أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

كي لا تفشل المرحلة الانتقالية في سورية/ عمار ديوب

25 مارس 2025

ورثت الإدارة الجديدة في سورية مشكلات مجتمعية معقّدة للغاية، متراكمة ومتأزّمة منذ 2011، وقبلها. ورثت ثورة شعبية، رفعت شعارات الخلاص من الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية. ورثت خبراتٍ سوريّة كبيرة، انشقّت عن النظام، أو كانت في مؤسّسات دولته، ولكنّها مهمّشة، وهناك خبرات خارج مؤسّسات الدولة، ولم تغادر البلاد، ومنها من غادر ويرغب في العودة. ورثت ذلك كلّه، ولكن مشكلة الشعب معها في أنّها تتجاهل المداخل الواقعية نحو تفكيك هذه المشكلات كلّها، والاستفادة من الخبرات كلّها، ورغبة الأغلبية الساحقة من السوريين في إنجاح المرحلة الانتقالية والنهوض بالدولة.

مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على رحيل بشّار الأسد وسلطته، ولم تستطع الإدارة الجديدة الابتعاد عن سياسات الاستئثار والتفرّد بالخطوات كافّة، التي بدأتها لإعادة تشكيل الدولة ومؤسّساتها والجيش والأمن، ولم تنسج علاقات سياسية ذات مصداقية مع مختلف المدن السورية أو كوادر الثورة منذ 2011. عكس ذلك، تحاول فرض كوادرها وسياساتها في المدن السورية. صحيحٌ أن هناك تعقيدات هائلة للبدء بما ذكرنا، ولكنّ عقلية فرض السياسات هذه أنتجت ثقةً مهزوزةً بالإدارة، وشعوراً بالتهميش الشديد، وشعوراً بأن الإدارة تتجه نحو فرض ديكتاتورية جديدة.

جاءت أحداث الساحل ومجازره الطائفية، والتجييش الطائفي على أرضية العداء بين السُّنة وبقيّة الأقلّيات، لتزرع بذور الشكّ العميق تجاه السلطة في دمشق، وأنّها فوّتت ثلاثة أشهر من رغبة السوريين في مساعدتها في تخطّي المشكلات منذ 2011. لم تُعد الخطوات السياسية التي تُوِّجت بالإعلان الدستوري المؤقت، ومركزت السلطات بيد رئيس الجمهورية، واللجان المشكّلة للتحقيق بأحداث الساحل والسلم الأهلي، وغياب مؤسّسات رقابية عليها أو إشراك لجان دولية في التحقيق، الثقة، ولم توقف التجييش الطائفي ولا التطييف الذي أنتجته طريقة تعامل الإدارة مع أحداث الساحل. لقد استَغلَّ ضبّاط النظام المجرمون الأخطاء في سياسات الإدارة الجديدة للبدء بأحداث الساحل، وسيستفيدون من المداخل الخاطئة في المعالجة، ومن المظلومية “العلوية” التي تشكَّلت مع الانتهاكات السابقة لـ 6 مارس/ آذار (2025)، والمجازر والانتهاكات بعد التاريخ المذكور.

هناك شعور عام حالياً بأن الإدارة “تعتقل” نفسها في رؤية ضيّقة للمشكلات المتراكمة، وهناك من يعتبر أنّها لن تغادرها، ولا تعير انتباهاً للمشكلات التي نتجت من خطواتها السياسية، وأدّت، في وجهٍ منها، إلى ما جرى في الساحل، وتبعه فقدان الثقة، وابتعاد الدروز والأكراد عنها، وتشكّك كثيرين من أبناء المدن في سياساتها.

لم تُخفّف خطواتها السابقة من تقدّم القوات الصهيونية ومحاولتها تقسيم سورية طائفياً وقومياً، وإن فشلت حتى اللحظة، ولكنّها تتجه إلى فرض حزام أمني كامل في القنيطرة ودرعا والسويداء، وهذا سيشكّل إضعافاً كبيراً لإدارة دمشق أمام العالم وأمام الشعب، وأيضاً لا يبدو أنها استطاعت تفكيك الفصائل المسلّحة، ودمجها في الجيش الجديد المُعلَن. أوضحت أحداث الساحل هامشية هيمنة قيادة الجيش والأمن العام على تلك الفصائل، التي جاهدت قتلاً وحرقاً وسلباً ونهباً. وأيضاً، يتطلّب استقطاب الدروز والأكراد سياساتٍ كثيرة لعودة الثقة في إدارة دمشق. أيضاً، جاءت أحداث الساحل لتستفيد منها الإدارة الأميركية في الابتعاد عن التفكير برفع العقوبات بشكل كامل، وضمن ذلك لن تتجرّأ أيّ دولة على دعمٍ جادٍّ وحقيقيٍّ للإدارة في دمشق. وستؤدّي هذه القضايا إلى تفاقم المشكلات المجتمعية، وقد تقود إلى انفجاراتٍ مجتمعيةٍ كبيرة، وما حدث في الساحل لا علاقة له بتلك الانفجارات، فقد كانت حركة ضبّاط عاجزين عن استيعاب رحيل النظام، ولم يلقوا دعماً مجتمعياً، وانهزموا سريعاً.

هناك استحقاقاتٌ عديدة في الأيام المقبلة أمام الإدارة الجديدة، وتشكّل آليات الاستجابة لها معياراً للحكم على سياساتها، فهل ستستمرّ في الاستئثار أم ستتجه نحو إشراك الشعب، والاستفادة من خبراته؟… هنا المحكّ، ليس أمام الشعب، بل وأمام العالم الذي يراقب جيّداً خطوات الإدارة في دمشق، وحتّى الصهيوني بنيامين نتنياهو قال إنه يراقب أحمد الشرع من جبل الشيخ الذي احتلّه.

ينتظر السوريون الحكومة الانتقالية، ويفترضون أن تكون تمثيليةً لمختلف المحافظات، وأن يمتاز أعضاؤها بالنزاهة والكفاءة والوطنية، وبالخبرات الكافية لحلّ المشكلات المستعصية، ولن يتناقش السوريون حولها، ولو كانت بأكملها من الطائفة السُّنية، شريطة توافر الصفات التي ذكرناها. أيضاً، هناك استحقاق المجلس التشريعي المؤقّت، ويُفترض أن يكون التمثيل فيه وطنياً، وهناك المحكمة الدستورية.

عنوان هذا المقال “كي لا تفشل الحكومة الانتقالية”، ذلك أن الخطوات السابقة تقودها إلى الفشل. تتطلب الأزمة الاقتصادية من الإدارة الحالية دعوة الخبراء الاقتصاديين كافّة إلى وضع خطّة اقتصادية دقيقة لتحديد أوجه الأزمة وكيفية النهوض بها وعبر الموارد الوطنية، وبالاستعانة بالخبرات العربية والعالمية. لم يحدُث ذلك، ما أوجد مشكلات جديدة تتكاثف في شبه عطالة كاملة للاقتصادين الصناعي والزراعي، وفاقم ذلك طردُ عشرات آلاف من الموظفين، وهناك مئات آلاف من الجيش المنحل. المقصد هنا، كيف سيتم استيعاب هذه العطالة كلّها (وسواها) من دون خطّة وطنية، تؤمّن فرص العمل لملايين من السوريين؟… حاولت المقاربة الأمنية التصدّي لبعض أوجه الأزمة، وهي تتطلّب تشكيلاً مختلفاً للجيش بالتحديد، ففشله في الساحل يؤكّد ضرورة ذلك. سياسياً، هناك رفض كامل لإشراك الخبرات السياسية والثقافية في إدارات الدولة، وأمل السوريين منعقدٌ على تمثيل وطني في الحكومة والمجلس التشريعي في هذه اللحظة.

استمرار الإدارة في السياسات ذاتها، وتشكيل حكومة من لونٍ واحدٍ أو من ألوان باهتة، كأن يُؤتى بشخصياتٍ كردية أو درزية أو علوية أو مسيحية في الحكومة المقبلة من دون كفاءة ونزاهة واستقلالية، وتابعين للإدارة، ليس المدخل الوطني لهذا التشكيل، ولن يُوقف أيّ ابتزازات دولية أو مطالب داخلية، أكّدت (وتؤكّد) التمثيل الوطني الحقيقي، والكلام يخصّ الحكومة والمجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وأيّ تشكيلات إدارية جديدة.

كان بإمكان الرئيس الشرع فرض حكم شمولي منذ لحظة وصوله إلى دمشق في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ولكن حجم الأزمات جعله يمتنع عن ذلك، وأصاب. ولكنّ الخطوات التي سار فيها منذ التاريخ المذكور مركزت السلطات بين يديه، وأدخلت سورية في أزماتٍ لا يمكن الخروج منها من دون إشراك الشعب. والاستمرار بسياسة الاستئثار لصالح الإدارة، التي تكرّر سياسات هيئة تحرير الشام في إدلب، تقود نحو أزمات أمنية واقتصادية وسياسية وثقافية وتعليمية، وربّما إلى حرب أهلية، ولن تتراجع الدولة الصهيونية عن فرض حزامها الأمني وتعمل بتنسيق كامل مع الإدارة الأميركية، وهذا يهدّد سلطة دمشق، ويُخفّف من الاستعجال الأوربي في الانفتاح على السلطة، الذي يستهدف إعادة مئات آلاف اللاجئين، ولا شيء آخر يذكر.

يريد السوريون الانتقال نحو دولة ديمقراطية، والمشاركة في إنهاضها بما يحقّق مصالح السوريين كافّة، فهل تتوقّف الإدارة عن سياساتها الاستئثارية والتفرّدية، وتسهم في التأسيس للدولة المأمولة؟

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى