أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

مستقبل القطاع العام الاقتصادي في سورية/ سمير سعيفان

26 آذار/مارس ,2025

منذ تولي حكومة تصريف الأعمال زمام الأمور في دمشق بعد سقوط النظام، تكرّرت تصريحات وزرائها حول توجهها نحو خصخصة القطاع العام، فقد صرّح وزير الخارجية أسعد الشيباني، لجريدة (فايننشال تايمز)، بأن الإدارة السورية الجديدة تخطط لخصخصة الموانئ والمصانع الحكومية، وأنّ الحكومة تدرس عقد شراكات بين القطاعَين العام والخاص، لتطوير المطارات والسكك الحديدية والبنية التحتية للطرق. ووردت تصريحات أخرى على لسان وزير المالية محمد أبا زيد، في لقاء مع قناة الجزيرة[1]، وفي ردّه المكتوب على صحيفة الشرق، عن توجّه الحكومة السورية لإغلاق الشركات التي لا تملك جدوى اقتصادية، وخصخصة الشركات التي تملك جدوى اقتصادية. ووردت أيضًا تصريحات مماثلة على لسان وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية باسل عبد الحنان، قال فيها: “سننتهي من الهيكلة والتقييم الأولي للشركات الحكومية، في الأول من آذار/ مارس المقبل، وطرح الشركات للخصخصة مفتوحٌ للجميع، سواء أكانت شركات محلية أم أجنبية، وسنعرض المنشآت الحكومية للاستثمار أو الخصخصة أو التشارك مع القطاع الخاص، وسنبدأ بطرح شركات في قطاعات الصناعات الغذائية والكيمياوية والإسمنت والصناعات الثقيلة، وسنعرض الشركات على القطاع الخاص بالتدريج ضمن مزايدات”. وكشف الوزير عن تلقّي أكثر من 5 عروض استثمارية لمصانع الإسمنت حتى الآن، وأضاف: “نحن في مرحلة وضع دفتر شروط للاستثمار فيما يخص خصخصة الشركات”. وعلى الرغم من توالي هذه التصريحات، لم تحدث أي عملية خصخصة بعد، .  ولكن تم منح آلاف الموظفين إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، مما خلق خشية من أنه مؤشر لتسريحهم من العمل.

يشكّل القطاع العام الاقتصادي والخدمي الموروث عن النظام السابق عبئًا ثقيلًا يصعب الاستمرار في تحمّله، فقد تراكمت مشكلات هذا القطاع المتضخم عبر عقود، من دون أن تكون هناك أي معالجة حقيقية لمشكلاته، وقد بات يتطلب معالجة ملحّة لتخفيف أعبائه غير المنتجة. ولكن هذا الملفّ من جهة أخرى هو ملفّ كبير ومعقد، وتتشابك فيه مصالح كثيرة لمئات الآلاف من السوريين، واستُثمرت في أصوله مليارات الدولارات، وفيه أطماع كثيرة وطامعون كثر، والاستسهال في معالجة أوضاعه للتخلّص منه بأيّ ثمن سيهدر الحقوق. وهنا نطرح عددًا من التساؤلات:

    هل من الصحيح أن تتجّه السلطة نحو اتخاذ مثل هذا القرار الكبير باستعجال، دون دراسة وافية يقوم بها خبراء يضعون رؤية متكاملة؟

    القطاع العام الاقتصادي والخدمي هو جزءٌ من السياسة الاقتصادية والاجتماعية التنموية العامة للبلاد، ومعالجة أوضاعه يجب أن تكون على ضوء هذه السياسة بعد صياغتها، وبدون ذلك ستكون المعالجة سائرة في الظلام أو في صحراء مفتوحة لا طرقات فيها. ويحتاج رسم هذه السياسة العامة إلى خبراء مخضرمين في السياسة والاقتصاد والاجتماع، وإلى تحديد الرؤية والدور التنموي “الذكي” الذي ستؤديه الدولة، وتحديد دور القطاع العام الاقتصادي والخدمي المكمّل والمحفّز لدور القطاع الخاص، وليس المنافس له، وتحديد المجالات والقطاعات والصناعات والخدمات. فهل كلّفت الوزارة مثل هؤلاء الخبراء حتى يضعوا رؤيتهم التي تحتاج إلى أسابيع من النقاشات والدراسات؟!

    الخطوة التالية يجب أن تكون تقييم أوضاع شركات القطاع العام الاقتصادي والخدمي، وللتقييم مناهج وأسس ونماذج، يقوم بها ذوو الخبرة في كل مجال  من الصناعات والخدمات، وإن تقييم أوضاع نحو 250 شركة ومؤسسة إنتاجية وخدمية، يعمل فيها مئات الآلاف وتقوم بأدوار رئيسة في الاقتصاد السوري وفي الحياة المعيشية والاجتماعية للسوريين، وتحليل آثار هذه الخطوات على العاملين في هذه المؤسسات وغيرها، هو أمرٌ يستغرق بضعة أسابيع، إن لم نقل إلى بضعة شهور، وذلك للتوصل لتحديد مصير شركات القطاع العام الذي نعتقد أنه سيتوزع بين الاستمرار مع الإصلاح للقطاعات الاستراتيجية التي ترغب الدولة في استمرارها، أو حلّ الشركة والتصرّف بموجوداتها، أو الخصخصة ضمن برنامج الخصخصة المعروف.

    إن تحضير ملف الخصخصة ذاته يحتاج إلى خبراء في القانون وفي الأعمال وفي السوق المحلية أو الخارجية، وتحتاج إدارة عملية الخصخصة إلى عناية خاصة، لأن تجارب الخصخصة في العالم قد اقترنت دائمًا بهدر حقوق الدولة إلى جانب الفساد، وينبغي اتخاذ الاحتياطات كي لا يقع ذلك.

وإذا كان الاستعجال وعدم الدراسة المتأنية يهدر الحقوق، فلا شك أن أوضاع الخزينة العامة وأوضاع الإيرادات العامة الشحيحة لا يمكنها تأجيل معالجة أوضاع القطاع العام كلّ تلك الشهور المطلوبة لدراسته، واستمرار تحمّل خسائره. ومن هنا نعتقد أنه يمكن القبض على العصا في المنتصف، فبدلًا من معالجة هذا الموضوع الكبير والشائك في غرف مغلقة، أن يتم تشكيل فريق كبير من خبراء سوريين في هذا المجال، مستعدّين لمدّ يد العون للحكومة للمساعدة في تقديم معالجة صحيحة للقطاع العام الاقتصادي والاجتماعي، بحيث يُحوّل هذا القطاع، من منتج للخسائر الكبيرة ومسرح للفساد، إلى منتج للدخل والأرباح لخزينة الدولة، في الجزء المحتفظ به، إضافة إلى مساهمته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

يمكنكم قراءة البحث كاملًا من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه.

[1] ) وزير المالية السوري: ورثنا دولة متهالكة ذات خزائن فارغة وديون ضخمة، قناة الجزيرة مباشر، يوتيوب، https://www.youtube.com/watch?v=tLg8by33610

تحميل الموضوع

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى