الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةدوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعصفحات الحوار

مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني: 6 دول تدعم الشبكة السورية ولا نعمل وفق أهواء أي طرف

حاوره: عماد كركص

25 مارس 2025

يحاور “سوريا الجديدة” مدير الشبكة، الحقوقي فضل عبد الغني، في ملفّات ما بعد سقوط النظام، وما أدته خلال سنوات الثورة، ويوضح الكيفيّات التي اتبعتها في توثيق أحداث الساحل السوري أخيراً، ويكشف عن تواصل لجنة تقصّي الحقائق بشأنها مع الشبكة، ويطرح انتقادات على تشكيلة اللجنة نفسها، ويشدد على أن دور الشبكة مستمر، ويوضح أن ست دول تدعمها، من دون أي تأثير على أدائها وعملها.

ما هي آلياتكم في الشبكة السورية لحقوق الإنسان لجمع المعلومات على الأرض، والأهم ما هي آلية تدقيقها والتحقق منها؟

لدى الشبكة فريق عمل داخل سورية، موزّع في مختلف المحافظات، وأفراده مختصّون في ملاحقة الانتهاكات وتوثيقها، واختصاص عملهم توثيق أي انتهاك من قصف أو اعتقال أو أي انتهاك، من خلال جمع المعلومات. ولا نعتمد على مصدر واحد للمعلومات، فنحاول أن نأخذ أكثر من مصدر، ونقاطع هذه المصادر، وفي حال كان هناك صور أو فيديوهات متعلقة بالانتهاك، نعتمد على تقنيات حديثة للتحقق منها، وكل حادثة، بحد ذاتها، بالنسبة لنا هي عملية تحقيق من فريق من الباحثين المختصين على الأرض، الذين يديرهم قسمٌ مختص.

أيضا، وخلال 14 عاما من العمل، أصبحت الشبكة معروفة من المجتمع السوري، وبات المجتمع أحد مصادرها من خلال تلقي البلاغات، وهذا ربما لا يعلمه كثيرون، فهناك من يستغرب من سرعة إصدار الشبكة البيانات أو المعلومات المتعلقة بحادثةٍ ما. وهنا تجب الإشارة إلى أن المجتمع والضحايا مصدرٌ أساسي لنا، ونحن سهلنا التواصل بين المجتمع والشبكة، من خلال أرقام عبر تطبيق “واتساب”، ومن خلال رسائل عبر صفحاتنا في وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى البريد الإلكتروني ورابط مخصّص لهذا الشأن في موقعنا الإلكتروني، تحت تبويب “أبلغ عن انتهاك”، إذاً من خلال فريقنا وما يصل إلينا من بلاغات نتمكّن من الوصول إلى المعلومات، ثم تحليلها والتحقّق منها، وجمع المعلومات بحجم كبير لدينا، ينعكس من خلال تقاريرنا مع الإشارة في كل تقريرٍ إلى حدثٍ بارز، لكن الأعداد التي نصدرها لم تكن ولن تكون تقديرية، فكل حالة بحد ذاتها، وكل شيء مؤرشف في قاعدة البيانات، يتضمن كل المعلومات المتعلقة بالحادثة بكل تفاصيلها. وقد تمكّنّا في السنوات الماضية من تسجيل ملايين الحوادث اليومية، من خلال عدة أقسام، كأقسام الضحايا، والاعتقال، والاعتداءات على المراكز الحيوية، وهدفنا من جمع كل هذه المعلومات المحاسبة، واستخدامها في المرحلة الانتقالية، وما بعد المرحلة الانتقالية في البلاد.

على اعتبار أن المجتمع بات أحد مصادركم، ألا تتلقّون من خلال الوسائل التي أتحتموها معلوماتٍ تضلّل الرأي العام ووسائل الإعلام؟

بالتأكيد. وبالتالي، ليس كل ما نتلقّاه نتبنّاه، فالمسألة عملية تحقيق، فنحن تصل إلينا معلوماتٌ مضللة أو مبالغات. وفي المقابل، تصل إلينا معلومات صحيحة وحقيقية، لكن كل ما نتعامل معه على أنه دليل، وأي شيء آخر، تتضح المبالغة فيه نتجاهله. وأعتقد أنه بات من الصعب، بعد هذه السنوات من الخبرة، خداع فريق الشبكة، الذي أصبحت لديه خبرة كبيرة بالتحقق من صدقية الصور والفيديوهات والمعلومات أيّا كانت. وحتى التصريحات الحكومية، على سبيل المثال، تخضع لدينا للتحقّق. وفي النهاية، كل المعلومات يجري عليها تدقيق وتحليل، حتى نستخلص نتيجة حقيقية.

شاع انطباع عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنها جهة معارضة للنظام المخلوع، لأنها ولدت بالتزامن مع اندلاع الثورة ضده.. هنا السؤال مشروع بشأن ما إذا كنتم شفّافين حقّاً بتوثيق انتهاكات الأطراف الأخرى طوال 14 عاما؟

صحيح. ولدت الشبكة من رحم الثورة السورية، وهدفها الدفاع عن حقوق الإنسان والانتقال نحو الديمقراطية وتغيير النظام. وهذا لا ننكره، وربما تولد هذا الانطباع، لكن أي شخصٍ يستطيع أن يتصفح الصفحة الرئيسية في موقعنا الإلكتروني ويجد الرسوم البيانية التي توضح الانتهاكات لجميع الأطراف، فكل من ارتكب انتهاكاً مذكور لدينا، في سنوات الثورة، سواء النظام، أو المجموعات الكردية، أو فصائل المعارضة، وتنظيم داعش، وهيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى حلفاء النظام. بل كان لدينا توثيق للانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأميركية أو قوات التحالف الدولي سابقاً. وظلّت تقاريرنا الشهرية تشمل كل الأطراف من دون استثناء. أما لماذا كان تسليط الضوء على النظام؟ ببساطة، لأنه أكبر مرتكبٍ للانتهاكات في سورية، وبالتالي جاء تركيز قدرات المؤسّسة نحو النظام لأنه المنتهك الأكبر والأبرز، وأعطى هذا انطباعا بأننا جهةٌ معارضةٌ للنظام. لكن الحقيقة أن 90% من الانتهاكات يرتكبها النظام وحلفاؤه، وبالتالي، يقول المنطق إن 90% من إصدارات الشبكة متوجّهة نحو هذه الجهة الأكثر توحّشاً، ونحن لا نعمل وفق رغبات الأطراف. ظلت مثلا “قوات سوريا الديمقراطية” أو “الإدارة الذاتية” لشمال سورية وشرقها، أن نسلط الضوء أكثر على فصائل المعارضة، وأحيانا يحصل العكس، ولكننا مؤسّسة مستقلة لا نعمل وفق أهواء أي أحد، حتى المانحين لا يتدخّلون إطلاقا بطريقة عملنا وآلياته، فلم يتدخّل أي مانح ولو مرّة واحدة بطلب تغيير حرف واحد في تقرير أصدرناه.

من هم المانحون للشبكة السورية لحقوق الإنسان؟

المانحون هم دول، بشكل أساسي: هولندا، الدنمارك، كندا، ألمانيا، فرنسا، وستنضم السويد قريبا، بالتالي لدينا ست دول مانحة للشبكة.

سقط النظام في سورية، خرج المعتقلون المتبقّون في السجون، هناك قضية المفقودين. كم تقدّرون أعدادهم، وعلى أي أساس تم التقدير؟

كنا في الشبكة نوثّق، سنوات، المعتقلين لدى النظام وبقية الأطراف، ولدينا بياناتٌ عنهم، وهذا عمل يومي وعبر سنوات. وفي الأصل، نصدر تقريراً شهرياً عن حصيلة الاعتقال، وتقريراً سنوياً عن المختفين قسرياً، وكان قسم كبير من السوريين لا يتابع هذه التقارير، ويأخذ تصوّراً عاماً جدّاً عن الموضوع. وبالتالي، صُدم بعضهم عندما تحدّثنا عن الإحصائيات بعد سقوط النظام. ونحن لدينا في قاعدة البيانات نحو 157 ألف معتقل أو مختفٍ قسرياً، لدى كل الأطراف، لدى النظام 136 ألف معتقل ومختف، والذين خرجوا من السجون ومراكز الاحتجاز والأفرع الأمنية من 21 ألفاً إلى 22 ألفاً، ومن بقي نحو 115 ألفاً، أين هم؟!

هل يمكن اعتبارهم متوفين جميعا؟

خرجتُ للإعلام وقلتُ إن الغالبية العظمى قتلهم النظام. أما من الناحية القانونية هم مختفون قسريا، لكون الأهالي لم يحصلوا على جثثٍ ولا بيانات وفاة من الدولة، وهذه معضلةٌ كبرى لذوي كل معتقل، في ما يتعلق بقضايا الإرث أو الزواج وغيرها. لكن الانتقادات كانت تتوجه إليّ بشأن السبب الذي جعلني أُعلن أن الغالبية قتلوا، وذلك بعد يومين من سقوط النظام، ومن انتقد حقيقة لا يمتلك المعلومات عن أرقام المعتقلين في سجون النظام، بمعنى من اعتقل، ومن خرج، وما حدث على الأرض، وهذه المعلومات تراكمية خلال سنوات. وما حدث بعد سقوط النظام أن الشائعات باتت تنتشر كالنار في الهشيم عن سجون سرّية لدى النظام. ونتيجة ذلك، نام الأهالي وذوو المعتقلين في العراء أياماً في ظل البرد القارس، سواء أمام الأفرع الأمنية والسجون، ومنها صيدنايا، ونبشوا في الأرض بأيديهم بحثا عن أبنائهم. وتشكلت حالة هلع كبيرة نتيجة الشائعات، كان لا بد من ضبطها. وبالتالي، كان لا بد من الخروج وتبيان الحقيقة، واتخذت القرار بالإعلان وأعتبره قراراً شجاعاً، وهو ليس قراراً سهلاً بطبيعة الحال، وهذا لا يعني نسيان المعتقلين والمختفين وعدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحقهم، لكن كل ما أعلنتُ عنه كان لتبيان الحقيقة وعدم رمي الأوهام أمام ذوي الضحايا.

يحتاج التعامل مع ملف المعتقلين وقتاً طويلاً وسنوات من العمل، لنكشف مصيرهم، وحتى تتمكّن كل عائلة من الوصول إلى جثة معتقلها وتدفنها بالطريقة اللائقة لعاداتها ودينها.

ما برامجكم حاليا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان للتوصل إلى هويات الضحايا، والتعامل مع مسألة المقابر الجماعية؟

ما كشف عنه من مقابر جماعية في سورية جزء بسيط جدا، وسنكتشف عشرات أخرى. ولدينا حاليا مؤشّرات أولية عمن هم في هذه المقابر، وبالتالي بالإمكان أن نبني على ذلك، ولدينا شراكات مع مؤسّسات دولية مختصة، مثل “المؤسّسة الدولية لشؤون المفقودين”، ولدى هذه المؤسّسة خبرة في التعامل مع المقابر الجماعية وهي الأفضل في العالم، لأن التعامل مع المقابر الجماعية أمرٌ معقد. وقد تلقّت شبكتنا، كما مؤسّسات أخرى، تدريباتٍ في هذا الأمر الذي يحتاج أكثر من ذلك، لشدّة التعقيد. ولا توجد مؤسّسات سورية لديها الخبرة، من حيث كيفية الاستخراج والتعرّف في ما بعد إلى هوية الجثة، من خلال عدة شروط وعوامل. ويحتاج هذا الملف صبراً وتعاوناً من الحكومة والمؤسسات الدولية المعنية. ولدينا في الشبكة رؤية للتعامل معه، من خلال ما لدينا من معلوماتٍ في قاعدة البيانات، يمكن الانطلاق منها للتعرّف إلى هويات المختفين قسراً.

دائما ما تطالبون بعدم المساس بالأدلّة، في السجون، الأوراق والمستندات في الأفرع الأمنية، وغيرها. من هي الجهة حاليا التي تحوز على أكبر قدر من الأدلة، وكيف سيجري التعامل مع تلك الأدلة؟

نشرنا بعد أيامٍ من سقوط النظام مصطلح “مسارح الجريمة”، وأصدرنا بياناتٍ بشأن التعامل مع هذه المسارح وما تحتويه من أدلة. والكمية الأكبر من الوثائق الخاصة بهذا الأمر لدى الإدارة السورية الجديدة، وقد حذّرت من العبث في مسارح الجريمة، ثم أصبح الموضوع منضبطاً أكثر، من خلال الحراسات على مراكز الاحتجاز والأفرع الأمنية والسجون، بعدما تعرّضت تلك المواقع والأدلّة، في الأيام الأولى لسقوط النظام، للتخريب، ولكن القسم الأكبر من الأدلة والوثائق محفوظة، وما جرى تخريبه جزء بسيط جدا، ونحن قادرون على ترميمه. ومن خلال مؤشّرات أخرى متعلقة بكل وثيقة والشهود والمعلومات وغيرها، ومن خلال التقنيات الحديثة بمقدورنا ترميم هذا الجزء الذي تعرّض للتخريب.

تعرّضت الشبكة، في أثناء أحداث الساحل السوري أخيراً، لهجوم، بغض النظر عن حجمه، من أنصار للثورة هذه المرّة، أنكم كنتم منحازين في تناولكم ما جرى، رغم كثير من أخبار مغلوطةٍ بثّتها فلول النظام، هل هذا صحيح؟

تعرّضت الشبكة لهجوم مستمر ليس فقط من بقايا النظام، وإنما من عدة أطراف، فمثلا هاجمتنا روسيا في مجلس الأمن وفي وسائل إعلامها الرسمية، وقوات سوريا الديمقراطية أيضا في بيانات عديدة، منها ما كان قبل شهر، فالهجوم على الشبكة تعودنا عليه، لأن كل طرف يريد منها أن تعمل وفق أهوائه.

ما حصل في الساحل، أننا أعلنّا بسرعة عن وقوع انتهاكاتٍ بحق مدنيين، ومن هنا جاء انتقادنا والتشكيك بمعلوماتنا بالنظر إلى هذه السرعة، وكذلك بكيفية توصّلنا لهذه المعلومات. ومن انتقدنا قاس الزمن من جانب تلقّيه هو للخبر أو المعلومة، لكن الفيديو الذي رآه، مثلا، كان قد وصل إلينا قبل ساعات من انتشاره، وتحقّقنا منه قبل تقديم المعلومات. وبالتالي، يجب تفنيد الانتقادات التي طاولتنا واحدة – واحدة. وأول أمر هو السرعة التي أعلنّا فيها عن مقتل 125 شخصاً في أحداث الساحل في الإعلان الأول. وفي الحقيقة، كانت لدينا بياناتٌ لأعداد أكثر من ذلك، وهذا ما تبيّن لاحقا، لكننا أجرينا التواصل اللازم، وحصلنا على الأدلة من صور وفيديوهات، وأعددْنا قوائم بكل أسماء الذين قتلوا، وقلنا إن منهم مدنيين وأيضاً مسلّحين جُرّدوا من السلاح وقتلوا، ووضعنا الأمر في سياقه، بالإشارة إلى أن هذا جاء نتيجة اعتداءاتٍ على حواجز لقوات الأمن العام ومقتل عديدين منهم. وعندما قلنا إن انتهاكات ارتكبها الأمن العام كان السبب الإعلان عن دمج كل الفصائل تحت وزارة الدفاع وقوات الأمن العام، وهذا لسنا نحن الذين أعلنّاه، بل الإدارة السورية الجديدة هي التي كانت قد أعلنت عن اندماج الفصائل في فرق وباتت لهم هيكلية. وعندما تبيّن لنا أن بعض هذه الفرق غير منضبطة صوّبنا ذلك، وخرجتُ شخصياً في إحدى وسائل الإعلام الأجنبية، وقلت إن الغالبية العظمى من الانتهاكات ضد المدنيين أو المسلحين الذين جُرّدوا من سلاحهم أو عمليات النهب لم يرتكبها الأمن العام، وإنما فصائل غير منضبطة انضمت للأمن العام. وقد أعلنّا عن ذلك بعدما تواصلنا مع الأهالي في الساحل، وأبلغونا بأن الانتهاكات ارتكبتها العناصر أو الفصائل غير المنضبطة وليس الأمن العام، وقد تأكّدنا من هذه المعلومات قبل الإدلاء بها، وأكّدت لنا العائلات أنهم كانوا يستنجدون بالأمن العام لكي يحميهم من غير المنضبطين والفصائل غير المنضبطة والتي ارتكبت الانتهاكات، وهي معروفة للجميع: العمشات، والحمزات، وأحرار الشرقية، وتركستان، وبعض من المدنيين الذين حملوا السلاح، وكل هؤلاء ارتكبوا الانتهاكات نتيجة التحشيد الذي حصل. ونحن نتكلم عن 50 ألف إلى 60 ألف مشارك فيها. وعندما تبيّن لنا أنهم غير منضبطين قلنا هذا، وكنّا متوازنين، عندما قلنا إن ما حدث كان نتيجة الهجوم على حواجز الأمن العام الذين قتل فلول النظام منهم حوالي 210 عناصر، وقتلوا مدنيين أيضاَ على خلفية مذهبية. والطرف الآخر، أي الفصائل غير المنضبطة، قتل مدنيين ومسلحين جرى تجريدهم من السلاح، وهذا غير شرعي أن تقتل مسلحاً تجرّده من السلاح. وبالنسبة للمسلحين من فلول النظام الذين قتلوا خلال الاشتباكات، لا نوثّق مقتلهم انتهاكاً للقانون، لأنهم مسلحون خارج الدولة، أما عناصر الأمن فنسجلهم ضمن قوائم الانتهاكات، لأنهم يمثلون الدولة وسلاحهم شرعي، وقتل مسلحين خارج إطار الدولة أي شخص منهم يعتبر انتهاكاً.

شكّلت الرئاسة السورية لجنة تحقيق في أحداث الساحل مستقلة، من صلاحياتها التواصل مع الخبراء، لتبيان وقوع انتهاكات من عدمه، هل تواصلت معكم، وهل لديكم استعداد للتعاون معها وكيف؟

تصرفت الحكومة والإدارة الجديدة بمنطق الدولة، وكان خطاب الرئيس أحمد الشرع بشأن ما حدث واضحاً، عندما قال “نحن لا نقتل الأسرى، وسوف نُحاسب من ارتكب انتهاكات”. وأشار إلى مطالبنا أساسا، نحن السوريين، بملاحقة الفلول والقضاء عليهم، لأنهم يشكّلون خطراً علينا جميعا. ونحن في الشبكة السورية لحقوق الإنسان الذين طالبنا بلجنة تحقيق، فاستجابت الدولة، وهذه خطوة تُحسب لها. ولكن لدينا انتقادات على اللجنة، أولها عدم وجود أي سوري من الطائفة العلوية في عضويتها، ذلك أن الانتهاكات وقعت بحقّ مدنيين من الطائفة، كما أن هذه الانتهاكات تحمل صبغة طائفية. وثانياً، كان يجب أن تضم اللجنة منظمات حقوق إنسان وطنية سورية لديها خبرة في التحقيقات. وأعرف عضوين من اللجنة، وجميع أفرادها من محامين وقضاة، واختصاصهم مختلفٌ تماماً عن عمل التحقيق، فأنا درست القانون الدولي لكني لم أتلقّ أي تعليم يخص التحقيقات، بالتالي كان يجب أن تضم اللجنة أشخاصاً لديهم خبرة في التحقيق، وهذا يكون من اختصاص المنظمات الحقوقية المعنية بالتوثيق.

وقد تواصل أحد أعضاء اللجنة معنا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وكان هناك بعض التنسيق، وسنتعاون مع اللجنة وسنزوّدها بما لدينا من أدلة ومعلومات ومن خبرة في التحقيق، لأننا نريد لهذه اللجنة أن تنجح.

أصدرتم في الشبكة موقفاً بشأن فسح بعض وسائل الإعلام المجال أمام مسؤولين ورموز من النظام السابق، لماذا، ألا يعد هذا ابتعادا عن الحياد المطلوب منكم، ولماذا تعتبرون إفساح المجال لهؤلاء المسؤولين أو الرموز خطأ؟

لأن هؤلاء الرموز أو المسؤولين متورّطون بارتكاب انتهاكات، وبالتالي، من ارتكب انتهاكاً يجب أن يصحّح وضعه، ثم يخرج إلى الإعلام. … لم نقل بمنع هؤلاء المسؤولين من الظهور على وسائل الإعلام، لكن على أي شخص منهم قبل ذلك أن يقوم بعدة أمور: أولها الاعتذار عما ارتكبه والإقرار والاعتراف به. ويجب أن يحمل الاعتذار لغة تواضع أيضا. ثم أن يعوّض الضحايا، أو الذين باتوا ضحايا نتيجة فعله، بأي طريقة أو شكل ممكن، كأن يذهب ليتبرّع للمخيمات أو الضحايا، فمعظم من شاركوا في الانتهاكات، مسؤولين كانوا أو فنانين أو مثقفين، بطريقة أو بأخرى بمساندتهم النظام كسبوا مبالغ طائلة نتيجة لذلك. الأمر الآخر أن يتعهد كل واحدٍ من هؤلاء بألا يتسلم أي منصب قيادي في الدولة الجديدة، لأن ما فعله ليس سهلا، هو أمر كبير، يتم حاليا تقزيمه للأسف. الأمر الرابع والأخير أن لا يخرُج على وسائل الإعلام قبل أن يفعل هذه الأمور الثلاثة، وهذا لصالحه بالأساس، لأنه إذا فعل هذا يذكّر الضحايا به بدون أي يبدي أي ندم بالاعتذار أو التعويض، فقد تحصل انتقامات بحقه أو اعتداء عليه. وبالتالي، يجب أن يفعل هذه الخطوات قبل أن يظهر على وسائل الإعلام، وهذا مطلب حقّ وليس تحيّزاً. والشيء نفسه مرتبطٌ بمن طالبوا بانتهاكاتٍ ضد الموالين للنظام، هؤلاء أيضاً مطالبون بالاعتذار، لكن أكثر من قام بهذه الانتهاكات، من فجور في الخصومة، كالتحريض، ودعم قوات النظام والوجود معهم على الجبهات، هم من جانب النظام.

وعندما نطالب بهذا فإنه اختصاصٌ حقوقي نضعه أمام وسائل الإعلام، فوسيلة الإعلام التي استضافت هؤلاء تعتبر منتهكة حقوق الإنسان، لأن تاريخ هؤلاء مخزٍ واستضافتُهم ترويج لهم. وكان خطابنا إلى الطرفين، الرموز أو المسؤولين ووسائل الإعلام التي استضافتهم.

ما هو مستقبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان في سورية، وهل تعتقدون أن وجودكم لا يزال ضروريا رغم سقوط النظام، الذي ولدت الشبكة أساسا لتوثيق انتهاكاته؟

للشبكة دور مهم في المرحلة الانتقالية، فعماد هذه المرحلة المحاسبة، ولدينا قوائم للمنتهكين، للنظام وحده موثقّة لدينا أسماء 16200 شخص متورّطين في انتهاكات. وقلنا للحكومة السورية إننا على استعداد لملاحقة هؤلاء وفق القانون. وهناك أيضا قضية الكشف عن مصير المفقودين، وهذا يتطلب سنواتٍ طويلة. كما أن هناك اعتداءات مستمرة على سورية من إسرائيل مثلا. وأيضاً، لم ينته النزاع مع قوات سوريا الديمقراطية. والأهم أننا لم نقم بالعمل على الحالات الفردية، بل وثّقنا ما له علاقة بالانتهاكات الجماعية، ويجب أن يكون عملنا القادم مرتبطاً بتوثيق الانتهاكات الفردية، ومناصر حقوق الفرد والمساهمة في إصلاح المؤسسات: الأمن، الجيش، القضاء، وتدريب قوات الأمن والجيش على رفع معايير حقوق الإنسان لديها، وهذا ما نريد العمل عليه في المستقبل، فلدينا الكثير للعمل عليه في المراحل المقبلة، ولا سيّما تعزيز الحريات وحقوق الإنسان ورفع الوعي ومراقبة المحطّات السياسية الرئيسية في البلاد، ولا سيّما الدستور والانتخابات.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى