أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

نظام “بي. أو. تي” حلاً مناسباً لسورية/ عدنان عبد الرزاق

24 مارس 2025

ليس أسهل من رمي مليارات الدولارات حينما تتكلم عن سورية، ولعل الفارق الهائل بين التقديرات، المحلية والإقليمية والدولية، يثير الشك وحتى الريبة، فبعد أن اعتاد المتابعون على قراءة وسماع 400 مليار دولار، بصفتها خسائر للاقتصاد السوري خلال فترة الثورة، خرجت العام الماضي تقديرات تقول عن 600 مليار دولار، لتتبعها العام الجاري أخرى، تتحدث عن 800 مليار دولار.

والحال ينسحب على تكلفة إعادة الإعمار وخسائر الناتج الإجمالي والنفط وبقية القطاعات، وكأن الأمر، لمن يتفكر به “بازار” يطرحه كل طرف بحسب ما يلبي أهدافه، فأن يخرج الكلام عن جهة محلية في مصلحتها تهويل الجرائم والخراب وجذب الاستعطاف والتمويل، يختلف عنه فيما لو صدر عن روسيا التي شاركت بالهدم والخسائر، وسيختلف، بطبيعة الحال، عن تقديرات أممية تتطلع للقروض أو مؤتمرات إعادة الإعمار.

ولعلّ كل ما قيل، على الأرجح، لم ينطلق من دراسة الواقع أو المقارنة بين ما كان وما هو كائن مع إضافة فوات المنفعة، خلال سني الثورة، لذا، قد تكون تلك الأرقام، من منطق اقتصادي وتفكير علمي، مجرد تقديرات غائية أو يشوبها الاندفاع وتكتنفها المبالغة.

ولكن، وأياً كانت مبالغ الخسائر وتقديرات إعادة الإعمار، فهي بالمحصلة هائلة وأكبر من قدرة سورية على تحملها، فما فعله نظام الأسد وحلفاؤه، بطهران وموسكو، من تدمير بنى وتهجير رساميل وقتل كفاءات، سيضع سورية بموقع الدولة المتخلفة والفقيرة لعقود، إلا إن حدثت معجزات اقتصادية ولاقى الملف السوري اهتماماً، إقليمياً ودولياً، فدعوا لمؤتمرات إعادة إعمار وقدموا المنح والقروض الميسرة، وسخروا إمكانات تطورهم لما يمكن أن يعيد سورية إلى موقع الدولة المنتجة والمكتفية.

وهذه الحاتمية، قلما حدثت من قبل مع دول خرجت من حروب، ولن تحدث مع سورية على الأرجح، إلا بحال تكبيلها بقروض تبقيها تدور في فلك ضغط الفوائد وتئن تحت وطأة إملاءات القروض، الاقتصادية وحتى السياسية.

قصارى القول: ربما ما من حل اقتصادي، يناسب، إن لم نقل الأنسب، لحالة كما السورية اليوم، والتي تعاني الخراب وشبه انعدام الموارد وإلحاح تحسين الواقع المعيشي والخدمي للسوريين والواقع الأمني والاستثماري للرساميل السورية والخارجية، أكثر من نظام “بي. أو. تي” B.O.T، الذي يعتبر من الوسائل المناسبة لتمويل مشاريع البنية الأساسية بدون المساس بموازنة الدولة. هذا النظام ليس اختراعاً أو ابتكاراً، بل هو متداول في كثير من الدول التي تحتاج مشروعات بنى تحتية ضرورية، للطاقة والنقل والإنتاج، لكن مواردها لا تسمح لها، وتتحفظ على مد اليد للمؤسسات الدولية لما لتلك القروض، من تكبيل وشروط وإملاءات.

ويمكن اختصار مبدأ “بي. أو. تي” بأنه نظام أو شكل استثماري يمنح للقاع الخاص المحلي أو الأجنبي، مشروعات كبيرة بالعادة، على مبدأ، البناء والتشغيل والاستثمار، من ثم إعادة الاستثمار للدولة، بعد فترة زمنية تضمن للمستثمر استعادة تكاليف الاستثمار وتحقيق الأرباح.

ولكن، أول الأسئلة ربما، قبل البحث بآثار هكذا استثمارات هو، ما هي الميزات والمغريات للرساميل، لتستثمر في سورية، والتي لم تحقق الاستقرار بعد ويحمل مناخها العديد من المخاطر؟ ربما الإجابة هنا أن عديداً من المشروعات مضمونة الربح، ويمكن أن تغري الرساميل للدخول بهذا النظام، فإن تكلمنا عن المطارات والمرافئ والطرق السريعة أو مشاريع توليد الطاقة أو إعادة تأهيل مواقع النفط والغاز، أو مشروعات صحية كبرى كمثل المدن الطبية، ومشروعات تعليمية أو حتى إنتاجية ضخمة لصناعات يحتاجها الواقع السوري.

كما يمكن أن تتساهل هيئة الاستثمار السورية بالشروط، سواء ما يتعلق بفترة استعادة المشروع للدولة أو التسهيلات والإعفاءات، مقابل آلية تمويلية لإنشاء البنى الأساسية والمشرعات الضرورية، بعيداً عن موارد الدولة وعن المخاطر التي قد تلحق بالاستثمارات بفترات التحوّل وبعد الحروب. وتستفيد بالآن نفسه، من تخديم المشروعات والخبرات الفنية ونقل التكنولوجيا وتأهيل العمالة.

وفي طرف المعادلة الآخر، هناك مخاطر وسلبيات لا شك، كمثل مبالغة المستثمرين بتكاليف البناء والتشغيل ليضمنوا أطول فترة حتى يسلموا المشروع للدولة، والأخطر إن لم يتم قبول المستثمرين تسليم المشروع وفق أحدث التطورات، لأن تسليم خطوط الإنتاج أو حتى البنى التحتية من دون ترميم وإصلاح وإعادة تأهيل، سيكون المشروع في هذه الحالة عالة بدل أن يكون متمماً للبنية الاقتصادية العامة، فضلاً عن سلبيات أخرى تتعلق بتلوّث البيئة وعدم الالتزام بحقوق العمال.

لكن كل تلك الأمور تخضع للتفاوض وشروط الدولة التي تطرح مشروعات للاستثمار وفق هذا النمط، تحقق لها بناء مشروعات ضرورية من دون أن تتكبد التكاليف، وتزيد من الثقة بالمناخ الاستثماري، مقابل حرية ومغريات وأرباح مضمونة للمستثمرين.

نهاية القول: يروَى عن الرئيس الإماراتي الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أن بعض رجال الأعمال الإماراتيين احتجوا على الإعفاءات والتسهيلات التي تمنح للمستثمرين الأجانب خلال نهضة الإمارات وتقوية اقتصادها، في حين لم ينالوا هم أبناء الوطن مثلها، فرد بمقولة يمكن وصفها بحكمة اقتصادية “حينما ترون مستثمراً يحمل مشروعه بحقيبته، أنزلوه من الطائرة”. بمعنى، تلك الاستثمارات ستبقى على أرض الإمارات وتشغل أيدي عاملة وتستثمر المواد الأولية وتصدر باسم الإمارات، فماذا تريدون أكثر؟

وما يمكن قراءته من هذه المقولة المنسوبة للشيخ زايد، والتي تناسب سورية بشكل كبير هذه الفترة، أن مشروعات الـ”بي. أو. تي” العائدة لرجال أعمال وربما لممثلي دول، ستزيد من حماية سورية من التدخلات الخارجية وتقيها من تعدٍّ وحروب، لطالما مصالح المستثمرين والدول متعلقة باستقرارها.

وربما من هذه الفلسفة، أهم أسباب بقاء الإمارات بعيدة عن الحروب، بعد أن استقطبت كبرى الشركات والوكالات العالمية وربطت باستقرارها مصالح الآخرين… طبعاً إلى أسباب أخرى وأدوار جديدة، خاصة بعد وفاة الشيخ زايد.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى