بعيداً عن موارد الدولة وعن المخاطر التي قد تلحق بالاستثمارات بفترات التحوّل وبعد الحروب. وتستفيد بالآن نفسه، من تخديم المشروعات والخبرات الفنية ونقل التكنولوجيا وتأهيل العمالة.
وفي طرف المعادلة الآخر، هناك مخاطر وسلبيات لا شك، كمثل مبالغة المستثمرين بتكاليف البناء والتشغيل ليضمنوا أطول فترة حتى يسلموا المشروع للدولة، والأخطر إن لم يتم قبول المستثمرين تسليم المشروع وفق أحدث التطورات، لأن تسليم خطوط الإنتاج أو حتى البنى التحتية من دون ترميم وإصلاح وإعادة تأهيل، سيكون المشروع في هذه الحالة عالة بدل أن يكون متمماً للبنية الاقتصادية العامة، فضلاً عن سلبيات أخرى تتعلق بتلوّث البيئة وعدم الالتزام بحقوق العمال.
لكن كل تلك الأمور تخضع للتفاوض وشروط الدولة التي تطرح مشروعات للاستثمار وفق هذا النمط، تحقق لها بناء مشروعات ضرورية من دون أن تتكبد التكاليف، وتزيد من الثقة بالمناخ الاستثماري، مقابل حرية ومغريات وأرباح مضمونة للمستثمرين.
نهاية القول: يروَى عن الرئيس الإماراتي الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أن بعض رجال الأعمال الإماراتيين احتجوا على الإعفاءات والتسهيلات التي تمنح للمستثمرين الأجانب خلال نهضة الإمارات وتقوية اقتصادها، في حين لم ينالوا هم أبناء الوطن مثلها، فرد بمقولة يمكن وصفها بحكمة اقتصادية “حينما ترون مستثمراً يحمل مشروعه بحقيبته، أنزلوه من الطائرة”. بمعنى، تلك الاستثمارات ستبقى على أرض الإمارات وتشغل أيدي عاملة وتستثمر المواد الأولية وتصدر باسم الإمارات، فماذا تريدون أكثر؟
وما يمكن قراءته من هذه المقولة المنسوبة للشيخ زايد، والتي تناسب سورية بشكل كبير هذه الفترة، أن مشروعات الـ”بي. أو. تي” العائدة لرجال أعمال وربما لممثلي دول، ستزيد من حماية سورية من التدخلات الخارجية وتقيها من تعدٍّ وحروب، لطالما مصالح المستثمرين والدول متعلقة باستقرارها.
وربما من هذه الفلسفة، أهم أسباب بقاء الإمارات بعيدة عن الحروب، بعد أن استقطبت كبرى الشركات والوكالات العالمية وربطت باستقرارها مصالح الآخرين… طبعاً إلى أسباب أخرى وأدوار جديدة، خاصة بعد وفاة الشيخ زايد.
العربي الجديد
—————————
“تماسك”.. تحالف سياسي سوري يضم تيارات من مشارب مختلفة/ محمد أمين
23 مارس 2025
أعلنت مجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية السورية ذات المشارب المتعددة عن تحالف سياسي عريض حمل اسم “تحالف المواطنة السورية المتساوية”، (تماسك)، لا يصنف نفسه ضمن خانة “المعارضة”، أو “الموالاة” للإدارة الجديدة في البلاد، ويؤكد أنه خطوة باتجاه “ترسيخ القوى الوطنية في بناء المجتمع”.
وبلغ عدد الأحزاب والقوى المنضوية في هذا التحالف الذي أعلن عنه السبت في العاصمة السورية دمشق، 35 كياناً سياسياً وتجمعاً مدنياً، قالت في البيان التأسيسي إنها تسعى الى “ترسيخ دور القوى الوطنية في بناء المجتمع، وتقديم مبادرة واضحة نحو سورية مدنية ديمقراطية”. ويعتبر هذا التحالف الذي ضم تيارات سياسية مختلفة المشارب هو الأول من نوعه في البلاد منذ سقوط نظام الأسد المخلوع؛ الذي قيّد الحياة السياسية في سورية على مدى أكثر من نصف قرن. ودعت القوى المنضوية في التحالف إلى “تصليب وحدة سورية أرضاً وشعباً في ظل دولة واحدة وجيش وطني واحد ينحصر فيه حمل السلاح وتنحصر مهامه في الدفاع عن البلاد ويكون حيادياً تجاه الحياة السياسية في البلاد”. كما دعت إلى “الحفاظ على السلم الأهلي”، و”إنقاذ الغالبية الساحقة من السوريين من الفقر المدقع”. كما دعا التحالف إلى “استعادة الأراضي السورية المحتلة وفي مقدمتها الجولان المحتل”، و”حل القضية الكردية حلاً ديمقراطياً عادلاً”، وفق البيان. وبحسب القوى المتحالفة فإن “تنفيذ تلك المهام، يتطلب حواراً مسؤولاً متواصلاً بين أوسع طيف من القوى السياسية والاجتماعية السورية؛ بما في ذلك السلطة الحالية وتعبيراتها السياسية”، محمّلة هذه السلطة مسؤولية “مشاركة الوطنيين السوريين في عمليات التحضير للمؤتمر الوطني العام وللمرحلة الانتقالية ككل”. وطالبت بكتابة دستور جديد يحقق “صيغة متطورة للعلاقة بين اللامركزية التي تضمن ممارسة الشعب لسلطته المباشرة في المناطق وتحقق الاكتفاء الذاتي والتوزيع العادل للثروات والتنمية في عموم البلاد، والمركزية في الشؤون الأساسية (الخارجية، الدفاع، الاقتصاد)”.
ومن القوى والمنظمات الموقعة على البيان التأسيسي للتحالف: جبهة التغيير والتحرير، ومجلس سوريا الديمقراطية (الواجهة السياسية لقوات سورية الديمقراطية)، والتيار الثالث لأجل سوريا، وحزب الإرادة الشعبية، وحركة التجديد الوطني، تيار مواطنة، وحزب البعث الديمقراطي، وحزب العمل الشيوعي، وسواها من القوى. وكان الإعلان الدستوري الناظم للمرحلة الانتقالية في سورية والذي أُعلن عنه في الثالث عشر من الشهر الجاري، نص في إحدى مواده على أن “تصون الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقاً لقانون جديد”.
وبحسب مهند دليقان وهو أمين حزب الإرادة الشعبية، أحد الأحزاب المنضوية ضمن “تماسك”، فإن “ميزة هذا التحالف الأساسية، أنه يضم اليساري والقومي والإسلامي جنباً إلى جنب ضمن توافق وطني عامٍ على المهام الوطنية الأكثر إلحاحاً”. وأعرب دليقان عن اعتقاده في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المرحلة التي تعيشها البلاد تحتاج إلى هذا النمط من العمل الذي يضع جانباً بشكلٍ مؤقت الاختلافات الأيديولوجية لمصلحة المهام الوطنية العليا”. وبرأيه على رأس هذه المهام “تصليب وحدة البلاد والسلم الأهلي وحصر السلاح وإنقاذ الغالبية الساحقة من السوريين من الوضع المعيشي الكارثي الذي تعيشه”. وأكد أن التحالف “يسعى إلى إحداث فارق في المشهد العام، عبر محاولة تقديم نموذج للعمل التوافقي انطلاقاً من الأولويات الكبرى الجامعة”.
وأشار المتحدث إلى أن التحالف “لا يصنّف نفسه على أنه معارض أو موال”، مضيفاً: “نعتقد أن هذه التوصيفات والتقسيمات لا تتناسب مع خطورة المرحلة التي تعيشها البلاد”. ورأى ان الدول في الأزمات “تتجه نحو مؤتمر وطني عام، ونحو حكومة وحدة وطنية، تضم الجميع وتقدم حلولاً وتطمينات لأهل البلاد بمختلف انتماءاتهم وآرائهم السياسية والاجتماعية”. ولفت إلى أنه “في سورية اليوم، نحتاج أيضاً لعمل من هذا النوع، يكرس وحدة البلاد على المستوى الجغرافي وعلى المستوى الشعبي العام”. كما أكد دليقان أن يد التحالف الجديد “ممدودة لجميع القوى في سورية، بمن في ذلك السلطة القائمة، باتجاه الحوار الوطني الحقيقي والجاد والمسؤول”.
تأثير “محدود”
وتعليقاً على إعلان التحالف السياسي الجديد، رأى الباحث السياسي بسام السليمان في حديث مع “العربي الجديد” أنه “لا توجد اليوم أحزاب وتكتلات سياسية قادرة على إحداث فرق وإضافة حقيقية للمشهد السوري”. وتابع: “تأثير الأحزاب في سورية حاليا محدود التأثير، ولكن أي تحرك حزبي ربما يخلق حالة من العمل السياسي بعد جفاف طويل”. واستغرب السليمان دعوة تحالف “تماسك” لنظام لامركزي “بعد حرب داخلية طاحنة وفي ظل ما تعيشه البلاد من أزمات وتحديات”، مضيفاً: “أعتقد أن هذا مؤشر على أن أغلب المشاركين في التحالف المذكور لم يقرأوا شيئاً عن الاجتماع السياسي وليس لديهم دراية بتجارب دول مرت بما مرت به سورية”.
العربي الجديد
—————————
رياح الشام/ مصطفى الفقي
لقد حان الوقت الذي يجب أن ترتفع فيه أيدي طهران وأنقرة عن الشعب السوري وأرضه وسياساته
الاثنين 24 مارس
لقد آن لسوريا أن تلعب دوراً قومياً متوازناً بالتعاون مع السعودية ومصر، بل والعراق وغيرها من الأشقاء العرب أيضاً، لحماية التجربة الجديدة في دمشق وإعلان الترحيب الكامل بعودة القطر السوري لأمته، فتلك خطوة إيجابية نهتم بها ونسعى إليها ونبني عليها كثيراً، والعود أحمد.
يستأثر الشام الكبير أو تعبير “سوريا الكبرى” باهتمام خاص في الدراسات الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، فإذا كانت العروبة قد وفدت إلى المنطقة من الجزيرة العربية فإن الامتداد الجغرافي والتاريخي لها يعود بالدرجة الأولى للدولة الإسلامية، إذ إن بني أمية قادمون من الجزيرة والساحل، أي تلك المرتبطة بجغرافيا ذلك الإقليم الذي يختزن في أعماقه أبعاداً تاريخية خاصة، ويعكس في الوقت ذاته رؤى حضارية كامنة تطفو على السطح فناً وأدباً وثقافة، إضافة إلى أنها تقع في معظمها في إقليم البحر المتوسط بما يحمله ذلك من دلالات وما يعبر عنه من مظاهر، ولذلك فإنها تلعب دوراً مؤثراً في ثقافة المنطقة بآدابها وفنونها، فالقدود الحلبية لا تبتعد كثيراً من الموشحات الموصلية، والمناخ الثقافي السائد يعطي انطباعاً بوحدة المجتمع وتجانس أطرافه، بل إن التأثيرات الشامية ثقافياً وفكرياً تخرج عن هذا النطاق لكي تكون عاملاً مؤثراً في ثقافة شعوب كبيرة مجاورة مثل مصر، فالنهضة الفكرية والوثبة الثقافية التي عرفتها الكنانة ترتبط بقدوم العنصر الشامي إلى مصر، ليصبح الأدب والفن والموسيقى والغناء والشعر كلها مرادفات لآثار قادمة من الشام الكبير، خصوصاً قطريها الكبيرين سوريا ولبنان.
ولقد انعكس ذلك بالضرورة على الحركة الفكرية والتيارات القومية في المنطقة عموماً، فشهدنا تنامياً لروح العروبة وبرزت أسماء كبيرة تأثرت بالامتزاج بين المناخين الشامي والمصري، ولعلنا نذكّر الجميع بنموذج شاعر القطرين خليل مطران، بل إن مؤسسي القلاع الثقافية والإعلامية الكبرى في مصر إنما هم أولئك الذين وفدوا من الشام إليها، استثماراً لمناخها السياسي ومساحة الحرية المتاحة فيها بعيداً من سطوة الحكم العثماني، فوفد إلى القاهرة عبدالرحمن الكواكبي وجيله ممن يرفضون الاستبداد ويحاربون الفساد وينتقدون الحكم التركي الذي جثم على صدر المنطقة لقرون عدة، بل إنني أضيف إلى ذلك أن مسيحيي الشام يتصدرون قائمة البنائين الرواد للثقافة العربية في مصر، فآل تقلا مؤسسو الأهرام شوام، ومؤسس دار الهلال جرجي زيدان من الشوام أيضاً، كما أن السيدة روزا اليوسف قد وفدت إلى مصر من المشرق العربي، وقس على ذلك عشرات المؤسسات والأسماء التي تجعل الشام درة العقد وأيقونة الفكر والثقافة، فكثيرون لا يعرفون أن نجيب الريحاني عراقي الأب قبطي الأم، ولذلك فإن العلاقة بين مصر والشام كانت ولا تزال علاقة تكاملية ينتمي فيها الطرفان إلى تأثيرات الجزيرة العربية، مهبط الوحي ومبعث الرسالة التي جاءت إلى المنطقة كلها بروح الإسلام التي انصهرت مع الثقافات القديمة في المنطقة، لتصنع بوتقة مؤثرة في حياتنا جميعاً حتى اليوم.
إنني أقول هذه الكلمات إيماناً مني بأن الشام الكبير كان وسيظل كياناً مؤثراً لا في الجوانب الفكرية والثقافية وحسب، ولكن أيضاً في الإرهاصات السياسية، فالحركة القومية شامية النشأة، كما أن العروبة سورية المولد، ولذلك يصبح من الطبيعي أن ينظر العرب في هذه المرحلة إلى سوريا التي تستعيد عافيتها وتسترد وضعها بعد غياب قارب نصف قرن كامل، افتقدتها فيه المحافل السياسية والدوائر الدبلوماسية، إذ غابت دمشق عن الحضن العربي والتيار القومي لعقود عدة ، وها هي تعود لحضن أمتها بترقب عربي كامل واهتمام إقليمي ودولي واسع، بخاصة أن الأراضي السورية كانت تحولت إلى مرتع لبعض التنظيمات ذات الطابع الإرهابي، وسقطت أجزاء منها في مستنقع التنظيمات المتطرفة والجماعات التي تدعي الإسلام السياسي من دون أن تقتني سماحة ذلك الدين الحنيف وفلسفته الجامعة لأبناء الملل والنحل من دون تفرقة أو تمييز، ولذلك فإنني أطرح في هذه الظروف التي يواجه فيها القطر السوري رياحاً عاتية من اتجاهات مختلفة، وأطماعاً عدة من دول الجوار تارة ومن القوى الدولية تارة أخرى بعض الأفكار لكي تبقى سوريا لؤلؤة متألقة في بر الشام، على رغم الجراح التي سببتها الأحداث الدامية الأخيرة والتي تؤكد دائماً أن سوريا، شأن الدول العربية الأخرى، هي مطمع للجيران ومصدر إغراء لكل من يريد أن ينال من الكيان العربي الكبير، بإجهاض دورها الجديد من بدايته والتأثير في حضورها القومي الذي غاب طويلاً ثم عاد أخيراً ليجد لنفسه مكاناً على الخريطة القومية، ولتصبح أرضه من جديد هدفاً للطامعين من مخططي السياسة الإسرائيلية الذين فتحت أحداث سوريا الأخيرة شهيتهم تجاه ذلك البلد العربي المهم تاريخياً وجغرافياً، بل إنني أذكر الجميع بأن حال الترقب التي يتابع فيها كثيرون تطورات الوضع السوري، هي في حد ذاتها تعبير كبير عن أهمية ذلك البلد العربي المحوري مع رغبة شديدة في خلاصه من تأثير الميليشيات المتطرفة والجماعات الشاردة التي تحاول أن تجد لنفسها مكاناً في هذه الظروف الاستثنائية التي تشهد فيها دمشق تحولات كبيرة، وتتعرض أيضاً لأعاصير شديدة بعضها طائفي وبعضها الآخر نتاج طبيعي للصراع التاريخي الطويل في الشرق الأوسط حول القضية الفلسطينية، والتي تتحمل فيها سوريا عبئاً كبيراً نجم عن تركة ثقيلة خلال العقود الأخيرة لنظام مستبد وحكم شديد الوطأة على الشعب السوري الذي قاسى كثيراً، وتحولت أعداد كبيرة منه إلى لاجئين ونازحين، وقد بدأت حالياً أعداد كبيرة منهم تعود لديارها بعد رحلة عذاب طويلة في الصحاري والبحار طلباً للنجاة وتعلقاً بالحياة، ولعلنا نطرح الآن ملاحظات ثلاث نرى أنها ذات تأثير محوري في مستقبل ذلك القطر العربي الشقيق:
أولاً نلاحظ بوضوح انقطاع العلاقة بين النظام السوري الجديد والماضي المرتبط ببعض قياداته فكرياً وسياسياً، فلكل مرحلة أساليبها ولكل أوان أذان، والتحول الفكري والسياسي أمر معترف به في تاريخ الأمم والشعوب، ولكن صدق العزيمة ووضوح الرؤية من لوازم ذلك التغيير ونتائجه، كما أن سوريا عانت استئثار طائفة واحدة بمقدرات ذلك الشعب العريق لنصف قرن كامل من الزمان، سبقته مرحلة انقلابات عسكرية وتحولات سياسية دفع ثمنها الشعب السوري في كل وقت، فذلك الشعب لا يمكن أن تعود له الطائفية من النافذة بعد أن طردها الشعب من الباب، فالسوريون سواء من دون تفرقة أو تمييز ومن دون مجاملة لطائفة على حساب غيرها، بل إننا نتطلع إلى يوم يتخلص فيه العرب جميعاً والمسلمون أيضاً من النزعات الطائفية التي تعوق المسيرة وتحول دون الرقي والتقدم في كل الأحيان.
ثانياً إن العلاقات بين سوريا وكل من إيران وتركيا شديدة الحساسية وبالغة التعقيد، تتحكم فيها رواسب الماضي القريب وآثار المراحل السابقة في تاريخنا العربي، خصوصاً مع دول الجوار، ولقد حان الوقت الذي يجب أن ترتفع فيه أيدي طهران وأنقرة عن الشعب السوري وأرضه وسياساته، فهو يدخل اليوم مرحلة البناء وينهي المرحلة القاتمة من تاريخ الصراعات على أرضه والعدوان على شعبه، بل إنني أنتمي إلى الدولة المصرية التي تطالب دائماً بالتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لأن ذلك ميراث لمرحلة ولّت وفترة تاريخية انتهت ولا أظنها ستعود.
ثالثاً لا شك في أن الدور العربي تجاه مساندة الأشقاء في سوريا حيوي وحاسم ويجب أن يمضي في طريق واحد وهو طريق ما يحدث حالياً، رافضين كل ما يدور من مخططات واضحة وأساليب ملتوية تسعى إلى تحجيم الدور العربي وتقزيم التيار القومي وصبغ المنطقة بحال من السيولة التي نجمت عن الصراع العربي – الإسرائيلي، وما جرى ويجري للشعب الفلسطيني الأعزل في غزة وخارجها من قتل ودمار خلال العامين الأخيرين تحديداً، فلقد آن لسوريا أن تلعب دوراً قومياً متوازناً بالتعاون مع السعودية ومصر، بل والعراق وغيرها من الأشقاء العرب أيضاً، لحماية التجربة الجديدة في دمشق وإعلان الترحيب الكامل بعودة القطر السوري لأمته، فتلك خطوة إيجابية نهتم بها ونسعى إليها ونبني عليها كثيراً، والعود أحمد.
———————————
“تلازم المسارين”… عن سوريا وتركيا هذه المرّة/ عريب الرنتاوي
تحديث 24 أذار 2025
لن تدير تركيا ظهرها لسوريا بالطبع، فهذا ترف لا تمتلكه السلطة ولا المعارضة في أنقرة، لكنّ قواعد اللعبة بين البلدين، ستتغيّر مع أيّ تغيير سيطرأ على بنية الحكم والسلطة في أنقرة.
لعلّ السؤال الأبرز الذي واجهني به كثيرون، بعد اندلاع الاحتجاجات في إسطنبول وغيرها من الحواضر التركية، على خلفيّة ما بات يعرف بـ”قضية أكرم إمام أوغلو”، هو كيف ستنعكس الأحداث التركية على المشهد السوري بملفاته المختلفة… قلّة فقط، اهتمّت بسؤال المظلوم والظالم، وندرة تساءلت حول مستقبل الديمقراطية الناشئة في تركيا، في ضوء المعطيات المتناقضة التي لابست القضية.
هو أمرٌ طبيعي من وجهة نظري، فسوريا بعد الثامن من كانون الأول/ديسمبر، مركز جذب رئيساً لاهتمام دول المنطقة وشعوبها وقواها السياسية والاجتماعية، ينافس الأحداث الكارثية المتلاحقة على ساحتي غزة ولبنان… وسوريا في ظلّ إدارة الشرع الانتقالية، تثير انقساماً بين تيارات الفكر والسياسة، تماماً مثلما ظلّت تفعل منذ دخولها في أزمة ممتدة منذ أربعة عشر عاماً، حملت للبعض عنوان “الثورة”، وللبعض الآخر عنوان “المؤامرة”، ولقلّة من المراقبين، حملت العنوانين معاً.
وهو ردّ فعل طبيعي كذلك، في ضوء النفوذ المتزايد لأنقرة في مختلف الملفات السورية، بعد التغيير الذي أطاح بحكم أسرة ممتدّ لأكثر من نصف قرن، لكأنّ لسان حال جمهرة السائلين والمتسائلين، يقول: إن أردت أن تعرف ما يجري في دمشق، فعليك أن تعرف ما يدور في ساحات إسطنبول ومحاكمها، وخلف كواليس مؤسسات صنع القرار في الدولة والمجتمع هناك.
هو الانقسام ذاته، وإن كان معكوساً، تستحدثه سوريا، بين إسلاميّي المنطقة على اختلاف مدارسهم، وعلمانيّيها من يساريّين وقوميّين وليبراليّين… من قبل كانت جمهرة العلمانيين، تؤيّد النظام وتنطق بلغة “المؤامرة”، وتعلي من شأن المقاومة والممانعة، على حساب مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى وهي تدّعي الالتزام بها واستلهامها… أما جمهرة الإسلامّيين، فقد غادروا مبكراً مربّع الإشادة بـ”سوريا الأسد”، ما إن اندلعت شرارات “الثورة” وتبدّى للقوم، أنّ نظرائهم من إسلاميّي سوريا والشتات، إنما يتموضعون في موقع القلب، والقيادة، منها… اليوم، يقف الإسلاميون إلى جانب النظام الجديد، ويقف مجادلوهم من العلمانيّين في المنقلب الآخر من المعادلة السورية.
مبعث الأسئلة والتساؤلات، ينبع من القلق على مستقبل النظام الحاكم في تركيا، إن لم يكن على المدى الفوري والمباشر، فعلى مدى السنوات الثلاث الفاصلة حتى موعد الاستحقاق الرئاسيّ… خشي المتسائلون أو تمنّوا، أن تنتهي مسألة أكرم أوغلو بتغيير النظام، وهو استنتاج متسرّع في أحسن تقدير، ومتطيّر أو رغائبي في أسوئه.
لكن، وبصرف النظر عمّا إذا كانوا متعجّلين في تطيّرهم أو في البوح عن مكنونات رغائبهم، فإنّ أسئلتهم وتساؤلاتهم، تستثير العقل والمخيال، وتغري على رسم سيناريوهات والإدلاء بتقديرات وتوقّعات، فيما لو حصل ما ليس في الحسبان، وغادر “العدالة والتنمية” مقاعد الحكم في الموعد المقرّر، أو قبل ذلك بتبكير الانتخابات، وإليكم بعضاً مما دار في خلدنا.
سيناريو متخيّل
يشترك الطيف السياسي التركي، في الحكم والمعارضة، بموقف يكاد يكون موحّداً من “المسألة الكردية”، التي اندلعت وتفاقمت كما هو معلوم تاريخياً، زمن الحكومات العلمانية والعسكرية في تركيا الحديثة، وكان لحزب الشعب الجمهوري وحلفائه وبيئته الحاضنة، دور في إذكائها وتغذيتها، كانوا جزءاً من المشكلة، ولم يكونوا جزءاً من الحلّ، وليس ثمة ما يدعو للاعتقاد بأنّ “المسألة الكردية” في سوريا، سوف تكون في حال أفضل، إن تبدّل الحكم وتغيّرت قواعد اللعبة الداخلية في تركيا.
لكنّ شيئاً جوهرياً سيطرأ مع ذلك، ستكون له انعكاساته على سوريا بعامّة، وكردها بصفة خاصة … تركيا تحت حكم العلمانيّين والمعارضة، لن تكون سنداً لما يسمّى “جيش سوريا الوطني” والفصائل المحسوبة على الإسلام السياسي، الجهادي بخاصة، وهذا بحدّ ذاته، سيقلب المعادلات والموازين الداخلية، رأساً على عقب.
تركيا المتحرّرة من إرث “العثمانية الجديدة”، ستكون أبعد عن دمشق في ظلّ نظامها الجديد، وعلمانيو تركيا كانوا أقرب لنظام الأسد الابن، من أيّ فريق تركي آخر، تدفعهم إلى ذلك نظرتهم لتركيا في محيطها الجيوسياسي والجيو-استراتيجي، من دون تقليل أو تهوين أثر العامل “الهويّاتي” في تشكيل سياسة المعارضة التركية، وهو العامل الذي أشار إليه رجب طيب إردوغان في معرض نقده للحزب الجمهوري، وغمزه ولمزه من البعد المذهبي – العلوي – في تقرير مواقفه وتوجيه سياساته.
لن يكون هناك نموذج تركيّ لـ”الإسلام السياسي”، تستحضره القيادة السورية الجديدة، أو تستلهم بعضاً من فصوله، بعد سنوات طوال من عمليات “إعادة التأهيل” التي تعرّضت لها زمن الإمارة في إدلب، ولن تكون هناك رعاية تركية لهذا النظام، تصل حدّ التفكير والتخطيط لشراكة استراتيجية ـــ طويل الأمد، مدعّمة بمروحة واسعة من المعاهدات والاتفاقات، وفي شتى الميادين.
لن تدير تركيا ظهرها لسوريا بالطبع، فهذا ترف لا تمتلكه السلطة ولا المعارضة في أنقرة، سيما بوجود ما يربو عن الـ 900 كم من الحدود، وملايين ثلاثة أو أزيد قليلاً من اللاجئين السوريين على الأرض التركية، إلى جانب جملة المصالح في حقول التجارة والطاقة والترانزيت والأمن والاستقرار التي ترفع كلفة إدارة الظهر لسوريا، لكنّ قواعد اللعبة بين البلدين، ستتغيّر مع أيّ تغيير سيطرأ على بنية الحكم والسلطة في أنقرة.
ستضعف شوكة تيارات وتنتعش تيارات أخرى، بناء على هذا “المتغيّر” إن وقع، وستصاب “الصحوة السنيّة”، ومعها مدراس من الإسلام السياسي السنّي بانتكاسة بعد انتعاش، وستتوفّر للسوريّين، من خارج مدرسة الحكم الجديد، فرصة إعلاء الصوت، والمطالبة بمكان لائق تحت شمس سوريا الجديدة، وسيمتدّ ذلك إلى عواصم عربية أخرى، تشهد سجالات محتدمة بين إسلاميّيها وعلمانيّيها، تفاقمت على وقع احتجاجات الشوارع والميادين، زمن ما كان “ربيعاً عربياً”.
بهذا المعنى، يصبح السؤال التركي، سؤالاً محلّياً بامتياز، في معظم إن لم نقل جميع، الدول العربية… وتصبح معه المخاوف مبرّرة والأماني مفهومة، ويصبح القلق بشأن “مظلوميّة” إمام أوغلو لغواً فائضاً عن الحاجة عند مناصري الإسلام السياسي، وشمّاعة يعلّق عليها علمانيو بلادنا، كلّ آمالهم ورهاناتهم، وأحياناً خيباتهم.
أسئلة “إمام أوغلو” دفعت بالجميع، إسلاميّين وعلمانيّين، للكفّ عن بحث الأثر الذي استحدثته تحوّلات عبد الله أوجلان في سجن إمرالي، وهي تداعيات أرخت بسدولها على المشهدين التركي والسوري على حدّ سواء، وطاولت تأثيراتها، المشهدين العراقي والإيراني كذلك… تحوّلات وتداعيات، صبّت القمح صافياً في طاحونة “العدالة والتنمية”، وستحفر عميقاً في المشهد التركي، حين تتظهّر في مقبل الأيام، ولقد رأينا أولى إرهاصاتها في التقارب بين القامشلي ودمشق.
بالنسبة لكاتب هذه السطور، فإنّ قراءة المشهد التركي، باتت تكتسب أهميتها الأولى، من انعكاساتها على التطوّرات الجارية في فلسطين أولاً، وفي سوريا بالدرجة الثانية… لم تعد قراءة المشهد من منظر “التحوّل الديمقراطي ومعاييره” هي القضية الأَوْلى بالرعاية، في زمنٍ انهارت فيه قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، مع أوّل صاروخ أميركي أسقطته الطائرات الإسرائيلية على رؤوس أطفال غزة ونسائها، وتعرّت خلاله المنظومات القيمية والأخلاقية في “موطنها الأصلي” على حدّ زعم دعاة “المركزية الأوروبية” العابرة للأطلسي… هذا ترف لا نتوفّر عليه في زمن الأبارتيد والإبادة والتطهير العرقي، قبله كان يمكن لنا أن نحمل مبضع الجرّاح، ونشرع في تفكيك الحدث التركي، وفقاً لقواعد ويستمينستر ومبادئ ويلسون والميثاق وجنيف وكوبنهاغن الصارمة.
من هذا المنظور، ومنه فحسب، أحسب أنّ تركيا في ظلال العدالة والتنمية، وبزعامة رجب طيب إردوغان، هي أفضل لفلسطين، وقضيتها ومقاومة شعبها، من قوى علمانيّة في مظهرها، أطلسيّة في جوهرها… صحيح أنّ تركيا تحت إردوغان لم تغادر الأطلسي، بيد أنها كانت الأبعد عن مواقفه في كثير من المواقف والمواقع الخاصة بفلسطين والقضايا العربية… صحيح أنها “ما شالت الزير من البير”، بيد أنّ الصحيح كذلك، أنّ إسطنبول من بين مدن وعواصم قلائل، ما زال الفلسطيني يجد فيها متنفّساً، حتى لا نقول موطئ قدم، في زمن ضاقت فيه الجغرافيا العربية بالفلسطينيّين ومشروعهم ومقاومتهم.
ولست على يقين من أنّ التغيير في تركيا، إن حصل، سيدفع نحو تغيير للأمام في سوريا… لست فرحاً بالشرع ولا بإدارته الجديدة، بيد أنني لست على يقين، من أنّ انفلات المشهد في تركيا، سوف يقود إلى تغيير إيجابي في سوريا، يعزّز وحدتها واستقلالها وسيادتها ويضمن رفاه أبنائها وبناتها… فالفوضى والانقسام والتقسيم، قد تكون حصيلة انفلات القواعد الناظمة لسوريا، إن صحّت نظرية “تلازم المسارين” السوري والتركي، أو صدقت فرضيّة “وحدة الساحات” التي تجمع الطرفين بقوى وفصائل وأحزاب و”قوات رديفة”، تملأ الفضاء والساحات في سوريا والمشرق، ولست هنا لأنتقص من صواب النظرية والفرضية، حتى الآن على الأقل.
أياً يكن من أمر، وبصرف النظر عمّا يجري في تركيا، فهو متروك لأهلها يقرّرون بصدده ما يشاؤون وكيفما يشاؤون، أرى أنّ على سوريا في عهدها الجديد، اشتقاق طريقها الخاص للانتقال نحو شواطئ الأمان، بما يضمن وحدتها وسيادتها واستقلالها، ويدرأ عنها كيد المتربّصين في “تل أبيب”، أصحاب مشاريع التقسيم والفيدراليات وحلف الأقليات، في ظلّ دولة قوية وعادلة، تقف على مسافة واحدة، من أبنائها وبناتها، من كياناتها ومكوّناتها، فليس سوى السوريين من هم أحقّ وأجدر ببناء بلدهم، وليس لغيرهم أن يملي عليهم، نموذجه الخاصّ، فهم أهل علم ومعرفة، ودراية وتصميم، وإبداع وابتكار.
—————————
من يرسم سياسة الإصلاح الإداري في سوريا؟/ أحمد الكناني
24 مارس 2025
مع اقتراب الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية في سوريا، تشير التقديرات إلى أن الإصلاح الإداري سيكون أحد أبرز المشكلات التي ستواجه هذه الحكومة. ويكرر بعض مسؤولي الإدارة الجديدة أنهم وجدوا أنفسهم أمام تحديات فاقت ما كان في حسبانهم: مؤسسات منهارة تمامًا، شركات قطاع عام خاسرة، فائض من العمالة مع انعدام في الفاعلية.
وتعمل الحكومة على ما تسميه “إصلاحات جذرية”، إذ بدأت بتسريح آلاف من العاملين، وإعطاء آلاف غيرهم إجازات مأجورة، دون الكشف عن الأسس المعتمدة لمثل هذه الإجراءات، ما يطرح العديد من التساؤلات حول معايير الإصلاح المعتمدة، والتحديات التي تواجه هذه العملية.
حكومة بلا كفاءات
منذ سنوات طويلة بدأ العمل في قطاع الدولة يأخذ خطًا منحنيًا من حيث تدني دخل العاملين فيه، وانخفاض كفاءتهم الوظيفية، وحدوث هجرات كبيرة للعقول والكفاءات الشبابية، ما أسفر عن انخفاض واضح في الخبرات الأكاديمية التي تدير مؤسسات العمل الحكومي.
تشير الإحصاءات الرسمية في تقرير صادر عن المكتب المركزي للإحصاء لعام 2023 إلى أن أعداد الموظفين في الوزارات الحكومية وكذلك في “مجلس الشعب” بلغت (911955) موظفًا، تزيد فيها نسبة الإناث عن الذكور (440 ألف موظفة من العدد الكلي).
وثقت هذه الإحصاءات كافة الوزارات والمؤسسات والهيئات في الدولة، باستثناء العاملين في وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية، وكشفت أن نسبة (30.5%) فقط من الموظفين يحملون الإجازات الجامعية فما فوق، الأمر الذي يظهر خللًا واضحًا في ظل غياب الخبرات الأكاديمية في مؤسسات الدولة واعتماد الشهادات الأدنى في إدارة شؤون المؤسسات ومفاصلها.
يتحدث الباحث الاقتصادي يونس الكريم لـ”الترا سوريا” معلقًا على هذه النقطة التي يرى أنها “تؤثر بشكل كبير على التحول تجاه التكنولوجيا وتجعله أمرًا غير قابل للتطبيق بسبب انخفاض مستوى التعليم، إضافة إلى أنها نسبة ضئيلة تعبر عن ضعف مؤشر التنمية، وعدم القدرة على التطوير، وما يتبع ذلك من ضعف في إنتاجية مؤسسات الدولة”.
إجراءات وتحديات أمنية
وفي ظل ما تعانيه الحكومة الحالية من نقص حاد في الخبرات الأكاديمية، يبدو أن ثمة فجوة كبيرة ما بين إجراءات التسريح ومنح الإجازات، وسياسات الإصلاح الإداري، إذ تكشف التصريحات الرسمية لوزير المالية محمد أبازيد أن 400 ألف موظف غير فاعلين في مؤسساتهم يتم استبعادهم، فيما تطبق على الأرض إجراءات مختلفة بين الوزارات لاستبعاد عدد كبير من الكفاءات والخبرات، وضمنهم أطباء ومهندسون، ما يطرح التساؤل حول المرجعية المعتمدة في مثل هذه الإجراءات.
يعتقد الباحث الاقتصادي مناف قومان أن “التفكك الإداري وضعف المؤسسات أحد أبرز التحديات التي تواجه الإصلاح الإداري في مؤسسات الدولة، يضاف إلى ذلك الأزمة المالية الحادة بسبب غياب النقد الأجنبي، والعملة المحلية التي فقدت قيمتها بشكل كبير”، لافتًا إلى “تدهور الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية”.
ويشير الباحث قومان في حديث لـ”الترا سوريا” إلى أن “انتشار السلاح والتحديات الأمنية، بما في ذلك العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل وفقدان الثقة والقلق الاجتماعي، جميعها عوامل تؤثر في مسيرة الإصلاح والتي تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة الانتقالية القادمة، والتي ستتولى إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد”.
خطوات لازمة
في هذا السياق، يعتقد الباحث الاقتصادي يونس الكريم أنه من المفترض البدء في العديد من إجراءات الإصلاح الإداري “غير تلك المتعلقة بزيادة دخل الموظف الحكومي، واستقطاب الكفاءات وذلك بالعمل على تقديم الأنظمة التقنية لاختصار الوقت، وتلافي الأخطاء البشرية في تسيير شؤون المواطن”، مشددًا على أن تطوير المنظومة التقنية في المؤسسات الحكومية “يحتاج إلى بنية تحتية في الدرجة الأولى، وتدريب أمثل للكوادر البشرية على استخدامها في الدرجة الثانية”، لافتًا إلى ضرورة “دعم الكوادر البشرية وإعطائها مساحتها في اتخاذ القرار، عدا عن برنامج لمكافحة الفساد، وإيجاد هيكلية إدارية واضحة تعطي الموظف صلاحياته ولا تعرضه للخوف من اتخاذ أي قرار يلزم”.
وحول القطاعات الحكومية ذات الطبيعة الاقتصادية، يؤكد الكريم أنه “من الضروري التناغم بين الإصلاح الإداري والنظام الاقتصادي الذي ستنتهجه الدولة، إذ لا يمكن إجراء إصلاح إداري بطابع اشتراكي والنظام يتجه نحو الليبرالية، أو نحو النموذج الإسلامي”.
رسم السياسات الإصلاحية
تشير الإجراءات الحالية إلى غياب واضح في مرجعية السياسات الإصلاحية التي تتخذها الحكومة في الوقت الحالي، وفي هذا الإطار يشدد الخبير الاقتصادي مناف قومان على ضرورة “تشكيل هيئة إدارية خاصة لدراسة أوضاع القطاع العام، وإصدار القرارات، وإعادة هيكلة المنشآت الصناعية”.
وتتوقع بعض الأوساط السياسية أن الحكومة الجديدة ستأخذ شكل “التكنوقراط”، الأمر الذي سيجعل الإصلاح الإداري في سلم أولوياتها، فيما سيحدد شكل النظام الاقتصادي الجديد ملامح العمل في المؤسسات الحكومية، من حيث خصخصة القطاعات الحكومية ذات الشأن الاقتصادي، والتي يؤكد البعض أنها “تحولت إلى عبء حقيقي على الدولة دون تحقيق أي إنتاجية ربحية في عملها”.
الترا سوريا
—————————
لبنان وسوريا.. تشابك جيوسياسي أمام فرصة تاريخية/ إبراهيم عرب
تحديث 24 أذار 2025
تشير الاشتباكات الحدودية بين لبنان سوريا إلى أبعد من مواجهة مسلحة على حدود سائبة بين عشائر موالية لحزب الله وأفراد من الجيش السوري. فالعلاقات بين الجارين متداخلة ومعقدة، مثل الحدود الفاصلة بينهما تماما، ما يجعلها تتطلب تحديدا لرسم ملامحها والنهوض بها لتحقيق المصلحة المشتركة التي يفرضها التشابك الجيوسياسي والتاريخ الواحد.
فرصة تاريخية لن تتكرر
ولعل سقوط نظام بشار الأسد الذي أسهم، بطريقة أو بأخرى، بانتخاب جوزيف عون رئيسا للبنان بعد أكثر من سنتين من الفراغ في المنصب، وتلاه تنصيب أحمد الشرع رئيسا لسوريا الجديدة، يؤسس لفرصة تاريخية قد لا تتكرر لتدشين مرحلة جديدة في تاريخ البلدين، في مناخ إقليمي عربي داعم. إذ لأول مرة منذ 48 عاما يتحرر لبنان من هيمنة النظام السوري البائد على قراره ومقدراته، سواء بالاحتلال العسكري المباشر منذ 1976 حتى 2005، أو لاحقا عبر وكلاء من الأحزاب والسياسيين اللبنانيين الحلفاء لنظام الأسد. وبهذا تسقط أضغاث أحلام الشوفينيين من أركان النظام السوري، بضم لبنان قسريا باعتباره المحافظة 15 إلى سوريا، وكذلك تتهاوى تطلعات أطراف لبنانية كانت تستجلب الوصاية للاستقواء بها على أطراف أخرى جراء خلافات على تقاسم حصص في المال العام ومناصب الدولة.
قضايا ملحة لا تحتمل التأجيل
ولما كان اللبنانيون والسوريون ينحدرون من تاريخ اجتماعي مشترك، فصل بين عائلاتهما قلم ومسطرة مارك سايكس وجورج بيكو، وتبعهما الجنرال الفرنسي هنري غورو، بإعلان دولة لبنان الكبير في 1920، فإنني أعتقد أن ذلك يعزز الأرضية المشتركة للرئيسين عون والشرع في التداعي لعقد قمة تاريخية استثنائية تبحث إجراءات عملية للقضايا السبعة التالية:
أولا، ترسيم الحدود بين البلدين من مزارع شبعا إحدى ذرائع حزب الله بالاحتفاظ بسلاحه بعد عام 2000، وصولا إلى بلدة حوش السيد علي في أقصى الشمال الشرقي مسرح الاشتباكات الأخيرة. فالرد الإسرائيلي الدائم على طلب الدولة اللبنانية بالانسحاب من مزارع شبعا كان أنها محتلة من سوريا في 1967 وليس من لبنان، وبالتالي هي تخضع للقرار الدولي 242 ومرتبطة بتفاهمات مستقبلية مع سوريا. وبما أن بشار الأسد سقط فلم يعد هناك من يتهرب من عملية ترسيم الحدود مع لبنان، أو حتى تسليم السلطات اللبنانية الوثائق المطلوبة التي تحدد هوية المزارع، سورية كانت أم لبنانية. أما في الشمال الشرقي، فإن قضية ترسيم الحدود بين القرى المتداخلة بين البلدين فستقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، لجر الجيشين إلى اقتتال بينهما. فالعديد من القرى في ريف حمص، لاسيما بين مدينة القصير السورية والحدود مع لبنان تسكن فيها عائلات لبنانية منذ عقود، وازداد وجودها كثافة بعد احتلال حزب الله مدينة القصير في 2013. وقد رعى حزب الله عمليات الاستيطان الطائفي والتغيير الديموغرافي في المنطقة، التي تحولت إلى بؤرة للجريمة المنظمة والتهريب وصناعة المخدرات وتزوير العملات وإيواء المطلوبين للسلطات اللبنانية. ومعروف أن العشائر في منطقة الهرمل اللبنانية تنشط في هذه المجالات وشبابها من المطاريد الذين لا تقوى أجهزة الدولة على توقيفهم بفعل الحماية السياسية، وتجنبا أيضا لإراقة الدماء مع أبنائها المسلحين.
ثانيا، فتح مزيد من المعابر النظامية بين البلدين بعد إقفال تلك غير الشرعية، وضبط الأمن على جانبي الحدود وتسهيل حركة العبور، خصوصا في البلدات المتلاصقة التي تسكنها عائلات مشتركة. ويهدف ذلك إلى مكافحة عمليات التهريب من الوقود إلى المخدرات مرورا بالسلاح الفردي وحتى الثقيل. إذ أن طرق الإمداد البري لحزب لله الذي يبدأ من الحدود العراقية ينتهي به المطاف بريف حمص الجنوبي قبل أن يدخل إلى الأراضي اللبنانية عبر المعابر غير الشرعية بين قرى منطقة القصير السورية والقصر اللبنانية.
ثالثا، إنهاء ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية وترحيلهم، خصوصا أن عشرات منهم اعتقلوا بسبب انتمائهم أو نشاطهم في الثورة السورية وفصائلها المسلحة، كما أن عشرات منهم لم تصدر بعد بحقهم أحكام ولا يزالون موقوفين على ذمة القضية. أما المحكومين من السجناء الجنائيين، فليجر تسليمهم للسلطات السورية لاستكمال محكوميتهم واتخاذ ما يلزم من إجراءات تمنع عودتهم إلى لبنان إذا تطلب الأمر ذلك.
رابعا، تسليم المطلوبين بين لبنان وسوريا، لاسيما أولئك المتورطين في جرائم كبرى مثل التفجيرات والاغتيالات وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترقى لجرائم حرب. وقد شهدت الحدود اللبنانية السورية عقب هروب الأسد فرار عشرات من فلول النظام، من المسؤولين ورجال الأعمال وكبار الضباط وحتى الجنود المتورطين في قمع الثورة وإبادة السوريين. كما أن السلطات اللبنانية تتطلع إلى تسليمها المطلوبين لها، وعلى رأسهم حبيب الشرتوني المتهم باغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل.
خامسا، تسوية ملف اللاجئين السوريين في لبنان بعد سقوط نظام الأسد. فلم يعد هناك من مخاوف على حياة اللاجئين السوريين من عودتهم إلى مختلف المناطق السورية. وهنا يجب التفريق بين اللاجئين المقيمين في التجمعات والمخيمات، والعمال السوريين وعائلاتهم. إذ ليس كل سوري في لبنان هو لاجئ، ووجود العمال السوريين يمتد لعقود خلت، حيث يعملون في مهن مختلفة، لاسيما قطاعي الإنشاءات والزراعة.
سادسا، تنظيم العمالة السورية في لبنان، التي قدرت في فترات معينة بمئات الآلاف بما يضمن مصلحة سوق العمل في لبنان، وكذلك الجانب الأمني، فضلا عن احترام كرامة العمال وضمان كامل حقوقهم.
سابعا، ضم ملف المفقودين اللبنانيين في سوريا إبان حكم الأسدين إلى ملف المفقودين السوريين، خصوصا أن استمرار هذه القضية منذ عقود أشبه بجرح لا يندمل منذ عقود. إذ أن أهالي المفقودين يغادرون الدنيا الواحد تلو الآخر وبين أيديهم صور بالأسود والأبيض لفلذات أكبادهم، لا يعرفون عن مصيرهم شيئا بعد أن اختطفتهم عناصر المخابرات السورية على حواجز التفتيش في لبنان، أو أسروا خلال معارك مع القوات السورية.
ينسب لحافظ الأسد قوله إن ما بين سوريا ولبنان لم نصنعه نحن إنما خلقه الله. وفات الأسد القول إن ما بين البلدين من ضغينة وكره صنعتها جرائم نظامه، وفي مقدمها اغتيالات رموز لبنان الوطنية من كمال جنبلاط إلى بشير الجميل، وصولا إلى رفيق الحريري. ولذا، فإني أرى أن الجانبين السوري واللبناني، مطالبان اليوم بالسعي لتشكيل محكمة دولية خاصة تنظر بجرائم نظام الأسدين بحق الشعبين، وتطالب باسترداد رموزه الفارين ومحاكمتهم.
كاتب وصحافي لبناني
————————
أهمية الحياة السياسية لأمان واستقرار سوريا/ زكريا ملاحفجي
2025.03.24
عشنا الشهر الفائت لأول مرة ذكرى انتفاضة الثورة السورية بعد التحرير، تلك الثورة التي انفجرت من أجل أهداف سياسية، من أجل الحياة السياسية التي حُرم منها السوريون منذ صعود الأسد الأب وتلاه الابن، فكانت أهداف الثورة هي أهداف سياسية، ولم تكن ثورة جياع، واليوم بعد هروب الأسد تحققت الحرية السياسية، بأن تحتفل الناس وتقول وتعبر بلا قيد بلا خوف، فالحرية السياسية تعني قدرة الأفراد على التعبير عن آرائهم بحرية، وخوض النقاشات والندوات السياسية، وحرية الصحافة والإعلام التي تضمن تداول المعلومات بحرية وتسهم في تشكيل رأي عام واعٍ، من دون خوف من القمع أو التمييز، وهي ضرورية لتحقيق الحياة السياسية، وتحقيق العدالة، والاستقرار السياسي، وتمكين المواطنين من مساءلة الحكومات وتعزيز الشفافية، وسهولة انتقال السلطة وصندوق الاقتراع.
ولا شكَّ أنّ الضرورة الملحة في سوريا الجديدة تكمن في تحديد الأولويات التي نحتاج تحقيقها، في المرحلة الانتقالية وما يليها، بدايةً من تكريس المعايير والمضامين الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية، ومعالجة المشكلات المعيشية للسوريين، وتحديث الهياكل والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يفتح الأفق لتحقيق التنمية التشاركية وترسيخ الحكم الرشيد من خلال القدرات السورية والتوظيف العقلاني للموارد الاقتصادية والبشرية، إضافة إلى إصدار قانون استثمار يشجع رجال أعمال عرب وأجانب على الانخراط في إعادة بناء سوريا.
لكن لا بديل عن اعتماد الحرية أساسا للتنمية والخروج من المشكلات الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة للناس، وأساسا للدفاع عن الهويات، ووجود الحرية السياسية لا تعني وجود حياة سياسية، بل هي جزء رئيسي في تحقيق الحياة السياسية في الدولة.
فالحياة السياسية هي الركيزة الأساسية لاستقرار المجتمعات الديمقراطية وتطورها، حيث تعتمد على مدى مشاركة الأفراد في صناعة القرار وتوجيه السياسات العامة، والرقابة والمحاسبة وتحقيق العدالة، وتعد الحرية السياسية أحد أهم أعمدة الحياة السياسية، التي تضمن للأفراد حقوقهم في التعبير والمشاركة في الحكم، مما يسهم في تعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
فتتضمن الحياة السياسية جميع الأنشطة المرتبطة بإدارة الشؤون العامة للدولة، بما في ذلك الحكومات، الأحزاب السياسية، الانتخابات، والمؤسسات التشريعية. كما تشمل العلاقات بين المواطنين والسلطة، ومدى انخراط الأفراد في صنع القرارات السياسية التي تؤثر على مستقبلهم.
والرقابة الشعبية عبر مجلس الشعب على السلطة التنفيذية والحاكم، ويعتبر الحاكم مسؤول أمام الشعب.
وحرية تكوين الأحزاب والجمعيات التي تمكن المواطنين من الانخراط في العمل السياسي والدفاع عن مصالحهم، والحق في الانتخاب والترشح الذي يعكس مشاركة المواطنين في الحكم ويعزز الديمقراطية.
وأكبر معوقات الحياة السياسية هو الاستبداد السياسي، والفساد السياسي، كما هو معروف، ولكن الأبرز بواقعنا اليوم بعد التحرير هو غياب الوعي السياسي من قلة الثقافة السياسية لدى المواطنين التي تؤثر سلبًا على مستوى المشاركة السياسية، فتعتبر سورية في دول المنطقة من أفقر الدول بالسياسيين للمعنى الحركي العملي للمفردة، ولابد من تعزيز الحياة السياسية والأحزاب التي تكون التدريب العملي للسياسيين وهو حجر الأساس للديمقراطية، وكذلك لابد من سبل كثيرة لتعزيز الحرية السياسية، ابتداء من الحماية القانونية والدستورية للحرية السياسية والحياة السياسية، وتشجيع المشاركة السياسية من خلال نشر الوعي السياسي ودعم منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى ضمان استقلال الإعلام ليكون أداة فعالة في محاسبة الحكومات ونقل الحقائق.
تعد الحياة السياسية السليمة والحرية السياسية من أهم أسس تحقيق الاستقرار والتنمية في أي مجتمع. فكلما زادت حرية الأفراد في المشاركة السياسية، زادت قوة الديمقراطية وتعززت العدالة الاجتماعية، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر توازنًا وازدهارًا.
وربما تتوهم الشعوب أن مجرد لديهم حرية بالقول والتعبير أي حرية سياسية فهذا يعني لديهم حياة سياسية، والفرق بينهما شاسع وكبير، وقد ذكر كاتبي كتاب لماذا تفشل الأمم، أن الأمم التي تحوي مؤسسات سياسية قوية وكبيرة وتتمتع بحياة سياسية هي الأقوى أمام الهزات العالمية والأكثر تطوراً وتقدماً، وقدم البحث أدلة طويلة عن شعوب تمتلك نفس المناخ والثقافة والاعتقاد وغيرها، لكن بعضهم لديهم حياة سياسية ومؤسسات كبيرة وقوية فهذا محصنة من الاستبداد والفساد السياسي ومن الدكتاتوريات، قي حين الأخرى تفتقد لذلك فتبقى عرضة للفشل والتعثر والفساد، ونحن اليوم بحاجة نعزز في سورية الحياة السياسية لتكون أقوى وتزدهر وتنمو، والحياة السياسية والديمقراطية يصنعها المجتمع والنخب ويتم تحصينها دستورياً وقانونياً.
تلفزيون سوريا
——————————-
أجرمت ولا تعتذر.. شخصيات عُجنت بشر مستطير/ علي سفر
2025.03.24
لعله من أشد المواقف الغريبة التي يمر بها السوريون في هذه الآونة، أي بعد أكثر من 100 يوم على سقوط نظام الإجرام الأسدي، أنهم لا يجدون أمامهم أي شخصية مؤيدة له، تعتذر عمّا فعلته طيلة 14 سنة!
لعله من أشد المواقف الغريبة التي يمر بها السوريون في هذه الآونة، أي بعد أكثر من 100 يوم على سقوط نظام الإجرام الأسدي، أنهم لا يجدون أمامهم أي شخصية مؤيدة له، تعتذر عمّا فعلته طوال 14 سنة!
كنا في الماضي القريب نتحدث عن مرض الإنكار على أنه وباء يجتاح جموع الذين يبالغون في إظهار الولاء لآل الأسد! كما أننا مضينا كثيراً في بحثنا عن تكوين شخصية الجلاد الأسدي الذي يقوم بأعمال قتل السوريين إن كان في المعتقلات أو في عمليات القصف العشوائي، فبدت فرضية الفيلسوفة الألمانية-الأمريكية حنّا آرندت حول شخصية الموظف الذي يقوم بأعمال الإبادة، أفضل ما يمكن أن يفسر عقدة أولئك الذين يقتلون ويمارسون حيواتهم الطبيعية من دون تعارض، أو انعكاس لهذا على ذاك!
لكننا اليوم نحتاج إلى مراجعة كل ما خلصنا له سابقاً، لنتأكد إن كنا قد أمسكنا بخيط فرضية تفسر حال هؤلاء، أو أننا بحاجة إلى وضعهم تحت مجهر الدراسة، فهم اليوم لم يعودوا في موقع القوة، بل باتوا من الخاسرين! وفي ضوء حاجتهم للنجاة بحيواتهم يتخيل للمرء أنهم سيبحثون عن طريقة ما لكسب عفو ضحايا أفعالهم. غير أن ما يصدم السوريين فعلاً إنما هو إنكارهم لما فعلوه، وسكوتهم عنه، في حين يقال لهم إن الاعتذار إحدى خطوات المصالحة الوطنية، ومن دونها لن يكون هناك أرضية للصفح والمسامحة!
المجرمون الأسديون لا يختلفون كثيراً عن سلوك الموظف النازي السفاح أيخمان، لكن الفرق بينه كمثال اعتبرته أرندت مثالاً عن تفاهة الشر، وبين الموظف الأسدي، أنه يعترف بما فعله، ويجيب عنه بوصفه جزء من سياق عمل، يُقاد عبر آلية تسلسل الأوامر، من الأعلى إلى الأسفل.
الصيغة ذاتها تتحكم بعمل المجرم الأسدي، فالأوامر تأتي من أعلى هرم السلطة، أي من بشار الأسد نفسه، لكنها لا تصدر بشكل تفصيلي حول أي حادثة أو بخصوص ضحايا محددين، بل هي أمر تنفيذي، يستفيد في الجزء العملياتي من قدرة العنصر الأمني ضابطاً كان أم صف ضابط أو مجرد عنصر، على التصرف، بحسب تقديره لواجبات الولاء!
وفي هذا سيكون من المفجع أن التمكن من أدوات الشر قد جرّ هؤلاء إلى الاجتهاد في أفعال الإبادة المهولة، ثم عادوا ليمارسوا حيواتهم الطبيعية آنذاك! وحين هزمتهم الثورة، تحولوا إلى كائنات رجراجة، لا تبدي ندماً على ما فعلته، وكأنها لم تفعله!
هؤلاء لا يكذبون، إنهم لا يدركون ما فعلوه، وحتى إن أدركوا، لا يمتلكون ميزاناً يقدرون فيه حجم الكارثة التي صنعوها في مصائر الآخرين، فيظهرون وكأنهم شخصيات طبيعية، لكنها انفصامية، لم تمتلك وازعاً يمنعها من فعل التعذيب والقتل، وهي تريد اليوم من الآخرين أن يعفوا عنها، من دون أن تقدم ما يثبت أنها لن تعاود مباشرة الشر ذاته في وقت لاحق!
أي كارثة صنعها حكم الأسد بالبشر، حتى أنتج في مفاعله هذه الشخصيات المشوّهة؟، فلا نعثر على ما يشبهها حتى في عالم المتخيل الأدبي!؟
“قضية الدكتور جيكل والسيد هايد” الغريبة للإسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون، تبدو وإلى اليوم أفضل مثال عن روايات الرعب القوطي، حتى أن غرائبية فكرتها جعلت من عنوانها مثلاً يُتداول حين تتم الإشارة إلى انفصام الكينونة الإنسانية، لسبب ما، بين شخصية تمارس في النهار الطب، وهو أهم عمل يقوم على الرأفة بالبشر، وبين شخصية ليلية تسفك الدماء بلا رحمة!
هذا المثال الأدبي، الذي صنع في وقت مبكر (1886) كان يتحدث عن أنموذج فردي، قابل للتعميم، كحالة مرضية انفصامية. لكن، ماذا عن تحويل مجموعة من البشر إلى فرقة إعدام؟ هل تستطيع السلطة أن تنهج في التعاطي مع عبيدها أسلوب التلقين وإغلاق الخيارات أمامهم عليها ليصبحوا مجرد عناصر في “الديستوبيا”، لا يجدوا انفكاكاً منها، سوى الاندماج فيها أكثر فأكثر حتى الوصول إلى درجة الاعتناق؟
يحدث هذا في النموذج الذي اقترحه جورج أورويل في روايته الأيقونية 1984. وفي النماذج الإبداعية التي تخرج في زمننا الحالي يبدو أن التطوير الأساسي يتأتى في طريقة تحويل الإنسان إلى آلة، تؤدي المطلوب منها من دون أن يُضطر المتحكم بها إلى معالجة تبعات الأذى النفسي، الذي يلحق بها!
يمكن هنا اعتبار مسلسل Severance بموسميه (الأول في 2022 والثاني في 2025) واحداً من أفضل الأعمال الدرامية التي تتحدث عن آليات التحكم بالبشر، إذ يستند في حبكته وسيرورته إلى فكرة غريبة، حيث تشرع شركة عملاقة مجهولة النشاط في تطبيق تقنية لشطر حياة موظفيها إلى ذات خارجية، وهي شخصيته في الحياة العامة، وذات داخلية وهي شخصيته في مكان العمل! وتتجلى استثنائية التقنية بأن هذا الوجه من الشخصية لن يرتبط بوجهها الخارجي، كما أن هذا الأخير لن يكون قادراً على تذكر ما يفعله في داخل عمله! وعليه فإن الشخصية ستبدو مشطورة إلى شطرين، لا علاقة لأي منهما بالآخر!
في سيرة الحياة العملية لكثير من الأشخاص، يمكن أن يلمح حولهم وفيهم، تغيراً من نوع ما، فيقال شخصية فلان في العمل مختلفة عن شخصيته في الحياة، لكن، وفقًا لقصة المسلسل، يستطيع النصل الحاد لشركة “لومون” أن يجعل هذا الاختلاف قسريًا، إلى درجة تجعل البشر يبدون وكأنهم ذوات متعارضة، في جميع التفاصيل، ولاسيما منها قدرتهم على تبني مواقف غاية في الانزياح عن الفطرة الإنسانية، فالطيب في حياته اليومية قد يصبح شريراً في عمله، والعكس صحيح.
لكن الخيال الإبداعي لا يستطيع أن يغفل ملامح إنسانية تبقى رغم كل التحكم والسيطرة التي تُفرض من الخارج، فحين تدرك ذواتٌ داخلية مقدار سوء الخارجية، في حكاية المشطورين، تحاول أن تؤذيها، كرد فعل انتقامي من ممارساتها.
في حين لا ترى الشخصية الأسدية، وفي واقع يفوق الخيال، ضرورة لأن تراجع نفسها، ما دامت قادرة على جعلك تؤمن بأنها قد عُجنت بشرٍ مستطير!!
تلفزيون سوريا
—————————–
الصحافيون يعودون إلى سوريا.. ويستعيدون وظائفهم/ محمد كساح
الأحد 2025/03/23
يستقبل الصحافي السوري مصعب سعود زواره الكثيرين بابتسامة وتواضع ودعوة إلى القهوة التي يحضرها بيده، وذلك بعد أسابيع من عودته إلى “وكالة سانا” التي غادرها على قائمة تسريح تعسفي في العام الثاني للثورة السورية، بعد أشهر قضاها في سجون النظام المخلوع.
ويمثل سعود نموذجاً من صحافيين ونشطاء استأنفوا العمل الصحافي في الداخل السوري، بعد سنوات من الحرمان أنهاها هروب الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وكالة “سانا”
عندما دخل سعود مهنة الصحافة في العام 2009 موظفاً في وكالة “سانا” الرسمية السورية للأخبار، كان يمتلك أملاً بالتغيير، وكان ينظر إلى الصحافة وفقاً للمنظور الأوروبي كسلطة رابعة. يتذكر كيف تسبب أول تحقيق صحافي أجراه حول الـ”لاشمانيا” بإقالة وزير الصحة، لكن لم يلبث سوى فترة وجيزة في حياته الوظيفية حتى بدأ الاصطدام بالواقع والبيروقراطية والفساد الإداري. وهي مظاهر كانت تتسم بها الحياة العامة والوظيفية في أيام النظام البائد.
ومع بداية الربيع العربي، كان سعود معاقباً عبر نقله إلى قسم الأرشيف، مع ذلك وقف في قاعة التحرير الخاصة بـ”سانا” مع أول رصاصة أطلقت على متظاهري درعا مطالباً باعتقال عاطف نجيب، وبعد أسابيع نشر باسم مستعار تقارير من قلب “سانا” تظهر طائفية الوكالة الرسمية، حتى جرى اعتقاله أمام مدخل الوكالة في أيلول/سبتمبر 2011.
عقد من الغياب
بعد أشهر قضاها في المعتقل، غادر سعود البلاد و”نفذ بجلده” كونه غدا تحت المراقبة. كما أن قرار تسريحه مع مجموعة من زملائه المعارضين كان قيد التجهيز.. وفي الاغتراب، واصل نشاطاته الصحافية ضد النظام.
الآن، وبعد أكثر من عقد، يعود إلى الوكالة التي طرد منها محاولاً وضع قطار الإعلام الحكومي على سكة التغيير، متسلحاً بحزمة من الخبرات الصحافية التي اكتسبها في فرنسا والتي يطمح بعد تسلمه إدارة قسم التخطيط والعلاقات العامة في “سانا” إلى وضعها قيد التطبيق.
ويرى سعود أن عودته إلى المؤسسة التي طرد منها بمثابة “حق طبيعي لي ولزملائي الذي استشهدوا لنثبت أننا كنا على صواب ولنحصل حقوقنا التي تم سلبها منها بالقوة”، ويضيف أنه عقب بدء معركة ردع العدوان اتخذ قرار العودة إلى سوريا، وسرعان ما حجز في الطائرة ليكون في دمشق بعد مدة لا تتجاوز أسبوعين من سقوط النظام.
معضمية الشام
ليس بعيداً عن العاصمة، وتحديداً في أحد منازل مدينة معضمية الشام المتاخمة، يجتمع وائل الخطيب مع إعلاميي المكتب الإعلامي للمدينة، الذي تمت إعادة تنشيطه عشية سقوط النظام. ويقول وائل لـ”المدن” إنه عاود العمل الصحافي بعد انقطاع تام بدأ منذ تهجير ثوار المدينة نحو إدلب في تشرين الأول/أكتوبر 2016، بينما بقي في المدينة نظراً لأنه كان يعمل تحت اسم مستعار وليس مطلوباً للخدمة العسكرية على اعتباره وحيد والديه.
يذكر وائل، وهو يحاول نشر مقطع فيديو عبر قناة المكتب في “انستغرام” توثق اللحظات الأولى لإسقاط النظام، أنه تعرض خلال المرحلة الممتدة بين التهجير وسقوط النظام إلى أكثر من استجواب في الأفرع الأمنية، لكن “كان الحظ حليفي” يقول وائل، بينما لا تزال ملامح جلسات التحقيق المطولة التي تعرض لها ماثلة أمام عينيه.
ويضيف، أن سقوط النظام أعاد إليه الرغبة في ممارسة العمل الصحافي بالرغم من كونه يمارس مهنته الأساسية كطبيب أسنان، وتبدو السعادة واضحة على وجهه وهو يستعرض ما تم إنجازه بعد سقوط النظام، من توثيقات وتسجيلات وتغطيات ميدانية حازت على تفاعل كبير، مؤكداً أنه سيستمر في أداء عمله الصحافي إلى جانب مهنته الأساسية، لأنها تذكره بأجمل الأيام التي قضاها في زمن الثورة.
الصحافيون في مؤسسات رسمية
وعلى مدار أكثر من عقد، عانى الصحافيون والنشطاء من التضييق والقتل والسجن والتعذيب في المعتقلات على يد النظام المخلوع، ووثقت منظمة “مراسلون بلا حدود” وقوع 181 حالة قتل لصحافيين على أيدي النظام وحلفائه منذ بداية الثورة السورية عام 2011.
وفي المؤسسات الإعلامية الرسمية كان الصحافيون أمام خيارين، إما أن يكونوا بوقاً للسلطة أو يتعرضوا للمراقبة والاعتقال، حيث تحولت مؤسسات الإعلام الحكومي إلى ما يشبه أفرع أمنية خفية، يمارس عدد كبير من أعضائها المدعومين من قبل النظام، الرقابة الأمنية والتشبيح وكتابة التقارير بزملائهم بنفسٍ طائفي مريع، مما جعل الصحافيين المعارضين أو المحايدين عرضة للمساءلة والملاحقات الأمنية.
وفيما يؤكد مصعب سعود أنه لو لم يغادر البلاد في أكبر سرعة ممكنة كان سيتعرض للاعتقال وربما القتل داخل المعتقلات. أما وائل الخطيب فلا يزال يتذكر الملف الكبير المكون من عشرات الصفحات الذي عرضه عليه المحقق في أحد الأفرع الأمنية، والذي كان خاصاً بتفاصيل نشاطات المكتب الإعلامي للمعضمية، و”لولا لطف الله لكان السجن هو المصير الأخير”.
المدن
———————–
سوريا: شبكات تحريض تغذي العنف انطلقت مع أحداث الساحل
الأحد 2025/03/23
كشفت منصة “مسبار” للتدقيق بالمعلومات، عن شبكة حسابات نشطت بشكل مكثف في وسائل التواصل الاجتماعي، وساهمت في إشعال حرب رقمية، وتأجيج خطاب الكراهية والعنف بين السوريين على اختلاف خلفياتهم، بالتزامن مع الأحداث التي شهدها الساحل السوري.
ذعر وفوضى
وعمل الحسابات على “بث الذعر والفوضى”، ضمن حملة رقمية تروّج لانقلاب وهمي في الساحل السوري مساء السادس من آذار. ومع بدء ورود الأنباء عن حدوث تمرد عسكري في الساحل السوري، نشطت الشبكة الأولى من الحسابات والتي كانت معارضة للإدارة السورية الجديدة، إلى جانب حسابات مشبوهة، في نشر سيل من المنشورات المضخمة التي روّجت لحدوث انقلاب عسكري كبير، مدّعيةً سيطرة فصيل يُدعى “درع الساحل” على أجزاء كبيرة من المنطقة، مع طرد الفصائل وقوات الأمن السورية.
الخيط الأوضح للحرب الرقمية برز بعدما بدأت حسابات بتداول بيان حول إنشاء ما سمي بـ”المجلس العسكري لتحرير سوريا”، وحمل البيان توقيع العميد غياث دلة، الضابط السابق في الفرقة الرابعة التابعة للنظام المخلوع. وأعلن البيان بدء معركة عسكرية لـ”تحرير كامل الأراضي السورية”.
حسابات روّجت لانهيار الحكم الجديد
رصد مسبار نشاطاً مكثفاً لأحد الحسابات البارزة في الشبكة، وهو حساب عمر رحمون، الذي كان من أوائل المروجين للأنباء حول التمرد العسكري في الساحل السوري، إذ ضخّم حقيقة ما يجري، وعزّز الأنباء المتداولة عن وقوع انقلاب عسكري واسع. وصلت منشوراته إلى آلاف المستخدمين، ما ساهم في انتشار هذه الرواية على نطاق واسع، وكان ابرزها حساب عمر رحمون.
وكثّف رحمون منشوراته التي لقيت انتشاراً واسعاً، وسعى إلى ترسيخ انطباع زائف لدى الجمهور بأن أجزاء واسعة من البلاد باتت خارج سيطرة القوات التابعة للإدارة الجديدة.
لم يقتصر الأمر على الترويج لمزاعم أن الساحل السوري بالكامل أصبح خارج سيطرة القوات الحكومية، بل زعم أيضاً أن حركات تمرد واسعة النطاق نشطت في مناطق سورية أخرى كمدينة حماة، مؤكداً أن الأوضاع أصبحت خارجة عن السيطرة. إلى جانب ذلك، نشر محتوى تحريضياً ودعوات للجهاد ودعا المدنيين للخروج للشوارع والاستعداد لواقع جديد.
يُذكر أن حساب عمر رحمون كان من أوائل الحسابات التي روّجت، في يناير/كانون الثاني، لشائعات حول عودة ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى سوريا وقيادته لتمرد عسكري. وقد أدت هذه المزاعم آنذاك إلى اندلاع سلسلة من أعمال العنف في الساحل السوري.
حسابات باسم العلويين
إلى جانب حساب رحمون عملت مجموعة من الحسابات المشبوهة إلى الترويج للمزاعم نفسها مع ضخ كبير لمنشورات الكراهية، وتحريض السكان المدنيين في الساحل على “الجهاد” و”النفير العام”، والخروج من المنازل.
من الحسابات الرئيسية برز حساب Alawite Citizen وهو حساب نشط جداً ضمن شبكة حسابات أُنشئت مع سقوط النظام السوري، وروجت مسبقاً بشكل منتظم لمعلومات مضللة وخطاب كراهية، ومع أحداث الساحل كثف الحساب نشاطه في الترويج لمقاطع فيديو ومنشورات ذات طابع طائفي.
حسابات مؤيدة للأسد
وعملت مجموعة واسعة من الحسابات المؤيدة سابقاً لنظام الأسد للترويج لادعاءات مماثلة، وكان أبرزها صفحات وأبرزها “درعا نت” و”Dr. Zied Moustapha” و”D. Hala Al-Assadsy” و”Syrian Activists” و”Syrian Girl” و”Alawite Muslim Defence League”، إذ اتسمت جميع هذه الحسابات بترابط واضح من ناحية المتابعة وتشابه المحتوى والأسلوب.
مع تصاعد أعمال العنف، سعت هذه الحسابات إلى ترسيخ انطباع بأن النظام المخلوع كان الضامن الأساسي للاستقرار الأمني في سوريا وحامياً للأقليات، وأن سقوطه كان السبب وراء اندلاع موجات العنف الحالية.
غير أن هذا النوع من الخطاب قد يكون مضللاً وخطيراً، خصوصاً في الفترات الحرجة، لا سيما عندما يصدر عن صفحات تزعم تمثيل طائفة معينة، كبعض الحسابات ضمن الشبكة التي رصدها مسبار، والتي تُدرج كلمة العلويين في اسم صفحاتها. فذلك قد يسهم في نشر روايات مشوّهة أو مجتزأة عنها، كما قد يؤدي إلى تعميم مواقف سياسية لا تعكس بالضرورة توجهات جميع أفرادها.
حسابات مؤيدة للإدارة الجديدة تورطت
تسارعت الأحداث في الساحل بصورة كبيرة ومفاجئة، ووردت أنباء موثقة عن انتهاكات واسعة في الساحل ضد المدنيين وثق مسبار بعضها في تقرير سابق.
كان حجم الضخ المعلوماتي المضلل أكبر من أن تتمكن القنوات والمنصات المعنية بالتحقق من مجاراته أو تصحيح الروايات المنتشرة. وزاد من فوضى المعلومات ضعف القنوات الرسمية التابعة للحكومة السورية وغيابها أحياناً، ما أتاح المجال لظهور شبكة من الحسابات غير الرسمية ادّعت في هدف معلن الدفاع عن الإدارة السورية الجديدة، لكنها تورطت في نشر وإعادة تداول خطاب الكراهية، مستهدفة منطقة الساحل، لا سيما أبناء الطائفة العلوية.
في المقابل، قادت حسابات أخرى حملات تحريضية، شملت دعوات للقتال والجهاد، وصوّرت الشارع السوري بما يوحي بأنه انتفض لقتال العلويين كجماعة، وبدأ بعمليات هجوم ضد ما قيل بأنها أحياء ومناطق تابعة لهم.
مؤثرون وصحافيون سوريون
كون المصادر الحكومية الرسمية ما زالت ضعيفة من ناحية الوصول إلى الجمهور وغير منظمة، برزت القنوات الإعلامية البديلة والصحافيون المؤثرون كمصادر رئيسية للمعلومات.
مع تصاعد حدة العنف، أجرى بعض المؤثرين والصحافيين المستقلين، ممن تصل منشوراتهم إلى آلاف الأشخاص، مقابلات ميدانية وبثّوا أخباراً حساسة قد لا يصح نشرها من دون مراجعتها، خصوصاً أنها تضمنت معلومات يصعب التحقق من صحتها، وقد تكون خطيرة على السلم الأهلي.
التضليل والاستقطاب
إلى جانب الخسائر البشرية، ساهم انتشار المعلومات المغلوطة حول أحداث الساحل السوري في تصاعد الاستقطاب الحاد، إذ تبنت مجموعات متشددة مواقف متناقضة، ما قلل من فرص الحوار والتفاهم.
ويلعب التضليل الإعلامي دوراً أساسياً في تعزيز الاستقطاب والانقسامات، إذ تُستخدم الأخبار الكاذبة والمعلومات المشوهة لتشويه صورة الطرف الآخر.
في بيئة مستقطبة، يصبح الأفراد أقل ميلاً للتحقق من صحة المعلومات، ما يجعلهم أكثر عرضة للتلاعب. هذا الواقع يخلق مناخاً ملائماً لتصاعد التوترات، وقد يكون عاملاً مساهماً في تغذية العنف، على غرار ما شهدناه في الأحداث الأخيرة التي وقعت في الساحل السوري.
المدن
——————————–
راهبة الأسد أم مبشّرة المصالحة.. من هي آغنيس اللحام ولماذا أثار ظهورها الجدل؟/ حنين عمران
2025.03.24
أثار ظهور الراهبة آغنيس ماري فاديا اللحام في لقاء رسمي داخل وزارة الصحة السورية مع الوزير الدكتور ماهر الشرع، موجة جدل ورفض واسع بين السوريين، خصوصاً أن اللحام تُعرف بدفاعها العلني عن نظام الأسد الساقط، وتورطها بتبرير مجازره في المحافل الدولية، إذ أطلقت عليها وسائل إعلام غربية خلال الثورة السورية لقب “راهبة الأسد”.
وعقب انتشار صور اللقاء على منصات الوزارة، وبدء تفاعل السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي وانتقاد اللقاء، سارعت وزارة الصحة إلى حذف الصور من دون أي توضيح رسمي.
وفي وقت لاحق، أصدرت كل من نقابة الأطباء السورية ونقابة الممرضين في إدلب بيانين منفصلين، أعلنا فيهما رفضهما القاطع لهذا اللقاء، مؤكدَين أنه لا يمكن القبول بإعادة تدوير شخصيات دعمت النظام المخلوع أو برّرت جرائمه.
من هي الراهبة آغنيس؟
وُلدت فاديا لحام عام 1952 في بيروت لعائلة فلسطينية-لبنانية. والدها فلسطيني من الناصرة هُجِّر عام 1948، ووالدتها لبنانية تلقت تعليمها في مدرسة للراهبات الفرنسيات.
دخلت رهبنة الكرمليت الكاثوليكية عام 1971، واتخذت اسم الأخت أغنيس مريم الصليب (Agnes Mariam de la Croix). انتقلت إلى سوريا بعد عام 1994 وأسست هناك دير مار يعقوب المقطع في بلدة قارة بريف دمشق، حيث أصبحت رئيسة للدير.
خلال سنوات الثورة السورية، برزت الراهبة آغنيس ماري فاديا اللحام كمدافعة شرسة عن نظام الأسد. واشتهرت بإنكارها للمجازر التي ارتكبها النظام، بما في ذلك الهجمات الكيميائية على الغوطة الشرقية عام 2013، حيث زعمت في لقاءات تلفزيونية أن مقاطع الفيديو التي تظهر الضحايا مفبركة؛ الكلام الذي استند إليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في محاولاته لتبرئة النظام في المحافل الدولية.
كما اتهمت بالتورط في مؤامرة لقتل الصحفي الفرنسي جيل جاكييه في حمص عام 2012، عبر صلاتها الوثيقة بأجهزة الاستخبارات التابعة للنظام السوري.
قادت خلال سنوات الثورة حملة “تلميع وتبرئة” للأسد، وخاصة في السنوات الأولى وذاع صيتها عند دفاعها عن النظام بعد ضربات الكيماوي التي استهدفت غوطة دمشق في عام 2013، كما أنها كذبت وقوع مجزرة الحولة 2012 التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص بينهم أطفال، كما اتهمت فصائل المعارضة السورية بافتعال المجزرة.
وفي حملة دعمها لنظام الأسد بإنكار جريمة كيماوي الغوطة حينها، خرجت آغنيس على قناة الميادين لتصرّح بأن المقاطع المصورة لأطفال دوما بعد هجمات الكيماوي هي مقاطع “مفبركة” و”تمثيلية” كما وصفتها.
وقالت آغنيس في ذلك الحوار: ” نحن بصدد رفع دعوى دولية، وطلب مساعدة دول منها بريطانيا، لدى الجهات المختصة في (جنيف) أو (لاهاي) لنؤكد أن الأطفال في الغوطة مصيرهم غير محدد، ولا نعرف إذا كانوا ميتين حقاً”.
كما أنكرت آغنيس في عدة مقابلات إجرام الأسد سواءً بالقصف أو استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وقد استند وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تقريرها الذي أنكرت فيه هجمات الكيمياوي في الغوطة، في عام 2013، من أجل تبرئة النظام عالمياً من جرائمه.
آغنيس داخل قاعدة حميميم
وبعد سقوط نظام الأسد، ظهرت الراهبة آغنيس داخل قاعدة حميميم، وتحديداً بعد أحداث الساحل السوري الأخيرة، التي هاجم فيها فلول النظام نقاطاً عسكرية تابعة للأمن العام وقاموا بالتنكيل بعناصر هذه النقاط، ما استدعى حملةً أمنية لملاحقة المعتدين ومصادرة السلاح الذي رفض عدد كبير من ضباط النظام المخلوع تسليمه.
آغنيس، ظهرت في فيديو من داخل القاعدة العسكرية الروسية التي التجأ إليها ضباط النظام البائد مع عائلاتهم وتحصنوا فيها.
إلى جانب آغنيس، وقف أحد الأشخاص يطالب بالحماية الدولية في حين تهزّ الراهبة برأسها مؤيدةً، وهي تلقنه ما يقوله. وهو ما اعتبره السوريون تحريضاً وترسيخاً للفتنة وتبريراً لتدخل أجنبي إلى الأراضي السورية، بوصاية روسية.
الترويج لمزاعم إقصاء
وفي مقابلة على قناة BBC بعد سقوط نظام الأسد، وفي حوار تحت عنوان “ما الذي يطلبه المسيحيون من السلطة الجديدة في سوريا”، زعمت الراهبة أن الحكومة الحالية ستقصي كل من يختلف عنها في الفكر الديني، بقولها: “المكون غير السني سيكون مهمشاً ومنبوذاً”، على الرغم من أن الحكومة الجديدة نفسها دعت جميع الأطياف في مختلف المناسبات للمشاركة والحوار.
جزء من آلة الأسد
من جانبه، أكّد أمين رابطة المحافظين الشرق أوسطيين، الدكتور وائل العجي، أن الراهبة آغنيس، كانت “جزءاً من آلة الأسد للعلاقات العامة في المحافل الدولية، وما تفعله اليوم هو محاولة لتبييض صورتها باستمالة المسيحيين والأقليات إلى طرفها ولا سيما بعد دفاعها المستميت عن النظام المتوحش”.
يقول العجي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا : “لا يمكن لأي شخص أو جهة أن تقدم نفسها كمتحدث باسم المسيحيين السوريين، المسيحيين السوريين ليسوا متجانسين سياسياً و هناك تنوع كبير من الناحية السياسية لدى المكون المسيحي؛ مثلهم مثل أي مكون سوري آخر”.
وبالحديث عن حملة التحريض التي قادتها آغنيس تحت مسمى “الخوف من التشدد الإسلامي”، أشار الدكتور العجي إلى أن تبديد هذه المخاوف يقع على كاهل الدولة السورية؛ وهو ما بدأت به حقاً مع مختلف المكونات السورية، مؤكدا رفضه لما يروج بشأن التدخل الأجنبي في سوريا بذريعة حماية المسيحيين.
وأشار العجي بأنه “لا يحتاج المسيحيون السوريون لأي جهة داخلية أو خارجية تدافع عنهم؛ هم جزء أصيل ومسؤولية الدفاع عن المسيحيين وغيرهم، تقع على عاتق الدولة وهي الأقدر على القيام بهذه المهمة”، معبراً عن ثقته بأن “الدولة قادرة على القيام بهذه المسؤولية تجاه كل السوريين”.
وضمن محاولاتها لتبرير مواقفها الداعمة للنظام، ظهرت الراهبة آغنيس مؤخرا في مداخلة على قناة المشهد وأحضرت معها شاهدين، أحدهما (عبد الناصر الهنيدي) الذي عرف عن نفسه بأنه أمين عام الجمعية السورية من أجل الحرية – منصة باريس، وشاب آخر يرتدي بدلة عسكرية، عرّف عن نفسه بأنه أحد عناصر “العمشات”.
فأما الأول فقد شهد لها بالمساعدة في إدخال “مصل مضاد للكيماوي” في عام 2013، أي في نفس الحادثة التي أنكرتها جملةً وتفصيلاً، وبرأت نظام الأسد منها، بل وأنجزت تقريراً مؤلفاً من 50 صفحة لإنكارها.
والثاني شهد لها بالتواصل مع فصائل المعارضة والمساهمة في إدخال مساعدات إنسانية إلى الشمال عقب كارثة زلزال شباط 2023.
وزعمت الراهبة في المقابلة أن دفاعها عن النظام كان “من أجل المصالحة”؛ وهو ما يتطلب بالضرورة التواصل مع “كل الأطياف المعتدلة من المعارضة السورية”، وكون النظام كان يشدد قبضته الأمنية على كل من يعمل مع المعارضة، اضطرت إلى عدم اتخاذ موقف واضح ضده.
تلفزيون سوريا
————————–
===================