واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 27 أذار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
——————————–
المقاربات الكردية لسياسات ترامب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:الأمل في استمرار الانخراط الأمريكي/ براء صبري
٢٤ مارس ٢٠٢٥
تحليل موجز
استناداً إلى تجاربهم السابقة مع إدارة ترامب الأولى، يعتقد العديد من السياسيين الأكراد في كل من سوريا والعراق أنهم على شفا قرارات تاريخية ستشكل مستقبلهم السياسي.
ومع ذلك، هناك أيضاً قناعة مشتركة بأن التوجهات الأمريكية في عهد ترامب قد تتغير بشكل كبير في أي لحظة، مدفوعة بشخصية ترامب وردود أفعاله على التطورات الآنية في هذه الدول، وتشكيلة فريقه الحكومي، والتي ستؤثر على وجهات نظره. وثمة توقعات بأن تتسم سياسات واشنطن في عهد ترامب بالحسم والوضوح الصارم، على النقيض من الدبلوماسية المصقولة والتعاملات خلف الكواليس التي اتبعها القادة الأمريكيون السابقون.
وفي الوقت نفسه، أعادت التطورات في سوريا وتركيا على وجه الخصوص تشكيل الميدان الذي يعمل فيه السياسيون الأكراد بشكل سريع، فمع بدء إدارة ترامب الآن في بصوغ سياسة أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، بدأت الفصائل الكردية عبر الحدود في إعادة تقييم الحسابات الإقليمية استناداً إلى مواقف واشنطن تجاه التطورات في سوريا وتركيا والعراق وإيران، إلى جانب المقاربات الأوسع للإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط – سواء من حيث اهتمام ترامب المعلن بتقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط – في وتحديداً الانسحاب من سوريا على وجه التحديد – أو من حيث عودة الضغط الأقصى على إيران. ومن الملاحظ أن مقاربة إدارة ترامب الأوسع نطاقاً تبعث على التفاؤل لمعظم الأحزاب الكردية في العراق. لكن في السياق السوري، أدت المخاوف المتصاعدة بشأن انسحاب القوات الأمريكية في ظل المفاوضات الجارية حول مستقبل سوريا إلى تعقيد المواقف تجاه الإدارة الأمريكية.
يشعر القادة الأكراد السوريون بأنهم عالقون في وضع معقد مع عودة ترامب إلى منصبه. فبينما يرحب قادة “قوات سوريا الديمقراطية”، والإدارة الذاتية، و”مجلس سوريا الديمقراطية” علناً بفوز ترامب، لا يزال بعضهم متوجساً من العلاقة الشخصية القوية بين ترامب والرئيس التركي أردوغان، وما قد يترتب عليها من تأثيرات على المشهد السياسي السوري المتغير. عقب إعلان نتائج الانتخابات مباشرة، بدأ أردوغان ووزير خارجيته، هاكان فيدان، بالدعوة إلى شنّ عمليات عسكرية جديدة ضد مناطق الإدارة الذاتية، وهي تصريحات سرعان ما توارى صداها خلف الإطاحة غير المتوقعة بنظام الأسد، الأمر الذي أدى إلى تغيير جذري في معطيات السياسة السورية. ومع ذلك، لا تزال هذه التهديدات تشكّل مصدر قلق لـ”قوات سوريا الديمقراطية”.
في عهد بايدن، شهد الأكراد في سوريا استقراراً نسبياً، حيث منعت إدارته أي غزوات برية تركية جديدة، حتى وإن لم تعارض بشكل واضح عملياً إزاء الغارات الجوية التركية التي استهدفت البنية التحتية المدنية ومواقع “قوات سوريا الديمقراطية”. ورغم ترحيب الأحزاب الكردية، مثل “المجلس الوطني الكردي” و”مجلس سوريا الديمقراطية” و”قوات سوريا الديمقراطية”، بعودة ترامب، فإنها أقرت أيضاً بصعوبة التنبؤ بسياساته المستقبلية تجاه سوريا والشراكة بين الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية”، كما أشارت إلهام أحمد، القيادية في “مجلس سوريا الديمقراطية”، في مقابلة مع “المونيتور”.
أما الآن، فقد ركزت رسائل “مجلس سوريا الديمقراطية” على التساؤلات المطروحة بشأن استمرار الوجود الأمريكي في سوريا، خاصة في ظل تصريحات إدارة ترامب العلنية بشأن احتمال سحب القوات. وقد أكدت ممثلة “مجلس سوريا الديمقراطية” في واشنطن، سينام محمد، في رسائلها، أن ترامب لم يتخذ قراراً بعد بشأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، مشيرة إلى أنهم أرسلوا إلى الحكومة الأمريكية ” العديد من الرسائل” التي تؤكد أهمية استمرار الوجود الأمريكي هناك. وبدوره، شدد مظلوم عبدي على هذا الجانب من السياسة الأمريكية، قائلاً: “إن العامل الرئيسي لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة هو الوجود الأمريكي على الأرض”.
ومع ذلك، لم تعلق إدارة ترامب منذ توليها الإدارة كثيرا على مصير قواتها في سوريا، ولكن التسريبات الإعلامية تتحدث عن احتمال انسحاب سريع من سوريا رغم أن الموقف الإسرائيلي يرفض هذا الانسحاب في حين أن تشجع عليه. هذا الغموض في الموقف وعدم اطلاع قسد عليه يزيد من حساسية الموقف الكُردي.
يبقى الاعتقاد السائد بين الأكراد السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، أن ترامب قد يمضي قدماً في قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، مما يجعلهم عرضة لضغوط وتدخلات القوى الإقليمية الأخرى، لا سيما العناصر السورية المدعومة من تركيا، فضلاً عن احتمال عودة النفوذ الإيراني إذا ما تدهور الوضع الأمني في سوريا، مما قد يسمح لهذه العناصر بالتقدم مجدداً في شمال شرق البلاد. وبالتالي، فإن الهدف الأساسي يتمثل في ضمان أن تبقى الشراكة بين “قوات سوريا الديمقراطية ” وواشنطن ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة قبل أي انسحاب محتمل. وفى هذ السياق، يرى الكثير من الأكراد أن الاتفاق الأخير بين قسد وهيئة تحرير الشام والذي جاء نتيجة الضغط الأمريكي المباشر بعد زيارة الجنرال كوريلا لشرق سوريا والذي جاءت بنوده مبهمة وذات خطوط عريضة إشكالية هي جزء من التحضيرات الأمريكية لترك المنطقة.
تسعى “قسد” إلى تحقيق استقرار طويل الأمد لها وللإدارة الذاتية التابعة لها من خلال الدفع نحو دستور جديد يضمن بناء سوريا ديمقراطية وغير مركزية، تكفل حقوق الأكراد وسائر مكونات الشعب السوري. ويأتي ذلك في ظل تلاشي الثقة بين القامشلي ودمشق، خاصة بعد الإعلان الدستوري الأخير الذي صدر عن دمشق، والذي عكس توجهات تتعارض مع مصالح الأقاليم والأقليات بشكل عام.
وترى “قسد” أن واشنطن هي الجهة الوحيدة القادرة على ممارسة الضغوط اللازمة لدفع هذا المسار قدماً، وكذلك للحد من العداء التركي تجاه أكراد سوريا. ومع ذلك، فإن أي تهميش جديد من قبل واشنطن لـ”قسد” قد يمنح إيران فرصة للتواصل مع بعض الأجنحة التي تشعر بقلق متزايد إزاء التهديدات التركية المستمرة، لا سيما مع تصاعد أعمال العنف ضد الأقلية العلوية في الساحل السوري. وبالتالي، فإن ضعف الدور الأمريكي قد يشجع الجهات القريبة من إيران على تعزيز نفوذها، رغم التوجه العام لـ”قسد” وميولها الواضحة نحو واشنطن.
وفي المقابل، في العراق، يتوقع إقليم كردستان – بحزبيه الرئيسيين، الحزب “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” – حدوث تحول إيجابي كبير في موقف واشنطن تجاهه. تعتقد أربيل، التي تربطها علاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، وأن عودة ترامب إلى الرئاسة ستوفر دعما أكبر لها ضد تدخلات طهران، كما ستضغط على بغداد لحل الخلافات العالقة مع الإقليم. ومن الجدير بالذكر أن النزاع طويل الأمد بين بغداد وإقليم كردستان العراق، وخصوصًا حول قطاع النفط – المصدر الأساسي لإيرادات حكومة الإقليم – قد شهد انفراجه منذ تولي ترامب الرئاسة سابقًا، حيث وافق المجلس التشريعي العراقي على تعديل الميزانية لمعالجة بعض القضايا المتصلة بهذا النزاع.
يعتمد إقليم كردستان على تحالفاته التقليدية وعلاقاته مع شخصيات بارزة في إدارة ترامب لتأمين مصالحه في العراق قبل الانسحاب الأمريكي المتوقع في خريف 2026. أما بشأن إدارة بايدن، فقد رأى الأكراد العراقيون أنها تعاملت بفتور مع قضاياهم، كما اتسمت بموقف أكثر تساهلًا مع إيران وحلفائها في بغداد. وفي هذا السياق، شعرت أربيل بصدمة إزاء الموقف البارد لواشنطن خلال عهد بايدن تجاه السياسات العدائية التي انتهجتها بغداد ضدها. فقد تابع إقليم كردستان بذهول كيف أقدمت بغداد على وقف تصدير نفطه إلى الخارج، في خطوة تهدف إلى تقويض أي محاولات لبناء اقتصاد مستقل للإقليم، وذلك دون أي تدخل فعلي من واشنطن لصالحه، رغم التحالف التاريخي الذي يجمعهما في العراق.
في ظل إدارة بايدن، ساد الانطباع بأن الولايات المتحدة تبنّت موقفًا أكثر تساهلًا تجاه إيران وحلفائها في بغداد، وهو ما انعكس على تعاملها مع جهود الحكومة العراقية لمنع إقليم كردستان العراق من تصدير النفط إلى الخارج، مما أدى إلى تعطيل الاقتصاد المستقل للإقليم. بالإضافة إلى ذلك، أسهم تخفيف بعض العقوبات المفروضة على إيران في تعزيز نفوذها داخل العراق. وقد أكد رئيس حكومة إقليم كردستان السابق، مسعود بارزاني، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، رغبته في تجاوز سياسات الإدارة السابقة، مشددًا: “لا يمكن أن يستمر التأرجح بين الحل والمأزق الذي اتسمت به الإدارة الأمريكية السابقة”.
وعلى عكس “قوات سوريا الديمقراطية”، يعتمد “الحزب الديمقراطي الكردستاني” – حزب البارزاني – أيضًا على علاقاته مع كل من تركيا وواشنطن لتعزيز دور الولايات المتحدة في دفع مفاوضات السلام بين حزب العمال الكردستاني وحكومة أردوغان، التي تسعى إلى ترسيخ قبضتها على السلطة رغم القيود الدستورية الحالية. ولتحقيق ذلك، يحتاج “حزب العدالة والتنمية”، الذي يتزعمه أردوغان، إلى دعم الأحزاب الكردية المعتدلة لتمرير تعديلات دستورية أو الدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة. وفي هذا السياق، تبرز التطورات الأخيرة على هذه الجبهة، لا سيما بعد ورود تقارير عن استعداد “حزب العمال الكردستاني” لمناقشة مبادرات السلام استجابةً لدعوات زعيمه عبد الله أوجلان. فمن المرجح أن تسهم هذه الجهود في تقليل المخاطر الأمنية في محافظتي دهوك وأربيل شمال الإقليم، حيث ينشط مقاتلو “حزب العمال الكردستاني”. إضافة إلى ذلك، يأمل الإقليم في أن تسهم موارده الطبيعية الوفيرة في جذب الاستثمارات الأمريكية، مما قد يعزز اقتصاده المحلي ويحسّن من استدامته المالية.
لكن التوقع بأن ترامب سيتعامل بقسوة مع إيران أدى إلى تقليص الضغوط الإيرانية على السياسة العراقية، بما في ذلك في إقليم كردستان العراق. وبالمثل، أعربت الجماعات الكردية الإيرانية – بما فيها تلك المتمركزة في شمال العراق – عن تفاؤلها بإمكانية إعادة تشكيل التوازن الإقليمي مع عودة ترامب، نظراً لعدائه الطويل الأمد تجاه طهران. فقد رحب “الحزب الديمقراطي الكردستاني” الإيراني و”حزب آزادي” بفوز ترامب، في حين اعتبره “حزب كوملة”، وهو حزب يساري ذو توجهات معارضة قوية للنظام الإيراني، فرصة لإضعاف إيران.
وعلى الرغم من أن الأحزاب السياسية الكردية تختلف في كثير من الأحيان بشأن تبني نهج منسق، ليس فقط على المستوى العام، ولكن أيضًا داخل بلدانها، فإن وجهات النظر حيال سياسات ترامب تتفاوت أيضًا بسبب الاختلافات المحلية. ومع ذلك، فإن المصلحة المشتركة في دور الإدارة الأمريكية في مواجهة إيران والتأثير على الفاعلين الإقليميين ترتكز على الأمل المشترك في استمرار التدخل الأمريكي في المنطقة، سواء كرادع أمام النفوذ الإيراني أو كوسيط في المفاوضات الكردية مع الدول الأخرى.
براء صبري، هو محلل وباحث من سوريا، يدرس حاليا في قسم الدراسات العليا في القانون الدولي في المانيا. تركز ابحاثه على العلاقات الدولية وقضايا الحوكمة والشؤون العامة والصراعات وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومتي بغداد ودمشق لتسليم آلاف من عناصر “داعش”
2025/03/26
أفادت مصادر سورية وعراقية متطابقة لـ”عربي بوست” أن قوات سوريا الديمقراطية، المعروفة باسم “قسد”، توصلت إلى اتفاق مع كل من الحكومة السورية الجديدة وحكومة العراق لتسليم عناصر تنظيم “داعش” من الجنسيتين السورية والعراقية المحتجزين لديها إلى دمشق وبغداد.
وأوضحت المصادر أن مفاوضات تسليم العناصر السورية إلى الإدارة السورية الجديدة واجهت أزمات كبيرة، خاصةً في شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، بعد أن رفضت قوات سوريا الديمقراطية تسليم عناصر داعش السوريين إلى دمشق، ووضعت شروطاً لذلك.
لكن بعد نجاح الإدارة السورية الجديدة في إبرام اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية قبل أسابيع، وأعلن كل من الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، توقيعهما اتفاقاً جديداً، فقد كان ملف داعش من جملة الملفات التي تم الاتفاق حولها، حسب قول مصادر سورية قريبة من “قصر الشعب” لـ”عربي بوست”.
سجون قوات سوريا الديمقراطية
يوجد في شمال شرق سوريا قرابة 27 سجناً تحت إدارة قوات سوريا الديمقراطية، تضم أكثر من 40 ألف سجين من أكثر من خمسين جنسية عربية وغربية، وذلك وفقاً لمصدر سوري يعمل في اللجنة الإعلامية للقوات الكردية السورية.
ويُعتبر سجن “غويران” في مدينة الحسكة أكبر هذه السجون، حيث يضم نحو 5000 سجين، بينهم مقاتلون أجانب من جنسيات متعددة.
وقد أشارت مصادر سورية لـ”عربي بوست” إلى ظهور تطورات هامة في الآونة الأخيرة في الملف الأمني في شمال سوريا، خاصةً في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
إذ تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الخروج من شمال شرق سوريا، ومن ثم تريد إغلاق ملف داعش بشكل كامل، حتى لا تضطر إلى العودة مجدداً إلى المنطقة للتصدي للتنظيم إذا ما عاود نشاطه مجدداً.
كذلك، فقد شهدت الأيام الماضية ظهور “نشاط ملحوظ لكنه قليل” لبعض عناصر داعش التي استهدفت قوات سوريا الديمقراطية، وهي التحركات التي تخيف قوات سوريا الديمقراطية وتدفعها للتعاون مع الأطراف السورية والعراقية لإغلاق ملف داعش بالكامل.
تسليم داعش للعراق
كانت المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية والعراق، حسب مصادر عراقية، قد بدأت منذ فترة طويلة، ولم يعيقها شيء رغم الأحداث التي شهدتها سوريا، حيث جرت المفاوضات بين الحكومة العراقية وقوات سوريا الديمقراطية، بوساطة أمريكية، لتسليم معتقلي داعش من الجنسية العراقية إلى السلطات العراقية.
وأسفرت المفاوضات عن تسليم حوالي 3000 عنصر عراقي من عناصر داعش إلى السلطات العراقية خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2024.
ومع التقدم في التفاوض بين الطرفين، رعت أمريكا اتفاقاً جديداً بين قوات سوريا الديمقراطية وبين الحكومة العراقية، وذلك خلال الشهرين الماضيين، حيث يقضي الاتفاق الجديد بتسليم 13 ألف عنصر من تنظيم داعش يحملون الجنسية العراقية إلى الأجهزة الأمنية العراقية.
وشمل الاتفاق، الذي لم يقتصر على تسليم عناصر داعش العراقيين فحسب، أطرافاً أخرى، مثل الإدارة السورية الجديدة التي لعبت دوراً مهماً في هذه العملية، حيث شاركت الإدارة السورية الجديدة كأحد الأطراف في التفاوض بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة العراقية وأمريكا.
وتسعى قوات قوات سوريا الديمقراطية إلى تسليم كافة عناصر داعش من الجنسية العراقية إلى الحكومة العراقية، وفق المصادر العراقية التي تحدثت لـ”عربي بوست”. وقد أشارت المصادر إلى أن سجن غويران هو أحد أكبر السجون في شمال شرق سوريا، وبه آلاف السجناء من العراقيين الذين ينشطون في تنظيم داعش.
قالت المصادر إن السلطات العراقية قامت بتجهيز عشرات الزنازين في سجون داخل بغداد من أجل احتجاز كل عناصر داعش القادمين من سجون قوات قوات سوريا الديمقراطية، وقد حققت مع العناصر التي استقبلتها في السابق.
وأوضحت المصادر أن الحكومة العراقية أفرجت عن عشرات الأشخاص الذين ثبت أنهم ليس لهم علاقة بداعش وتم اعتقالهم وحبسهم في سجون قوات سوريا الديمقراطية بدون وجه حق، وتسعى الحكومة العراقية في الوقت نفسه إلى أن تضمن عدم تأثير “الوافدين الجدد على أمن العراق”.
كشفت المصادر العراقية أن السلطات العراقية لن تفرج عن أي عنصر عراقي تم استلامه من جانب قوات سوريا الديمقراطية، وقد ثبت أنه “عضو فاعل” في تنظيم الدولة، ولكن سوف تخضعهم جميعاً لمحاضرات وجلسات في السجون في محاولة منها لإثنائهم عن الاستمرار في مسار التنظيم مرة أخرى داخل العراق.
وقالت المصادر إن المفاوضات التي تمت استهدفت نقل الآلاف من عناصر داعش الموجودين في سجن مخيم الهول، وهو مخيم يقع في شمال شرق سوريا، وتحديداً في محافظة الحسكة.
أنشئ المخيم في الأصل لإيواء اللاجئين العراقيين خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لكنه تحول لاحقاً إلى مركز احتجاز ضخم، يضم آلاف الأشخاص، أغلبهم من عائلات مقاتلي تنظيم داعش بعد هزيمته في 2019.
فيما يُقدر عدد اللاجئين العراقيين في مخيم الهول ومناطق أخرى بحوالي 18,000 شخص، تم تسجيل أكثر من 10,000 منهم ضمن قوائم الراغبين في العودة إلى العراق، وتم تسليم هذه القوائم إلى الوفود العراقية التي زارت المنطقة.
التفاوض بين قوات سوريا الديمقراطية والإدارة السورية
تزامناً مع مفاوضات قوات سوريا الديمقراطية مع الحكومة العراقية وبإشراف أمريكي، شهدت العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية وبين حكومة أحمد الشرع الجديدة مسارين للتفاوض.
حيث بدأت قوات سوريا الديمقراطية مفاوضات مع الإدارة السورية الجديدة لنقل عدد من عناصر داعش إلى سجون دمشق وحلب، وذلك بعد رحيل بشار الأسد مباشرة، وذلك حسب المصادر التي تحدثت لـ”عربي بوست” من قوات سوريا الديمقراطية.
في البداية، رفضت قوات سوريا الديمقراطية تسليم أي من عناصر داعش إلى النظام السوري، إلا بعد التوصل إلى اتفاق شامل يضمن تحقيق مطالبها، ويحصل بموجبه الطرف الكردي على كل ما يريد من الجانب السوري مقابل تسليم العناصر السورية من داعش.
لكن مصادر سورية قالت إن اتفاقاً جديداً جرى النقاش حوله بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية، من أجل ترتيب استلام دمشق عناصر سورية من تنظيم داعش، موجودين في سجون تشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية.
إذ تم التوصل إلى اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والإدارة السورية الجديدة على تسليم بعض هؤلاء المعتقلين إلى دمشق، خلال الأسابيع القليلة المقبلة. هذه الخطوة جاءت ضمن الجهود المبذولة لإعادة ترتيب العلاقات بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري، التي شهدت توترات كبيرة في السنوات السابقة.
في المقابل، قالت المصادر إن واشنطن لعبت دوراً كبيراً في رعاية المفاوضات بين “قوات سوريا الديمقراطية” والإدارة السورية الجديدة، إذ إن هناك رغبة من الجانب الأمريكي في إغلاق ملف سجون داعش في سوريا بشكل نهائي.
أوضحت مصادر سورية قريبة من وزارة الإعلام أن الاتفاق الذي تم بين الإدارة السورية الجديدة وبين قوات سوريا الديمقراطية بخصوص تسليم عناصر داعش من السوريين إلى دمشق يشوبه قلق من جانب حكومة دمشق الجديدة خشية “ألا تلتزم به قوات سوريا الديمقراطية في الفترة المقبلة”.
وأشارت المصادر إلى أن الإدارة السورية الجديدة تتخوف من أن تلجأ قوات سوريا الديمقراطية، في حال حدوث أي خلاف بينهما، إلى تسريح بعض عناصر تنظيم داعش والإفساح لهم للتحرك إلى دمشق والمدن الأخرى من أجل القيام بعمليات ضد الأمن السوري أو حتى ضد المواطنين السوريين، مما يعقد معه المشهد السوري من جديد.
وقال المصدر إن الطرف السوري “يتواصل مع الإدارة الأمريكية” دون أن يشير إلى الطرف الذي يتم التواصل معه، للتأكيد على ضرورة أن ترعى واشنطن التزام قوات سوريا الديمقراطية بكل ما جاء في الاتفاق الخاص بتسليم عناصر “داعش” من السوريين إلى الإدارة السورية الجديدة.
أما بخصوص أعداد السوريين داخل سجون قوات سوريا الديمقراطية، فقد قالت المصادر لـ”عربي بوست” إن الإدارة السورية الجديدة لم تتسلم بعد القوائم النهائية بأسماء وأعداد عناصر داعش من السوريين، الموجودة لدى قوات سوريا الديمقراطية.
لكنه أشار إلى أن الإدارة السورية الجديدة تتحدث حول خمسة آلاف عنصر سوري داخل تنظيم داعش، موجودين داخل سجون قوات سوريا الديمقراطية، وهي نسبة تقريبية لدى دمشق.
عربي بوست
————————–
لماذا تثير ملامح اتفاق عسكري بين تركيا وسوريا المخاوف؟/ فراس فحام
26/3/2025
في وقت تسابق فيه الإدارة السورية الجديدة الزمن لاستكمال عملية دمج الفصائل المسلحة لتنضوي جميعها تحت وزارة الدفاع، يتصاعد الحديث عن قرب التوصل لاتفاق لتأطير التعاون العسكري السوري التركي، الذي قد يشمل تدريب الجيش السوري الجديد وتزويده بالأسلحة وتأسيس قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية.
وفي مطلع مارس/آذار الجاري، أعلنت السفارة التركية في دمشق مباشرةَ الملحق العسكري المقدم حسين غوز مهامه، مؤكدة على “التعاون العسكري الوثيق مع الشقيقة سوريا”.
في هذا التقرير، نستعرض مواطن التعاون العسكري التركي السوري المرتقب، وتداعياته على تقاطع أو تضارب المصالح مع أطراف إقليمية ودولية في هذا الصدد.
مواقع عسكرية مشتركة
وفقا لمعلومات حصل عليها موقع الجزيرة نت من مصادر تابعة لوزارة الدفاع السورية، فمن المتوقع تأسيس مواقع عسكرية مشتركة بين الجيشين التركي والسوري في مناطق مختلفة.
ومن المرجح أن تشمل هذه المواقع قواعد جوية شمالي البلاد وشرقيها ووسطها، أبرزها مطارات منغ ودير الزور وتيفور وتدمر، وستكون مخصصة لعمليات التدريب والتطوير للقوات السورية، بموجب اتفاقية منتظرة بين الجانبين، مما يعني أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة ربما تعبر عن قلق وتحذير استباقي من مثل هذه الخطوات.
وفي 20 مارس/آذار الجاري، أرسل الجيش التركي بالفعل قافلة عسكرية إلى مطار منغ شمال مدينة حلب، ومن المنتظر أن يكون هذا المطار أول قاعدة مشتركة بين أنقرة ودمشق.
وكشفت صحيفة حرييت التركية عن إمكانية تزويد أنقرة الجيش السوري بمنتجات صناعتها الدفاعية المتطورة في إطار التعاون العسكري مع سوريا، بالإضافة إلى إيفاد مستشارين عسكريين أتراك إلى سوريا من أجل المساهمة في إعادة هيكلة الجيش السوري.
الاتفاقية المشتركة المحتملة بين أنقرة ودمشق ستلبي مصالح الطرفين، حيث تعكف الإدارة السورية على إعادة إنشاء جيش البلاد بعد انهيار الجيش السابق الذي كان يدين بالولاء لبشار الأسد.
بالمقابل، فإن لأنقرة مصلحة في تعزيز حضورها في الساحة السورية للتعامل مع توجساتها الأمنية، وهذا ما أكده وزير الخارجية التركي حقان فيدان منتصف فبراير/شباط الماضي عقب توقيع الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والحكومة السورية، إذ أشار إلى أن بلاده ستراقب عن كثب تنفيذ الاتفاقية خشية وجود “بعض الألغام المزروعة” التي ستظهر في المستقبل.
ولم تستبعد المصادر العسكرية في دمشق أن تشمل المواقع العسكرية المشتركة مع الجانب التركي نشر طائرات مسيرة، مثلما فعله الجيش التركي في القواعد التي أسسها في مناطق سيطرة الحكومة الليبية غربي البلاد.
وتسعى أنقرة منذ مطلع العام الحالي لإدماج الجيش السوري الجديد ضمن تحالف إقليمي رباعي يشمل إلى جانبها كلا من سوريا والأردن والعراق، ومن المفترض أن يركز هذا التحالف على منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، بالتوازي مع تواتر تقرير عن رغبة الإدارة الأميركية في الانسحاب من سوريا.
ومنذ الأسبوع التالي لسقوط بشار الأسد، أعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر استعداد بلاده لتوفير التدريب العسكري للإدارة السورية الجديدة إذا رغبت في ذلك.
تعاون متصاعد منذ 2016
لا يُعد هذا التعاون العسكري حديث العهد، فقد برز في وقت سابق من خلال دعم الجيش التركي فصائل المعارضة المسلحة السورية، خاصة خلال العمليات التي استهدفت تنظيم الدولة و”قسد”.
وكان شهر أغسطس/آب 2016 شهد أول توغل عسكري تركي بري داخل الأراضي السورية لتقديم المساندة لفصائل من المعارضة ضد تنظيم الدولة ضمن عملية حملت اسم “درع الفرات”.
وقد تمكنت حينها فصائل المعارضة بإسناد تركي من السيطرة على مواقع مهمة في ريف حلب الشمالي، بعد أن تقلصت مساحات سيطرة المعارضة أمام تنظيم الدولة وقوات قسد التي توغلت شمال حلب تحت غطاء الطيران الروسي.
وفي 2018، دعم الجيش التركي إطلاق فصائل المعارضة السورية عملية عسكرية ضد “قسد” تحت مسمى “غصن الزيتون”، أفضت إلى السيطرة على منطقة عفرين.
وتبعها بعد أكثر من عام عملية “نبع السلام” التي استحوذت من خلالها فصائل المعارضة على مواقع مؤثرة في الرقة، ونتج عن العمليتين المذكورتين في المحصلة النهائية تقطيع أوصال الممر الذي كان تحت سيطرة “قسد” على امتداد الحدود التركية.
ومع مرور الوقت، أسست الفصائل التي شاركت في العمليات المدعومة من الجيش التركي ما عرف بـ”الجيش الوطني السوري”، الذي ضم أكثر من 20 فصيلاً متوزعين على 3 فيالق.
كما دعم الجانب التركي تأسيس 8 ألوية في محافظة إدلب من فصائل المعارضة السورية أطلق عليها تسمية “الألوية الرديفة”، حيث نشر الجيش التركي عشرات النقاط العسكرية شمالي غربي سوريا بالتنسيق والتعاون معها.
مباحثات مع إدارة ترامب
وصف الممثل الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف الاتصال الهاتفي الذي جمع دونالد ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتصف الشهر الحالي بأنه كان “رائعا” و”هناك أشياء إيجابية قادمة”.
وفي هذا السياق، علم موقع الجزيرة نت من مصادر دبلوماسية في واشنطن أن النقاشات التركية مع الإدارة الأميركية تسعى لتفادي سيناريو إطلاق إدارة ترامب يد روسيا في الملف السوري مجددا، مقابل عقد تفاهمات بين موسكو وتل أبيب تضمن مصالح الأخيرة، لأن الجانب التركي لا يرحب بعودة النفوذ العسكري الروسي إلى سوريا بعد أن تم تقليصه عقب سقوط الأسد.
بالمقابل، تسعى تركيا لتنسيق نشاطها العسكري في سوريا مع إدارة ترامب، خاصة فيما يتعلق بمكافحة تنظيم الدولة، وتولي الإشراف على السجون التي يحتجز فيها الآلاف من المتهمين بالانتساب للتنظيم.
وبالفعل، لا تخفي روسيا رغبتها بالعودة إلى المشهد السوري، وهو ما يتجلى في الرسالة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره السوري أحمد الشرع عبّر فيها عن دعمه الجهود الهادفة إلى استقرار الوضع في البلاد، مؤكدا استعداد موسكو للمشاركة الفاعلة في تعاون عملي مع دمشق، وتعزيز العلاقات الروسية السورية التي لطالما اتسمت بالود والتفاهم المتبادل، على حد قوله.
وبحسب المصادر، فإن إسرائيل هي الأخرى تبذل جهودها لدى الجناح السياسي في الإدارة الأميركية للتصعيد ضد إدارة دمشق لمنعها من تكريس سلطها، وتضييق مساحة التعاون بين دمشق وأنقرة.
وكان ترامب قبيل توليه الرئاسة رسميا، أشار -في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024- إلى أن تركيا ستمتلك قدرة التحكم في مجريات الأحداث في سوريا من خلال علاقتها مع الفصائل المسلحة التي سيطرت على سوريا عن طريق “عملية غير ودية”.
إسرائيل المتضرر الأبرز
نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمنية في الـ23 من الشهر الجاري تزايد الخشية في تل أبيب من مواجهة مباشرة مع تركيا في سوريا، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عقدت مشاورات لبحث التطورات في سوريا.
وبحسب المصدر، فإن الجيش السوري يسعى لترميم قواعد عسكرية وقدرات صاروخية، بالإضافة إلى وجود اتصالات سورية تركية لنقل مناطق قرب تدمر إلى الجيش التركي مقابل دعم لدمشق.
وأشارت المصادر إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو يطلب من مستشاريه التأكيد عبر وسائل الإعلام أن المواجهة مع تركيا في سوريا قادمة.
ومن الواضح ارتفاع الهواجس الإسرائيلية من التعاون التركي السوري، حيث شن الطيران الإسرائيلي موجة جديدة من الهجمات الجوية على مواقع سورية يوم 22 مارس/آذار الجاري، شملت قواعد جوية وسط سوريا أبرزها مطارا تدمر وتيفور في منطقة تدمر بريف حمص.
وإذا أقامت تركيا قاعدة في ريف حمص، فإن المسح الراداري لهذه القواعد قد يصل إلى هضبة الجولان المحتلة.
وتزايدت في الآونة الأخيرة تحذيرات المحللين الأمنيين الإسرائيليين من اندلاع حرب بالوكالة بين أنقرة وتل أبيب على الأراضي السورية.
ومنذ سقوط الأسد، أوضحت إسرائيل رغبتها في الاعتماد على الأقليات في سوريا وخاصة الأكراد والدروز، فيما يبدو أنه خيار إستراتيجي للحفاظ على التوازن في مواجهة تحالف تركيا وقطر مع الإدارة السورية الجديدة.
المصدر : الجزيرة
———————————
مزدوجات الهوية السورية: حروب أهلية أم تسويات حقيقية؟/ موفق نيربية
تحديث 27 أذار 2025
هناك حرص شديد بين السوريين- معظمهم- على مختلف مشاربهم وخلافاتهم، على الامتناع عن وضع عصيّ في عجلات السلطة الجديدة، التي خلّصتهم من النظام الأسدي الفظيع، وعلى الحذر في إبداء الملاحظات النقديّة أيضاً. لكنّ نجاح شباب المجتمع المدنيّ السوري في إنهاء ما سُمّي بمؤتمر الحوار الوطني بسلاسة، وغربلة آراء الموجودين خلال سويعات قليلة، مع مراعاة «أهل الدار» وعقليتهم السياسية، التي تعرّضت إلى عمليّة تأهيل كبيرة، من حيث كانت، إلى حيث ينبغي من التكيّف السياسي، لدخول دمشق من دون ردّ فعل عاصف دولي وإقليمي.. وربّما محلّي.
إلّا أن صدور «الإعلان الدستوري» على شكله الذي ظهر به، والمعارك والمجازر في منطقة الساحل وجبالها، أضافا توتّراً ملحوظاً على علاقات السلطة المنتصرة خارجياً وداخلياً، مع أن الأمرين لا تجمعهما سلّة واحدة بالتأكيد، لأنّ الأوّل عرضة للنقاش والجدال، والتعديل والإحالة إلى مشروع الدستور الدائم على الأقلّ، والثاني يحفر عميقاً في الوحدة الوطنية، ويخرج أحشاءها إلى العلن، وأخطارها إلى الأفق المنظور.
يعيش كثير من السوريين حالة إنكار مستدامة، يرفضون فيها من يطرح أيّ شيء يمتّ إلى مزدوجات الهويّة السورية. تلك حالة موروثة من «النهضة القومية» و»الصحوة الإسلامية»، أو ممّا حولهما، عندما كان اسم الإثنيْات والطوائف يثير حساسية ورفضاً مقيماً، ونذكر القول المأثور المتكرّر» لم نكن هكذا، لم نكن نعرف أن هنالك مختلفين، وكنّا أحباباً كلّنا معاً». كان الذي يذكر كلمة «الطائفية» يُتّهم بالطائفية فوراً، حكماً مبرماً غير قابل للنقض: تابو مكتمل الأركان. لدينا مزدوجة «كردي – عربي»، التي تعاظم حجمها وعمقها بالتدريج مع الزمن، ابتداءً من عصر» النهضة العربية» الثانية في العصر الناصري – البعثي خصوصاً، عندما استنهض ذلك «القومية الكردية»، وتشكّلت الحركة السياسية الكردية، وتهيّأت لها عدّة وجبات من التغذية المضادّة، في الإحصاء العام، الذي أسقط جنسية عدد مهم من كرد سوريا، وفي الحرب على كرد العراق التي تطوّع بعث الشام بتقديم العون لها.
وبقيت أجواء الانعزال سائدة حتى ربيع دمشق، ثم انتفاضة مارس/آذار 2004، وانخراط الكرد مع الآخرين في حركة واحدة مع تشكيل تحالف دمشق. كانت الحماسة « الوحدوية» تزداد في أيام النهوض واليقظة، والانعزالية في أيّام الركود والتفسّخ. وفي أيّام الثورة، ظهر انقسام كردي واضح، بين طرف يستلهم التجربة السياسية الكرديّة في العراق، وآخر يستلهم تلك في تركيا. وأصبح لدينا في سوريا « مجلسا وطنيا» و»مجلس سوريا الديمقراطية». حالياً هنالك ذروة في المشاعر المتعارضة، لم تتعارض مع احتفالات باهرة بتوقيع اتفاق بين السلطة الحالية وقسد. ويتراوح الوضع ما بين طبول حربٍ تزيد من حدّتها السياسات التركية بالغة الحساسية، وتباشير وفاقٍ ونجاح في التسوية.
في أقصى الجنوب الغربي، هنالك خصوصية في درعا، وخصوصية أشدّ تبلوراً في السويداء ما بين درزيْتها و» السنّية» السورية، التي تضاعفت يقظتها عدّة مرات بعد نجاحات هيئة تحرير الشام. هنا دور مهمّ للقرب من الجولان وإسرائيل، التي ترى في بعض دروز إسرائيل باباً مهمّاً للتدخّل في الشؤون السورية، لتحقيق تغيير إضافي، يجعل من جنوب دمشق كلّه منطقة منزوعة السلاح، تتخيّلها ستكون «صديقة» أكثر من الآخرين، وحاجزاً يمنح الأمن الاستراتيجي لها ويحصّنها من أسباب خوفها وقلقها المرضيّ الدائم. ومن الطبيعي أن يشعر بعض الدروز السوريين في السويداء وجبل الشيخ، وحتى في جرمانا – ضاحية دمشق- بشيء من الحصانة بسبب ذلك، لكنّ ذلك يصطدم بميول وطنية رفيعة، موروثة من أيّام تولّي سلطان الأطرش قيادة الثورة السورية ضدّ الفرنسيين، وذلك فخر لا ينساه الدروز الفخورون بطبعهم. وقد ظهر هذا الميل طاغياً في أكثر من عام من الاعتصام الدائب في ساحة الكرامة، الحالة التي أدّت إلى تنشيط الوطنية السورية/الثورية في كلّ البلاد. تحتدم تفاعلات هذه المزدوجة بقوة حالياً، وتشكّل تحدّياً آخر لمشروع سوريا الجديدة التي تجهد للخروج إلى العالم.
المزدوجة الثالثة التي شعلت سوريا والعالم بشكلٍ خاص مؤخّراً هي العلوية- السنّية بدورها، وهي مزدوجة عايشت نظام الأسد الأب والابن، ونمت في عهدهما، بسبب انتماء تلك العائلة نفسها، وتركيبة الطائفة الفقيرة التي عزّز الأسدان انطلاقها نحو الجيش وأجهزة الأمن، من خلال حجب إمكانيات التطوّر «العادي» من أمامها، كما أصبح متداولاً الآن.
هنالك حدّة وخصوصية بارزة في هذه المزدوجة، تَزِرُ» فيها الطائفة العلوية أوزار النظام الساقط، الذي عاش طويلاً على القمع والطغيان والمجازر، التي كانت ذروتها في حماة 1982، وفي سجون تدمر وصيدنايا، والحجم الهائل/المليونيّ للقتل والتدمير والتشريد في الخمسة عشر عاماً الأخيرة، الأمر الذي وقع معظمه على السنة كنوع.. مع أن بعضه وقع على العلويين أيضاً، بما يجمعهم مع الشعب العاديّ كلّه حين تعرّض للفقر والحاجة إلى الخبز والأمان، وبما هم عليه من» خيانة» لفضل الأسدين عليهم. بعد تهاوي نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، ورغم هروب القادة معظمهم، تحصّن البعض في الجبال، واحتمى آخرون بالقاعدة الروسية، وبدأوا كما يبدو بالحشد والتحضير لمحاولة استعادة السلطة، ولو في منطقة الساحل وجبالها وحسب: أولئك هم «الفلول» كما تسمّيهم السلطة ومعظم الناس – من كلّ الطوائف- في الأسبوع الأوّل تحرّك هؤلاء واختطفوا عناصر من القوى الأمنية والعسكرية وقتلوا العديد منهم، مّا أدّى إلى الإحساس بالخطر والاستفزاز، ودفع إلى النفير والاستنفار، وتدفّق قوى غير منضبطة، رغم أنّ نواتها معروفة التركيب والمرجعية من دون لبس.. وكانت النتيجة وقوع مجازر بشعة بالمدنيين خصوصاً في القرى والبلدات.
تمكّن ذلك المسار من وضع البلاد أمام المزدوجة الأشدّ خطورة والأكثر جراحاً، الأمر الذي أخرج القيح المتراكم المكتوم إلى المشهد بين السوريين وأمام العالم… رغم الجهود الكبيرة التي تعمل على «كتم» انبثاق ذلك القيح، وتخميد نداءات الثأر والانتقام من جهة، وصرخات المظلومياّت المتقابلة.
في النتيجة الآن، أصبحت كلمة» التقسيم» عادية أكثر، وتُناقش وسوف تُناقش لاحقاً. وليس سهلاً على الإطلاق مواجهة تلك الحالة المتفجّرة، والسلطة الحالية تعيش آلام الولادة، وتجهد لتأمين قوت الشعب، الذي أصبح سوريا كلّها بعد أن كان إدلب وحدها، ولبناء دولةٍ انهار الجزء الأكبر والأهمّ منها.. والأصعب هنا مواجهة تحدّي التحوّل من عقلية كانت إرهابية، إلى عقلية مدنية وحديثة ومتكيّفة مع العالم المنشغل بأمور أخطر كما هو الآن، ومع المنطقة التي تعصف فيها همومها الكبيرة حاليّاً. لكنّ هنالك بعض الضوء أيضاً، الخافت لكن الموجود أيضاً. ذلك صحيح رغم أنه لا يمحو الأخطار الداهمة، ولا يستطيع وحده مواجهة المدّ ولا الوقائع كلّها. لا يستطيع أيضاً مواجهة فيض اليقين الذي أصاب جزءاً أو أجزاءً مهمة من النخب السورية، وأبقى بعضهم بعيداً لم ينخرط في العملية السياسية الجارية في داخل البلاد، ينتظر أن تستقيم بذاتها، أو بفعل القوى الخارجة عنها.
جاء ذلك الضوء من اتفاق أحمد الشرع ومظلوم عبدي، على وحدة البلاد وتوحيدها، وعلى إشارات بسيطة إلى المسار الواجب سلوكه في المفاوضات الصعبة المقبلة. يشير ذلك أيضاً إلى أن طريق التسويات هو الوحيد الذي يمنع القطار المُثقل بأحماله من الخروج عن السكة. وليته يساعد كلّ السوريين على تفهّم كون الحروب الأهلية والتفتت واقعاً ينتظرهم من دون التسويات، وأن التسويات مستحيلة من دون التنازلات والتنازلات المقابلة.
*كاتب سوري
القدس العربي
————————
سوريا: تحركات عسكرية أميركية تؤشر لانسحاب مفاجئ/ مصطفى محمد
الخميس 2025/03/27
كشفت مصادر سورية لـ”المدن”، عن قيام “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن، بسحب مصدات أسمنتية من قاعدة تل بيدر غربي الحسكة، عبر شاحنات عراقية، معتبرة أن الخطوة مقدمة لانسحاب أميركي “مفاجئ” من سوريا، من المحتمل أن يتم بحثه خلال الزيارة المرتقبة التي سيجريها وزير الخارجية التركية هاكان فيدان إلى الولايات المتحدة، وهي أول زيارة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وتعد قاعدة تل بيدر من أكثر القواعد الأميركية “حيوية” في سوريا، وهي مجهزة لهبوط المروحيات القتالية.
وأكد مصدر مراقب لـ”المدن”، أن قوات “التحالف الدولي” بدأت في الآونة الأخيرة، بنقل معدات غير قتالية من غالبية القواعد في شمال شرقي سوريا، منها قاعدة تل بيدر، وقاعدة الشدادي جنوبي الحسكة.
وأشار المصدر إلى قيام طائرات شحن أميركية بنقل معدات من قاعدة الشدادي إلى شمالي العراق في الأسبوع الماضي، وأضاف أن “التحركات هذه تؤشر إلى وجود خطة لتقليص الوجود العسكري في سوريا تدريجياً”.
هذه المعلومات أكدها مدير شبكة “الخابور” إبراهيم الحبش لـ”المدن”، وهي الشبكة المختصة بنقل الأخبار من المنطقة الشرقية، وقال: “رصدنا حركة شاحنات (عراقية) محملة بكتل أسمنتية، خرجت من قاعدة تل بيدر نحو العراق”.
مقدمة لانسحاب “وشيك”؟
وكان الحديث عن انسحاب أميركي من سوريا قد تزايد بعد المعلومات التي كشفتها شبكة “إن بي سي نيوز” الأميركية، في شباط/فبراير الماضي، نقلاً عن مسؤولين دفاعيين في وزارة الدفاع الأميركية، حول إعداد الأخيرة خطط لسحب كافة القوات الأميركية من سوريا، خلال فترة تتراوح بين 30 إلى 90 يوماً.
جاء الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في 10 آذار/مارس الجاري، والضغط الأميركي لإنجازه، ليعزز الاعتقاد أكثر أن واشنطن تحضر الأرضية لسحب قواتها من سوريا.
ويتوقع الكاتب والسياسي الكردي علي تمي، أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا قريباً، ويستند في ذلك على “إبلاغ واشنطن لقسد، أن الولايات المتحدة قد تسحب قواتها في أي وقت تراه مناسباً”.
ويضيف لـ”المدن”، أن المعطيات هذه دفعت “قسد” إلى التوقيع على الاتفاق مع الحكومة السورية، وقال: “الأرجح أن يتم ترتيب صفقة الانسحاب خلال زيارة هاكان فيدان إلى واشنطن الثلاثاء، علماً أن الزيارة جاءت بطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.
وقبل أيام، دعت الولايات المتحدة الإدارة السورية إلى تشكيل حكومة “مدنية” تجمع كل الأطراف السورية، ليبدو أن واشنطن تريد الانتهاء من كل التفاصيل التي تمهد لدمج “قسد” بالدولة السورية قبل الانسحاب من سوريا، وسط قراءات عن زيادة التنسيق الأميركي- التركي في سوريا، لمنع ظهور الجماعات المتطرفة في سوريا.
انسحاب “مفاجئ”
ولا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، أن تقدم الولايات المتحدة على اتخاذ قرار “انسحاب مفاجئ” من سوريا، ويقول: “حالياً، لا توجد مؤشرات عسكرية للانسحاب، لكن احتمال الانسحاب المفاجئ يبقى وارداً”.
وبما يخص التحركات العسكرية في القواعد الأميركية، يقول لـ”المدن”: “في العادة يقوم الجيش الأميركي بسحب معدات من بعض القواعد، والأمر يشبه إعادة الانتشار”.
المدن
————————
====================