رحلة في تاريخ سورية: من الحضارات الأولى إلى إسقاط النظام/ ساري موسى

25 مارس 2025
قبل أسابيع قليلة، وبالتزامن مع التغيير السياسي الكبير الذي حدث في سورية بانتصار الثورة وسقوط نظام الأسد، أنشأت “مؤسسة هنداوي” المصرية خانةً على موقعها الإلكتروني تحت عنوان “تعرَّف على سوريا” وضعت فيها مجموعةً من 18 كتاباً مختلفة الموضوعات، تنوَّعت بين التاريخ والسياسة والآثار والأدب، وصولاً إلى الطبخ والحرف اليدويَّة الدمشقيَّة. وبالإضافة إلى كونها كتباً مختارةً بعناية لتُعطي النظرة الأوسع لبلدٍ عريق تعود حضارته إلى آلاف السنين، فإنَّ بعض هذه الكتب نادرٌ، مضى على صدور طبعته الأولى أكثر من 150 عاماً، ولم يعُد ثمَّة نسخٌ ورقيَّةٌ منها.
تركّز المجموعة بشكل واضح ومفهوم على موضوع التاريخ. تبدأ الحقب الزمنيَّة التي تُغطِّيها هذه الكتب منذ عصر ما قبل التاريخ، وتشمل الحضارات التي لم تكن محصورةً بسورية الطبيعيّة فقط، بل امتدَّت إلى بلاد الرافدين ومصر، وتقاطعت مع الحضارات التي قامت على ضفاف الأنهار السوريَّة، وشابهتها في العادات والتقاليد.
يُشكِّل هذا التشابه موضوع كتاب “العبادة الحيوانية بين الدفن والرمزيَّة”، لزينب عبد التوَّاب رياض. ومن فترةٍ لاحقة، وتحديداً من عصر الحيثيين الذي يرجع إلى 2500 عامٍ قبل الميلاد، يبدأ أحمد بن إبراهيم الصابوني التأريخ لمدينته حماة في كتابه “تاريخ حماة”، ليصل حتّى العصر الإسلامي، وهو العصر الذي يدرس محمد أسعد طلس آثاره على نحو محدَّدٍ أيضاً، لكنّ هذه المرَّة في مدينة حلب، في كتابه “الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب”. التاريخ المكاني المحدَّد في الكتابين السابقين يتحوَّل إلى تركيز زمني على عصر الدولة الأموية، التي لم يدُم حكمها أكثر من تسعين عاماً، واتَّخذت من دمشق عاصمةً لها كما هو معلوم، وهو ما يهتمُّ بتأريخه أنيس زكريا النصولي في كتابه “الدولة الأموية في الشام”.
لا يغيب المكوِّن المسيحي عن موضوعات الكتب، كما لا يغيب دوره البارز في تاريخ سورية، حيث يشير كتاب “عصر السريان الذهبي” لمؤلِّفه فيليب طرزي إلى الإسهامات الثقافية التي قدَّمها المسيحيون، وتحديداً في مجال الترجمة. نقرأ في تقديم هذا الكتاب: “لا يستطيع أيُّ مُنصِف أن يتحدّث عن تاريخ الحضارات من دون أن يذكر دور السريان ولغتهم، التي لُقِّبَت ﺑ”أميرة الثقافة وأمِّ الحضارة” فكانوا بمثابة القنطرة التي عبرت عليها العلوم والمعارف لتصل إلى العرب وأوروبا؛ فترجموا من اليونانية إلى السريانية، ومنها إلى العربية، ثم إلى اللاتينية، وأخيراً إلى اللغات الأوروبية الحديثة”. ويتوقَّف الكتاب بشكل خاص عند حنين بن إسحاق العبادي الذي ترجم 39 مخطوطاً من اليونانيَّة إلى العربيَّة، و95 مخطوطًا من اليونانيَّة إلى السريانيَّة. وفي إطار أشمل وأعمّ يقع كتاب “الموجز في تاريخ سوريا” ليوسف الدبس.
وفي الأدب، ثمَّة رواية تاريخية هي “مصر والشام بين دولتين” لجمال الدين الشيَّال، تقع أحداثها في أعقاب سقوط الدولة الفاطمية وقيام الدولة الأيوبية. وهناك رواية مترجمة تستند إلى أحداث حقيقيَّة، هي رواية “زيتون” للكاتب الأميركي دايف إيغرز (ترجمة محمد عناني)، بطلها المهاجر السوري عبد الرحمن زيتون. شغلت قضيَّة بطل هذه الرواية الرأي العام الأميركي عقب إعصار كاترينا، الذي ضرب جنوب الولايات المتحدة عام 2005، وكان دماره واسعاً في ولاية نيو أورليانز تحديداً. يعمل عبد الرحمن زيتون مقاولاً في هذه الولاية، وهو متزوج بامرأة أميركية. وقد رفض مغادرة نيو أورليانز وفضَّل البقاء لمساعدة السكَّان بعد أن ضرب الإعصار، فأخذ قاربه الصغير وظلَّ مدَّة ستَّة أيامٍ ينقذ المُحاصَرين في الطوابق العليا، ويُقدِّم لهم المساعَدات الضرورية للبقاء على قيد الحياة. لكنَّ الشرطة الأميركية اعتقلته، واتَّهمته بالإرهاب والانتماء إلى تنظيم القاعدة، وسجنته مدةً من الزمن.
دفعت هذه القصَّة الكاتب والناشر الأميركي إلى تسليط الضوء على تفاصيل الحياة التي أخرجت هذه الشخصية الفريدة والغيريَّة. ومن أجل جمع مادة الكتاب خلال عمله عليه، سافر إيغرز إلى سورية للبحث عن أسرة عبد الرحمن، لتكتمل رؤيته الإنسانية عنه. وفي أدب الرحلة ثمَّة كتاب “الرحلة الشامية” لمحمد كرد علي.
أما في النقد الأدبيّ، فيلفت كتاب نادر لأنطون سعادة، مؤسِّس الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو كتاب “الصراع الفكري في الأدب السوري”. تجدر الإشارة إلى أنَّ سعادة كان له اهتمامات فلسفية وأدبية سابقة لاهتماماته السياسية ومُزامِنة لها، حتى إنَّ الشاعر محمد الماغوط وصفه في أحد حواراته بأنَّه “شاعرٌ ضلَّ الطريق”.
وفي موضوعات أخرى، اشتُهِرت بها البلاد وعُرِفَت من خلالها في مختلف أنحاء العالم، يمكننا قراءة كتاب “نبذة تاريخيَّة في الحِرَف الدمشقيَّة” لإلياس عبده قُدسي، المنشورة طبعته الأولى سنة 1883، و”كتاب الطبيخ ومعجم المآكل الدمشقيَّة” لمحمد بن الحسن بن محمد، الكاتب البغدادي، وهو كتاب قديم يهتمُّ بالطرق التي كانت تُعَدُّ بها الأكلات الدمشقية قبل نحو ألف عام. ولهذا الكتاب قصة، فقد كانت نسخة منه موجودةً في مكتبة الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، وقد اقترح على صديقه فخري البارودي، الشاعر السوري وأحد مؤسسي “الكتلة الوطنية” أن يُعيد طبعه، وهو ما كان، ولكن بعد إضافة فصل جديد يوضح التغييرات التي طرأت على طرق إعداد المآكل خلال فترة العمل على إصداره، أي مطلع ستينيات القرن الماضي.
* كاتب من سورية
العربي الجديد