منوعات

دراما ما بعد الأسد والدور المعول على قناة سوريا2/ عبد القادر المنلا

2025.03.28

قبل قدوم شهر رمضان، كان السوريون على موعد مع حدث يمكن اعتباره إنجازاً جديداً ساهم في الحالة الاحتفالية العامة التي أعقبت سقوط الأسد، وتمثل في افتتاح قناة سوريا2 والتي كرست بثها بشكل شبه كامل لعرض المسلسلات التلفزيونية ولا سيما في الموسم الرمضاني بعد أن أصبح المسلسل التلفزيوني أحد الطقوس الأساسية للشعب السوري والعربي أيضاً في هذا الشهر.

كانت خطوة جريئة من إدارة التلفزيون -جرأة في القرار وجرأة في التنفيذ- أن تفكر في تشغيل قناة ثانية يحتاجها الجمهور السوري والعربي ويحتاجها تلفزيون سوريا نفسه أيضاً ليكرس انتشاره ولا سيما بعد أن فرض نفسه كقناة وحيدة كرست نفسها للشأن السوري في السنوات الأخيرة بعد أن اختفت قنوات ونأت قنوات أخرى بنفسها عن الشأن السوري أو انحاز بعضها لرواية الأسد قبل سقوطه ولجأت إلى المراوغة والابتعاد عن الوضوح والشفافية في مقاربة الشأن السوري رغم كل ما كان عليه من سخونة.

ارتفعت أسهم قناة سوريا في السنة الأخيرة قبل السقوط بشكل ملموس وذلك بسبب انفرادها بتغطية الأحداث في سوريا ولا سيما في ضوء انشغال الإعلام العربي برمته بأحداث لبنان وغزة ثم ارتفعت أسهمها أكثر أثناء السقوط نظراً لكيفية مواكبتها للحدث والجهود الاستثنائية التي بذلتها كوادرها، ثم بعد السقوط حيث كانت من أولى القنوات التي وصلت إلى دمشق وواصلت نقل الحدث منها ومن باقي المحافظات السورية بشكل احترافي، وبوعي وحيادية.

وبناء على ما حققته قناة سوريا، فإن افتتاح القناة الثانية وتخصيصها للدراما يعد قراراً ذكياً بما يكفي ليزيد من تكريس القناة في الوجدان الجمعي السوري والعربي أيضاً وتحويلها إلى مؤسسة راسخة قابلة للنمو والتطور وقادرة على الزج بنفسها وسط المؤسسات الإعلامية الكبيرة مع ضمان الوصول إلى أكبر شريحة من المتابعين.

إلى هنا تبدو الصورة وردية ويبدو الإنجاز مثالياً أو أقرب إلى ذلك، غير أن استمرار قناة مخصصة للدراما يعتبر بحد ذاته مغامرة وامتحاناً صعباً لتوجهات القناة الوليدة والقناة الأم معاً، حيث يقع على عاتق القناة الجديدة عبء كبير يتمثل في طريقة تعاملها مع سوريا الحرة، سوريا ما بعد الأسد، واستحقاقات هذه المرحلة الجديدة على المستوى الدرامي الذي لا يقل حساسية وأهمية عن المستوى السياسي وحجم المسؤولية في طريقة التعامل مع المهمة الموكلة إليها.

بداية لا يمكن أن نتعامل مع القناة على أنها مجرد وسيلة عرض، وبالتالي تنحصر مهمتها في عرض ما يتوفر في السوق أو حتى أفضل ما يوفره سوق الدراما من أعمال، ولا يمكن عرض أعمال ذات مستوى غير لائق بالجمهور السوري في فترة ما بعد الثورة، ففي الموسم الأول لها، قامت قناة سوريا2 بعرض الكثير من أعمال الأمر الواقع، أو من واقع ما هو متاح في السوق بما فيه الأعمال الجيدة بمقياس تلك السوق، وذلك أمر بدهي إذا أخذنا سرعة افتتاح القناة بعين النظر، واحتياجها لملء ساعات البث، وعدم توفر مسلسلات على مستوى تطلعات السوريين ووعيهم، ويمكن التعامل مع هذا العام على أنه عام تجريبي يؤسس لمستقبل راسخ في النظر إلى مهمة الدراما الجوهرية وينقذها من واقعها الذي استقرت عليه في الفترة الأخيرة وتحديداً في سنوات الثورة السورية حيث تحددت مهامها -باستثناءات نادرة- في كونها إما وسيلة تسلية أو أداة دعائية غير بريئة ومرتبطة بأجندات محددة، أو مجالاً تجارياً استهلاكياً متواكباً مع تحويلها إلى بضاعة تتمسك بشروط العرض والطلب وبذائقة السوق، وليس بالمهمة الفنية العميقة التي تتطلب توافر البعد المعرفي والفكري والجمالي الذي يرتقي بذائقة التلقي ويطورها، ولا سيما بعد أن أصبحت الدراما التلفزيونية مرجعاً معرفياً أساسياً لدى الجمهور العربي.

وكما أخذت قناة سوريا على عاتقها خلال سنوات ما قبل سقوط الأسد أن يكون خطابها وطنياً وملبياً لمتطلبات تلك المرحلة التي كانت مليئة بالألغام والصعوبات، فإن المأمول منها أن تتبع ذات المعيار في القناة الوليدة، وألا تقف عند شراء الأعمال الجاهزة، بل أن تنتج أعمالها الخاصة والاستثنائية ولا سيما بعد أن توفر المناخ اليوم للكوادر المهنية ذات المستوى الرفيع ممن كانوا معارضين للأسد للعودة إلى سوريا، وكذلك تحرر الكوادر التي كانت تحت سلطة الأسد وقدرتهم على العمل بعيداً عن سلطة الطاغية.

ويمكن أن يكون أهم شرط للأعمال المقبلة هو التحرر من آليات الإنتاج القديمة المعتمدة على واقع السوق والعرض والطلب ومفهوم النجومية والأسماء البياعة والتي لعبت دوراً أساسياً في الانحدار الكبير الذي وصلت إليه الدراما السورية، وإعادة ترتيب الأولويات بما يفسح المجال لصناعة أعمال قيمة.

وفي هذا السياق تبدو إعادة الاعتبار للنص أول وأهم خطوة في اتجاه إعادة التأسيس لنوعية الدراما المأمولة، لأن النص كان ضحية آليات الإنتاج السابقة التي صدّرت الأسماء البياعة والنجوم على حساب القيمة الفعلية للأعمال المقدمة، وهو ما يفسر جهل معظم الجمهور العربي بأسماء الكتاب وعدم اهتمامهم بالمضامين، بينما يحفظ هذا الجمهور عن ظهر قلب أسماء النجوم ولوازمهم الكلامية وحركاتهم وأحياناً ملابسهم وتسريحات شعرهم.

فضلاً عن ذلك فإن المواكبة النقدية الواعية والمتخصصة سيكون لها أثر كبير سواء في الإنتاجات المترقبة للقناة أو في اختيارها للأعمال التي ستعرضها، وهنا ستمثل البرامج النقدية خدمة توعوية وتثقيفية للمتابع العربي وتخرجه من كونه مجرد مشاهد مطلوب منه أن يعجب بالعمل دون أن يعرف لماذا، أو حتى ينفر منه دون أن يعرف الأسباب أيضاً، فمدى تعلق الجمهور العربي بالدراما يتطلب جهداً حقيقياً لتزويد هذا الجمهور بأدوات نقدية بسيطة تحولهم من مجرد مشاهدين مصفقين أو متذمرين إلى جمهور متفاعل وفاعل، ويمكن للأعمال الجيدة والنقد المرافق لها أن يسدا جزءاً كبيراً من طقس القراءة الذي بات مفتقداً لدى معظم الجمهور العربي.

ثمة مهمة أساسية تعد ضرورة ملحة يمكن للقناة أن تقوم بها وهي إعادة تصحيح العلاقة بين شهر رمضان والدراما، حيث نشأت تلك العلاقة في البداية كطقس روائي يوظف في سهرات رمضان من خلال تقديم الحكايات الممتعة وذات القيمة الفنية والفكرية، ولكنها انحرفت لاحقاً لتتوقف فقط عند البعد التجاري، ولهذا أصبحت الحلقات الثلاثون شرطاً أساسياً لإنتاج المسلسلات لتتناسب مع أيام الشهر، وهو ما فتح المجال للحشو والاستطراد والتطويل وأفرز نوعية من الكتاب الذين يتقنون فقط لعبة السوق على حساب أهمية النص وطروحاته، فضلاً عن سرعة الكتابة وسرعة التنفيذ بحكم التقيد بالوقت المحدد للموسم، وهذا ما أثر بشكل كبير على المستوى الفني لناتج الأعمال، فضلاً عن مساهمته في تسطيح آليات التلقي لدى الجمهور.

قبل ارتباط الصناعة الدرامية بموسم محدد، كان النص هو من يلعب الدور الأساسي كونه جوهر العمل والطرح، وكان الكتاب يكتبون هواجسهم على مقاس ما تتطلبه الشحنة الانفعالية الفنية التي تحكم عملهم، ولهذا شهدنا قديماً السهرة التلفزيونية والثلاثية والخماسية ومسلسلات الحلقات الأربع عشرة، فكان زمن المسلسل وعدد حلقاته مرتبطين بفكرة النص وطرحه وليس بعدد الأيام التي سيعرض فيها.

ولأننا نطمح بسوريا جديدة فعلاً، حرة ومتحررة، ولأننا نطمح ببناء سوريا الجغرافيا، فإن العمل على بناء سوريا الإنسان هو المهمة الشاقة والمعقدة التي ننتظرها من قناة سوريا الوليدة حيث يمكن توظيف الدراما في هذه المهمة ولا سيما أننا نمتلك اليوم موضوعات وقصصاً خلفتها السنوات الدامية السابقة بما فيها من قصص الاضطهاد والقتل والاعتقال والتهجير والإبادة وتجارة الكبتاجون وعنجهية السلطة، وكل الأحداث الغنية التي شهدتها السنوات السابقة امتداداً إلى أكثر من خمسين عاماً أخرى ملأى بالقصص والدراما الحقيقية والتي ستكون منجماً عميقاً ومتنوعاً لقصص لا تنتهي ولا تحتاج إلا للصياغة الاحترافية..

كما أننا اليوم نمتلك مناخ الحرية الكاملة مما سيساعد على التعبير عن هواجسنا الحقيقية ويزيل العوائق الرقابية التي فرضها نظام الأسد البائد، فضلاً عن أن سوق البيع التي لم تكن تقبل شراء الأعمال التي تتعرض للأسد أو عرضها،  قامت اليوم بفك الحظر تماماً عن تلك الأعمال، وربما ستساعد الدراما السورية الجديدة القنوات العربية على تحمل مسؤولياتها أيضاً في التعامل مع الدراما بصفتها فناً لا أداة للتسلية أو للحملات الدعائية.

يجب أن تكون دراما ما بعد الأسد مختلفة تماماً سواء في آليات الإنتاج أو في اختيار المواضيع أو في العلاقة مع السوق، وبالتأكيد فإن قناة سوريا الثانية هي من أهم ما يمكن التعويل عليه في هذا السياق، لأنها القناة المولودة من رحم الثورة والتي شهدت التحرير وتابعته وواكبته وغطت أحداثه كما غطت كل تفاصيل السوريين قبل سقوط النظام في السنوات القليلة من عمرها.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى