أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةدوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

سورية بين وطنيّتَين/ عمار ديوب

25 مارس 2025

تكتمل الوطنية الجديدة في سورية، المؤسّسة على المواطنة باستعادة الجولان، ودعم قضايا التحرّر، وفي مقدّمتها فلسطين، إذ لا يمكن لشعبٍ أن يؤسّس لدولة المواطنة وجزء من أراضيه محتلٌ أو ألّا يبادر إلى موقف سياسي تجاه الدولة الصهيونية، سيّما أنها تحتل أرضاً لشعبٍ يشترك مع الغالبية السورية العربية. لا تتأسس الدول إلّا على القضايا العادلة، وفي مقدمة تلك القضايا، المساواة بين الشعب، ودعم قضايا التحرّر العربية والعالمية.

تتحدّد الوطنية بالعلاقة مع الخارج وبمسألة الأرض المحتلّة، وكذلك تتحدّد بجغرافية وشعب وسلطة دولة ما. لم تنبنِ الوطنية السورية في النظام السابق، الشمولي، بالاستناد إلى المواطنين بل بالاستناد إلى مفهوم الوطن والدفاع عنه. ساد هذا الفهم في سورية منذ سيطر العسكر على السلطة في 1963، وبالتدريج غابت الحقوق العامة وفُرضت الواجبات، وارتبطت الأخيرة بتنفيذ أوامر السلطة الحاكمة، ولم يعُد للشعب دور إلّا الطاعة، وعُومل كرعايا، وانتفت الحرّيات العامة، وتقلّصت حرية الفرد إلى قضاياه الشخصية، ولم يعد للسوريين أيّ حقوقٍ سياسية.

استقت السلطة هذا الفهم من الأيديولوجيات السائدة حينذاك، التي جاءت إثر إخفاق المشروع الليبرالي الوليد وديمقراطيّته في الخمسينيات التي لم تستطع إقناع الأكثرية، فابتعدت عنها لصالح الاشتراكية، والقومية، والشيوعية، والإسلام السياسي، متوهّمة أنّها ستتحصل على حقوقها وستستعيد فلسطين. وكان ارتباط العسكر بالأيديولوجيا القومية سبباً لتعزيز وطنيات جديدة في مصر وسورية والعراق بصفة خاصة، وتلبّست بخطابٍ قومي فوق وطني، وسادت وطنياتٌ أخرى في بقية الدول العربية.

ارتبطت الوطنية الجديدة بالتسلط والشمولية، وصار كلّ نقدٍ لها بمثابة أيديولوجيا معادية ومرتبطة بالخارج الإمبريالي، وضد الوطن وفلسطين، صار هذا الكلام أيديولوجيا سائدة وغير قابلة للتشكيك، أو حتى المساءلة، وهنا تتساوى الأيديولوجيا مع الكذب. وفي هذا الإطار، اجتُثّت الحريات العامة، وصارت السياسة بوصفها شأناً عاماً بمثابة مقتلةٍ لأصحابها، ولم يفتح بعد ملف الاعتقال السياسي منذ السبعينيات، ولم ينصف أصحابه، وهم بعشرات الآلاف ما قبل 2011 وبمئات الآلاف بعد هذا العام. عاش السوريون كذلك عقوداً متتالية، وضمناً أصبح كلّ عملٍ سياسيٍّ علني يمارس الكذب، أو المواربة في قول حقيقية الواقع، وهو حال أحزاب الجبهة الوطنية التقدّمية، وحال الأحزاب التي تشكلت بعد 2011 علنياً، وبموافقة من النظام.

حافظ الأسد يغادر القومية

لم يعد النظام قادراً على تحمّل هذه الأيديولوجيا، فقد صارت القومية والاشتراكية عبئاً كبيراً عليه. للدقة، تراجعت مفاهيم الاشتراكية والقومية مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة، وتقدّمت الأيديولوجيا الوطنية بالتزامن مع تفرّده بالسلطة، وجعلها له ولعائلته أولاً، ولكبار الضباط في الأجهزة الأمنية، ولقيادات حزب البعث ثانياً. مع حرب الثمانينيات، ارتبط مفهوم الوطنية بالجنرال حافظ الأسد أكثر فأكثر، وأُجهِز على القوى السياسية المعارضة، وانتهت الأصوات المعارضة مع بداية التسعينيات، وتلاشت مساحة النقد التي تمتّعت بها نسبياً أحزاب الجبهة الوطنية التقدّمية، التي كانت تأتمر أو تَضبط سياساتها وفقاً لما تريده الأجهزة الأمنية، ومع تتالي العقود، أصبحت مجرّد قوى ملحقة بالسلطة، ولا قيمة لنقدها الاقتصادي أو الوطني خاصة.

احتكرت السلطةُ الوطنيةَ، للإجهاز على الحرّيات العامة، ولمنع الانتقال نحو الديمقراطية، ومنع نقاش القضية الفلسطينية قضيةً قوميةً بامتياز، وأيضاً لتمارس الفساد والنهب من دون رقيب أو حسيب، وهذا أدّى إلى ابتذال كل المفاهيم، بما فيها مفهوم الوطنية، وأدّى ذلك إلى تراجع مضامين هذه المفاهيم في وعي السوريين تدريجياً، وأصبحت مواقفهم تجاه هذه المفاهيم، السخرية منها، وبذلك فَرضت السلطة سيطرتها الكاملة على المجتمع وقُواه، وبغياب مفاهيم الوطنية والقومية والاشتراكية، عاد المجتمع إلى قوقعته الأهلية، ليحمي ذاته، باحثاً عن معانيه ضمن دوائر ضيّقة للغاية، كالعائلة، والطائفة، والعشيرة، وضمناً تمسّكت الجماعات القومية، غير العربية، بقومياتها، لتشدّ من أزرها.

أيديولوجيا الفساد والكذب

عاشت سورية عقوداً بلا أيديولوجيا حقيقية إذاً، وعزّزت السلطة الفساد بكلّ أشكاله. وبالتالي، عاش السوريون، حالة من الكذب والنفاق واللفّ والدوران، لإبعاد سطوة القوى الأمنية، وتعمّمت مناخات الفساد والإفساد والكذب معاً، وهذا كان شاملاً لكلّ قوى المجتمع، المُفقَرة والثرية. وكادت الشمولية أن تصبح أبديةً في وعي أغلبية السوريين؛ إذ لم تكن هناك خيارات بديلة حقيقية، وانزوت جماعاتٌ سوريةٌ كثيرةٌ كي لا تتلوّث بالفساد والكذب، لكن حينما كانت تضطر إلى التواصل والتعامل مع مؤسّسات الفساد والكذب، فإنّه ينالها بعض الإفساد، وهذه المناخات تتناقض مع مفاهيم الوطنية والقومية والاشتراكية. وأُجبرت أغلبية سوريّة على الانخراط في حزب البعث ولاعتبارات شتّى: تدبر فرصة عمل، صفقة تجارية، وظيفة عالية في الدولة، الاشتراك في مؤسّسات أجهزة الاستخبارات أو الشرطة أو الجيش، وسواها، وكثيرون ممن كانوا في هذه المؤسّسات لم تكن لهم صلة بالمفاهيم المذكورة، وليس أدلّ على ذلكَ من التبرّؤ منها في سنوات الثورة الأولى، ومن دون أيِّ نقاشٍ لها، فهي لم تكن تعني شيئاً للشعب، عندما كان كثير منه في حزب البعث، أو يلهج بها لسبب أو لآخر.

الثورة وإشكالية الوطنية

مع الثورة، تعالت المطالبة بالحريات وبالكرامة وبالعمل، لكن مفهوم الوطنية لم يتعالَ، ولم تتقدّم شعاراتٌ مرتبطة بالجولان أو بفلسطين، أراد الشعب الخلاص من نظامٍ أغلق أمامهم كل الأبواب، واحتكر هو ومحاسبوه كل الفرص، الاقتصادية والسياسية طبعاً، وحتى الثقافية، بل وأدارت المؤسسات الدينية شؤونها بالتوافق مع سياسات النظام، وانحدرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأكثرية. لم تكن القضية الوطنية هي الأساس، ولا القومية، كان المأمول هو الخلاص من النظام أولاً، كما جرى في تونس ومصر وليبيا، حين تخلّصت من أنظمتها سريعاً.

تتعلق الوطنية، وعدا عمّا جاء أعلاه، بتحرير الأرض، الأرض المحتلة، والقومية تتعلق بفلسطين، وبمفهوم الوحدة العربية والعلاقات مع الدول العربية، والمواطنة بوصفها حقوقاً وواجبات تنظم العلاقات بين أفراد الشعب وعلاقتهم بالدولة. كانت مطالب الشعب الثورية داخلية بامتياز بدءاً من 2011، إذ تعامل الشعب مع الوطنية والقومية باعتبارهما من الأكاذيب الأيديولوجية للنظام، ولم تعنيانه. نعم غاب الجولان وغاب الموقف من الدولة الصهيونية، وكان حضورهما هامشياً، وحتى حينما كان الفلسطينيون يتعرّضون لحروب، كما كان يجري على غزّة أو الضفة الغربية أو أراضي الـ48، كانت ردود السوريين الثائرين هامشية. وللطرافة، حتى جمهور النظام لم يكن يعلن ما بعد 2011 أيّ مواقف ذات معنى ضد تلك الحروب، والمقصد هنا أن وعي كلية الشعب السوري استقرّ على أن أيديولوجية النظام الوطنية والقومية محضُ أكاذيب يوظفها لتأبيد نفسه، لكن غياب الحريات والأزمات العميقة التي يعيشها دفعته إلى أن يعلن ثورة شعبية، ومن أجل قضايا داخلية، اقتصادية وسياسية واجتماعية وسواها.

كان يمكن أن تَقرأ شعاراتٍ تتعلق بالجولان لدى قوى أقرب إلى اليسار، أو القوى الفلسطينية المناهضة للنظام والمشتركة بالثورة، وترفع شعارات استعادة الجولان وتحرير فلسطين، لكن هذه القوى كانت تتفق مع غالبية السوريين في أن تحرير الجولان أو فلسطين يأتي عبر إسقاط النظام السوري. إذاً هناك قضية اجتماعية بارزة، وإسقاط النظام سيفتح الأفق نحو حلّها والتفكيرِ بالمسألة الوطنية والقومية، لكن لاحقاً.

تأخّر الاهتمام بالمسألة الوطنية وبالفكرة الوطنية بسبب التوظيف الأيديولوجي الطويل للنظام لها، كما أوضحت السطور السابقة أعلاه، لكن ذلك لم يكن لصالح صياغة مشروع وطني للثورة، يتضمّن القضايا الاجتماعية والوطنية والموقف من دولة الاحتلال والعلاقة مع الدول العربية. وعدم إيلاء هذه القضايا الأهمية الواجبة، مع شدّة القمع والقتل والتهجير والتدخّل الإيراني باسم الشيعة، دَفع الصراع في سورية إلى الانتقال من صراع اجتماعي مناهض للنظام إلى صراعٍ طائفي في كثير من الأحيان، سيّما بعد عام 2013، إذ دفع الشكل الجديد للصراع المجتمع السوري إلى تسييس بناه الأهلية، والانطلاق منها في العلاقة مع الآخر،  وسيطر هذا الشكل من الصراع على بقية أوجه الصراع، الاجتماعي والديمقراطي والاقتصادي وسواه.

المعارضة وافتقادها المشروع الوطني

المعارضة السورية، وبدلاً من أن تُعنى بالمشروع الوطني انساقت برؤاها نحو الشكل الطائفي، وتدريجياً، وحينما سيطر الصراع المسلح تهمّشت هي لصالح تنظيمات إسلامية عسكرية، تخوض الصراع مع النظام وحليفه الإيراني وحزب الله ولاحقاً روسيا، وجيء بتنظيم داعش ليخلط الأوراق أيضاً. في هذا الوضع تراجعت المفاهيم الوطنية والقومية لدى السوريين كثيراً، ومع طول سنوات الصراع، من 2014 وإلى 2025، لا سيّما بعد 2018، تهتّكت البنية الاجتماعية، بالتزامن مع تهشم وتعفن مؤسسات الدولة، والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكانت فترة ذهبية لسيطرة الدول الخارجية على “دويلات” قوى الأمر الواقع، وعلى أشكال الوعي السائد، والمتوافقة مع الانشغال الكامل بتدبر شؤون العيش الأوّليّة، وأصبحت غالبية السوريين تحت خط الفقر وفي كلّ هذه الدويلات.

لحظة رحيل النظام وضرورة الوطنية الجديدة

كان رحيل النظام لحظةً في غاية الأهمية، وكان كلّ تأخير فيها سيكون كارثياً ومعمّقاً للانقسام المجتمعي، وللتقسيم الإداري. كانت تلك اللحظة، بداية تأسيسٍ لوطنية جديدة. تنبهت إدارة العمليات العسكرية والسياسية لهذه الوطنية، فأرسلت، وهي تسيطر على المدن، رسائل إلى المسيحيين والعلويين والإسماعيليين والدروز، وحتى الأكراد، بأنها ساعية إلى تشكيل دولة لكلّ السوريين. كان هذا جديداً، تستقي هذه الرسائل مضامينها من مساواة السورين مع بعضهم، وإبعاد كلّ شكل للتقسيم، أو التمايز، فسقوط النظام سيحقق مصلحة كلّ السوريين، والمساواة في الحقوق والواجبات.

تضمّنت تلك الرسائل معانٍ تؤسّس لوطنية عابرة للطوائف والعشائر والقوميات، وتؤدّي إلى طرحٍ وطنيٍّ لقضية الجولان. حازت الإدارة الجديدة، على ثقة كبيرة من السوريين، المتخندقين طائفياً وقومياً، لكنها لم تستمر في السياق نفسه، ومع لحظة استلام الحكم، والإعلان عن الحكومة المؤقتة، وتأسيس الجيش، وبدء الانتهاكات في مدينة حمص وأريافها، واللاذقية، والخلاف مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ظهر أن الرسائل السابقة كانت أكبر من أن تُصبح نهجاً مستداماً، لم تتأسّس وطنية جديدة، كما كان مأمولاً، أي لم تكن سياسات الإدارة الجديدة لصالح كل السوريين، ولم تتأسّس المؤسّسات الجديدة للدولة على رؤى وطنية، فظهرت الغلبة لقيادات الإدارة الجديدة، الآتية من هيئة تحرير الشام وحلفائها.

أصبح في حكم الواقعة المقروءة أن الشعب يريد تأسيس وطنية جديدة، تُدار فيها السياسة وشؤون الدولة على أسس وطنية ومن دون أيِّ تمييز بين الشعب على أسس دينية أو قومية أو عشائرية أو مناطقية، بينما راحت الإدارة تبني دولتها على رؤية “إسلامية سلفية”، ومطعّمة بمفاهيم ضبابية عن العدل والمساواة والقانون، وحتى المواطنة. كل خطوات المرحلة الانتقالية حتى لحظة البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني الخاص بالإدارة، تعزّز من دور الإدارة في الهيمنة على الدولة وتأسيس مؤسستها الجديدة، لا سيّما الجيش والأمن والشرطة والقضاء والتعليم والاقتصاد كذلك. وبذلك، تعود الإدارة الجديدة إلى الوطنية السابقة، وطنية النظام نفسها، القائمة على تأبيد السلطة، وتسييس البنى الأهلية واصطدامها ببعضها، وضمن ذلك كان موقفها ضعيفاً تجاه تقدّم قوات الدولة الصهيونية إلى مناطق جديدة في القنيطرة ودرعا، وتهديدها الإدارة إن تمركزت قواتها في الجنوب السوري، وكذلك لم يُلمس موقفٌ قوي، حينما دمّرت أغلبية البنية العسكرية السورية بعد أيام من رحيل النظام السابق. لم يكن للإدارة موقف وطني جاد، كأنّها تقرأ السيادة الوطنية بعين النظام القديم، الذي لطالما صمت عن اعتداءات الدولة الصهيونية، راغباً في إنقاذ ذاته بصمته، ومتوهماً أن الصمت سيبقيه، مؤبداً، في حكم سورية، وقد رحل.

الوطنية الجديدة

لم تظهر الوطنية السورية الجديدة مع بداية الثورة في 2011 على نحوٍ ممنهجٍ وواعٍ، لكن شعارات الثورة في الحرية والكرامة والعمل كانت لكل السوريين، وكانت هناك محاولة شعبية ملتبسة لتأسيس الوطنية، لكنها لم تتعزّز بمشروعٍ وطنيٍّ من  المعارضة، يتأسس على لحظة 8 ديسمبر (2024)، حيث رسائل الإدارة الجديدة، وانفتاح التاريخ بزوال النظام الشمولي. رغم تراجع الإدارة عن مضامين رسائلها، فإن انفتاح التاريخ يسمح بإعادة تأسيس الوطنية الجديدة، وبالارتكاز على كلّ ما هو وطني في تاريخ السوريين، سواء لجهة المشاريع السياسية والثقافية والدينية منذ تأسيس الدولة السورية وانفكاكها عن تركيا، أو لجهة اللحظات السابقة المذكورة وسواها.

هناك حالياً ضرورة لتجاوز كل أشكال الانقسام، التي تعزّزت بعد 2013، تجاه اتحاد السوريين في مطالب جديدة، وانطلاقاً من مفاهيم المواطنة والمساواة الكاملة، وشرعة حقوق الإنسان، وبما لا يتعارض مع البنى الأهلية، والدينية، والقومية، والمناطقية، وشريطة ألا تتعارَض البنى هذه مع المبادئ المذكورة سابقاً. يبدأ التأسيس لوطنية سورية مستقبلية من الحاضر، من المرحلة الانتقالية التي نحن فيها، ويتطلب ذلك البدء بالعدالة الانتقالية، والمصالحة المجتمعية والسلم الأهلي، وتشكيل حكومة وطنية. يبدأ من تعالي السوريين على أيديولوجية النظام القديمة في تقسيم المجتمع وفقاً لبناه الأهلية، واعتبار السوريين متساويين في الحقوق الواجبات.

تكتمل الوطنية الجديدة، المؤسّسة على المواطنة باستعادة الجولان، ودعم قضايا التحرّر، وفي مقدّمتها فلسطين. لا يمكن لشعبٍ أن يؤسّس لدولة المواطنة وجزء من أراضيه محتلٌ، أو ألّا يبادر إلى موقف سياسي تجاه الدولة الصهيونية، سيّما أنها تحتل أرضاً لشعبٍ يشترك مع الغالبية السورية العربية. لا تتأسس الدول إلّا على القضايا العادلة، وفي مقدمة تلك القضايا، المساواة بين الشعب، ودعم قضايا التحرّر العربية والعالمية.

السوريون منهكون للغاية، ليس بسبب همجية النظام السابقة منذ 2011 فحسب، بل ومنذ استبدّ بهم العسكر، لكنّ انفتاح التاريخ، يستدعي دفن ذلك الماضي، واستعادة تاريخهم منذ الستينيات وربما أبعد، ويقتضي ذلك ما أشير إليه من فهم جديد للوطنية. السوريون أمام فرصة تاريخية، لبناء دولة جديدة، وطنية بالفعل، فهل يسيرون في هذا الاتجاه فعلاً أم سيفوّتون الفرصة؟ بعض سياسات الإدارة الجديدة والخطأ في خطوات المرحلة الانتقالية تعزل الشعب عن المشاركة في تأسيس الدولة، وهذا يتناقض مع هذه الفرصة، ويعزّز من الانقسام المجتمعي وتهشيم فكرة الوطنية، فهل ستتراجع عن سياساتها هذه، وتُشرك مختلف القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في صناعة القرار والمساهمة بتأسيس الدولة الجديدة؟ هذا هو المأمول.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى