أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

أيّ مسار انتقالي تسلكه سورية؟/ مروان قبلان

26 مارس 2025

تزامن احتفال السوريين هذا العام بالذكرى السنوية الرابعة عشرة لانطلاق ثورتهم مع اعتماد إعلان دستوري لإدارة المرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط الأسد ونظامه. وتزامن صدور الإعلان أيضاً مع تطورات ثلاثة كبيرة شهدتها البلاد، تجسّد الأول في اندلاع أحداث طائفية في منطقة الساحل السوري، عمّقت الشروخ المجتمعية العميقة أصلاً، وذلك إثر هجمات منسّقة قامت بها جماعات من فلول النظام السابق لفرض واقع جديد في الساحل السوري، محاولةً الاستفادة من إحساسٍ منتشرٍ بين أبناء المنطقة بالفقد والتهميش بعد سقوط النظام. وتمثل الحدث الثاني بتوقيع اتفاق عام جدّاً، بين قيادة ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة السورية الجديدة ينصّ على دمج الأولى في أجهزة الدولة السورية من دون تحديد كيف، ومتى، وبأي ثمن. ويدور التطور الثالث حول علاقة محافظة السويداء بالسلطة الجديدة في دمشق، ودخول إسرائيل على الخط بدعواتٍ تحرّض على فدرلة سورية، وتسعى لاستقطاب أبناء المنطقة بحجة حمايتهم.

ورغم عدم وجود ناظم مشترك واضح بين الأوضاع في المناطق الثلاث (الساحل والسويداء وشرق الفرات، حيث تحكم قسد)، إلا أنه بدا لافتاً مقدار التحفظ لديها (يصل إلى حد الرفض عند بعضهم) إزاء ما نصّ عليه الإعلان الدستوري، وهو أمر تتشارك فيه أيضاً قوى سياسية سورية في مناطق سيطرة الإدارة الجديدة. ويدور النقاش هنا خصوصاً حول إقصاء فئات سورية واسعة عن المشاركة في عملية صياغة الإعلان الدستوري، ما أفقده صفة التوازن، وما إذا كان الإعلان يعطي مؤشّراتٍ حول سمات المرحلة المقبلة، وطبيعة النظام السياسي الذي سيرث الحكم في سورية، وتداعيات ذلك على مستقبل البلاد ووحدتها. أما النقاط الرئيسة التي جاءت في نصّ الإعلان الدستوري، وأثارت أكبر قدرٍ من الجدل، فقد تمحورت حول صلاحيات الرئيس، خاصة بعدما اعتمدت لجنة صياغة الدستور نظاماً رئاسياً غير مألوف، يحصّن الرئيس من أيّ مساءلة، فضلاً عن إعطاء السلطة التنفيذية السيادة على السلطات الأخرى، بحيث اختفى تماماً مبدأ فصل السلطات، فالرئيس يعيّن، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الفترة الانتقالية، جميع أعضاء البرلمان، الذي نزعت منه سلطة محاسبة الحكومة التي يترأّسها الرئيس، دع جانبا مسألة حجب الثقة عنها. فوق ذلك، أعطى الإعلان الرئيس منفرداً سلطة تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا التي تشرف على انتخابات رئاسة الجمهورية، وتنظر في الطعون الخاصة بها، وتفصل في دستورية القوانين والخلافات التي تنشب بين بقية السلطات.

وفيما يبدي بعضهم خيبة أمل من توجّهات “مسار الانتقال” الذي تشهده سورية، يشكّك آخرون في وجود مسار انتقالي أصلاً، معتمدين على ما تقوله دراسات التحوّل الديمقراطي بهذا الخصوص. ولا تبدي تلك الدراسات، بفرعيْها عن أسباب اندلاع الثورات أو التي تُعنى بنتائجها، تفاؤلاً كبيراً بأن تشهد سورية، بالنظر أيضاً إلى ظروفها الجيوسياسية وتركيبتها الإثنية والطائفية والمناطقية، تحولاً ديمقراطيّاً في المدى المنظور.

ترى دراسات التحول الديمقراطي أن منبع التغيير يعد عاملاً رئيساً في تحديد نتائجه. وتبين الشواهد التاريخية أن التغيير الذي ينطلق من أدنى إلى أعلى تنتج عنه، في الأرجح، حكومات أيديولوجية (يسارية، كما في روسيا 1917، والصين 1949، أو دينية كما في إيران 1979 ومصر 2011). أما إذا كان اتجاه التغيير من أعلى إلى أدنى فتنتج عنه حكومات ذات ميولٍ فاشيةٍ (تركيا في عهد أتاتورك). وإذا جاء التغيير بالتوافق بين مختلف القوى الاجتماعية، فالأرجح أن تنتج عنه حكومات ديمقراطية (كما حصل في بعض دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي). واستطراداً، إذا انتصرت الثورة وكانت البرجوازية ضعيفة، تكون النتيجة على الأرجح نظاماً فاشيّاً. أما إذا كانت البرجوازية قوية، فالأرجح أن ينتج عن الثورة نظام ديمقراطي رأسمالي. بكلمة أخرى، تلعب طبيعة النظام البائد، ومقدار العنف الناشئ عن الصراع بين النظامين القديم والجديد، وموازين القوى في المجتمع دوراً حاسماً في تحديد شكل الدولة ونظامها السياسي بعد الثورة. إذا توقفنا هنا، نجد أن تلك المؤشّرات لا تعطي في سورية أسبابا كثيرة للتفاؤل، إلا إذا وعت النخب السورية وقواها الاجتماعية حجم المخاطر التي تتهدّد البلاد، وذهبت باتجاه توافقاتٍ وطنيةٍ واسعةٍ وحقيقيةٍ حول شكل الدولة والنظام السياسي، بما يحفظ وحدة البلاد ويؤسّس لدولة القانون والمواطنة.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى