أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

جورج أمن عام.. جورج في الوزارة… إلخ/ عمر قدور

السبت 2025/03/29

قبل يومين تداول البعض (بحفاوة) خبرَ وجود متطوّع في الأمن العام يحمل اسم جورج، وكأن وجود مسيحي ضمن جهاز الأمن ظاهرة مستجدة في سوريا، ما استدعى ردّ فعل ساخر وهزلي سرعان ما عمّ وسائل التواصل. جورج في الأمن العام أعاد إلى الذاكرة جورج آخر من حلب، حيث سُلِّط الضوء عليه آنذاك وهو يعرّف بنفسه، مع التشديد على اسمه، للقول أن هيئة تحرير الشام (التي سيطرت على المدينة في مستهل عملية ردع العدوان) تتعامل على نحو جيد مع الأقليات، بخلاف ما هو متوقّع من تنظيم يحمل أيديولوجيا إسلامية متشددة.

وعشية الإعلان المتوقّع عن الحكومة الجديدة، تم تداول اسم لامرأة مسيحية بين الوافدين الجدد إلى الحكومة، واسمها هو الوحيد المتفق عليه ضمن التكهنات الشائعة، والتي تنص أيضاً على احتفاظ وزراء الدفاع والخارجية والداخلية بمناصبهم. أيضاً يأتي تسليط الضوء على السيدة (الوزيرة إذا صحّت التوقعات) من جهة منبتها الديني، لا على قاعدة أهليتها للمنصب الذي يُفترض أن تشغله.

ضمن الأقاويل ذاتها، هناك أخبار عن تعيين وزراء من المنابت الدرزية والكردية والعلَوية، من أجل إعطاء الحكومة صفة التمثيل الجامع للمكونات المذهبية والإثنية. والهدف من ذلك، بموجب ما هو معروف ولو لم يكن معلَناً، إرضاءُ قوى الخارج التي تطالب بحكومة ذات تمثيل واسع، وتربط تحسن العلاقات مع السلطة بذلك، خصوصاً في موضوع التخفيف من العقوبات تمهيداً لإزالتها في آخر المطاف.

عموماً، لا يوجد في سوريا شيوخ طوائف، ولا قادة لأحزاب طائفية كما هو الحال في لبنان والعراق المجاورين، أي أن الأسماء التي ستدخل الحكومة لن تكون لها صفة تمثيلية معترف بها ضمن منابتها. ومن المعلوم أن السلطة الجديدة رفضت مبدأ المحاصصة، أما إرضاء الخارج بحكومة تضم وزراء من منابت مختلفة، فلا يندرج في إطار المحاصصة، لأنه لا يندرج ضمن تقاسم صريح للسلطة على النحو المعمول به في لبنان والعراق. من هذه الناحية أيضاً لا يكون ضمّ هؤلاء الوزراء ذا قيمة أو دلالة، ولا يخالف ما كان دارجاً أيام العهد البائد على صعيد (تزيين) الطقم الحاكم بتشكيلة ذات مناصب فخرية، أو شبه فخرية، مع التذكير بأن تمركز السلطة كان يُفرغ المناصب الأدنى شأناً من أية أهمية أو فعالية.

مشكلة هذا التقليد أنه مجرد واجهة شكلانية، ترضي الغرب غالباً، والعمل به لا يتجه إلى إرضاء الداخل الذي يُفترض أن يكون له الأولوية، ما يؤدي غالباً إلى ترجيح كفة الخارج ثم عدم الاكتراث بالداخل الذي يفقد ثقته بجدية إشراكه في الدولة. وإرضاء الداخل لا يمرّ حتماً بمنطق المحاصصة كما يُشاع حالياً، فتكريس الأخيرة كان في كافة التجارب ترجيحاً لهيمنة الجماعات على أفرادها، وإعاقةً للعملية الديموقراطية أو للسير في طريق التغيير الديموقراطي.

اليوم، يعلم الجميع أن القرار هو للهيئة الحاكمة، وأنصارها كانوا واضحين منذ البداية في القول: مَن يحرر يقرر. هذا الواقع، حسب الإعلان الدستوري، مستمر حتى خمس سنوات، والحديث عن عملية تشاركية حقيقية في السلطة خلالها سيكون لا معنى له، أي أن توزيع المناصب الحكومية، وأولئك الذين سيُعيّنون في مجلس الشعب، لن يكن لهما ثقل في عمليات اتخاذ القرار. نضيف إلى هذه الوضعية عدم وجود معارضة منظّمة تطرح إسقاط الحكم، والمعارضة الوحيدة الموجودة بقوة هي التي خارج سيطرة الهيئة؛ في السويداء ومناطق سيطرة قسد حيث التجربة الحزبية الكردية (على علاتها) أكثر انتشاراً وقوة.

ما يطمئن الأقليات أو المكونات، ونسبة كبيرة أيضاً من ذوي المنبت السني، أن تكون هناك دولة قانون تكفل تكافؤ الفرص للمواطنين بلا تمييز. ومن الجيد أن تتذكر الهيئة الحاكمة أن السوريين هتفوا لأجل الحرية عام 2011، أي أن الحريات الموجودة آنذاك كانت أضيق من تطلعات السوريين. ببساطة، سيكون من المستغرب، فوق ما فيه من هزلية، أن يُسوّق عمل جورج في الأمن العام كإنجاز للسلطة الحالية، وكأن جورج كان ممنوعاً من أمثال هذا العمل قبل آذار 2011!

الحديث عن تكافؤ الفرص يذهب أولاً إلى أحقية أصحاب الكفاءات في شغل المناصب غير السياسية، وبلا تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الجنس. تطبيق هذا المبدأ بصرامة هو ما يدلّ على جدية السلطة في عدم التمييز بين السوريين، وعدم هيمنتها على الفضاء العام، وما يشير تالياً إلى استعدادها لإتاحة الفرصة للتنافس السياسي بعد المرحلة الانتقالية.

من دون ذلك سيكون ما يُشاع عن كونها حكومة تكنوقراط شكلانياً أيضاً، لأنه يبقى مقتصراً على رأس الهرم، لا بمثابة ناظم للبيروقراطية بمعناها الحميد. ومع الشكوى من قلة الكفاءات، بسبب سنوات الصراع، سيكون تكافؤ الفرص بموجب قوانين وإرادة صارمتين هو الذي يجتذب الكفاءات السورية في الخارج، تحديداً منها جيل الشباب الذي أنهى تحصيلاً علمياً عالياً في بلدان الغرب. قسم من هؤلاء سيكون مستعداً للعودة فيما لو تأمنت له بيئة قانونية سليمة وموثوقة، تتيح له مساحة كافية من الحرية والأمان الراهن والاطمئنان للمستقبل. وما يُشاع عن عدم رغبة هؤلاء في العودة من بلدان اللجوء لا ينظر إلى حقهم في الحرية والأمان، مع التشديد على ذلك فيما يخص النساء، وإذا وجد لدى البعض اشتراطات تتعلق بالحصول على مناصب عليا فهناك كثر مما لا يشترطون هذا.

مع قرب اكتمال أربعة شهور على إسقاط الأسد، يُفترض أن تكون السلطة قد تجاوزت مرحلة التعرّف على المؤسسات العامة، والمطلوب من الحكومة الجديدة (وفق النظام الرئاسي الجديد) تقديم أداء لا يعتمد أساساً معيارَ اليأس. نعني بالأخير ذلك المعيار الذي ينطلق من التشاؤم المطلق، فيظهر كل ما هو أقل منه سوءاً كأنه إنجاز ثمين. تعاطي نسبة كبيرة من السوريين مع الهيئة الحاكمة هو من منظور المعيار نفسه، المعيار الذي يقيس على التشدد الأيديولوجي لهيئة تحرير الشام، ويغفل تماماً متطلبات بلد مثل سوريا.

الطريف في القياس المذكور أن يحسب كإنجاز للسلطة الجديدة الحفاظُ على الحريات الاجتماعية التي كانت سائدة لعقود من قبل، وأصول معظمها ترجع إلى العهد الأول للاستقلال، وأن يباهي أنصارها بـ”إنجازات” كان السوري العادي يسخر من العهد البائد وهو يسوّق لنفسه بإنجازات شبيهة؛ هي بالأحرى من أدنى مهام السلطات المعاصرة، وتُحاسَب على الإخلال بها. الحق أن هذا ليس طريفاً على الإطلاق، ويستدعي من السلطة الكفّ عن تقديم مواد تصلح للسخرية على غرار تطوع السيد جورج في الأمن العام؛ جورج الذي يستحق ألا يكون مادة للاستثمار من جهة والتندر من الجهة المقابلة.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى