التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 27 أذار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

———————————

دروز سورية ومهمّة البحث عن الزعيم الوطني/ يحيى الأوس

26 مارس 2025

تواجه الطائفة الدرزية في سورية تحدّيات مصيرية عديدة. إحداها خلو الساحة الدرزية من شخصية وطنية من خارج المؤسّسة الدينية، تمتلك القدرة على التأثير ولعب دور وطني من أجل امتلاك موقعٍ وازنٍ في أوساط الدروز لمواجهة انجرار الطائفة وراء زعامتها الدينية التي برز دورها في السنوات الأخيرة راعية للحراك الشعبي ضد نظام الأسد، قبل أن تنكفئ في دور وخطاب مذهبي يكاد يكون مغلقاً.

وبعيداً عن تفسير أساب هذا النكوص في خطاب المرجعية الدينية وتخندقها المذهبي الذي لا تتحمّل مسؤوليته وحدها، بل الإدارة السورية الجديدة أيضاً، يبدو الوضع الراهن في السويداء وباقي المناطق السورية التي يسكنها الدروز على صفيح ساخن، وأحوج ما يكون إلى شخصية وازنة قادرة على كسر احتكار القرار الدرزي من مشيخة العقل، أو على الأقل المشاركة فيه، بغية تصدير خطاب درزي وطني مقنع وجامع، يعيد ترتيب الولاءات إلى الوطني أولاً.

المشهد الوطني الذي صدّرته السويداء في السنتين الأخيرتين على وجه التحديد، من خلال ساحة الكرامة، يهدّده النسيان. ويواجه النشطاء المدنيون الذين حملوا على عاتقهم الهم الوطني خطر التهميش. ولكي يستمرّوا، لا بد من إعادة الاعتبار إلى شعارات (وروح) ساحة الكرامة التي كانت واحة أمل لأحرار سورية من شمالها إلى جنوبها. ويعدّ هذا تحدّياً حقيقياً في ظل تردٍّ عام في بلاد تغرق اليوم في مواجهاتٍ وانتهاكاتٍ طائفيةٍ وانتقاميةٍ كارثية، فتزيد من عزلة الدروز والأقليات بشكل عام، بل وتعمّق مخاوفهم من القادم.

ليس ظهور مرجعية درزية وطنية جامعة تحظى بالاحترام في محافظة السويداء، على غرار الزعيم الوطني اللبناني كمال جنبلاط، بالأمر المستحيل، مع وجود تيار مدني وطني عريض يفتقد حالياً الرأس، لكنه يبحث عن ممثليةٍ واعيةٍ قادرةٍ على احتضانه والتعبير عنه وعن شعاراته. ليس فقط من أجل دحض حملة التخوين الشديدة التي لم يسبق لهذه الطائفة أن واجهتها لجهة اتساعها وعلانيتها، ولكن من أجل تجنّب الانجرار إلى مزيد من الانغلاق، ومن أجل قطع الطريق على الأصوات النشاز التي خرجت في الأسابيع الأخيرة منادية بالخلاص الذاتي، أيا كان مصدره، بعد أن أفقدتها الأوضاع الراهنة وضيق سبل العيش بوصلتها.

بالتأكيد، لن تكون المشيخة الدرزية التي تسيّدت الموقف منذ سنوات في السويداء مطمئنةً لظهور أي زعامة جديدة تنازعها امتيازاتها، وتختلف معها في إدارة الأزمة. وربما ستحاول قطع الطريق عليها، وخاصة أن الفرصة مؤاتية أمام هذه المرجعية الدينية اليوم، ليس فقط لاستعادة دورها المأمول ممثلاً وحيداً لدروز سورية (الثقل البشري الأكبر للدروز في الدول الأربع، سورية ولبنان وفلسطين والأردن)، ولكن لاستعادة دورها المذهبي العابر للحدود السورية إلى الدول التي فيها أبناء الطائفة، وهو الدور الذي حُرمت منه طوال عقود من حكم البعث والأسديْن.

صحيحٌ أن استعادة الموقع الطبيعي للمرجعية الدينية لعامّة الدروز في الدول الأربع لم تكن إحدى الهواجس التي تشغل بال مشيخات العقل المتعاقبة في السويداء منذ زمن بعيد لأسباب مختلفة، بعضها سياسي وبعضها موضوعي، بفعل الفرقة الجغرافية والانتماءات الوطنية لكل طائفةٍ على حدة، لكن السنوات الأخيرة مكّنت مشيخة العقل في السويداء من تخليص نفسها من هيمنة السلطة السورية عليها، وشكّلت حضوراً قائماً بذاته منفصلاً عن وعاء السلطة الذي حُشرت فيه قسراً في السابق، بل مناوئاً ومتحدّياً لها. وهي إن استمرّت في هيمنتها على الشأن العام في السويداء سيكون من الصعب إعادتها إلى أماكن عبادتها والاكتفاء بدورها الديني التقليدي، والخطر أنها، بقصد أو بدونه، تُكَرِّس سلطة رجال الدين أمراء حرب صغاراً.

في ظل استحالة استحضار زعامةٍ على غرار الزعامة التاريخية للقائد الوطني سلطان باشا الأطرش ووفاة ابنته منتهى الأطرش التي كان يعوّل عليها لعب دور ما بحكم إرث والدها وبحكم موقفها الوطني الناصع، تبدو الزعامات المحلية الراهنة عاجزةً عن ملء الفراغ حتى اللحظة. ومن خلفها يبدو المشهد العام في السويداء أكثر ضبابيةً من قبل. وريثما يتمكّن من ينادون بعدم ترك الحبل على الغارب لرجال الدين من بلورة مرجعية جديدة ذات شأن، سوف تبقى مشيخة العقل في السويداء السلطة الأكثر نفوذاً وتحكّماً بمجريات الأمور فيها.

لا تجد المرجعية الدينية اليوم نفسها مستقلةً عن أي سلطة سياسية سابقة أو حالية وحسب، بل هي حالياً في حلٍّ من أي صيغة تمثيلية كان معمولاً بها سابقاً، الصيغة التي كانت تحتكرها الزعامة التقليدية الدرزية الجنبلاطية، ناهيك عن تجرّؤ من هم دونها بكثير عليها من أمثال وئام وهاب.

ستشهد الأيام المقبلة تكثيفاً خطيراً للهوية الدرزية لأسباب وذرائع مختلفة، وهي متواترة مع تكثيف لكل الهويات الأقلوية في سورية، سيرى بعضهم فيها ضرورة لحماية الطائفة واستمرارها، وسيرى آخرون فيها ضرورة لعدم فقدان دور الدروز التاريخي في سورية، لكن الأهم أن يتمكّن عقلاء الطائفة من وضح حدٍّ للانزياح المتواصل لهذه الهوية من الفضاء الوطني إلى الحيز الطائفي الضيق.

العربي الجديد

——————————-

النزاع الطائفي في سورية مصلحة إسرائيلية/ عاطف أبو سيف

27 مارس 2025

تحاول إسرائيل التدخّل في الملفّ الطائفي في سورية بزعمها الحرص على بعضهم أمام بطش بعضهم الآخر، وربّما التصريحات التي صدرت عن قادة الحكومة الإسرائيلية منذ سقوط نظام عائلة الأسد، والتهديد بالتدخّل عسكرياً لحماية الدروز في جنوب سورية، من أيّ بطش محتمل من أجهزة الدولة، تعكس تلك الرغبة التي لا علاقة لها بالطبع بحُبّ إسرائيل ورغبتها الحقيقية في حماية أحد، بقدر ما هي تعبيرٌ صريحٌ عما تمليه النزعة التوسّعية للتدخّل في الشأن السوري الداخلي، فالأمر لا علاقة له بمصالح الطائفة الدرزية ولا بحقيقة أنها تتعرّض لمضايقات أم لا من أجهزة الدولة الجديدة، بل مرتبط أكثر بأن إسرائيل تريد أن يكون لها دور في صياغة المعادلة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد، وربّما في الأقرب إليها، الجنوب السوري. وعليه، سيكون التدخّل بحجّة حماية الطائفة الدرزية مدخلاً “إنسانياً” لتطلّعات استعمارية بحتة. لا يقتصر التدخّل الإسرائيلي (ولن يقتصر) على مزاعم حماية الدروز مثلاً، بل سيمتدّ إلى طوائف أخرى. ثمّة حديثٌ عن الطائفة العلوية مثلاً بعد القتل في الساحل، وتصريحات إسرائيلية تعبّر عن القلق ممّا جرى هناك، إلى جانب ما يثار (وأيضاً بلا دليل) عن تواصلٍ إسرائيلي مع أكراد سورية، مثلما كان يُشاع في السابق عن التواصل مع أكراد العراق. والمؤكّد أن كثيراً من هذه الأخبار تفبركها إسرائيل لتكون مدخلاً لنزوع الآخرين للتواصل معها طلباً للحماية من البطش.

وإسرائيل، منذ وُجدت، لم تتوان عن التدخّل في الشؤون العربية الداخلية، وفي تغذية النزعات العرقية والطائفية في أيّ دولة عربية تجد إسرائيل طريقاً إلى تفاصيل صراعاتها الداخلية. ونجحت في بعض الأحيان، وفشلت في أحيان أخرى، لكنّها اعتبرت التدخّل عبر نافذة الطائفية والعرقية، في مجتمع عربي تسعى حكومات دوله إلى تقديمه جسماً متجانساً، أمراً ممكناً، وفعلت ذلك باستمرار. تمكّن هذه النافذة إسرائيل من تشتيت انتباه الدولة وإحداث أزمات مختلفة لها، وربّما التأثير في سياساتها. إلى جانب ذلك كلّه، تسعى الماكينة الإعلامية الصهيوينة في الخارج إلى توظيف ذلك للطعن في شرعية الدولة الوطنية وحكّامها في المنطقة العربية، من مدخل إنساني وحقوقي. هذا يشمل بلداناً كثيرةً مثل مصر والعراق والجزائر والسودان (دور إسرائيل في دعم المتمرّدين في جنوب السودان وصولاً إلى الانشقاق) والصومال وإريتريا. بشكل عام، ارتكز مكوّن أساس من السياسة الخارجية الإسرائيلية على فكرة التدخّل في شؤون الدول الأخرى لجني مكاسب من هذا التدخّل. وليس الدور الإسرائيلي في أفريقيا خافياً على أحد، ويكاد تدخّل إسرائيل وعلاقتها، حتى مع الدول الإسلامية، يفوق تدخّل الدول العربية؛ وتتذكّرون الصراع على حضور إسرائيل المؤتمر الأفريقي. ولكن، مرّة أخرى الوضع في سورية مختلف بشكل كامل، فتدخّل إسرائيل في سورية يهدف إلى إضعاف الدولة الجديدة التي تتلمّس طريقها نحو البقاء بعد أكثر من نصف قرن من حكم عائلة الأسد، في بلاد أنهكتها الحروب الداخلية 13 سنة.

وبالعودة إلى تدخّل إسرائيل في الملفّ السوري، تحدّثت عن استجلاب عمّال من جنوبي سورية للعمل في المستوطنات في الجولان. كما أن الحديث عن زيارة رجال دين دروز من سورية المقامات في الداخل أثار نقاشاً طويلاً، رغم أن الفيديوهات التي انتشرت لم تكن من الزيارة، بل ضمن طقوس دينية سابقة في مقام النبي شعيب، كما أن الزيارة لم تكن موضع ترحاب من مرجعيات كثيرة. ومع ذلك، يصحّ القول إن إسرائيل تعمل جاهدةً من أجل ترجمة تطلّعاتها في البقاء في جنوب سورية وعدم الانسحاب من المناطق التي احتلّتها حديثاً، بل التمدّد أكثر هناك باستخدام ذرائعَ إنسانية. لا توجد أزمة، لكن إسرائيل تبرع في خلق الأزمة من أجل أن تكون جزءاً من الحلّ، أو أن يطلب منها أن تتدخّل من أجل أن تساهم في إيجاده.

ثمّة حضور أقوى لكبار الضبّاط الدروز في الجيش الإسرائيلي، ولكن أيضاً هذا لا علاقة له بالأمر، فالموضوع لا يعدو إضعافاً للدولة الجديدة، ومحاولةَ تحقيق مكاسبَ إضافيةٍ تتمثّل في تثبيت احتلال المزيد من الأراضي. ومع ذلك، يظلّ السؤال الدرزي في فلسطين من الأسئلة التي غفلت عنها الحركة الوطنية الفلسطينية، وأخذ الكلّ بجريرة بعضهم، رغم أن أبرز رموز أدب المقاومة العربي والفلسطيني، أقصد سميح القاسم، ينتمي إلى الطائفة الدرزية، كما أن للطائفة دوراً في الحركة الوطنية الفلسطينية قبل النكبة، والقصور في معالجة السؤال الدرزي تتحمّل مسؤوليته جزئياً الحركة الوطنية الفلسطينية. ويجب أن لا يغيب عن بالنا أن الدروز في فلسطين يعانون مصادرة الأراضي وكروم الزيتون مثل بقيّة سكّان القرى العربية. المقصد أن الانجرار وراء الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في توصيف الأشياء يضرّ كثيراً.

لننتبه أيضاً إلى النقاش بشأن الملفّ الكردي، تظهر بعض الأخبار تعاون إسرائيل مع أكراد سورية، وكأنّ أكراد سورية كانوا ينتظرون على أحرّ من الجمر أيّ إشارةٍ من تلّ أبيب لفتح هذه العلاقة غير الموجودة. والقائل بذلك ينسف تاريخ توءمة وكفاحٍ مشترك بين الأكراد والعرب، ومساهمات أساسية للأكراد في الدفاع عن الدولة الإسلامية وتثبيت أركانها. يريد القائل بذلك لنا أن ننسى شهداء الثورة الفلسطينية من أكراد سورية وأكراد العراق، وقتالهم في صفوف فصائل الثورة.

أيضاً، كانت إسرائيل من تحدّثت عن محور سنّي في مقابل محور شيعي في العقدَين الماضيَين، ووضعت نفسها، بل نصّبت نفسها مكوّناً أساساً من المحور السُّني. وفي سبيل ذلك، غذّت التوجهات الطائفية في المنطقة، وحاولت إيجاد وضع تشعر به الدول السُّنية بأنها تتعرّض لتهديد وجودي من بعض القوى الشيعية، وتحديداً إيران. ومن ثم، تتشاطر تلك الدول مع إسرائيل الحاجة إلى حماية وجودها من هذا التهديد الشيعي. والحلّ؟… يكمن في “التعاون المشترك بين الدول السُّنية وإسرائيل لمواجهة النفوذ الشيعي”.

اختفى هذا الحديث مع انسحاب إيران وانكماشها، وتراجع حزب الله وانحسار دوره في لبنان، وبدأت إسرائيل التركيز في الملفّ السوري، لأن الدولة السورية يجب أن تظلّ مشغولة بنفسها، ويجب أن تواجه الأزمات من دون توقّف، حتى تظلّ ضعيفةً ولا تقوى على بناء قدراتها، فسورية الضعيفة والمفكّكة مصلحة إسرائيلية، وسورية التي تتقاتل طوائفها مصلحة إسرائيلية، وسورية العاجزة عن أن تكون دولة مواطنيها مصلحة إسرائيلية، لأن إسرائيل يمكنها “أن تساعد هؤلاء في التخلّص من بطش الدولة”.

أزمة الدولة العربية إصرارها على حماية التجانس في المجتمع من دون حاجتها إلى ذلك. ومن ثم، يقع بعضُ الغبن على كثير من مكوّنات المجتمع المتعدّد التي تتميّز بخصوصية عرقية، أو لغوية، أو دينية، فالدولة الحديثة ليست دولة عرق نقي، وليست دولة طائفة من دون أخرى. وفي ذلك تفقد الدولة طاقاتٍ كثيرة، وتعمل لقمعها من أجل أن تقدّم نفسها على هيئة واحدة، فيما يقوم مفهوم الدولة على العلاقة التعاقدية بين “مجتمع المواطنين” وبين أجهزة الحكم، وأساس هذا العقد الاجتماعي، يحدّد قائمة الواجبات وسلّة الحقوق، وليس العرق ولا الطائفة ولا المذهب. والدولة السورية الحديثة إذا أرادت أن تتجنّب الوقوع في الفخ الكبير، الذي يشكّله السؤال الطائفي والعرقي لأيّ دولة ضعيفة ومفكّكة وآيلة للسقوط مثل الحالة السورية، عليها أن تبحث بجدّية عن بناء دولة المواطن، الدولة التي يعيش فيها جميع مواطنيها سواسية من دون تمييز، ومن دون تفضيل مجموعة على أخرى، وتنظر إلى التنوّع الطائفي (سُنّي وشيعي وعلوي ومسيحي ودرزي)، وإلى وجود الأكراد، بوصفهما ثراءً كبيراً ومصدرَ قوة للمجتمع وللدولة، ويُمنح الجميع فرصاً متكافئة في كلّ شيء، من دون منع شيء من لغة وثقافة وهُويَّة عن أحد. فأساس الدولة هو أن يشعر الجميع أنه ينتمي إليها، فالأسد رغم حكمه أكثر من 50 عاماً لم يجد من يبكي عليه بعد رحيله، حتى من عملوا معه. والأكثر أهمية أن مثل هذا الفهم يحمي الدولة من التفكّك، ويقطع الطريق على إسرائيل في محاولاتها المساس بمكونات المجتمع السوري.

العربي الجديد

————————–

جنوب سورية: اشتباك أول مع الاحتلال في ريف درعا/ محمد أمين

26 مارس 2025

مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والتوغلات البرية في الجنوب السوري، تفتح تطورات الساعات الأخيرة وتحديداً تصدي مجموعة من الشبان لقوة إسرائيلية حاولت التوغل في قرية كويا في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، في أول اشتباك من نوعه، وما رافقه من قصف أدى إلى استشهاد سبعة مواطنين، الباب أمام إمكان ظهور حركة مقاومة شعبية للاحتلال الإسرائيلي، في ظل عدم قدرة الجيش السوري الجديد على المواجهة، بعدما استغلت تل أبيب الأوضاع التي تمرّ بها سورية إثر سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي لاحتلال مساحات إضافية من الأرض السورية، وتدمير جل المقدرات العسكرية للبلاد التي بقيت بعد هروب الأسد وانفراط عقد جيشه وأجهزته، والسعي لتحويل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح مع الإعلان عن أنها لن تسمح للجيش السوري بالانتشار جنوب العاصمة دمشق.

اشتباك ريف درعا

وروى أحد المواطنين الذين شاركوا في صد العدوان الإسرائيلي، وهو شاب يبلغ من العمر 25 عاماً من بلدة كويا، وطلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لـ”العربي الجديد” تفاصيل ما جرى في ريف درعا قائلاً إنه “عندما شاهد أبناء البلدة الآليات الإسرائيلية تقترب من الوادي، خرجنا نحن الشباب لنمنعهم من التقدم نحو بيوتنا. لم يكن معنا سوى أسلحة فردية وعصي وإرادتنا، لكنهم فتحوا النار علينا دون رحمة. رأيتُ ابن بلدتي علي يسقط أمامي بعد أن أصابته رصاصة في الصدر وحاولنا إنقاذه، لكن القصف اشتد، واضطررنا للانسحاب تحت وابل النيران. الدورية انسحبت وتراجعت إلى ثكنة الجزيرة وتل الأحمر وأعطوا السكان مهلة ساعتين لإخلاء البلدة وبدأوا بقصفها بالمدفعية”. وتابع: “الناس فروا خوفاً على أطفالهم. نحتاج إلى مساعدة طبية عاجلة، فالجرحى كثيرون، ولا يوجد أطباء كافون”.

كما قالت أم أحمد، وهي من أبناء بلدة كويا في ريف درعا لـ”العربي الجديد”، إنه “بعد دقائق من بدء الاشتباكات، بدأت القذائف تسقط على البلدة. هربنا إلى حقل قريب، لكن القصف لم يتوقف. حفيدي الصغير أصيب بالرعب، وانهار وسقط أرضاً، ولم نستطع نقله إلى المستشفى لأن الطرق غير آمنة”. وناشدت الإدارة في دمشق كي ترسل مساعدات طبية، فالوضع كارثي.

من جهتها، ذكرت شبكة “درعا 24” أن قوة من الجيش الإسرائيلي حاولت صباح أمس الثلاثاء التوغل في قرية كويا عبر الوادي في ريف درعا ما أدى إلى اشتباكات عنيفة مع شبان من القرية تصدوا لها وأجبروها على التراجع. وأفادت شبكات إخبارية محلية، منها “تجمع أحرار حوران”، بأن سبعة مدنيين استشهدوا وأصيب آخرون جراء القصف المدفعي الإسرائيلي على قرية كويا، مع حركة نزوح واسعة للأهالي إلى البلدات والقرى المجاورة. وبحسب الشبكة، فإن القصف المدفعي الإسرائيلي انطلق من مواقع الجيش الإسرائيلي في ثكنة الجزيرة القريبة من الحدود السورية مع هضبة الجولان المحتلة، بالتزامن مع تحليق طائرات استطلاع وحوامات عسكرية. وتعد هذه الثكنة التي سيطرت عليها تل أبيب بعد يومين من سقوط الأسد، نقطة انطلاق للقوات الإسرائيلية لتنفيذ عمليات توغل في الأراضي السورية.

وأكد محافظ درعا أنور طه الزعبي، وفق ما نقلت عنه وكالة “سانا”، أن “انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي واعتداءه المتكرر على الأراضي السورية دفعت مجموعة من الأهالي إلى الاشتباك مع قوة عسكرية حاولت التوغل في بلدة كويا في ريف درعا الأمر الذي أدى إلى تصعيد من قبل جيش الاحتلال بالقصف المدفعي، والقصف بالطيران المسير، ما أسفر عن وقوع ضحايا في صفوف المدنيين”. كما قالت وزارة الخارجية السورية في بيان إن “قرية كويا تعرضت خلال الساعات الماضية لقصف مدفعي وجوي إسرائيلي مكثف استهدف الأحياء السكنية والمزارع، ما أسفر عن استشهاد ستة مدنيين، مع احتمال ارتفاع العدد نتيجة الإصابات الخطيرة واستهداف المناطق الزراعية”. ودعت إلى فتح تحقيق دولي حول الجرائم المرتكبة بحق الأبرياء وحول الانتهاكات الإسرائيلية، موجهة أبناء الشعب السوري إلى التمسك بأرضهم ورفض أي محاولات للتهجير أو فرض واقع جديد بالقوة، مؤكدة أن هذه الاعتداءات لن تثني السوريين عن الدفاع عن حقوقهم وأرضهم.

في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي إن قواته “رصدت عدداً من الإرهابيين الذين أطلقوا النار في اتجاهها في جنوب سورية وقامت القوات بالردّ على إطلاق النار، وقام سلاح الجو بضرب الإرهابيين”، مشيراً إلى وقوع إصابات. وأضاف بيان الجيش الإسرائيلي أنه “في وقت سابق، ضرب الجيش الإسرائيلي القدرات العسكرية التي كانت لا تزال في القواعد العسكرية السورية في تدمر وتيفور”، والأخيرة تقع قرب مطار تيفور أكبر المطارات العسكرية في سورية. وهذه المرة الأولى التي يستشهد فيها هذا العدد من المدنيين منذ بدء الاعتداءات الإسرائيلية في جنوب سورية ولا سيما في محافظتي درعا والقنيطرة، ما يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات، منها ظهور حركة مقاومة شعبية في ظل عدم قدرة الجيش السوري الوليد على المواجهة.

وشرح الناشط الإعلامي يوسف المصلح، في حديث مع “العربي الجديد”، أن قرية كويا في ريف درعا تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن خط وقف إطلاق النار وفق اتفاق “فك الاشتباك” المبرم عام 1974 وأطاحت به إسرائيل أخيراً، مؤكداً أن هناك تخوفاً من توغل قوات إسرائيلية في القرية ومحيطها خلال الأيام المقبلة.

وتعليقاً على الاعتداءات المستمرة على جنوب سورية، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن نظام الأسد المخلوع “كان حامياً للكيان الصهيوني طيلة أكثر من نصف قرن، لذا قامت إسرائيل باستهداف كل ما بقي من القدرات العسكرية السورية”. وتابع: “على الرغم من أن البنية العسكرية السورية مدمرة بنحو 90%، إلا أن الكيان الصهيوني يخشى من التغيير الذي حدث في سورية والذي سيؤدي إلى المطالبة بكل الأراضي السورية المحتلة منذ عام 1967 وهذا الأمر يؤرق تل أبيب. الجبهة السورية لم تعد آمنة بالنسبة لإسرائيل بعد سقوط الأسد”. كما رأى فرحات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول زرع فتنة من خلال اللعب بورقة الأقليات في سورية وخصوصاً الطائفة الدرزية. وأشار إلى أن لكل فعل “رد فعل مقابلا”، معرباً عن اعتقاده أن الاعتداءات الإسرائيلية لن تبقى دون رد من قبل السوريين إلى أمد مفتوح.

أهداف إسرائيلية في سورية

وظلت الجبهة السورية مع إسرائيل ساكنة منذ عام 1974 على الرغم من الاعتداءات المتكررة التي كانت تطاول كل المنشآت العسكرية السورية سواء قبل عام 2011 أو أثناء سنوات الثورة السورية ضد النظام المخلوع الذي لم يكن يبدي أي رد فعل عسكري على هذه الاعتداءات. ومن الواضح أن إسرائيل تتخوف من انتشار الجيش السوري الجديد في المواقع التي كانت تشغلها قوات النظام المخلوع، لذا أعلنت أنها لن تسمح لهذا الجيش بالانتشار جنوب دمشق، في مسعى لتحويل هذا الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح. وتحاول الإدارة السورية الجديدة تجنّب الانجرار نحو مواجهة غير متكافئة عسكرياً مع الجانب الإسرائيلي، من شأنها زعزعة الاستقرار الهش في البلاد، وهو ما يغري تل أبيب للاستمرار في الاعتداءات وتوسيع نطاقها الجغرافي، حيث لا قوة ردع تقف في طريقها. ولا تنحصر الاعتداءات الإسرائيلية في الجنوب السوري، فلا يزال الطيران الإسرائيلي يواصل استهداف مقرات عسكرية كانت تتبع لقوات النظام المخلوع خصوصاً في ريف حمص وسط البلاد.

ورأى المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي خالد خليل، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تغييرات جذرية طرأت على طبيعة الاعتداءات الإسرائيلية على سورية بعد سقوط نظام الأسد، لجهات الشدة والوتيرة والخسائر”. ولفت إلى أن سقوط نظام الأسد “فاجأ إسرائيل وقد كان حليفاً غير معلن لها”، معرباً عن اعتقاده أن إسرائيل “تحاول استغلال ما جرى في سورية لفرض واقع أمني جديد يوفر جبهة آمنة وهادئة كما كانت طيلة 50 عاما تحت ذريعة حماية حدودها. ورأى أن تل أبيب “تحاول خلق مكانة جيوسياسية لها في المنطقة في ظل تشكل معادلة أمنية جديدة وطيّ صفحة التنافس الإقليمي بين إسرائيل وإيران”، مضيفاً: إسرائيل تريد تكريس نفسها بالقوة ورسم معادلات أمنية مناسبة لها من خلال تفوقها العسكري، خصوصاً في الساحة السورية التي لطالما اختبرتها. واعتبر خليل أنه لا يمكن عزل ما يجري في الجنوب السوري من اعتداءات عن الأوضاع الداخلية في إسرائيل، مضيفاً: نتنياهو يحاول الخروج من فشله في قطاع غزة عبر تصدير الحرب إقليمياً وهذا ما يحدث في لبنان وسورية. وتابع: يبدو أنه يريد التصعيد في جنوب سورية لمواجهة مشاكل داخلية مع الشارع الذي يضغط لاستعادة الأسرى لدى حركة حماس في غزة، ومع الحكومة ومع المستشارة القضائية لحكومته، فضلاً عن المعارضة الإسرائيلية. وأوضح ان هناك تقارير إسرائيلية تشير إلى أن تل أبيب “تريد منطقة سيطرة بعمق 16 كيلومتراً و60 كيلومتراً منطقة نفوذ داخل الأراضي السورية”، مضيفاً: أعتقد أن على دمشق تحصين جبهتها الداخلية وتوسيع دائرة التمثيل والمشاركة في السلطة لخلق تحالفات إقليمية تساعد في إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية ودفع تل أبيب للانسحاب من المواقع التي احتلتها بعد الثامن من ديسمبر الماضي.

وكان نتنياهو قد طالب في فبراير/شباط الماضي بجعل جنوب سورية منزوع السلاح بشكل كامل، محذراً من أن حكومته لن تقبل بوجود القوات الأمنية التابعة للسلطات الجديدة في سورية قرب حدودها. وفي كلمة ألقاها الرئيس السوري أحمد الشرع خلال القمة العربية الطارئة في القاهرة في مارس/آذار الحالي، حثّ المجتمع الدولي على “الضغط على إسرائيل للانسحاب الفوري من الجنوب السوري”.

إلى ذلك دانت الخارجية الأردنية في بيان توغل الجيش الإسرائيلي وقصفه بلدة كويا، معتبرة ذلك “خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، وانتهاكاً صارخاً لسيادة ووحدة سورية، وتصعيداً خطيراً لن يسهم إلا بمزيد من الصراع والتوتر في المنطقة”. وأكدت “رفض المملكة المطلق، واستنكارها للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أراضي الجمهورية العربية السورية، في خرق واضح لاتفاقية فك الاشتباك للعام 1974 بين إسرائيل وسورية”. وحذرت من “مغبة تفجر الأوضاع في المنطقة”، مجددة تأكيد “وقوف المملكة مع سورية الشقيقة وأمنها واستقرارها وسيادتها”. كما دانت حركة حماس في بيان “بأشد العبارات العدوان الصهيوني الهمجي الذي استهدف أحياءً سكنية في قرية كويا”، معتبرة هذا العدوان “تصعيداً خطيراً للانتهاكات الصهيونية بحق سورية وشعبها، وجريمة حرب جديدة تضيفها حكومة الاحتلال الفاشي إلى سجلها الدموي، وتكشف عن نياتها الإجرامية المبيّتة تجاه سورية والشعب السوري”.

———————————

هجمات درعا والمطارين بالميزان الإسرائيلي.. ممنوع بناء قوة سورية/ حلمي موسى

26/3/2025

في إطار نظرية الأمن القومي الإسرائيلية الجديدة التي تم تطويرها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول والقاضية بمنع تراكم المخاطر على طول الحدود وعرضها يهاجم الجيش الإسرائيلي بين حين وآخر مواقع داخل الأراضي السورية في الجنوب والوسط والشمال. وكانت آخر هذه الهجمات قصف بلدة كويا قرب مدينة درعا وتهجير الكثير من سكانها وقتل وجرح العشرات فيها. وجاءت الهجمات الأخيرة، وفق الرواية الإسرائيلية، بعد “رصد محاولات أولية من قبل النظام الجديد في سوريا لإعادة بناء البنية التحتية العسكرية بعد سقوط نظام الأسد”. وفي إطار هذه الهجمات تم قصف مطارين وطائرات ومدرجات ومواقع عسكرية واقتحام بلدات وإجراء تفتيشات واعتقالات.

ومعروف أن إسرائيل ترفض المنهج السائد في العالم الذي يتعامل مع النظام السوري الجديد على قاعدة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ودفعه نحو إنشاء دولة موحدة بعيدا عن الاقتتال والتشرذم. وفي هذا السياق عملت إسرائيل وبشكل علني من أجل تقسيم سوريا وإنشاء دويلات طائفية وقومية فيها لمنعها من استعادة دورها ومكانتها الإقليمية. ونظرت باستهجان حتى إلى الدور الأميركي الذي سهل اتفاق الجيب الكردي في الشمال مع النظام الجديد على الانضواء تحت راية الدولة السورية. كما ترفض إسرائيل التحالف القائم بين هذا النظام والحكومة التركية وترى في التعاون العسكري بين الجانبين مقدمة لخطر جوهري جديد. ورأت سوريا في الأحداث المؤسفة والدامية في الساحل السوري فرصة لإفلات زمام الأمور وتوجيه الكل السوري نحو حرب طائفية تكون هي المستفيدة الأولى منها والقادرة على الظهور بمظهر الحامي الفعلي للأقليات الدينية والمطالب باعتراف العالم بذلك.

تعزيز منهج

وحاولت إسرائيل عبر توغلها في الأراضي السورية تشكيل نوع من الحماية للدروز في جبل العرب على أمل تشجيعهم على الانفصال أو على الأقل توفير قاعدة للتوتر الدائم في المنطقة. كما وسعت احتلالها للمنطقة العازلة في هضبة الجولان جنوبا نحو روافد نهر الأردن في سهل حوران نحو الحدود الأردنية. وأعلنت عبر وزير حربها إسرائيل كاتس أن تواجدها، خصوصا في جبل الشيخ السوري، ليس مؤقتا وإنما هو دائم. وأملت من خلال ذلك تعزيز منهج تفكيك الدولة السورية وتوجيهها نحو الاندثار والغياب.

وفي ليلة الثلاثاء هاجم الجيش الإسرائيلي وفق بيان صادر عنه قدرات عسكرية متبقية في محيط قاعدتي تدمر و”تي 4″ (T4) العسكريتين في سوريا. وهاجم سلاح الجو أي محاولة لنقل منظومات الأسلحة أو إعادة تأهيلها، كما فعل في قاعدة “تي 4” (T4) وتدمر ضد منظومات أسلحة متبقية من جيش الأسد. في الوقت نفسه، نفذت قوات المشاة والمدرعات والهندسة التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي غارات على الأراضي السورية في الجنوب. وقال مصدر عسكري رفيع المستوى إن الهدف من هذه الغارات هو “ضمان عدم نمو الأعشاب المحلية”.

وكانت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أجرت عدة مناقشات في الأسبوع الفائت بشأن موضوع الجبهة الشمالية والعمليات التي تجري في جميع أنحاء سوريا -بما في ذلك محاولات النظام السوري الجديد-لاستعادة البنية التحتية العسكرية مثل بطاريات الدفاع الجوي والصواريخ والقذائف في الجزء الجنوبي من سوريا-. وجرى التأكيد على أن الموقف العام في المؤسسة الأمنية هو أنه من أجل الحفاظ على التفوق الجوي لإسرائيل والسماح بحرية العمل، يجب إحباط أي محاولة من هذا القبيل أو الكشف عن الأسلحة المتقدمة. وبناء على ذلك يتم تنفيذ هجمات في قلب الأراضي السورية لتدمير تلك الأنظمة أو محاولات أي عناصر معادية التمركز فيها.

قصف كويا

وقد استنكرت الخارجية السورية “العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي السورية، الذي شهد تصعيدا خطيرا في قرية كويا بريف درعا الغربي”. وقال بيان صادر عنها إن قرية كويا تعرضت لقصف مدفعي وجوي مكثف استهدف الأحياء السكنية والمزارع، مما أسفر عن استشهاد 6 مدنيين، مع احتمال ارتفاع العدد نتيجة الإصابات الخطيرة واستهداف المناطق الزراعية. وشددت على أن التصعيد يأتي في سياق سلسلة من الانتهاكات التي بدأت بتوغل القوات الإسرائيلية في محافظتي القنيطرة ودرعا، ضمن عدوان متواصل على الأراضي السورية، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية والقوانين الدولية. وطالبت بفتح تحقيق دولي حول الجرائم المرتكبة بحق الأبرياء وحول الانتهاكات الإسرائيلية.

وطبيعي أن من يطمح إلى تفكيك سوريا لا يرتاح لا للقبول العربي للنظام الجديد ولا للقبول الدولي وخصوصا الغربي. وبضمن ذلك فإنه غير مرتاح للموقف الأميركي الذي يحاول إقامة علاقات مشروطة بهذا النظام. وتصر إسرائيل على أن الغرب والعالم مخدوعون بالنظام الجديد انطلاقا من واقع أن الرئيس الحالي، أحمد الشرع، هو في الأصل جهادي ينتمي إلى تنظيم القاعدة قبل أن يلتحق بجبهة النصرة ويقوم لاحقا بتشكيل هيئة تحرير الشام. وهي ترى في كل هذه المنظمات جماعات إرهابية لا يغير من طبيعتها وطبيعة قائدها خلعه البزة العسكرية وارتداؤه بزة رسمية. ورغم مصالح الدول المختلفة مع سوريا لم تتردد إسرائيل في إبداء الاعتراض والتحفظ على سلوك كل الدول الغربية، وخصوصا أميركا وألمانيا وفرنسا، تجاه النظام الجديد في سوريا.

وتبدي إسرائيل قلقا واضحا إزاء التبني التركي للنظام الجديد والعلاقة التي أنشأتها مع زعيمه، أحمد الشرع. ومرارا ألمحت إسرائيل إلى مخاوفها من اندلاع صراع مباشر لها مع تركيا بسبب سوريا. ورغم أن إسرائيل استغلت الانهيار السريع لنظام الأسد وسارعت لتدمير أكبر قدر من القدرات العسكرية الإستراتيجية السورية بهدف منع النظام الجديد من السيطرة على الأصول الإستراتيجية فإنها ظلت تخشى إعادة بناء هذه الأصول. وتبدو تركيا حاليا صاحبة المكانة الأوفر حظا للعب دور مركزي في إعادة بناء أصول إستراتيجية جديدة لصالح هذا النظام. ولذلك تشيع بأن التحالف التركي السوري يتحول إلى أن يغدو “مصدر القلق الحقيقي”. وربما من أجل منع هذا الخطر أو تقليصه سعت لدى الإدارة الأميركية من أجل بقاء القواعد العسكرية الروسية على أمل أن تشكل توازنا مع الوجود التركي. ولكن ثمة من يرى أن التعبير الإسرائيلي عن المخاوف من تركيا ينبع أصلا من رغبة اليمين الإسرائيلي في إبقاء الصراع ساخنا على كل الجبهات وإحلال الخطر التركي مكان الخطر الإيراني لاحقا.

الخطوط الحمراء

وهكذا فإن الهجمات العسكرية الإسرائيلية على أهداف ومناطق مختلفة في كل أرجاء سوريا تحقق غايات مختلفة ومتنوعة يمكن تلخيصها بالآتي: أولا وقبل كل شيء رسم ما تسميه بالخطوط الحمراء والإصرار على إزالة كل ما تعتبره خطرا أوليا يمكن أن يتراكم ويغدو خطرا جوهريا. وفي هذا السياق تحاول ضرب كل تحرك أو انتقال عسكري على الحدود السورية اللبنانية والسورية العراقية. وتحاول زيادة تأمين الحدود السورية الأردنية خصوصا في ظل ما تدعيه من احتمال نشوء ترتيبات قد تساعد في توتير الجبهة الأردنية الإسرائيلية.

وثانيا، تحاول إسرائيل وبكل ما تمتلك من قوة منع تركيا من محاولة إعادة بناء الجيش السوري بإشراف أو بمعدات تركية. وثمة من يعتبر أن الهجمات الأخيرة على تدمر وقاعدة T4 تقع في هذا السياق حيث تم تدمير معدات جديدة عبارة عن حاملات جند مدرعة من تركيا. وكانت القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي قد أشارت إلى أن مهاجمة المطارين قرب تدمر هي رسالة لتركيا بأن إسرائيل لن تسمح لتركيا بنشر قوات على شاكلة الانتشار الروسي. وحسب المراسل العسكري للقناة، نير دفوري فإن “هذا الهجوم على المطارات بمثابة إشارة للأتراك: لا تحاولوا أن تكونوا مصدر تهديد ومصدر احتكاك آخر”.

وثالثا، تحاول إسرائيل عبر الضربات المتلاحقة في سوريا إظهار أنه ليس أمام النظام الجديد من سبيل لحماية نفسه سوى إسرائيل. وبالتالي فإن نظرية تجنب الصدام مع إسرائيل السائدة حاليا في دمشق ليست كافية في نظر تل أبيب وينبغي تكريسها باتفاقات سياسية ترسخ هذه الفكرة ووفق الشروط الإسرائيلية. وليس صدفة أنه تواترت في الفترة الأخيرة تصريحات على لسان مسؤولين أميركيين حول فرص توسيع الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل أيضا لبنان وسوريا.

مفتاح الأمن

وقد حاول العميد (احتياط) أمير أفيفى، رئيس ما يسمى بـ”الأمنيين”، تلخيص ما يجري في مقابلة مع “معاريف” أن “مفتاح أمن إسرائيل هو الحفاظ على حرية عمل الجيش الإسرائيلي الكاملة في جميع أنحاء سوريا ولبنان من أجل منع تعزيز قوات جولاني وحزب الله والحفاظ على منطقة عازلة في جنوب لبنان ومرتفعات الجولان السورية والتي ستكون منزوعة السلاح”. “إلى جانب ذلك، بناء تحالفات مع الدروز والأكراد في سوريا، وربما حتى مع المسيحيين في لبنان الذين يخشون سقوط لبنان في أيدي قوات الجولاني”.

ويشير أفيفي حتى إلى سيناريو قد يخدم فيه النفوذ الروسي المتجدد في المنطقة المصالح الأمنية لإسرائيل: “إسرائيل مهتمة أيضًا برؤية روسيا مهيمنة مرة أخرى في المنطقة العلوية على طول الساحل السوري من أجل التأثير على قدرة تركيا على دخول سوريا والاقتراب من إسرائيل”، كما يوضح. “إن قدرة الروس على التواجد في سوريا تعتمد على نهاية الحرب في أوكرانيا”. وفي الختام، يؤكد أفيفي أنه “في ظل هذا الواقع الديناميكي في الشمال، يجب على إسرائيل أن تبقى حاضرة في لبنان وسوريا”. وحسب قوله فإن هذا هو السبيل الوحيد لضمان أمن حدود البلاد ومنع تقوية أعدائها.

المصدر : الجزيرة

———————————-

مزدوجات الهوية السورية: حروب أهلية أم تسويات حقيقية؟/ موفق نيربية

تحديث 27 أذار 2025

هناك حرص شديد بين السوريين- معظمهم- على مختلف مشاربهم وخلافاتهم، على الامتناع عن وضع عصيّ في عجلات السلطة الجديدة، التي خلّصتهم من النظام الأسدي الفظيع، وعلى الحذر في إبداء الملاحظات النقديّة أيضاً. لكنّ نجاح شباب المجتمع المدنيّ السوري في إنهاء ما سُمّي بمؤتمر الحوار الوطني بسلاسة، وغربلة آراء الموجودين خلال سويعات قليلة، مع مراعاة «أهل الدار» وعقليتهم السياسية، التي تعرّضت إلى عمليّة تأهيل كبيرة، من حيث كانت، إلى حيث ينبغي من التكيّف السياسي، لدخول دمشق من دون ردّ فعل عاصف دولي وإقليمي.. وربّما محلّي.

إلّا أن صدور «الإعلان الدستوري» على شكله الذي ظهر به، والمعارك والمجازر في منطقة الساحل وجبالها، أضافا توتّراً ملحوظاً على علاقات السلطة المنتصرة خارجياً وداخلياً، مع أن الأمرين لا تجمعهما سلّة واحدة بالتأكيد، لأنّ الأوّل عرضة للنقاش والجدال، والتعديل والإحالة إلى مشروع الدستور الدائم على الأقلّ، والثاني يحفر عميقاً في الوحدة الوطنية، ويخرج أحشاءها إلى العلن، وأخطارها إلى الأفق المنظور.

يعيش كثير من السوريين حالة إنكار مستدامة، يرفضون فيها من يطرح أيّ شيء يمتّ إلى مزدوجات الهويّة السورية. تلك حالة موروثة من «النهضة القومية» و»الصحوة الإسلامية»، أو ممّا حولهما، عندما كان اسم الإثنيْات والطوائف يثير حساسية ورفضاً مقيماً، ونذكر القول المأثور المتكرّر» لم نكن هكذا، لم نكن نعرف أن هنالك مختلفين، وكنّا أحباباً كلّنا معاً». كان الذي يذكر كلمة «الطائفية» يُتّهم بالطائفية فوراً، حكماً مبرماً غير قابل للنقض: تابو مكتمل الأركان. لدينا مزدوجة «كردي – عربي»، التي تعاظم حجمها وعمقها بالتدريج مع الزمن، ابتداءً من عصر» النهضة العربية» الثانية في العصر الناصري – البعثي خصوصاً، عندما استنهض ذلك «القومية الكردية»، وتشكّلت الحركة السياسية الكردية، وتهيّأت لها عدّة وجبات من التغذية المضادّة، في الإحصاء العام، الذي أسقط جنسية عدد مهم من كرد سوريا، وفي الحرب على كرد العراق التي تطوّع بعث الشام بتقديم العون لها.

وبقيت أجواء الانعزال سائدة حتى ربيع دمشق، ثم انتفاضة مارس/آذار 2004، وانخراط الكرد مع الآخرين في حركة واحدة مع تشكيل تحالف دمشق. كانت الحماسة « الوحدوية» تزداد في أيام النهوض واليقظة، والانعزالية في أيّام الركود والتفسّخ. وفي أيّام الثورة، ظهر انقسام كردي واضح، بين طرف يستلهم التجربة السياسية الكرديّة في العراق، وآخر يستلهم تلك في تركيا. وأصبح لدينا في سوريا « مجلسا وطنيا» و»مجلس سوريا الديمقراطية». حالياً هنالك ذروة في المشاعر المتعارضة، لم تتعارض مع احتفالات باهرة بتوقيع اتفاق بين السلطة الحالية وقسد. ويتراوح الوضع ما بين طبول حربٍ تزيد من حدّتها السياسات التركية بالغة الحساسية، وتباشير وفاقٍ ونجاح في التسوية.

في أقصى الجنوب الغربي، هنالك خصوصية في درعا، وخصوصية أشدّ تبلوراً في السويداء ما بين درزيْتها و» السنّية» السورية، التي تضاعفت يقظتها عدّة مرات بعد نجاحات هيئة تحرير الشام. هنا دور مهمّ للقرب من الجولان وإسرائيل، التي ترى في بعض دروز إسرائيل باباً مهمّاً للتدخّل في الشؤون السورية، لتحقيق تغيير إضافي، يجعل من جنوب دمشق كلّه منطقة منزوعة السلاح، تتخيّلها ستكون «صديقة» أكثر من الآخرين، وحاجزاً يمنح الأمن الاستراتيجي لها ويحصّنها من أسباب خوفها وقلقها المرضيّ الدائم. ومن الطبيعي أن يشعر بعض الدروز السوريين في السويداء وجبل الشيخ، وحتى في جرمانا – ضاحية دمشق- بشيء من الحصانة بسبب ذلك، لكنّ ذلك يصطدم بميول وطنية رفيعة، موروثة من أيّام تولّي سلطان الأطرش قيادة الثورة السورية ضدّ الفرنسيين، وذلك فخر لا ينساه الدروز الفخورون بطبعهم. وقد ظهر هذا الميل طاغياً في أكثر من عام من الاعتصام الدائب في ساحة الكرامة، الحالة التي أدّت إلى تنشيط الوطنية السورية/الثورية في كلّ البلاد. تحتدم تفاعلات هذه المزدوجة بقوة حالياً، وتشكّل تحدّياً آخر لمشروع سوريا الجديدة التي تجهد للخروج إلى العالم.

المزدوجة الثالثة التي شعلت سوريا والعالم بشكلٍ خاص مؤخّراً هي العلوية- السنّية بدورها، وهي مزدوجة عايشت نظام الأسد الأب والابن، ونمت في عهدهما، بسبب انتماء تلك العائلة نفسها، وتركيبة الطائفة الفقيرة التي عزّز الأسدان انطلاقها نحو الجيش وأجهزة الأمن، من خلال حجب إمكانيات التطوّر «العادي» من أمامها، كما أصبح متداولاً الآن.

هنالك حدّة وخصوصية بارزة في هذه المزدوجة، تَزِرُ» فيها الطائفة العلوية أوزار النظام الساقط، الذي عاش طويلاً على القمع والطغيان والمجازر، التي كانت ذروتها في حماة 1982، وفي سجون تدمر وصيدنايا، والحجم الهائل/المليونيّ للقتل والتدمير والتشريد في الخمسة عشر عاماً الأخيرة، الأمر الذي وقع معظمه على السنة كنوع.. مع أن بعضه وقع على العلويين أيضاً، بما يجمعهم مع الشعب العاديّ كلّه حين تعرّض للفقر والحاجة إلى الخبز والأمان، وبما هم عليه من» خيانة» لفضل الأسدين عليهم. بعد تهاوي نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، ورغم هروب القادة معظمهم، تحصّن البعض في الجبال، واحتمى آخرون بالقاعدة الروسية، وبدأوا كما يبدو بالحشد والتحضير لمحاولة استعادة السلطة، ولو في منطقة الساحل وجبالها وحسب: أولئك هم «الفلول» كما تسمّيهم السلطة ومعظم الناس – من كلّ الطوائف- في الأسبوع الأوّل تحرّك هؤلاء واختطفوا عناصر من القوى الأمنية والعسكرية وقتلوا العديد منهم، مّا أدّى إلى الإحساس بالخطر والاستفزاز، ودفع إلى النفير والاستنفار، وتدفّق قوى غير منضبطة، رغم أنّ نواتها معروفة التركيب والمرجعية من دون لبس.. وكانت النتيجة وقوع مجازر بشعة بالمدنيين خصوصاً في القرى والبلدات.

تمكّن ذلك المسار من وضع البلاد أمام المزدوجة الأشدّ خطورة والأكثر جراحاً، الأمر الذي أخرج القيح المتراكم المكتوم إلى المشهد بين السوريين وأمام العالم… رغم الجهود الكبيرة التي تعمل على «كتم» انبثاق ذلك القيح، وتخميد نداءات الثأر والانتقام من جهة، وصرخات المظلومياّت المتقابلة.

في النتيجة الآن، أصبحت كلمة» التقسيم» عادية أكثر، وتُناقش وسوف تُناقش لاحقاً. وليس سهلاً على الإطلاق مواجهة تلك الحالة المتفجّرة، والسلطة الحالية تعيش آلام الولادة، وتجهد لتأمين قوت الشعب، الذي أصبح سوريا كلّها بعد أن كان إدلب وحدها، ولبناء دولةٍ انهار الجزء الأكبر والأهمّ منها.. والأصعب هنا مواجهة تحدّي التحوّل من عقلية كانت إرهابية، إلى عقلية مدنية وحديثة ومتكيّفة مع العالم المنشغل بأمور أخطر كما هو الآن، ومع المنطقة التي تعصف فيها همومها الكبيرة حاليّاً. لكنّ هنالك بعض الضوء أيضاً، الخافت لكن الموجود أيضاً. ذلك صحيح رغم أنه لا يمحو الأخطار الداهمة، ولا يستطيع وحده مواجهة المدّ ولا الوقائع كلّها. لا يستطيع أيضاً مواجهة فيض اليقين الذي أصاب جزءاً أو أجزاءً مهمة من النخب السورية، وأبقى بعضهم بعيداً لم ينخرط في العملية السياسية الجارية في داخل البلاد، ينتظر أن تستقيم بذاتها، أو بفعل القوى الخارجة عنها.

جاء ذلك الضوء من اتفاق أحمد الشرع ومظلوم عبدي، على وحدة البلاد وتوحيدها، وعلى إشارات بسيطة إلى المسار الواجب سلوكه في المفاوضات الصعبة المقبلة. يشير ذلك أيضاً إلى أن طريق التسويات هو الوحيد الذي يمنع القطار المُثقل بأحماله من الخروج عن السكة. وليته يساعد كلّ السوريين على تفهّم كون الحروب الأهلية والتفتت واقعاً ينتظرهم من دون التسويات، وأن التسويات مستحيلة من دون التنازلات والتنازلات المقابلة.

*كاتب سوري

القدس العربي

————————

دمشق تنتظر مواقف ناضجة في الولايات المتحدة وإسرائيل/ عدنان علي

2025.03.26

لعل أبرز وأهم اختبار يواجه الإدارة في دمشق على صعيد سياستها الخارجية، يتعلق أساسًا بالعلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، نظرًا لما تمثلانه من تحديات على مستويات عدة، وما تملكانه من قدرات للتأثير على مجريات الأمور في سوريا، بينما تبدو دمشق حيالهما منزوعة الحول والقوة، وغير قادرة حتى على اتخاذ مواقف واضحة حتى الآن لتحديد إطار هذه العلاقات.

وفي ظل شحّ في التصريحات الصادرة عن مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترمب، والتي قد تُقرأ منها ملامح الموقف الأميركي حيال سوريا، جاءت تصريحات مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، والتي أعرب فيها عن اعتقاده بإمكانية تطبيع لبنان وسوريا للعلاقات مع إسرائيل من خلال إبرام معاهدة سلام معها، كأوضح رسالة أميركية حتى الآن لما تنتظره واشنطن من الإدارة الجديدة في سوريا، إضافة طبعًا إلى جملة من المطالب الأخرى ذات الصبغة العمومية، والتي تتقاطع مع مطالب أوروبية وعربية، وحتى سوريا داخلية، مثل توسيع المشاركة في الحكم، واحترام حقوق الأقليات والمرأة… الخ.

ورغم أن هذا النهج، أي محاولة دفع المحيط الإقليمي للتطبيع مع إسرائيل، ليس جديدًا في السياسة الأميركية، وقد عبّرت حتى الإدارة الأميركية السابقة عن دعمها لهذا المسار، خاصة بين إسرائيل ولبنان من خلال مبعوثها إلى المنطقة عاموس هوكستين، إلا أن الجديد هو أن واشنطن ترى أن ذلك بات ممكنًا على أرض الواقع، وفق ما صرّح به ويتكوف، وذلك بسبب ضعف حزب الله جرّاء حربه الأخيرة مع إسرائيل، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، وفق ما تعتقد واشنطن.

ورغم هذه المتغيرات، فإن واشنطن تدرك أن التطبيع يحتاج إلى وقت وتهيئة الظروف المناسبة، لذلك يكون مفهوماً استمرار غياب الموقف الأميركي حيال الحكم الجديد في دمشق، والتراخي في رفع العقوبات، بينما تواصل إسرائيل قصف لبنان وسوريا، بغية تهيئة الظروف لطرح مطالب سياسية محددة عليهما، تتصل كما هو واضح بالتطبيع المجاني مع إسرائيل، وإسقاط المطالب بالأراضي المحتلة “القديمة”، أي الجولان بالنسبة لسوريا، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا بالنسبة إلى لبنان.

ورغم ما يبدو أنه توافق في الأهداف والنهج بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أنه لا يخفى أن ثمة تعارضات كثيرة بين الجانبين في الموقف المبدئي إزاء التطورات في سوريا.

فبينما تقول واشنطن إن سياستها في سوريا تركز أولًا على “مكافحة الإرهاب”، وتحديدًا تنظيم “داعش”، ويستتبع ذلك رعاية السجون التي تضم عناصر التنظيم المعتقلين في سوريا، فإن هذا الأمر لا يشكّل أية أهمية لإسرائيل.

كما أن الولايات المتحدة تسعى إلى قدر من الاستقرار في سوريا للوصول إلى حكومة قادرة على تحقيق الهدف الأول وضبط الوضع في البلاد بشكل عام، ولذلك شجعت ودفعت قوات “قسد” لتوقيع اتفاق التعاون مع الرئيس الشرعي، بينما تسعى إسرائيل إلى عكس ذلك، وتشجع “قسد” على عدم التعاون مع دمشق، وعلى تصعيد مطالبها الانفصالية، كما تشجع مكونات أخرى في الاتجاه نفسه، مثل الدروز في جبل العرب، وهي تريد بشكل عام حكومة ضعيفة في دمشق، ودولة ضعيفة في عموم سوريا.

وفي حين عبّرت واشنطن عن ترحيبها بالحكم الجديد في دمشق الذي أنهى الوجود الإيراني في سوريا، وقطع علاقاته مع حزب الله، فإن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة نسبت ذلك لنفسها، ولم تعترف بأي فضل للحكم في دمشق بهذا التطور. ومن التناقضات أيضًا، مسعى إسرائيل إلى إقناع روسيا بالإبقاء على قواعدها في سوريا لموازنة الوجود التركي هناك، بينما تريد واشنطن من الإدارة في دمشق إبعاد الروس كليًا عن البلاد.

وخلاصة القول، ما يمكن استنتاجه أن الحكومة في دمشق، والتي لم تتلقَّ على الأرجح أية عروض رسمية للتطبيع مع إسرائيل، وكانت تصريحات ويتكوف نوعًا من جسّ النبض، ما تزال في موقف الترقب بانتظار تبلور ونضوج سياسة أميركية واضحة تجاه سوريا يمكن البناء عليها. إضافة إلى أن هذه الحكومة لا تعوّل كثيرًا على ما يصدر من مواقف وتصريحات من جانب حكومة نتنياهو المأزومة داخليًا، والتي تفتح جبهات عسكرية عدة في غزة ولبنان وسوريا، ولا يمكن تالياً معرفة السياسة الإسرائيلية الحقيقية تجاه سوريا ما لم تصل إلى السلطة حكومة إسرائيلية أكثر تعقلاً من الحكومة الراهنة، التي تعيش في ذروة أوهام القوة، وتظن أن بوسعها فعل ما تريد في المنطقة دون رادع من أحد.

وهنا، ينبغي ألا نغفل عن عامل مهم لم يتم تفعيله حتى الآن في العلاقة مع إسرائيل، وهو الموقف التركي، وما يمكن أن تسفر عنه تفاهمات محتملة بين الرئيس أردوغان ونظيره الأميركي ترمب، بشأن عدد من الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري. وفي حال نجح أردوغان في الوصول إلى هذه التفاهمات، والحصول على تفويض أميركي لإطلاق يد تركيا في سوريا، بما في ذلك محاربة تنظيم “داعش”، فإن من شأن ذلك ردع إسرائيل وفرملة سياستها الطائشة تجاه سوريا.

تلفزيون سوريا

——————————

إيران و”تعمد” خلق الفوضى في الجنوب السوري/ صبحي فرنجية

دور النافخ في بيت النار

27 مارس 2025

تجددت الهجمات الإسرائيلية على محافظة درعا صباح الثلاثاء 25 مارس، مستهدفة بلدة كويا غربي درعا، ما تسبب في مقتل سبعة مدنيين، وإصابة عدد من الأشخاص بجروح متفاوتة. ويأتي هذا القصف بعد أسبوع من هجمات مماثلة على محافظة درعا استهدف المنطقة ما بين اللواء 132 ومنطقة مساكن الضاحية غربي درعا. الجانب الإسرائيلي برر هجماته بأن قواته تعرضت لإطلاق نار من قبل مسلحين في بلدة كويا، دون وقوع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي، بحسب ما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية.

وبحسب مصادر محلية تحدثت معها “المجلة”، فإن الأهالي في المنطقة سمعوا أصوات إطلاق نار في بلدة كويا، ليتبعه قصف مكثف من قبل الجانب الإسرائيلي، إلا أن المصادر أكدت أنها لم تتمكن من معرفة الجهة التي أطلقت الرصاص، هل هو رصاص إسرائيلي أم رصاص مسلحين في المنطقة. وأضافت المصادر أن خلايا الميليشيات الإيرانية يمكن لها أن تلعب دور النافخ في بيت النار، خصوصا وأن الاستقرار في المنطقة لا يخدم مخططاتها الساعية لخلق بيئة مواتية لإنشاء خلايا جديدة لها في الجنوب السوري.

وتبذل إيران في الآونة الأخيرة جهودا لإعادة مد خطوط التواصل والدعم مع مجموعات كانت تتبع لها وتعمل معها لسنوات في سوريا، وتحديدا في درعا وحوض اليرموك، والمنطقة القريبة من الحدود السورية العراقية والسورية اللبنانية، في الوقت الذي أكد فيه مسؤول في جهاز الأمن العام بدمشق لـ”المجلة” أن الحكومة السورية تدرك أن إيران لن تُسلم بخسارتها في سوريا، وأن الأمن العام بدأ بتشكيل فرق رصد ومتابعة في عدة مناطق سورية حيوية منها الجنوب السوري، في محاولة لمنع إيران من إعادة إنتاج مجموعات جديدة تتبع لها. وكان لافتا أن وكالات تابعة لإيران نشرت في الثالث من مارس/آذار الجاري أخبارا عن تشكيلٍ جديد يُسمى “المقاومة الإسلامية في سوريا- أولي البأس” حيث من المرجح أن يكون هذا التشكيل هو المظلة التي ستعتمدها الماكينة الإعلامية الإيرانية لزعزعة الواقع الأمني الهش في سوريا.

أموال إيرانية إلى درعا وتحضيرات تنظيمية

مصادر خاصة قالت لـ”المجلة” إن مجموعات صغيرة في منطقة اللجاة بدرعا وطفس وقرى أخرى تسلمت أموالا أتت من شخصيات مرتبطة بـ”حزب الله” اللبناني، بهدف إعادة تشكيل ولاءات جديدة لـ”الحزب” والمشروع الإيراني في الجنوب السوري، والترويج إلى أن هذه التشكيلات سيكون هدفها مواجهة التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري ومقاومته، وبحسب المصادر فإنه يتم إخبار “العناصر المحتملين” بأنه في الوقت الراهن لا توجد أي أوامر لبدء عمليات ضد الوجود الإسرائيلي، بل ستكون المرحلة متسمة بـ”الترقب والتنظيم، بانتظار الفرصة المناسبة لبدء التحرك الميداني”.

وحصلت “المجلة” على معلومات من مصادر خاصة تُفيد بأنه ومنذ شهر ونصف تقريبا وصلت مبالغ كبيرة إلى درعا (تتجاوز 200 ألف دولار) إلى شخصيات متصلة بالميليشيات الإيرانية سابقا، موضحة أن هذه الشخصيات كانت تعمل مع كمال الحسين القيادي التابع لـ”حزب الله” اللبناني الذي قُتل على يد مجموعة محلية في شهر أغسطس/آب من العام الماضي في قرية الجسري بالقرب من اللجاة، ميليشيا لواء الهادي سابقا والتابعة لـ”حزب الله” اللبناني، وشخصيات أخرى كانت على صلة مباشرة بالحاج ولاء المسؤول عن “حزب الله” اللبناني في الجنوب السوري سابقا.

النفوذ الجديد الموالي لإيران في الجنوب ما زال في مرحلة الإنعاش، والمرحلة الحالية هي مرحلة “تشكيل المجموعات ليتم لاحقا استخدامها في تنفيذ عمليات أمنية تشمل اغتيالات وتفجيرات، بهدف إثارة الفوضى، ومحاولة التحضير لعمليات تستهدف الوجود الإسرائيلي في ريف القنيطرة وأطراف منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي لخلق توتر أكبر بين الحكومة الجديدة والجانب الإسرائيلي”، بحسب ما أفاد عنصر كان يتبع لميليشيا “الغيث” التابعة للفرقة الرابعة و”حزب الله” اللبناني في حديثه لـ”المجلة”.

في مطلع مارس/آذار الجاري، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو منسوبا لمجموعة في طفس توعدت باستهداف الوجود الإسرائيلي في الجنوب السوري، وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “المجلة” من مصدر حقوقي في درعا فإن هذه المجموعة غير مرتبطة بأي فصيل معارض في الجنوب السوري، ولا تتبع للجان المركزية أيضا، وتوقعت المصادر أن تكون هذه المجموعة عبارة عن “مجموعة أونلاين”، وهذا أسلوب اتبعته إيران وميليشياتها كثيرا لخلق مظلة محلية يتم تحميل النشاطات الإيرانية عليها، وشبّه المصدر هذه المجموعة ومجموعة “المقاومة الإسلامية في سوريا” بمجموعة نشطت على الفضاء الإلكتروني خلال السنة الماضية وهي “المقاومة الإسلامية في العراق” التي تبنت عمليات ضد المصالح الأميركية في العراق وسوريا، في حين أن الذي كان يُنفذ العمليات هي ميليشيات تابعة لإيران في سوريا والعراق (فاطميون، زينبيون في سوريا، كتائب حزب الله في العراق).

وبحسب المصدر الحقوقي، المتابع لنشاط الميليشيات الإيرانية في درعا منذ سنوات، فإنه “لا يزال هناك الكثير من العناصر المرتبطين بالنظام السابق والميليشيات الإيرانية في درعا، وهؤلاء يمثلون قنابل موقوتة يمكن أن تكون قادرة على إحداث فوضى كبيرة، والتسبب في تدخل إسرائيل بشكل واسع سواء بريا أو من خلال تنفيذ غارات جوية قد تستهدف مناطق مدنية”، مشيرا إلى أنه مساء 21 مارس “قامت القوات الإسرائيلية الموجودة في سرية الجزيرة قرب بلدة معرية بحوض اليرموك بإطلاق قنابل مضيئة في سماء حوض اليرموك، والمعلومات تشير إلى أنه كان هناك تخوف لدى إسرائيل من تسلل عناصر مجهولين قد يقومون بتنفيذ هجمات ضدها في المنطقة”.

دمشق تعتبر نفوذ إيران “تهديدا مباشرا للأمن القومي”

قيادي في وزارة الدفاع السوري بدرعا أكد أن الحكومة السورية تعتبر “أي ميليشيا تتبع لإيران هي تهديد للأمن القومي السوري، وأي مجموعة أو شخص يثبت تعامله أو تواطؤه مع إيران هو عميل وستتم محاسبته”، وأضاف في حديثه لـ”المجلة”: “التعاطف مع إيران أصبح شبهة في الجنوب السوري، لأن النظام البائد ما كان ليوغل في الدم السوري لولا الدعم الذي قدمته له إيران، والكل يعلم أن الميليشيات الطائفية التابعة لإيران كانت تؤجج النعرات الطائفية وتنتهك الدم السوري، وحتى الآن نحن نحصد النتائج السلبية لأفعال هذه الميليشيات”.

وبحسب القيادي فإنه “يتم اتخاذ خطوات عملية لمنع وجود أي بؤر تابعة لإيران، لأن وجود أي نفوذ إيراني في الجنوب سيكون وبالا على المنطقة، حيث يمكن أن تستغل إيران هذه البؤر لخلق صراعات بين الحكومة الجديدة وإسرائيل، أو إحداث فتن داخلية سورية كما حدث في الساحل”، وتابع: “التعويل الرئيس بالإضافة إلى قوة الحكومة الجديدة وخطواتها لمواجهة نفوذ إيران، هو على وعي الشعب السوري، كما أن هناك ملفات في الأمن العام تُعنى بمواجهة النفوذ الإيراني، وفي حال ورود أي معلومات عن وجود أشخاص يعملون مع إيران يتم التحري عنهم والتحرك فورا لإيقافهم”.

في السياق ذاته، قال مصدر مسؤول في الأمن العام بدمشق في حديث لـ”المجلة” إن الحكومة السورية الجديدة تولي اهتماما بالغا لمواجهة أي نفوذ إيراني في سوريا، على مستوى تهريب المخدرات وإنتاجها، وعلى المستوى العسكري المُتمثل في تشكيل خلايا جديدة أو دعم خلايا قديمة تابعة لها هدفها زعزعة جهود إرساء الاستقرار في سوريا.

وأكد المسؤول أن “جهاز الأمن العام قام بتشكيل فرق تحرٍ ورصدٍ معنية بمتابعة أي نشاطات إيرانية في سوريا، هذه المجموعات تجمع المعلومات وتراقب عن كثب أي محاولة إيرانية لإعادة نفوذها في سوريا، وقد قمنا خلال الأسابيع الماضية بأكثر من عملية اعتقال في درعا ودير الزور وحمص والساحل السوري لمجموعات وأفراد يعملون لخدمة المشروع الإيراني الهادف إلى نشر الفوضى في سوريا”.

إيران لإبقاء الحد الأدنى من النفوذ

بعد سقوط النظام السوري، بالتزامن مع انهيار قوة “حزب الله” اللبناني أمام الضربات الإسرائيلية التي أطاحت بقادة الصف الأول لـ”الحزب” في سوريا ولبنان وعلى رأسهم الأمين العام السابق لـ”حزب الله” حسن نصرالله، تحاول إيران إبقاء نفوذٍ لها في ثلاث مناطق سورية حيوية، عند الحدود السورية العراقية، حيث تنتشر اليوم مجموعات تابعة لقوات “الحشد الشعبي” العراقي، و”كتائب حزب الله”، وبقايا الميليشيات الإيرانية التي كانت في دير الزور، والمنطقة الثانية هي الحدود السورية اللبنانية المُطلة على جبال القلمون وحمص والساحل السوري والتي ينتشر فيها “حزب الله” اللبناني وفلول النظام السابق، والمنطقة الجنوبية بالقرب من الحدود السورية-الإسرائيلية، والحدود السورية-الأردنية.

إيران تريد الحفاظ على الحد الأدنى من النفوذ حاليا في سوريا، لخدمة مصالحها الاقتصادية (المخدرات)، والعسكرية (تمرير السلاح إلى لبنان وإدارة مجموعات لتنفيذ مخططاتها في سوريا وإبقاء حالة الصراع مستمرة)، كما أن إيران ومن خلال تشكيل خلايا لها في سوريا يمكن أن تعيد نفسها إلى ساحة التفاوض مع الحكومة السورية والدول الإقليمية لتحصيل مكاسب اقتصادية وسياسية على مبدأ “الهدوء له ثمن”.

المجلة

——————————

المقاومة الشعبية بوجه العدوان الإسرائيلي على سورية… هل هي واقعية؟/ محمد أمين

27 مارس 2025

تعلو أصوات عربية ودولية رافضة للاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري ومحاولة فرض واقع جديد بالقوة العسكرية، لكنها لا تترجم إلى أفعال أو ضغوط على الاحتلال، فيما تواصل الحكومة السورية سياسة التحذير من مخططات الاحتلال، وسط اعتبار البعض أن خياراتها محدودة وتقتصر على الجانب السياسي أو تغذية مقاومة شعبية لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية الذي يستهدف دفع السكان إلى ترك بيوتهم وأراضيهم وخاصة في ريف درعا الغربي.

ويذهب البعض إلى القول إن المقاومة الشعبية أكثر الخيارات واقعية لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية على غرار ما جرى أول من أمس، بعد محاولة قوة إسرائيلية التوغل في قرية كويا بريف درعا الغربي، والتي جوبهت بمقاومة شعبية، تبعها ارتكاب الاحتلال مجزرة، فيما تسبب القصف الإسرائيلي بموجة نزوح من المنطقة.

ودعت غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خلال جلسة وُصفت بـ”العاصفة”، عقدت الثلاثاء الماضي، إسرائيل إلى احترام السيادة السورية وسلامة أراضيها والانسحاب إلى منطقة “فض الاشتباك” التي حددتها اتفاقية ظلت سارية 50 سنة، قبل أن تطيحها تل أبيب بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأجمعت ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن (فرنسا، الصين، وروسيا)، على إدانة العدوان الإسرائيلي على سورية والمتواصل منذ الثامن من ديسمبر الماضي، وطالبت إسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها أخيراً “دون تأخير”، في موقف من شأنه الضغط على الجانب الإسرائيلي الذي احتل أراضي سورية جديدة يخطط للبقاء طويلاً بها، ولا يزال يستند إلى دعم وتبرير أميركي لكل جرائمه.

وفي السياق، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسن، خلال إحاطة قدمها إلى أعضاء مجلس الأمن، إن الجانب الإسرائيلي يواصل هجماته على مناطق مختلفة من سورية، وهو يقوم ببناء بعض النقاط في المنطقة العازلة، معتبراً ذلك انتهاكاً لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة في عام 1974. وأشار إلى أن “تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بالبقاء في سورية” مثيرة للقلق، داعياً مجلس الأمن إلى ضمان وفاء إسرائيل بالتزاماتها، وأن يكون وجودها مؤقتاً، وأن تحترم “سيادة سورية وسلامة أراضيها ووحدتها واستقلالها”. وفي السياق، صدر العديد من الإدانات من دول عربية، أبرزها قطر والسعودية والأردن، للاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري والتي “تحاول تقويض الأمن والاستقرار في سورية”.

وارتكب الجيش الإسرائيلي الثلاثاء الماضي مجزرة بحق مدنيين في قرية كويا بريف درعا الغربي، من بينهم أطفال ونساء، بعد محاولة توغل من قوة إسرائيلية جوبهت بمقاومة شعبية. وخلقت هذه المجزرة موجة نزوح من المنطقة، دفعت وزارة الخارجية السورية، في بيان، للدعوة إلى “فتح تحقيق دولي بشأن الجرائم الإسرائيلية”، ومطالبة السوريين بـ”التمسك بأرضهم ورفض أي محاولات للتهجير أو فرض واقع جديد بالقوة”.

جنود إسرائيليون في الجولان، 27 فبراير 2025 (جلاء مرعي/فرانس برس)

تقارير عربية

جنوب سورية: اشتباك أول مع الاحتلال في ريف درعا

وتبدو الخيارات أمام الحكومة السورية محدودة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية ومحاولات تحويل المنطقة الواقعة جنوب دمشق، والتي تضم ثلاث محافظات هي درعا، والسويداء، والقنيطرة، إلى مجال نفوذ منزوع السلاح والسيادة السورية، لمصلحة تل أبيب. وتعوّل هذه الحكومة على الضغط الإقليمي والدولي الدبلوماسي لتشكيل جبهة رفض سياسية عريضة في مقابل جبهة عسكرية إسرائيلية يبدو أنها بصدد توسيع نطاق العدوان والاعتداءات، والبقاء إلى أمد طويل في الأراضي السورية. في المقابل، عقدت قيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال جلسة تقييم للوضع، أمس الأربعاء. وتنظر دولة الاحتلال إلى ما حدث على أنه “أخطر حادثة” في الجولان السوري المحتل، منذ سقوط نظام الأسد، وسيطرة جيش الاحتلال على بعض المناطق خلف الحدود في الهضبة.

خيارات رسمية وشعبية لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية

ورأى المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك “خيارات رسمية وأخرى شعبية” لمواجهة العدوان الإسرائيلي على سورية الذي بدأ يطاول العمق الجغرافي السوري. وقال: “الحكومة تستخدم حالياً الخيار الدبلوماسي والتوجه إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية لوضع حد للعدوان الإسرائيلي”. ورأى أن على الحكومة “إطلاق يد الشعب السوري لمقاومة العدوان الإسرائيلي”، مضيفاً: “أهالي درعا لا يمكن أن يتركوا أرضهم لإسرائيل وهم مستعدون لتشكيل مقاومة كبيرة للحفاظ على أراضيهم. لدى الأهالي السلاح والحماس لمقاومة القوات الإسرائيلية”.

وكانت تل أبيب بدأت تدخلاً برياً وجوياً في سورية بعد يومين من سقوط نظام الأسد، ونفذت أكبر حملة قصف جوي في تاريخها، طاولت أغلب المواقع العسكرية السورية، في خطوة عكست مخاوف تل أبيب من سقوط نظام حافظ على هدوء الجبهة معها 54 عاماً. ويبدو أن الاستفزازات الإسرائيلية تهدف إلى جر الإدارة السورية الجديدة للدخول في نزاع عسكري معها، وفق الباحث العسكري ضياء قدور، الذي رأى، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إسرائيل “تسعى إلى دفع دمشق للتورط في حرب مفتوحة معها، مما يسمح لها باستغلال ذلك لتحقيق مزيد من التوسع والسيطرة في المنطقة، خاصة على الأراضي السورية”. وتابع: “تضغط إسرائيل عسكرياً وسياسياً بهدف زعزعة استقرار النظام السوري وخلق تبريرات لدورها المتصاعد في المنطقة”.

ورأى قدور أن تركيا وإسرائيل “تتسابقان لملء الفراغ الأمني في سورية”، مشيراً إلى أن أنقرة “تواصل تعزيز نفوذها العسكري والتكنولوجي في الشمال السوري، لا سيما مع نشر رادارات ومنظومات تركية في مطار منغ (في ريف حلب الشمالي)، ما عزز مخاوف لدى الجانب الإسرائيلي من نفوذ عسكري متزايد في سورية. وأعرب عن اعتقاده أن أحد أهم الخيارات الاستراتيجية المتاحة للحكومة السورية “هو تعزيز العلاقات العسكرية مع حلفائها، بما في ذلك تركيا، التي تمثل قوة كبيرة في حلف ناتو”، مضيفاً: “هذا التحالف قد يشكل عامل قوة في مواجهة التحديات الأمنية التي تفرضها إسرائيل”.

احتقان شعبي في درعا

وبرأيه يصبح خيار المقاومة الشعبية “أكثر واقعية”، في ظل “الاحتقان الشعبي في درعا أو المناطق المجاورة” نتيجة العدوان الإسرائيلي على سورية، مضيفاً: “أعتقد أنه يمكن للمقاومة الشعبية المستندة إلى الدعم المحلي أن تشكل قوة ردع فعالة ضد أي محاولات إسرائيلية للتمدد أو فرض واقع جديد في المناطق المحتلة، فضلاً عن أنها من وسائل الضغط على المجتمع الدولي لردع إسرائيل”. ورأى أن “هذه المقاومة يجب أن تتسم بالوحدة والتنسيق الجيد مع القوى المحلية والحكومية”، مضيفاً: “التحديات كبيرة، خاصة مع عدم استقرار الحكومة السورية كلياً على المستوى الداخلي، إذ سيحتاج أي تحرك شعبي إلى تنسيق كبير وخطة استراتيجية واضحة لضمان نجاحه والتأكد من عدم تعرض المدنيين السوريين للخطر والانتقام الإسرائيلي”.

وفي السياق، أعرب الباحث السياسي، مؤيد غزلان، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده أن موجة الإدانات للاعتداءات الإسرائيلية على سورية “تعبر عن اهتمام المجتمع الدولي باستقرار سورية والمنطقة”، مضيفاً: “معادلة الأمن الدولي التي تحققت بفضل هزيمة المحور الإيراني والمليشيات التابعة له مكسب دولي صلب لكنه بات مهدداً حقاً بسبب العدوان الإسرائيلي على سورية”.

وبرأيه، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين “نتنياهو الذي يتبع سياسة العداء الدائم لدول الجوار يهدد الأمن الإقليمي الذي حققته دمشق بعد إسقاط نظام الأسد”، مشيراً إلى أن التنديد الدولي لوحده “لن يجدي نفعاً إن لم يتبعه ضغط حقيقي بوجوب التوقف عن التدخل في الشؤون السورية”، موضحاً أن “هذا التدخل سيجلب الفوضى للمنطقة بأسرها لتعود إيران وتدعم التطرف المتستر بمحور الممانعة الزائف من جديد، وتندثر عندئذ كل مكتسبات انحسار المحور الإيراني ومحور حزب الله من المنطقة”.

وأعرب عن اعتقاده بأن استمرار السياسة الاستفزازية من جانب إسرائيل “سيدفع بسورية إلى عقد تحالفات دفاعية مع دول حليفة لتحاول ردع هذا العداء اللامبرر”. وبرأي غزلان، إن سياسة دمشق تقوم على “عدم استعداء أي دولة من دول الجوار”، مضيفاً: “لن تكون سورية منصة انطلاق لأي فصائل تقوض الأمن الإقليمي أو تعيق منهج سياسة الأولويات التي سنها الشعب السوري وحكومته في هذه المرحلة، والمتضمنة التعافي الاقتصادي وعودة المهجرين وإعادة الإعمار”. وتساءل: “هل المجتمع الدولي مستعد لموجة نزوح سورية جديدة في حال استمر العدوان الإسرائيلي على سورية؟ وهل سيسمح بعودة الفوضى وأذرع إيران إلى المنطقة تحت ذريعة المقاومة والممانعة على أكتاف السياسة العنجهية لنتنياهو؟

—————————

ما هي أهداف إسرائيل في الجنوب السوري؟… قراءة في التصعيد على درعا وكويّا/ محمد سليمان

سياسة نحن والحقوق الأساسية سوريا

الأربعاء 26 مارس 2025

ليست المرة الأولى التي يقف فيها أهالي درعا أمام اختبار وجودي، ولا المرة الأولى التي يُترك فيها المدنيون بلا درع سوى إرادتهم. فبين كل ضربة عسكرية وقرار تهجير، وبين كل محاولة لفرض واقع جديد، هناك ما لا يمكن كسره: ذاكرة المكان، ووجوه الشهداء التي تتحوّل إلى نقاط مضيئة في سماء الجنوب السوري، وإرادة الناس الذين يعرفون أنّ بيوتهم ليست مجرد جدران، بل خطوط حمراء ترسم حدود البلاد.

في الوقت الذي تزداد فيه الأوضاع توتّراً في مدينة درعا، والجنوب السوري عموماً، تواصل إسرائيل تنفيذ خطواتها في التوسّع العسكري والسياسي على حساب الأراضي السورية، محاولةً فرض واقع جديد عبر التهديدات المستمرّة ضد المدنيين والمقاومة المحلية. ومع محاولاتها ترسيخ وجودها في المنطقة، يظلّ الأهالي في درعا والمناطق المجاورة ثابتين في مواقفهم الرافضة لأيّ وجود إسرائيلي، متسلّحين بحقهم في الأرض والكرامة، ومتنبّهين إلى أنّ التهجير يعني احتلالاً دائماً لأرضهم.

ماذا حصل في بلدة كويّا؟

في حديث إلى رصيف22، يشرح الصحافي معتز حشيش، ابن مدينة درعا، عن التصعيد الخطير الذي شهدته بلدة كويّا (تُكتب أيضاً كويّة)، حيث قتل الجيش الإسرائيلي اثنين من المزارعين بدمٍ بارد، ما أدّى إلى اندلاع اشتباكات وتصعيد عسكري واسع النطاق.

في وادي كويّا، المنطقة الواقعة في وادٍ مقابل قوات إسرائيل التي تمركزت عند نقطة “الجزيرة” (مدخلها إلى ريف درعا الغربي)، التي احتلّتها إسرائيل بعد انهيار نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، وبينما كان مزارعان يتّجهان إلى أرضَيهما، بحسب ما يؤكد حشيش، حاملَين سلاحاً شخصياً لحماية نفسيهما، فوجئا بدورية إسرائيلية يبدو أنها بدورها فوجئت بوجودهما أيضاً وشعرت بالخطر.

وقف الطرفان وجهاً لوجه، يُضيف حشيش، وحاولت الدورية الإسرائيلية انتزاع سلاحيهما، لكنّ المزارعَين رفضا، و”هنا جاء الردّ الإسرائيلي بإطلاق النار المباشر، ما أدّى إلى استشهادهما على الفور”. بعد ذلك، حاولت الدورية الانسحاب باتجاه البلدة، لكن الأهالي تصدّوا لها بالسلاح، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من التصعيد.

يقول حشيش، إنّ الجيش الإسرائيلي لم يكتفِ بإطلاق النار، بل ردّ بقصفٍ مكثفٍ من الدبابات المتمركزة في سرية الجزيرة، وهي القاعدة العسكرية التي بنتها إسرائيل بعد احتلالها النقطة السورية. لم تتوقّف العمليات عند هذا الحدّ، إذ أطلقت القوات الإسرائيلية طائرات مُسيّرةً قصفت كل تجمّعٍ للأهالي كان يظهر في المنطقة.

وأسفر القصف، بحسب المعلومات الأوّلية الموثوقة، عن مقتل ست ضحايا، بالإضافة إلى أكثر من عشرة جرحى، بينهم نساء وأطفال. كما تسبّبت الهجمات في حركة نزوح واسعة، حيث فرّ معظم سكان كويّا من البلدة منذ ساعات الصباح، خوفاً من استمرار القصف والتصعيد.

استفزازات متواصلة وتصعيد ممنهج

من جهته، يقول الناشط سمير سليفيني، ابن مدينة درعا، إنّ القوات الإسرائيلية ومستوطنين إسرائيليين لم يتوقّفوا عن الاستفزازات، حيث يدخلون القرى ويخرجون منها بحرية، ويمنعون السكان من الوصول إلى أراضيهم أو حصاد محاصيلهم. ووفق سكان البلدة، فإنّ هذه السياسات ليست جديدةً، لكنها ازدادت شراسةً عقب حادثة قتل أحد الرعاة قبل نحو أسبوع، حيث استهدفت قوات إسرائيل قطيعه، ما أدّى إلى نفوق نحو 100 رأس من الأغنام، في رسالة واضحة مفادها أنّ الأرض لم تعُد لأهلها.

يضيف سليفيني، أنّ الوضع الأمني في المنطقة يزداد تعقيداً، وأنّ المنطقة مكشوفة أمام طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي لا تهدأ منذ إسقاط النظام، مبيّناً أنّ إسرائيل تعتمد على تقنيات المراقبة المتطوّرة، ما يجعل أيّ تحرّك مكشوفاً لها ومهدداً بالقمع الفوري.

إسرائيل تستعدّ للبقاء

يكمل سليفيني، أنّ إسرائيل لا تتعامل مع المناطق التي دخلتها في سوريا باعتبارها مناطق وجود مؤقّت، بل تعمل على ترسيخ وجودها فيها، حيث بدأت قوات إسرائيل بإجراء إحصاء سكاني موسّع، عبر تسجيل السكان في القرى واحدةً تلو الأخرى، في خطوة تذكّر بالأساليب التي استخدمتها في احتلالات سابقة.

بجانب ذلك، شهدت المنطقة تدفّقاً غير مسبوق لـ”المساعدات الإنسانية”، ما عدّه البعض محاولةً لشراء الولاءات أو تهدئةً للسكّان الغاضبين. لكن الأخطر، بحسب ما يشدّد عليه متابعون، هو بدء إسرائيل بتوظيف أبناء المناطق المحتلة حديثاً ضمن أراضيها، برواتب عالية، في محاولة لاستقطابهم اقتصادياً.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

ماذا تريد إسرائيل من الجنوب السوري؟

يقول حشيش، إنّ إسرائيل تواصل تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، حيث تسعى في الأساس إلى جعلها منزوعة السلاح بالكامل. وفي الريف الغربي لدرعا، باتت القوات الإسرائيلية تدخل إلى قرى عدة وتخرج منها بشكل متكرّر، مثل كويّا وبيت العبدين وجملة وعين ذكر، متجهةً نحو القنية، وسط غياب أيّ تحرك لمنع هذا التمدّد.

ويشدّد على أهمية ما تمثّله نقطة “الجزيرة”، التي كانت نقطةً عسكريةً سوريةً قبل أن تحتلّها إسرائيل خلال يومين فقط، بعد انهيار نظام الأسد، محوّلةً إياها إلى قاعدة إستراتيجية رئيسية في عملياتها للسيطرة على الريف الغربي.

رفض شعبي… والمقاومة موجودة

“الوضع في مناطق الريف الغربي لدرعا يشهد تصعيداً خطيراً، حيث تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على المناطق القريبة من الحدود المحتلة، وسط تحركات شعبية تعكس رفضاً قوياً للاحتلال”؛ يقول الصحافي إبراهيم الحريري، من درعا، في حديث إلى رصيف22، مشدّداً على أنّ “المخاتير في القرى المجاورة للحدود المحتلة أكدوا مراراً أنّ المنطقة خالية من أيّ مظاهر مسلحة، لكن إسرائيل تبرّر دخول قواتها بالقصف والاعتداءات على المدنيين”.

ويشدّد الحريري، على أنّ هذا التصعيد ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية ترمي إلى توسيع نطاق نفوذها وسيطرتها على حساب الأراضي السورية، مضيفاً أنّ إسرائيل تحاول إقناع الأهالي بأنّها مجرد عمليات “استفزازية” غير موجّهة ضدهم، بينما الواقع يظهر رفضاً قاطعاً من الشعب السوري لهذه الانتهاكات.

ويلفت الحريري، إلى أنّ حالة الرفض الشعبي الواضحة لإسرائيل في المنطقة تتجلّى في رفض “المساعدات” التي قدّمتها إسرائيل للأهالي، وحرق بعضها تعبيراً عن رفض إدخالها من قبل “المحتلّين”. كما يشير إلى القرى الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكّانها بضعة آلاف، حيث يرفض أهلها بشكل قاطع أيّ شكل من أشكال الوجود الإسرائيلي.

السلاح في وجه إسرائيل

ويؤكد الحريري، أنه على الرغم من أنّ هذا التحرك الشعبي لا يستند إلى موقف حكومي رسمي، إلا أنّ الشعب السوري بأكمله مستعدّ اليوم لحمل السلاح في مواجهة أيّ محاولات لاحتلال أراضيه من قبل إسرائيل. “إذا أرادت إسرائيل دخول بيتي، سأدافع عن بيتي بكل ما أملك… الموقف الشعبي في المنطقة راسخ وثابت، ولن يتغيّر تحت أي ظرف”، يردف.

ويتابع ابن مدينة درعا حديثه قائلاً إنّ ما يحدث اليوم في درعا هو استمرار لمسار طويل من المقاومة الشعبية ضد إسرائيل، مؤكداً أنّ الشعب السوري لن يرضخ، وأنّ المواقف الشعبية الثابتة والواضحة تعكس قوة الإرادة ورفض إسرائيل مهما كانت الظروف، مستطرداً: “حتّى لو كان الثمن غالياً، نحن هنا ولن نخرج من بيوتنا”.

لا ردّ رسميّاً من الحكومة السورية

ويقول الحريري: “نحن في جنوب سوريا واثقون من موقف حكومتنا الرسمي، وأنه سيكون بالشكل الذي يجنّب سوريا حرباً جديدةً ويضمن في الوقت ذاته كرامة السوريين، وإلى حين التوصّل إلى اتفاق يضبط تجاوزات إسرائيل، سيبقى الشعب السدّ المنيع أمام أطماع إسرائيل”.

في غضون ذلك، يرى حشيش، أنّ الوضع الراهن لا يعكس أيّ نيّة حقيقية للتدخّل أو الردّ من قبل الجهات الرسمية في دمشق، إذ لم يحدث حتّى الآن أي تحرك عسكري ردّاً على ما جرى. وبدلاً من ذلك، اكتفت الحكومة بتوزيع وجبات طعام للنازحين الذين خرجوا من كويّا، كما وزِّع الخبز داخل البلدة، في خطوة للتهدئة لا ترقى إلى مستوى الحدث، وفق حشيش.

جدير بالذكر أنّ وزارة الخارجية والمغتربين السورية استنكرت، الإثنين 25 آذار/ مارس الجاري، “العدوان الإسرائيلي المستمرّ على الأراضي السورية، والذي شهد تصعيداً خطيراً في قرية كويّا”، من خلال “قصف مدفعيّ وجويّ مكثّف استهدف الأحياء السكنية والمزارع”.

وأفادت الوزارة بأنّ “هذا التصعيد يأتي في سياق سلسلة من الانتهاكات التي بدأت بتوغل القوّات الإسرائيلية في محافظتَي القنيطرة ودرعا، ضمن عدوان متواصل على الأراضي السورية، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية والقوانين الدولية”.

وبينما أكدت رفضها القاطع لهذه الجرائم، مطالبةً بفتح تحقيق دولي في الجرائم المرتكبة بحقّ الأبرياء وفي الانتهاكات الإسرائيلية، ناشدت الوزارة “أبناء الشعب السوري التمسّك بأرضهم ورفض أي محاولات للتهجير أو فرض واقع جديد بالقوة”.

من جهته، يرى المحلّل السياسي رامي العزيزة، في حديثه إلى رصيف22، أنّ المنطق الذي تحكم به دمشق موقفها يمكن تلخيصه في نقاط رئيسية عدة أولاها السعي إلى نيل الشرعية الدولية، إذ تسعى الحكومة الحالية في سوريا بعد إسقاط النظام السابق إلى إعادة تقديم نفسها للعالم كجهة شرعية، لا كطرف منبوذ، وتالياً فإنّ أيّ مواجهة مع إسرائيل قد تُستخدم كذريعة لمنع الاعتراف الدولي بها، خاصةً من الدول التي قد تكون منفتحةً على إعادة العلاقات معها.

ويشير العزيزة، إلى أنّ النظام في دمشق يحرص على تفادي أيّ تصعيد قد يكون مدمّراً، حيث يدرك أنّ أيّ تصعيد عسكري مباشر مع إسرائيل سيؤدّي حتماً إلى ردّ فعل إسرائيلي قويّ، وهو ما قد يقوّض محاولاته لتثبيت حكمه بشكل كامل. في هذا السياق، والحديث لا يزال للعزيزة، تستغلّ إسرائيل هذه النقطة وتعتمد على أنّ النظام في دمشق لن يخاطر بمواجهة مباشرة طالما أنّ التهديد لا يصل إلى مركز سلطته.

كذلك، يلفت العزيزة، إلى أنّ إسرائيل تلعب على “المخاوف الجهادية”، إذ لطالما استُخدِمت حجة الخطر الجهادي لتبرير تدخلاتها في سوريا، ولإقناع المجتمع الدولي بعدم التعامل مع النظام. ولذلك، فإنّ أيّ تحرّك عسكري من دمشق ضد إسرائيل قد يتم تأويله باعتباره “دعماً لجهات معادية، بما يعيق أي محاولات للحصول على الشرعية الدولية”.

ويضيف العزيزة، أنّ النظام في دمشق يتعامل ببراغماتية، حيث يرى أنّه لم يخسر شيئاً طالما أنه لا يحظى بأي اعتراف دولي رسمي. وتالياً، يفضّل الحفاظ على سياسة “التفاعل المحدود” مع إسرائيل بدلاً من المخاطرة بمواجهة قد تؤدّي إلى تداعيات كارثيّة على مستقبله السياسي.

كما يوضح أنّ إسرائيل، في المقابل، لا تسعى إلى الفوضى المطلقة في الجنوب السوري، بل تهدف إلى إنشاء منطقة عازلة، ولكنها لا تطمح إلى بيئة غير مستقرّة تماماً لأنّ ذلك قد يشرعن المقاومة الشعبية التي تتطلّب المواجهة بالسلاح. ويعلم أنّ وجود بيئة غير مستقرّة قد يؤدّي إلى ظهور مجموعات مسلّحة قد تستغلّ الفراغ الأمني لشنّ هجمات على إسرائيل، وهو “سيناريو غير مرغوب فيه”. وتالياً، هدف إسرائيل ليس مجرد التمدّد بل خلق واقع يمكنها التحكم فيه بأقلّ تكلفة، مثل نموذج “التطبيع القسري” بدلاً من “الاحتلال المباشر”.

وفي ما يتعلق بعلاقة كلّ من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وتأثير هذه العلاقات في المعادلة السورية، يوضح العزيزة، أنّ واشنطن لا ترغب في أن تكون تركيا ضعيفةً لأنها تعتمد عليها كحاجز أمام النفوذ الإيراني والروسي. كما ترى تركيا وحدة سوريا خطاً أحمر، فالتقسيم قد يزعزع أمنها الداخلي، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الكردية.

أما إسرائيل، وفق ما يقول، فتعرف أنه لا يمكنها تغيير الخريطة السورية بالكامل لأنّ ذلك قد ينعكس سلباً على الأمن الإقليمي، وقد يؤدّي إلى خلق فراغ قد تستفيد منه قوى أخرى. كما يعبّر العزيزة، عن أنّ الهدف الإسرائيلي هو إبقاء سوريا دولةً ضعيفةً غير قادرة على تهديد إسرائيل، ولكن غير فاشلة بالكامل. كما تسعى إسرائيل إلى دفع الحكومة السورية نحو “التطبيع القسري”، أي فرض اتفاقات تجعل من سوريا دولةً خاضعةً إستراتيجياً لإسرائيل دون الحاجة إلى خوض مواجهة مباشرة. لهذا السبب تتّبع إسرائيل سياسة “التلويح بأسوأ السيناريوهات”، لدفع دمشق إلى القبول بما هو أقل سوءاً، أي التطبيع تحت الإكراه.

ويرى العزيزة، أيضاً، أنّ هناك نقاطاً أساسيةً عدة تطلبها إسرائيل لإضعاف سوريا ولبنان لدفعهما نحو التطبيع، حيث تستغلّ سنوات الحرب في سوريا والأزمة الاقتصادية في لبنان لفرض واقع جديد. وتقدّم إسرائيل التطبيع كخيار “إجباري” مقابل الدعم المالي من دول غربية وخليجية، ولا سيّما في ظلّ الحاجة الماسة إلى إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي. ويبيّن أنّ خلق بيئة غير مستقرّة في الجنوب السوري هو أحد الطرق التي تتبعها إسرائيل لتحقيق مكاسب إستراتيجية، حيث تسعى إلى فرض مناطق “منزوعة السلاح” في الجنوب، لتأمين الحدود ومنع أي تهديد مستقبلي، وكذلك استغلال الفوضى الأمنية والاقتصادية لدفع السكان إلى قبول العمل في مشاريع اقتصادية مرتبطة بإسرائيل، بما يُسهم في إنشاء نفوذ اقتصادي طويل الأمد.

يُذكر أنّ المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، أعرب عن قلقه إزاء الغارات الجويّة الإسرائيلية على الجنوب السوري، لافتاً إلى تأكيد الجيش الإسرائيلي علناً إنشاءه مواقع عدة في المنطقة العازلة، بما يمثّل انتهاكاً لاتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974. وحذّر بيدرسون من أنّ “مثل هذه الحقائق على الأرض لا يمكن عكسها بسهولة”، معرباً عن قلقه في الوقت نفسه من التصريحات الإسرائيلية بشأن نيّة إسرائيل البقاء في سوريا “لأجل غير مسمّى في المستقبل القريب”، وكذلك مطالبتها بـ”التجريد الكامل لجنوب سوريا من السلاح”.

رصيف 22

————————–

فورين بوليسي: هل تدفع تحركات إسرائيل المريبة في الجنوب سوريا إلى الرد؟

ربى خدام الجامع

2025.03.27

خلال الشهر والنصف الماضيين، شنت إسرائيل ما لا يقل عن سبعين عملية توغل برية في جنوب غربي سوريا كما نفذت ما لا يقل عن 31 سلسلة من الغارات الجوية في مختلف أنحاء ذلك البلد، أي أن كثافة العمليات البرية والجوية الإسرائيلية في سوريا قد زادت وبشكل كبير في الوقت الذي تحرص العملية الانتقالية الهشة في سوريا على توحيد البلاد بعد مرور 14 عام تقريباً على الصراع الذي أنهك سوريا.

في الخامس والعشرين من آذار الجاري، حدث تصعيد كبير في الأوضاع، وذلك عندما وقف في وجه محاولة التوغل البري عشرة مسلحين تقريباً من أبناء المنطقة، والذين فتحوا نيران رشاشاتهم في الهواء في محاولة منهم لردع القوات الإسرائيلية ومنعها من دخول قريتهم التي تعرف باسم كويا، وذلك بحسب ما ذكرته مصادر محلية أعلنت عن ذلك بعد فترة قصيرة من وقوع الحدث. غير أن الجيش الإسرائيلي زعم بأنه تعرض لإطلاق نار مباشر، ولهذا واصل إطلاق القذائف من دباباته على القرية وشن غارة جوية واحدة على الأقل خلفت ستة قتلى على أقل تقدير.

الرد الإسرائيلي على سقوط الأسد

أوضحت إسرائيل ردها على سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول من عام 2024 على الفور وذلك عندما شن الجيش الإسرائيلي أكثر من 600 غارة جوية في مختلف أنحاء سوريا وذلك خلال الأيام العشرة الأولى من رحيل الأسد. وبما أن الطيران الإسرائيلي ضرب كل قاعدة ونقطة عسكرية في سوريا تقريباً، لذا توغل بعد ذلك في ذلك البلد، فاحتل كامل المنطقة العازلة التي أقيمت بموجب اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في عام 1974 بين البلدين، ما أدى إلى إنهاء تلك الاتفاقية التي بقيت سارية زمناً طويلاً. ومنذ ذلك الحين، توغلت القوات الإسرائيلية لمسافة 12 كيلومتراً على الأقل في عمق الأراضي السورية، فزرعت الألغام ومهدت طرقاً جديدة للتوغل، ما أدى إلى ظهور موجة نزوح بين المدنيين.

سياسة إسرائيلية جديدة

ومنذ أواخر شهر شباط الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يسرائيل كاتس، عن سياسة جديدة طبقاها على الفور، فقد طالبا بمنطقة منزوعة السلاح بشكل كامل في الجنوب السوري، كما أعربا غير مرة عن عزمهما على الدفاع عن الطائفة الدرزية الموجودة في سوريا من أي خطر يتهددها، وقد تكشفت تلك السياسة حتى الآن بشكلين اثنين، أولهما ركز على الحدث الذي وقع في مطلع شهر آذار، وذلك عندما توعدت إسرائيل بشن عملية تدخل عسكرية للدفاع عن المسلحين الدروز في ضاحية جرمانا الواقعة جنوبي دمشق، وأتى هذا التهديد بعد أن قامت ميليشيا درزية محلية مؤلفة من مقاتلين كانوا في السابق تابعين لنظام الأسد، وكانت تعرف في المنطقة بميليشيا الشبيحة، بإطلاق النار على عسكري تابع للحكومة المؤقتة فأردته قتيلاً، بعد أن حاول ذلك العسكري زيارة أقاربه في تلك المنطقة، فوقعت مواجهة مسلحة إثر ذلك.

وفي الوقت الذي أطلقت إسرائيل تهديداتها وتوعداتها، توجهت أقوى الميليشيات الدرزية من السويداء نحو جرمانا للتفاوض على فرض اتفاقية يتم من خلالها تسليم المسلحين المسؤولين عن عملية القتل للعدالة، إلى جانب خضوع منطقة جرمانا بأكملها لسيطرة الحكومة المؤقتة.

أما الشكل الثاني الذي تجلت به تلك السياسة الإسرائيلية الجديدة، فقد تمثل عند تشكل ميليشيا درزية جديدة تعرف باسم المجلس العسكري في السويداء، وبحسب أربعة من كبار الشخصيات العسكرية والسياسية والدينية الدرزية في السويداء والذين تحدثوا إلى الصحافة شريطة عدم الكشف عن أسمائهم، فإن هذا المجلس يضم ثلاثة من الضباط السابقين لدى نظام الأسد، كما أن قيادته العليا تضم عناصر من النظام البائد، وقد حصل هذا المجلس على السلاح من مخازن الأسلحة التي كانت تعود لجيش النظام البائد. ومن المعروف ضمن أوساط الطائفة الدرزية بأن للمجلس علاقات مع إسرائيل، وقد حافظ عليها من خلال أبناء جلدتهم من الدروز الموجودين في إسرائيل.

والأهم من كل ذلك هو أن علم المجلس العسكري في السويداء يشبه كثيراً علم قوات سوريا الديمقراطية التي كانت شريكة للولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة، كما أعربت قسد عن انفتاحها في مرات كثيرة على إقامة علاقات مع إسرائيل. ثم إن عناصر المجلس العسكري للسويداء هم من رفعوا العلم الإسرائيلي وسط مدينة السويداء عند احتدام المواجهة في جرمانا، فلم يكن من أهالي المنطقة إلا أن مزقوا ذلك العلم وأحرقوه بعد دقائق على رفعه.

يمثل آخر تصعيد عنيف في سوريا مرحلة خطيرة بشكل استثنائي، وهي مرحلة ليس من الضروري لسوريا أن تمر بها البتة.

كان سقوط الأسد أكبر هزيمة استراتيجية منيت بها إيران حتى اللحظة، لأن سقوطه شل القبضة الخانقة التي أحكمتها طهران على سوريا، كما أجبر كامل قواتها العسكرية وبنيتها التحتية الوكيلة على التفكك والفرار من ذلك البلد. ومنذ سقوط الأسد قبل أربعة أشهر تقريباً، لم تستهدف إسرائيل أي هجمة قادمة من سوريا، بل خلال تلك المرحلة، اعترضت قوات الأمن لدى الحكومة السورية المؤقتة ما لا يقل عن 18 شحنة سلاح كان من المقرر لها أن تصل إلى حزب الله في لبنان، كما احتجزت وفككت ما لا يقل عن ثمانية مواقع لإطلاق الصواريخ كانت تابعة لإيران.

براغماتية الحكومة السورية

منذ تولي الحكومة السورية المؤقتة للسلطة في كانون الأول الفائت، أعلنت عن موقفها القائم على عدم الخوض في أي مشكلة مع دول الجوار ومع المجتمع الدولي عموماً، وعلى الرغم من أنها كانت تتعرض لنقمة روسيا العسكرية طوال فترة امتدت قرابة عقد كامل، فإن السلطات الجديدة في دمشق اليوم لم تقم سوى حوارات منتظمة ومثمرة مع تلك الدولة التي ماتزال قواتها مرابطة في القواعد الجوية والبحرية المنتشرة على الساحل السوري.

إن البراغماتية اللازمة لإحداث هذا التحول الدبلوماسي الجذري قد تغري السياسيين المحنكين، ولكن هذه البراغماتية بدرت في سوريا من إسلاميين لهم باع طويل في خوض المعارك، لكنهم أصبحوا اليوم حريصين على نشر الاستقرار في سوريا وإعادة دمجها ضمن المجتمع الدولي.

فمنذ أواخر شهر كانون الثاني الماضي، تقدمت تركيا بمقترح عسكري مهم للحكومة السورية المؤقتة يقضي بنشر طائرات حربية ونظم دفاع جوي في قاعدتين جويتين (وهما الشعيرات وت-4) وسط سوريا، بحيث يأتي ذلك كمحاولة لترسيخ سيادة سوريا على مجالها الجوي، ومن الجلي أن هذا المقترح يمثل تحدياً تركياً مباشراً لحرية إسرائيل في التصرف، ونظراً لخطورة عمليات التصعيد الإسرائيلية الأخيرة، يرى بعض الناس بأن الأمور قد تصل إلى حد التوقيع على اتفاقية دفاعية، وذلك بحسب ما ذكره مسؤول رفيع في الحكومة السورية المؤقتة، كشف عن ذلك شريطة عدم ذكر اسمه في المقال.

يحسب للرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني أنهما أرجأا وبكل أدب فكرة الالتزام بالمقترح التركي، كونهما يعلمان علم اليقين بأن ذلك المقترح لابد أن يتسبب بأزمة خطيرة، إن لم تكن وجودية، بالنسبة لعملية الانتقال الهشة التي يترأسانها. غير أن مسار الأحداث الجارية جعلت هذا النوع من البراغماتية عديم الجدوى.

ثمة جانب من السخرية في كون الحكومة الإيرانية هي الحكومة الوحيدة الأخرى في العالم، إلى جانب الحكومة الإسرائيية، التي يبدو أنها حريصة على زعزعة الاستقرار في سوريا، إذ خلال الأسابيع القليلة الماضية، تطورت حركة تمرد عدوانية مناهضة للحكومة تتمتع بإمكانات كبيرة في سوريا، وهذه الحركة اعتمدت في قوامها على قيادات سابقة من الفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد البائد، والتي كانت الحليف العسكري السوري الأساسي لإيران، ولذلك تسببت حملة منسقة شملت عشرات الهجمات التي نفذت في وقت واحد تقريباً على يد مقاتلين تابعين للفرقة الرابعة سابقاً موجودين في اللاذقية وطرطوس بحدوث عمليات قتل انتقامية جماعية على مدار بضعة أيام، بدأت في مساء يوم السابع من آذار، كما أن مداهمة نفذتها قوات الأمن السورية على مقار لعمليات تلك الفرقة أسفرت عن اكتشاف خرائط جديدة التقطت عبر الأقمار الصناعية، وصناديق احتوت على مبالغ بالدولار الأميركي، إلى جانب معدات للتواصل على المدى البعيد، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولان رفيعان عن الموضوع، وأضافا بأن الحكومة المؤقتة قررت عدم نشر أي شيء يخص ذلك بحسب ما قالاه.

سوريا أمام فرصة تاريخية

لعل لدى إدارة ترمب مخاوفها وشكوكها تجاه الحكومة السورية المؤقتة، لكنها تدرك تماماً الفرصة التاريخية والاستراتيجية التي خلقها رحيل الأسد والهزيمة الاستراتيجية التي منيت بها إيران في قلب الشرق الأوسط.

ولاقتناص الفرصة وتحويلها إلى حالة استقرار وتحول على المستوى الإقليمي، يجب على إدارة ترمب أن تستعين بعلاقاتها ونفوذها على إسرائيل حتى تضغط عليها من أجل وقف التصعيد، وذلك لأن مخاطر الاعتداء الإسرائيلي، من خلال مسارها الحالي، تخلق نبوءة لابد لها أن تتحقق، والتي تظهر سوريا الجديدة من خلالها التي رفضت في مرحلة من المراحل أن تبدي أي نية عدائية تجاه أي طرف، كدولة لم يعد أمامها أي خيار سوى أن ترد في حال استمرار هذا العدوان العنيف الذي لم يستفزه أي تصرف بالتطور من سيء إلى أسوأ.

ولعل إدارة ترمب قد تأمل بأن تفكر سوريا بعد رحيل الأسد بالاعتراف بإسرائيل رسمياً في يوم من الأيام، وذلك عبر التوقيع على الاتفاقات الإبراهيمية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في حال توقف إسرائيل عن القيام بأي عمل عسكري ضدها، إلى جانب إنهائها لاحتلال الأراضي السورية بطريقة غير شرعية.

—————————-

الرواية الإسرائيلية لإطلاق النار من سورية: “نقطة تحوّل”/ نايف زيداني

26 مارس 2025

تنظر دولة الاحتلال إلى ما حدث على أنه “أخطر حادثة” في الجولان

المجموعة التي أطلقت النار تضم 5 إلى 8 سوريين لم يتم التعرف عليهم

من المتوقع أن تحدث تغييرات في أنماط النشاط العملياتي في المنطقة

يعتبر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن إطلاق النار من سورية باتجاه عدد من جنوده، أمس الثلاثاء، يشكّل “نقطة تحوّل” على الجبهة السورية، فيما تشير تحقيقاته إلى أن “المسلّحين” فتحوا النار عن مسافة 300 متر فقط، قبل استهدافهم بمُسيّرة إسرائيلية.

وعقدت قيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال جلسة تقييم للوضع، اليوم الأربعاء، ومن المتوقع إجراء تغييرات في الاعتبارات العملياتية للاحتلال في المنطقة. ويدور الحديث عن تصدّي مجموعة من الشبان لقوة إسرائيلية، حاولت أمس التوغّل في قرية كويا في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، في أول اشتباك من نوعه، في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والتوغلات البرية في الجنوب السوري.

وتنظر دولة الاحتلال إلى ما حدث على أنه “أخطر حادثة” في الجولان السوري المحتل، منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل نحو أربعة أشهر، وسيطرة جيش الاحتلال على بعض المناطق خلف الحدود في الهضبة. وفي التفاصيل، وفق رواية الاحتلال التي نشرها موقع واينت العبري اليوم، كان جنود المشاة من جنود وحدة استطلاع الجولان (وهي وحدة جديدة، أنشئت العام الماضي في فرقة الباشان في جيش الاحتلال التي تسيطر على الحدود السورية)، يقومون بدوريات علنية في الصباح الباكر على الجانب الشرقي، الأبعد، لوادي الرقاد المتعرّج قرب نقطة التقائه مع نهر اليرموك، في الزاوية الجنوبية من الجولان السوري المحتل، بالقرب من المثلث الحدودي بين سورية والأردن والأراضي المحتلة.

وبحسب تحقيقات جيش الاحتلال وروايته، التي نقلها الموقع العبري، فإن مجموعة مكوّنة من 5 إلى 8 مسلّحين سوريين، لم يتم التعرف عليهم بعد في الاستخبارات الإسرائيلية، خرجت باتجاه الجنود من قرية كويا، وهي قرية “لم تُنفذ فيها بعد عمليات تمشيط وجمع أسلحة”، من قبل الجيش، “وتمركزوا في أطراف القرية وفتحوا النار على جنود وحدة استطلاع الجولان الذين ردوا بإطلاق النار عليهم”.

وأصابت النيران محيط القوة، ولكن لم تقع إصابات في صفوفها. وفي غضون ذلك، نشر جيش الاحتلال قوات إضافية من الكتيبة 890 التابعة للواء المظليين، والتي أطلقت قذائف الهاون لعزل المنطقة، فيما قامت الدبابات بتغطية جنود المشاة. ووسط نيران فرقة الباشان، تم تفعيل مسيّرة من طراز “زيك” تابعة لسلاح الجو، والتي رصدت “المسلّحين” وهاجمتهم بدقة.

وفي أعقاب الحادثة، عُقد اليوم تقييم للوضع في قيادة المنطقة الشمالية، ومن المتوقع أن تحدث تغييرات في أنماط النشاط العملياتي في المنطقة. ويشير التحقيق إلى أنه لم يكن لدى قوات الاحتلال إنذار عيني بشأن إطلاق النار عليها، ولكن يتم أخذ نمط المواجهة، وكذلك سيناريو وجود مواقع مزروعة بالعبوات الناسفة بعين الاعتبار، في كل عملية مشابهة خلف الحدود.

وتُعتبر منطقة الحادثة في جنوب الجولان السوري، أكثر خطورة بالنسبة لجيش الاحتلال، مقارنة بوسط وشمال الهضبة، لسببين رئيسيين، وفقاً للموقع العبري، أولاً، التضاريس في هذه المنطقة تجعل السيطرة العملياتية أكثر صعوبة بسبب الوديان العميقة التي تخلق العديد من المناطق الميتة للمراقبة ومسارات تسلل متعددة، على عكس السهول المفتوحة في بقية أجزاء الجولان. ثانياً، يزعم الاحتلال أن سكان هذه المنطقة يُعتبرون أكثر ميلاً إلى التوجهات الإسلامية المتشدّدة، وأنهم وفّروا في العقد الماضي ملاذاً لفصيل متطرف من تنظيم داعش، الذي حاول في ذلك الوقت عدة مرات استهداف قوات جيش الاحتلال.

في سياق متصل، يواصل الجيش الإسرائيلي في هذه الأيام، استكمال إقامة المواقع العسكرية في الجولان السوري المحتل، ولكنه لم يصل بعد إلى خط التلال الثاني لاتجاه الشرق، حيث يزعم رصد تحرّكات مشبوهة بين حين وآخر في المواقع المهجورة هناك، كما يواصل سلاح الجو شن غارات على ما يدّعي أنه مخازن أسلحة ووسائل قتالية في المناطق الأبعد في الجولان السوري وجنوب دمشق ومناطق أخرى.

العربي الجديد

————————

دم درعا من جديد.. هل يضع حداً أخلاقياً لمغازلة الاحتلال؟/ رواد حيدر

2025.03.26

قبل أكثر من عقد، حين سقط أول شهيد في درعا على يد النظام المخلوع، انتفضت سوريا بأكملها. لم تكن تفاصيل المذهب والانتماء هي ما أشعل الشوارع، بل الدم كان وحده كفيلا بأن يوقظ الضمير الجمعي، ليكون الشرارة التي أطلقت شعارات الحرية والكرامة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، دماءٌ كانت هي الخط الأحمر، يوم كان للخطوط الحمراء معنى، قبل أن يُبتذل التعبير.

اليوم، بعد أربعة عشر عاماً، تقصف درعا مجدداً، لكن بنار مختلفة. طائرات ومدافع إسرائيلية تستهدف بلدة كويّا في ريف المحافظة، فتزهق أرواح سبعة مدنيين، بينهم أطفال ونساء. الجريمة واضحة، لا تغطية يمكن أن تحرر القاتل، ومع ذلك، فإن وقع هذه الدماء لا يبدو، حتى الآن، كافياً لفرملة موجة خفية، ولكن متنامية، من غزل سياسي باتجاه القاتل، الكيان المحتل.

في الأشهر الأخيرة، بدأت أطراف سورية، شعرت بأن مكانتها مهددة بعد تحولات المشهد، تنظر إلى إسرائيل كطرف يمكن الاتكاء عليه، البعض بدأ يغازلها بلغة الحماية، والبعض يتحدث عن قواسم مشتركة في المصير، وآخرون تجاوزوا ذلك إلى طرح تصورات تنموية أو أمنية لمناطقهم برعاية إسرائيلية. إسرائيل، بدورها، لم تقصّر في توظيف هذا التغير، فغازلت، وشجعت، ولوّحت بالدعم.

ومع الواقعة الدموية الأخيرة يبرز يبرز سؤال لا يمكن الإفلات منه: هل يستطيع من يسير في هذا الاتجاه أن يتجاهل قصف كويّا؟ هل يمكن تمرير دماء المدنيين في درعا كأنها لا تخصنا ويُغض الطرف عنها؟ هل بقي لهذا الدم وزن في الحسابات؟

الإجابة، حتى لو لم تقال صراحة، ستحكم المسار، لأن ما حدث لا يقتصر على كونه اعتداء يسجل في أرشيف البلاد الكبير، بل هو امتحان، امتحان لصدق الخطاب الوطني الذي لا يزال يتردد في تصريحات أولئك الساعين إلى فتح قنوات مع الاحتلال، امتحان للانتماء الذي لا يختبر إلا عندما يسفك دم في الجوار القريب، لا على يد العدو البائد، بل على يد من يسوّق اليوم على أنه الخيار الواقعي أو الجار القوي.

في هذا المشهد، لا مكان لفهم أو تبرير. هي ليست مجرد خيارات نجاة عشوائية، بل هي انزلاق مدروس نحو خيانة المعنى الأول للانتماء، فأن يمد أحدهم يده لمحتل يقتل أبناء بلده، لا يعد مناورة سياسية، بل خيانة واضحة، لا تحتاج إلى تلطيف.

التذرع بـ “الحماية” من إسرائيل، في الوقت الذي تسفك فيه دماء المدنيين في درعا، لا يُصتف كسقوط أخلاقي فقط، بل هو إعلان صارخ بالخروج من الفضاء الوطني السوري، والتخلي عن آخر ما تبقى من الشرف الجمعي. من يطلب الحماية من قاتل جاره، لا يستحق أن يُحاور مهما تلونت عباراته أو توارت نواياه خلف قناع الخوف.

ثمّة من يقول: “ما علاقتنا بدرعا؟ لسنا نحن من قُصف، ولن تُقصف مناطقنا”، وهذا هو تماماً منطق الانفصال الأخلاقي، لا السياسي فقط. حين تتحول الجغرافيا إلى مبرر للصمت، وحين يقايض الدم بالأمان، نكون قد دخلنا منطقة رمادية، لا عودة منها إلا بفقدان آخر خيوط الانتماء.

العدوان على كويّا، رغم فظاعته، قد يكون محنة كاشفة، فهو يعيد ضبط المعيار، يعيد السؤال إلى بساطته الأولى: هل نحن سوريون، حقاً؟ إن كنا كذلك، فلا يمكننا أن نغض الطرف عن قصف مدنيين من أبناء هذه البلاد، ولا أن نهادن القاتل، مهما أعاد تعريف نفسه.

كانت درعا، قبل أربعة عشر عاماً، مُنطلق الثورة، واليوم، يمكن لدمها أن يكون بداية مراجعة، مراجعة لمن يُمنّي النفس بالنجاة الفردية، حتى لو كانت على حساب الضمير الجمعي، فإسرائيل، التي تسفك الدم ثم تلوح بالحماية، لا يمكن أن تكون سوى الوجه الآخر للخطر، حتى لو بدت لبعض المرهقين كمهرب.

في النهاية، لا شيء يسائل الضمير مثل الدم، والدم، حين يسيل، لا يترك مجالاً للمناورة، إما أن تقف مع من يُقتل، أو مع من يقتُل، وكل ما عدا ذلك، هو لغو في حضرة الشهداء.

 تلفزيون سوريا

——————————-

دول تطالب إسرائيل بالانسحاب من سوريا.. وأميركا تحذر من عودة أذرع إيران

2025.03.25

أكدت الأمم المتحدة أنها تعمل مع الحكومة السورية الجديدة على تخفيفِ القيودِ المفروضةِ عليها، في محاولةٍ لتعزيزِ قدرةِ منظماتها على الوصولِ الإنساني وتقديمِ المساعداتِ داخل البلاد.

وشددت الأمم المتحدة على أنها تحتاج إلى تمويلٍ إضافيٍّ لمقابلةِ الاحتياجاتِ الإنسانيةِ المتزايدةِ في سوريا، مشيرةً إلى أن 16 مليون سوريٍّ يفتقرون إلى الطعامِ والدواءِ.

وأشارت المنظمة الأممية إلى أن آلافَ المدنيين نزحوا من جراءِ أحداثِ الساحلِ السوري إلى لبنان، داعيةً في هذا السياق إلى تأمينِ عودةِ السوريين إلى بلادهم.

الولايات المتحدة: لا لعودة الإرهابيين المدعومين من إيران

وفي جلسةٍ لمجلسِ الأمنِ الدولي، دعت القائمةُ بأعمالِ مندوبةِ الولايات المتحدة في الأمم المتحدة كلاً من سوريا ولبنان إلى التعاونِ كي لا يعودَ لسوريا إرهابيون مدعومون من إيران.

وطالبت المسؤولةُ الأميركية سلطاتِ سوريا المؤقتة وحكومةَ لبنان بالتعاونِ ومنعِ الصدام.

دعوات دولية لانسحاب إسرائيل من سوريا

من جانبه، دعا مندوبُ فرنسا في مجلسِ الأمن إسرائيل إلى الانسحابِ من منطقةِ الفصل، وشدد على ضرورةِ احترامِ سيادةِ سوريا وسلامةِ أراضيها.

بدوره، دان المندوبُ الصيني غاراتِ إسرائيل على سوريا، مؤكداً أن على تل أبيب الانسحابَ من الأراضي السورية من دون تأخيرٍ.

كما طالب نائبُ مندوبِ روسيا في مجلسِ الأمن إسرائيل بالانسحابِ من منطقةِ الفصل والمناطقِ التي سيطرت عليها في سوريا.

وقالت مندوبةُ بريطانيا بمجلسِ الأمن: “قلقون من قول كاتس إن وجودَ إسرائيل بمنطقةِ الفصل ومرتفعاتِ الجولان سيستمر طويلاً”.

وطالبت إسرائيل بتقديمِ جداولَ زمنيةٍ واضحةٍ لانسحابها بما يتماشى مع القانونِ الدولي.

تصعيد إسرائيلي

دانت وزارة الخارجية والمغتربين السورية في بيان صادر اليوم الثلاثاء، تصعيد الاحتلال الإسرائيلي الأخير في سوريا، ودعت إلى فتح تحقيق دولي بشأن الجرائم الإسرائيلية.

وقال بيان الخارجية السورية: “تستنكر وزارة الخارجية والمغتربين العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي السورية، والذي شهد تصعيداً خطيراً على قرية كويا بريف درعا الغربي”.

وأضاف البيان: “تعرضت القرية خلال الساعات الماضية لقصف مدفعي وجوي مكثف استهدف الأحياء السكنية والمزارع، ما أسفر عن استشهاد ستة مدنيين، مع احتمال ارتفاع العدد نتيجة الإصابات الخطِرة واستهداف المناطق الزراعية”.

وأوضح البيان أن التصعيد يأتي في سياق سلسلة من الانتهاكات التي بدأت بتوغّل القوات الإسرائيلية في محافظتي القنيطرة ودرعا، ضمن عدوان متواصل على الأراضي السورية، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية والقوانين الدولية.

وجاء في ختام البيان: “نُهيب بأبناء الشعب السوري التمسك بأرضهم ورفض أي محاولات للتهجير أو فرض واقع جديد بالقوة، مؤكدين أن هذه الاعتداءات لن تثني السوريين عن الدفاع عن حقوقهم وأرضهم”.

————————————–

سوريا: غارات إسرائيلية على اللاذقية وتوغل برّي في درعا

الخميس 2025/03/27

أغارت الطائرات الإسرائيلية، فجر اليوم الخميس، على مواقع عسكرية في محيط ميناء اللاذقية على الساحل السوري، بحسب ما أفادت الوكالة السورية للأنباء “سانا”، فيما توغّلت قوات برية للاحتلال في حوض اليرموك في ريف درعا الغربي.

غارات في محيط ميناء اللاذقية

وقالت “سانا” إن طائرات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت بعدة غارات جوية محيط الميناء الأبيض ومدينة اللاذقية، مضيفةً أن الجهات المختصة تعمل على التأكد من عدم وجود إصابات في المواقع المستهدفة.

وقالت مصادر محلية إن القصف الإسرائيلي استهدف قواعد عسكرية بحرية والميناء الأبيض في مدينة اللاذقية، موضحةً أنها تركّزت على مستودعات أسلحة ومواقع عسكرية أخرى، كما أشارت إلى وجود إصابات بين عناصر وزارة الدفاع السورية.

ولفتت المصادر إلى أن طائرات الاحتلال الإسرائيلي، استهدفت بـ6 غارات “اللواء 110” البحري، الواقع في منطقة رأس شمرا في مدينة اللاذقية.

ويقع الميناء الأبيض في ضواحي مدينة اللاذقية الشمالية، وكان قد تعرض لاستهداف إسرائيلي في 10 كانون الأول/ديسمبر، بعد يومين على الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وفجر الثلاثاء، شنّت طائرات إسرائيلية غارات على قاعدتين عسكريتين وسط سوريا، وذلك للمرة الثانية منذ مطلع بداية الأسبوع الحالي.

وقالت مصادر متابعة إن الطائرات الإسرائيلية استهدفت بعدد من الغارات الجوية، مطار تدمر في بادية ريف حمص، وعدداً من المواقع العسكرية في محيطه، ما أدى إلى وقوع أضرار كبيرة داخله.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في تغريدة على منصة “إكس”، إن الجيش أغار على قدرات عسكرية في مطار تدمر و”تي-4″، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي “سيواصل العمل لإزالة أي تهديد على مواطني” إسرائيل.

توغل في درعا

وسبق الغارات، توغل بري من قوات الاحتلال في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي قرب الحدود مع الجولان المحتل، وذلك بعد يوم واحد على سقوط 6 قتلى بقصف إسرائيلي استهدف قرية كويا الواقعة في المنطقة.

وقالت مصادر متابعة لـ”المدن”، إن قوة عسكرية إسرائيلية مكونة من 7 سيارات، توغّلت من وادي الرقاد باتجاه مفرق صيصون- جملة، موضحةً أنها أنشأت حاجزاً هناك، وتمركّزت ضمنه 4 سيارات، بينما توجهت السيارات الأخرى باتجاه صيصون شمالاً.

ويأتي التوغل الإسرائيلي بعد يوم واحد على اشتباكات اندلعت بين شبان من قرية كويا في حوض اليرموك، وقوة إسرائيلية حاولت التوغل في القرية، ما دفعها إلى التراجع، وذلك قبل أن تبدأ الدبابات والمدفعية الإسرائيلية بقصف انتقامي على كويا، أسفر عن مقتل 6 أشخاص بينهم مدنيون، فضلاً عن إصابة آخرين.

——————————-

خياران أمام الشرع بعد “رسالتين” وتحرك إسرائيلي

ضياء عودة – إسطنبول

26 مارس 2025

ما حصل في قرية كويا بريف محافظة درعا السورية، قد يتكرر في مراحل لاحقة، وفقا لخبراء ومراقبين، وفي حال حدث ذلك بالفعل ستكون إدارة أحمد الشرع في العاصمة دمشق أمام معضلة لا يرتبط التعامل معها بإسرائيل فقط، بل بردود أفعال السوريين المهددين في جنوب البلاد.

قتل في كويا، الثلاثاء، 5 أشخاص وأصيب آخرون، من جراء قصف وعمليات استهداف نفذتها دبابات الجيش الإسرائيلي، بعد مقاومة من شبان رافضين لعمليات التوغل المتواصلة التي تجري هناك، وفقا لصحفي غطى الأحداث وتحدث لموقع “الحرة”، وتقرير نشره “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

في المقابل ربط الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أسباب المواجهة التي استمرت لساعات بمن وصفهم بـ”عناصر إرهابية” أطلقت النار على القوات الإسرائيلية، مما استدعى التعامل معهم بطائرة مسيرة.

ولم يقدم أدرعي، الثلاثاء، أي تفاصيل إضافية بشأن الأسباب التي تقف وراء دخول الجيش الإسرائيلي إلى كويا، وبالتالي تجاوزه للمنطقة العازلة هناك المحددة بموجب اتفاقية 1974.

كما لم يتطرق إلى التقارير التي أكدها “الدفاع المدني السوري”، الذي أفاد بحدوث قصف من بعد على القرية الصغيرة الواقعة على الحدود، الأمر الذي أشار إليه أيضا “المرصد السوري”.

ورغم أن عمليات التوغل التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا ضمن حدود محافظتي درعا والقنيطرة لم تنقطع في الفترة التي تلت سقوط نظام الأسد، إلا أن ما حصل في كويا يمكن اعتباره الحدث الأول من نوعه، بناء على الشكل الذي جاء فيه، وما تبعه.

تقول الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، إن أحداث كويا “تدق ناقوس الخطر في دمشق”، وتضيف لموقع “الحرة” أن ترك إدارة الشرع للأهالي هناك بمفردهم لمواجهة التحركات الإسرائيلية سيزيد من تبني سكان المنطقة لأفعال فردية.

وقد تؤدي هذه الأفعال الفردية إلى المزيد من الاشتباكات، والمزيد من الضحايا المدنيين، والمزيد من التصعيد العسكري الإسرائيلي، وفقا للباحثة.

وتتابع: “ولذلك، فإن الإسراع في وضع استراتيجية واضحة من قبل إدارة الشرع للتعامل مع هذه القضية سيجنب سوريا خطرا كبيرا في المستقبل القريب”.

“خياران”

وبناء على ما أصدرته وزارة الخارجية السورية لا يبدو أن هناك الكثير لدى دمشق للرد العلني أو التعاطي الدبلوماسي مع الأفعال الإسرائيلية في جنوب البلاد.

وفي حين نددت الخارجية، الثلاثاء، بالهجمات التي استهدفت كويا دعت السوريين هناك إلى رفض أي محاولات “لتهجيرهم أو فرض واقع جديد بالقوة” على الأرض.

كما أعربت عن رفضها لما وصفتها بالجرائم، داعية إلى فتح تحقيق دولي في ما يتم ارتكابه ضد الأبرياوء، و”الانتهاكات الإسرائيلية”.

هذه الصيغة التي اتبعتها الخارجية في دمشق لا تختلف كثيرا عن الخط الذي سارت عليه للتعليق على التوغلات الإسرائيلية وعمليات القصف السابقة، التي وقعت بعد سقوط الأسد.

ولا تختلف الصيغة أيضا عن تلك التي عبّر عنها الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، أكثر من مرة.

وترى الباحثة كولوريوتيس أن خيار المواجهة العسكرية بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل ليس مطروحا لدى الشرع، على الأقل في الوقت الراهن، ولا ينبغي أن يكون كذلك.

فسوريا منهكة عسكريا واقتصاديا وأمنيا، وحتى جغرافيا، ولا يزال المشهد في شرق سوريا والسويداء غامضا. ولذلك، فإن وقوع المواجهة يعني إعطاء رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وحكومته، التي لا تزال تنعم بنشوة انتصاراتها على المحور الإيراني في المنطقة، مبررا لتوسيع سيطرتها داخل الأراضي السورية، تضيف الباحثة.

وتوضح أنه وبناء على هذا الواقع يبقى خياران مطروحان أمام إدارة الشرع.

ويذهب الخيار الأول، بحسب الباحثة باتجاه “الاستجابة للشروط الإسرائيلية بمنع أي انتشار عسكري، بما في ذلك الأفراد الذين يحملون أسلحة خارج سلطة الدولة السورية”.

أما الخيار الثاني فهو دبلوماسي، ويرتبط بمحاولة فتح باب المفاوضات غير المباشرة، في ظل الرفض الشعبي للمحادثات المباشرة، ورفض هذا الخيار من قبل شخصيات مهمة في الإدارة السورية الجديدة.

وتوضح كولوريوتيس أنه، ومن خلال هذه المفاوضات غير المباشرة، “سيتم التوصل إلى تفاهمات تؤدي إلى هدوء مستدام في جنوب سوريا”.

“رسالتان وتصعيد”

وبعد سقوط نظام الأسد وضعت إسرائيل سلسلة من الأهداف، قالت إنها تريد تحقيقها في سوريا.

كان من بين الأهداف مثلا: “حماية الأقلية الدرزية”، وأضافت إليها بالتدريج الهدف المتعلق بـ”نزع السلاح من جنوب سوريا” و”ضرورة إقامة نظام فيدرالي في البلاد”.

لكن، وبعيدا عن تلك الأهداف، بعينها أعطت التحركات الإسرائيلية وعمليات التوغل لم تنقطع في درعا والقنيطرة والقصف المتواصل على مواقع وقطع عسكرية في جنوب ووسط البلاد مؤشرا على أن ما تريده إسرائيل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.

ويقول الباحث السوري، ضياء قدور، لموقع “الحرة” إن “إسرائيل بقيادة نتانياهو تحاول الإيقاع بالإدارة السورية الجديدة في فخ الحروب”.

ويضيف: “ومن المهم أن تظل الحكومة السورية صامدة في مواجهة هذه التهديدات، وأن تستمر في البحث عن الحلول الدبلوماسية الممكنة، بينما تحافظ على حقها في الدفاع عن نفسها ضد الاعتداءات”.

ويجب أن تظل دمشق “تحذر أيضا من مغبة وتداعيات استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتوسعها على الصعيد الداخلي، وتأثيرها على جهود الإدارة السورية في مكافحة الإرهاب والاستقرار السوري”، بحسب قدور.

ولا تزال الإدارة السورية الجديدة تتجنب التعامل مع تعقيدات ملف جنوب سوريا والتدخلات الإسرائيلية، و”ما نعرفه حتى الآن هو أن إدارة الشرع أرسلت رسالتين مطمئنتين إلى الجانب الإسرائيلي”، تقول الباحثة كولوريويتس.

وتضيف أن “الرسالة الأولى كانت عبر قطر والثانية عبر الأردن. والاثنتان غير كافيتين”.

“أوراق”

وتشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم نتانياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر إلى أن إسرائيل تنظر للإدارة الجديدة في دمشق كـ”تهديد”.

وفي غضون ذلك دائما ما تسلط وسائل الإعلام العبرية الضوء على الهواجس التي تراود إسرائيل على خلفية توسع النفوذ التركي في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد.

وقبل أن تندلع أحداث قرية كويا بريف درعا استهدف الجيش الإسرائيلي بغارات جوية قاعدتين وسط وجنوب شرقي سوريا. وكانت الأولى في تدمر الصحراوية والثانية تعرف باسم “t4”.

ورغم أن هذه الضربات تعتبر جزء من سلسلة واسعة ومتواصلة إلا أن التوقيت الذي جاءت فيه حمل “رسائل غير مباشرة”، وفقا للقناة 12 الإسرائيلية.

وهذه الرسائل استهدفت تركيا، التي انتشرت أنباء عن نيتها إنشاء قواعد دائمة وكبيرة وسط سوريا، حيث توجد مدينة تدمر بريف محافظة حمص.

وتعتبر الباحثة كولوريويتس أنه لدى دمشق أوراق عدة يُمكنها استخدامها لخفض التصعيد الإسرائيلي في جنوب سوريا.

فمن جهة فإن التوصل إلى اتفاقية دفاع عسكري مشترك مع تركيا يُمكن أن يكون له أثر إيجابي على الحدود السورية الإسرائيلية، وهو ما بدأ الحديث عنه مؤخرا، خاصةً فيما يتعلق بنية أنقرة إنشاء القاعدة في منطقة تدمر.

كما يُمكن للمملكة العربية السعودية أن تلعب دورا أساسيا مع الجانب الأميركي لإنهاء التصعيد العسكري الإسرائيلي، بحسب الباحثة.

وتوضح أن الرياض، منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد، كانت داعما مهما للإدارة السورية الجديدة، كما تتمتع العاصمة السعودية بعلاقات استراتيجية مع إدارة ترامب، وبالتالي يُمكنها المساهمة في طمأنة واشنطن، التي بدورها يُمكنها الضغط على حكومة نتانياهو لتغيير سياساتها في سوريا.

“كل يوم تأخير من إدارة الشرع في معالجة ملف التصعيد الإسرائيلي وإعطائه الأولوية سيكون له تأثير سلبي على الاستقرار العام في سوريا”، كما تنظر كولوريوتيس للمشهد.

ومن جهته يعتبر الباحث السوري قدور أن “الهجمات الإسرائيلية لا يبدو لها أي مبرر أمني. هي مجرد محاولة لفرض الهيمنة والضغط على النظام السوري الجديد وشعوب المنطقة”.

ويضيف قدور أن “إسرائيل تسعى بقيادة نتانياهو، إلى تصعيد التوترات لاستخدامها كأداة لتحويل الأنظار عن أزماتها الداخلية. ولكنها بذلك تُعرّض المنطقة لحروب غير ضرورية، وتهدد مستقبل الاستقرار الإقليمي عبر استمرارية استخدام القوة العسكرية”.

لكن الباحث السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، يعتقد أن توسيع نطاق الهجمات الإسرائيلية في سوريا على المستوى الجغرافي “يندرج في إطار سلسلة تطورات تنظر إليها إسرائيل بعين مستاءة”.

فمن جهة، يوضح شتيرن لموقع “الحرة”، أن إسرائيل “لا تزال ترى بالحكومة السورية الجديدة تهديدا”.

ومن جهة أخرى، “تتوجس إسرائيل من التقارب الكبير جدا الحاصل بين دمشق وأنقرة، وما يرافق ذلك من أحاديث وتوقعات عن اقتراب البلدين (سوريا وتركيا) من توقيع اتفاقيات قد تضمن للجيش التركي التمركز في مناطق متقدمة داخل سوريا”، وفق شتيرن.

ضياء عودة

الحرة

——————————

الرد المؤجل.. الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تكشف فراغ الردع/ أحمد الكناني

27 مارس 2025

تتصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بشكل يومي، مستهدفةً العديد من النقاط العسكرية والمدنية، ضمن خارطة استراتيجية لأهدافها تمتد من الساحل في الشمال الغربي، وصولًا إلى أقصى الجنوب في ريف درعا والقنيطرة، بالاتساع شرقًا نحو البادية، وتحديدًا مطار T4 العسكري، فيما أسفر اعتداؤها الأخير على درعا عن ارتقاء 7 مدنيين وعشرات الجرحى.

يأتي ذلك في وقت تواصل فيه إسرائيل تعزيز وجودها العسكري في منطقة جبل الشيخ، أهم النقاط الاستراتيجية جنوب غرب سوريا. كما تواصل توغلاتها البرية بمحافظتي القنيطرة ودرعا، وإعلان الدعم لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وإثارة النعرات في السويداء، الأمر الذي يؤخذ على الإدارة الجديدة عدم جدية موقفها وتحركاتها ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ما يطرح التساؤلات حول الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها الإدارة الجديدة لوقف العدوان.

خيارات عسكرية؟

تشير التقديرات العسكرية إلى أن سوريا ليست قادرة بشكل مطلق على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، خاصةً مع تدمير الاحتلال لكافة منصات الدفاع الجوي، إذ مكّن ذلك الطيران الحربي للعدو التنقل بحرية في سماء سوريا، وتنفيذ أهدافه بكامل الحرية وفي مختلف النقاط الجغرافية.

يعتقد الخبير العسكري، هشام جابر، أن الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا مستمرة وفي تزايد، طالما أن ليس هناك أي رد سياسي أو عسكري. وعليه، فالتحالف العسكري مع دولة جارة هو الحل الأمثل لتخفيف مثل هذه الاعتداءات، ولعل تركيا هي الأقرب لتنفيذ مثل هكذا تحالف مع دمشق.

ويلفت الخبير العسكري إلى أن الإدارة الجديدة في سوريا بدأت تنفيذ خطوات فعلية على طريق التحالف مع أنقرة، وذلك بإنشاء قواعد عسكرية في منطقة البادية، والمساعدة في تدريب الجيش، وتعيين الاستشاريين في وزارة الدفاع، ولهذا بدأت إسرائيل تنفيذ اعتداءاتها المكثفة خوفًا من توسع التعاون الوثيق والتمدد التركي في سوريا.

دفاع مشترك

إلا أن مثل هذه الخطوات لا تكفي باعتقاد جابر إذ يرى أن الخيار الأمثل بالنسبة لوضع سوريا هو توقيع اتفاقية للدفاع المشترك مع أنقرة.

جابر أشار إلى أن إبرام اتفاقية الدفاع المشترك يعيد بالضرورة حسابات الطيران الإسرائيلي بقصفه سوريا، إلا أنه لا يردعه بشكل مطلق، ولا يؤدي في نفس الوقت لصدام تركي – إسرائيلي، لكنه يخفف من المسار التدميري ويحمي الحدود السورية من أي اعتداء آخر محتمل.

حشد أممي!

على الرغم من تنديد الخارجية السورية المتكرر، والإدانة في المحافل الدولية والعربية للانتهاكات للأراضي السورية، إلا أن ذلك لا يفي بالغرض المطلوب، إذ يؤخذ على الإدارة الجديدة عدم فاعليتها في حشد المجتمع الأممي، والدول العربية لاتخاذ مواقف حادة تجاه الاعتداءات.

وفي هذا السياق يرى المحامي إبراهيم ملكي، العضو المؤسس في تجمع المحامين السوريين، ضرورة تحرك وزارة الخارجية السورية عبر تفعيل الشكوى الأممية، والعمل على تفنيد الانتهاكات في الأمم المتحدة وفقًا للقوانين الدولية، والتي تنص بشكل واضح على ايقاف الأعمال العسكرية والاعتداءات الصهيونية، والتراجع الإسرائيلي عن الأراضي التي توغلت فيها، مشددًا على ضرورة التركيز بالمحافل الخارجية على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة (242 لعام 1967) المتعلق بانسحاب اسرائيلي من الأراضي التي احتلتها في ذلك العام، وقرار(338 عام 1973) الذي ينص على وقف إطلاق النار على كافة جبهات حرب تشرين الأول/أكتوبر.

المحامي ملكي أشار إلى أن التوغل الإسرائيلي داخل القنيطرة يعد انتهاكًا صارخًا لاتفاق فض الاشتباك الموقع في 31 أيار/مايو عام 1974، ويُدين الاحتلال الذي اعتبر الاتفاق ملغيًا بعد سقوط النظام البائد، كونه اتفاقًا بين دولتين وليس نظامين، وهو ما يجب التركيز عليه دوليًا، وتكثيف الحراك الدبلوماسي تجاه الصيغ القانونية الأممية.

الفصل السابع

يعتقد الخبراء الأمميون أنه يمكن الضغط لاتخاذ موقف ملزم للكيان الإسرائيلي لوقف عدوانه وفقا للمادة 41 الواردة في الفصل السابع لمجلس الأمن، ويكون ذلك عبر التهديد من قبل أعضاء الأمم المتحدة بوقف الصلات الاقتصادية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان.

فيما يعتقد المحامي ملكي أن مثل هذه الخطوات تحتاج بالضرورة إلى حضور فاعل لدور سوريا في مجلس الأمن، وعليه يتوجب تعيين مندوب جديد دائم لسوريا في مجلس الأمن، يعمل على رعاية المسار الدبلوماسي والأممي في التحرك ضد انتهاكات العدوان الإسرائيلي، منوهًا إلى ضرورة حشد الدول العربية في مسار العمل والإدانة الأممية.

الترا سوريا

————————

انفجار داخلي في المجلس العسكري بالسويداء.. هل بدأ الانهيار؟

26 مارس 2025

لم تكن حادثة إطلاق النار في قرية “الكفر” بمحافظة السويداء، قبل عدة أيام، حادثة عادية. بل كانت، وفق كثير من المراقبين، بداية النهاية لما يسمى بـ”المجلس العسكري”، الذي تشكل في المحافظة بعد سقوط نظام الأسد.

ومنذ تأسيسه و”المجلس العسكري” يثير جدلًا واسعًا في السويداء وفي عموم سوريا، لما أحاط بتصريحات قادته وبسلوكهم على الأرض من شبهات كثيرة، بدءًا بالنزعة الانفصالية ونهاية بالتعاون مع إسرائيل، وبينهما تهمة تلقي الدعم من قسد. ورغم تأكيدات مسؤولي المجلس المتتالية بأن هدفهم هو فقط حماية السويداء ضمن الوحدة السورية، فإن مؤشرات كثيرة تدفع المراقبين والنشطاء السياسيين إلى تصنيف “المجلس” على أنه حركة انفصالية.

وفي التفاصيل، فصبيحة يوم 21 آذار/مارس، استفاق أهالي قرية “الكفر” الواقعة في الريف الجنوبي من محافظة السويداء، على أصوات رصاص وصراخ، ليتبين بعد قليل أنه هجوم نفذه عدد من عناصر “المجلس العسكري” على منزل قائدهم، العقيد طارق الشوفي، بسبب عدم تسلمهم الرواتب التي وعدهم بها.

مصدر محلي في قرية “الكفر” صرّح لـ”الترا سوريا” بأن اشتباكات عنيفة اندلعت بين الأفراد المهاجمين، وأن الشوفي الذي طلب مؤازرة من قرية “حبران” المجاورة، لتنتهي الاشتباكات بعد تدخل عدد من وجهاء البلدة. وأضاف المصدر أن الشوفي قام بإخفاء ثلاث سيارات وعتادًا عسكريًا متنوعًا، خشيةً من أن يستولي عليها المهاجمون.

وفي صباح اليوم التالي، اندلعت اشتباكات جديدة بين مسلحين آخرين ينتمون لـ”المجلس العسكري” وبين عناصر الحماية الخاصة بمنزل الشوفي، وذلك للسبب نفسه، إذ جاء هؤلاء ليطالبوا أيضًا برواتبهم الموعودة.

وحصل “الترا سوريا” على نسخة من تسجيلات لعناصر من “المجلس العسكري” يتهمون فيها الشوفي، رفقة شخص آخر، بسرقة مبالغ مالية والاستيلاء على الدعم العسكري الذي حصلوا عليه من “قسد”. وكشفت التسجيلات، التي اطلع عليها “الترا سوريا”، عن قيام الشوفي بتشكيل مجموعات من فلول النظام السابق بهدف ضمنها إلى صفوف المجلس العسكري.

وأصدر المجلس العسكري، في 22 آذار/مارس، بيانًا قال فيه إن “المهاجمين أطلقوا النار بشكل عشوائي بعد تصاعد التوتر”، مشيرًا إلى أن هؤلاء الشبان تعرضوا “للتحريض من جهات معلومة” بهدف “التشويش على نجاحات المجلس”.

وقال البيان إن “المجلس العسكري لم يلتزم بدفع أي رواتب قبل افتتاح مكاتب الانتساب رسميًا”، مضيفًا أن “الهجوم جاء في وقت يشهد فيه المجلس توسيع نفوذه وتعزيز الأمن في المحافظة”، من خلال “إلقاء القبض على المخربين ومصادرة المسروقات ووقف التعديات على الممتلكات العامة”.

وقال قائد فصيل مسلح في السويداء، تحفظ على ذكر اسمه واسم فصيله، لـ”الترا سوريا”، إن “ما يقارب الـ750 بندقية حربية وصلت لأعضاء المجلس العسكري بعد سقوط النظام البائد بثلاثة أيام عن طريق “قسد”، وحصل خلاف بين أعضاء المجلس أدى إلى سرقة العديد من هذه القطع وبيعها في السوق السوداء، بالإضافة إلى قيام عناصر من المجلس بالتواصل مع “شيوخ دين” في إسرائيل وذلك لطلب الدعم والمساعدات المالية، وخصوصًا من أجل تأمين الرواتب لعناصر المجلس العسكري”.

ويرى عدد من المراقبين أن “المجلس العسكري” ضعف كثيرًا في الأيام الأخيرة، ولا سيما بعد توقيع “قسد” اتفاقًا مع الحكومة السورية، حيث “بدأت نتائج نقص الدعم تظهر داخل أروقة المجلس وما الاشتباكات الأخيرة أمام منزل قائد المجلس إلا دليل واضح على ذلك”.

ويبقى السؤال: إلى متى سوف يستطيع “المجلس” الصمود في وجه التحديات والمتغيرات الجديدة؟

———————–

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى