عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 25 أذار 2025

في الجولان السوري المحتل: الآثار في خدمة الاستعمار/ تيسير خلف
25 مارس 2025
أنفق الرعيل الأول من علماء الآثار الصهاينة قرناً كاملاً في إرسال بعثات استكشافية إلى الجولان، بحثاً عن قصص الكتاب المقدس وآثارها المتخيلة، بغية تأسيس مستوطنات ليهود شرقي أوروبا في هذه المنطقة الحيوية إضافة إلى مناطق أخرى مجاورة لها في فلسطين وشرقي الأردن وحوران.
من أبرز المستكشفين المبشرين الذي زاروا الجولان ودرسوا آثاره عالم اللاهوت إيلي سميث (1801- 1857) وويليام.م تومسون (1806- 1894) وإدوارد روبنسون (1794- 1863)، والذي سيكون له أكبر الأثر في تأسيس علم الآثار الكتابي. وعموماً، لا تخرج بحوث روبنسون عن إطارها الكتابي المُغرق في لاهوتيّته، فالتاريخ والآثار يجب أن يخدما التبشير الأنغليكاني، وإلا فلا داعي للتطرّق إليهما، والدليل على ذلك إهماله المتعمّد الحديث هوية قلعة الصبيبة العربية التي بنيت زمن الأيوبيين، وإشارته غير الرزينة إلى أن الفينيقيين هم الذين بنوها! ومن أجل هذا تعجّ أبحاث روبنسون وصاحبه إيلي سميث بالاجتهادات النظرية من دون أن تستند إلى معطياتٍ آثارية يعتد بها، أما صديقهما الثالث المستر ويليام .م تومسون صاحب الدليل السياحي “الأرض والكتاب”، فكان يعيش في عالمٍ غير مرئيٍّ أبطاله نصف قبيلة مناشيه والدانيين وغيرهم من أسباط بني إسرائيل!
ويمثل سيلا ميريل (1837- 1909) الجيل الثاني من علماء الآثار التوراتيين الأميركيين الذين قصدوا “الأراضي المقدسة” بحثاً عن جغرافيا الكتاب المقدّس التي كانت تشغل رجال الدين الأنغليكان بشكل خاص آنذاك. وفي أثناء أعماله الاستكشافية في منطقة جنوب الجولان في 6 مارس/ آذار 1876، لم يخف ميريل تطلعه إلى توطين شعبٍ “متحضّر” في هذه الأراضي حيث يقول: “وإذا ما خضعت سورية يوماً لحكومة صالحة وقطنها شعب ذكي متحضر، فإن هذه الينابيع (الحمّة) سوف تصبح، من دون ريب، واحداً من أروع المنتجعات المائية في البلاد كلها”. ولكن، وبعد 15 عاماً كان هو نفسه واحداً من أشد معارضي مذكّرة بلاكستون (العضو الفعال في الكنيسة التدبيرية)، التي يعتبرها كثيرون الوثيقة الصهيونية الأولى الداعية إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عام 1891، أي قبل كتاب هيرتزل “دولة اليهود” والمؤتمر الصهيوني الأول بسنوات.
مشروع استيطاني
ولم يكتف النائب السابق في البرلمان البريطاني لورانس أوليفانت (1829- 1888) برحلةٍ استكشافيةٍ على خطى رجال الدين الانغليكان الذين سبقوه، بل حمل في 1879 مشروعاً متكاملاً للاستيطان اليهودي في فلسطين وشرق الأردن، بما فيه منطقة الجولان، وعرضه على السلطان عبد الحميد، غير أن السلطان رفضه بتحريضٍ من المسيحيين العرب، كما قال في مقدّمة كتابه “أرض جلعاد” الذي يبسُط فيه أفكاره حيال هذه الأرض بمعزلٍ عن سكانها الأصليين، فالهاجس المسيطر عليه، بفعل أفكاره الإنجيلية المغرقة في تطرّفها، تقريب موعد القيامة عبر إعادة اليهود إلى الأراضي المقدّسة الواقعة على جانبي وادي الأردن، حسب الفهم الكتابي (التوراتي). ولذلك تجده في مقدّمة كتابه يحاول أن يبرّر هذا الأمر منطقياً، بعرضه مجموعةً من الاحتمالات التي تستقر على اليهود وحدهم.
وبحسب مشروعه الاستيطاني الذي يهدف إلى النهوض بواقع السلطنة العثمانية، وتخليصها من عثراتها، يقترح تأسيس شركة مساهمة لإقامة مستوطنةٍ أو مستوطناتٍ في مناطق مختلفة من فلسطين والجولان وشرق الأردن، ويعرض بطريقة “المنطق الصوري” جلب مستوطنين غربيين مسيحيين إلى هذه المستوطنات، ولكنه يقرّر أن الأوروبيين يتطيّرون من فكرة أن يصبحوا رعايا تحت حكم السلاطين العثمانيين، ثم يقترح توطين المسلمين الذين أخرجوا من ديارهم في بلغاريا ورومانيا ومعظمهم من الشراكسة المهجرين سابقاً من شمال القوقاز، لكنه يشكّك برغبة الدول الأوروبية في تمويل مثل هذا المشروع الذي يخص المسلمين وحدهم. ولذلك الحل السحري الذي يخرُج به هو اليهود، وخصوصاً يهود أوروبا الشرقية الذين يعانون من اضطهادٍ يجعلهم يفضلون العيش تحت حكم العثمانيين من أن يبقوا تحت حكم الدول التي يعيشون بكنفها، نظراً إلى التسامح والرعاية اللذين يسبغهما السلاطين العثمانيون على رعاياهم اليهود، تلك الرعاية الموثقة بفرمان للسلطان عبد المجيد عام 1840.
شوماخر ومدرسة التلفيق الآثاري
وفي أواخر القرن التاسع عشر، استكمل المهندس الألماني غوتليب شوماخر (1857- 1925) عمليات استكشاف الجولان لصالح الجمعية الألمانية لاستكشاف الأراضي المقدّسة، وصدر كتابه “الجولان” بالألمانية والإنكليزية مرفقاً برسوم توضيحية وخريطة تضم معظم أجزاء الجولان التاريخي، باستثناء الجزء الشمالي الغربي، وساد انطباع عام لدى الأوساط الأكاديمية الغربية أن شوماخر درس كل شيء ومحّصه، ولم يعد هناك ما يغري الباحثين لخوض غمار استكشاف هذا الإقليم الذي يعدّ جزءاً رئيساً من الأراضي المقدسة.
ورغم الجهد الكبير الذي بذله شوماخر في دراسة المظاهر الطبيعية والسكانية والوقائع التاريخية واللقى الأثرية، إلا أنه بقي أسير النظرة الاستشراقية الاستعلائية التي تختزل التاريخ العربي للجولان ببضع كلمات، فها هو يختزل 13 قرنا ببضع جمل قال فيها: “بعد الهزيمة الدامية للبيزنطيين عند نهر اليرموك (634) في أقصى الطرف الجنوبي للجولان، سقطت هذه البلاد مع سورية بأكملها في يد العرب، الذين لم يخلدوا ذكرهم هنا، رغم ذلك، إلا من خلال معالم ذات هندسة رديئة”.
والغريب أن الأحكام القطعية التي أطلقها شوماخر امتدّت أيضاً لتمنح اليهود فضل بناء أبنيةٍ كثيرة لا دليل على يهوديتها سوى وحدات زخرفية، تمثل نصف دائرة، قد تكون تساعية الشعب أو عشاريتها، تَصوَّر هو، كما تَصوَّر ميريل قبله، أنها قد تشبه الشمعدان اليهودي! ولذلك يطلق شوماخر حكماً قطعياً بأن هذه الأبنية “ذات شخصية يهودية لا شك فيها، وتثبت خصائصها المعمارية أن المقدرة اليهودية استطاعت أن تجعل نفسها ملموسةً بشكلٍ صريح حتى بالقرب من التفوّق الروماني”، حسب تعبيره الحرفي. وعلم الآثار الصهيوني المعاصر في دولة إسرائيل مدينٌ لشوماخر بجميع المبادئ والأسس التي بنى عليها رؤاه المتخيلة لآثار الجولان، فحتى هذه اللحظة ما زال علماء الآثار الصهاينة يرددون الخرافات نفسها التي أطلقها شوماخر في نهايات القرن التاسع عشر، رغم تقدّم هذا العلم وخروجه من القوالب النمطية التي كرسها روبنسون وشوماخر حول تاريخ الجولان وآثاره.
تغييب الآثار العربية الإسلامية
وبشأن التصوّرات التي يحاول علماء الآثار الصهاينة الإسرائيليون تكريسها عن آثار الجولان، فقد يسلّط هؤلاء الضوء على أثر عادي يمكن العثور عليه في أي مكان، لغايةٍ في نفس يعقوب، وقد يتجاهلون موقعاً عظيماً شامخاً للسبب نفسه.
وعلى سبيل المثال، ضخَّم علماء الآثار الإسرائيليون من بعض المواقع، مثل “خربة كنف”، أو “خربة عين النشوط”، أو “قلعة السنام”، أو “خرائب دبورة”، بسبب زعمهم أنها تضم كنساً يهودية بنيت في الفترة البيزنطية. ورغم أن هذا الكلام لا يصمد أمام أي محاكمةٍ عقلية، إلا أنهم يصرّون على القول إن الحقبة البيزنطية شهدت ازدهاراً في الاستيطان اليهودي في الجولان، غير مثبت إلاَّ في كتب الهالاخاه والتلمود. أما المواقع الشامخة العظيمة مثل آثار بانياس وقلعة الصبيبة وِفِيْق وكفر حارب ذات الهوية العربية الإسلامية، فلم يولوها أدنى اهتمام، لأنها تدحض مزاعمهم.
وبما أن علم الآثار لم يقدم أي قرينة تدعم ادعاءات الصهاينة بوجود آثار عبرية في الجولان، فإن البحث لا يزال جارياً على قدم وساق عن أي قطعة فخار، أو حجر عليه رمز ما، أو عملة نقش عليها اسم ملك يهودي مزعوم. وجميع الدلائل التي ساقها علماء الآثار الإسرائيليون على يهودية بعض المواقع في الجولان استنتاجية تعتمد على تفسير رموز تستخدم لدى البشرية جمعاء على أنها يهودية خاصة، مثل رمز الأسد أو الحمامة أو الأفعى أو قرط العنب. أما الأدلة الفاقعة الدامغة التي لا تقبل مجالاً للشك فهي العائدة إلى الحقبتين المسيحية والإسلامية، حيث تشير الكتابات والرموز إلى تجذّر هاتين الديانتين في الجولان، وخصوصاً الديانة المسيحية التي لا يخلو بيت من القرى المعروفة بأن فيها آثاراً بيزنطية، من رمز الصليب أو كتابة يونانية مسيحية.
20 كنيساً يهودياً شرقي بحيرة طبريا؟
تتحدّث البعثات الأثرية الإسرائيلية عن عثورها على أكثر من 20 كنيساً يهودياً في منطقة صغيرة شمال شرق بحيرة طبريا، وهو ما يعتبرونه دليلاً على أن سكان هذا الموقع من الجولان كانوا يهوداً في العصر البيزنطي. المعضلة الجوهرية في هذه الادعاءات أنها ظنّية، تعتمد على الحدس والرموز أكثر من اعتمادها على أدلة دامغة، فالكنس العشرون المزعومة هي أبنية عادية لا يوحّدها اتجاه، علماً أن أحد المباني المندثرة في قرية نعران صنّف كنيساً فقط لأن واجهته تتجه نحو القدس! وعثر بالقرب من بعض هذه الكنس المزعومة على زخارف لرموز نباتية وحيوانية كانت شائعة في ذلك الزمن مثل عقدة هيراكليس، أو إكليل الغار، أو حمامة وأفعى وقرط عنب. وهي رموزٌ يمكن أن نجدها في أي منازل أو كنائس في المنطقة، كما عثر على قطع فخارية قيل إن عليها أسماء متبرعين لبناء تلك الكنس، أما الشمعدانات فلها شعب مختلفة العدد، ثلاثية وخماسية وتساعية، وهي تعد على أصابع اليد الواحدة. وبالإضافة إلى ذلك هي موجودة في كنائس مسيحية إلى جانب الصلبان، وهو ما يثير شكوكاً حول وظيفتها ورمزيتها، حتى أن الباحثين باتوا على قناعة بأن الشمعدان كان رمزاً مسيحياً في الحقبة البيزنطية. وهناك زخارف قيل إنها شمعدانات تبين أنها شجرة زيتون مقدّسة إلى جانب الصليب. وهذا ما بدا واضحاً في الأسكفة التي تحدث عنها شوماخر في قرية بريقة، وادّعى أنها شمعدان يهودي فوق صليب مسيحي، بينما هي في الواقع رمز شجرة الزيتون المقدّسة عند المسيحيين. وينطبق هذا الكلام على الكنيسة المسيحية في قصرين، والتي جرى تحويلها إلى كنيس أثري من دون أي دليل دامغ على ذلك، وقد جرى ترميمُها بطريقةٍ توحي بأنها كنيسٌ حقاً، عبر إضافة مقاعد حجرية تحيط بالجدران من الداخل.
وينطبق الأمر نفسه على المبنى العام في قلعة السنام، أو جملة كما يسمّونها، فقد تم ترميم القاعة الكبيرة بالطريقة نفسها، أي إضافة مقاعد حجرية تحيط بالجدران، والدليل الذي تم اعتماده على يهودية هذه القلعة، عملة معدنية لا مثيل لها في العالم، كتب عليها “من أجل عزّة أورشليم”.
وفيما يخص كنيس الحمّة المزعوم، فقد اعتمد في تحديده على لوحة فسيفسائية لأسديْن، قيل إنهما يشبهان أسدي كنيس بيت ألفا في فلسطين، من دون وجود أي دليل آخر سوى كتابة باللغة الآرامية تتحدّث عن أسماء المتبرّعين ببنائه، وجميعهم ليسوا من سكّان الحمّة، بعضهم من كفر عاقب في منطقة البطيحة، وآخر من سوسيا وكفر ناحوم وعمواس وأربل. وما يلفت النظر أيضاً حسب تأكيدات البعثة الأثرية الإسرائيلية عدم وجود رموز أو شعاراتٍ أو عباراتٍ لها علاقة باليهودية، بل إن ما يزيد الأمر استغراباً وجود لقب لأحد المتبرّعين هو القمص، وهو لقب مسيحي قبطي معروف.
مصادر هلاخية شرعية
وقد أدّى اعتماد المصادر الهلاخية (الشرعية) في تحديد هوية بعض القرى الجولانية باعتبارها يهودية، إلى الوقوع في خيبة أمل لدى الباحثين الإسرائيليين، الذين أقرّوا بأن القرى التي يرد ذكرها في كتب الهلاخاه، وهي عينوش (التي قيل إنها العوانيش)، وعينحارة (؟)، ودمبر (؟) وعيون، ويعروت (؟)، وكفار يحريب (التي قيل إنها كفر حارب)، ونوب (التي قيل إنها ناب)، وخسفيه (التي قيل إنها خسفين)، وسمخ، لم يعثر في أي منها على أي أثر يهودي، بل عثر على آثار مسيحية، بينما قالوا إنهم عثروا على رموز يهودية في قرى لم تصنف في الهلاخاه بأنها يهودية!
ومن أمثلة يستخدمها بعض الباحثين الإسرائيليين للتدليل على هوية منطقة ما في الجولان بأنها يهودية، نذكر المثل الوارد في كتاب “الجولان في الحقبتين الرومانية والبيزنطية” لدان أورمان، الذي دلّل على أحد افتراضاته بما ورد في مدراش تناعيم في سفر التثنية: “قالوا: عندما انطلق هدريان على الطريق الصاعدة إلى الحمّة، وجد شابّة من إسرائيل.. قال لها: ما أنت؟ فقالت له أنا من بنات إسرائيل، فنزل عن جواده في الحال وركع أمامها”. ومع أن الباحث يقرّ بأسطورية هذا المدراش، إلا أنه يعتبره مؤشّراً يدعم فكرته.
كما يستشهد الباحث نفسه بنصّ حاخامي؛ يحاول أن يثبت من خلاله أن بيت صيدا كانت يهودية، والمثال يرد في اليروشاليمي شيكاليم ونصّه: “تقول تعاليم الحاخام شمعون بن غمائيل قال: ذهبت مرّة إلى صيدان (بيت صيدا) فجلب أمامي ثلاثمائة نوع من الأسماك على صينية واحدة”. ورغم إقرار الباحث بأن الأبحاث دلّت على عدم وجود أكثر من 18 نوعاً من الأسماك في بحيرة طبريا، إلا أنه يعتبر ذلك دليلاً غير مباشر على افتراضه.
عبثية المحاولات
عبثيّة محاولات الباحثين الإسرائيليين تتجلى بالبحث عن فترة ازدهار افتراضية للاستيطان اليهودي في الجولان، في المرحلة البيزنطية التي تعتبر ذهبيةً بكل المقاييس بالنسبة للديانة المسيحية، ليس في الجولان وفلسطين وعموم منطقة شرق المتوسّط فحسب، بل في العالم القديم أجمع. وهو ما يؤكّد على الغاية الحقيقية من كل تلك البحوث وهي دعم الاستيطان الصهيوني في الجولان بعلم الآثار، نوعاً من البحث عن مشروعية ما للاحتلال.
العربي الجديد
—————————
سورية بين وطنيّتَين/ عمار ديوب
25 مارس 2025
تكتمل الوطنية الجديدة في سورية، المؤسّسة على المواطنة باستعادة الجولان، ودعم قضايا التحرّر، وفي مقدّمتها فلسطين، إذ لا يمكن لشعبٍ أن يؤسّس لدولة المواطنة وجزء من أراضيه محتلٌ أو ألّا يبادر إلى موقف سياسي تجاه الدولة الصهيونية، سيّما أنها تحتل أرضاً لشعبٍ يشترك مع الغالبية السورية العربية. لا تتأسس الدول إلّا على القضايا العادلة، وفي مقدمة تلك القضايا، المساواة بين الشعب، ودعم قضايا التحرّر العربية والعالمية.
تتحدّد الوطنية بالعلاقة مع الخارج وبمسألة الأرض المحتلّة، وكذلك تتحدّد بجغرافية وشعب وسلطة دولة ما. لم تنبنِ الوطنية السورية في النظام السابق، الشمولي، بالاستناد إلى المواطنين بل بالاستناد إلى مفهوم الوطن والدفاع عنه. ساد هذا الفهم في سورية منذ سيطر العسكر على السلطة في 1963، وبالتدريج غابت الحقوق العامة وفُرضت الواجبات، وارتبطت الأخيرة بتنفيذ أوامر السلطة الحاكمة، ولم يعُد للشعب دور إلّا الطاعة، وعُومل كرعايا، وانتفت الحرّيات العامة، وتقلّصت حرية الفرد إلى قضاياه الشخصية، ولم يعد للسوريين أيّ حقوقٍ سياسية.
استقت السلطة هذا الفهم من الأيديولوجيات السائدة حينذاك، التي جاءت إثر إخفاق المشروع الليبرالي الوليد وديمقراطيّته في الخمسينيات التي لم تستطع إقناع الأكثرية، فابتعدت عنها لصالح الاشتراكية، والقومية، والشيوعية، والإسلام السياسي، متوهّمة أنّها ستتحصل على حقوقها وستستعيد فلسطين. وكان ارتباط العسكر بالأيديولوجيا القومية سبباً لتعزيز وطنيات جديدة في مصر وسورية والعراق بصفة خاصة، وتلبّست بخطابٍ قومي فوق وطني، وسادت وطنياتٌ أخرى في بقية الدول العربية.
ارتبطت الوطنية الجديدة بالتسلط والشمولية، وصار كلّ نقدٍ لها بمثابة أيديولوجيا معادية ومرتبطة بالخارج الإمبريالي، وضد الوطن وفلسطين، صار هذا الكلام أيديولوجيا سائدة وغير قابلة للتشكيك، أو حتى المساءلة، وهنا تتساوى الأيديولوجيا مع الكذب. وفي هذا الإطار، اجتُثّت الحريات العامة، وصارت السياسة بوصفها شأناً عاماً بمثابة مقتلةٍ لأصحابها، ولم يفتح بعد ملف الاعتقال السياسي منذ السبعينيات، ولم ينصف أصحابه، وهم بعشرات الآلاف ما قبل 2011 وبمئات الآلاف بعد هذا العام. عاش السوريون كذلك عقوداً متتالية، وضمناً أصبح كلّ عملٍ سياسيٍّ علني يمارس الكذب، أو المواربة في قول حقيقية الواقع، وهو حال أحزاب الجبهة الوطنية التقدّمية، وحال الأحزاب التي تشكلت بعد 2011 علنياً، وبموافقة من النظام.
حافظ الأسد يغادر القومية
لم يعد النظام قادراً على تحمّل هذه الأيديولوجيا، فقد صارت القومية والاشتراكية عبئاً كبيراً عليه. للدقة، تراجعت مفاهيم الاشتراكية والقومية مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة، وتقدّمت الأيديولوجيا الوطنية بالتزامن مع تفرّده بالسلطة، وجعلها له ولعائلته أولاً، ولكبار الضباط في الأجهزة الأمنية، ولقيادات حزب البعث ثانياً. مع حرب الثمانينيات، ارتبط مفهوم الوطنية بالجنرال حافظ الأسد أكثر فأكثر، وأُجهِز على القوى السياسية المعارضة، وانتهت الأصوات المعارضة مع بداية التسعينيات، وتلاشت مساحة النقد التي تمتّعت بها نسبياً أحزاب الجبهة الوطنية التقدّمية، التي كانت تأتمر أو تَضبط سياساتها وفقاً لما تريده الأجهزة الأمنية، ومع تتالي العقود، أصبحت مجرّد قوى ملحقة بالسلطة، ولا قيمة لنقدها الاقتصادي أو الوطني خاصة.
احتكرت السلطةُ الوطنيةَ، للإجهاز على الحرّيات العامة، ولمنع الانتقال نحو الديمقراطية، ومنع نقاش القضية الفلسطينية قضيةً قوميةً بامتياز، وأيضاً لتمارس الفساد والنهب من دون رقيب أو حسيب، وهذا أدّى إلى ابتذال كل المفاهيم، بما فيها مفهوم الوطنية، وأدّى ذلك إلى تراجع مضامين هذه المفاهيم في وعي السوريين تدريجياً، وأصبحت مواقفهم تجاه هذه المفاهيم، السخرية منها، وبذلك فَرضت السلطة سيطرتها الكاملة على المجتمع وقُواه، وبغياب مفاهيم الوطنية والقومية والاشتراكية، عاد المجتمع إلى قوقعته الأهلية، ليحمي ذاته، باحثاً عن معانيه ضمن دوائر ضيّقة للغاية، كالعائلة، والطائفة، والعشيرة، وضمناً تمسّكت الجماعات القومية، غير العربية، بقومياتها، لتشدّ من أزرها.
أيديولوجيا الفساد والكذب
عاشت سورية عقوداً بلا أيديولوجيا حقيقية إذاً، وعزّزت السلطة الفساد بكلّ أشكاله. وبالتالي، عاش السوريون، حالة من الكذب والنفاق واللفّ والدوران، لإبعاد سطوة القوى الأمنية، وتعمّمت مناخات الفساد والإفساد والكذب معاً، وهذا كان شاملاً لكلّ قوى المجتمع، المُفقَرة والثرية. وكادت الشمولية أن تصبح أبديةً في وعي أغلبية السوريين؛ إذ لم تكن هناك خيارات بديلة حقيقية، وانزوت جماعاتٌ سوريةٌ كثيرةٌ كي لا تتلوّث بالفساد والكذب، لكن حينما كانت تضطر إلى التواصل والتعامل مع مؤسّسات الفساد والكذب، فإنّه ينالها بعض الإفساد، وهذه المناخات تتناقض مع مفاهيم الوطنية والقومية والاشتراكية. وأُجبرت أغلبية سوريّة على الانخراط في حزب البعث ولاعتبارات شتّى: تدبر فرصة عمل، صفقة تجارية، وظيفة عالية في الدولة، الاشتراك في مؤسّسات أجهزة الاستخبارات أو الشرطة أو الجيش، وسواها، وكثيرون ممن كانوا في هذه المؤسّسات لم تكن لهم صلة بالمفاهيم المذكورة، وليس أدلّ على ذلكَ من التبرّؤ منها في سنوات الثورة الأولى، ومن دون أيِّ نقاشٍ لها، فهي لم تكن تعني شيئاً للشعب، عندما كان كثير منه في حزب البعث، أو يلهج بها لسبب أو لآخر.
الثورة وإشكالية الوطنية
مع الثورة، تعالت المطالبة بالحريات وبالكرامة وبالعمل، لكن مفهوم الوطنية لم يتعالَ، ولم تتقدّم شعاراتٌ مرتبطة بالجولان أو بفلسطين، أراد الشعب الخلاص من نظامٍ أغلق أمامهم كل الأبواب، واحتكر هو ومحاسبوه كل الفرص، الاقتصادية والسياسية طبعاً، وحتى الثقافية، بل وأدارت المؤسسات الدينية شؤونها بالتوافق مع سياسات النظام، وانحدرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأكثرية. لم تكن القضية الوطنية هي الأساس، ولا القومية، كان المأمول هو الخلاص من النظام أولاً، كما جرى في تونس ومصر وليبيا، حين تخلّصت من أنظمتها سريعاً.
تتعلق الوطنية، وعدا عمّا جاء أعلاه، بتحرير الأرض، الأرض المحتلة، والقومية تتعلق بفلسطين، وبمفهوم الوحدة العربية والعلاقات مع الدول العربية، والمواطنة بوصفها حقوقاً وواجبات تنظم العلاقات بين أفراد الشعب وعلاقتهم بالدولة. كانت مطالب الشعب الثورية داخلية بامتياز بدءاً من 2011، إذ تعامل الشعب مع الوطنية والقومية باعتبارهما من الأكاذيب الأيديولوجية للنظام، ولم تعنيانه. نعم غاب الجولان وغاب الموقف من الدولة الصهيونية، وكان حضورهما هامشياً، وحتى حينما كان الفلسطينيون يتعرّضون لحروب، كما كان يجري على غزّة أو الضفة الغربية أو أراضي الـ48، كانت ردود السوريين الثائرين هامشية. وللطرافة، حتى جمهور النظام لم يكن يعلن ما بعد 2011 أيّ مواقف ذات معنى ضد تلك الحروب، والمقصد هنا أن وعي كلية الشعب السوري استقرّ على أن أيديولوجية النظام الوطنية والقومية محضُ أكاذيب يوظفها لتأبيد نفسه، لكن غياب الحريات والأزمات العميقة التي يعيشها دفعته إلى أن يعلن ثورة شعبية، ومن أجل قضايا داخلية، اقتصادية وسياسية واجتماعية وسواها.
كان يمكن أن تَقرأ شعاراتٍ تتعلق بالجولان لدى قوى أقرب إلى اليسار، أو القوى الفلسطينية المناهضة للنظام والمشتركة بالثورة، وترفع شعارات استعادة الجولان وتحرير فلسطين، لكن هذه القوى كانت تتفق مع غالبية السوريين في أن تحرير الجولان أو فلسطين يأتي عبر إسقاط النظام السوري. إذاً هناك قضية اجتماعية بارزة، وإسقاط النظام سيفتح الأفق نحو حلّها والتفكيرِ بالمسألة الوطنية والقومية، لكن لاحقاً.
تأخّر الاهتمام بالمسألة الوطنية وبالفكرة الوطنية بسبب التوظيف الأيديولوجي الطويل للنظام لها، كما أوضحت السطور السابقة أعلاه، لكن ذلك لم يكن لصالح صياغة مشروع وطني للثورة، يتضمّن القضايا الاجتماعية والوطنية والموقف من دولة الاحتلال والعلاقة مع الدول العربية. وعدم إيلاء هذه القضايا الأهمية الواجبة، مع شدّة القمع والقتل والتهجير والتدخّل الإيراني باسم الشيعة، دَفع الصراع في سورية إلى الانتقال من صراع اجتماعي مناهض للنظام إلى صراعٍ طائفي في كثير من الأحيان، سيّما بعد عام 2013، إذ دفع الشكل الجديد للصراع المجتمع السوري إلى تسييس بناه الأهلية، والانطلاق منها في العلاقة مع الآخر، وسيطر هذا الشكل من الصراع على بقية أوجه الصراع، الاجتماعي والديمقراطي والاقتصادي وسواه.
المعارضة وافتقادها المشروع الوطني
المعارضة السورية، وبدلاً من أن تُعنى بالمشروع الوطني انساقت برؤاها نحو الشكل الطائفي، وتدريجياً، وحينما سيطر الصراع المسلح تهمّشت هي لصالح تنظيمات إسلامية عسكرية، تخوض الصراع مع النظام وحليفه الإيراني وحزب الله ولاحقاً روسيا، وجيء بتنظيم داعش ليخلط الأوراق أيضاً. في هذا الوضع تراجعت المفاهيم الوطنية والقومية لدى السوريين كثيراً، ومع طول سنوات الصراع، من 2014 وإلى 2025، لا سيّما بعد 2018، تهتّكت البنية الاجتماعية، بالتزامن مع تهشم وتعفن مؤسسات الدولة، والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكانت فترة ذهبية لسيطرة الدول الخارجية على “دويلات” قوى الأمر الواقع، وعلى أشكال الوعي السائد، والمتوافقة مع الانشغال الكامل بتدبر شؤون العيش الأوّليّة، وأصبحت غالبية السوريين تحت خط الفقر وفي كلّ هذه الدويلات.
لحظة رحيل النظام وضرورة الوطنية الجديدة
كان رحيل النظام لحظةً في غاية الأهمية، وكان كلّ تأخير فيها سيكون كارثياً ومعمّقاً للانقسام المجتمعي، وللتقسيم الإداري. كانت تلك اللحظة، بداية تأسيسٍ لوطنية جديدة. تنبهت إدارة العمليات العسكرية والسياسية لهذه الوطنية، فأرسلت، وهي تسيطر على المدن، رسائل إلى المسيحيين والعلويين والإسماعيليين والدروز، وحتى الأكراد، بأنها ساعية إلى تشكيل دولة لكلّ السوريين. كان هذا جديداً، تستقي هذه الرسائل مضامينها من مساواة السورين مع بعضهم، وإبعاد كلّ شكل للتقسيم، أو التمايز، فسقوط النظام سيحقق مصلحة كلّ السوريين، والمساواة في الحقوق والواجبات.
تضمّنت تلك الرسائل معانٍ تؤسّس لوطنية عابرة للطوائف والعشائر والقوميات، وتؤدّي إلى طرحٍ وطنيٍّ لقضية الجولان. حازت الإدارة الجديدة، على ثقة كبيرة من السوريين، المتخندقين طائفياً وقومياً، لكنها لم تستمر في السياق نفسه، ومع لحظة استلام الحكم، والإعلان عن الحكومة المؤقتة، وتأسيس الجيش، وبدء الانتهاكات في مدينة حمص وأريافها، واللاذقية، والخلاف مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ظهر أن الرسائل السابقة كانت أكبر من أن تُصبح نهجاً مستداماً، لم تتأسّس وطنية جديدة، كما كان مأمولاً، أي لم تكن سياسات الإدارة الجديدة لصالح كل السوريين، ولم تتأسّس المؤسّسات الجديدة للدولة على رؤى وطنية، فظهرت الغلبة لقيادات الإدارة الجديدة، الآتية من هيئة تحرير الشام وحلفائها.
أصبح في حكم الواقعة المقروءة أن الشعب يريد تأسيس وطنية جديدة، تُدار فيها السياسة وشؤون الدولة على أسس وطنية ومن دون أيِّ تمييز بين الشعب على أسس دينية أو قومية أو عشائرية أو مناطقية، بينما راحت الإدارة تبني دولتها على رؤية “إسلامية سلفية”، ومطعّمة بمفاهيم ضبابية عن العدل والمساواة والقانون، وحتى المواطنة. كل خطوات المرحلة الانتقالية حتى لحظة البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني الخاص بالإدارة، تعزّز من دور الإدارة في الهيمنة على الدولة وتأسيس مؤسستها الجديدة، لا سيّما الجيش والأمن والشرطة والقضاء والتعليم والاقتصاد كذلك. وبذلك، تعود الإدارة الجديدة إلى الوطنية السابقة، وطنية النظام نفسها، القائمة على تأبيد السلطة، وتسييس البنى الأهلية واصطدامها ببعضها، وضمن ذلك كان موقفها ضعيفاً تجاه تقدّم قوات الدولة الصهيونية إلى مناطق جديدة في القنيطرة ودرعا، وتهديدها الإدارة إن تمركزت قواتها في الجنوب السوري، وكذلك لم يُلمس موقفٌ قوي، حينما دمّرت أغلبية البنية العسكرية السورية بعد أيام من رحيل النظام السابق. لم يكن للإدارة موقف وطني جاد، كأنّها تقرأ السيادة الوطنية بعين النظام القديم، الذي لطالما صمت عن اعتداءات الدولة الصهيونية، راغباً في إنقاذ ذاته بصمته، ومتوهماً أن الصمت سيبقيه، مؤبداً، في حكم سورية، وقد رحل.
الوطنية الجديدة
لم تظهر الوطنية السورية الجديدة مع بداية الثورة في 2011 على نحوٍ ممنهجٍ وواعٍ، لكن شعارات الثورة في الحرية والكرامة والعمل كانت لكل السوريين، وكانت هناك محاولة شعبية ملتبسة لتأسيس الوطنية، لكنها لم تتعزّز بمشروعٍ وطنيٍّ من المعارضة، يتأسس على لحظة 8 ديسمبر (2024)، حيث رسائل الإدارة الجديدة، وانفتاح التاريخ بزوال النظام الشمولي. رغم تراجع الإدارة عن مضامين رسائلها، فإن انفتاح التاريخ يسمح بإعادة تأسيس الوطنية الجديدة، وبالارتكاز على كلّ ما هو وطني في تاريخ السوريين، سواء لجهة المشاريع السياسية والثقافية والدينية منذ تأسيس الدولة السورية وانفكاكها عن تركيا، أو لجهة اللحظات السابقة المذكورة وسواها.
هناك حالياً ضرورة لتجاوز كل أشكال الانقسام، التي تعزّزت بعد 2013، تجاه اتحاد السوريين في مطالب جديدة، وانطلاقاً من مفاهيم المواطنة والمساواة الكاملة، وشرعة حقوق الإنسان، وبما لا يتعارض مع البنى الأهلية، والدينية، والقومية، والمناطقية، وشريطة ألا تتعارَض البنى هذه مع المبادئ المذكورة سابقاً. يبدأ التأسيس لوطنية سورية مستقبلية من الحاضر، من المرحلة الانتقالية التي نحن فيها، ويتطلب ذلك البدء بالعدالة الانتقالية، والمصالحة المجتمعية والسلم الأهلي، وتشكيل حكومة وطنية. يبدأ من تعالي السوريين على أيديولوجية النظام القديمة في تقسيم المجتمع وفقاً لبناه الأهلية، واعتبار السوريين متساويين في الحقوق الواجبات.
تكتمل الوطنية الجديدة، المؤسّسة على المواطنة باستعادة الجولان، ودعم قضايا التحرّر، وفي مقدّمتها فلسطين. لا يمكن لشعبٍ أن يؤسّس لدولة المواطنة وجزء من أراضيه محتلٌ، أو ألّا يبادر إلى موقف سياسي تجاه الدولة الصهيونية، سيّما أنها تحتل أرضاً لشعبٍ يشترك مع الغالبية السورية العربية. لا تتأسس الدول إلّا على القضايا العادلة، وفي مقدمة تلك القضايا، المساواة بين الشعب، ودعم قضايا التحرّر العربية والعالمية.
السوريون منهكون للغاية، ليس بسبب همجية النظام السابقة منذ 2011 فحسب، بل ومنذ استبدّ بهم العسكر، لكنّ انفتاح التاريخ، يستدعي دفن ذلك الماضي، واستعادة تاريخهم منذ الستينيات وربما أبعد، ويقتضي ذلك ما أشير إليه من فهم جديد للوطنية. السوريون أمام فرصة تاريخية، لبناء دولة جديدة، وطنية بالفعل، فهل يسيرون في هذا الاتجاه فعلاً أم سيفوّتون الفرصة؟ بعض سياسات الإدارة الجديدة والخطأ في خطوات المرحلة الانتقالية تعزل الشعب عن المشاركة في تأسيس الدولة، وهذا يتناقض مع هذه الفرصة، ويعزّز من الانقسام المجتمعي وتهشيم فكرة الوطنية، فهل ستتراجع عن سياساتها هذه، وتُشرك مختلف القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في صناعة القرار والمساهمة بتأسيس الدولة الجديدة؟ هذا هو المأمول.
العربي الجديد
——————————–
خلافات وتخوّفات إسرائيلية تعطّل إدخال عمال دروز من سورية/ نايف زيداني
25 مارس 2025
يحول خلاف بين وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس وقيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، دون إدخال عمال دروز من سورية للعمل في دولة الاحتلال، بسبب تخوفات أمنية. وتبنّى وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل موقف الجيش وامتنع، في الوقت الراهن، عن توقيع الأوامر التي تسمح بدخول العمال، بخلاف رغبة كاتس.
وفي إطار محاولات إسرائيل استغلال الأوضاع الداخلية في سورية، والتودد إلى بعض الشرائح بنية استغلالها في زعزعة استقرار البلد الذي يحاول بناء نفسه، أعلن كاتس قبل نحو أسبوعين، أنه ينوي استقدام عمال دروز من سورية للعمل في مستوطنات مرتفعات الجولان في تاريخ 16 مارس/ آذار الجاري، إلا أن هذا لم يحدث بعد. ونقلت صحيفة هآرتس العبرية، اليوم الثلاثاء، عن مصادر مطّلعة على الموضوع، لم تسمّها، أن سبب تعطيل دخول العمال، يعود إلى موقف قائد قيادة المنطقة الشمالي في جيش الاحتلال الجنرال أوري غوردين. ويقول الجيش إن كاتس لم يبلغ القيادة بنيته السماح بدخول العمال في التاريخ الذي حدده.
ويوجه ضباط كبار في جيش الاحتلال انتقادات حادة لتصريحات الوزير في الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، فيما يتعلق بـ”قضايا حساسة” مرتبطة بسورية، ويعتقدون وفق ما نقلته الصحيفة، أنها قد تؤدي إلى تصعيد غير ضروري مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وتهدد حياة سكان هضبة الجولان في الجانب الذي احتلته إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد، والذين يسعى الجيش لتوطيد علاقاته معهم.
طائرة إف 16 تابعة لجيش الاحتلال في شمال إسرائيل، 24 مارس 2025 (جاك غويز/فرانس برس)
وترى قيادة الجيش، وفق ذات المصادر، أن دخول العمال يجب أن يتم فقط بعد إعداد شامل والتحقق من هوية كل عامل، وإلا سيصعب كشف محاولات عناصر “معادية” استغلال دخولها إلى إسرائيل. ويقول ضباط كبار إن دخول العمال دون التحضير اللازم، قد يعرّضهم أيضاً للخطر، حيث يمكن للنظام أو “المنظمات الإرهابية” في سورية، على حد تعبيرهم، اعتبارهم متعاونين مع إسرائيل، أو استغلالهم في محاولة الحصول على معلومات منهم وتجنيدهم عند عودتهم إلى بلادهم.
كما أن الوزير أربيل، الذي طلب منه كاتس توقيع تصاريح دخول العمال، لم يتم إبلاغه مسبقاً بنيات السماح لهم بالعمل في إسرائيل، في إشارة إلى الجزء الذي تحتله منذ 1967، وعلم بذلك من منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي. وتبنّى أربيل موقف الجيش في النزاع، ووفقاً لمصادر مقربة منه، فإنه غير مستعد ليكون ختماً مطاطياً لوزير الأمن. وأصدرت وزارة الداخلية بياناً قالت فيه: “هناك حاجة لاستكمال العمل الأمني الذي يتم حالياً. بعد استكمال العمل الأمني، سيوقّع وزير الداخلية على تصاريح الدخول”.
بالإضافة إلى تصريحات الوزير بشأن إدخال عمال سوريين، أعرب كاتس في الآونة الأخيرة عن استعداده للتدخل في الشؤون السورية بذريعة حماية الدروز. وقبل نحو أسبوعين، قام بجولة في الجزء الذي احتلته إسرائيل حديثاً من جبل الشيخ، رفقة نائب رئيس الأركان تامير يدعي، ولكن دون مشاركة قائد المنطقة الشمالية غوردين. وبعد الجولة، أصدر كاتس بياناً وعد فيه الدروز بأن إسرائيل “ستحمي إخوتهم في سورية من أي تهديد”. ووفقاً لمصادر الصحيفة، لم يناقش كاتس الموضوع مع كبار مسؤولي الأمن مسبقاً.
وقال مصدر في المؤسسة الأمنية لـ”هآرتس”، إن التزام إسرائيل بالتدخل في القتال في القرى الدرزية في منطقة دمشق أو في عمق سورية، قد تكون له تداعيات خطيرة، تصل إلى فتح جبهة إضافية، فيما لم تستعد قيادة المنطقة الشمالية للعمل في هذه المناطق. ووفقاً لمصدر أمني كبير، “عندما تقول إسرائيل رسمياً إنها ستخرج لحماية الدروز، يجب أن يكون ذلك مدعوماً بخطة عملياتية وفهم أنه إذا تحرك النظام السوري ضدهم الآن، سنرد. إذا تعرضوا للهجوم ولم تقدّم إسرائيل لهم المساعدة لأي سبب كان، فإن الضرر بمكانتها وبالردع الذي حققه الجيش الإسرائيلي في الحرب سيتآكل، وقد تفهم هذه المجتمعات أن من الأفضل لها الانضمام للنظام السوري”.
وفي 14 مارس/ آذار الجاري، دخل وفدٌ من سورية يضم نحو مئةِ رجل دين يمثلون الطائفة الدرزية من محافظتَي القنيطرة وريف دمشق، الأراضي المحتلة، في زيارة وُصفت بالتاريخية والدينية، تلبية لدعوة من الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل والمعروف أنه مقرب جداً من سلطات الاحتلال ويتبنّى سرديتها. وزار الوفد مقام النبي شعيب في الجليل الأدنى، وشارك بافتتاح مقرّ ديني في قرية البقيعة.
وأثارت الزيارة انقساماً في الآراء داخل الطائفة الدرزية في سورية ولبنان، إذ حذرت مشيخة العقل في لبنان، في بيان أصدرته وقتئذ، من تبعات المشاركة، مؤكدة المحاسبة الدينية على كل مخالف، فيما أصدر أهالي قرية حضر في القنيطرة السورية، بيان استنكارٍ وصفَ الزيارة بالأداة الإسرائيلية لزرع الانقسام، مؤكدين أن المشايخ الذين لبوا الدعوة “لا يمثلون إلّا أنفسهم”.
العربي الجديد
————————————
ما أسباب الغموض الأميركي تجاه الإدارة السورية الجديدة؟
25/3/2025الرغم من الرسائل الإيجابية والتطمينات التي بعثت بها الإدارة السورية الجديدة منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد -والتي لاقت صدى إيجابيا إقليميا وأوروبيا- فإن الموقف الأميركي بقي غامضا وضبابيا تجاه الوضع السوري الجديد.
وقد اتسمت تصريحات المسؤولين الأميركيين -على ندرتها- بعدم وجود موقف واضح وحاسم تجاه حكومة دمشق التي تراقب بحذر الإشارات والتصريحات القادمة من واشنطن، وسط مخاوف من أن يكون هذا الغموض مقدمة لسياسة ضغوط أو مساومات إقليمية مرتبطة بموقع سوريا الجيوسياسي وعلاقتها مع حلفاء واشنطن وأعدائها في المنطقة.
فما الدوافع التي تقف خلف هذا النهج الأميركي تجاه حكومة دمشق؟ وهل هو مجرد حذر إستراتيجي أم أن هناك اعتبارات أخرى تحكم السياسة الأميركية تجاه سوريا في هذه المرحلة المفصلية؟
واشنطن متحفظة
يرى مراقبون أن وجود هيئة تحرير الشام المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية، وقائدها أحمد الشرع على رأس الإدارة السورية الجديدة، يلعب دورا مهما في عدم اتخاذ واشنطن خطوات جدية تجاه حكومة دمشق.
هذا الموقف عبّر عنه بوضوح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل وتصريحاته بشأن الإدارة السورية الجديدة عندما قال “إن سقوط الأسد أمر واعد ومهم، لكن قيام سوريا باستبدال قوة مزعزعة للاستقرار بقوة مماثلة أخرى ليس بالتطور الإيجابي”.
وقبل ذلك -وتحديدا في مؤتمر باريس الخاص بسوريا في منتصف فبراير/شباط الماضي- رفضت الولايات المتحدة التوقيع على “الإعلان” الذي وقعه جميع المشاركين، إذ يعود السبب في ذلك وفقا لمراقبين إلى تحفظ واشنطن إزاء هيئة تحرير الشام والهيئات التي تشكلت منذ سقوط نظام بشار الأسد، كما يرجح الباحث في مركز الحوار للأبحاث والدراسات في واشنطن عمار جلو في حديثه للجزيرة نت.
ويضاف إلى ذلك -حسب جلو- وجود شخصيات كثيرة ضمن إدارة دونالد ترامب من المعادين لتيارات الإسلام السياسي، والجهادي خصوصا.
وفي السياق نفسه، يوضح رئيس منظمة “مواطنون من أجل أميركا آمنة” الأكاديمي بكر غبيس للجزيرة نت أن موضوع التعامل مع بلد تحكمه جماعة مصنفة على قوائم الإرهاب هو أمر معقد ويحتاج لإجراءات قانونية وسياسية إلى جانب التشاور مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
وكان أول وفد أميركي زار دمشق بعد سقوط النظام في 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي برئاسة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، والتي أعلنت وقتها أن واشنطن ألغت مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار كانت قد رصدتها في وقت سابق للقبض على الشرع.
وتجلى الحذر الأميركي أيضا في التعامل مع الوضع السوري الجديد في اتباع دبلوماسية غير مباشرة، إذ تعتمد الولايات المتحدة على إدارة علاقاتها مع دمشق على حلفائها الأساسيين في المنطقة، والذين يتمتعون بصلات قوية مع الإدارة الجديدة في دمشق.
ويعكس هذا النهج -بحسب مراقبين- رغبة واشنطن في الحفاظ على نفوذها في سوريا دون تقديم اعتراف رسمي أو اتخاذ مواقف حاسمة تجاه حكومة دمشق، وهو ما يتماشى مع إستراتيجية الولايات المتحدة القائمة على تقليل التورط في أزمات الشرق الأوسط مع الاعتماد على الشركاء الإقليميين لتحقيق مصالحها.
وتأكيدا لما سبق، يقول الباحث المختص في الشؤون الأميركية حسين الديك إن إدارة ترامب أوكلت الملف السوري إلى حلفائها الدوليين والإقليميين، كالاتحاد الأوروبي إلى جانب تركيا العضوة في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وإلى جانب هذه الدول -يضيف الديك في حديثه للجزيرة نت- تأتي الدول العربية وفي مقدمتها السعودية إضافة إلى قطر التي ترتبط بعلاقات قوية مع الإدارة السورية الجديدة من جهة، وعلاقات دبلوماسية مميزة مع الولايات المتحدة من جهة أخرى.
ويضرب الديك مثالا على هذه الدبلوماسية الأميركية غير المباشرة في سوريا من خلال الاتفاق الذي تم توقيعه بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة السورية الجديدة في 11 مارس/آذار الجاري، والذي تم بضغط أميركي على “قسد” للانضمام إلى حكومة دمشق.
من ناحيته، يشير الباحث عمار جلو إلى أن هناك تواصلا أمنيا وعسكريا خفيا بين واشنطن ودمشق “تجلى في إفشال عدد من العمليات الإرهابية الساعية لإشعال حرب أهلية، ومنها تفجير مقام السيدة زينب في دمشق، إلى جانب قصف التحالف شخصيات جهادية في محافظة إدلب مؤخرا”.
التوقيت والأولويات
تزامن انهيار النظام السوري واستلام الإدارة الجديدة السلطة في سوريا مع انتهاء فترة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وتولي الرئيس ترامب إدارة البيت الأبيض.
هذا التحول وما رافقه من تطورات متسارعة على الساحة السورية لم يتح الفرصة لإدارة ترامب لصياغة رؤية إستراتيجية واضحة للتعامل مع سوريا بعد، مقابل التركيز على أولويات داخلية وخارجية أخرى على حساب الملف السوري الذي يبدو أنه يعتبر ثانويا بالنسبة لإدارة ترامب.
وعن علاقة التوقيت بنهج الولايات المتحدة مع الإدارة السورية، يوضح السياسي السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور أنه لحد الآن لم يتم تعيين مسؤولين عن الملف السوري في الخارجية الأميركية، إذ تم تعيين مدير مكتب سوريا بالبيت الأبيض وفريق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي فقط.
ويشير عبد النور في حديثه للجزيرة نت إلى أن إدارة ترامب لم تعين بعد نائب وزير الخارجية ومساعديه المسؤولين عن الشرق الأوسط وسوريا في وزارة الخارجية، بمعنى أنه لحد الآن لا يوجد موظفون كي يضعوا الرؤية الخاصة بالتعامل مع الإدارة السورية الجديدة.
وفي السياق ذاته، يذكر الأكاديمي غيبس أن الحدث السوري كان كبيرا ومفاجئا، وجاء بين فترتين انتقاليتين للرئاسة الأميركية، مما ساهم كثيرا في عدم وجود رؤية واضحة للتعامل مع الواقع السوري الجديد، إضافة إلى انشغال الإدارة الأميركية بملفات أخرى، كأوكرانيا ودول أميركا الجنوبية.
وكان العديد من المسؤولين الأميركيين أشاروا إلى أن إدارة ترامب بصدد النظر في السياسة التي تنوي السير بها إزاء الإدارة السورية الجديدة، وأن هذه العملية لم تنته بعد، مما يدفعها إلى الانتظار وعدم الارتباط بالتزامات لم تقرها بعد على المستوى الوطني.
الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بوجود عسكري في سوريا (الأوروبية)
أسباب تتعلق بحكومة دمشق
منذ الأيام الأولى لسقوط الأسد أرسلت إدارة جو بايدن الديمقراطية -التي رحبت بسقوط النظام- رسائل إلى الإدارة الجديدة في سوريا أكدت مراقبتها الأوضاع عن كثب، وأنها ستحكم على أفعال حكام دمشق الجدد وليس أقوالهم فقط، في إشارة إلى تصريحات الرئيس أحمد الشرع وقتها بشأن المشاركة السياسية وضمان حقوق كافة مكونات الشعب السوري.
هذه المطالب تكررت في أكثر من مناسبة، إذ دعت الولايات المتحدة إلى تشكيل حكومة أكثر شمولا، معتبرة أن أي اعتراف رسمي بالإدارة الجديدة مرهون بقدرتها على تمثيل مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن بأن بلاده ستدعم حكومة سورية عندما تكون هيئة حاكمة موثوقة غير طائفية وتعكس تطلعات جميع السوريين.
من جانبه، يرى الباحث حسين الديك أن تأخر الإدارة الجديدة في دمشق في رسم مسار انتقال سياسي واضح وشامل، إلى جانب إشكاليات التعامل مع قضايا المكونات السورية الإثنية والدينية والمذهبية -وآخرها أحداث الساحل السوري- يجعل واشنطن حذرة وغير مطمئنة تجاه إدارة دمشق، وبالتالي تضييق مسار الانفتاح المأمول مع واشنطن.
وفي تصريحات تؤكد هذا المعنى ربطت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس خلال إحاطة صحفية في 21 مارس/آذار الجاري بين سلوك الإدارة في دمشق ورفع العقوبات والانفتاح الأميركي عليها.
وذكرت بروس أن واشنطن تراقب تصرفات الإدارة السورية الجديدة في الوقت الذي تحدد فيه سياساتها تجاه الحكومة بدمشق، وأعربت عن خشيتها من أن الدستور الذي أعلنت عنه الإدارة الجديدة يعطي الرئيس صلاحيات واسعة، كما جددت الدعوة إلى تشكيل حكومة شاملة بقيادة مدنية في سوريا.
ما علاقة إسرائيل؟
حرصت إسرائيل منذ سقوط النظام على تحويل سوريا إلى دولة ضعيفة مفككة لا تمتلك أي قدرات عسكرية أو دفاعية، وهذا ما تجلى في الغارات الإسرائيلية على مخازن الأسلحة ومستودعات الذخيرة منذ اليوم الأول لسقوط النظام، إضافة إلى التوغلات البرية واحتلال المنطقة العازلة.
واستكمالا لهذا الهدف يرى مراقبون أن إسرائيل تلعب دورا مؤثرا في تشكيل موقف الولايات المتحدة من الإدارة السورية الجديدة، إذ تسعى إلى ضمان أن أي انفتاح أميركي لا يتعارض مع مصالحها الأمنية والإستراتيجية في المنطقة.
هذه الضغوط الإسرائيلية يرى الباحث عمار جلو أنها تصب في عدم الانفتاح الأميركي على دمشق رغبة من تل أبيب في إبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة، إلى جانب سعيها من خلال هذه الضغوط إلى دفع دمشق إلى مفاوضات سلام ضمن الشروط الإسرائيلية.
وكان ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط قال في مقابلة مع الصحفي تاكر كارلسون عن ملامح رؤية إدارة ترامب لمستقبل المنطقة “إن تطبيع إسرائيل مع سوريا ولبنان أصبح احتمالا حقيقيا بعد أن خرجت سوريا من دائرة النفوذ الإيراني”.
وأضاف المبعوث الأميركي أن “سوريا اليوم ليست كما كانت، وإسرائيل ترسم خريطة جديدة تتجاوز المفهوم التقليدي للحدود، وإذا تحقق السلام في غزة فإننا سنشهد شرق أوسط جديدا من التعاون التكنولوجي والاقتصادي بين دول الخليج وإسرائيل، وربما سوريا”.
وتعمل الإدارة السورية جاهدة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، والاستفادة من ذلك في تخفيف ملفات كثيرة ضاغطة تملكها الولايات المتحدة على الإدارة، منها: العقوبات الصارمة، وملف شمال شرق سوريا، وملف رفع التصنيف الأميركي والأممي ضمن قوائم الإرهاب عن هيئة تحرير الشام وقياداتها، إضافة إلى قدرتها على عرقلة أي انفتاح عربي أو أوروبي على الإدارة.
المصدر : الجزيرة
—————————–
هجمات إسرائيل في سوريا.. ماذا وراء توسعها جغرافيًا؟/ ضياء عودة – إسطنبول
25 مارس 2025
لم تعد الهجمات التي تنفذها إسرائيل في سوريا مقتصرة على مواقع وقدرات عسكرية في جنوب البلاد فحسب، بل باتت تأخذ مستويات أكبر على صعيد العمق الجغرافي، وهو ما تؤكده خارطة الضربات التي حصلت مرتين هذا الأسبوع.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، تنفيذ غارات جوية على قاعدتين عسكريتين: الأولى تقع في تدمر بريف حمص وسط سوريا، والثانية إلى الجنوب الشرقي منها وتعرف برمز “T4”.
وجاء ذلك بعد 3 أيام من ضربات مماثلة استهدفت ذات المكان.
ووفقا للرواية الإسرائيلية، تأتي الضربات ضمن “سلسلة هجمات تهدف إلى منع سيطرة النظام السوري الجديد على هذه المنشآت العسكرية”.
ورغم أن هذا الهدف المذكور سبق أن أكد عليه المسؤولون في تل أبيب لأكثر من مرة، عقب سقوط نظام بشار الأسد، يوضح خبراء ومراقبون أن المعطيات القائمة على الأرض، منذ تلك الفترة، تشي بأن ما جرى ويجري “يسير على مراحل، ولا يمكن حصره فقط بما يطلق من تصريحات”.
ويقول الباحث السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، إن “بنك الأهداف الإسرائيلية أصبح يتوسع بشكل واضح، على مستوى الجغرافيا والأهداف والأساليب”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “الأخطر من كل ذلك أن الاستراتيجية القائمة باتت قتالية وليست كما يصوّر لها من منطلق الردع”.
أما الباحث السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، فيعتقد بأن توسيع نطاق الهجمات الإسرائيلية في سوريا جغرافيا، “يندرج في إطار سلسلة تطورات تنظر إليها إسرائيل بعين مستاءة”.
فمن جهة، يوضح شتيرن لموقع “الحرة”، أن إسرائيل “لا تزال ترى بالحكومة السورية الجديدة تهديدا”.
ومن جهة أخرى، “تتوجس إسرائيل من التقارب الكبير جدا الحاصل بين دمشق وأنقرة، وما يرافق ذلك من أحاديث وتوقعات عن اقتراب البلدين (سوريا وتركيا) من توقيع اتفاقيات قد تضمن للجيش التركي التمركز في مناطق متقدمة داخل سوريا”، وفق شتيرن.
“رسائل”
وقالت القناة 12 إن الغارة الإسرائيلية الحديثة على وسط سوريا دمرت برج مراقبة في “T4″، مما جعل القاعدة غير صالحة للاستخدام.
وأضافت أن الغارات السابقة (قبل 3 أيام) أسفرت عن “تدمير نحو 20 طائرة من طراز سوخوي روسية الصنع”، مشيرة إلى أن “الهدف هو الحيلولة دون استخدام القاعدة مستقبلا من قبل النظام الحالي، الذي تعتبره إسرائيل تهديدا محتملا”.
وربط تقرير القناة العملية “برسالة غير مباشرة لتركيا”، في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، واعتبر أن إسرائيل “تعمل أيضا على إحباط تمركز خلايا تابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في محافظة درعا جنوبي سوريا”.
وكان لافتا أن ضربتي تدمر و”t4″ سبقهما تلميح إسرائيلي غير مباشر عبّرت عنه مصادر نقل عنها موقع “واللا” العبري، الأحد.
وفقا لتلك المصادر التي لم يسمها الموقع، فقد “جرت اتصالات سورية تركية، خلال الأيام الماضية، لنقل مناطق قرب تدمر بريف محافظة حمص إلى الجيش التركي، مقابل دعم اقتصادي وعسكري”.
وأضافت أن “التحركات التركية المحتملة في تدمر، تثير مخاوف إسرائيلية واسعة”.
كما أشار “واللا” إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية “عقدت عدة مشاورات الأسبوع الماضي لبحث التطورات في سوريا”، وقال أيضا إن “النظام السوري الجديد يحاول ترميم قواعد عسكرية وقدرات صاروخية ودفاعية في الجنوب”.
ولم يصدر أي تأكيد تركي أو سوري بشأن المزاعم التي تفيد بنية أنقرة تثبيت قواعد عسكرية في وسط سوريا.
ورغم أن هذه المعلومات سبق وسلطت وكالة رويترز الضوء عليها، فإن مصادر بوزارة الدفاع التركية نفت لأكثر من مرة صحتها.
ويعتبر شتيرن أن الهجمات وتوسيع نطاقها جغرافيا في سوريا “يمكن النظر إليها من هذا الجانب”، في إشارة منه إلى التحركات العسكرية الحاصلة على خط دمشق – أنقرة.
ويشرح بالقول: “إسرائيل تريد إرسال رسائل واضحة: لن نسمح بأن تكون سوريا مكانا لحصول أي احتكاك تركي إسرائيلي.. فلتدعم تركيا سوريا كما تريد، لكن ليس كتمركز عسكري”.
ومن شأن أي تمركز عسكري تركي جديد في سوريا أن يفرض قيودا على “حرية العمل الإسرائيلية”، على حد تعبير شتيرن.
ويتابع: “إسرائيل كانت تفضل سابقا النفوذ الروسي في سوريا ونسّقت مع موسكو كثيرا. ولن يكون ممكنا إجراء مثل هذا الأمر مع تركيا الآن، بسبب التوتر السياسي الكبير الحاصل بين الطرفين”.
وقبل سقوط نظام الأسد، لم تكن السياسة الإسرائيلية المتعلقة بسوريا كما هي الحالة التي عليها اليوم.
في السابق كانت غالبية التحركات تندرج ضمن إطار “وقائي”، كما يوضح الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي، خالد خليل.
ويعتبر خليل في تصريحات لموقع “الحرة”، أنه في أعقاب سقوط الأسد “أخذت الأفعال الإسرائيلية طابعا هجوميا”.
ويوضح الخبير الجيوساسي، عامر السبايلة، أن ضربات إسرائيل الأولى (بعد سقوط نظام الأسد) في سوريا “كانت بدأت تدريجيا مع إعادة رسم جغرافيا الجنوب، باعتبار أنه جزء من العمق الأمني الإسرائيلي”.
ويمكن اعتبار ما سبق “مرحلة أولى استندت بشكل رئيسي على تحقيق هدف بمنع إنشاء نقاط من شأنها أن تتحول إلى محطات لوجستية أو جاذبة لأي طرف قد يشكل خطرا وتهديدا على إسرائيل”، وفق السبايلة.
أما بخصوص ما يجري الآن، فهو يندرج، حسب وصف الخبير، في إطار “مرحلة ثانية يمكن اعتبارها بمثابة بداية المواجهة بالوكالة مع تركيا”.
ويشرح السبايلة: “ليس هناك تصريح إسرائيلي بوجود مواجهة فعلية مع تركيا، لكن التحركات التي تقوم بها تل أبيب في سوريا تصب في إطار مواجهة الطموح التركي، وذلك لمنع توظيف الجغرافيا السورية لصالح أنقرة”.
“ما تقوم به إسرائيل الآن هو لمنع تشكّل أي قوة في الداخل السوري”، يتابع الخبير.
ويؤكد على فكرة بأن “إسرائيل لا تريد إيران ولا تريد تركيا.. وبالتالي تعمل على منع أي طرف من استغلال الجغرافيا السورية لصالحه”.
من جانبه، يشير الباحث شعبان إلى تطور “خطير” على صعيد التوغلات الإسرائيلية في جنوب سوريا، معتبرا أنها “لا تزال متواصلة وفق مهمات أمنية غير واضحة”.
شعبان أشار إلى “مقتل مدنيين”، الثلاثاء، أثناء توغل الجيش الإسرائيلي في قرية كويا بريف درعا السورية.
وقتل 4 أشخاص في مدينة درعا السورية، إثر تبادل لإطلاق النار بين مواطنين وقوات من الجيش الإسرائيلي، حيث قال الأخير إنه تعرض لرصاص مسلحين ورد عليها، فيما قالت الرواية الرسمية السورية إن الجيش الإسرائيلي حاول التدخل في إحدى القرى وقصفها بقذائف دبابات.
ويرى الباحث شتيرن أن المناوشات الحاصلة في درعا “تدل على عمق التوتر مع إسرائيل”، ويعتقد أن ما يحصل على الحدود في جنوب سوريا “قد يجر الأمور نحو التصعيد والاشتعال”.
ضياء عودة
الحرة
———————-
فرنسا: انتشار إسرائيل في المنطقة الفاصلة مع سوريا يعد انتهاكا لاتفاق فض الاشتباك
2025.03.25
أكدت وزارة الخارجية الفرنسية على أهمية احترام السيادة السورية ووحدة أراضيها، مشددة على أن الانتشار الإسرائيلي في المنطقة الفاصلة يعد انتهاكاً لاتفاق فض الاشتباك.
وفي تصريحات خلال المؤتمر الصحفي اليومي، قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية إن باريس “تدعو إلى وقف جميع الأعمال العدائية في سوريا، وقبل كل شيء احترام السيادة السورية واحترام وحدة أراضيها، وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي”.
وأضاف أنه “كما أكدت الأمم المتحدة، فإن أي انتشار عسكري في منطقة الفصل بين سوريا وإسارئيل يشكّل انتهاكاً لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، والتي يجب على الموقعين عليها، سوريا وإسرائيل احترامها”.
وشددت الخارجية الفرنسية على “دعمها الكامل لقوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان، والتي يجب الحفاظ على أمنها”.
الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا
وشهدت الأراضي السورية خلال الأشهر الأخيرة تصعيداً إسرائيلياً غير مسبوق، تمثّل في غارات جوية وتوغلات برية متكررة، ولا سيما في محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي البلاد.
وجاءت هذه العمليات في أعقاب سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، في 8 كانون الأول الماضي، ما شكّل فرصة للاحتلال الإسرائيلي لتوسيع نطاق تحركه داخل الأراضي السورية.
وبعد أقل من 24 ساعة على سقوط النظام، أقدمت القوات الإسرائيلية على احتلال المنطقة العازلة والسيطرة على قمة جبل الشيخ، أحد أبرز المواقع الاستراتيجية المطلة على الأراضي السورية واللبنانية، ولم تكتفِ بذلك، بل وسّعت أيضاً نطاق توغلها داخل محافظة القنيطرة، واستهدفت البنية التحتية العسكرية السورية من خلال مئات الضربات الجوية.
وتزامناً مع التصعيد الجوي، كثّفت القوات الإسرائيلية من عمليات التمركز العسكري على الأرض، حيث بدأت بإنشاء قواعد عسكرية جديدة تمتد من جبل الشيخ حتى حوض اليرموك، ويجري تجهيز هذه القواعد ببنية تحتية متكاملة تشمل الكهرباء والمرافق السكنية، إلى جانب تعبيد طرق تصل إلى عمق الأراضي السورية، ما يشير إلى نية واضحة لترسيخ وجود إسرائيلي دائم في الجنوب السوري.
——————————-
7 شهداء بقصف إسرائيلي في درعا وغارات على حمص
محمد كركص
25 مارس 2025
الاحتلال شن نحو ألف غارة جوية خلال الأشهر الأربعة الماضية
الغارات استهدفت قاعدتي تدمر وتيفور العسكريتين بريف محافظة حمص
شبان من قرية كوية عبر الوادي بدرعا تصدّوا لتوغّل قوة إسرائيلية
استُشهد وجُرح نحو 10 أشخاص، جراء قصف مدفعي إسرائيلي، صباح اليوم الثلاثاء، استهدف قرية كوية في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، جنوبي سورية. وأسفر القصف عن استشهاد 7 أشخاص وسقوط عدد من الجرحى، بالإضافة إلى حركة نزوح واسعة للأهالي إلى البلدات والقرى المجاورة نتيجة استمرار القصف المدفعي.
وقال المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو نقطة، في حديث مع “العربي الجديد”، إن القصف المدفعي الإسرائيلي انطلق من مواقع الجيش الإسرائيلي في ثكنة الجزيرة، مؤكداً أن القصف أسفر عن وقوع ضحايا ونزوح عدد كبير من سكان القرية. بدورها، أفادت شبكة “درعا 24″، بأن قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي حاولت صباح اليوم التوغّل في قرية كوية عبر الوادي، ما أدّى إلى اشتباكات عنيفة مع شبان من القرية الذين تصدوا لها وأجبروها على التراجع. وأوضحت الشبكة أن القرية تعرضت عقب ذلك لقصف مدفعي أسفر عن سقوط أكثر من خمس قذائف على المنطقة، تزامناً مع استمرار الاشتباكات والقصف في منطقة كويا التحتا بالوادي.
في سياق متصل، نفّذت الطائرات الحربية الإسرائيلية، فجر اليوم الثلاثاء، غارات جوية مستخدمة صواريخ شديدة الانفجار، استهدفت من خلالها قاعدتي تدمر وتيفور العسكريتين بريف محافظة حمص الشرقي، وسط البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الأمن الإسرائيلية، إن جيش الاحتلال استهدف فجر اليوم قدرات عسكرية في قاعدتي تدمر وتيفور، مشدداً على أن “جيش الدفاع سيواصل العمل لإزالة أي تهديد على مواطني دولة إسرائيل”.
وهذه هي المرة الثانية خلال أيام التي يستهدف فيها جيش الاحتلال قاعدتي تدمر وتيفور في حمص، إذ شنّ مساء الجمعة غارات جوية استهدفت مطار تدمر العسكري الواقع في محافظة حمص، وسط سورية، قائلاً إنه هاجم “قدرات استراتيجية عسكرية بقيت في منطقة قاعدتي تدمر وتيفور”، فيما شهد محيط بلدتي الرفيد والعشة في ريف القنيطرة الجنوبي، جنوبي سورية، منتصف ليل الجمعة، توغلاً عسكرياً إسرائيلياً غير مسبوق.
وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في استهداف القواعد العسكرية في سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، إذ تمكن من تدمير معظم القواعد الجوية والبحرية ومخازن الأسلحة والصواريخ بعد شن نحو ألف غارة جوية خلال الأشهر الأربعة الماضية.
————————
====================