سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 29 أذار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
—————————
5 صمامات أمان تحمي سوريا الجديدة من الأخطار.. ما هي؟/ فضل عبد الغني
28/3/2025
شهدت سوريا تحولًا سياسيًا جوهريًا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، إثر معركة “ردع العدوان”، الأمر الذي فتح الباب واسعًا أمام انطلاق مرحلة انتقالية نحو إعادة بناء النظام السياسي السوري على أسس من التعددية السياسية، والمشاركة الشعبية، واحترام حقوق الإنسان.
وقد جاءت هذه المرحلة بعد إعلان “إدارة العمليات العسكرية” في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2024 تشكيل حكومة تسيير أعمال كإجراء مؤقت، وتلاه اتفاق في 24 ديسمبر/ كانون الأول على حل جميع الفصائل العسكرية ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع، وصولًا إلى الإعلان الرسمي لـ “انتصار الثورة” في 30 يناير/ كانون الثاني 2025، وتعيين السيد أحمد الشرع رئيسًا مؤقتًا لسوريا.
شكلت هذه التطورات نقطة تحول جوهرية، ليس فقط لانتهاء حقبة استبداد طويلة امتدت لأكثر من نصف قرن، بل أيضًا لما تحمله من فرص حقيقية لتحقيق انتقال سياسي ديمقراطي يضع حدًا لنظام الحكم الأسدي المركزي والإقصائي، ويؤسس لنظام تعددي يكرّس المشاركة السياسية لجميع السوريين دون تمييز أو إقصاء.
ومع ذلك، تواجه المرحلة الانتقالية جملة من التحديات المعقدة، أبرزها ضعف مؤسسات الدولة، والانقسام المجتمعي العميق، وتدخلات القوى الخارجية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلّفتها سنوات النزاع الطويلة.
طرحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان رؤية تهدف إلى تجاوز هذه التحديات من خلال وضع خارطة طريق متكاملة للانتقال السياسي، تبدأ بتشكيل هيئة حكم، مرورًا بصياغة إعلان دستوري مؤقت، وتشكيل حكومة انتقالية فعالة، وصولًا إلى صياغة دستور دائم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تؤسس لنظام حكم مستقر وديمقراطي.
كما تؤكد الرؤية على ضرورة إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية لمعالجة انتهاكات الماضي وتحقيق المصالحة الوطنية.
يسعى هذا المقال إلى تحليل هذه الرؤية، عبر تقديم إطار تفصيلي يوضح الخطوات العملية الواجب اتخاذها لضمان انتقال سياسي ناجح يحقق التعددية السياسية، والعدالة، والاستقرار، ويحمي سوريا من مخاطر العودة إلى الاستبداد أو الصراعات الداخلية، مع إبراز الدور المحوري لكل من القوى السياسية، وهيئات المجتمع المدني، والدعم الدولي في إنجاح هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا.
من الشرعية الثورية نحو التعددية السياسية
تُمثِّل الشرعية الثورية الإطار السياسي والقانوني الذي تستند إليه القوى التي أطاحت بالنظام القديم، وتنشأ أساسًا من حدوث قطيعة جذرية مع الحكم السابق.
في الحالة السورية، استمدَّت المرحلة الانتقالية شرعيتها الثورية من إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، ما منح القيادة الجديدة تفويضًا شعبيًا مؤقتًا لتسيير شؤون البلاد في هذه الفترة الحسَّاسة.
وعلى الرغم من أهمية هذه الشرعية في تثبيت أسس الحكم الانتقالي ومنع الفوضى السياسية، فإن استمرارها لفترة طويلة دون تحويلها إلى نظام تعددي، يحمل في طياته مخاطر جدية.
من أبرز هذه المخاطر تمركز السلطة بيد عدد محدود من الفاعلين السياسيين، مما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج أنماط الحكم الاستبدادي القديم، وتقويض الأسس التي قامت عليها الثورة.
1 – تشكيل هيئة للحكم
تُعدُّ عملية تشكيل هيئة الحكم خطوة محورية لضمان الانتقال السياسي المنظَّم من الشرعية الثورية إلى نظام سياسي تعددي في سوريا. تبرز أهمية هذه الهيئة من خلال دورها في تعزيز التشاركية السياسية والاستقرار المجتمعي خلال المرحلة الانتقالية.
فوجود هيئة حكم تضم مختلف القوى السياسية والاجتماعية يُمثل ضمانة أساسية لإشراك كافة مكونات الشعب السوري، ما يعزز الشعور بالثقة في العملية السياسية ويمنع احتكار السلطة من قِبل فئة معينة، ويقلل من احتمالات ظهور صراعات جديدة.
ولضمان نجاح هذه الهيئة وفاعليتها، ينبغي أن يتم اختيار أعضائها وفق معايير واضحة ومحددة، من أبرزها ضمان التمثيل الشامل لمختلف فئات المجتمع السوري، بما يشمل التنوع السياسي، والديني، والعرقي، والمناطقي، بهدف منع التهميش أو الإقصاء لأي مجموعة كانت.
كما يجب أن تتوفر لدى أعضاء الهيئة معايير الكفاءة المهنية والخبرة العملية في مجالات الحوكمة، والقانون، والإدارة، مع ضرورة الالتزام بالنزاهة الشخصية والابتعاد عن كل من تورّط في قضايا فساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.
ولتحقيق قبول شعبي واسع للهيئة، يجب اختيار شخصيات ذات مصداقية تستند إلى الشرعية الثورية، ولديها التزام واضح بالتعددية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
أما بالنسبة لآليات اختيار أعضاء هيئة الحكم، فينبغي اعتماد أسلوب التوافق الوطني، من خلال مشاورات واسعة تُجرى بين القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وممثلي الفئات المجتمعية المختلفة، للوصول إلى قائمة من الأعضاء المقبولين على نطاق واسع.
ويمكن الاستعانة بلجان مستقلة ومحايدة تتولى التحقق من استيفاء المرشحين المعايير المتفق عليها، ما يعزز شفافية العملية ومصداقيتها أمام الرأي العام.
أما على صعيد هيكلة هيئة الحكم، فمن المهم توزيع الصلاحيات بشكل متوازن وواضح بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. وفي هذا السياق، تتولى السلطة التنفيذية إدارة المرحلة الانتقالية وتنفيذ السياسات المتوافق عليها، بينما تمارس السلطة التشريعية دورها في إصدار التشريعات اللازمة، ومراقبة أداء الحكومة، وتضمن السلطة القضائية استقلالها الكامل في مراقبة تطبيق القوانين وحماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، بما يضع أساسًا قانونيًا متينًا لعملية التحول الديمقراطي.
وأخيرًا، فإنّ الدور الدولي في دعم هيئة الحكم يجب أن يكون استشاريًا وتقنيًا فقط، بحيث يقتصر على تقديم المساعدة الفنية والاستشارات اللازمة دون التدخل في استقلالية القرار الوطني السوري.
إذ يمكن للجهات الدولية تقديم الخبرات التقنية، والتدريب، والوساطة في حال نشوب خلافات داخلية، مع التشديد على ضرورة احترام السيادة الوطنية لسوريا وعدم فرض حلول خارجية. يضمن هذا النهج التوازن بين الاستفادة من الدعم الدولي وبين الحفاظ على استقلالية العملية الانتقالية ومصداقيتها أمام السوريين.
2 – إصدار إعلان دستوري مؤقت
في ظل الأوضاع الانتقالية المعقَّدة التي تعقب سقوط الأنظمة الاستبدادية، يوفِّر الإعلان الدستوري إطارًا قانونيًا واضحًا ومؤقتًا يحدِّد قواعد إدارة شؤون الدولة وصلاحيات المؤسسات الانتقالية، ما يساعد في تقليل مخاطر الفوضى السياسية وتفادي حدوث فراغ دستوري محتمل.
يتطلب إعداد هذا الإعلان الدستوري مشاركة واسعة وفاعلة من مختلف الأطراف الوطنية. وتبدأ العملية بتشكيل اللجنة التحضيرية ولجنة الصياغة، والتي يُفضَّل أن تضم قانونيين متخصصين في القانون الدستوري، وممثلين عن القوى السياسية الفاعلة، إضافةً إلى ممثلين عن المجتمع المدني السوري لضمان شمولية تمثيل مختلف أطياف المجتمع.
تعمل هذه اللجنة على تحديد القضايا الرئيسة التي يتوجب تضمينها في الإعلان الدستوري، وتُصيغ المسوّدة الأولية بما يعكس التوافق الوطني العام.
تقوم هيئة الحكم الانتقالية بدور محوري في الإشراف على هذه العملية، إذ تعمل على مراجعة مسوّدات الإعلان وتتبنّاها رسميًا بعد ضمان توافق وطني واسع حول بنودها. ويجب على الهيئة ضمان الشفافية الكاملة في جميع مراحل إعداد الإعلان الدستوري، وصولًا إلى مرحلة المصادقة النهائية عليه.
إلى جانب الأطراف السياسية والمؤسسية، تُعد مشاركة منظمات المجتمع المدني بالغة الأهمية. إذ تقوم هذه المنظمات بتقديم المقترحات التي تعكس تطلعات المواطنين، وتحرص على حماية الحقوق الأساسية وضمان تطبيق معايير العدالة الانتقالية.
كما تشرف منظمات المجتمع المدني على عقد جلسات تشاورية عامة لمناقشة بنود الإعلان وإتاحة الفرصة لأوسع مشاركة مجتمعية ممكنة.
أما على المستوى الدولي، فيقتصر دوره على تقديم الدعم الفني والاستشاري فقط، مع التأكيد على عدم تدخله في القرار السيادي السوري.
يمكن أن تقدم المنظمات الدولية مساعدات تقنية وقانونية تضمن توافق بنود الإعلان الدستوري مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بالإضافة إلى توفير خبرات قانونية للمساعدة في عملية الصياغة والمشاورات، دون أي شكل من أشكال التدخل أو فرض أجندات خارجية.
ويجب أن يتضمن الإعلان الدستوري عددًا من المكونات الأساسية، من أبرزها: المبادئ العامة للحكم التي تشمل السيادة الشعبية، وسيادة القانون، والتعددية السياسية، والوحدة الوطنية، والمصالحة الوطنية.
كما يتضمن هيكلًا واضحًا للحكم الانتقالي يحدِّد صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، إضافةً إلى التأكيد على آليات واضحة ومستقلة للعدالة الانتقالية تهدف إلى تحقيق المحاسبة والمصالحة.
من الضروري أيضًا أن ينص الإعلان على إصلاح المؤسسات الأمنية وإخضاعها للرقابة المدنية بهدف تعزيز الاستقرار، ووضع جدول زمني محدد وآليات واضحة لتنظيم وإجراء الانتخابات العامة، بما يضمن انتقالًا سلسًا نحو نظام حكم ديمقراطي ومستقر.
3 – تشكيل الحكومة الانتقالية
تُعدّ عملية تشكيل الحكومة الانتقالية إحدى الخطوات الأكثر أهمية ودقة خلال المرحلة الانتقالية في سوريا، إذ تعكس هذه العملية مدى جدية هيئة الحكم في تحقيق التعددية السياسية وترسيخ الاستقرار.
يقع على عاتق رئيس المرحلة الانتقالية، السيد أحمد الشرع، بالتشاور الوثيق مع هيئة الحكم الانتقالي، مسؤولية اختيار أعضاء هذه الحكومة، حيث يقوم الرئيس باقتراح قائمة مرشحين لتولي المناصب الوزارية، وتُعرض هذه القائمة على هيئة الحكم لمراجعتها والموافقة عليها أو طلب تعديلها إذا اقتضت الضرورة، بما يضمن توافقًا وطنيًا واسع النطاق.
ولضمان نجاح الحكومة الانتقالية في القيام بدورها المحوري في إدارة شؤون البلاد خلال هذه المرحلة الحساسة، لا بدّ من الالتزام بمعايير واضحة وموضوعية عند اختيار الوزراء.
تتمثل هذه المعايير في المقام الأول في الكفاءة المهنية والعملية، إذ يتعين اختيار شخصيات تمتلك الخبرة اللازمة لإدارة ملفات وزارية دقيقة مثل الأمن، والقضاء، والاقتصاد، والتعليم، والصحة. كما يُشترط في أعضاء الحكومة الانتقالية التمتع بالنزاهة وعدم التورّط في أي من ملفات الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.
وإلى جانب ذلك، يجب أن تعكس الحكومة توازنًا تمثيليًا حقيقيًا لجميع مكونات المجتمع السوري من الناحية الجغرافية، والسياسية، والمجتمعية، مع الحرص على تجنب عسكرة الحكومة من خلال عدم تعيين قادة عسكريين أو شخصيات مثيرة للجدل في مناصب وزارية مدنية حساسة.
أما فيما يتعلق بأولويات عمل الحكومة الانتقالية، فتأتي مسألة تحقيق الأمن والاستقرار في صدارة هذه الأولويات، وهو ما يتطلب العمل بشكل عاجل على إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإخضاعها لرقابة مدنية صارمة، ومنع استخدام هذه المؤسسات لأغراض سياسية أو حزبية.
كما يقع على عاتق الحكومة ضمان تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، والتي تشمل الوصول إلى الغذاء، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل البنية التحتية في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والنقل.
كذلك يجب أن تركز الحكومة الانتقالية على إدارة الملف الاقتصادي والتصدي للأزمة الإنسانية والاجتماعية الناتجة عن سنوات النزاع الطويلة.
ويتطلب ذلك تنفيذ سياسات اقتصادية عاجلة وقصيرة الأجل لتجنب الانهيار الاقتصادي، مع العمل على جذب الدعم الدولي والاستثمارات الخارجية اللازمة لتحقيق التعافي الاقتصادي.
كما يجب أن تشمل هذه السياسات برامج دعم إنسانية وإغاثية عاجلة تستهدف المجتمعات الأكثر تضررًا من النزاع، مع وضع آليات واضحة للمساءلة والشفافية لضمان إدارة الموارد بشكل فعّال وعادل خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.
4 – صياغة الدستور الدائم
تُشكّل مرحلة صياغة الدستور الدائم إحدى الخطوات الحاسمة في العملية الانتقالية في سوريا، إذ تنهي الوضع القانوني المؤقت الذي ينظمه الإعلان الدستوري، وتؤسس لإطار دائم ومستقر للحكم يرسخ قواعد الديمقراطية والتعددية السياسية.
فالدستور الدائم لا يقتصر على كونه مجرد وثيقة قانونية، بل هو ركيزة الشرعية السياسية للدولة، ويحدد المبادئ العليا والقيم الأساسية التي يرتكز عليها نظام الحكم الجديد، كما يرسم معالم الحقوق والحريات الأساسية، وآليات ضمان سيادة القانون وحماية حقوق المواطنين.
تبدأ عملية صياغة الدستور الدائم من خلال تشكيل لجنة تأسيسية تتمتع بشرعية واسعة، وتكون مسؤولة بشكل رئيس عن إعداد مسوّدة الدستور.
ويمكن أن يتم اختيار أعضاء اللجنة عبر واحدة من ثلاث آليات: إما بانتخاب مباشر من الشعب (خيار مثالي، لكنه قد يكون صعب التطبيق في الظروف الانتقالية)، أو تعيين مباشر من قبل هيئة الحكم الانتقالية بالتشاور مع القوى السياسية والمجتمع المدني، أو مزيج من الآليتين لتحقيق التوازن بين الشرعية الشعبية والكفاءة العملية.
ويتوجب أن تعكس تركيبة اللجنة التأسيسية التنوع السوري بشكل واضح، بما يشمل تمثيل خبراء في القانون الدستوري، وممثلي الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والنساء، والشباب، إلى جانب ممثلين عن المناطق المتضررة من النزاع، لضمان شمولية وتمثيل عادل لجميع الفئات الاجتماعية والسياسية.
تتولى اللجنة التأسيسية مهمة صياغة مسوّدة الدستور عبر عملية تشاركية واسعة تستند إلى المشاورات الوطنية المفتوحة، ما يعزز شرعية الدستور ويضمن تعبيره الحقيقي عن تطلعات الشعب السوري.
وتتمثل هذه المشاورات في تنظيم جلسات حوارية موسعة في مختلف المناطق، وإجراء استبانات واستطلاعات رأي لتمكين المواطنين من التعبير عن آرائهم ومقترحاتهم حول القضايا الأساسية التي يجب أن يتناولها الدستور.
أما من حيث المحتويات التي ينبغي تضمينها في الدستور، فمن الضروري تحديد شكل نظام الحكم (رئاسي أو برلماني أو مختلط)، مع تحديد واضح لعلاقة السلطات بعضها ببعض، وآليات الفصل والتوازن بينها لمنع تركّز السلطة ومنع الاستبداد.
كما ينبغي للدستور أن يضمن الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين بشكل واضح ودقيق، بما في ذلك حرية التعبير، والدين، والتجمع، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات، وضمان المساواة أمام القانون لجميع السوريين.
ومن المهم أيضًا أن يكرّس الدستور الجديد مبدأ اللامركزية الإدارية، بما يتيح صلاحيات أوسع للمحافظات والإدارات المحلية في إطار وحدة الدولة السورية.
بعد الانتهاء من صياغة المسوّدة الدستورية، تتم مراجعتها بشكل علني من قبل المجلس التشريعي الانتقالي، مع فتح المجال لنقاش وطني موسع حول محتواها.
وعقب هذه المرحلة، تأتي مرحلة المصادقة النهائية، والتي يُفضّل أن تتم عبر الاستفتاء الشعبي لضمان أعلى مستوى من الشرعية الشعبية للدستور.
وفي حال كانت الظروف الأمنية أو اللوجيستية لا تسمح بإجراء استفتاء عام، يمكن اعتماد المسودة من قبل المجلس التشريعي الانتقالي، كخيار بديل ومؤقت، لضمان عدم تعطيل العملية السياسية والانتقال الديمقراطي.
5 – الانتخابات البرلمانية والرئاسية
تُشكّل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المرحلة الأخيرة في خارطة الطريق للانتقال السياسي في سوريا، إذ تمثل هذه الانتخابات آلية جوهرية لانتقال السلطة بشكل ديمقراطي من الحكومة الانتقالية إلى حكومة شرعية منتخبة تُعبّر عن إرادة السوريين بشكل حر ونزيه. ولضمان نجاح هذه المرحلة الحساسة من عملية الانتقال السياسي، يتوجب توفير مجموعة من الشروط والمعايير الأساسية.
يأتي في مقدمة هذه الشروط تحقيق مستوى ملائم من الأمن والاستقرار في عموم البلاد، وذلك لضمان عدم تعرّض الناخبين والمرشحين لأي شكل من أشكال العنف أو التهديد أو الإكراه، مع تأمين مراكز الاقتراع في جميع المناطق السورية، بما فيها المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة، وكذلك توفير ظروف آمنة لعودة اللاجئين والنازحين وتمكينهم من ممارسة حقهم في التصويت.
كما يستلزم نجاح الانتخابات وجود إطار قانوني ومؤسسي واضح، يتضمن اعتماد قانون انتخابي عادل ومنصف وفق المعايير الدولية، يحدّد آليات الترشح والتصويت وضوابط التمويل الانتخابي لضمان نزاهة المنافسة.
ويرافق ذلك إنشاء لجنة انتخابية مستقلة تتمتع بصلاحيات كاملة، تُكلّف بتنظيم الانتخابات والإشراف عليها بشكل محايد، وتتألف من قضاة وخبراء قانونيين وممثلين عن المجتمع المدني، إلى جانب لجان مختصة في التعامل مع الطعون الانتخابية والشكاوى التي قد تظهر خلال أو بعد العملية الانتخابية.
من جهة أخرى، يُعدّ ضمان المشاركة الشاملة والواسعة شرطًا محوريًا لنجاح الانتخابات. ويشمل ذلك توفير الظروف الملائمة لمشاركة جميع السوريين داخل وخارج البلاد، مع إيلاء اهتمام خاص بضمان مشاركة النازحين واللاجئين عبر إقامة مراكز انتخابية خاصة في بلدان اللجوء.
كما يتطلب ضمان المشاركة تمثيلًا عادلًا ومنصفًا للأقليات والفئات المهمشة، بمن في ذلك النساء والشباب، من خلال سياسات تشجّع وتسهّل مشاركتهم، ما يُسهم في تعزيز الشرعية السياسية والتمثيل الديمقراطي الحقيقي.
وعلى المستوى التنظيمي، ينبغي تشكيل لجنة انتخابية مستقلة تعمل على تسجيل الناخبين وفق آليات دقيقة تضمن شمولية القوائم الانتخابية، وتدير العملية الانتخابية كاملة بدءًا من مرحلة الترشيح، مرورًا بالحملات الانتخابية، وانتهاءً بعمليات الفرز وإعلان النتائج.
ويجب أن تتمتع هذه اللجنة باستقلالية كاملة في اتخاذ قراراتها لمنع أي تدخل أو تأثير سياسي أو حزبي، مع إتاحة الفرصة للمرشحين لاستخدام وسائل الإعلام الرسمية والخاصة بشكل عادل ومتساوٍ، وإجراء مناظرات علنية تتيح للجمهور الاطلاع على برامج المرشحين بوضوح وشفافية.
وفيما يتعلق بالرقابة الدولية، فإن دورها يجب أن يكون استشاريًا ورقابيًا دون أن يمسّ السيادة الوطنية السورية. ومن المهم أن تقتصر مهمة الجهات الدولية، مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، على إرسال مراقبين دوليين لمتابعة ومراقبة الانتخابات، وتقديم الدعم الفني والتقني في مجالات التدريب وتأمين التصويت، دون التدخل في اختيار المرشحين أو فرض أجندات سياسية معينة.
يساهم هذا الدور المحدود في تعزيز مصداقية الانتخابات وضمان نزاهتها دون الإخلال باستقلالية القرار السوري.
وبذلك، فإنّ الالتزام بهذه الشروط والإجراءات كفيل بضمان انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة، تقود إلى نظام سياسي تعددي ديمقراطي ومستقر، يُعبّر عن إرادة الشعب السوري، ويُشكّل أساسًا متينًا لبناء مستقبل الدولة السورية الجديدة.
خاتمة
إنّ تنفيذ الخطوات الواردة في هذه الرؤية يمثّل ضرورة ملحّة لضمان نجاح عملية الانتقال السياسي في سوريا، وتحقيق انتقال مستدام نحو الديمقراطية والتعددية السياسية.
فالتزام هيئة الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة بمعايير التشاركية، والشفافية، والكفاءة، واستقلال القضاء، وإصدار إعلان دستوري واضح، وصياغة دستور دائم يعكس تطلعات جميع السوريين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، هي شروط جوهرية لتحقيق الاستقرار السياسي، ومنع عودة الاستبداد أو الانزلاق إلى صراعات جديدة.
وفي هذا السياق، يظل التعاون البنّاء بين الفاعلين المحليين والدوليين عاملًا حاسمًا في إنجاح العملية الانتقالية. إذ إنّ التوافق الوطني، والدعم التقني والاستشاري من المجتمع الدولي مع الحفاظ الكامل على السيادة الوطنية، وتمكين المجتمع المدني السوري وتعزيز دوره الرقابي والتوعوي، كل ذلك يخلق بيئة سياسية واجتماعية ملائمة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس من التعددية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
إنّ مسؤولية نجاح الانتقال السياسي في سوريا تقع على عاتق الجميع، محليًا ودوليًا، من أجل مستقبل مستدام يضمن حقوق كافة السوريين دون تمييز أو إقصاء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حاصل على الماجستير في القانون الدولي، ومتوّج بالجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان عام
الجزيرة
———————
للحياة والنجاة.. أي عقد اجتماعي يناسب سوريا اليوم؟/ عبد الله مكسور
27 مارس 2025
يبدو أن هناك اتفاقًا بين الغالبية السورية على عدم قبول فرض عقد اجتماعي من الخارج كما حدث في العراق، ويظهر حتى الآن رفض الحلول المؤقتة على طريقة البوسنة والهرسك.
“يولد الإنسان حرًا، لكنه في كل مكان مكبل بالأغلال”. قد تكون أغلالاً اقتصادية، سياسية، اجتماعية، أو غيرها. يبدأ تحطيم القيود عندما يعترف بوجود الآخر، أو يبدي الرغبة باكتشافه.
تحضرني هنا الأديبة الفرنسية “مدام دو ستال” التي قامت في النصف الأول من القرن التاسع عشر بزيارة طويلة إلى ألمانيا، في وقت تصاعد العداء وسوء الفهم بين الشعبين الفرنسي والألماني، وفي أثناء مهمتها تلك فوجئت بمدى سوء الفهم والجهل الذي يحمله الفرنسيون لألمانيا على الرغم من الجوار الجغرافي، فقد تحقق لها أن الفرنسيين يرسمون صورة لشعب فظ غير متحضر، يتكلم لغة غير جميلة، ليست له إنجازات أدبية أو ثقافية تستحق الذكر. إنها باختصار صورة يرسمها شعب لشعب آخر يعدّه عدوًا له.
يجوز قياس هذا وسحبه على جهل مكونات سوريا بانتماءاتها الضيِّقة ببعضها البعض، ففي الحالة السورية، يمكن القول إن السوريين مجتمع طُبِعَ بالاستبداد عبر تاريخه – حتى في تلك السنوات التي يتغنى بها البعض بالتعددية السياسية مطلع الخمسينات. لقد ظلوا عقودًا مكبلين بعقد اجتماعي مفروض، واليوم أمامهم فرصة تاريخية لصياغة عقد جديد بأنفسهم، عقد يقوم على العدالة، الحرية والمساواة، ويعيد بناء الجسور بين أبناء الأرض الواحدة، بحيث لا يكون العامل الأساسي في تشكيل الذات صورة مشوَّهة للآخر قائمة على التاريخ العدائي المدفون بينهما. هذا ليس خيارًا نظريًا، بل مسألة بقاء، فإما أن يكون العقد الاجتماعي القادم مدخلًا للاستقرار، أو أن يبقى السوريون عالقين في دوامة الفوضى إلى أجل غير معلوم.
مفهوم العقد الاجتماعي
لطالما كان العقد الاجتماعي في أي مجتمع انعكاسًا دقيقًا لحالة التوازن بين الدولة والمجتمع، بين الحقوق والواجبات، وبين الحاكم والمحكوم. في سوريا اليوم، وبعد سنوات من الانهيارات البنيوية التي أصابت الدولة والمجتمع على حد سواء، أصبح السؤال عن العقد الاجتماعي الجديد ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة مصيرية تفرض نفسها على السوريين بضميرهم الجمعي معًا الذي تشكّل من غالبية يمكن تسميتها بضحايا المقتلة.
في السنوات التي تلت الثورة، ومع الانقسامات السياسية والعسكرية والمناطقية التي عصفت بالمجتمع، بات السوريون يعيشون في ظل ما يمكن تسميته بالعقود الاجتماعية المتوازية التي تفرضها القوى المسيطرة محليًا، سواء في مناطق النظام أو المعارضة أو قوات الأمر الواقع الأخرى
ارتبط مفهوم العقد الاجتماعي بفكرة الدولة الحديثة، فالمراجع الفلسفية تؤطر هذه الصورة بثلاثة مسارات أولها: غياب الدولة يعني الفوضى المطلقة، حيث يكون الإنسان ذئبًا لأخيه الإنسان، وفي هذا الميدان يجب أن يتنازل الأفراد عن بعض حرياتهم لصالح سلطة مركزية تحفظ الأمن. أما المسار الثاني فقد شدد على ضرورة أن تكون الدولة خادمة للشعب، لا العكس، وأن العقد الاجتماعي يقوم على حماية الحريات والملكية الفردية ويصونهما معًا، بينما قدَّم المسار الثالث مفهوم الإرادة العامة باعتبارها جوهر العقد الاجتماعي، حيث لا يحق لأي فرد أو مجموعة احتكار السلطة.
في السياق العربي يمكن تلمُّس تصورات أخرى عن “المدينة الفاضلة” بحيث يكون الحاكم العادل “المستبد أحيانًا” هو المسؤول عن تحقيق الخير العام لمواطنيه، والحكم في هذا المنطق يرتكز على الحكمة والبطش لا على القوة واستعراض العضلات، فيما يشير تصور آخر إلى العصبية كأساس للحكم، والإشارة هنا إلى اللون الواحد أو الجماعة الواحدة التي تتماسك من منطق الولاء للفكرة في سبيل تقوية السلطة وديمومتها، والديمومة يمكن أن تسقط إذا لم تجدد السلطة شرعيتها باستمرار.
سوريا.. من البعث إلى التفكك
بعيداً عن السنوات التي يعتبرها البعض أعوامًا كان بها بحبوحة للسياسة في سوريا، وسأقتصر هنا في الحديث منذ استلام حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة عام 1963، فقد أُقيم عقد اجتماعي مشوَّه في البلاد، كان يقوم على علاقة باتجاهين بين الدولة والمجتمع، حيث توفر الدولة الأمن والخدمات الأولية الأساسية مقابل الولاء المطلق. إلا أن هذا العقد انهار تدريجيًا مع تصاعد الفساد والقمع، وبلغ ذروته مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حين بات واضحًا أن العلاقة بين السلطة والمجتمع لم تعد قائمة على أي أسس مشروعة. الأسس التي روَّجتها السلطة لعقود كان لها مرجعياتها الاقتصادية والأمنية وفي بعض الأحيان الدينية، من طراز “سوريا الله حاميها”.
في السنوات التي تلت الثورة، ومع الانقسامات السياسية والعسكرية والمناطقية التي عصفت بالمجتمع، بات السوريون يعيشون في ظل ما يمكن تسميته بالعقود الاجتماعية المتوازية التي تفرضها القوى المسيطرة محليًا، سواء في مناطق النظام أو المعارضة أو قوات الأمر الواقع الأخرى. ومع سقوط النظام في ديسمبر/ كانون الأول 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية جديدة تفرض إعادة النظر جذريًا في طبيعة العقد الاجتماعي المناسب والمطلوب.
من هنا، يُطرح السؤال التالي اليوم: أي عقد اجتماعي يناسب سوريا؟، والإجابة تفرض الإطلالة على دول عديدة مرَّت بمراحل انتقالية قاسية وصعبة، وسعت إلى بناء عقد اجتماعي جديد يناسب التشظي الذي عاشته مجتمعاتها في طريق تحقيق الاستقرار والعدالة، والأهم أنها مشابهة بشكل أو بآخر للواقع السوري اليوم، من هذه النماذج:
جنوب إفريقيا بعد سقوط نظام الأبارتهايد: عندما سقط نظام الفصل العنصري في الثاني من فبراير/ شباط 1990 في جنوب إفريقيا، كان التحدي الأكبر هو تحقيق المصالحة الوطنية من دون التضحية بفكرة العدالة الانتقالية وجبر الضرر عبر لجنة الحقيقة والمصالحة. وهكذا، تم الاعتراف بالانتهاكات بشكل واضح وتعويض الضحايا، وإرساء عقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة المتساوية، وقد نضج هذا العقد بعد إجراء أول انتخابات في عام 1994.
البوسنة والهرسك بعد الحرب الأهلية: اتفاقية دايتون التي حملت اسم المدينة الأميركية التي شهدت توقيعها في 14 ديسمبر عام 1995، أنهت صراعًا دمويًا استمر بين عامي 1992 و1995، لكنها كرست تقاسمًا معلنًا للسلطة بين المكونات الرئيسية للمجتمع “البوشناق، الكروات، الصرب”. وأوقفت اتفاقية إنهاء الحرب إطلاق النار بين الجبهات المشتعلة، إلا أنها لم تنتج عقدًا اجتماعيًا متينًا، بل أدت إلى استقطاب سياسي مستمر ظهر على شكل تقسيم الجغرافيا.
سيراليون بعد الحرب الأهلية: في 18 يناير/ كانون الثاني 2002، أعلنت سيراليون انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت أحد عشر عامًا، بعد توقيع اتفاقية لومي للسلام بين الحكومة والجبهة الثورية المتحدة في 7 يوليو/ تموز عام 1999، لتبدأ مرحلة نزع سلاح المقاتلين وإدماجهم في المجتمع، بالتوازي مع إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم، فقد انطلق العقد الاجتماعي هناك من زاوية إعادة الثقة بين المكونات المختلفة من خلال العدالة الانتقالية والتنمية الاقتصادية.
العراق بعد عام 2003: عاش العراق مرحلة طويلة من تاريخه الحديث تحت سلطة الحزب الواحد، وأدى سقوط نظام البعث العربي الاشتراكي الذي كان يقوده صدام حسين إلى تفكك العقد الاجتماعي القديم القائم على الولاء للسلطة، ونشأت مكانه خريطة جديدة تنتمي إلى المحاصصة الطائفية والفساد المعلن، وهذا النموذج غذَّته دول كثيرة واستثمرت فيه.
أي عقد اجتماعي يناسب سوريا؟
في الحالة السورية – حتى اللحظة- يبدو أن هناك اتفاقًا بين الغالبية السورية على عدم قبول فرض عقد اجتماعي من الخارج كما حدث في العراق، ويظهر حتى الآن رفض الحلول المؤقتة على طريقة البوسنة والهرسك، لكن الطريق ما يزال طويلاً أو على الأقل غير معبَّد بالورود للوصول إلى نموذج جنوب إفريقيا.
التحديات والرهانات كثيرة، رغم أهمية مبادئ الحرية والاستقلالية والعدالة الانتقالية إلا أنَّ تطبيقها في بلاد مثخنة بالجراح مثل سوريا، تواجه تحديات عديدة منها الأفقي المتمثِّل باستمرار النزاعات الإقليمية والدولية حول جغرافيتها، ومنها العمودي المرتكز إلى الانقسامات الداخلية العميقة التي يغذيها غياب الثقة بين الأطراف المختلفة
وفي تلمُّس ملامح العقد الاجتماعي السوري الجديد، تظهر النوايا الحسنة، والنوايا لا تبني الدول، أو كما يقول الإنكليز “الكلام المعسول لا يطهو الجزر الأبيض”، فالمواطنة المتساوية يجب أن تكون الأساس الذي يقوم عليه العقد الجديد، بحيث يكون جميع السوريين بكل انتماءاتهم الضيِّقة متساوين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الطائفة أو العرق أو الجهة التي دعموها خلال الصراع، ويستثنى من هذه الأخيرة من تلوَّث أو شارك بشكل مباشر في المقتلة أو كان جزءًا منها. فالعدالة الانتقالية ضرورة ملحَّة لبناء عقد اجتماعي متين يضمن محاسبة عادلة للمتورطين مع إبقاء الباب مواربًا لفكرة المصالحة الوطنية.
لتحقيق ما سبق لا بد من الاتجاه إلى فصل السلطات واستقلال القضاء، لضمان عدم تكرار تجربة الاستبداد التي مرَّت بها سوريا خلال العقود الماضية، هذا ضمنه الإعلان الدستوري – على الأقل نظريًا حتى الآن- بما يتعلق بالسلطة القضائية، إلى جانب نظام إداري يقوم على اللامركزية لضمان التوزيع العادل للسلطة والموارد، وبالحديث عن الموارد فإن تحقيق التنمية الاقتصادية هي التي تُعطي أي عقد اجتماعي القدرة على الصمود أمام الأزمات.
التحديات والرهانات كثيرة، رغم أهمية مبادئ الحرية والاستقلالية والعدالة الانتقالية إلا أنَّ تطبيقها في بلاد مثخنة بالجراح مثل سوريا، تواجه تحديات عديدة منها الأفقي المتمثِّل باستمرار النزاعات الإقليمية والدولية حول جغرافيتها، ومنها العمودي المرتكز إلى الانقسامات الداخلية العميقة التي يغذيها غياب الثقة بين الأطراف المختلفة. ولعلّ العبور من هذا النفق المليء بالألغام يتطلب من السوريين التزامًا جماعيًا بالتعالي عن دور الضحية وإرادة سياسية حقيقية لترميم النسيج الوطني، والابتعاد بشكل واضح عن المحاصصة باعتبارها أساسًا لأي تشكيل في بناء الدولة الجديدة.
التلفزيون العربي
———————————-
حكومة جديدة “عيدية” الشرع للسوريين/ مصطفى رستم
تشكيلة طال انتظارها بعد حكم اللون الواحد مدة ثلاثة أشهر عقب سقوط نظام الأسد
الجمعة 28 مارس 2025
بحسب المعلومات الواردة من مصادر مطلعة تحدثت إلى “اندبندنت عربية” عن ترجيح بقاء وزير الخارجية أسعد الشيباني في منصبه إلى جانب وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، وتولي رئيس الوزراء الحالي، محمد البشير مقعداً حكومياً، إذ ستعمل الحكومة السورية الجديدة برئاسة مباشرة من قبل رئيس الجمهورية أحمد الشرع.
يترقب السوريون تشكيل حكومة جديدة تضم مختلف أطياف ومكونات المجتمع السياسي والاجتماعي، وتشير التوقعات إلى اقتراب ولادتها، ومن المرجح إعلانها غداً السبت، كموعد أولي لإعلان التشكيلة التي طال انتظارها بعد حكم اللون الواحد مدة ثلاثة أشهر ماضية عقب سقوط نظام الأسد.
وبحسب المعلومات الواردة من مصادر مطلعة تحدثت إلى “اندبندنت عربية” ترجح بقاء وزير الخارجية أسعد الشيباني في منصبه، إلى جانب وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، وتولي رئيس الوزراء الحالي محمد البشير مقعداً حكومياً، إذ ستعمل الحكومة السورية الجديدة برئاسة مباشرة من قبل رئيس الجمهورية أحمد الشرع.
ومن الواضح أن السلطة الحاكمة الجديدة أبقت استحواذها على المقاعد الوزارية السيادية، إذ يرجح بقاء وزارة الداخلية أيضاً وهي من الحقائب السيادية بيد السلطة الجديدة، وستكون من نصيب شخصيات مقربة من الرئاسة السورية، وكشفت المصادر عن احتمال تولي شخصيات مثل نضال الشعار وزارة الاقتصاد وعبدالسلام هيكل الاتصالات، في وقت عين أخيراً حاكم جديد لمصرف سوريا المركزي، عبدالقادر حصرية، وتشير التوقعات إلى تعيين مفتٍ للجمهورية في الأيام المقبلة.
إزاء ذلك تحمل الحكومة القادمة وجهاً “تكنوقراطياً”، وتأتي عقب مطالبات دولية منها الولايات المتحدة والدول الأوروبية للسلطة الجديدة في سوريا بمجموعة إجراءات وشروط لرفع العقوبات الجزئية، ويرى مراقبون أن الضغوط المحلية والدولية لا بد من أن تحقق نتائجها، بعدما تفرد اللون الواحد بنظام الحكم، والاهتمام بالدفع نحو تأليف حكومة شاملة الشرائح السياسية والاجتماعية بالمجتمع.
حكومة الإنقاذ
وكانت حكومة الإنقاذ التي حكمت أعواماً في مدينة إدلب شمال البلاد قد وصلت إلى دمشق بعد يوم من سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 وتسلم الوزراء مناصبهم، وسط تغييب تام لتشكيل سياسي وتنوع عرقي أو طائفي في الحكومة وغياب لتمثيل المرأة أو المجتمع المدني والأحزاب، مما أدى إلى انتقادات طاولت العهد الجديد، واتهمته بالاستئثار بالحكم.
في المقابل بث الرئيس السوري رسائل طمأنت الشعب السوري عن نية إشراك كل أبناء الوطن في الحكم، وجاء في خطاب له “نعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة تمثل جميع السوريين”.
في هذه الأثناء يفسر متابعون تأخر تشكيل الحكومة حتى انتهاء المؤتمر الوطني، وإتمام الإعلان الدستوري الذي صدر أخيراً، وانتقاء أسماء تعتمد على الكفاءة من ذوي الاختصاصات المهنية ومن دون إقصاء أصحاب الكفاءات والخبرات بناءً على الانتماء العرقي أو الديني أو السياسي، مع ضمانات أعطيت للوزراء الجدد بممارسة صلاحيات واسعة.
ومن المرجح أن تضم الوزارة الجديدة 22 وزيراً، وإحداث منصب أمين عام لمجلس الوزراء، وتتوارد الأنباء عن دمج وزارات وإلغاء أخرى منها هيئة الاستثمار، وإحداث وزارة تحت مسمى الكوارث.
وأضاف مصدر مطلع “عن وجود نية بتشكيل مجلس إعلامي بدلاً من وزارة الإعلام، لكن يبدو أن الأمر غير وارد في هذه المرحلة”، ومن أبرز الأسماء المرشحة لتولي منصب وزير الشؤون الاجتماعية وجه نسائي هي هند قبوات، بعدما خلت الوزارة الحالية من تمثيل للمرأة، واستعيض بعد تشكيلها بتأسيس هيئة المرأة.
في غضون ذلك يترقب السوريون تشكيل الحكومة الجديدة، ويبنون آمالاً على أن تكون موسعة وتبسط الأمان، وتجري تغييرات اقتصادية ومعيشية جذرية، مع محاسبة الفاسدين وتقديم العدالة الانتقالية بعد كل الأحداث الانتقامية التي شهدها الساحل السوري، وترى المعلومات الواردة أن الحكومة ستقدم لها صلاحيات واسعة على عكس ما كانت عليه في ظل حقبة حكم الأسد على مدى نصف قرن مضى.
من جهته يقول الأمين العام للحركة الوطنية السورية حازم ملاحفجي في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إن المواطن السوري ينتظر من الحكومة الجديدة معالجة قضايا أساس تمس حياته اليومية والمستقبلية، وأبرزها تحسين الوضع الاقتصادي وكبح التضخم واستقرار سعر الصرف ورفع القدرة الشرائية وتوفير فرص عمل “ومنها كذلك تحسين الخدمات الأساس، وتوفير الكهرباء والمياه والوقود بصورة منتظمة وتحسين قطاعي الصحة والتعليم”.
ولفت إلى أولويات رئيسة أمام الحكومة المرتقبة وهي إعادة الإعمار، وتابع ملاحفجي “لا بد من إصلاح البنية التحتية المتضررة، وتأمين مساكن للنازحين ومكافحة الفساد الذي استشرى في البلد وفرض الشفافية والمحاسبة على جميع المستويات الحكومية وتحقيق الاستقرار الأمني بضمان الأمان للمواطنين، ومنع أية تهديدات داخلية أو خارجية، علاوة على تعزيز الحريات والإصلاحات السياسية: إعطاء مساحة أكبر للحوار السياسي وتمكين دور المجتمع المدني وتحسين العلاقات الخارجية بكسر العزلة الدولية والسعي نحو رفع العقوبات الاقتصادية”.
————————–
هل تتمكن دمشق من الوفاء بشروط الاعتراف الأميركي؟/ إبراهيم العلبي
29/3/2025
في ظل الموقف الأميركي الغامض من الإدارة السورية الجديدة، نشرت وكالة رويترز قائمة بشروط قدمتها مسؤولة أميركية لوزير الخارجية أسعد الشيباني، لتخفيف العقوبات عن سوريا، وهو ما يشكل بداية تبلور لسياسة واشنطن تجاه حكام دمشق الجديد.
كما أن اللقاء يمثل أول اتصال دبلوماسي رفيع بين الجانبين منذ زيارة باربارا ليف نائب وزير الخارجية الأميركي الاستكشافية إلى دمشق في أعقاب سقوط نظام الأسد قبل نهاية العام الماضي.
وعلى الرغم من الرسائل الإيجابية والتطمينات التي بعثت بها الإدارة السورية الجديدة منذ سقوط النظام السوري، والتي لاقت تفاعلا وصدى إقليميا وأوروبيا، بقي الموقف الأميركي ضبابيا تجاه الوضع السوري الجديد.
يستعرض هذا التقرير الشروط الأميركية المعلنة والمسربة للصحافة للانفتاح على الإدارة السورية الجديدة، ودلالات هذه الشروط، ومدى استعداد دمشق لتلبيتها.
أول اتصال مباشر
قالت وكالة رويترز في تقرير لها في 25 مارس/آذار الجاري، نقلا عن مسؤولين أميركيين ومصادر سورية وأميركية متطابقة، إن ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وسوريا، قدّمت قائمة المطالب لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال لقاء مباشر على هامش مؤتمر المانحين من أجل سوريا في بروكسل، بتاريخ 18 مارس/آذار الجاري.
ولم يعلن سابقا عن هذا الاجتماع المباشر، الذي يُعد أول اتصال دبلوماسي مباشر رفيع المستوى بين دمشق وواشنطن منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه في 20 يناير/كانون الثاني.
ويأتي الكشف عن الاجتماع وقائمة الشروط بالتزامن مع اتصالات رفيعة أجرتها واشنطن مع أنقرة تكثفت مؤخرا، بدءا من اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وصولا إلى لقاء وزير خارجية البلدين، ماركو روبيو وهاكان فيدان في واشنطن، والذي كانت سوريا بين أبرز ملفاته.
وتدعو أنقرة واشنطن لدعم الإدارة السورية الجديدة ورفع العقوبات عن سوريا للسماح لها بالنهوض بعد حرب مدمرة، كما تعهدت أنقرة بقيادة جهود استمرار الحرب على الإرهاب وتنظيم الدولة في حال قرر البيت الأبيض سحب القوات الأميركية من سوريا.
وبحسب التقرير، فقد تعهدت الولايات المتحدة في حال تلبية دمشق لجميع الشروط بتخفيف المزيد من العقوبات وإصدار إعفاء جديد وتمديد الإعفاء القائم بالفعل والذي صدر في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
الإرهاب والأجانب
قالت المصادر لوكالة رويترز إن من بين الشروط التي قدمتها الولايات المتحدة لسوريا هي التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وضمان عدم وجود أجانب في مناصب عليا في هياكل الحكم في البلاد.
وقامت الإدارة الجديدة في سوريا بالفعل بتعيين بعض المقاتلين الأجانب السابقين كمسؤولين في وزارة الدفاع، وهي خطوة أثارت في حينها قلق عدد من الحكومات الأجنبية لكنها لم تعطل مسار الانفتاح الإقليمي والأوروبي تجاه دمشق.
لكن إدراج واشنطن شرطا متعلقا بإبعاد هؤلاء المقاتلين الأجانب عن هياكل الحكم في سوريا تعيد تسليط الضوء على أهمية هذا الملف بالنسبة للولايات المتحدة، والقلق الغربي من تأثير التيارات الجهادية على السلطات السورية الجديدة.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع ذكر في تصريحات سابقة أن المقاتلين الأجانب في صفوف هيئة تحرير الشام شاركوا في معركة ردع العدوان التي أدت إلى إسقاط الأسد، ولكن تأثيرهم على الأوضاع محدود، ودافع في الوقت نفسه عن تعيين بعضهم في مناصب قيادة بوزارة الدفاع، مؤكدا أنهم مكثوا في البلاد سنوات طويلة طارحا إمكانية منحهم الجنسية السورية في نهاية المطاف.
ورغم أن الشرط الأميركي يبرز القلق الغربي من وجود هؤلاء على رأس صفوف القوات النظامية قيد التشكل في سوريا، إلا أنه بحسب تقرير رويترز لم يطالب بإبعادهم خارج البلاد.
وفيما يتعلق بالتعاون في محاربة تنظيم الدولة والإرهاب، فبحسب مراقبين، يبدو هذا البند أقرب إلى تأكيد الواقع منه إلى كونه شرطا، فمن ناحية، حارب الشرع على مدى سنوات تنظيم الدولة وخلاياه في إدلب، كما ضيق الخناق على تنظيم حراس الدين فرع القاعدة في سوريا، ومن ناحية أخرى، بدأ التعاون بين دمشق وواشنطن بالفعل في هذا الصدد.
فقد شاركت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية مع الإدارة السورية الجديدة، أفضت في مطلع العام الجاري إلى إحباط مخطط تنظيم الدولة لتفجير مقام السيدة زينب، وهو مزار ديني شيعي في ضواحي العاصمة دمشق، وفق ما كشف عنه مسؤولون أميركيون لصحيفة “واشنطن بوست”.
إلا أن تعاونا أوسع قد يعني تنسيقا كاملا وثابتا، وحتى انضمام سوريا رسميا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، وهو ما طالبت به بالفعل وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في زيارتها الأخيرة إلى دمشق في 20 مارس/آذار الجاري.
الأسلحة الكيميائية
وتضمنت الشروط الأميركية أيضا قيام سوريا بتدمير أي مخزون متبقٍ من الأسلحة الكيميائية لدى البلاد، بعدما كان النظام السابق قد سلم جزءا منها عام 2013 كجزء من صفقة لعدم توجيه ضربات عسكرية أميركية له إثر تخطيه الخط الأحمر الذي رسمه له الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، بعد استهداف قوات الأسد غوطة دمشق الشرقية بهجمات بغاز السارين.
ومثل سابقه، يبدو هذا الشرط قيد التطبيق بالفعل من قبل دمشق، فقد أعلن الشرع ومسؤولون سوريون مرارا عزمهم التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بهدف تدمير وتسليم أي مخزون من الأسلحة الكيميائية كان النظام السابق يحتفظ به ويخفيه عن أعين مراقبي المنظمة.
وشارك وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في الخامس من مارس/آذار الجاري في اجتماع المجلس التنفيذي للمنظمة في لاهاي في أول مشاركة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.
وجاءت هذه المشاركة بعد نحو شهر من زيارة أجراها المدير العام للمنظمة فرناندو أرياس إلى دمشق، قال إنها تشكل فرصة “لانطلاقة جديدة”، معتبرا أنه “بعد 11 عاما من العراقيل التي وضعتها السلطات السابقة، لدى السلطات السورية الانتقالية فرصة لطي الصفحة”.
وعقب الإطاحة بنظام الأسد، قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إنها طلبت من السلطات الجديدة تأمين مخزونها من هذه الأسلحة، مؤكدة أنها تواصلت مع دمشق “لتأكيد أهمية ضمان أمن المواد والمنشآت المرتبطة بالأسلحة الكيميائية” في البلاد.
وزعمت إسرائيل -التي شنت مئات الغارات الجوية على مواقع ومنشآت عسكرية عقب الإطاحة بالأسد- أن ضرباتها شملت “الأسلحة الكيميائية المتبقية”، لمنع وقوعها “في أيدي متشددين”.
ضابط اتصال
وأفاد تقرير رويترز بأن واشنطن طلبت من سوريا، بالإضافة إلى الشروط السابقة، تعيين جهة اتصال (ضابط ارتباط) لمساعدة الجهود الأميركية في العثور على أوستن تايس، الصحفي الأميركي الذي فُقد في سوريا قبل أكثر من عقد، ويعتقد بأنه كان معتقلا لدى النظام السابق، الذي كان يخفيه ليساوم عليه واشنطن.
إلا أن فتح السجون عقب سقوط النظام وخروج المعتقلين وليس من بينهم تايس شكل خيبة أمل لعائلته وللخارجية الأميركية التي ألحت في تصريحات سابقة منفصلة على أهمية هذا الملف في أي اتصال مع الجانب السوري.
وتضمن وفد باربارا ليف نائب وزير الخارجية، الذي زار دمشق، أعضاء معنيين بقضية تايس واختفائه في سوريا، كما زارت والدة الصحفي الأميركي دمشق والتقت الشرعَ الذي أكد استعداده للتعاون في الكشف عن مصيره.
المقابل الموعود
وفي المقابل، إذا تم تنفيذ جميع المطالب الأميركية من قبل دمشق، فإن واشنطن ستقدّم بعض التخفيف من العقوبات، حسب ما أفادت به مصادر رويترز.
وأوضحت المصادر أن واشنطن ستتخذ من جهتها مجموعة من الإجراءات، من بينها تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، وتمديد إعفاء قائم من 6 أشهر لمدة عامين للمعاملات مع المؤسسات الحكومة السورية، وربما إصدار إعفاء إضافي.
كما ستصدر الولايات المتحدة أيضا بيانا يدعم وحدة الأراضي السوريّة، بحسب تقرير رويترز.
ورغم أنه لم يعلق مسؤول أميركي على مضمون التقرير نفيا أو تأكيدا، إلا أن الوكالة نقلت عن متحدث باسم الخارجية الأميركية، في رده على طلب التعليق قوله: “لا نناقش علنا محادثاتنا الدبلوماسية الخاصة”، في تأكيد ضمني على إجراء محادثات غير معلنة بين الجانبين الأميركي والسوري.
ورغم أن الاجتماع في لاهاي بين المسؤولة الأميركية ووزير الخارجية السورية ومضمون المحادثات أحيطت بالسرية، إلا أن قائمة الشروط التي تسربت للصحافة لا تبدو سرية تماما، فقد أعلنت واشنطن في عدة مناسبات، في عهد كلا الإدارتين، على أهمية الكشف عن مصير الصحفي أوستن تايس، والتعاون مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بما تبقى من الأسلحة الكيميائية، والتعاون كذلك في محاربة الإرهاب وتنظيم الدولة.
وفي حال تأكدت قائمة الشروط الأميركية المعروضة على دمشق، فهذا قد يعني انتصار الرؤية التي تبلورت لدى وزارة الخارجية الأميركية بشأن طبيعة السياسة التي ستنتهجها الولايات المتحدة تجاه الوضع الجديد في سوريا، على رؤية البيت الأبيض الأكثر تشددا.
تباين بين الخارجية والبيت الأبيض
يفضل بعض مسؤولي البيت الأبيض موقفا أكثر تشددا في التعامل مع سوريا، مشيرين إلى الروابط السابقة لقيادة سوريا الجديدة بتنظيم القاعدة كسبب لتقليص الانخراط الأميركي، وفقا لدبلوماسيين ومصادر أميركية مطلعة على عملية صنع القرار تحدثوا لرويترز.
في المقابل، يسعى مسؤولو وزارة الخارجية إلى اتباع نهج أكثر تدرجا وتوازنا في التعامل مع سوريا، يشمل دراسة مجالات محتملة للتعاون، بحسب المصادر.
وقد أدى هذا الاختلاف إلى نقاش ساخن في وقت سابق من هذا الشهر بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، بشأن بيان أصدره وزير الخارجية ماركو روبيو يدين العنف في الساحل السوري، بعد كمين نصبه فلول النظام السابق ضد قوات الأمن الجديدة أدى إلى مقتل المئات منهم، وشن عملية عسكرية واسعة لملاحقة الفلول رافقها نفير عام وتحرك لمسلحين غير منضبطين أدى إلى مقتل المئات من العلويين.
وقد أدان روبيو “الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بمن فيهم الجهاديون الأجانب”، الذين ارتكبوا أعمال العنف، ودعا السلطات السورية المؤقتة إلى محاسبة الجناة.
واللافت أن البيت الأبيض سعى إلى إصدار بيان بصيغة أكثر تشددا، بينما دافعت وزارة الخارجية عن موقف أكثر توازنا، وفقا لمصادر مطلعة على النقاش.
العامل الإسرائيلي
يرى مراقبون أن الضغط الإسرائيلي على واشنطن الهادف على إبقاء الموقف الأميركي بعيدا عن الانفتاح على دمشق، والسعي للإبقاء على سوريا ضعيفة ومفككة، ربما يشكل أحد عوامل الغموض والتأخر في تشكل الموقف الأميركي من الوضع الجديد في سوريا.
ورغم أن التحركات الإسرائيلية العدوانية داخل الأراضي السورية، ابتداء من التوغل في المنطقة العازلة وما يليها، مرورا بالغارات التي باتت تستهدف قرى ومناطق سكنية في الجنوب السوري سقط خلالها عدد من القتلى، لم تلق إدانة صريحة من البيت الأبيض، إلا أن المصادر ذكرت أن إدارة ترامب لا تزال غير ملتزمة بالكامل بمساعي إسرائيل لتثبيط التواصل الأميركي مع الحكام الجدد في سوريا.
وفي الوقت ذاته، يبدو أن بعض المخاوف الإسرائيلية بشأن خلفية الحكام السوريين الجدد بدأت تجد صدى متزايدا لدى عدد من المسؤولين الأميركيين.
في الجانب الآخر، تبدو تركيا عاملا مضادا للعامل الإسرائيلي في تشكيل الموقف الأميركي بشأن سوريا، فالعلاقة المميزة بين ترامب وأردوغان من المرجح أن تساهم في إنتاج موقف أكثر توازنا في البيت الأبيض، أو على الأقل عدم انتصار الرؤية الإسرائيلية لسوريا مفككة.
ومن المرجح أن يستمر هذا التذبذب والتشويش في الرؤية الأميركية للملف السوري لمدة من الوقت ريثما تنضج المحادثات غير المعلنة بين الجانبين السوري والأميركي من جهة، والتركي والأميركي من جهة أخرى.
كما أن نجاح الخارجية الأميركية في تحقيق أهدافها من قائمة الشروط التي قدمتها لسوريا قد يعني تغلب رؤيتها على رؤى الأجنحة الأكثر تشددا في إدارة ترامب، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الشروط هي شروط نهائية أم أنه ستليها قوائم أكثر صعوبة على الإدارة السورية.
المصدر : الجزيرة
————————–
هذا هو مصيركم أيها السوريون إذا لم تتفقوا!/ د. فيصل القاسم
تحديث 29 أذار 2025
لا يمكن أن ننكر أبداً أن ما حصل في سوريا على مدى الأشهر الماضية بعد التحرير أشبه بالمعجزة، فقد كان حلماً بعيد المنال لملايين السوريين أن يروا بلدهم وقد تحرر من أقذر وأبشع وأشنع عصابة عرفها التاريخ الحديث. وكل السوريين يعرفون ما فعلت تلك المافيا الطائفية بالبلاد والعباد على مدار أكثر من نصف قرن. وقد شاهد العالم كله سجونها بعد أن انهارت وهرب رئيسها في جنح الظلام تاركاً وراءه حتى أقرب المقربين. وهذا دليل صارخ على نوعية الطبقة الطائفية التي حكمت سوريا والتي صارت رمزاً للنذالة والسفالة والهمجية والسقوط الأخلاقي في أبشع صوره. لا شك أن غالبية السوريين لم تصدق بعد أن تلك العصابة قد تبخرت فعلاً، وأن البلاد قد تحررت لأن لا السوريين ولا غيرهم كان يتوقعون ما حدث. على العموم، تحقق الحلم، لكن هذا الإنجاز شبه الإلهي السريع الذي توّج ملايين التضحيات والأثمان التي دفعها السوريون من أجل تحقيق ذلك النصر، سيتبخر بدوره إذا ظل السوريون يتشاحنون ويتصارعون ويتناكفون بهذه الطريقة الرثة والبائسة غير مدركين أنهم يحفرون قبورهم بأيديهم.
المشكلة الكبرى أن الكثير من السوريين لا يعرفون كيف حصل التغيير، ويتجاهلون الوضع الكارثي قبل التحرير، ويريدون سوريا جديدة بلمح البصر، وهذا مستحيل لأسباب عدة، فهناك حقائق صارخة على الأرض يحاول كثيرون أن يتجاوزوها ويتجاهلوها، وأول تلك الحقائق أن الجيش السوري الذي كان يقتطع أكثر من سبعين بالمائة من ميزانية البلاد قد تبخر خلال ساعات، وكذلك أجهزة الأمن السورية التي كانت مضرباً للمثل في العالم في وحشيتها وقذارتها وسفالتها. باختصار، لم يعد هناك جيش وطني أو أجهزة استخبارات وطنية يمكن التعويل على ترميمها أو إصلاحها لحماية البلاد داخلياً وخارجياً. أما قوات التحرير فهي ليست جيشاً وأجهزتها الأمنية كانت مخصصة لإدارة محافظة سورية اسمها إدلب، وبالتالي فهي لا تكفي لضبط بلد أو الدفاع عنه مثل سوريا خارج من تحت الأنقاض، مع ذلك فقد فعلت المستحيل لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا خلال وقت قياسي. ولا تنسوا أيضاً أن السلطة الحالية في سوريا اليوم لم تكن تعرف أنها ستصل إلى دمشق بهذه السرعة، وبالتالي فقد وجدت نفسها في وضع مفاجئ، فلملمت أوراقها سريعاً لملء فراغ أكبر منها بكثير، ونجحت إلى حد كبير بإمكانيات بسيطة. وإياكم أن تصدقوا نظريات المؤامرة السخيفة أن قوات التحرير وصلت إلى دمشق بتوافق دولي أمريكي تركي إسرائيلي روسي، وأنها كانت عملية استلام وتسليم. لا أبداً، بل أعرف بشكل مؤكد أن لا أحد في العالم كان يتوقع ما حدث في سوريا لا إسرائيل ولا حتى تركيا نفسها. وأنا واثق مائة بالمائة مما أقول.
ولا ننسى أيضاً أن القوى التي كانت تحارب النظام لم تكن جسماً واحداً، بل كانت عبارة عن فصائل وتنظيمات متناحرة للأسف، لهذا فإن من أهم الإنجازات الخيالية التي تحققت في سوريا خلال الأشهر الأولى هو توحيد الفصائل وضبطها تحت قيادة وزارة الدفاع، مع ذلك فقد خرج بعضها عن الطوق في أحداث الساحل، ثم جاء الاتفاق التاريخي بين السلطة الجديدة وتنظيم قسد ليكون إضافة عظيمة لتوحيد الصف العسكري ووقف الصراعات العسكرية في بلد مدمر ومهشم ومفلس. وهذا إنجاز كبير بكل المقاييس. ولو سألت أكبر الاستراتيجيين قبل أشهر كيف تتوقع أن يكون وضع سوريا بعد التحرير، سيقول لك إن سفك الدماء والاقتتال الداخلي والصراعات الفصائلية ستكون عنوان المرحلة، وإن شهوراً وربما سنوات قد تمر قبل أن يتحقق السلام والاستقرار في سوريا، لكن أياً من تلك السيناريوهات الكارثية والحمد لله لم يحدث، وقد تجاوزنا أخطر مرحلة بعد التحرير بأقل الخسائر. ولا يمكننا هنا إلا أن نترحم على كل قطرة دم بريئة سُفكت في سوريا خلال هذه المرحلة العصيبة.
طبعاً ليس الهدف من سرد هذه الحقائق التطبيل والتزمير لأحد، بل هي حقائق لا يمكن لمنصف أن ينكرها وهو يصف الوضع الحالي في البلاد. لكن للأسف الشديد هناك الكثير من السوريين يتجاهل تلك الوقائع، ويحاول تسخيفها والقفز فوقها إما بدافع مغرض وقذر هدفه دفع البلاد في اتجاه الهاوية حقداً وانتقاماً، أو خدمة لمصالح خاصة، أو خارجية، أو بدافع الجهل وقلة الفهم والاستيعاب، أو بدافع التسرع والاستعجال وطلب المستحيل، خاصة وأن الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي خلفها النظام الساقط تحتاج سنوات وسنوات لمعالجتها. وهنا لا بد أن نقول لكل هؤلاء: انتبهوا جيداً واسألوا أنفسكم إذا كنتم فعلاً تريدون الخير والعافية لسوريا ولأنفسكم: ماذا ستكون النتيجة لو انهار الوضع الحالي وخرجت الأمور عن السيطرة؟ ماذا لو، لا سمح الله، انفرط عقد الفصائل التي تم توحيدها بصعوبة، وراحت تتقاتل فيما بينها؟ ماذا لو انهارت السلطة؟ هل تعرفون كيف سيكون وضع البلاد والعباد؟ هل تعرفون كيف سيكون وضعكم الأمني والمعيشي؟ لا شك أن الوضع الآن سيئ ولا أحد يمكن أن ينكر ذلك، لكن فكروا بالأسوأ بكثير لو تدهورت الأوضاع. وصدقوني ربما ستترحمون على ما أنتم عليه اليوم رغم صعوبته ومأساويته، لأن كل صمامات الأمان في البلد معطلة لا بل غير موجودة أصلاً. وأرجوكم ألا تفهموا هذا الكلام على أنه تهديد مبطن للقبول بالأمر الواقع بحجة عدم وجود البديل كما كان يتحجج النظام الساقط. لا أبداً، فالوضع هذه المرة مختلف فعلاً والبديل الوحيد هي الفوضى العارمة لعدم وجود دولة أصلاً. مرة أخرى أرجو ألا تفهموا هذا الكلام كابتزاز، فكلنا بلا شك يريد أن تتحسن الأمور على كل الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والمعيشية ولا نريد أي تبريرات أو أعذار واهية، لكن لا أحد يمتلك عصا موسى في سوريا، فالعين بصيرة واليد قصيرة. جميعنا يريد أن نبني نظاماً سياسياً لكل السوريين، ولا أحد يريد احتكاراً للسلطة، بل نريد مواطنة وسوريا لكل أبنائها، وهذا ما نص عليه الإعلان الدستوري الذي أصبح الآن وثيقة رسمية، وهذا يتطلب من كل السوريين دون استثناء أن يبتعدوا عن التشاحن الطائفي والعرقي والديني وأن يتجادلوا بالتي هي أحسن، وأن يخففوا من مناوشاتهم وصراعاتهم الإعلامية التي قد تتفاقم وتتحول لاحقاً إلى صراعات دموية لا سمح الله. من حق الجميع أن يطالب ويعترض، لكن في إطار وطني جامع بعيداً عن التشنج، والاحتقان، والتحريض، والاستعداء. ولا تنسوا أن هناك جيوشاً إلكترونية تمولها جهات عدة تحاول إثارة الفتنة والفرقة والشقاق بين السوريين لدفعهم إلى التناحر خدمة لمصالح المتربصين بسوريا والسوريين، فلا تكونوا عوناً لهم.
تعالوا أيها الأخوة السوريون نستعين على حل خلافاتنا بالسر والكتمان والكلمة الطيبة على الأقل حتى نتجاوز هذه المرحلة الأخطر في تاريخ بلدكم المكلوم الجريح. والله الموفق.
القدس العربي
———————————-
لبنان وسورية… تاريخيّة ترسيم الحدود/ بيار عقيقي
29 مارس 2025
ما الذي يعنيه ترسيم الحدود بين لبنان وسورية، الذي يرتفع منسوب الحديث بشأنه في بيروت ودمشق؟ ما الهدف من رسم حدود بلدين تشابك مصيرهما أكثر بكثير ممّا تشابكت مصائر دولتَين أخريين في الشرق الأوسط؟… بمعزل عن السرديات التخيليّة للتاريخ، سواء لدى اللبنانيين أو السوريين، وبعيداً من أوهام “العودة إلى الماضي”، هذا في حال كان صحيحاً، فإن الوقائع الناجمة عن التغيّرات أخيراً في الشرق الأوسط تعني أن أمام دمشق وبيروت حلاً من اثنَين: التصادم بحدود أو التفاهم بحذر.
لم يكن التصادم بين البلدَين، خصوصاً في مرحلة ما بعد انتهاء الانتداب الفرنسي عليهما في أربعينيات القرن الماضي، ترفاً. تداخلت الناصرية والأسدية والشمعونية والشهابية وغيرها، وصولاً إلى دخول الجيش السوري طرفاً أساسياً ومحورياً في حرب لبنان (1975 ـ 1990)، وما تلاها من احتلال استمرّ باسم “الوصاية” حتى عام 2005. ولا يُمكن لسورية ـ الأسد، التي كانت حليفةً لجزء كبير من اللبنانيين ومناوئةً لجزء كبير آخر، أن تتحوّل، مع سورية ـ أحمد الشرع، إلى المقلب الآخر، فتكون حليفةً لمن كانت مناوئة لهم، وتُصبح مناوئةً لمن كانت حليفةً لهم. الحالتان لا تستقيمان. في الأمرَين نفوذ دمشقي على حكم بيروت، بمشاركة لاعبين لبنانيين استفادوا من النفوذ (البندقية) السوري في لبنان.
كذلك، اللبنانيون، المتحالفون والمتخاصمون مع سورية، مدعوون للخروج من نظرية أن “سورية عدوة أو صديقة أبدية”، بل المطلوب منهم التعاطي كرجال دولة، فلا يكون ترسيم الحدود البرّية والبحرية بين البلدَين مدعاةَ تفوّق طرفٍ على آخر، ولا بمثابة تحدٍّ متبادل، بل حصراً تأمين المصالح المشتركة، وما أكثرها حين يفهم الجميع أن “السياسة ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والجغرافيا ثابتة لا تتغير”. جاهل من يعتقد أن القومية ستتغلّب على الطائفية، خصوصاً في أيامنا الحالية، لكن المدرك يستطيع الخروج من هذه المعادلة عبر عامليْن: الأول، تأمين الخطوط الحمر بين دمشق وبيروت، بدءاً من ترسيم الحدود، ومعالجة ملفّ اللاجئين السوريين في لبنان (علماً أن الدولة اللبنانية، وحتى إشعار آخر، تستخدم مصطلح النازحين السوريين، على أساس أن لبنان ليس بلد لجوء)، وأيضاً معالجة ملفّاتٍ عالقةٍ موروثةٍ من أيّام حكم الأسد، من اتفاقيات جائرة بين البلدين. الثاني، فهم أن في دمشق حكماً ذا طابع ديني مغاير للنظام اللبناني، والتعاطي بين النظامين لا يتطلّب لغةً طوائفيةً، لا على مستوى القواعد ولا على مستوى السلطة. متى فهم النظامان أن الدول تتعاطى بعضها مع بعض انطلاقاً من المصالح المشتركة والمتبادلة، تُصبح النوازع الطائفية ثانويةً وخارج سياقات استخدامها تسعيراً لخلاف ما.
هل يمكن فعلاً الاعتماد على الحُكمَين السوري واللبناني لرسم ما هو أبعد من الحدود؟ لا أحد يعلم الجواب، لكن الواقع واضح. وصل الطرفان بعد أحداث كبرى غيّرت دمشق وبيروت في الأشهر الماضية. بالتالي، تتطلّب قدرتهما على الاتفاق لبناء خريطة طريق لعلاقة ندّية ما هو أكثر من مجرّد مصافحة. أمامنا شعبان يعرفان بعضهما بعضاً جيّداً، وربّما قد تكون نسب المصاهرة بين اللبنانيين والسوريين من الأعلى في الشرق الأوسط، لدى المسيحيين والمسلمين في البلدَين، ناهيك عن الاختلاط التجاري والاجتماعي والثقافي والديني.
لذلك، لم يولد أحمد الشرع وجوزاف عون أمس، بل عليهما فهم هذه الحقائق، ولا يمكن لأيّ منهما التصرّف بمعزل عنها. ذلك، لأن الاشتباكات الحدودية على الحدود اللبنانية ـ السورية، التي وقعت في الأسابيع الماضية، لم تحسم ملفّاً عالقاً. سفك الدماء هنا لا يصنع حلاً، بل يستولد حروباً تنتهي بخراب هيكلي بيروت ودمشق. ترسيم الحدود بين البلدَين قد يكون من أكثر الأحداث جدّية في تاريخ العلاقة الدولتية بين البلدَين، منذ جلاء الفرنسيين عنهما، وفي المقابل فإنه يبقى سيفاً ذا حدّين، إن لم يفهم كلّاً منهما أن اللحظة فعلاً “تاريخية”.
العربي الجديد
—————————
ترسيم الحدود اللبنانية – السورية قيد التنفيذ للمرة الأولى/ طوني فرنسيس
رعاية السعودية لمفاوضات البلدين ضمانة للنجاح والبحث سيمتد إلى مزارع شبعا
السبت 29 مارس 2025
لم يكن التدخل السعودي ورعايته الاتفاق الحدودي مفاجئاً، فالسعودية حريصة على رعاية سوريا الجديدة بقدر حرصها على دعم لبنان في عهده الجديد. والسعودية التي باتت في ظل قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان مركزاً للحراك العربي والإسلامي من أجل فلسطين والسودان وقضايا الإقليم، ليس غريباً ولا بعيداً منها الاهتمام بحل مشكلات تتعلق ببلدين عربيين يجدان فيها عمقهما الطبيعي.
يمكن القول إنه للمرة الأولى في تاريخ العلاقات اللبنانية – السورية يتم تناول مسألة ترسيم الحدود بين البلدين بجدية واعدة. تم ذلك في محادثات جدة بين وزيري دفاع البلدين ورعاية مباشرة من وزير دفاع السعودية الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز وتوجيه مباشر من قيادة السعودية.
لقد جرت محاولات كثيرة في السابق للتوصل إلى ترسيم وتثبيت الحدود بين البلدين والتي تمتد بطول يناهز الـ375 كيلومتراً، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل أو لم تصل إلى النتائج المرجوة. فقد سادت في سوريا، عبر أزمنة مختلفة فكرة أن لبنان هو جزء من سوريا. ومنذ ما قبل سيطرة “البعث” على النظام، لم يستسغ حكام سوريا بعد رحيل الانتداب الفرنسي فكرة لبنان المستقل، وعندما هيمن حزب البعث بأفكاره المزعومة عن الوحدة العربية، وجدت الأطماع القديمة إطاراً نظرياً لها تجسد في عملية الإلحاق التدريجي التي شنها نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ثم ورثه بشار، والتي بدأت منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي وتحولت احتلالاً عسكرياً مباشراً استمر حتى اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، الذي فرضت تداعياته المحلية والعربية والدولية انسحاب الجيش السوري من لبنان خلال أبريل (نيسان) 2005، بعد ما يقارب 35 عاماً من الهيمنة على مقدرات الجار اللبناني.
وبديهي أنه لم يكن متاحاً طوال هذه الأعوام “الانشغال” بقضايا تفصيلية تخص “شعباً واحداً في بلدين” على ما كان يزعم الأسد الأب، فأخضعت الحدود مثلها مثل لبنان كله للسيطرة السورية وتحولت منافذها الرسمية إلى خطوط عسكرية تتحكم بها الاستخبارات السورية، ولم يعد ضرورياً البحث في ترسيم وتثبيت ما دام معاهدة الأخوة والتنسيق والاتفاقات التي يربو عددها على الـ40 اتفاقاً جعلت من مسألة الفصل بين البلدين قصة ثانوية يمكن تجاهلها.
لقد سعت الحكومات اللبنانية وحاولت إعادة تحريك قضية الحدود بعد انسحاب الجيش السوري، إلا أن الجانب السوري لم يبد أية حماسة للموضوع، فهو استمر مهيمناً في لبنان عبر حلفائه وفي مقدمتهم “حزب الله” ولم يخش يوماً أن يُفرض عليه السير بجدية في موضوع ضبط الحدود وتحديد حقوق وواجبات الطرفين على جهتيها.
وبالطبع لم يعد ذلك مطروحاً بعد اندلاع الانتفاضة ضد نظام الأسد. فمنذ اللحظة الأولى صارت الحدود ساحات مفتوحة أمام “حزب الله” ذهاباً وإياباً، إذ يرسل عبرها مقاتلوه لضرب المعارضة السورية وحماية الأسد، وعبرها يأتي بأسلحته وصواريخه لتعزيز إمساكه بالأرض والسلطة في لبنان، وفي الأثناء نشطت تجارة الممنوعات ومنها المخدرات والكبتاغون التي ستوفر للحزب وحلفائه في دمشق مليارات الدولارات سنوياً.
لم يعد هذا الواقع الذي ساد منذ أكثر من عقد من الزمن قائماً في لحظة انهيار النظام وفرار الأسد من سوريا. خلال تلك اللحظة لم يسقط نظام الأسد فحسب، بل سقطت معه ركائز المشروع الإيراني المذهبي الذي جعل من سوريا رأس جسر للسيطرة عليها وعلى لبنان وشرق المتوسط. وهرب الإيرانيون إلى العراق وإيران، وأخلى “حزب الله” نقاطه وأوهامه في سوريا وعاد خائباً إلى لبنان لتندلع على الفور اشتباكات حدودية قال عنها السوريون إنها تجري مع عناصر الحزب ومهربيهم، ونسبها الحزب إلى “عشائر” تدافع عن حقوقها، مثلها مثل “الأهالي” الذين مثلوا الحزب في صداماته المتكررة مع قوات الطوارئ الدولية في لبنان.
لقد كانت الاشتباكات الحدودية على الحدود اللبنانية الشمالية مع سوريا بمثابة الحرائق الأخيرة التي يمكن أن تتحول إلى كارثة كبرى تضع الجيش اللبناني في مواجهة لا يريدها، ولا مبرر لها مع قوات سوريا الجديدة التي كرر قادتها وعلى رأسهم الرئيس أحمد الشرع أن قيادته تريد أفضل العلاقات مع لبنان. وفي نسختها الأخيرة جاءت هذه الاشتباكات لتواكب الأحداث الخطرة في الساحل السوري التي لا يخفى أن إيران سعت إلى تأجيجها، ضمن استراتيجيتها لإسقاط النظام الجديد في سوريا، وجاءت خلال وقت يتحمل فيه الجيش والسلطات اللبنانية الجديدة مسؤولية كبرى في تنفيذ القرار 1701 وحصر السلاح بيد الدولة. وتمكن الجيش في اتصالاته المباشرة مع الجانب السوري من ضبط الأمور وتهدئتها إلى حد كبير إلا أن المسألة القديمة – الجديدة، مسألة ترسيم وتثبيت الحدود طرحت نفسها بقوة، وفي ظل حرص الطرفين اللبناني والسوري على حلها وإنهائها، كانت السعودية حاضرة للتدخل ورعاية الاتفاق وهذا ما فعلته في جدة بحضور وزيري دفاع البلدين، اللبناني ميشال منسى والسوري مرهف أبو قصرة.
لم يكن التدخل السعودي ورعايته الاتفاق الحدودي مفاجئاً، فالسعودية حريصة على رعاية سوريا الجديدة بقدر حرصها على دعم لبنان في عهده الجديد. والسعودية التي باتت في ظل قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان مركزاً للحراك العربي والإسلامي من أجل فلسطين والسودان وقضايا الإقليم، ومقراً يستضيف مصالحة القوتين العظميين أميركا وروسيا ويرعى مفاوضات السلام في أوكرانيا، أحد أهم وأخطر أزمات العصر، وليس غريباً ولا بعيداً منها الاهتمام بحل مشكلات تتعلق ببلدين عربيين يجدان فيها عمقهما الطبيعي، في ظروف صعبة تتطلب اهتماماً دولياً لا يمكن لغير السعودية أن يوفره، نظراً إلى مكانتها ودورها.
ضمن هذه الرؤية رعت الرياض اللقاء الحدودي اللبناني السوري الأهم منذ عقود، وأوصلته إلى نتائج صريحة تم فيها “الاتفاق إلى جانب ترسيم الحدود على التنسيق من أجل التعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية”. وفي الحصيلة شدد الوزيران اللبناني والسوري “على الأهمية الاستراتيجية” لهذا الترسيم، واتفقا على “تشكيل لجان قانونية متخصصة بينهما، وتفعيل آليات التنسيق للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية، وبخاصة ما يطرأ على الحدود”. واتفق “على عقد اجتماع متابعة في السعودية خلال الفترة المقبلة”.
إنها بداية جدية تلك التي انطلقت من جدة، فمسألة الحدود اللبنانية السورية المهجورة بقوة الموقف السوري السابق وتخاذل مسؤولين لبنانيين عادت لتحتل أولويتها باتفاق سلطات البلدين، ورعاية سعودية مثابرة ستقود حكماً، ليس إلى إنجاز مسألة أساس تتعلق بسيادة البلدين على أرضهما، وإنما أيضاً إلى حل نقطة عالقة تتصل بمزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل بوصفها جزءاً من الجولان ويطالب بها لبنان، فيما ينتظر اعتراف سوريا بلبنانيتها. وبديهي أن البحث في ترسيم الحدود اللبنانية السورية سيصل إلى شبعا، وهنا أيضاً ستكون السعودية حاضرة، وداعماً قوياً للبنان في مفاوضاته المرتقبة لتثبيت حدوده الجنوبية مع إسرائيل، وهي المفاوضات التي تسعى الولايات المتحدة إلى ترتيبها خلال الأيام والأسابيع المقبلة.
———————————-
اتفاق جدة يعيد رسم مشهد العلاقات اللبنانية – السورية/ طوني بولس
تفاهم أمني تاريخي يعكس الدور السعودي في الملفات الحساسة وتهدئة النزاع الحدودي بين البلدين
الجمعة 28 مارس 2025
في خطوة بارزة نحو تعزيز الأمن الإقليمي عقد اجتماع تاريخي في جدة جمع وزيري الدفاع اللبناني ميشال منسى والسوري مرهف أبو قصرة برعاية السعودية، هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.
في ظل التحولات السياسية البارزة في كل من سوريا ولبنان، يبرز ملف الأمن والحدود المشتركة كأحد أهم التحديات التي تواجه البلدين. وفي خطوة تاريخية نحو تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، عُقد اجتماع استراتيجي وأمني في مدينة جدة، جمع بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى ونظيره السوري مرهف أبو قصرة، برعاية وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وهو الأرفع مستوى بين البلدين منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024.
بحسب المعلومات هدف الاجتماع إلى طي صفحة من الخلافات والتوترات على الحدود اللبنانية- السورية، وفتح الملفات الأمنية العالقة بين البلدين، بما يسهم في تأمين الاستقرار ونزع فتيل الاشتباكات وإمكانية اندلاع مواجهات عسكرية بين الطرفين، وكذلك تضمن تشكيل لجان قانونية ومتخصصة وتفعيل آليات التنسيق للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية، بخاصة تلك المتعلقة بالحدود.
وهذه القضية، وفق المعلومات، مرتبطة بمزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا، إذ إن ترسيم الحدود بين البلدين في هذه المنطقة يحسم هويتها لكونها متنازعاً عليها واستغلها “حزب الله” لكي تكون عنواناً لدوره ومن خلالها أعطى شرعية لسلاحه وألزم مجلس الوزراء اللبناني طيلة السنوات الماضية على منحه غطاء سياسياً عبر معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” في البيانات الوزارية. وبالتالي هناك توجه اليوم لترسيم هذه المنطقة وحسم هويتها، لكن من غير الواضح كيف سيتم حسم ذلك.
وتشير مصادر من الجانب السوري إلى أن دمشق تعتبر تلك المناطق تابعة للجولان وبالتالي سيتم ترسيمها ضمنها وحسم هويتها السورية، كما هي الحال الآن، إذ تعتبرها الأمم المتحدة وفق الخرائط التي تملكها أراضي سورية وبالتالي سيتم تكريس هذا الواقع.
ويتوقع المحللون أن يسهم هذا الاتفاق في تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين وفتح قنوات حوار جديدة لمعالجة القضايا العالقة. كما يُنتظر أن يكون لهذا الاتفاق تأثير إيجابي على الأمن الإقليمي، تحديداً مع دعم السعودية لهذه الجهود، لا سيما أن الحدود اللبنانية- السورية شهدت في الآونة الأخيرة تصاعداً في التوترات، إذ اندلعت اشتباكات بين الجيش السوري ومجموعات مسلحة مرتبطة بـ “حزب الله” والعشائر اللبنانية.
تعود جذور هذه التوترات إلى محاولات الجيش السوري تطهير الحدود من مربعات أنشأها “حزب الله” لتجارة المخدرات والتهريب، مما أدى إلى مواجهات دامية وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين. وهذه الاشتباكات كادت أن تتسبب في تورط الجيش اللبناني، مما دفع إلى ضرورة التحرك السريع لاحتواء الأزمة ومنع تفاقمها.
تفاصيل الاتفاق
خلال الاجتماع جرى توقيع اتفاقية شاملة بين لبنان وسوريا، تضمنت عدة بنود أساسية تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني وترسيم الحدود بين البلدين. وتضمنت الاتفاقية خمسة بنود بارزة.
– ترسيم الحدود المشتركة: اتفق الطرفان على الأهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة للعمل على تحديد النقاط الحدودية بدقة، بما يضمن سيادة كل دولة على أراضيها ويمنع التداخلات غير القانونية.
– تعزيز التعاون الأمني: تم الاتفاق على تفعيل آليات التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلدين للتعامل مع التحديات الأمنية، بخاصة في ما يتعلق بمكافحة التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة، وضبط المعابر غير الشرعية.
– مكافحة الإرهاب والتهريب: شدد الاتفاق على ضرورة التعاون المشترك في مواجهة التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية التي تنشط في المناطق الحدودية، والعمل على تفكيك شبكات التهريب وتجارة المخدرات التي تهدد أمن واستقرار البلدين.
– إعادة سيطرة الدولة على الحدود: أكد الجانبان على أهمية بسط سيطرة الدولة على كافة المناطق الحدودية، وإزالة أي تواجد للمجموعات المسلحة غير الشرعية، بما يضمن استعادة هيبة الدولة وسيادتها.
– متابعة تنفيذ الاتفاق: تم الاتفاق على عقد اجتماعات دورية لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق، وتقييم التقدم المحرز في الملفات المشتركة، والتعامل مع أي مستجدات قد تطرأ على الساحة الأمنية.
القرار الدولي 1680
يأتي هذا الاتفاق في سياق الجهود المبذولة لتطبيق القرار الدولي رقم 1680، الصادر عن مجلس الأمن في عام 2006، والذي يدعو إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
ويُعد هذا القرار خطوة أساسية نحو تعزيز سيادة لبنان واستقلاله السياسي، وضمان بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، إلا أن تنفيذه واجه تحديات عدة في السابق، نظراً لعدم تجاوب النظام السوري السابق مع متطلباته، واستمرار التداخلات الحدودية التي كانت تستغلها بعض المجموعات المسلحة والمهربين.
وينظر إلى هذا الاتفاق كجزء من حل الملفات الإقليمية العالقة، فترسيم الحدود بين لبنان وسوريا يسهم في تعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويمنع استخدام المناطق الحدودية كمنطلق لعمليات التهريب أو كملاذ للجماعات المسلحة. كما أن هذا الاتفاق يعزز من دور السعودية كوسيط فاعل في حل النزاعات الإقليمية، ويؤكد على التزامها بدعم الأمن والاستقرار في الدول العربية.
شرعية رئاسية
في خطوة تعكس التزام القيادتين اللبنانية والسورية بتعزيز التعاون الثنائي، أجرى الرئيس اللبناني جوزاف عون اتصالاً هاتفياً مع نظيره السوري أحمد الشرع، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وخلال هذا الاتصال، أكد الرئيس عون على “ضرورة التنسيق بين البلدين من أجل معالجة المسائل العالقة، لا سيما موضوع الحدود المشتركة”، مشدداً على أهمية الاستفادة من المساعدة الفرنسية لإيجاد حل سريع لقضية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم كي يعيشوا بكرامة.
من جانبه، رحب الشرع بالمبادرة اللبنانية، مؤكداً على الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمع البلدين، وأهمية التعاون المشترك لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
هذا الاتصال يعزز الجهود المبذولة لتنفيذ الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين، ويضعها في إطارها التنفيذي، مما يسهم في تعزيز سيادة الدولتين على حدودهما المشتركة، ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتأتي هذه الاجتماعات في وقت تستعد سوريا للإعلان عن تشكيل حكومتها الانتقالية الجديدة، بعد إقرار الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية التي حُددت مدتها بخمس سنوات. وتواجه هذه الحكومة تحديات كبيرة، أبرزها ضبط الحدود ومكافحة التهريب، وهو ما يجعل التنسيق مع الجانب اللبناني أمراً بالغ الأهمية.
من جهة أخرى، تسعى الحكومة اللبنانية الجديدة إلى مواجهة تحدياتها الخاصة، مع التركيز على تعزيز الأمن والاستقرار، وضبط الحدود مع سوريا، بخاصة في ظل التوترات والمواجهات التي شهدتها المناطق الحدودية في الفترة الأخيرة.
الوساطة السعودية
تُعتبر الوساطة السعودية في هذه الاجتماعات مؤشراً على تمسكها بدعم الاستقرار في المنطقة وتعزيز العلاقات بين الدول العربية. ومن المتوقع أن تسفر هذه الاجتماعات عن وضع آليات محددة للتعاون الأمني وتبادل المعلومات، بما يسهم في منع تكرار الاشتباكات وضبط الحدود المشتركة، وهو ما سيكون له تأثير إيجابي على أمن واستقرار البلدين والمنطقة بشكل عام.
في هذا السياق، يُنتظر أن تسهم هذه الاجتماعات في تعزيز التعاون بين سوريا ولبنان، ووضع أسس واضحة لمعالجة القضايا الأمنية المشتركة، بما يحقق مصلحة الشعبين ويعزز الاستقرار في المنطقة.
الصحافي والكاتب السياسي أسعد بشارة قال إن السعودية، ظلت الراعية الأولى للعلاقات بين لبنان وسوريا، ولعبت دوراً محورياً في توقيع الاتفاق الأخير لتنظيم العلاقة الأمنية وضبط الحدود بين البلدين، كما أنه يعكس التزامها الراسخ بضمان سيادة لبنان واستقلاله، إلى جانب اهتمامها العميق بأمن واستقرار سوريا، مع احترام سيادة واستقلال كلا البلدين.
ولفت الانتباه إلى أن الاتفاق الذي تم توقيعه في جدة تحت رعاية السعودية يحمل رمزية كبيرة، كونه يعكس الروحية الجديدة التي تحكم العلاقات بين لبنان وسوريا. ويُعتبر هذا التوقيع فرصة تاريخية لتصحيح العلاقة اللبنانية- السورية التي تضررت على مدى 50 عاماً، ويعكس إرادة حقيقية لتجاوز الخلافات والمشكلات التي تراكمت على مر السنين.
وبشكل عام، يرى أن هناك فرصة حقيقية لإعادة بناء العلاقات بين لبنان وسوريا، لكن هذه الفرصة تتطلب جهوداً كبيرة من كلا الجانبين، إضافة إلى دعم المجتمع الدولي. وأضاف أن تصحيح الشوائب التاريخية التي تسبب بها النظام السوري السابق طوال 50 عاماً يعد خطوة مهمة، بشرط تنفيذها بشكل صحيح وبالتوازي مع تعزيز التعاون في ملفات حساسة مثل ترسيم الحدود وضبطها، والتي بدورها ستعود بالمنفعة الكبيرة على الاقتصاد.
وفي هذا السياق، اعتبر بشارة أن اللقاء الثلاثي عبر الفيديو بين رؤساء لبنان وسوريا وفرنسا خطوة مهمة لتوثيق الجهود الدبلوماسية المبذولة ويعزز البعد الدولي لهذه الجهود، ويعكس اهتمام المجتمع الدولي بدعم مسار تصحيح العلاقات بين لبنان وسوريا.
وختم قائلاً “إن لبنان يتقدم خطوة بخطوة نحو الأمام، من مناخ الحرب والفتن وعدم الاستقرار، ومن ساحة استخدمت من قبل إيران، إلى دولة مستقلة وطبيعية تحترم سيادتها وتعمل على تعزيز استقرارها الداخلي والعلاقات مع جيرانها”.
تعزيز التعاون
في تعليقه على الاجتماع المرتقب بين وزيري الدفاع اللبناني ميشال منسى والسوري مرهف أبو قصرة في جدة بوساطة سعودية، أشار الكاتب الصحافي حنا صالح إلى أنه يأتي بعد فترة من الانفلات الأمني على الحدود المشتركة بين البلدين، حيث كانت هذه الحدود مستباحة من قبل “حزب الله” وميليشيات النظام السوري السابق، بخاصة الفرقة الرابعة التي أقامت مصانع الكبتاغون.
وأوضح صالح أن المواجهات السابقة كانت نتيجة تصفية حسابات بين عشائر وميليشيات وأطراف متعددة متداخلة عبر الحدود، مع دور ملحوظ لـ”حزب الله” وأطراف سورية مضادة، إضافة إلى ضغوطات خارجية.
وأشار إلى أن الاتصالات السابقة بين الجانبين هدفت إلى لجم الوضع نسبياً، لكنها لم تفتح الطريق لترسيم الحدود بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين، وتحديداً أن النظام السوري السابق رفض كل أشكال المطالبات اللبنانية بترسيم الحدود.
وأكد أن السعودية تعتبر المكان الأنسب لاستضافة مثل هذا اللقاء للوصول إلى نتائج إيجابية، في ظل دورها المركزي في إجراء المحادثات الدولية والتوافقات لإحلال الأمن في مناطق متعددة. وأشار إلى أن الرياض، بعلاقاتها الوثيقة مع لبنان وسوريا، ستلعب دوراً كبيراً في مفاوضات اليوم، بخاصة بعد تأجيلها بناءً على طلب الجانب السوري بحجة تحضيرات داخلية.
وفي ما يتعلق بالمواجهات السابقة بين القوات السورية وعناصر “حزب الله” على المناطق الحدودية، شدد صالح على أن الهدف هو أن تصبح الحدود اللبنانية- السورية حدود سلام وأمن وأخوة وتعايش، كما كانت عبر التاريخ، مع وجود عائلات مشتركة وعلاقات كبيرة لا ينبغي أن تخضع لعوامل التهريب وتهريب البشر والمواد الممنوعة والمخدرات، التي تضر بلبنان وسوريا ومكانتهما.
وأشار إلى أن التعويل في بيروت كبير على الدور الذي يمكن أن تلعبه السعودية في هذا الاتجاه، مؤكداً أن الأساس في الموضوع هو ترسيم الحدود، وهو أمر ليس صعباً على رغم بعض التداخل في بعض المناطق، ومتى كان الوسيط بحجم السعودية والنوايا صافية، يمكن معالجة هذه النقاط بسهولة، لما فيه مصلحة اللبنانيين والسوريين لطي صفحات الماضي التي أساءت للشعبين.
تبادل المعلومات الأمنية
في تعليقاته حول الاجتماع المرتقب بين وزيري الدفاع السوري واللبناني في جدة بوساطة سعودية، أوضح الكاتب والباحث السياسي السوري بسام سليمان أن الفترة الماضية شهدت مشكلات أمنية تنطلق من لبنان إلى الداخل السوري، مع حديث بعض المصادر عن تورط جهات مرتبطة بـ”حزب الله” في دعم أحداث الساحل السوري وعمليات التمرد هناك.
وأشار إلى وقوع اشتباكات عنيفة على طرفي الحدود، بخاصة في مناطق حمص، للمرة الثانية منذ تحرير دمشق، وبين أن الاجتماع يهدف بالدرجة الأولى إلى تبادل المعلومات الأمنية والتوصل إلى آليات محددة تخدم أمن الحدود بين البلدين. كما يسعى إلى تعزيز التواصل والحوار لمنع تكرار الاشتباكات مستقبلاً.
وأكد أن السعودية، ذات الثقل الإقليمي والدولي الواسع، قادرة على ضمان العديد من الاتفاقيات. وعلى رغم وجود تحديات قد تعرقل التوصل إلى اتفاق، يعتقد أن فرص الاستقرار أكبر من التحديات التي قد تفتعلها بعض الأطراف، مثل إيران عبر بعض أذرعها في سوريا ولبنان.
ويرى سليمان أن استضافة جدة لهذا الاجتماع تحمل عدة دلالات، منها الدور الإقليمي والعربي الهام للسعودية في إدارة الملفات الحساسة، شعور المملكة بالمسؤولية تجاه سوريا ولبنان كبلدين شقيقين، ودعم الاستقرار في سوريا ولبنان، والذي سينعكس إيجاباً على المنطقة ككل، ودعم عودة سوريا إلى عمقها العربي وعدم تركها وحيدة في مواجهة الأزمات.
ونبه إلى أن ملف الحدود معقد منذ عشرينيات القرن الـ20، عندما وضعت فرنسا هذه الحدود من دون مراعاة الضوابط الاجتماعية والجغرافية الدقيقة، مما أدى إلى تداخل تسبب في مشكلات متراكمة.
وبعد الثورة السورية، سيطر “حزب الله” على هذه الحدود، مما ألغى فكرة وجود حدود عازلة بين الدولتين، وفقاً لسليمان، الذي أضاف أن المؤسسة الأمنية السورية الجديدة حديثة العهد وتعاني من ضعف الخبرة والتقنيات، في حين أن الدولة اللبنانية، على رغم قدم وخبرة جيشها وأمنها، يبقى موضوع الحدود شائكاً حتى لدى دول كبرى كالولايات المتحدة، التي لم تستطع حتى الآن ضبط حدودها مع المكسيك بشكل كامل.
———————————
“غوغل” بدلاً من الطبيب.. السوريون يشخّصون أمراضهم عبر الإنترنت/ هديل عدرة
2025.03.28
هرب السوريون من تكاليف معاينة الطبيب الباهظة إلى الإنترنت. بحثوا في غوغل، اشتركوا بمواقع طبية، وبدؤوا تشخيص أمراضهم بأنفسهم واشتروا الأدوية بناء على نتائج البحث، وأجروا التمارين عبر يوتيوب، وتجنبوا الذهاب إلى العيادات.
تزايد اعتماد المرضى على محرك البحث غوغل ومواقع طبية مجانية لتشخيص أوجاعهم وشراء الأدوية بناء على ما يجدونه، هربًا من ارتفاع أجور الأطباء وفواتير الأدوية وأجور المواصلات.
وقال سمير، وهو موظف في شركة خاصة، إنه يخشى المرض أكثر من ألمه، لأن مراجعة الطبيب تكلفه نحو نصف مليون ليرة سورية كل عدة أشهر، تشمل تخطيط أعصاب مرتين ومعاينتين. أضاف أن طبيبه لا يرحم، يفحص في اليوم الأول ويطلب التخطيط في اليوم التالي داخل العيادة نفسها، ما يضطره إلى دفع معاينة جديدة.
أوضح سمير أنه يعاني من “التهاب أعصاب في اليدين”، ويحتاج إلى عملية في كلتا يديه، لكن تأخر راتبه يمنعه من زيارة الطبيب بانتظام. يتابع مقاطع التمارين الفيزيائية على يوتيوب، ويشتري الأدوية التي تقترحها محركات البحث، مشيرًا إلى أنه وفر بهذه الطريقة أكثر من نصف مليون ليرة.
وتابع :”أصبحنا نخاف أن نمرض ونخاف من أي ألم ونحاول مداواة الوجع بأقل التكاليف ومن دون اللجوء إلى الطبيب، أنا مريض التهاب أعصاب في اليدين واحتاج كل أربعة أو ستة أشهر لتخطيط أعصاب كلفته 400 ألف ليرة ومعاينة الطبيب 150 ألف ليرة والطبيب لا يرحم في اليوم الأول يفحص ويعطيك موعدًا في التالي للتخطيط في العيادة ذاتها مما يستوجب عليك دفع المعاينة مرتين، فضلًا عن أجور المواصلات التي ترهقنا جميعنا حاليًا”.
وأوضح سمير أنه بسبب تأخر استلام رواتبه منذ أشهر، لم يعد يستطيع مراجعة طبيبه بشكل دوري، رغم حاجته إلى عملية في كلتا يديه. لذلك، يلجأ إلى “يوتيوب” ويجري التمارين الفيزيائية اللازمة بدلًا من المعالج الفيزيائي، ويشتري الأدوية التي يقترحها غوغل، مشيرًا إلى أنه بهذه الطريقة وفّر ما يقارب نصف مليون ليرة سورية أو أكثر.
وقالت يارا، طالبة جامعية: “أعاني من مشكلات جلدية منذ الصغر، وكنت أراجع الطبيبة الجلدية بشكل دوري لفحص حالتي وتلقي العلاج المناسب، لكن اليوم، وبسبب ارتفاع أجرة المعاينة إلى خمسة وسبعين ألف ليرة، بدأت ألجأ إلى غوغل والمواقع الطبية، حيث أصوّر مكان التشوه الجلدي وأرفعه على غوغل الذي يعرض جميع الاحتمالات الجرثومية المسببة للتشوه”.
وأضافت أن العديد من أصدقائها في الجامعة في أي حالة صحية أو حمية صحية معينة كـ “التنحيف وزيادة الوزن” وغيرها يلجؤون إلى محرك البحث غوغل ولذلك يقولون “شكرًا غوغل”.
طبيبة تحذر من “الطبيب غوغل”
بدورها، حذّرت الدكتورة فاطمة النقاوة، اختصاصية جلدية، من علاج الأمراض عبر محرك البحث غوغل، لما يشكّله من خطر كبير على المريض. وأشارت إلى أن هذه الظاهرة انتشرت مؤخرًا بين السوريين بسبب ما يرونه من توفير في أجور الطبيب والنقل، لعدم قدرتهم الحالية على تحمل تكاليفها.
وشدّدت على أن التشخيص السريري لأي حالة صحية ضروري جدًا، إلى جانب معرفة القصة المرضية وتاريخها، وهو ما لا يمكن أن يقوم به سوى الطبيب المختص. وأكدت أن وصف العلاج المناسب ليس من مهمة “الطبيب الشامل” المتمثل بغوغل.
وأكدت النقاوة أن كثيرًا من الحالات مؤخرًا أصيبت بطفح جلدي بسبب “معاينة غوغل”، واضطرت إلى علاج طويل. وأشارت إلى أن هذا ينطبق على الأمراض الجلدية، حيث يمكن للمريض ملاحظة مضاعفات العلاج بعينه، لكن هناك أمراضًا خطيرة قد تودي بحياة المريض من دون أن يشعر، مثل أمراض القلب والضغط والسكري، حيث إن أي خطأ في جرعة الدواء أو تغييره بشكل عشوائي يشكّل خطرًا على حياته.
في دمشق.. معاينة الأطباء بالدولار
رصد موقع “تلفزيون سوريا” خلال جولة على عدد من الأطباء في دمشق وريفها، ارتفاعًا كبيرًا في أجور المعاينة في العيادات، مع طلب معظم الأطباء الدفع بالدولار. كما لاحظ تفاوتًا كبيرًا في الأجور بين أطباء دمشق وأطباء ريف دمشق.
وتتراوح أجور المعاينة في مدينة دمشق بين 100 و250 ألف ليرة سورية، بحسب شهرة الطبيب وخبرته وعدد سنوات مزاولته للمهنة، إضافة إلى موقع العيادة. أما في أرياف دمشق، فتتراوح الأجور بين 50 و150 ألف ليرة، وفقًا لاختصاص الطبيب واسمه.
ويُلاحظ أن أطباء الأسنان يتقاضون أعلى أجور، وغالبًا ما يطلبون الدفع بالدولار بدلًا من الليرة السورية، رغم تقلبات سعر الصرف. هذا ما يدفع كثيرًا من المرضى للبحث عن طرق علاجية أقل كلفة، بسبب أوضاعهم الاقتصادية الصعبة.
وقال الطبيب خالد مرعي خلال لقاء مع موقع “تلفزيون سوريا”، إن أجور المعاينة داخل العيادات شبه ثابتة بين الأطباء، لكن أسعار التحاليل والصور تتذبذب بسبب نقص المواد، وصعوبة تأمينها إلا بالدولار. وأكد أن التصوير الشعاعي البانورامي ضروري في كل معاينة لضمان بدء العلاج بشكل صحيح، وتتراوح كلفته بين 45 و75 ألف ليرة، بحسب مركز التصوير.
وأوضح مرعي أن عمل طبيب الأسنان مكلف أكثر من باقي الاختصاصات، لأن المعدات الطبية مثل الكرسي وأجهزة التعقيم لا تعمل إلا على الكهرباء. وقال إن غياب التيار الكهربائي يعيق العمل الطبي، ما يدفع معظم الأطباء للاعتماد على اشتراك أسبوعي بمولدات “الأمبيرات” أو تشغيل مولدات خاصة. كما أشار إلى نقص المواد والأدوات الطبية في الأسواق، ما يزيد من أعباء الكلفة.
أجور المشافي الخاصة خيالية والحكومية “تتدهور”
ارتفعت أجور المستشفيات الخاصة في سوريا إلى مستويات خيالية، حيث تجاوزت كلفة حجز غرفة للمريض مليوني ليرة سورية، بحسب نوع المشفى والطبيب المختص ونوع الإجراء الطبي.
رصد موقع “تلفزيون سوريا” أن العمليات الجراحية تبدأ أجورها من 20 مليون ليرة، وقد تتجاوز 400 مليون، بحسب نوع العملية. فعلى سبيل المثال، تتراوح كلفة عملية القلب المفتوح بين 100 و200 مليون ليرة، في حين تبدأ أجور غرفة العناية المشددة من مليوني ليرة لليوم الواحد.
وتتراوح أجور عمليات المفاصل بين 100 و500 مليون ليرة، بحسب نوع المفصل المستخدم وكلفة الأدوات والطبيب. وتُعتبر عمليات القلب والمفاصل من الحالات التي لا تتحمل الانتظار في المشافي الحكومية نظرًا لخطورتها.
أما العمليات “النظرية” فتختلف أسعارها بين مشفى وآخر، وتبدأ من مليون ونصف مليون ليرة، وقد تتجاوز 5 ملايين، بحسب الطبيب والأدوات المستخدمة.
وتشهد أسعار الصور الشعاعية ارتفاعًا كبيرًا، حيث تبدأ كلفة التصوير الطبقي المحوري في المشافي الحكومية من مليون و800 ألف ليرة وتصل إلى 4.5 ملايين، بينما تتجاوز كلفة صورة الرنين المغناطيسي 7 ملايين. أما صورة الصدر في المراكز الخاصة فتتراوح بين 250 و500 ألف ليرة.
في المقابل، تتدهور أوضاع المشافي الحكومية بشكل مستمر، بسبب نقص الكوادر الطبية التي تتجه للتعاقد مع القطاع الخاص بسبب تدني الرواتب. وتعاني هذه المشافي من شح في الأدوية والمواد الطبية، خاصة الإسعافية مثل الدم والمعقمات، إضافة إلى غياب المعدات الأساسية كأجهزة التصوير ومعدات العمليات وعبوات الأوكسجين.
ويضطر المرضى في المستشفيات الحكومية إلى الانتظار لعدة أيام أو حتى أسابيع قبل تلقي العلاج، بغض النظر عن خطورة حالتهم الصحية.
هذا الواقع دفع كثيرين إلى العزوف عن تلقي العلاج في المشافي، والاكتفاء بالمسكنات أو اللجوء إلى محرك البحث “غوغل” لتشخيص أمراضهم وتحديد أدويتهم بأنفسهم.
تلفزيون سوريا
————————–
فلول الأسد في الساحل السوري.. تهديد مستمر رغم انتهاء العمليات العسكرية/ حسام الملحم
2025.03.27
رغم إعلان وزارة الدفاع السورية قبل أكثر من أسبوعين انتهاء العمليات العسكرية في مناطق الساحل، ضد فلول النظام السابق، لكن مخاطر الفلول والتهديدات بشن هجمات ضد الأمن العام والمدنيين ما تزال قائمة.
أعلنت وزارة الدفاع في 10 آذار، انتهاء العملية العسكرية التي استمرت لثلاثة أيام في الساحل السوري، بعد هجمات من فلول النظام السابق على أرتال لقوات الأمن العام في ريف اللاذقية، ومحاولة السيطرة على مواقع استراتيجية وحيوية حملت طابع انقلاب وتمرد.
هجمات الفلول التي أسفرت عن مئات القتلى من الأمن العام والمدنيين وما حملته من انعكاسات على المستوى الإنساني والخدمي في مناطق الساحل، ورغم إفشال تهديداتها والحديث عن تأمين المنطقة، فإن صفحتها لم تطوى بالكامل، إذ تعرض حاجز لإدارة الأمن العام لهجوم من فلول الأسد، الخميس 27 آذار، في قصر منذر الأسد في صلنفة، هرب بعده منفذو الهجوم.
كما أن المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل ياسر الفرحان قال خلال مؤتمر صحفي في 25 آذار، إن مسلحين من فلول النظام البائد كانوا موجودين في المناطق المحيطة بعمل اللجنة المشكلة بقرار رئاسي للتحقيق في الانتهاكات التي حصلت في الساحل خلال العملية العسكرية، وطالت مدنيين، موضحاً أن التحرك في المناطق التي شهدت الأحداث ما زال خطراً.
يأتي هذا كله بالتزامن مع عمليات مستمرة لضبط مستودعات السلاح المنفلت في الساحل، جرت أحدثها في 25 آذار، بعد جلسة مع وجهاء وأعضاء لجنة السلم الأهلي في مدينة القرداحة، حين سلّم أهالي المدينة لإدارة الأمن العام طائرات مسيرة انتحارية من طراز “FPV” من مخلفات النظام المخلوع.
مخازن سلاح وخبرات عسكرية
الأحد الماضي، تم ضبط كميات من الأسلحة والذخائر المتنوعة كانت مخبأة في بئر مهجور في قرية المضابع بريف حمص الشرقي، بالإضافة إلى عثور قوى الأمن العام على مستودع أسلحة، وذخائر وقنابل ومناظير ليلية في بلدة العزيزية غربي حمص الإثنين الماضي.
كما استلمت إدارة الأمن العام في 22 آذار، من وجهاء قريتي البودي والقلايع بريف جبلة في اللاذقية، أسلحة خفيفة، في إطار جهود متواصلة لضبط انتشار السلاح وحصره بيد الدولة، وضبطت في اليوم نفسه، مستودع أسلحة في مدينة القرداحة.
خلال عملية تمشيط في محيط مطار حميميم بريق اللاذقية، عثرت قوات وزارة الأمن العام على كميات من الأسلحة والذخائر قرب أسوار المطار، في 18 آذار، كما أعلنت في 11 آذار، اليوم التالي لانتهاء العملية العسكرية، تسلم كمية من الأسلحة المتنوعة في حي الدعتور، في اللاذقية، بعد اتفاق مسبق مع الوجهاء يقضي بحصر السلاح بيد الدولة فقط، وضبطت في اليوم نفسه، مستودع سلاح في مدينة القرداحة.
المحلل العسكري والاستراتيجي، العقيد عبد الجبار العكيدي، أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أن العمل العسكري ضد فلول الأسد لن ينتهي في فترة قريبة، فهناك ألوف من الفلول من ضباط وصف ضباط وضباط جيش وقادة فرق وقادة ألوية ورؤساء أفرع أمنية وضباط مخابرات، وقسم كبير منهم مطلوبون للعدالة وقد تكون أحكامهم قاسية جداً وهم يعلمون ذلك، ما يعني أنهم لن يسلموا أسلحتهم وسيواصلون زعزعة الاستقرار والأمن وتنفيذ عمليات ضد الأمن والجيش والمدنيين حتى من حاضنتهم الجغرافية لإثارة النعرات الطائفية.
وبرأي العكيدي، فالعملية ضد الفلول في الساحل حققت جزءاً من أهدافها، لكن هذا الملف لن ينتهي في وقت قريب ويحتاج التعامل معه إلى ترتيبات أمنية وعسكرية عالية المستوى، كما أن إعادة الفلول ترتيب صفوفها مسألة واردة كونهم أصلاً منظمين، فهم ضباط وصف ضباط كانوا إلى وقت طويل في المؤسسة العسكرية وشاركوا في قمع الشعب السوري، ولهم تراتبية عسكرية وأمنية وخاضعين لدورات قائد كتيبة ودورة ركن ودورة أركان عليا ودورة صاعقة ومعلم صاعقة وإنزال مظلي ودورات أمنية كثيرة، ولديهم خبرة عسكرية إلى جانب التنظيم.
ومن الضروري اتخاذ إجراءات صارمة وحديثة لملاحقتهم ونشر قوات كبيرة في الجبال الساحلية كون هذه المنطقة وعرة وجغرافيتها قاسية، والفلول من أبناء هذه المناطق ويعرفونها جيداً وقادرون على استثمار التضاريس الصعبة، ما يعني ضرورة اتباع استراتيجية جديدة لملاحقتهم وتتبعهم.
حالة غير مستقرة
تعتبر الحالة الأمنية في الساحل غير مستقرة بعد، ففلول الأسد موجودون ومختبئون في الجبال والوديان وقاعدة حميميم ولبنان والعراق ومناطق شمال شرقي سوريا، وإيران ما تزال تحركهم ولديها سطوة عليهم، و”حزب الله” كذلك، ما يستوجب استراتيجية حاسمة وحازمة وتفعيل هيئات العدالة الانتقالية ونشر أعداد كبيرة من قوات الجيش.
ويحتاج الساحل على الأقل لثلاث فرق عسكرية قوام كل منها لا يقل عن 15 ألف عنصر، لبسط الأمن، وتحديداً خلال المرحلة الهشة الراهنة، وهذا يتطلب ترتيبات ومصالحات مجتمعية وحديث مع الأهالي وطمأنة الساحل وإشراك كل مكونات الشعب في الحكم والاعتماد على عناصر من مختلف مكونات الشعب، بالجيش والأمن، لتكون هذه المؤسسات شاملة ومتعددة لا تنحصر في فئة من الناس، حتى تتمكن الدولة من ترسيخ الأمن في كل سوريا، وفقا لـ العكيدي.
ويستبعد العكيدي وجود خطورة كبيرة تؤثر على الدولة ومستقبلها أو الحكم، كما جرى في الفترة الماضية بمحاولة الانقلاب التي أفشلها تجاوب العناصر الثورية، مع احتمالية أن تواصل فلول الأسد محاولاتها في زعزعة الاستقرار على شاكلة ما يحصل في تركيا على يد “حزب العمال الكردستاني” المختبئ في الجبال منذ عقود دون طي صفحته بالكامل، ما يعني أن وجود هذه الفلول يهدد الأمن ويؤخر بسط الدولة لنفوذها على كامل الجغرافيا السورية.
من جهته يرى المحلل العسكري الرائد طارق حاج بكري، أن العملية العسكرية للقوات الحكومية غير نهائية طالما هناك فلول ومخازن أسلحة تتكشف كل يوم، بالإضافة إلى وجود عناصر تهدد الأمن العام من المجرمين المطلوبين الذين يثيرون القلاقل والفتن والنعرات الطائفية، ما يعني أن العملية لن تنتهي حتى تحييد خطر هذه الفئة.
وقال حاج بكري لتلفزيون سوريا، إن المخاوف من تحركات الفلول ما تزال قائمة لكنها أقل من قبل، نتيجة للضربات المحكمة التي يجري تنفيذها واعتقال متورطين في هذه الأحداث، والتعاون الأهلي في تقديم معلومات حول مستودعات الأسلحة في الساحل، إذ ما تزال هناك مخازن وكميات كبيرة من الأسلحة مخبأة في الساحل، وتحاول الفلول الاستفادة منها رغم التضييق الأمني وتعاون الأهالي مع الجهات الأمنية.
إلى جانب كل ذلك، قدرة الفلول على التحرك باتت أضعف من قبل، لكن التحريض الخارجي متواصل لإثارة الفتنة، عبر نشر شائعات لبث عزيمة في صفوف الفلول بغرض تحقيق خلل واستجداء النفوذ الأجنبي إلى الساحل ووضعه تحت حماية أجنبية، لكن الأوضاع في الساحل تستقر أكثر فأكثر بتعاون الأهالي وضبط مستودعات الأسلحة، مع وجود إرادة شعبية حقيقية لدى أهالي الساحل للعيش بأمان، من دون إغفال الحاجة لطمأنتهم من قبل الدولة بسبب مخاوفهم القائمة على وجود متورطين من أبنائهم وفي مناطقهم.
نقاط التفتيش لا تهزم التمرد
برنامج “تهديدات حرجة” وهو برنامج أميركي أطلق عام 2009، ويجري تحليلات استخباراتية ويقدم توصياته للكونغرس الأميركي وعامة الناس، قال في نهاية العملية العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل السوري، إن عمليات مكافحة التمرد الحالية التي تنفذها الحكومة السورية غير كافية لهزيمة خلايا المتمردين الموالية للأسد في جميع أنحاء سوريا، إذ شنت قوات الحكومة عمليات رئيسية لمكافحة التمرد في معاقل النظام السابقة، وتزامنت العمليات مع انخفاض في نشاط المتمردين، لكن خلايا المتمردين (الفلول) واصلت هجماتها على قوات الحكومة، في حين وسّعت نطاق هجماتها في جميع أنحاء محافظة طرطوس.
ويرجح البرنامج الأميركي أن يكون انخفاض معدل هجمات المتمردين خلال عمليات مكافحة التمرد الرئيسية مرتبطاً بانسحاب المتمردين من منطقة ما طوال مدة العملية، وليس انعكاساً لنجاح العملية في تدمير الخلايا، فالاشتباكات كانت قليلة بين المتمردين وقوات الحكومة السورية خلال عمليات مكافحة التمرد واسعة النطاق تلك، مما يشير إلى أن المتمردين يختبئون ويتجنبون الاشتباك.
وتتطلب عمليات مكافحة التمرد أن تحافظ قوات الأمن على وجودها في منطقة ما للسيطرة عليها ومنع المتمردين من إعادة تأسيس علاقاتهم مع قاعدة دعمهم، في الوقت الذي أعلنت به الحكومة السورية أن قواتها بدأت الانسحاب من الساحل بعد نجاحها في دفع المتمردين خارج مراكز المدن.
وأنشأت القوات الحكومية نحو 150 نقطة تفتيش لمنع حركة المقاتلين من فلول الأسد، لكن نقاط التفتيش وحدها لن تهزم التمرد، لأن نقاط التفتيش تقام عادةً على الطرق الرئيسية، وليس على الطرق والمسارات الصغيرة المعروفة للمقاتلين المحليين والتي يمكنهم من خلالها تجاوز نقاط التفتيش بسهولة، كما أن نقاط التفتيش الثابتة لا تدمر قوة المتمردين وعادةً ما تفشل في حماية السكان.
—————————
حملة مغرضة على “تلفزيون سوريا”…والموظفون يردّون
المدن – ميديا
السبت 2025/03/29
قال عاملون في “تلفزيون سوريا” المعارض لنظام الأسد المخلوع أنهم فوجئوا بحملة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، تستهدفهم شخصياً، والتلفزيون بشكل أوسع، بعد أنباء عن تعيين مدير التلفزيون حمزة المصطفى، وزيراً للإعلام في الحكومة السورية الجديدة التي من المتوقع أن تصدر تشكيلتها النهائية في وقت لاحق ليل السبت.
وتنوعت منشورات الحملة ضد التلفزيون، بالقول أنه منصة إعلامية موالية لـ”حزب الله” إلى منصة إعلامية موالية للإسلام المتطرف وغيرها من المنشورات الزاخرة بالتجنّي والافتراء.
وفيما يعتبر نقد الإعلام والعاملين في الشأن العام من قبل الجمهور طبيعياً وصحياً، إلا أن وجود حملات منسقة تنشر معلومات مضللة وكاذبة، مع تهديدات شخصية للعاملين في وسائل الإعلام كـ”تلفزيون سوريا” اليوم، يتخطى حرية التعبير، وهو ما ركز عليه الصحافيون في القناة في منشوراتها عبر حساباتهم في مواقع التواصل.
وكتب الإعلامي ماهر الوكاع العامل في التلفزيون: “نشرنا في موقع تلفزيون سوريا منذ تأسيسه قبل 8 سنوات أكثر من 130 ألف عنوان، ليس فيها ما يدافع عن ميلشيا أو غيرها ممن أجرم بحق السوريين. هل هناك أبلغ من نص مكتوب ووأضح ليكون مرجعاً؟ مع ذلك يُترك جانباً وتتلقف بشكل انتقائي أكاذيب تكرر في غرف الصدى، وتنقل بطريقة الـShitposting التي ابتدعها طباخ بوتين لمهاجمة أعداء روسيا ومن بينهم الثورة السورية، بهدف صنع حقائق خيالية عن أشخاص وشخصيات اعتبارية، تُبنى على نظرية المؤامرة”.
وأكمل الوكاع: “عملتُ في تلفزيون سوريا منذ تأسيسه، ولم يكن فيه أي توجيه تحريري يخالف ضمير الثورة. والدليل ليس ما أقول، ولا ما يُقال. الدليل قائم ومسجل وموثق في كل ما نُشر وما يُنشر. هناك خط واضح، قيمي وعقلاني فقط”.
وقال الإعلامي عصام اللحام: “اعتاد البعض إطلاق الأحكام والتّهم عبر مواقع التواصل وكأنها مَحاكم بأحكام نهائية وإن كانت افتراضية، من دون الاستناد في بعض الأحيان إلى أدلة بل إلى المشاعر والروايات المفسرة بشكل خاطئ أو المغلوطة عمداً. يفرض العمل الإعلامي بطبيعته على المشتغلين به أن يكونوا على محكّ مباشر مع الجمهور وأصحاب القرار وأن يتحملوا ضغوط الطرفين وهذه ليست رفاهية أو خياراً بل هي قدر تفرضه المهنة”.
وتابع اللحام: “عملية إدارة المحتوى في تلفزيون سوريا في غاية الصعوبة والخطورة، وهي محفوفة دوماً بالنيران والألغام، واتخاذ القرار منذ سنوات بالاتجاه نحو المهنية وضع المؤسسة في مواجهة مع الجميع في بلد فيه استقطاب مرعب، لكنه يرغب في الحقيقة ولديه في الوقت ذاته نزوع إلى إخفائها على سبيل التفريغ”.
ومنذ انطلاقته العام 2018 وقف التلفزيون إلى جانب الثورة السورية بخط تحريري واضح، قائم على الالتزام بأهداف ثورة السوريين في الحرية والكرامة، وتأييد قيم الحرية وحقوق الإنسان والديموقراطية ورفض التطرف والعنف.
ونشأ التلفزيون في مرحلة انتكاسة الثورة السورية لا صعودها، في حين كان نظام الأسد يروّج فكرة أنه “ينتصر” ويبسط سيطرته مع حلفائه على معظم مساحة سوريا. وفيما كانت معظم وسائل الإعلام السورية المعارضة الأخرى تغلق أبوابها في تلك الفترة، كان “تلفزيون سوريا” إحدى المساحات القليلة المستمرة والتي دأبت على تنقل الصوت المعارض للأسد.
المدن
—————————–
القومية والوطنية وعاصفة المتغيرات/ أحمد جابر
السبت 2025/03/29
تشكل قضايا التحرر والتقدم والاستقلال، مرايا عاكسة لأحوال الحركات السياسية العربية منذ وقت مبكر، ولعل التأريخ لتلك الحركات يكتسب معنىً ملموساً أكثر، منذ اضطراب أحوال السلطنة العثمانية وصيرورتها رجلاً مريضاً، وخلال السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، والسنوات التي جاءت بعدها.
جاءت الاستقلالات الوطنية المتعاقبة، في عدد من الكيانات العربية التي صارت دولاً، لتقدم مرايا أخرى وصوراً جديدة لأحوال السياسات العامة التي توزَّعت بين وطنية وما فوق وطنية، وذهبت جيئة وذهاباً، بين هويّة داخلية، كانت لها داخلاً في الأيام العثمانية، وبين هوياتٍ لم تفارق هواها الخارجي هذا، حتى وهي تعيد تعريف ذواتها في الكيانات الناشئة المتفرقة.
في امتداد صراع “الهويات” الذي عاشت فصوله التجمعات الطائفية والمذهبية والعرقية، احتلّت القضية الفلسطينية مركز الجذْب، وأخذت الانتباه كلّه إلى الصورة العربية كلها، وباتت مرآة، شِبْهَ وحيدة، لانعكاس واقع تشابك القضايا العربية وتداخلها. وعلى ذلك صارت فلسطين منبر الخطاب المختلط، الذي يجمع بين سطوره التحرّري الوطني، والتقدّمي الاجتماعي، والنَهْضَوِي الفكري، والاستقلالي المنْعَتِق من التبعيّة، والقوميُّ الذي يُعْلِي من شأن القومية والوحدة، ويَحُطُّ من قَدْر كل وطنية وليدة تعيق مجموع الخطاب السياسي العام للذات العربية الجامعة.
تكرَّرت الهزائم العربية على مختلف جبهات المهمات التي تصدّى لها القوميُّ العابر للمحليّات، والتي خاضها الوطني أيضاً، الذي حسب أنه ينجح بمقدار ما يصرخ وطنياً، وبمقدار ما يهمس قومياً، وبما لا يتجاوز إيقاع معادلة المصلحة التي لا توازن الغُنْمَ والغُرْمَ في العلاقة، بل تحاول أن يكون لها من المعادلة غنمها… المفتوح على توسيع رقعة الغنم وتعظيمها.
لم تُصِبْ القومية الما فوَق وطنية نجاحاً، وهي وإن شكّلت وعداً، أو طموحاً في حقبة معينة، فإن غمامة الوعد والطموح انقشعت سريعاً، ولم يمكث في ديار الوعد، ولدى شعوبه، سوى ديكتاتورية الإيديولوجيا وقمع المخابرات، وسياسات الإفقار والتخلّف، أي كل ما أبْقَى القومية والعروبة على هامش الكتابة التاريخية، وخارج ميادين الفعل التاريخي، ذي الجدوى العملية التاريخية. الهزيمة الما فوق وطنية كانت، هي بالذات، ركيزة للهزيمة الوطنية الداخلية، وانفجار الفشل العام توزّعت شظاياه فشلاً خاصاً على كل بلد خاص. لقد أُقفل أفق الطموح العربي العام، الذي كان فضاء عاماً مفترضاً يستظله المكوّن العربي العام، وعلى ذلك استقلّ كل مكوِّن بجزء من فضاء أشمل، وأخذ معه نصيبه من الفشل والإقفال، بما يتلاءم والمسيرة الذاتية لكل معطى تكويني، وبما يتوافق مع تطوّر أوضاعه، خلال حقبات من المحاولات الما فوق وطنية، والما دون وطنية.
الخسائر النازلة اليوم بالوضع العربي، ما زالت مفتوحة على أخطار شتّى، من المداخل الفلسطينية التي أخذتها اللغة النضالية إلى أسوأ نتائجها، ومن المداخل اللبنانية، التي نهضت نضاليتها بالتحرير الداخلي، ثم أضاعته في متاهات الارتباطات الإقليمية، ومن المدخل السوري المهدّد بوحدة الأرض والشعب، وبحرية الحركة واستكشاف المصير.
هذه الأخطار ترعاها هجمة استعمارية أميركية جديدة، وتنفذها ذراع “بولفورية” مستعادة من زمن الوعد البلفوري المشؤوم، ويسهّل لها عجزٌ عربيّ يلامس الموات، فلا يندّ عنِ “العروبة” اليوم، ما يتجاوز طلب إدانة، أو طلب استرحام، من الدولي “التاجر”، أو من العدو “الفاجر” والقاهر.
في العقود الأخيرة، استولت “الإسلامية النضالية” على راية الردود “القومية” لكن ردّ الإسلامية ظلّ ما فوق وطنيّ، بالتبعية أو بالاعتقاد، أو بالأمرين معاً، لذلك ظلّ الصوت “الإسلامي”، القديم- الجديد، خارج الإضافة القومية، لأنه عرّف قضاياه تعريفاً دينيّاً وسحب التعريف الديني على سائر العناوين القومية.
في الحصيلة، لا مناص من الاعتراف أن كل تعريف ديني لأية قضية عربية عامة، اعتداء على الجامع القومي وعلى الخصوصية الوطنية، واعتداء على الاجتماع العربي العام والخاص، عندما يجعل هذا وذاك، معتقداً إيمانيّاً، في منطقة كثرت اجتهاداتها ضمن الدين الواحد، وضمن المذاهب المتفرقة.
ولأن تكرار التجربة الخاطئة خطأ جسيم، فإن المناداة بقوميّة الرد الشامل، في الظرف الراهن المعلوم، هي صرخةٍ في وادٍ. لكن ذلك لا يشكل جواز مرور إلى شتم كل دعوة إلى استنبات القومية وإعادة تشكيلها من مواد حيّة ونابضة تتجاوز ما كان لها من مَوَات.
شتم القومية سياسياً، وعلى وجه الإطلاق، يمارسه جمع من المثقفين الذين كانوا يساراً وقوميين وتقدميين، من غير نقد عميق، ومن غير مراجعة سياسية جادة. وهم إذ يغرقون في “لعن ذواتهم” الماضية، فإنهم يفرطون أيضاً في مديح “الظل العالي” لذواتهم الخصوصية المحلية، ويغالون في البحث عن الفوارق التكوينية التي تكفل تمييز كيانيتهم الوطنية، فيقعون بعد ذلك، على وطنية ما دون الوطنية، أي على هويات داخلية متفرقة، ما زالت تحاول هوية وطنية منذ زمن استقلالها، ولمَّا تفلح حتى تاريخه، في الاستواء فوق تلك الأرض الهوياتية الوطنية المنشودة. أين الشواهد على ذلك؟ لبنان شاهد، ومثله سوريا والعراق وليبيا واليمن… حيث الارتداد إلى عناصر التكوين الأولى لدى كل عاصفة سياسية.
ما هو الغائب في حضرة القضايا التي ما زالت تنعشها الحرب الطاحنة اليوم، في فلسطين، والعدوانية الجامحة في لبنان؟ الغائب هو ذلك الابتكار الراهن والمستقبلي، الذي يُعيد صياغة الفكرة القومية من مادة ضرورتها البنيوية العامة، ومن مادة ارتباطها بكل بنيوية وطنية خاصة. هذا الارتباط له أفكاره، وله قواه وبرامجه وسياساته، وله المستقبل الذي يرى أن قوّة “العروبة” هي في اجتماع أبنائها على رؤية وعلى سياسة وعلى أفعال، ويرى المستقبل أيضاً في الوطنيات التي لها مناعتها الداخلية، ووحدتها الاجتماعية، وخصائصها التكوينية التي يجب أن تكون واضحة الحضور، وجليّة الاحترام.
بين الداخل والخارج، علاقة لا تنفصم. بين العروبة والوطنية، تكامل لا ينقطع. لعل ترابطاً آخر، يعيدنا إلى أول طريق نهضة عربية جديدة. النهضة واجب مصيري، هذا قبل أن تذرو العرب والعروبة والأوطان، عواصف السطوة الخارجية.
المدن
—————————–
جورج أمن عام.. جورج في الوزارة… إلخ/ عمر قدور
السبت 2025/03/29
قبل يومين تداول البعض (بحفاوة) خبرَ وجود متطوّع في الأمن العام يحمل اسم جورج، وكأن وجود مسيحي ضمن جهاز الأمن ظاهرة مستجدة في سوريا، ما استدعى ردّ فعل ساخر وهزلي سرعان ما عمّ وسائل التواصل. جورج في الأمن العام أعاد إلى الذاكرة جورج آخر من حلب، حيث سُلِّط الضوء عليه آنذاك وهو يعرّف بنفسه، مع التشديد على اسمه، للقول أن هيئة تحرير الشام (التي سيطرت على المدينة في مستهل عملية ردع العدوان) تتعامل على نحو جيد مع الأقليات، بخلاف ما هو متوقّع من تنظيم يحمل أيديولوجيا إسلامية متشددة.
وعشية الإعلان المتوقّع عن الحكومة الجديدة، تم تداول اسم لامرأة مسيحية بين الوافدين الجدد إلى الحكومة، واسمها هو الوحيد المتفق عليه ضمن التكهنات الشائعة، والتي تنص أيضاً على احتفاظ وزراء الدفاع والخارجية والداخلية بمناصبهم. أيضاً يأتي تسليط الضوء على السيدة (الوزيرة إذا صحّت التوقعات) من جهة منبتها الديني، لا على قاعدة أهليتها للمنصب الذي يُفترض أن تشغله.
ضمن الأقاويل ذاتها، هناك أخبار عن تعيين وزراء من المنابت الدرزية والكردية والعلَوية، من أجل إعطاء الحكومة صفة التمثيل الجامع للمكونات المذهبية والإثنية. والهدف من ذلك، بموجب ما هو معروف ولو لم يكن معلَناً، إرضاءُ قوى الخارج التي تطالب بحكومة ذات تمثيل واسع، وتربط تحسن العلاقات مع السلطة بذلك، خصوصاً في موضوع التخفيف من العقوبات تمهيداً لإزالتها في آخر المطاف.
عموماً، لا يوجد في سوريا شيوخ طوائف، ولا قادة لأحزاب طائفية كما هو الحال في لبنان والعراق المجاورين، أي أن الأسماء التي ستدخل الحكومة لن تكون لها صفة تمثيلية معترف بها ضمن منابتها. ومن المعلوم أن السلطة الجديدة رفضت مبدأ المحاصصة، أما إرضاء الخارج بحكومة تضم وزراء من منابت مختلفة، فلا يندرج في إطار المحاصصة، لأنه لا يندرج ضمن تقاسم صريح للسلطة على النحو المعمول به في لبنان والعراق. من هذه الناحية أيضاً لا يكون ضمّ هؤلاء الوزراء ذا قيمة أو دلالة، ولا يخالف ما كان دارجاً أيام العهد البائد على صعيد (تزيين) الطقم الحاكم بتشكيلة ذات مناصب فخرية، أو شبه فخرية، مع التذكير بأن تمركز السلطة كان يُفرغ المناصب الأدنى شأناً من أية أهمية أو فعالية.
مشكلة هذا التقليد أنه مجرد واجهة شكلانية، ترضي الغرب غالباً، والعمل به لا يتجه إلى إرضاء الداخل الذي يُفترض أن يكون له الأولوية، ما يؤدي غالباً إلى ترجيح كفة الخارج ثم عدم الاكتراث بالداخل الذي يفقد ثقته بجدية إشراكه في الدولة. وإرضاء الداخل لا يمرّ حتماً بمنطق المحاصصة كما يُشاع حالياً، فتكريس الأخيرة كان في كافة التجارب ترجيحاً لهيمنة الجماعات على أفرادها، وإعاقةً للعملية الديموقراطية أو للسير في طريق التغيير الديموقراطي.
اليوم، يعلم الجميع أن القرار هو للهيئة الحاكمة، وأنصارها كانوا واضحين منذ البداية في القول: مَن يحرر يقرر. هذا الواقع، حسب الإعلان الدستوري، مستمر حتى خمس سنوات، والحديث عن عملية تشاركية حقيقية في السلطة خلالها سيكون لا معنى له، أي أن توزيع المناصب الحكومية، وأولئك الذين سيُعيّنون في مجلس الشعب، لن يكن لهما ثقل في عمليات اتخاذ القرار. نضيف إلى هذه الوضعية عدم وجود معارضة منظّمة تطرح إسقاط الحكم، والمعارضة الوحيدة الموجودة بقوة هي التي خارج سيطرة الهيئة؛ في السويداء ومناطق سيطرة قسد حيث التجربة الحزبية الكردية (على علاتها) أكثر انتشاراً وقوة.
ما يطمئن الأقليات أو المكونات، ونسبة كبيرة أيضاً من ذوي المنبت السني، أن تكون هناك دولة قانون تكفل تكافؤ الفرص للمواطنين بلا تمييز. ومن الجيد أن تتذكر الهيئة الحاكمة أن السوريين هتفوا لأجل الحرية عام 2011، أي أن الحريات الموجودة آنذاك كانت أضيق من تطلعات السوريين. ببساطة، سيكون من المستغرب، فوق ما فيه من هزلية، أن يُسوّق عمل جورج في الأمن العام كإنجاز للسلطة الحالية، وكأن جورج كان ممنوعاً من أمثال هذا العمل قبل آذار 2011!
الحديث عن تكافؤ الفرص يذهب أولاً إلى أحقية أصحاب الكفاءات في شغل المناصب غير السياسية، وبلا تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الجنس. تطبيق هذا المبدأ بصرامة هو ما يدلّ على جدية السلطة في عدم التمييز بين السوريين، وعدم هيمنتها على الفضاء العام، وما يشير تالياً إلى استعدادها لإتاحة الفرصة للتنافس السياسي بعد المرحلة الانتقالية.
من دون ذلك سيكون ما يُشاع عن كونها حكومة تكنوقراط شكلانياً أيضاً، لأنه يبقى مقتصراً على رأس الهرم، لا بمثابة ناظم للبيروقراطية بمعناها الحميد. ومع الشكوى من قلة الكفاءات، بسبب سنوات الصراع، سيكون تكافؤ الفرص بموجب قوانين وإرادة صارمتين هو الذي يجتذب الكفاءات السورية في الخارج، تحديداً منها جيل الشباب الذي أنهى تحصيلاً علمياً عالياً في بلدان الغرب. قسم من هؤلاء سيكون مستعداً للعودة فيما لو تأمنت له بيئة قانونية سليمة وموثوقة، تتيح له مساحة كافية من الحرية والأمان الراهن والاطمئنان للمستقبل. وما يُشاع عن عدم رغبة هؤلاء في العودة من بلدان اللجوء لا ينظر إلى حقهم في الحرية والأمان، مع التشديد على ذلك فيما يخص النساء، وإذا وجد لدى البعض اشتراطات تتعلق بالحصول على مناصب عليا فهناك كثر مما لا يشترطون هذا.
مع قرب اكتمال أربعة شهور على إسقاط الأسد، يُفترض أن تكون السلطة قد تجاوزت مرحلة التعرّف على المؤسسات العامة، والمطلوب من الحكومة الجديدة (وفق النظام الرئاسي الجديد) تقديم أداء لا يعتمد أساساً معيارَ اليأس. نعني بالأخير ذلك المعيار الذي ينطلق من التشاؤم المطلق، فيظهر كل ما هو أقل منه سوءاً كأنه إنجاز ثمين. تعاطي نسبة كبيرة من السوريين مع الهيئة الحاكمة هو من منظور المعيار نفسه، المعيار الذي يقيس على التشدد الأيديولوجي لهيئة تحرير الشام، ويغفل تماماً متطلبات بلد مثل سوريا.
الطريف في القياس المذكور أن يحسب كإنجاز للسلطة الجديدة الحفاظُ على الحريات الاجتماعية التي كانت سائدة لعقود من قبل، وأصول معظمها ترجع إلى العهد الأول للاستقلال، وأن يباهي أنصارها بـ”إنجازات” كان السوري العادي يسخر من العهد البائد وهو يسوّق لنفسه بإنجازات شبيهة؛ هي بالأحرى من أدنى مهام السلطات المعاصرة، وتُحاسَب على الإخلال بها. الحق أن هذا ليس طريفاً على الإطلاق، ويستدعي من السلطة الكفّ عن تقديم مواد تصلح للسخرية على غرار تطوع السيد جورج في الأمن العام؛ جورج الذي يستحق ألا يكون مادة للاستثمار من جهة والتندر من الجهة المقابلة.
المدن
————————
ترسيم حدود لبنان وسوريا يشكّل الاختبار الأول لعلاقاتهما
إنجاز كبير في جدة على الرغم من «هواجس» الماضي
بيروت: بولا أسطيح
28 مارس 2025 م
شكّلت الاشتباكات التي شهدتها الحدود الشرقية للبنان منتصف شهر مارس (آذار) الحالي أول اختبار للدولتين اللبنانية والسورية الجديدتين، في مقاربة الملفات المعقّدة والمتراكمة التي كان النظام السوري السابق كما الحكومات اللبنانية التي كان يسيطر عليها «حزب الله» تفضّل أن تبقى مجمّدة على حالها تبعاً لمصالح الطرفين. الحدود اللبنانية – السورية تمتد على طول أكثر من 375 كلم. ويُجمع الخبراء على أن تأخر ترسيمها، ووجود عوامل جغرافية واجتماعية تضاف إليها عوامل أخرى سياسية وأمنية، أمور تجعل منها «خاصرة رخوة» للبلدين، قد تشهد تجدد المواجهات العسكرية في أي وقت كان، وبخاصة أن فيها عشرات المعابر غير الشرعية التي تُستخدم لتهريب الأفراد والسلع والسلاح منذ سنوات طويلة.
شهد ملف ترسيم الحدود اللبنانية – السورية خلال الساعات الماضية خرقاً كبيراً بالإعلان من مدينة جدّة عن توقيع اتفاق برعاية ووساطة المملكة العربية السعودية بين وزير الدفاع اللبناني ميشال منسّى ووزير الدفاع السوري مُرهف أبو قصرة، جرى فيه التأكيد على «الأهمية الإستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عدد من المجالات، وتفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية على أن يُعقد اجتماع متابعة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة المقبلة».
مصادر مطلعة رأت أن دخول المملكة العربية السعودية على خط الوساطة بين البلدين «يجعل أي اتفاق أو تفاهم أمكن التوصل إليه ملزِماً للطرفين ويعطيه بُعداً أكثر جدية». وما تجدر الإشارة إليه هنا أن الجيش اللبناني ينشر 4 أفواج على طول الحدود اللبنانية – السورية بعدد عناصر يبلغ نحو 4838 عنصراً، يتوزّعون على 108 مراكز من بينها 38 برج مراقبة مجهزين بكاميرات وأجهزة استشعار ليلية، كما كان قد أعلن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. إلا أن هذا الواقع لم يحُل دون مواجهات عنيفة شهدتها هذه الحدود بدأت بين العشائر، وانضم إليها «حزب الله» قبل أن تتحوّل بين الجيش اللبناني وقوات الأمن السورية؛ ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص في لبنان و3 من الجانب السوري.
التطورات الميدانية
المناطق الحدودية – في شمال شرقي لبنان بالذات – كانت قد شهدت، بعد سقوط النظام السابق في دمشق، اشتباكات متفرقة بين مهرّبين من الطرفين. وأطلقت قوات الأمن السورية خلال شهر فبراير (شباط) الماضي حملة أمنية في محافظة حمص التي تحدّ شمال لبنان وشماله الشرقي؛ بهدف إغلاق الطرق المستخدمة في تهريب الأسلحة والبضائع. وتتهم هذه القوات «حزب الله» بأنه ينشط في رعاية عصابات التهريب عبر الحدود، وأن المواجهات المسلحة التي خاضتها على الحدود الشرقية للبنان شارك فيها عناصر الحزب بشكل مباشر. غير أن قيادة «حزب الله» نفت أي علاقة له بالموضوع.
وفي منتصف الشهر الحالي، بعد مواجهات دامية بين الطرفين على أثر اتهام سوريا عناصر «حزب الله» بدخول أراضيها وخطف وقتل ثلاثة من أفراد الجيش السوري، دخل الجيش اللبناني على الخط بإيعاز من رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون الذي أعطى توجيهاته بالردّ على مصادر النيران والانتشار في بلدة حوش السيد علي التي شهدت أعنف المواجهات. ومن ثم، أوكل الرئيس عون وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي التواصل مع السلطات السورية لحل الأزمة، قبل أن يتسلّم وزير الدفاع منّسى الملف.
الترسيم أولاًفي أي حال، يرى كثيرون أن حل الأزمة الحدودية بين البلدين تبدأ بترسيم الحدود. وحقاً، هذا ما نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي في عام 2006، وحمل الرقم 1680، ولحظ إلى جانب الترسيم إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، كما أكد على وجوب نزع سلاح الميليشيات. غير أن سوريا رفضت، يومذاك، القرار، واعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية، بينما رحّب به عدد من الدول الغربية بجانب الحكومة اللبنانية.
العميد المتقاعد خليل الحلو، الباحث اللبناني في الشؤون السياسية والاستراتيجية، يرى أن «مسألة ترسيم الحدود مع سوريا ليست مسألة طوبوغرافية حصراً، إنما لها بُعد اجتماعي باعتبار أن لدى كثيرين من اللبنانيين أملاكاً في الجهة السورية من الحدود، ما يتطلب نقاشات ومفاوضات طويلة». ويلفت الحلو في لقاء مع «الشرق الأوسط» إلى أن «القضية لا تُحل على مستوى وزيري الدفاع أو الجيشين اللبناني والسوري، بل تحتاج إلى مؤتمر قمة بين رئيسي جمهورية البلدين يضم وزراء متخصصين، وهي ورشة إذا ما انطلقت قد تستمر لسنوات».
وفق الحلو، فإن «تطبيق القرار الدولي 1680 مرتبط بشكل أساسي بقدرة الجيش اللبناني على الانتشار لضبط الحدود. وراهناً لديه 4 أفواج حدود برّية وعشرات أبراج المراقبة، كما يمتلك سلاح جو. وبالتالي، إذا ما كُلّف فعلياً ضبط الحدود عبر قرار سياسي واضح، لا بالكلام وحده، فهو قادر على ذلك، من دون تناسي أدوار الأجهزة الأمنية الأخرى في هذا المجال».
للعلم، تربط لبنان وسوريا 6 معابر نظامية، هي:
– معبر المصنع الذي يربط بين بيروت ودمشق من جهة البقاع الشرقي
– معبر جوسية الواقع بين بلدة القاع اللبنانية ومدينة القصير السورية
– معبر مطربا شرقي مدينة الهرمل اللبنانية
– معبر الدبوسية بشمال لبنان
– معبر تلكلخ غربي محافظة حمص، مقابل منطقة وادي خالد في عكار
– ومعبر العريضة قرب الشاطئ الذي يؤدي من شمال لبنان إلى مدينة طرطوس السورية.
أما المعابر غير الشرعية فتعدُ بالمئات.
الرؤية السورية
في هذه الأثناء، ترى جهات رسمية لبنانية، فضَّلت إغفال ذكر هويتها، أن السلطة الجديدة في سوريا «لا تبدو متحمسة أو مستعجلة» لبت الملفات العالقة مع لبنان، سواء الملف الحدودي أو ملف اللاجئين أو سواها من الملفات؛ نظراً لأن أولوياتها لا تزال محصورة بضبط الوضع في الداخل السوري، ومعالجة مئات الملفات لتسهيل أمور الناس داخل البلاد. وتشير مصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى وجود علامات استفهام حول قدرة السلطات الجديدة هناك من الإمساك بكامل الأراضي السورية وضمناً الحدود.
في المقابل، توضح السياسية والباحثة السورية – الأميركية الدكتورة مرح البقاعي لـ«الشرق الأوسط» أن «الدولة الجديدة في سوريا لا تزال في مرحلة التأسيس؛ إذ لم يتجاوز عمرها ثلاثة أشهر». ومن ثم تتطرق إلى «الكثير من القضايا والمشكلات العالقة في الداخل السوري، خصوصاً بعد سقوط نظام استبدّ بالحكم لمدة خمسين سنة ونصف السنة. لذلك؛ حتى الآن، لم يكتمل المشهد الداخلي السوري بصورته الرسمية والإجرائية».
وترى البقاعي أن «الاشتباكات عبر الحدود هي في منطقة لطالما كانت غير مستقرة لعقود. ثم أنها كانت تحت سيطرة النظام السابق في سوريا، شهدت تفاعلات معقدة، إذ كانت بعض العشائر المحلية على وفاق مع النظام الذي رحل، كما كان لها علاقات مع (حزب الله) في لبنان. هذه العشائر كانت تعمل على طرفي الحدود، وتعتمد بشكل أساسي على التهريب مصدراً للموارد».
وبحسب البقاعي، «تكمن المشكلة الأساسية في هذه المنطقة الحدودية – وتحديداً في المنطقة الشرقية – في غياب الأمن والسيطرة الفعلية، حيث تنتشر عصابات التهريب التي اعتاشت لعقود على هذه الأنشطة في ظل غياب أي تنمية حقيقية. ومع الواقع الجديد في البلدين، أتت الاشتباكات نتيجةً مباشرة لمحاولة الأطراف الجديدة فرض سيطرتها».
أما عن رؤيتها للحل، فتقول الباحثة السورية – الأميركية إنه «من الضروري البدء بوقف عمليات التهريب، لكن الحل الجذري يتطلب العودة إلى مسألة ترسيم الحدود بين البلدين. وهذا أمر معقّد وسيأخذ وقتاً؛ إذ إنه مرتبط بالوضع الإقليمي ككل، وليس فقط بالحدود اللبنانية – السورية، بل يشمل أيضاً الحدود اللبنانية مع إسرائيل».
وللعلم، تعدّ مصادر نيابية لبنانية أن وضع الحدود السورية الراهن مرتبطاً إلى حد كبير بوضع الحدود الجنوبية. وتشير لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود قرار أميركي – إسرائيلي حاسم بتضييق الخناق على (حزب الله)، وقطع كل طرق إمداده بكل الوسائل، ومن هنا تُفهم عمليات القصف الإسرائيلي التي نشهدها للحدود الشرقية بين الحين والآخر».
ولادة متعسّرة
في الحقيقة، بعد سقوط النظام في سوريا، كانت هناك خشية لبنانية كبيرة من تفلّت أمني ينسحب على لبنان. وظلّت السلطات في بيروت تراقب من بعيد التطورات إلى أن قرّر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي زيارة دمشق للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، إلا أن اللقاء بقي دون نتائج. وعملية.
أيضاً، عُقد لقاء بين الشرع وعون على هامش القمة العربية في مارس (آذار) الحالي، شدَّدا خلاله على ضرورة ضبط الحدود بين البلدين. لكن المواجهات المسلحة التي تلت اللقاء أكدت أن الملف يتطلب معالجة أعمق وعلى المستويات كافة.
هنا لا تُنكر مرح البقاعي أن «العلاقات السورية – اللبنانية تشهد ولادة متعسّرة، سواءً في سوريا بعد سقوط النظام، أو في لبنان بعد الفراغ الحكومي الطويل. وكلا البلدين في حاجة ماسة إلى التعاون في مختلف المجالات، وأهمها المجال الأمني».
وهي ترى أيضاً أن «ما يمنح الدولة السورية الجديدة شرعية كبيرة، ويجعل المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، يثق بها، هو أن بعض المجموعات التي كانت في السلطة سابقاً والمصنّفة على قوائم الإرهاب لم تعُد جزءاً من المشهد». وتتابع أن «الدول الأوروبية بدأت بالتعامل بشكل إيجابي مع الدولة الوليدة في سوريا. والسبب الرئيس لهذا التغير هو قدرة السلطات الجديدة في سوريا على إنهاء وجود حزب الله والميليشيات الإيرانية في البلاد خلال وقت قياسي… وهذا إنجاز يحسب لها، ليس فقط على المستويين الدولي والإقليمي، بل أيضاً بالنسبة للشعب السوري نفسه. إذ تم تحرير سوريا، وحياتها العامة، ومجتمعها من قبضة النفوذ الإيراني، الذي تسبّب في حالة من الفساد وانعدام الاستقرار لعقود طويلة».
الشرق الأوسط
——————————
تركيا تحكُم الطّوق حول عنق إيران؟/ أمين قمورية
28/03/2025
انتهت الحرب الطويلة في سوريا بخاسر كبير هو إيران، وبرابحين اثنين هما تركيا أوّلاً وإسرائيل ثانياً. وإذا كان الصراع على النفوذ الإقليمي بلغ ذروته بين إسرائيل وإيران، وأخذ منحى تصاعديّاً يشوبه التوتّر بين الدولة العبرية ووريثة الدولة العثمانية، فماذا عن مستقبل العلاقة بين أنقرة وطهران بعد اتّساع شقّة الخلاف والتنافس الصامت والتباعد المطّرد بينهما؟
أثناء الحرب السورية، دعمت كلّ من إيران وتركيا مسارين متعارضين للتعامل مع الأزمة. دعمت طهران نظام البعث وساندت أنقرة معارضيه. ومع ذلك حافظت كلتاهما على توازن دقيق بينهما على قاعدة “التنافس التعاوني”، وعملتا معاً ضمن مسار آستانا، وأبقتا قنوات التواصل الأمنيّ والاستخباري مفتوحة بينهما لتفادي أيّ تعكير لصفو العلاقات الدبلوماسية بين الجارين اللدودين، إلى أن حسمت أنقرة الجولة لمصلحتها.
إسقاط نظام آل الأسد بغطاء تركي لا لبس فيه أخرج سوريا من الفلك الإيراني وهزّ معادلة التوازن الدقيق التي حرص نظام المرشد علي خامنئي وحكومة رجب طيب إردوغان على استقرارها، واضعاً العلاقات الثنائية بين الطرفين على خطّ التوتّر العالي.
انتهت الحرب الطويلة في سوريا بخاسر كبير هو إيران، وبرابحين اثنين هما تركيا أوّلاً وإسرائيل ثانياً
ضربات تركيّة متلاحقة لإيران
جاءت الضربة السورية القاتلة في وقت لم تستوعب إيران بعد تداعيات الهزيمة الكبيرة التي مُنيت بها في القوقاز، بعدما استطاعت القوات الآذريّة بدعم من أنقرة عام 2020 إلحاق الهزيمة بحليفتها أرمينيا، واستعادة السيطرة الكاملة على إقليم ناغورني قره باغ عام 2023. هذا الانتصار بنكهة تركيّة منح أنقرة ميزات استراتيجيّة في القوقاز، ومهّد لربط الأراضي التركيّة من خلال إقليم نخجوان ببحر قزوين عبر ممرّ زنغزور الاستراتيجي، معيداً ترتيب الأوضاع في جنوب القوقاز على حساب النفوذ التقليدي لإيران. من شأن هذا الممرّ أن يقطع التواصل البرّي الإيراني مع أرمينيا ودول الاتّحاد الاقتصادي الأوراسيّ، فيقلّل من اعتمادها على طهران في مجال الطاقة والنقل. وتنظر إيران للممرّ باعتباره تهديداً لحدودها الشمالية الغربية يعزّز النفوذ التركي ونفوذ حلف شمال الأطلسي في حديقتها الخلفيّة.
هذا ما حشر طهران في زاوية صعبة وجعلها تتحسّب لسيناريو “تساقط أحجار الدومينو”، بدءاً من القوقاز إلى سوريا ثمّ العراق، وأخيراً في الداخل الإيراني نفسه. وزاد الطين الإيراني بلّة مع تحسّن علاقات أنقرة مع الدول العربية، وعودة الحرارة إلى العلاقات الأميركية التركية بعد الانتخاب الثاني لدونالد ترامب، وإحياء المحادثات في شأن بيع أنقرة مقاتلات “إف 16″ و”إف 35″، و”قبّة الباط” الأميركية لتمرير الاتّفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي.
على الرغم من مطبّات هذا الاتّفاق الكثيرة، يمكن نظريّاً إذا ما نفِّذ أن يُفقد إيران حليفاً محتملاً يُوازن الوجود التركي، ويضيّق مساحات المناورة أمام طهران داخل سوريا. وكانت طهران سعت إلى فتح خطوط مع وحدات حماية الشعب الكردية وعرضت تقديم الدعم العسكري لها، وإرسال مقاتلين إلى سوريا للانضمام إلى صفوف الأكراد. وأفادت صحف تركيّة عن إرسال طهران 1,500 مُسيّرة من طراز “شاهد – 136” إلى عناصر حزب العمّال الكردستاني خلال كانون الأوّل الماضي.
إسقاط نظام آل الأسد بغطاء تركي لا لبس فيه أخرج سوريا من الفلك الإيراني وهزّ معادلة التوازن الدقيق التي حرص نظام خامنئي وحكومة إردوغان على استقرارها
اللّعب بالورقة الآذريّة
تخشى طهران من الانعكاسات المحلّية للتحوّلات في الجغرافيا السياسية الإقليمية، لا سيَّما في ما يتعلّق بتنامي المشاعر القومية التركيّة وتأجيج المشاعر الانفصالية بين الأقلّية الآذريّة من أصول تركيّة الوازنة في إيران التي تراوح أعدادها بين 25 و30 مليون نسمة وتعاني التهميش الاجتماعي والتمييز. والأرجح أنّ وزير الخارجية التركي حقّان فيدان كان يقصد الآذريين عندما هدّد بدعم جماعات انفصالية داخل إيران ردّاً على السياسات الإيرانية المرتكزة على دعم الميليشيات في الدول الإقليمية. بالفعل تقدّم أنقرة تدريباً ودعماً متزايداً للناشطين والصحافيين الآذريين الأتراك في أذربيجان الغربية من خلال القنصلية التركية في مدينة أرومية. وأطلقت قناة التلفزيون الحكومية التركية (TRT) خدمة بثّ باللغة الفارسية في كانون الأوّل 2024، الأمر الذي ردّت عليه هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (IRIB) بإعلان بثّ قناة “Press TV” باللغة التركيّة في 21 كانون الثاني 2025.
في المقابل، أعلن جهاز الاستخبارات التركي “ميت” القبض على خليّة إيرانية تعمل لمصلحة الحرس الثوري واتّهمها بالتجسّس وجمع معلومات عن قواعد عسكرية ومناطق حسّاسة داخل تركيا وخارجها، ونقلها إلى مشغّليها في استخبارات الحرس الثوري الإيراني.
جاء الإعلان غداة الأحداث الأخيرة في الساحل السوري، ومحاولة بعض المعارضة التركية اللعب على هذا الوتر لكسب تأييد العلويّين الأتراك.
إلى ذلك تتّهم أوساط تركيّة الأجهزة الأمنيّة الإيرانية بمحاولة نقل المواجهة إلى الداخل التركي بسبب انزعاج طهران من التحوّلات في السياسة التركية، ومحاولات أنقرة التضييق، ليس فقط على النفوذ الإقليمي الإيراني، بل أيضاً على المصالح التجارية والاقتصادية الكبرى لإيران، لا سيما ما يتعلّق بخطوط النقل وإمدادات الطاقة وحركة البضائع. وتعتبر طهران أنّ سياسة تركيا الجديدة في ملفّات الطاقة عبر مناطق البحر الأسود وشرق المتوسّط والقوقاز تتجاهل النفوذ والمصالح الإيرانية الاستراتيجيّة على أكثر من خطّ في تلك المناطق، بينها قطع الطريق على حلم الوصول إلى البحر المتوسط. ولا تزال تركيا تسعى إلى إحياء خطّ الغاز القطري، على الرغم من التحدّيات اللوجستية والأمنيّة التي تواجهه، لا سيما أنّه يمرّ عبر المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد حاليّاً في شمال سوريا وشرقها، الأمر الذي يهدّد صادرات الغاز الإيرانية إلى تركيا وأوروبا.
استحضار الماضي
استحضرت تطوّرات متسارعة تاريخاً من الصراع المرير بين العثمانيين والصفويين توقّف بتوقيع معاهدة “قصر شيرين” عام 1639، التي أنهت حروباً دامت زهاء قرن ونصف قرن ورسمت حدود إيران الحالية مع كلّ من تركيا والعراق. وأنعشت هذه التطوّرات طموحات إقليمية لتركيا قد لا يعيقها سوى مشكلاتها الداخلية إذا ما تفاقمت، وهي ستواصل مساعيها لتحقيق أهدافها الكبرى، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في آسيا الوسطى وإفريقيا أيضاً، لكنّها ستحافظ على حذرها ولن تنجرّ إلى تصعيد أو مواجهة عسكرية، لا سيما مع طهران.
على الرغم من التنافس الجيوسياسي الحادّ وارتفاع حدّة التلاسن والتطويق والتطويق المضادّ، لا يزال “تعاون الضرورة” والمصالح المشتركة تحكم العلاقة بين الجارين اللدودين. عدا عن الحجم الكبير للتبادل التجاري والاقتصادي والطاقوي بينهما، هما مرغمتان على اتّباع سياسة متوازنة، ذلك أنّ إيران التي تواجه اليوم أشرس حملة أميركية وإسرائيلية ضدّها، في ظلّ انشغال شركائها الصينيين والروس بقضايا حيوية تمسّ أمنهم الاستراتيجي، لا خيار أمامها سوى فكّ اشتباكها مع جيرانها، لا سيما مع تركيا التي تمثّل متنفّساً حيويّاً لها لا بدّ منه في حال المواجهة الكبرى. وإذا كانت أنقرة لا ترغب في رؤية إيران دولة نووية وندّاً إقليمياً قويّاً لها، لكنّها أيضاً لا تحبّذ ضرب إيران وزعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمنها، فكما ساندت إيران في الالتفاف على العقوبات الغربية للحفاظ على استقرارها الداخلي، تفضّل مساراً دبلوماسياً للتوصّل إلى اتّفاق نووي جديد يمنع نشوب حرب لا يسلم أحد من أضرارها، وقد لا تحبّذ أنقرة أن تكون شريكاً فيها.
العلاقات التركية الإيرانية أمام منعطف في ظلّ تطوّرات متسارعة، فهل تقود الطموحات الإقليمية وإرث الماضي إلى توتّر أوسع، أو تضبط لغة التعاون والمصالح المشتركة المسار؟
أساس ميديا
——————————
من وحدة الدولة إلى وحدة السلطة/ المحامي محمد علي صايغ
تحديث 29 أذار 2025
بعد أن فتت النظام القمعي المخلوع نسيج المجتمع السوري تحت المقولة المعروفة ” فرق تسد ” ، وأدخل البلاد في حالة تنازع في السلطة بين سلطته وسلطات الأمر الواقع ، ورضخ إلى إملاءات خارجية واحتلالات ، ولنفوذ دول إقليمية ودولية ، لتزيد في تخريب المجتمع السوري وتهدد وحدة أرضه وشعبه ، وإنفلات لقوات ومجموعات وزعماء عشائر فصائلية تشتغل خارج الدولة ، وتفرض الإتاوات وتحاصر وتعتقل وتفرض الرعب بين الشعب ، هذا عدا عن رموز مافيات المال المرتبطة والمشاركة لكبار المسؤولين بالدولة عاثت فساداً واستولت على الأموال العامة والخاصة بالقوة أو بطرق احتيالية ، مما أدى كل ذلك إلى غياب سلطة الدولة إلا في حالتين : التغول الأمني الذي يطال مجموع الشعب ويقيس حركاته وسكناته و ملاحقته واعتقاله وتصفية كل من يخرج عن الطاعة أو يعلن معارضته سراً أو علناً لنظام الحكم ، والحالة الثانية المتمثلة في فرض الضرائب وجبايتها ، وأكثر من ذلك تحويل بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية لفرض أتاوات مذهلة على المواطنين إن كان ما تأكد عن ما يسمى ” بفرع الخطيب أو حواجز الفرقة الرابعة … الخ
الٱن بعد سقوط النظام البائد ومرور أكثر من مئة يوم على التحرير وهروب رأس النظام ، وتداعي أركان السلطة وانهيارها .. وبعد الإعلان عن نجاح الثورة ، وبأنه قد انتهت الثورة بعد انتصارها ، وبأن المهمة اليوم تتجلى في بناء الدولة والنهوض بها .
وعلى الرغم من أن الثورة لا تسقط بمجرد سقوط النظام الاستبدادي ، وإنما تنتهي الثورة حين تنجز الثورة أهدافها في الحرية والكرامة عبر نظام يضمن حقوق ومشاركة جميع أطياف الشعب السوري وقواه السياسية في نظام ديمقراطي ينهي حالة الاستبداد ويقطع نهائيا مع بنية النظام السابق إلى نظام جديد يرسي دعائم المواطنة والعدالة وسيادة القانون ..
وبعد أكثر من مئة يوم على ما أطلق عليه الاستقلال الثاني لسورية فلا زالت الدولة السورية تعاني من معضلتي وحدة الدولة ، ووحدة السلطة .. إذ لا زالت إجراءات السلطة في تعاملها مع المجتمع السوري تؤسس لسلطة اللون الواحد ، سواء في قراراتها أو في تعيينات المناصب في الدولة .. وتفتقد أيضاً لمشاركة فعلية لأطياف الشعب السوري ، وتبدى ذلك في تمركز السلطة الأحادية سواء في أختيار أغلبية المشاركين في الحوار الوطني أو في نصوص الإعلان الدستوري أو في القرارات الأخرى على مستوى المحافظين في المدن أو في الهيئة السياسية ، ثم القرار الغريب العجيب الذي أعطى وزارة الخارجية مهام الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية عبر الأمانة العامة للشؤون السياسية ، والمشاركة في رسم الخطط للسياسات العامة ، وتشكيل هيئة لإدارة الشؤون السياسية أيضاً من لون واحد في خطوة تؤسس إلى إسقاط مبدأ الفصل بين السلطات الذي أكد عليه الإعلان الدستوري .. هذه الخطوات وغيرها أثارت العديد من التساؤلات , وأحدثت ارتباكاً شديداً في الشارع السوري ، كما أحدثت شكوكاً كبرى في إمكانية دمج سلطات الأمر الواقع ( قسد ، مسد ) في كيان الدولة السورية ، كما ارتفعت الأصوات الأخرى في السويداء ، ومن ثم في الساحل السوري وهواجس الجميع بأن الدولة السورية وتوجهاتها تلك ستصب في خدمة المشاريع الانفصالية عن الدولة السورية ..
وعلى الطرف الٱخر فإن وحدة السلطة أساس لوحدة الدولة ، فلا زالت السلطة تتنازعها أكثر من مركز قرار ، ولا زالت العديد من الجهات العسكرية والأمنية لا تخضع لسلطة مركزية واحدة ، بل هناك انفلات بالالتزام بالقرارات والإجراءات ، وهناك في كل المحافظات تصدر قرارات يأتي من يرفض تنفيذها وينفذ بمزاجية خاصة قراراته ضارباً عرض الحائط بكل ما يصدر من المركز حتى ولو كان القرار صادر عن رئيس الجمهورية .. هذا عدا عمليات النهب والسرقة واللصوصية التي لا أحد يعرف من الجهة التي تقوم بها ، في حين لم تستطع السلطة محاصرتها ووضع حد للتعدي على المواطنين وأموالهم ، بما يؤشر بشكل واضح على غياب الأمن والأمان في أرجاء البلاد ..
من الصحيح أن السلطة الجديدة ورثت تركة ثقيلة جداً بعد سقوط النظام البائد الذي حول سورية إلى دولة خراب ودولة فاشلة بكل المقاييس ، وأن هناك أخطاراً خارجية وصغوطاً إقليمية ودولية تتصارع على النفوذ لتؤسس لها مكاناً في الدولة السورية ذي الأهمية الجيوسياسية الكبرى في المنطقة ، وصحيح أيضاً أن المعضلات والإشكاليات الداخلية عميقة في الداخل السوري .. ولكن نجاح أي سلطة مرتبط بالنجاح في القدرة على الحفاظ على وحدة الدولة ، وعلى وحدة السلطة ، وبدون ذلك فإن أي سلطة بالتأكيد ستفتقد الثقة الشعبية والشرعية والمشروعية .. وبدون ذلك فإن السلطة التي تفتقد وحدتها ستقود تدريجياً الى الفوضى التي في حال تفاقمها تنهي وجود السلطة ذاتها ، وستضطر إلى استخدام العنف لاستدامة إمساكها بالسلطة بأطول وقت وتدخل السلطة الجديدة في صراع وجودي تمهد لهذا الصراع ما يعرف بالثورة المضادة ، والدخول من جديد في حالة العنف والعنف المضاد مع استثمار خارجي لذلك الصراع للعودة بسورية إلى المربع الأول ما قبل إنجاز التحرير ، في حروب داخلية جديدة ، كانت الحروب السابقة قد أنهكت الشعب السوري وذاق الأمرين من نتائجها ..
إن نجاح الثورة ونجاح السلطة الجديدة لا يمكن أن يتم إلا بتمتين الجبهة الداخلية ، وفتح المشاركة الواسعة عبر إشراك الخبرات والكفاءات السورية الكثيرة ، والعمل على ضبط الأوضاع الداخلية بما يحقق الأمن والأمان الذي هو المفتاح لجلب رؤوس الأموال السورية البشرية والمادية ، وجلب الاستثمارات الكبرى الى سورية وهو ما يتطلب إعادة النظر في نصوص الإعلان الدستوري من أجل المشاركة الحقيقة للسوريين وإدماجهم في إعادة إعمار بلدهم وبنائها وفق خطط اقتصادية مدروسة بعناية على طرق نهوضها ، وإعادة سورية كدولة لها حضورها وتأثيرها بين الدول .
ينتظر السوريون في هذه الأيام الإعلان عن الحكومة المؤقتة الانتقالية وفق أحكام الإعلان الدستوري ، خاصة بعد أن أكد الرئيس الشرع على أنها ستكون شاملة ومتنوعة وبأنها ستكون حكومة تكنوقراط تضم الكفاءات السورية .. وهم يتساءلون : هل بإمكان هذه الحكومة العتيدة بكفاءاتها – كما تم الحديث عنها – ستكون قادرة على إنجاز ما هو مطلوب منها ؟؟ وهل التعينات السابقة على إعلان الوزارة المزمع إطلاق أسمائها ستتأثر بتعيينات أغلب الإدارات والمؤسسات وفي جميع المحافظات وتؤدي إلى كبح عمل أي دور فاعل لتلك الوزارات
خاصة في ظل ضعف وحدة السلطة ؟؟ وهل قراراتها أيضاً ستكون غير قابلة للنفاذ في ظل أطراف داخل السلطة وعبر المؤسسات المختلفة التي ستضع العصي في العجلات بامتناعهاعن تنفيذ القرارات التي تراها لا تتجاوب مع رؤيتها ومواقفها .. سؤال برسم الايام القادمة .. مع تمنيات كل الشعب السوري بأن تكون هذه الحكومة فاتحة خير على سورية سواء في بناء الدولة في الداخل أو في إعطاء مؤشرات إيجابية للخارج يفتح الباب برفع العقوبات التي أرهقت الشعب السوري لعقد من الزمان .
————————
“الأمانة العامة للشؤون السياسية”.. مأسسة السياسة في سوريا أم السيطرة عليها؟/ سلمان عز الدين
29 مارس 2025
أصدر وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، في 27 آذار/مارس، قرارًا يقضي بإحداث قسم جديد ضمن هيكلية الوزارة تحت مسمى “الأمانة العامة للشؤون السياسية”. ويحدد القرار ثلاث مهام لـ”الأمانة” الجديدة، وهي:
– الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية داخل الجمهورية العربية السورية، وتنظيمها وفقًا للوائح والقوانين الناظمة.
– المشاركة في صياغة ورسم السياسات والخطط العامة المتعلقة بالشأن السياسي.
– العمل على إعادة توظيف أصول حزب البعث العربي الاشتراكي، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وما يتبع لها من منظمات ولجان منحلة، بـ”ما يخدم المهام والمسؤوليات السياسية والوطنية”.
وأوضح القرار أن الأمانة العامة للشؤون السياسية تتمتع بموازنة مستقلة، ضمن الموازنة العامة لوزارة الخارجية، وتخضع لإشراف الجهات الرقابية المختصة.
وبينت الوزارة أن إحداث القسم جاء “بناءً على مقتضيات العمل السياسي ومتطلبات المصلحة الوطنية العليا، وتحقيقًا لأعلى معايير التنظيم، وفي إطار عملية تطوير وتحديث هيكلية العمل والكفاءة السياسية في المرحلة الجديدة، وتعزيز دور المؤسسات الرسمية”.
وسرعان ما أثار القرار ردود فعل، دار كثير منها حول عدد من الأسئلة الأساسية: ما دلالات توقيت إصدار هذا القرار؟ هل ينطوي على رغبة في “مأسسة” الحياة السياسية، أم هو تكتيك جديد لإحكام السيطرة على ما تبقى من المجال السياسي؟
ما الدور المتوقع لوزارة الخارجية في ضبط النشاط السياسي الداخلي؟ وما الذي تعنيه، عمليًا، عبارة “إعادة توظيف أصول حزب البعث وأحزاب الجبهة التقدمية”؟ هل هي مقدمة لإعادة ترتيب المشهد الحزبي؟
مستويات عديدة للتوقيت
يرى الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، طلال مصطفى، أن توقيت إصدار هذا القرار ينطوي على دلالة مهمة على عدة مستويات: “فقد يكون، أولًا، محاولة لتعزيز سيطرة الحكم الجديد على العملية السياسية الداخلية في ظل التحولات المستمرة، وثانيًا قد يشير إلى سعي النظام لإعادة هيكلة داخله لضمان استقراره بعد أي تغييرات أو ضغوطات خارجية، وثالثًا ربما يعكس محاولة من النظام، أيضًا، لتحديث مؤسساته بما يتماشى مع التحولات المتوقعة بعد سقوط الأسد، إذا كانت هذه الفكرة تدور في خلفية التفكير السياسي”.
من جهته، يقول الباحث المساعد في مركز حرمون، إبراهيم خولاني، إن “القرار قد يكون جزءًا من محاولة استباقية لتوجيه مسار التحول السياسي بطريقة تناسب الحكومة في دمشق”.
ويرى أنه “يعكس تحولات في بنية النظام السياسي من حيث بروز وزارة الخارجية كلاعب رئيسي في رسم السياسة الداخلية وما يتعلق بالعمل السياسي الداخلي، بعد أن كانت أدوارها تقليدية ومحصورة بالعلاقات الخارجية”، مضيفًا: “وكذلك فالقرار يشير إلى محاولة الحكومة الجديدة بناء مؤسسات بديلة أو موازية لأجهزة الحزب والدولة السابقة”.
مأسسة أم سيطرة؟
يتوجس كثيرون من القرارات والتوجهات التي تصدر عن الحكم الجديد في دمشق، ويرون أن بينها قاسمًا مشتركًا هو الرغبة في إحكام السيطرة والوصول إلى صيغة اسئثار بالحكم. في المقابل، يدافع آخرون عن السياسات الحكومية، مؤكدين أنها تأتي في سياق طبيعي لبناء دولة محطمة باتت فارغة من المؤسسات الحقيقية، مذكرين بأننا لا نزال في مرحلة انتقالية حساسة ومحفوفة بالمخاطر، ما يتطلب إجراءات حاسمة وسريعة من شأنها إدارة العجلة المتوقفة.
وما بين الموقفين/الحدين، ثمة مراقبون ودارسون يسعون إلى الخروج من خنادق المواقف المسبقة، محاولين دراسة القرارات والتوجهات وفق مؤشرات ومعايير محددة، مفضلين لغة “الترجيح” على لغة “القطع”. وقرار وزارة الخارجية المتعلق بإحداث “الأمانة العامة للشؤون السياسية” لم يخرج عن هذه المواقف والرؤى.
ترى الباحثة والناشطة الحقوقية، هبة عز الدين، أن الهدف إذا كان هو “تنظيم النشاط السياسي، فهذا قد يشير إلى رغبة في فرض قواعد جديدة تضمن استمرار سيطرة الدولة، لكن بأسلوب أقل صدامية من النظام السابق”. والقرار قد يكون “وسيلة لإعادة هيكلة المجال السياسي بطريقة تمنع الفوضى، لكنها في نفس الوقت تضمن عدم ظهور معارضة قوية قد تهدد السلطة الجديدة”.
وتضيف: “ربما يصب القرار في توجيه النشاط السياسي نحو خيارات محددة مسبقًا، بدلًا من السماح بتعددية حقيقية، مع عدم استبعاد السعي لتقديم صورة إصلاحية أمام المجتمع الدولي، مع استمرار الاحتفاظ بالتحكم الفعلي في المجال السياسي”.
ويلخص الباحث إبراهيم خولاني المسألة على هذا النحو: “القرار يحمل وجهين؛ من جهة يبدو خطوة نحو مأسسة النشاط السياسي عبر ضبطه ضمن جهاز رسمي وعلني، ومن جهة أخرى يفتح الباب أمام احتمال أن تكون هذه الخطوة تكتيكًا ناعمًا لإحكام القبضة على المجال السياسي من خلال مؤسسات الدولة، بدلًا من أدوات القمع التقليدية”، ملاحظًا أن “وجود عبارات في القرار مثل (ضبط النشاطات السياسية) و(إعادة توظيف أصول البعث) تشير إلى نزعة نحو الاحتواء والسيطرة لا التحرر، ما يوحي بأن الأمر أقرب ما يكون إلى ضبط النشأة الجديدة للحياة السياسية في سوريا أكثر من كونه انفتاحًا فعليًا”.
وزارة الخارجية للشؤون الداخلية؟
كان مفاجئًا لكثيرين أن يناط بوزارة الخارجية مهمة “إدارة النشاطات والفعاليات السياسية” داخل البلاد، ذلك أن الدور التقليدي المعتاد للوزارة هو إدارة الشؤون السياسية في الخارج، مع العالم، ويرى هؤلاء في ذلك بداهة أملاها اسم الوزارة (الخارجية) الذي لم يأت من فراغ.
غير أن الباحث طلال مصطفى يلاحظ أن دور وزارة الخارجية قد يتوسع ليشمل متابعة النشاط السياسي الداخلي بشكل أكثر دقة، خاصةً في ظل الأوضاع المتقلبة في سوريا. و”قد يشير القرار إلى أن الوزارة ستتولى مسؤولية مراقبة الأنشطة السياسية بما يتجاوز مهامها التقليدية في العلاقات الدولية، ما يمثل تداخلًا في صلاحياتها مع المؤسسات الأخرى التي تركز على الشؤون الداخلية”. مستنتجًا أن ذلك يمكن أن “يدل على محاولة لدمج النشاط السياسي الداخلي مع السياسة الخارجية بطريقة تضمن تحكم نظام الحكم الجديد في كافة مستويات السلطة”.
وتؤكد الباحثة هبة عز الدين أن “إعطاء وزارة الخارجية دورًا في إدارة النشاط السياسي الداخلي هو أمر غير تقليدي، لكنه قد يكون جزءًا من محاولة إعادة توزيع السلطات بين مؤسسات الدولة بحيث لا تبقى الأجهزة الأمنية هي اللاعب الوحيد في المجال السياسي”.
وتضيف أن ذلك “قد يكون وسيلة لإدارة العلاقات مع القوى السياسية الداخلية بطريقة توحي بأنها (عملية سياسية) وليست مجرد قمع أمني. كما أنها محاولة لإضفاء طابع دبلوماسي على إدارة المرحلة الانتقالية، خاصةً إذا كانت السلطة الجديدة ترغب في تحسين صورتها دوليًا”.
إدارة تركة “البعث”
توقف البعض، في نص قرار وزارة الخارجية، عند عبارة (إعادة توظيف أصول حزب البعث وأحزاب الجبهة التقدمية)، متسائلين عن حدود إعادة التوظيف، وكيف تتجسد على أرض الواقع، وما إذا كانت مقدمة لإعادة ترتيب الحياة الحزبية في سوريا.
يقول الباحث طلال مصطفى إن “هذه العبارة من القرار قد تعكس رغبة النظام في إعادة تفعيل أصول حزب البعث والأحزاب القومية بما يتماشى مع المتغيرات السياسية الداخلية، وقد تكون خطوة نحو إعادة ترتيب المشهد الحزبي بما يتوافق مع رؤية الحكم الجديد لمرحلة ما بعد الأسد”.
ويتابع: “إعادة توظيف هذه الأصول يمكن أن تشير إلى تحرك نحو تجديد النشاط الحزبي، ولكن ضمن حدود ضيقة تضمن استمرار الهيمنة السياسية للحكم الجديد، وتمنع أي تحول حقيقي نحو تعددية حزبية حرة”.
وبدوره، يرى إبراهيم الخولاني أن “هذه العبارة تكشف نية إعادة استخدام الطريقة التقليدية التي اتبعها حزب البعث، لكن في سياق جديد يخدم رؤية الحكومة لدورها في المرحلة الانتقالية”. ويشرح: “هذه العبارة توحي بمحاولة إعادة إنتاج (الشرعية) التي حظي بها حزب البعث من قبل للسيطرة على الدولة والمجتمع، لكن عبر استخدام أدوات جديدة لترتيب المشهد السياسي كما تريده الحكومة الجديدة”.
أما هبة عز الدين، فتعطي هذه النقطة أهمية خاصة، لأنها “تحدد طبيعة التغييرات في النظام السياسي. إذا كان المقصود بإعادة التوظيف هو تفكيك حزب البعث والأحزاب القومية بالكامل، فهذا يشير إلى قطيعة حقيقية مع النظام السابق، لكنه قد يؤدي إلى فراغ سياسي يصعب ملؤه بسرعة”.
وفي المقابل، فإن “إعادة دمج هذه الأحزاب ضمن إطار جديد قد يعني أن السلطة الجديدة لا تريد تدمير الهياكل السياسية القديمة بالكامل، بل تريد إعادة توظيفها بطريقة تضمن استمرار السيطرة ولكن بشكل مختلف”. أما من ناحية إتاحة المجال لأحزاب جديدة: “فقد يكون القرار مقدمة لإعادة هيكلة المشهد الحزبي بحيث يتم استيعاب قوى سياسية ناشئة، لكن ضمن قواعد محددة تضعها السلطة الجديدة”.
يختم إبراهيم خولاني بالقول: “القرار قد يبدو تقنيًا وإداريًا في ظاهره، لكنه سياسي بامتياز، ويعكس محاولة تحكم أجهزة السلطة في سياقات التحول السياسي التي من المفترض أن تتشكل في مساحة من الحرية لا بالتضييق المقنع الذي يسعى إلى صنع شكل جديد من (الدولة العميقة) عبر مؤسسات رسمية. ويعكس أيضًا توظيف رموز الماضي، المتمثلة بالبعث وأحزاب الجبهة التي كانت تتبع له ولمخابرات السلطة، في مشهد جديد يُراد له أن يبدو تعدديًا ولكن بضوابط صارمة”.
الترا سوريا
—————————–
هل تنتصر سوريا الجديدة للحريات الفردية؟/ جعفر مشهدية
السبت 29 مارس 2025
بعد تكرار الحوادث المتعلقة بانتهاك الحرية الفردية في سوريا، منذ سقوط نظام البعث، وتضاعف الأمر بعد أحداث الساحل السوري، يعيش طيف كبير من السوريين اليوم في حالة قلق كبير على مستقبل الحريات الفردية أولاً، ثم العامة في البلاد.
وحين نتحدث عن الحريات الفردية، فنحن نتحدث عن قائمة كبيرة من الحقوق، كحقّ العيش بأمان، وحرية الاعتقاد، واللباس، وإبداء الرأي، وذلك كله رُصدت حوله العديد من الانتهاكات في مختلف المحافظات السورية، ما يجعل الحديث عن ضمان الحريات الفردية في سوريا اليوم، محطّ جدل واسع مجتمعياً وقانونياً.
يوثّق رصيف22، في هذا التقرير، شهادات ترصد مجموعةً متنوّعةً من الانتهاكات التي طالت الحرية الفردية في سوريا، ولا سيّما منذ اندلاع أحداث الساحل السوري في 6 آذار/ مارس 2025، فضلاً عن حلول يطرحها بعض المختصين لما يتوجّب على الحكومة الحالية القيام به لمواجهة هذا التحدّي الذي يهدّد مستقبل البلاد.
حملات الدعوة إلى الإسلام
منذ إسقاط نظام بشار الأسد، راجت حملات دعويّة تعمل على حثّ السوريين غير المسلمين على اعتناق الإسلام. يقوم أصحاب هذا التوجّه، الذي لم يظهر أيّ تبنٍّ حكومي علني له حتّى تاريخه، بالتجوّل في الشوارع بسيارات مُجهّزة بمكبرات صوت لدعوة الناس إلى الإسلام، ويصبّون جهودهم في المناطق ذات الغالبية المسيحية.
وفي 19 آذار/ مارس الجاري، راج مقطع فيديو لسيارة دعويّة تتجوّل في حي الدويلعة في دمشق، ذي الأغلبية المسيحية، تحثّ الأهالي على اعتناق الإسلام، ليقوم المارّة من المسلمين والمسيحيين بإيقاف السيارة وطردها خارج الحيّ.
عن ذلك، تقول جاكلين*، من حيّ الدويلعة الدمشقي، لرصيف22: “دخلت سيارة دعويّة مع مكبّرات صوت إلى الحيّ بقصد ‘هداية’ سكّانه إلى الإسلام، فتصدّى لها بعض شباب الحيّ من المسلمين والمسيحيين، معربين عن رفضهم لهذا التصرّف. تكرّر الأمر في أحياء مسيحية أُخرى، مثل باب شرقي وباب توما في دمشق، وهو أمر مرفوض لأنه يشكّل انتهاكاً لحقوقنا… لا نريد أن نعيش حالة الخوف في سوريا الجديدة”.
وبعد أن لاقى الأمر استهجان شريحة واسعة من السوريين، ظهر أحد من كانوا في السيارة الدعويّة في فيديو على فيسبوك، محاولاً تبرير الأمر بأنّ من كان في السيارة لم يقصد الدخول لـ”هداية المسيحيين”، بل لـ”تعزيز إيمان المسلمين”، وأشار إلى أنّ الدعاة لا يعرفون الهوية الدينية للحيّ.
ردّاً على هذه الحادثة والجدل الذي أحدثته، أقدم شاب يُدعى بدر الدين جحا، في 21 آذار/ مارس الجاري، بتشغيل بعض التراتيل الدينية المسيحية في سيارته في حيّ المالكي في دمشق، “لإظهار التآلف الإسلامي المسيحي في البلاد”. لكنه تعرّض لحملة تحريض كبيرة من قبل بعض الصفحات المتطرّفة.
فظهر جحا، مساء اليوم التالي، باكياً في فيديو آخر، مستغيثاً بالأمن العام في دمشق لحمايته، بعد محاولة بعض العناصر، التي أكد أنها ليست من الأمن العام وإن كانت ترتدي زيّاً عسكرياً، دخول منزله لاعتقاله قبل هروبه منه.
لاحقاً، ظهر الشاب في فيديو عبر منصّة “المنتدى”، يقول فيه إنه التقى مع مسؤول بارز في الأمن العام في دمشق، مؤكداً أنّ اللقاء كان ودّياً، وتم إطلاق سراحه بعد حلّ الموضوع، موضحاً أنّ الخطأ الذي وقع فيه في الفيديو الأول، هو استخدام وصف “الرعاع” في الإشارة إلى من كانوا في السيارة الدعويّة.
“اسمك علي كمان؟”
عاش الساحل السوري -ولا يزال- حوادث انتقام ذات طابع طائفي بحق المدنيين العُزّل على يد “مجموعات غير منضبطة”، شاركت في العملية الأمنية التي أطلقتها الحكومة الجديدة، منذ 6 آذار/ مارس، لملاحقة فلول النظام السابق الذين هاجموا نقاطاً أمنيةً عدة.
وبحسب التقرير الأوّلي للجنة المتابعة الإنسانية وحقوق الإنسان تحت إشراف الحقوقي السوري هيثم المناع، الصادر في 23 آذار/ مارس الجاري، ارتُكبت خلال الأيام الثلاثة الأولى من “فتنة الساحل”، 25 مجزرةً جرى توثيقها. كما جرى توثيق 811 فيديو، والتحقّق من أسماء 2،246 ضحيةً معظمهم من الشباب، مع نسبة من كبار السنّ والأطفال والنساء الذين قُتِلوا على أساس انتمائهم إلى الطائفة العلوية، و42 ضحيةً من طوائف أخرى قُتلوا بسبب تعاطفهم مع المدنيين.
وتقول المهندسة الشاعرة جنى علي مصطفى، الناجية من أحداث حيّ القصور في بانياس، الذي ينتمي معظم ساكنيه إلى الطائفة العلوية والدين المسيحي، لرصيف22: “مع بدء العمليات في الساحل، لم نسمع في بانياس إلا الأصوات القادمة من جبلة، ولكن، ليل الخميس 6 آذار/ مارس، فجر الجمعة، اقترب صوت الرصاص واشتدّ الخوف بالتزامن مع إعلان حظر تجوال في بانياس حتّى العاشرة من صباح الجمعة، حيث بدأنا نشاهد المسلّحين في الشوارع يطالبون الناس بالابتعاد عن الشرفات”.
تضيف جنى: “بعدها بقليل، تلقّينا اتصالاً يخبرنا ببدء حملة تفتيش واعتقالات. مع مرور الساعات، اشتدّ صوت الاشتباكات، وأخذت سيارات المسلّحين تتجوّل في الحارة. وعند الثالثة ظهراً، دخل مسلّحان اثنان إلى البناء الذي نسكن فيه، وطلبا من الأهالي فتح الأبواب وإلا سيطلقا الرصاص”.
“فتح والدي الباب وقال: ‘أهلاً وسهلاً’. سأله أحدهما عن دينه، فقال: ‘علويّ’، فطلب هويته، وعندما قرأ اسمه قال: ‘اسمك علي كمان! طلاع لعنّا’. سحبوا أبي، ودخلا إلى المنزل. كنا 3 صبايا، وشاب، وأمي. طلبوا منا الوقوف ووجهنا إلى الحائط. سألوا عن أخي فقلنا: صغير، بكالوريا، لا تاخدوه. أخذا هواتفنا تحت تهديد السلاح، وقام أحدهما بتفتيش المنزل وأطلق الرصاص على الحائط، ثم ذهبا وأغلقا الباب، ولم يُعيدا أبي”، تردف.
وتستطرد جنى: “بعد نصف ساعة وجدناهُما يطرقان الباب على منزل مقابل، وقتلا رجلين فيه، فاشتدّ خوفنا على أبي. بعد قليل، خرجنا لرؤية الحارة من شبّاك البناء المطلّ عليها، فوجدنا جثماناً لكنه لم يكن لوالدي. وبعد نصف ساعة، نزلت أختي فشاهدَت جثمان والدي في الطابق الثاني من البناء مقتولاً برصاصتين إحداهما في الرأس. نزلنا نبكي ونصرخ، فصعد أحد المسلّحين وهدّدنا بالموت إذا لم نرجع”.
تلفت جنى، إلى أنّ “أبناء الطائفة السنّية لم يسلموا من المسلّحين، فتعرّضوا للضرب على أيديهم. شاهد بعض الجيران من السنّة جثمان والدي، فوضعوا عليه غطاءً ريثما نستطيع إدخاله إلى المنزل. وبعد مرور ساعة ونصف الساعة على الحادثة، استطعنا إدخال الجثمان، وبدّلنا ثيابه، وغسّلناه وتركناه في المنزل، وأغلقنا الباب ببعض الأثاث، وحاولنا التواصل مع بعض الأقارب بالهاتف الأرضي لإخراجه من المنزل. لكن لم يستطع أحد الدخول إلى بانياس حتّى صباح السبت، ولا حتّى الهلال الأحمر”.
“صباح السبت، صرنا نرى مسلّحين غريبي المظهر يتجوّلون في الحارة، وتيقّننا أننا لن نستطيع إخراج الجثمان، وبدأنا نفكر في الهرب بأنفسنا. كان أبناء الطائفة السنّية هم من يتجوّلون في المدينة لخوف العلويّين من التحرك، ولكن المسلّحين الشيشان لم يوفّروا السنّة أيضاً. تواصلنا مع أصدقاء من السنّة لمساعدتنا، لكنهم لم يستطيعوا، فغطّينا شبابيك المنزل المطلّة على الشارع لمنع كشف أيّ حركة داخل المنزل. وصلتنا معلومات تفيد بقصف المناطق المحيطة، مع سماع تهديدات بقصف منطقتنا”، تتابع جنى.
وتواصل: “أعطى أحد الأصدقاء موقع منزلنا لسيارة الخوذ البيضاء لتنقلنا معها حال مرورها من حيّنا. وعند مرورها، صرخنا، فتوقفت، وصعد عناصرها إلينا، وساعدونا في نقل بعض الأغراض، وأخذونا إلى منزل أصدقائنا في مساكن المحطة الحرارية في بانياس. بقينا هناك ليومين، وفي اليوم الثالث ذهبنا مع صديقنا السنّي إلى مركز الهلال، لنعطيهم عنوان منزلنا ليتمكّنوا من إخراج جثمان والدي. أخرجوه، ونقلناه معاً إلى مقبرة جماعية ممتلئة بالجثامين المدفونة في خنادق بشكل طولي. أعادنا صديقنا إلى منزل مساكن المحطة، وبقينا هناك حتّى ظهر يوم الثلاثاء، وذهبنا بعدها برفقة عائلتين وسيارة للهلال الأحمر إلى طرطوس”.
“تستّري، كيف طالعة هيك؟”
من جهتها، تشرح مادلين*، وهي صبية مسيحية من اللاذقية، كيف تعرّضت لانتهاك حرّيتها الشخصية من عنصر أمني عند أحد الحواجز. تقول لرصيف22: “بعد اندلاع أحداث الساحل بـ4 أيام، كنت في تاكسي عند دوار الزراعة حيث أوقِفنا عند حاجز لرؤية الهوية. نظر أحد العناصر إليّ بصورة غير لائقة، وقال: ‘تستّري، كيف طالعة هيك برمضان؟'”.
تردف مادلين: “كانت ثيابي محتشمةً. وتدخّل سائق التاكسي: ‘الأخت مسيحية’. فكرّر العنصر الأمني نظرته غير اللائقة، وقال: ‘جاييكن الدور’. مكثت بعدها في المنزل أسبوعاً خائفةً من الخروج”.
“طرطوس للسنّة… العلويّة اطلعوا منّا”
أما سمير*، من المشبكة العليا في طرطوس، فيروي لرصيف22: “خرجت يوم الخميس 6 آذار/ مارس، مظاهرات سلميّة من دوار السعدي باتجاه مبنى المحافظة، تضامناً مع المدنيين الذين تعرّضوا للعنف في جبلة. وبعد وصول المتظاهرين إلى مبنى المحافظة، قام عناصر من الأمن العام بإطلاق بعض الرصاص في الهواء، ثم دخلوا إلى المبنى، فهتف المتظاهرون دعماً لجبلة، وطالبوا بإسقاط الرئيس أحمد الشرع. بعد ذلك، ظهر بعض المسلّحين بلباس مدني، وأطلقوا الرصاص في الهواء لتفريق المظاهرة، وهو ما حدث”.
يتابع سمير: “لاحقاً، فُرض حظر تجوال ليلي في طرطوس، وقرابة الساعة 11 ليلاً، انتشرت فيديوهات لمظاهرة تدعم الإدارة الجديدة، وتهتف: ‘طرطوس للسنّة، العلوية اطلعوا منّا’. واستيقظنا صباح الجمعة، على أصوات الرصاص في شوارع طرطوس، مع دخول مسلّحين إلى الشارع العريض، حيث أطلقوا الرصاص على السيارات والمنازل وشتموا العلويّة بقصد الترهيب”.
“الحرّيات موضوع غير قابل للمساومة”
إلى ذلك، تنبّه الناشطة الحقوقية والرئيسة التنفيذية لمبادرة “دارة سلام”، رنا الشيخ علي، في حديثها إلى رصيف22، إلى أنّ “موضوع الحريات والحقوق الفردية والجماعية غير قابل للمساومة أو النقاش، وإذا ما أردنا الحديث عنه بشكل قانوني، فالإعلان الدستوري أكّد على المعاهدات والاتفاقيات الموقّع عليها من قبل سوريا بما تتضمّنه من حريات النساء، والأشخاص ذوي الإعاقة، وحريات الأديان وغيرها، ما يعني أنّ حماية حقوق الإنسان ومأسستها وأعمالها مسؤولية الدولة”.
“في المقابل، هناك إشكاليات تتعلّق بفهم المجتمع لهذه الحريات وقدرته على التوافق مع بعضها الذي يخالف توجهاته الاجتماعية والدينية ربما، ما يدفعنا جميعاً من دولة وإعلام وقطاع مدني وتربوي، إلى إطلاق حملات توعية لحماية واحترام التنوّع والاختلاف، ووضع ضوابط لتأمين ذلك”، تستدرك رنا.
“تحدّيات حقوقية برسم الإدارة الجديدة”
بدوره، لا يغفل الحقوقي والخبير القانوني المعتصم الكيلاني، أنه “بعد إسقاط نظام الديكتاتور بشار الأسد، طفت فوق السطح أنماط متعدّدة من الانتهاكات التي طالت المدنيين العُزّل في مختلف أنحاء سوريا، ومن بين أكثرها وضوحاً ما جرى في حمص والمناطق الساحلية، حيث وقعت عمليات قتل وتهجير قسري وسرقات واسعة النطاق. كما شهدت مناطق أخرى عمليات طرد جماعي للمدنيين من منازلهم دون سند قانوني، وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم بحجج واهية. بالإضافة إلى ذلك، تفاقمت ظاهرة التمييز الاجتماعي والديني، إذ شهدت مؤسسات حكومية وتعليمية عدة حملات لفصل الجنسين بشكل قسري، ما قيّد الحريات الشخصية، وأثّر سلباً على حقوق النساء”.
يتابع الكيلاني في حديثه إلى رصيف22: “لم تقتصر الانتهاكات على ذلك، بل برزت أيضاً حملات دعويّة متشدّدة في مختلف المناطق، خاصّةً في العاصمة دمشق وريفها ومحافظات أخرى، تروّج لخطاب ديني متطرف من خلال سيارات دعويّة وملصقات تحضّ على التشدّد، ما أثار المخاوف من تغلغل الفكر المتطرّف في المجتمع. ولم يسلم أفراد مجتمع الميم-عين من الانتهاكات، حيث تعرّضوا لاعتداءات لفظية وجسدية، بالإضافة إلى حملات تحريضية، ما أدّى إلى تزايد حالات العنف والتمييز ضد هذه الفئة. وشهدت بعض الطوائف الدينية هجمات لفظية وتحريضية أيضاً، وهذا ما أدّى إلى تفاقم الانقسامات الطائفيّة داخل المجتمع السوري”.
وفي ما يخصّ الخطوات الممكنة لتدارك هذا، يرى الكيلاني، أنه “تقع على عاتق الإدارة الجديدة مسؤولية قانونية وأخلاقية لمحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات وضمان عدم تكرارها. يتطلّب ذلك إعادة بناء المؤسسات القضائية والأمنية لضمان فرض سيادة القانون وحماية حقوق المواطنين، مع ضرورة إجراء إصلاحات هيكليّة في الأجهزة الأمنية لمنع التجاوزات، كما أنّ تحقيق العدالة الانتقالية أمر بالغ الأهمية، حيث تنبغي محاسبة جميع المتورطين في الانتهاكات وإجراء تحقيقات شفّافة تضمن إنصاف الضحايا ومنع الإفلات من العقاب”.
فضلاً عمّا سبق، والحديث ما يزال للكيلاني، “يتعيّن على الحكومة الجديدة وضع سياسات واضحة لمكافحة الفكر المتطرّف ومنع التمييز الاجتماعي، من خلال حظر الحملات الدعويّة التي تروّج له، وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش المشترك بين مختلف مكوّنات المجتمع السوري، كما أنّ حماية حقوق المرأة والأقليات والمجتمع المدني يجب أن تكون من أولويات الإدارة الجديدة، من خلال سنّ قوانين تحمي الفئات المستضعفة من التمييز والعنف، والعمل على تمكين المرأة وإشراكها في مراكز صنع القرار لضمان تمثيلها العادل”.
ويشدّد الكيلاني، على أنّ “التعاون مع المجتمع الدولي أمر ضروري للحصول على الدعم اللازم في مجال إعادة الإعمار، وتطوير برامج لحماية حقوق الإنسان، والاستفادة من خبرات المنظّمات الحقوقية الدولية في محاسبة الجناة، فالانتهاكات التي شهدتها سوريا بعد إسقاط النظام السابق تفرض تحدّيات كبيرةً على الإدارة الجديدة، لكن التعامل معها بجدية وشفافية يمكن أن يُسهم في بناء دولة القانون والمؤسسات، حيث يتمتّع جميع المواطنين بحقوقهم دون تمييز أو خوف”. قبل أن يختم بأنّ “المحاسبة الصارمة، وتعزيز ثقافة التسامح، وإرساء سياسات عادلة هي الخطوات الأساسية نحو مستقبل أكثر استقراراً وعدالةً في سوريا”.
التأثيرات الاجتماعية وعلاجها
وعمّا يجب على الأهل القيام به لحماية أبنائهم من تبعات هذه التجارب المؤلمة، تقول الاختصاصية الاجتماعية روعة الكنج، لرصيف22: “أهم الطرائق التي يتعلّم الأطفال من خلالها هي ‘التقليد والنمذجة’، وهذا الأسلوب يوفّر للأهل الحلّ للتعامل مع آثار التعرّض للمأساة، فإذا كانت أعصاب الأهل متماسكةً مع ثبات انفعالي جيّد، فإنّ الطفل يتعلّم ذلك ويقلّده. أما في حال وجود انفعالات عاطفية وتبنٍّ لمواقف على أساس ديني أو طائفي، فإنّ ذلك ينتقل أتوماتيكياً إلى الأطفال. لذلك، يجب التماسك أمام الأطفال وإبعادهم عن الجلسات التي تُدار فيها أحاديث مشابهة”.
في السياق ذاته، تشدّد الكنج، على أنّ شبكة الدعم القائمة على وجود مجتمع خاص مشترك في العزاء والفرح، تساعد في تأمين الأطفال في المأساة من خلال تبنّي رواية واحدة لما حدث أو يحدث، كما أنّ مساعدة الطفل في التعبير عن دواخله وتفريغ حزنه، يساعد في تجاوز الكارثة، بالإضافة إلى تجنّب كلمات على غرار “بتمرق، وما صار شي.. إلخ”، إذ يفضّل دائماً الاعتراف والمكاشفة بأنّ ما جرى مؤلم ومعقّد وفهمه بحاجة إلى وقت طويل، بأسلوب واضح وصريح، مع التأكيد على أننا حالياً بأمان، ويجب أن نفكر معاً لتجاوز المشكلات.
وتؤكد الكنج، أنّ “التفريغ يفيد المتألِّم كثيراً. فيجب بدايةً أن يقوم الشخص بإفراغ كل ما بداخله من مشاعر، سواء كان طفلاً أو كبيراً، ثم يطرح أفكاره وأسئلته كلها بجرأة ومن دون تدخّل أو توجيه. مثال على ذلك: في أحداث الساحل، يجب الابتعاد عن إلصاق أسباب الكارثة بفئات محددة، فنقول إنّ بعض العناصر غير المنضبطة استغلّت الفوضى الحاصلة بسبب تغيّر الأنظمة، وإنهم قد مرّوا بخوف وألم وأزمات نفسية سابقة سبّبت لهم اضطرابات ظهرت على هذا الشكل، ولكن يوجد دائماً أشخاص جيدون لتقديم المساعدة، مع التشديد على أنّ من ارتكب الجرم سيحاسَب بالقانون وسيُنبذ مجتمعياً، ويمكن تدعيم ذلك بأمثلة عن حوادث مشابهة في العالم”.
ما هو الموقف الحكومي مما يحدث؟
في 25 شباط/ فبراير 2025، صدر البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤكّداً على تعزيز الحرّية كقيمة عليا في المجتمع، باعتبارها مكسباً غالياً دفع الشعب السوري ثمنه من دماء أبنائه، وعلى ضمان حرية الرأي والتعبير، واحترام حقوق الإنسان، ودعم دور المرأة في المجالات كافة، وحماية حقوق الطفل، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل دور الشباب في الدولة والمجتمع، وترسيخ مبدأ المواطنة، ونبذ أشكال التمييز كافة على أساس العرق أو الدين أو المذهب، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، بعيداً عن المحاصصة العرقية والدينية، وترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب السوري، ونبذ مختلف أشكال العنف والتحريض والانتقام، بما يعزز الاستقرار المجتمعي، والسلم الأهلي.
وفي 9 آذار/ مارس الجاري، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، قرارَين بتشكيل لجنة لتقصّي الحقائقِ للنظرِ والتحقيقِ في أحداثِ الساحل، ولجنة عليا للحفاظِ على السلمِ الأهليّ.
وقال الشرع، في كلمة متلفزة نقلتها الوكالة العربية السورية للأنباء “سانا”: “نؤكد أننا سنحاسب بكل حزمٍ ودون تهاونٍ كلَّ من تورّط في دماء المدنيين، أو أساء إلى أهلنا، ومن تجاوز صلاحيات الدولةِ أو استغلَّ السلطة لتحقيق مآربه الخاصة، فلن يكونَ هناكَ أيُّ شخصٍ فوق القانون، وكلُّ من تلوثتْ يداه بدماء السوريين، سيواجه العدالة عاجلاً غير آجل”.
في موازاة ذلك، وفي 12 آذار/ مارس الجاري، وبينما رحّب الاتحاد الأوروبي بتشكيل السلطات السورية لجنةً للتحقيق وتقصّي الحقائق في أحداث الساحل السوري، تحدّث وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في كلمة له خلال مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين حول سوريا، عن أنّ “النظام البائد استغلّ ورقة الأقليات وأساء استخدامها، ولن نسمح باستخدام هذه الورقة مرةً أخرى، فنحن نؤمن بالمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين”.
وفي 25 آذار/ مارس، أوضح المتحدث باسم لجنة تقصّي الحقائق في أحداث الساحل ياسر الفرحان، في مؤتمر صحافي، أنّ “الاجتماعات مع أطراف الأمم المتحدة كانت إيجابيةً جدّاً والمنظمة الدولية رحّبت بتشكيل اللجنة وبعملها، ونرجح إنشاء محكمة خاصة لملاحقة المتورطين في أحداث الساحل… وهناك صعوبة في إنجاز مهمتنا خلال 30 يوماً، ومن الممكن أن نطلب تمديد المهلة، والتحرّك في المناطق التي شهدت الأحداث ما زال خطراً، وبعض الشهود وأهالي الضحايا يتخوّفون من التواصل مع اللجنة”.
ختاماً، تنصّ المادة 3 والمواد من 12 حتّى 23، من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 13 آذار/ مارس الجاري، على حرية الاعتقاد والأحوال الشخصية للطوائف، وصون حقوق الإنسان والمواطن وحرياته الخاصة، ومنها حرمة الحياة، وحقّ الملكية الخاصة والمساكن الخاصة، وحرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة، وحقوق المرأة والأسرة والطفل. فإلى أيّ مدى تستطيع الحكومة الحالية الوفاء بمسؤوليتها في هذا الشأن؟
*اسم مستعار بناءً على طلب المصدر لاعتبارات السلامة الشخصية.
رصيف 22
——————————-
مجلة نيوزويك: المسيحيون يوجهون تحذيرا بشأن أعمال القتل في سوريا
تقرير طويل يدّعي أن المسيحيين عرضة للخطر في سوريا استنادا إلى تصريحين اثنين فقط أنقلهما كما وردا في التقرير:
الأول:
(( وقال يشير السعدي نائب رئيس المنظمة الآشورية الديمقراطية وأحد القيادات المسيحية لمجلة نيوزويك نحن ندخل مرحلة جديدة وخطيرة.
وحذر من تصاعد التوجه نحو حكم إسلامي متشدد يشمل تضييقا متزايدا على بيع الكحول والاختلاط بين الجنسين.
وأضاف: “هناك خوف من عمليات قتل على أساس الهوية لا تهدد المسيحيين فقط بل الأقليات الدينية الأخرى أيضا. المسيحيون يواجهون استفزازات مستمرة وهناك شعور واسع بعدم الأمان”
وصرح بشير السعدي: “هناك خوف من عمليات قتل على أساس الهوية ليس فقط للمسيحيين بل للأقليات الدينية الأخرى لأن الشرع يتجاهل حقوقهم ويستمر خطاب تكفير الآخرين والتهميش والعنف ولم يعد أي مسيحي إلى البلاد منذ سقوط الأسد” ))
الثاني:
(( وقال مينا ثابت المدافع عن حقوق الإنسان وخبير قضايا الأقليات لمجلة نيوزويك: “مع استمرار صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة تتزايد وتيرة هجرة المسيحيين التي تسارعت منذ الربيع العربي. إن غياب الحكم الديمقراطي وانعدام المساحات السياسية والمدنية في معظم أنحاء الشرق الأوسط يُعرض المجتمعات المسيحية لمزيد من الخطر، وهي أصلا تكافح لإيجاد فضاءات تعبّر فيها عن مخاوفها. إن غياب الفضاءات السياسية والمدنية الحرة والمفتوحة يُهدد معظم الجهود المبذولة لمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة ويجعل التدخلات تقتصر على الحلول الأمنية البحتة، والتي غالبا ما تفشل في معالجة الأسباب الجذرية للمشكلات” ))
ترجمة رأفت الرفاعي
أبرز ما جاء في كلمة المندوبة الأمريكية دورثي شيا خلال إحاطة مجلس الأمن بشأن الوضع في الشرق الأوسط:
🟡 نتوقع من السلطات المؤقتة في سوريا أن تستجيب للرسالة الواضحة التي وجهها المجلس من خلال البيان الرئاسي المعتمد في 14 مارس والذي دعا إلى محاسبة مرتكبي المجازر غرب سوريا واتخاذ تدابير إضافية لمنع تكرارها.
🟡 يجب على جميع الأطراف في سوريا حماية المدنيين من العنف بغض النظر عن العرق أو الدين أو التوجه السياسي.
🟡 نتطلع إلى التقرير الذي ستصدره لجنة التحقيق المستقلة مطلع الشهر المقبل.
🟡 سيكون من المهم رؤية جهود حقيقية للمصالحة مع الطائفة العلوية من قبل اللجنة المكلفة بدعم تواصل السلطات المؤقتة.
🟡 يجب على السلطات المؤقتة أن تطلق عملية سياسية تشمل المكونات الكردية والدرزية والعلوية والمسيحية وهو أمر لم يتم تحقيقه بشكل فعلي حتى الآن.
🟡 نجدد دعمنا لانتقال سياسي يعكس حوكمة ذات مصداقية وغير طائفية.
🟡 لدينا مخاوف من أن الإطار الدستوري المقترح لا يسير في الاتجاه الصحيح ونحن نتابع عن كثب من سيتم اختياره لتولي المناصب الوزارية.
🟡 التقدم الحقيقي والفعال للاتفاق الموقع مع قوات سوريا الديمقراطية يُقاس من خلال تفاصيل التنفيذ. ولكي يكون مجديا يجب أن يُستكمل بتفاصيل تشمل هيكلا أمنيا موحدا للدولة يضمن ألا تشكل سوريا تهديدا خارجيا لجيرانها ويكون قادرا على هزيمة فلول داعش أو الجماعات المتطرفة الأخرى بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران.
🟡 حان الوقت لتفكيك مخيمي الهول وروج اللذان أصبحا حاضنة للإرهاب.
🟡 الإجراءات التي كان يُفترض أن تكون محطات فارقة في عملية الانتقال الجارية في سوريا لم ترق إلى مستوى التوقعات.
🟡 على سبيل المثال فإنه يجب أن يكون هناك تمثيل واسع للأصوات السورية في اللجنة الجديدة المكلّفة بصياغة الدستور الدائم. وما لم يتم تشكيل لجنة تمثيلية، فإن سوريا ستفشل وستبقى تحت ظل الطائفية التي كرسها نظام الأسد مما يزيد من احتمال نشوب حرب أهلية جديدة.
🟡 لا مكان للمقاتلين الأجانب في المؤسسات العسكرية أو الحاكمة في سوريا.
🟡 ندين ونراقب عن كثب المحاولات الأخيرة من قبل حزب الله وداعميه الإيرانيين لخلق حالة من عدم الاستقرار على الحدود اللبنانية السورية.
🟡 نشجع السلطات المؤقتة في سوريا على تعزيز تعاونها مع المنظمات الدولية الساعية إلى دعم انتقال البلاد.
🟡 نرحب باللقاءات الأخيرة بين السلطات المؤقتة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. يجب أن تصل الفرق التقنية قريبا لبدء العمل على تحديد وتدمير برنامج الأسلحة الكيميائية التابع لنظام الأسد.
🟡 سوريا وصلت إلى لحظة مفصلية بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على سقوط الأسد. لقد كشفت الأحداث الأخيرة عن هشاشة البلاد، وزادت من مخاوفنا من أن القادة المؤقتين لم يتجاوزوا ماضيهم الجهادي بعد.
🟡 شهدنا صمود الشعب السوري الذي تحمل 14 عاما من النزاع الأهلي وأكثر من 50 عاما من حكم النظام الوحشي. إن تحقيق المساءلة وضمان حوكمة تمثيلية هو المفتاح لتحقيق سلام دائم وازدهار في سوريا.
🟡 الولايات المتحدة تسعى إلى السلام والأمن في المنطقة، وإلى سوريا مستقرة، خالية من التدخلات الخارجية، تحترم حقوق جميع السوريين، وتمنع الإرهابيين من استخدام أراضيها كمنصة. ونحث هذا المجلس على مساعدة سوريا في تحقيق هذه الأهداف المشتركة.
All4Syria News كلنا شركاء, [26/03/2025 0.54]
من كلمة ديمتري بوليانسكي النائب الأول لمندوب روسيا الدائم في جلسة الإحاطة بمجلس الأمن بشأن سوريا:
🟡 علينا أن نقر بأن التغيير السياسي في السوريا لم يعف الشعب السوري للأسف من العديد من الأزمات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية فضلا عن التهديدات الخارجية بل وتزداد.
🟡 مستقبل سوريا يعتمد إلى حد كبير على مدى نجاحه في مواجهة التحديات الراهنة ولذلك فإن السوريين بحاجة ماسة إلى دعم شامل غير مسيس من المجتمع الدولي.
🟡 الوضع الحالي في سوريا يتميز بتدهور اقتصادي مستمر وتفجر متكرر لأعمال العنف.
🟡 نشعر بقلق بالغ إزاء استمرار الاشتباكات في حلب وفي شمال شرق البلاد والتي أسفرت عن سقوط ضحايا وتدمير للبنية التحتية المدنية. لكن الصدمة الحقيقية للجميع جاءت من موجة العنف الأخيرة في الساحل حيث قُتل وأُصيب المئات، إن لم يكن الآلاف، من المدنيين، غالبيتهم من الطائفة العلوية والمسيحيين والأقليات الدينية والعرقية الأخرى.
🟡 هذا العنف أدى أيضا إلى نزوح قسري جديد للمدنيين وبعضهم اضطر لمغادرة البلاد وقد انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي مشاهد صادمة توثق الجرائم المرتكبة بحق المدنيين ولا يمكن لمجلس الأمن أن يمر عليها مرور الكرام.
🟡 نعرب عن امتناننا لأعضاء المجلس لتوافقهم السريع على البيان الرئاسي الذي تم اعتماده بمبادرة روسية أمريكية مشتركة والذي أدان بشدة المجازر في اللاذقية وطرطوس وشدد على ضرورة إجراء تحقيق سريع، شفاف، مستقل، نزيه وشامل وفقا للمعايير الدولية، من أجل محاسبة جميع المسؤولين.
🟡 الرئيس بوتين وجّه رسالة إلى رئيس الدولة السورية أحمد الشرع أعرب فيها عن دعمه لجهود تحقيق الاستقرار السريع في البلاد، من أجل الحفاظ على سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها. ونأمل أن تسهم الإجراءات التي تتخذها دمشق، بما في ذلك تشكيل لجنة تقصي الحقائق والتحقيق في المناطق الساحلية، وإنشاء اللجنة العليا لحماية السلم الأهلي، في استقرار الأوضاع في المنطقة. هذا يمثل أولوية مطلقة لبناء سوريا جديدة تُصان فيها حقوق جميع الأقليات الدينية والعرقية. ونتطلع إلى تلقي معلومات ذات صلة من السلطات السورية، وكذلك إلى تعاونها الوثيق مع المبعوث الخاص لتنفيذ ما ورد في بيان رئيس المجلس.
🟡 بالنظر إلى الأحداث الأخيرة في اللاذقية وطرطوس نرى أنه سيكون من المفيد تعزيز وجود الأمم المتحدة هناك لتقديم المساعدات، لا سيما وأنه لا توجد، كما نفهم، عقبات كبيرة أمام الوصول الإنساني في ظل تعاون دمشق البنّاء مع الجهات الإنسانية.
🟡 في ظل عملية إصلاح هيكلية الاستجابة الإنسانية الجارية في سوريا، سيكون من المجدي النظر في فتح مكتب فرعي إضافي للأوتشا في اللاذقية وطرطوس.
🟡 نندد بالغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة على سوريا وبالاحتلال الإسرائيلي لأراض سورية.
🟡 ندعو إسرائيل إلى احترام التزاماتها بموجب اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974.
🟡 القيادة السورية الجديدة أعربت مرارا عن استعدادها لبناء علاقات سلمية مع جميع الجيران دون استثناء لكن أفعال إسرائيل تنسف هذه النوايا وتقوي أصوات الجماعات المتطرفة داخل سوريا. وعلى المدى الطويل، فإن هذا النهج لن يعزز أمن إسرائيل.
🟡 لا تزال التهديدات الإرهابية قائمة في البلاد، وندعو دمشق إلى إعطائها اهتماما خاصا لمنع داعش والجماعات المتطرفة الأخرى من ترسيخ وجودها.
🟡 التنفيذ الصادق للاتفاق الموقع بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية سيساعد في تعزيز وحدة سوريا وبناء الثقة بين الأقليات الأخرى في دمشق التي تأمل أن تُصان حقوقها في سوريا موحدة.
🟡 نحن على قناعة بأن الأمم المتحدة يجب أن تلعب دورا محوريا في تسهيل العملية السياسية التي يقودها ويملكها السوريون ونعرب عن دعمنا الكامل لجهود المبعوث الخاص غير بيدرسن.
🟡 في رسالته إلى أحمد الشرع جدد الرئيس بوتين استعداد روسيا لتطوير التعاون العملي مع دمشق في جميع القضايا المدرجة على جدول الأعمال الثنائي، من أجل تعزيز العلاقات الودية التقليدية بين بلدينا. ونأمل أن يتمكن الشعب السوري أخيرا من تجاوز جميع التحديات التي تواجهه بكرامة. روسيا معنية بشدة بتحقيق هذا الهدف.
———————————-
===================
====================
عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 29 أذار 2025
تحديث 29 أذار 2025
———————–
الجدول الزمني لأحداث الساحل/ رضوان زيادة
2025.03.28
6 مارس/آذار 2025:
اندلعت اشتباكات عنيفة في اللاذقية بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة يعتقد أنها من فلول النظام السابق، تتكون من مجموعة برئاسة الضابط السابق في الفرقة الرابعة غياث دلا الذي أعلن تشكيل ما يسمى “المجلس العسكري لتحرير سوريا” وشكل ثلاث مجموعات أطلق عليها: “درع الأسد”، و”لواء الجبل”، و”درع الساحل وقد كان المسؤول الأول عن ارتكاب مجزرة داريا في عام 2012 والتي راح ضحيتها أكثر من 700 شخص من المدنيين الأبرياء العزل”. ومجموعة أخرى مرتبطة بالعميد سهيل الحسن، المعروف بلقب “النمر” والقائد السابق للفرقة 25 في جيش نظام الأسد المحلول، ومجموعة مقداد فتيحة وهو قائد عسكري سابق في قيادة الفرقة الرابعة التي كانت تتبع ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، وقد أظهرت هذه المجموعات المسلحة قدرة على الانتشار في فترة بسيطة جدًا عند نقاط مفصلية داخل المدن الكبرى في الساحل السوري وخاصة مراكز محافظتي اللاذقية وطرطوس غربي سوريا، إضافة لمدينة جبلة. وشنت هجومًا على مواقع حكومية في المدن الرئيسية الثلاث أسفرت عن مقتل 15 عنصرًا من قوات الأمن. وتمكنت هذه المجموعات المسلحة من السيطرة المؤقتة على الإدارات البلدية في مدينتي اللاذقية وجبلة مما فسر من قبل الإدارة السورية الجديدة على أنه بداية تمرد عسكري واسع في منطقة الساحل السوري وأظهر تنسيقًا عسكريًا وأمنيًا من قبل هذه المجموعات المسلحة التي أعلنت عن نفسها بعدة بيانات نشرت على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة بما فيها بيان تأسيس ما يسمى “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، كما قامت باستهداف المراكز الحيوية في المدينتين حيث جرى محاصرة ستة (6) مستشفيات في ريفي اللاذقية وطرطوس تعرضت للكثير من إطلاق النار داخل مقار المشافي كما أظهرت الكثير من الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما عرّض حياة المدنيين للخطر وسقط الكثير منهم داخل المشافي وقيّد إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية الأساسية، كما قُتل حراس الأمن والجنود الحكوميون على حد سواء.
كما نجحت القوات المهاجمة بإطباق حصار شبه كامل على مراكز الشرطة وقوات الأمن. كما استُهدف المدنيون الذين كانوا يسلكون نفس الطرق، حيث نشرت الكثير من الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر بوضوح استهداف المدنيين وقتلهم داخل سياراتهم لمجرد أن لوحات تسجيلهم تشير إلى إدلب، حيث ارتفع هنا عدد القتلى المدنيين المستهدفين إلى أكثر من 167 شخصًا جلهم تقريبًا من الموجودين في المشافي والمراكز الحيوية وصادف وجودهم على الطرق الرئيسية التي تصل مدن الساحل السوري بالمدن السورية الداخلية من مثل إدلب وحمص وحلب.
مع نهاية اليوم الأول ارتفعت حصيلة القوى الأمنية التابعة للإدارة السورية الجديدة إلى أكثر من 42 قتيلا، والمدنيين الذين يعارضون النظام السابق (معظمهم ينتمي إلى الطائفة السنية) إلى 167 شخصًا هنا قرر الأمن العام التابع للحكومة السورية الانتقالية طلب المساعدة من الجيش عبر وزارة الدفاع ومن التشكيلات والفصائل العسكرية المتحالفة معها المنتشرة في المحافظات السورية المختلفة وخاصة تلك الموجودة في إدلب وريف حلب بغية استعاد الأمن في مدن الساحل ذات الكثافة السكانية، لا سيما طرطوس واللاذقية وجبلة. وتمت الدعوة للمؤازرة عبر قنوات الاتصال التيلغرام المنتشر بقوة في سوريا حيث تعتمد كل الفصائل العسكرية على التواصل بينها عبر هذه الشبكة.
في مساء اليوم ذاته خرجت مظاهرات في عدة مدن سوريا مثل دمشق وحماة وحلب وإدلب، أكدت الدعم الشعبي لقوات الأمن العام والجيش السوري الجديد وجهودها للحفاظ على الاستقرار. وأبدى العديد من المتطوعين رغبة في الانضمام إلى القوات الأمنية خاصة مع انتشار السلاح بين يدي السوريين فجهود الحكومة السورية الانتقالية في التسوية وجمع السلاح بقيت محدودة في الكثير من المناطق.
في الليل توجهت الكثير من الفرق المتطوعة إلى مدن الساحل السوري وبحسب التقرير الحكومي الرسمي أنه و”خلال انشغال القوات الحكومية بصد المسلحين وتحرير المستشفيات المحاصرة، قامت بعض المجموعات المتطوعة بعمليات انتقامية، بما في ذلك الإعدامات الميدانية وأعمال النهب”. فمساء الخميس وصباح يوم الجمعة حدثت الانتهاكات الأبرز لحقوق الإنسان حيث خرجت صور وفيديوهات للكثير من المدنيين الأبرياء العزل الذين قتلوا ميدانيًا خارج نطاق القضاء والقانون، وظهرت في فيديوهات أخرى عمليات تعذيب، وفيديوهات أخرى لشخص مسلح يقتل مسنًا أعزل في منزله، هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان صدمت السوريين بشكل كبير وأظهرت أن هناك عمليات قتل للمدنيين حدثت ذلك المساء مما دفع مئات من أفراد الطائفة العلوية نتيجة هذه الاشتباكات العنيفة في ريف اللاذقية إلى الفرار طلبًا للحماية في قاعدة حميميم الجوية الروسية.
7 مارس/آذار 2025:
في اليوم التالي استمرت المواجهات، حيث تمكنت القوات الحكومية من استعادة بعض المواقع المهمة كـ “الكلية البحرية”، في حين أعلن “المجلس العسكري لتحرير سورية” سيطرتها على عدة قرى في منطقة جبل العلويين وعمّت هجماتها لتشمل مناطق أخرى مثل مصياف في ريف حماة. وانتشرت الكمائن واستهدفت الأفراد الحكوميين والمدنيين على حد سواء. لكن القوات الحكومية بدعم من قوات الجيش التابع للإدارة السورية الجديدة تمكنت من استعادة السيطرة العسكرية والأمنية على كل المواقع تقريبًا التي خرجت عن إطار سيطرتها مراكز المدن الرئيسية في اللاذقية وطرطوس باستثناء جبلة التي بقيت بعض المراكز بيد المجموعات المسلحة، ومع تزايد الأخبار حول انتشار انتهاكات حقوق الإنسان في المدن والمناطق التي حصلت فيها العمليات العسكرية خرج الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في خطاب متلفز من قصر الشعب ألقاه في 7 مارس 2025، دعا فيه من وصفهم بـ “فلول النظام السابق” إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم قبل “فوات الأوان”، مشيرًا إلى أن هذه “الفلول” سعت لاختبار سوريا الجديدة “التي يجهلونها”. وطالب الشرع قوى الجيش والأمن في سوريا بـ “حماية المدنيين”، وعدم السماح لأحد بـ “التجاوز والمبالغة في رد الفعل”. وتوعد بالاستمرار في “ملاحقة فلول النظام السابق” وتقديمهم للمحاكمة، والاستمرار في حصر السلاح في يد الدولة. كما تعهد بمحاسبة “كل من يتجاوز على المدنيين العزل”، مشددًا على أن أهالي الساحل السوري جزء من مسؤولية الدولة، ومؤكداً أن الدولة “ستبقى ضامنة للسلم الأهلي ولن تسمح بالمساس به”، وبناءً على ذلك، تم تعليق العمليات العسكرية مؤقتًا في المدن الرئيسية في يوم 7 ديسمبر 2025 لإلقاء القبض على مرتكبي هذه الجرائم وإعادة الممتلكات المنهوبة إلى أصحابها الشرعيين.
وكان لافتًا تمامًا دخول شخصيات من النظام السابق على خط الأحداث، إذ اتهم رامي مخلوف، ابن عمة الرئيس المخلوع الأسد وأحد أبرز الأذرع المالية له، اتهم الأسد بتوريط الطائفة العلوية في صراع دام خاسر، واصفًا التمرد المسلح بالحركة الغبية.
9 مارس/آذار 2025:
اعتبارًا من صباح 9 مارس 2025، تمت استعادة النظام في معظم المدن الرئيسية وتركزت الاشباكات حصرًا في ريف اللاذقية وجبلة حيث أعلنت الرئاسة السورية تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري الدامية التي اندلعت في 6 مارس ويقع على عاتق اللجنة التحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون في الساحل وتحديد المسؤول عنها، إضافة إلى التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها. وقد تم منح اللجنة المكونة من سبعة من القضاة السوريين المستقلين مهلة ثلاثين (30) يومًا لتقديم نتائجها. كما أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء تقارير تشير إلى مقتل عائلات بأكملها في شمال غربي البلاد، داعيًا إلى وقف فوري للعنف.
وترافق ذلك مع حملة تضليل ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي تقودها حسابات وهمية يعتقد أنها تدار من خارج سوريا وتحصل على تمويل خارجي تحدثت عن “إبادة المسيحيين” ونشرت صورًا مفبركة لشخصيات وأحداث لم تحصل مطلقًا وتم نفيها بشكل رسمي ومن قبل جهات إعلامية مستقلة. كما وفي نفس اليوم أصدر الرئيس السوري قرارًا رئاسيًا بإنشاء لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي في المنطقة الساحلية بهدف التواصل مع المجتمعات المتضررة، ومعالجة المخاوف الأمنية، وتعزيز المصالحة الوطنية مكونة من شخصيات مدنية مستقلة من أبناء المحافظات الساحل السورية وقد ضمت اللجنة علويا عمل سابقًا مستشارًا شخصيًا للرئيس المخلوع بشار الأسد
10 مارس/آذار 2025
أعلنت وزارة الدفاع السورية أنها بدأت المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد فلول النظام السابق، وتتمحور حول تمشيط القرى الجبلية وتتالت المواقف الإقليمية والدولية حيث دانت وزارة الخارجية السعودية الجرائم التي ترتكبها المجموعات الخارجة عن القانون في سوريا واستهدافها للقوات الأمنية، مؤكدة على دعمها الثابت للحكومة السورية في جهودها المبذولة لحفظ الأمن والاستقرار الوطني. كما أعربت وزارة الخارجية التركية عن قلقها العميق من تصاعد التوترات الأمنية في اللاذقية والمناطق المجاورة، مشددةً على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات لتأمين استقرار سوريا والحفاظ على أمن شعبها. ودانت قطر الهجمات التي شنّتها المجموعات المسلحة ضد القوات الأمنية السورية، مؤكدة موقفها الراسخ في دعم استقرار سوريا وسيادتها على كامل أراضيها، معبرةً عن تضامنها مع الشعب السوري الشقيق.
أما إسرائيل فقد حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من تصاعد أعمال العنف في سوريا، ووجه اتهامات لمنظمة “جولاني” التابع لهيئة تحرير الشام بارتكاب مجزرة بحق المدنيين العلويين، مؤكدًا على استمرار استعداد إسرائيل للدفاع عن مناطق الجولان والجليل ضد أي تهديد.
ودعت روسيا والولايات المتحدة إلى عقد جلسة مغلقة لمجلس الأمن لمناقشة الوضع في سوريا خرج بعدها بأسبوع المجلس ببيان يعكس توافق الأعضاء الخمس عشر للمجلس لكن كان لافتًا التوافق الروسي الأميركي في مجلس الأمن حول سوريا بعد الخلاف السياسي الكبير بين الدولتين الدائمة العضوية في المجلس.
تلفزيون سوريا
———————
===================
====================
عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 29 أذار 2025
تحديث 29 أذار 2025
———————–
الجدول الزمني لأحداث الساحل/ رضوان زيادة
2025.03.28
6 مارس/آذار 2025:
اندلعت اشتباكات عنيفة في اللاذقية بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة يعتقد أنها من فلول النظام السابق، تتكون من مجموعة برئاسة الضابط السابق في الفرقة الرابعة غياث دلا الذي أعلن تشكيل ما يسمى “المجلس العسكري لتحرير سوريا” وشكل ثلاث مجموعات أطلق عليها: “درع الأسد”، و”لواء الجبل”، و”درع الساحل وقد كان المسؤول الأول عن ارتكاب مجزرة داريا في عام 2012 والتي راح ضحيتها أكثر من 700 شخص من المدنيين الأبرياء العزل”. ومجموعة أخرى مرتبطة بالعميد سهيل الحسن، المعروف بلقب “النمر” والقائد السابق للفرقة 25 في جيش نظام الأسد المحلول، ومجموعة مقداد فتيحة وهو قائد عسكري سابق في قيادة الفرقة الرابعة التي كانت تتبع ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، وقد أظهرت هذه المجموعات المسلحة قدرة على الانتشار في فترة بسيطة جدًا عند نقاط مفصلية داخل المدن الكبرى في الساحل السوري وخاصة مراكز محافظتي اللاذقية وطرطوس غربي سوريا، إضافة لمدينة جبلة. وشنت هجومًا على مواقع حكومية في المدن الرئيسية الثلاث أسفرت عن مقتل 15 عنصرًا من قوات الأمن. وتمكنت هذه المجموعات المسلحة من السيطرة المؤقتة على الإدارات البلدية في مدينتي اللاذقية وجبلة مما فسر من قبل الإدارة السورية الجديدة على أنه بداية تمرد عسكري واسع في منطقة الساحل السوري وأظهر تنسيقًا عسكريًا وأمنيًا من قبل هذه المجموعات المسلحة التي أعلنت عن نفسها بعدة بيانات نشرت على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة بما فيها بيان تأسيس ما يسمى “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، كما قامت باستهداف المراكز الحيوية في المدينتين حيث جرى محاصرة ستة (6) مستشفيات في ريفي اللاذقية وطرطوس تعرضت للكثير من إطلاق النار داخل مقار المشافي كما أظهرت الكثير من الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما عرّض حياة المدنيين للخطر وسقط الكثير منهم داخل المشافي وقيّد إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية الأساسية، كما قُتل حراس الأمن والجنود الحكوميون على حد سواء.
كما نجحت القوات المهاجمة بإطباق حصار شبه كامل على مراكز الشرطة وقوات الأمن. كما استُهدف المدنيون الذين كانوا يسلكون نفس الطرق، حيث نشرت الكثير من الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر بوضوح استهداف المدنيين وقتلهم داخل سياراتهم لمجرد أن لوحات تسجيلهم تشير إلى إدلب، حيث ارتفع هنا عدد القتلى المدنيين المستهدفين إلى أكثر من 167 شخصًا جلهم تقريبًا من الموجودين في المشافي والمراكز الحيوية وصادف وجودهم على الطرق الرئيسية التي تصل مدن الساحل السوري بالمدن السورية الداخلية من مثل إدلب وحمص وحلب.
مع نهاية اليوم الأول ارتفعت حصيلة القوى الأمنية التابعة للإدارة السورية الجديدة إلى أكثر من 42 قتيلا، والمدنيين الذين يعارضون النظام السابق (معظمهم ينتمي إلى الطائفة السنية) إلى 167 شخصًا هنا قرر الأمن العام التابع للحكومة السورية الانتقالية طلب المساعدة من الجيش عبر وزارة الدفاع ومن التشكيلات والفصائل العسكرية المتحالفة معها المنتشرة في المحافظات السورية المختلفة وخاصة تلك الموجودة في إدلب وريف حلب بغية استعاد الأمن في مدن الساحل ذات الكثافة السكانية، لا سيما طرطوس واللاذقية وجبلة. وتمت الدعوة للمؤازرة عبر قنوات الاتصال التيلغرام المنتشر بقوة في سوريا حيث تعتمد كل الفصائل العسكرية على التواصل بينها عبر هذه الشبكة.
في مساء اليوم ذاته خرجت مظاهرات في عدة مدن سوريا مثل دمشق وحماة وحلب وإدلب، أكدت الدعم الشعبي لقوات الأمن العام والجيش السوري الجديد وجهودها للحفاظ على الاستقرار. وأبدى العديد من المتطوعين رغبة في الانضمام إلى القوات الأمنية خاصة مع انتشار السلاح بين يدي السوريين فجهود الحكومة السورية الانتقالية في التسوية وجمع السلاح بقيت محدودة في الكثير من المناطق.
في الليل توجهت الكثير من الفرق المتطوعة إلى مدن الساحل السوري وبحسب التقرير الحكومي الرسمي أنه و”خلال انشغال القوات الحكومية بصد المسلحين وتحرير المستشفيات المحاصرة، قامت بعض المجموعات المتطوعة بعمليات انتقامية، بما في ذلك الإعدامات الميدانية وأعمال النهب”. فمساء الخميس وصباح يوم الجمعة حدثت الانتهاكات الأبرز لحقوق الإنسان حيث خرجت صور وفيديوهات للكثير من المدنيين الأبرياء العزل الذين قتلوا ميدانيًا خارج نطاق القضاء والقانون، وظهرت في فيديوهات أخرى عمليات تعذيب، وفيديوهات أخرى لشخص مسلح يقتل مسنًا أعزل في منزله، هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان صدمت السوريين بشكل كبير وأظهرت أن هناك عمليات قتل للمدنيين حدثت ذلك المساء مما دفع مئات من أفراد الطائفة العلوية نتيجة هذه الاشتباكات العنيفة في ريف اللاذقية إلى الفرار طلبًا للحماية في قاعدة حميميم الجوية الروسية.
7 مارس/آذار 2025:
في اليوم التالي استمرت المواجهات، حيث تمكنت القوات الحكومية من استعادة بعض المواقع المهمة كـ “الكلية البحرية”، في حين أعلن “المجلس العسكري لتحرير سورية” سيطرتها على عدة قرى في منطقة جبل العلويين وعمّت هجماتها لتشمل مناطق أخرى مثل مصياف في ريف حماة. وانتشرت الكمائن واستهدفت الأفراد الحكوميين والمدنيين على حد سواء. لكن القوات الحكومية بدعم من قوات الجيش التابع للإدارة السورية الجديدة تمكنت من استعادة السيطرة العسكرية والأمنية على كل المواقع تقريبًا التي خرجت عن إطار سيطرتها مراكز المدن الرئيسية في اللاذقية وطرطوس باستثناء جبلة التي بقيت بعض المراكز بيد المجموعات المسلحة، ومع تزايد الأخبار حول انتشار انتهاكات حقوق الإنسان في المدن والمناطق التي حصلت فيها العمليات العسكرية خرج الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في خطاب متلفز من قصر الشعب ألقاه في 7 مارس 2025، دعا فيه من وصفهم بـ “فلول النظام السابق” إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم قبل “فوات الأوان”، مشيرًا إلى أن هذه “الفلول” سعت لاختبار سوريا الجديدة “التي يجهلونها”. وطالب الشرع قوى الجيش والأمن في سوريا بـ “حماية المدنيين”، وعدم السماح لأحد بـ “التجاوز والمبالغة في رد الفعل”. وتوعد بالاستمرار في “ملاحقة فلول النظام السابق” وتقديمهم للمحاكمة، والاستمرار في حصر السلاح في يد الدولة. كما تعهد بمحاسبة “كل من يتجاوز على المدنيين العزل”، مشددًا على أن أهالي الساحل السوري جزء من مسؤولية الدولة، ومؤكداً أن الدولة “ستبقى ضامنة للسلم الأهلي ولن تسمح بالمساس به”، وبناءً على ذلك، تم تعليق العمليات العسكرية مؤقتًا في المدن الرئيسية في يوم 7 ديسمبر 2025 لإلقاء القبض على مرتكبي هذه الجرائم وإعادة الممتلكات المنهوبة إلى أصحابها الشرعيين.
وكان لافتًا تمامًا دخول شخصيات من النظام السابق على خط الأحداث، إذ اتهم رامي مخلوف، ابن عمة الرئيس المخلوع الأسد وأحد أبرز الأذرع المالية له، اتهم الأسد بتوريط الطائفة العلوية في صراع دام خاسر، واصفًا التمرد المسلح بالحركة الغبية.
9 مارس/آذار 2025:
اعتبارًا من صباح 9 مارس 2025، تمت استعادة النظام في معظم المدن الرئيسية وتركزت الاشباكات حصرًا في ريف اللاذقية وجبلة حيث أعلنت الرئاسة السورية تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري الدامية التي اندلعت في 6 مارس ويقع على عاتق اللجنة التحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون في الساحل وتحديد المسؤول عنها، إضافة إلى التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها. وقد تم منح اللجنة المكونة من سبعة من القضاة السوريين المستقلين مهلة ثلاثين (30) يومًا لتقديم نتائجها. كما أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء تقارير تشير إلى مقتل عائلات بأكملها في شمال غربي البلاد، داعيًا إلى وقف فوري للعنف.
وترافق ذلك مع حملة تضليل ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي تقودها حسابات وهمية يعتقد أنها تدار من خارج سوريا وتحصل على تمويل خارجي تحدثت عن “إبادة المسيحيين” ونشرت صورًا مفبركة لشخصيات وأحداث لم تحصل مطلقًا وتم نفيها بشكل رسمي ومن قبل جهات إعلامية مستقلة. كما وفي نفس اليوم أصدر الرئيس السوري قرارًا رئاسيًا بإنشاء لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي في المنطقة الساحلية بهدف التواصل مع المجتمعات المتضررة، ومعالجة المخاوف الأمنية، وتعزيز المصالحة الوطنية مكونة من شخصيات مدنية مستقلة من أبناء المحافظات الساحل السورية وقد ضمت اللجنة علويا عمل سابقًا مستشارًا شخصيًا للرئيس المخلوع بشار الأسد
10 مارس/آذار 2025
أعلنت وزارة الدفاع السورية أنها بدأت المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد فلول النظام السابق، وتتمحور حول تمشيط القرى الجبلية وتتالت المواقف الإقليمية والدولية حيث دانت وزارة الخارجية السعودية الجرائم التي ترتكبها المجموعات الخارجة عن القانون في سوريا واستهدافها للقوات الأمنية، مؤكدة على دعمها الثابت للحكومة السورية في جهودها المبذولة لحفظ الأمن والاستقرار الوطني. كما أعربت وزارة الخارجية التركية عن قلقها العميق من تصاعد التوترات الأمنية في اللاذقية والمناطق المجاورة، مشددةً على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات لتأمين استقرار سوريا والحفاظ على أمن شعبها. ودانت قطر الهجمات التي شنّتها المجموعات المسلحة ضد القوات الأمنية السورية، مؤكدة موقفها الراسخ في دعم استقرار سوريا وسيادتها على كامل أراضيها، معبرةً عن تضامنها مع الشعب السوري الشقيق.
أما إسرائيل فقد حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من تصاعد أعمال العنف في سوريا، ووجه اتهامات لمنظمة “جولاني” التابع لهيئة تحرير الشام بارتكاب مجزرة بحق المدنيين العلويين، مؤكدًا على استمرار استعداد إسرائيل للدفاع عن مناطق الجولان والجليل ضد أي تهديد.
ودعت روسيا والولايات المتحدة إلى عقد جلسة مغلقة لمجلس الأمن لمناقشة الوضع في سوريا خرج بعدها بأسبوع المجلس ببيان يعكس توافق الأعضاء الخمس عشر للمجلس لكن كان لافتًا التوافق الروسي الأميركي في مجلس الأمن حول سوريا بعد الخلاف السياسي الكبير بين الدولتين الدائمة العضوية في المجلس.
تلفزيون سوريا
———————
===================
====================
عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 29 أذار 2025
تحديث 29 أذار 2025
———————–
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
———————————
سورية ولبنان والتطبيع مع إسرائيل/ بشير البكر
29 مارس 2025
ترى الولايات المتحدة أن هناك فرصة لتطبيع علاقات إسرائيل مع كلّ من سورية ولبنان، في إطار عملية أوسع نطاقاً لإحلال السلم في الشرق الأوسط. وقد رسم مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستيف ويتكوف، في مقابلة صحافية، ملامح رؤية الإدارة الأميركية إلى مستقبل المنطقة، موضحاً أن التطبيع بين الأطراف الثلاثة يمكن له أن يستند إلى مسألتَين، الأولى أن سورية خرجت من دائرة النفوذ الإيراني، والثانية أن إسرائيل تتحرّك داخل لبنان وسورية، و”تسيطر عليهما ميدانياً”، على حدّ تعبيره، واعتبر أن ذلك يفتح الباب أمام تطبيع شامل، في حال تمّ القضاء على الجماعات المسلّحة. والجدير بالاهتمام هنا أنه ليس هناك ما ينفي أن تكون هذه التصريحات توجّهاً أميركياً يربط الانفتاح على السلطات السورية بالتطبيع مع إسرائيل. وحسب تسريبات من واشنطن، هناك جولة مراجعة للشروط الأميركية في دمشق في منتصف الشهر المقبل (إبريل/ نيسان 2025)، تقودها شخصية على مستوى رفيع من وزارة الخارجية الأميركية، وتشمل بحث ما تقدّمت به الإدارتان، السابقة والحالية.
وبصدد حديث ويتكوف عن القضاء على الجماعات المسلّحة، هناك فارق في الموقف من حزب الله والفصائل السورية. ويبدو أن التصعيد على نطاق واسع مستبعد في سورية خلال المدى المنظور، لأن الإدارة الأميركية اتخذت عدة خطوات، وتُجري حواراً لبناء علاقات مشروطة مع الفصائل التي أسقطت النظام السابق، بينما تستغلّ إسرائيل ضعف سورية العسكري، وحالة الفوضى السياسية الراهنة، لفرض أمر واقع في الأرض، توظّفه في أيّ مباحثات مقبلة ليكتسب طابع الديمومة، على غرار ما سار عليه الجولان منذ احتلاله عام 1967. وحسب ما هو متوافر من مؤشّرات حتى الآن، لا يبدو أن إسرائيل تنوي شنّ حرب واسعة على سورية في هذه المرحلة، لأن تعميق الفوضى من شأنه أن يقوي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويفتح الباب لعودة إيران، ويعزّز نفوذ تركيا. لكن تلّ أبيب لن تتخلّى عن مشاريع التقسيم، وتطمح إلى تحويل سورية دولةً مجزّأةً وضعيفة. واللافت هو عدم صدور موقف أميركي رسمي صريح تجاه الاعتداءات والتوغّلات الإسرائيلية، وتجميد العمل باتفاقية فصل القوات التي هندسها هنري كيسنجر عام 1974، وفي ذلك كلّه زعزعة للاستقرار، وهزّ صورة السلطة الجديدة، بينما دعمت واشنطن الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتعمل مع الأطراف كافّة للحيلولة دون عودة النفوذ الإيراني إلى سورية.
لا يبدو أن إدارة ترامب على عجلة من أمرها لوضع سياسة واضحة متكاملة الأركان تجاه سورية، خاصّة في ما يتعلّق برفع العقوبات، وتكتفي بتصريحات ذات صبغة عمومية، ومواقف غير حاسمة تجاه الإعلان الدستوري، الذي وصفته وزارة الخارجية بأنه يمركز السلطة بيد شخص واحد، ورغم التباينات الواضحة بين مصادر القرار الأميركية تجاه حكّام سورية الحاليين، فإن الغالب هو انتظار حصول خطوات فعلية نحو بناء مؤسّسات الدولة، ومشاركة شخصيات في صنع القرار من خارج الفصائل، التي تحاول الإمساك بمفاصل السلطة، وهناك معلومات مؤكّدة بأن واشنطن أوصلت رسائلَ صريحةً بهذا الصدد من طريق بعض الدول العربية التي تضغط باتجاه رفع العقوبات، وهي تنتظر أن ترى ترجمةً لذلك في تشكيلة الحكومة المقبلة.
لا يقف التوجّه الأميركي عند التطبيع بين إسرائيل وكلٍّ من سورية ولبنان، بل يتعداه إلى السعودية، ليكون جزءاً من عملية أوسع نطاقاً لإحلال السلام في المنطقة، لكن السياسة الإسرائيلية تحول دون السير في هذا الطريق، من خلال استمرار حرب الإبادة والتهجير ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية، ومواصلة الاعتداءات والتوسّع في لبنان وسورية، والتوجّه إلى شنّ حرب على إيران يمكن أن تشعل المنطقة.
العربي الجديد
—————————
التصادم التركي الإسرائيلي في سوريا معقول نظرياً.. مستبعد عملياً/ علي أسمر
2025.03.28
لطالما تميزت العلاقات التركية الإسرائيلية بحالة من الشد والجذب، حيث تتداخل المصالح الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين مع التوترات السياسية الناجمة عن الموقف التركي الحازم تجاه القضية الفلسطينية.
وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت هذه التوترات على خلفية الأوضاع في سوريا، حيث باتت أنقرة وتل أبيب أمام مشهد معقد قد يقود إلى صدام عسكري محتمل، في تقديري فإن هذا الوضع يستدعي قراءة متأنية لمعادلة القوى الإقليمية وما قد يترتب على ذلك من تداعيات.
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، تشهد سوريا إعادة تشكل في خارطتها السياسية والعسكرية، وأحد أبرز المتغيرات يتمثل في توغل إسرائيل إلى ما وراء مرتفعات الجولان المحتلة، وأعتقد أن هذا التحرك الإسرائيلي يهدف إلى إقامة منطقة عازلة جديدة في جنوبي سوريا لحماية مصالحها الأمنية.
على الجهة المقابلة، تحاول تركيا توسيع نفوذها في سوريا بعد سقوط الأسد لأن أنقرة ترى أن الأمن القومي التركي من الأمن القومي السوري بسبب الموقع الجغرافي الواحد، وتسعى للحفاظ على تواجدها العسكري في سوريا، كما أن تراجع الدور الإيراني والروسي يمنح أنقرة مساحة أكبر للتحرك في إطار رؤيتها الخاصة للحل في سوريا.
في تقديري، فإن التصادم بين تركيا وإسرائيل بات احتمالاً معقولاً نظرياً ولكنه احتمال غير معقول عملياً، فإسرائيل تنظر إلى سوريا كفرصة لتعزيز سيطرتها الإقليمية، خصوصاً من خلال دعم بعض الأقليات مثل الدروز والأكراد لإنشاء كيان وكيل موالٍ لها داخل سوريا، وأرجح أن هذا النهج سيؤدي إلى زيادة الاحتكاكات مع تركيا التي تعتبر أي تحرك يهدد وحدة الأراضي السورية أو يعزز النزعات الانفصالية بمثابة خط أحمر، ومع ذلك، أعتقد أن التصادم العسكري المباشر بين تركيا وإسرائيل لن يحدث، وذلك لأن تركيا عضو في حلف الناتو مما يجعل أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل أمراً معقداً سياسياً وعسكرياً، فحلف الناتو يُلزم الدول الأعضاء بالدفاع المشترك وهو ما قد يردع إسرائيل عن الدخول في صدام مباشر مع تركيا.
لطالما اعتبرت الولايات المتحدة كلاً من إسرائيل وتركيا شريكين استراتيجيين في المنطقة، لكن المصالح المتباينة للجانبين في سوريا تشكل مصدر قلق حقيقي، في رأيي، فإن واشنطن قد تحاول لعب دور الوسيط لمنع التصعيد، لكنها قد تتجنب التدخل المباشر، خاصة إذا رأت أن المواجهة بين الطرفين لا تؤثر بشكل مباشر على مصالحها الحيوية.
في المقابل، يبدو أن الإدارة الأميركية السابقة لم تكن متحمسة للتدخل في الشأن السوري بعد سقوط الأسد، حيث لم تُبدِ اهتماماً بإقامة علاقات مع الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، مفضلة ترك الملف بيد تركيا التي يُنظر إليها على أنها مفتاح المستقبل في سوريا، أعتقد أن هذا الحياد الأميركي قد يترك المجال مفتوحاً أمام مزيد من الاحتكاكات التركية الإسرائيلية.
ضمن هذا المشهد، تحاول إسرائيل تسويق تدخلها العسكري في سوريا تحت ذريعة حماية الأقليات، حيث شددت مؤخراً على ضرورة نزع سلاح قوات الإدارة السورية الجديدة في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، مؤكدة أنها لن تسمح بتهديد الطائفة الدرزية، لكن هذه التصريحات قوبلت باحتجاجات في المناطق الدرزية التي ترفع العلم السوري الجديد وتطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية.
في المقابل، وجّهت تركيا تحذيرات صريحة لكل الأطراف التي تحاول استغلال حالة الفراغ في سوريا، مشددة على أنها لن تسمح بتقسيم سوريا وفق التصورات الإسرائيلية، كما أن أنقرة تعتبر أن الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها هو جزء من استراتيجيتها الأمنية الإقليمية، وهي تعمل على دعم الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع من خلال تشجيع المجتمع الدولي على رفع العقوبات ودعم مشاريع إعادة الإعمار.
رغم إعلان إسرائيل أنها لا تسعى لمواجهة مع سوريا بعد سقوط الأسد، إلا أن تحركاتها على الأرض تعكس غير ذلك، فقد شنت غارات جوية مكثفة استهدفت خلالها منشآت عسكرية سورية، بما في ذلك مخازن الأسلحة والصواريخ، كما بدأت تل أبيب عمليتها البرية لإنشاء منطقة عازلة خارج خط وقف إطلاق النار لعام 1974 في الجولان، وأعتقد أن هذه العمليات تزيد من احتمالية التصعيد، خاصة إذا استمرت إسرائيل في تحدي تركيا عبر التوسع في الأراضي السورية.
في ظل هذه التوترات، وردت تقارير تفيد بأن أذربيجان تحاول لعب دور الوسيط لمنع التصادم بين إسرائيل وتركيا في سوريا، وبالتوازي، تحدثت بعض المصادر عن وساطة أميركية غير معلنة بين أنقرة وتل أبيب بهدف احتواء الأزمة ومنع أي تصعيد عسكري، لكن في رأيي، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات حقيقية، وهو أمر غير مضمون حتى الآن.
في تقديري، تبدو احتمالية الصدام التركي الإسرائيلي في سوريا أكثر واقعية من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فالأمر مستبعد، لأن الصدام المباشر بين تركيا وإسرائيل سيحرج الإدارة الأميركية الجديدة التي تعتمد على هاتين الدولتين في الشرق الأوسط، والتصادم سيكون محرجاً لحلف الناتو أيضاً، لذلك أعتقد أن قرار التصادم المباشر هو أمر معقد وخطير ولا تستطيع الولايات المتحدة ولا الغرب تحمل نتائجه السلبية الإقليمية والدولية أيضاً.
تلفزيون سوريا
———————
وليد جنبلاط يتهم إسرائيل باستغلال الدروز في سوريا لتقسيم الشرق الأوسط
2025.03.28
اتهم الزعيم الدرزي اللبناني ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق، وليد جنبلاط، إسرائيل باستغلال الدروز في سوريا كجزء من خطة أوسع لتقسيم الشرق الأوسط على أسس طائفية.
وفي تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، قال جنبلاط إن إسرائيل “تريد تنفيذ الخطة التي كانت لديها على الدوام، وهي تقسيم المنطقة إلى كيانات طائفية وتوسيع الفوضى”.
وأضاف “إنهم يريدون تدمير غزة، ثم يأتي دور الضفة الغربية. إنهم يحاولون زعزعة استقرار سوريا من خلال الدروز وأيضاً من خلال آخرين”.
وأشار جنبلاط إلى أنه خلال الانتداب الفرنسي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كانت سوريا مقسمة إلى أربع كيانات: دولة علوية، ودولة درزية، ودولة دمشق، ودولة حلب، والاثنتان الأخيرتان مسلمتان سنيتان، مؤكداً أن “الدروز، مع القوميين السوريين الآخرين، تمكنوا من منع تقسيم سوريا عبر ثورات أدت إلى انهيار ذلك المخطط”.
وأعرب الزعيم الدرزي عن أمله في تجنب أي تقسيم جديد لسوريا، داعياً الزعماء العرب إلى دعم الرئيس السوري أحمد الشرع.
وكان وليد جنبلاط أول مسؤول لبناني يلتقي الرئيس السوري، عقب إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، في زيارة أجراها إلى دمشق في كانون الأول الماضي.
وخلال ذلك اللقاء، أكد الرئيس السوري لجنبلاط أن سوريا “لن تمارس بعد الآن تدخلاً سلبياً في لبنان”، بعد عقود من زعزعة نظام الأسد استقرار لبنان، واغتيال عدد من المسؤولين اللبنانيين، بما في ذلك والده كمال جنبلاط.
ومطلع آذار الجاري، اعتقلت قوات الأمن العام السورية ضابط المخابرات السابق في نظام الأسد، إبراهيم حويجة، المشتبه به في ارتكاب العديد من الانتهاكات وعمليات القتل، بما في ذلك مقتل كمال جنبلاط.
وتعليقاً على ذلك، قال وليد جنبلاط للوكالة الفرنسية إن حويجة “مجرم كبير، وارتكب جرائم أيضاً ضد الشعب السوري ويجب محاكمته في سوريا”.
وفي 16 آذار الجاري، حذّر وليد جنبلاط أبناء الطائفة الدرزية من محاولات الاختراق الإسرائيلي، ومساعي توظيفهم كأداة لتقسيم سوريا، داعياً إلى إعادة بناء العلاقات اللبنانية السورية على قواعد جديدة وترسيم الحدود برّاً وبحراً.
وفي رسالة وجهها إلى أبناء الطائفة الدرزية، قال جنبلاط “في مئوية سلطان الأطرش، حافظوا على هويتكم العربية وعلى تاريخكم النضالي المشترك مع الوطنيين العرب والسوريين في مواجهة الاستعمار والانتداب، وفي مواجهة احتلال الأرض في الجولان السوري”.
وأضاف “حافظوا على تراثكم الإسلامي واحذروا من الاختراق الصهيوني، واستخدامكم كإسفين لتقسيم سوريا، وحافظوا على إرثكم الفكري والنضالي والسياسي”، منتقداً الزيارة الأخيرة لوفد من رجال دين دروز سوريين إلى إسرائيل، معتبراً أن الزيارات الدينية وغير الدينية لا تُلغي احتلال الأرض في فلسطين والجولان.
تلفزيون سوريا
———————
الشرع: الوجود الإسرائيلي في الأراضي السورية يهدد الأمن الإقليمي/ حسام رستم
29 مارس 2025
قال الرئيس السوري أحمد الشرع خلال قمة جمعته برؤساء فرنسا ولبنان وقبرص ورئيس الوزراء اليوناني عبر الفيديو اليوم الجمعة، إن سورية تواجه تحديات أمنية، خصوصاً الوجود الإسرائيلي في سورية، مؤكداً أن “الدفاع عن سورية لن يكون خياراً بل ضرورة”.
وبحسب وكالة الأنباء السورية (سانا)، فإن فرنسا استضافت قمة عبر الفيديو جمعت الشرع، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس اللبناني جوزاف عون، والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس.
وقالت الرئاسة السورية في بيان، إن القمة ناقشت “مواضيع حساسة تؤثر على العلاقات بين الدول الخمس، ومن أبرزها “أمن الحدود والمخاطر المشتركة، ورفع العقوبات الاقتصادية، والمصالح المشتركة وتعزيز التعاون الإقليمي، ودعم الإدارة السورية في الإصلاحات، والانتهاكات الإسرائيلية، والموقف المشترك، ومكافحة الإرهاب والتعاون الإقليمي”.
وجرى خلال القمة مناقشة ملف الحدود، والعقوبات الاقتصادية، والمصالح المشتركة، وتعزيز التعاون الإقليمي مع التركيز على مجالات الطاقة، والنقل، والتجارة. وأكد الشرع أن سورية “تواجه تحديات أمنية كبيرة على حدودها الجنوبية”، مشيراً إلى أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي السورية يمثل تهديداً مستمراً للسلام والأمن الإقليمي، وشدد على “ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية على سورية”.
وبحسب بيان الرئاسة السورية فقد أكد المجتمعون “دعم الإدارة السورية الجادة في الإصلاحات السياسية والاقتصادية”، حيث لفت الشرع إلى أن “سورية بدأت خطوات حقيقية نحو الإصلاحات على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعمل على بناء دولة مستقرة وقوية”. وشدد الحاضرون على ضرورة أن تكون هناك خطوات عملية في مجال حقوق الإنسان وتحقيق التقدم السياسي. واتفق المجتمعون على تأسيس علاقة جدية ومستقرة في سورية الجديدة وحشد الدعم الدولي، ومتابعة ما نتج عن مؤتمر بروكسل لدعم جهود إعادة الإعمار.
ماكرون يقول إنه مستعد لاستقبال الشرع
من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة استعداده لاستقبال الشرع إذا أبدت الحكومة السورية انفتاحاً على المجتمع المدني برمته والتزمت ضمان الأمن لعودة اللاجئين السوريين، وذلك بحسب ما أوردت وكالة فرانس برس.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس اللبناني جوزاف عون إن “حكومة تأخذ كل مكونات المجتمع المدني السوري في الاعتبار، إضافة إلى مكافحة واضحة وحازمة للإرهاب وعودة اللاجئين، هي ثلاثة عناصر تشكل أساساً للحكم على المرحلة الانتقالية”. وأضاف “بحسب تطورات الأسابيع المقبلة، نحن مستعدون تماماً لمواصلة هذا الحوار واستقبال الرئيس الانتقالي. الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة للتأكد من ذلك. لكن المباحثات التي أجريناها حتى الآن إيجابية بالكامل”.
وخلال القمة، شدد ماكرون بحسب الوكالة الفرنسية على أن مسألة عودة اللاجئين “أساسية بالنسبة إلى بلد كلبنان، وأيضاً بالنسبة إلى كل المنطقة”، داعياً إلى “تعبئة المجتمع الدولي” من أجل العمل “على إطار (دائم) لعودة” اللاجئين، يشمل أيضاً المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
———————————
التوغل الإسرائيلي الأكبر بالقنيطرة: قصف عنيف وتفجير مستودعات أسلحة/ القنيطرة – نور الحسن
الجمعة 2025/03/28
شهدت محافظة القنيطرة توغلاً عسكرياً إسرائيلياً هو الأكبر من نوعه، إذ دخلت القوات الإسرائيلية من ثلاثة محاور تحت غطاء قصف مكثف بالدبابات. فيما أكد الرئيس السوري أحمد الشرع، أن بلاده تواجه تحديات أمنية كبيرة على حدودها الجنوبية، مشيراً إلى أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي السورية، خصوصاً في منطقة الجولان المحتل، يمثل تهديداً دائماً للسلام والأمن الإقليميين ويعقد الوضع الأمني في المنطقة بشكل عام.
توغل القنيطرة
واستهدف القصف محيط بلدة طرنجة في ريف القنيطرة الشمالي، وتحديداً موقع سرية رابعة، حيث قامت القوات الإسرائيلية بعمليات تمشيط بحثاً عن مستودعات الأسلحة، بالتزامن مع إطلاق قنابل مضيئة فوق المنطقة.
ودخلت أرتال عسكرية مؤلفة من دبابات وجرافات، برفقة سيارات دفع رباعي تقل عناصر مسلحة، من محور الصمدانية الغربية ومحور الحميدية، وسلكت طريق الصمدانية – جبا وصولاً إلى قطع الاسترداد للسلام. واقتحمت القوات المتوغلة سرية مضادات الطيران في بلدة الكوم، حيث فجّرت مستودعات الأسلحة داخلها، وعثرت على دبابة قامت بإحراقها قبل انسحابها في ساعات الصباح الأولى.
وأفادت مصادر ميدانية بأن المستودع الذي تم تفجيره كان يحتوي على صواريخ “فيل” محلية الصنع، ذات منشأ إيراني، كانت قد تركتها قوات النظام السوري البائد داخل السرية. وتتميز هذه الصواريخ بقوة تدميرية عالية، لكنها تفتقر إلى الدقة في إصابة الأهداف.
ويُعد هذا التوغل الأكبر منذ العملية العسكرية الإسرائيلية السابقة في ريف القنيطرة الجنوبي، والتي استهدفت سرية الناصرية بمشاركة 30 آلية عسكرية.
تجدر الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي، لا يزال يحتفظ بتسع قواعد عسكرية داخل المنطقة المنزوعة السلاح في محافظة القنيطرة، مع استمرار التوغلات اليومية التي تعزز وجوده العسكري في المنطقة.
الوجود الإسرائيلي بسوريا يهدد السلام
وتعليقاً على الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، أكد الشرع في بيان صدر عن الرئاسة السورية، اليوم الجمعة، أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي السورية، خصوصاً في منطقة الجولان المحتل، يمثل تهديداً دائماً للسلام والأمن الإقليميين ويعقد الوضع الأمني في المنطقة بشكل عام، مشيراً إلى ان الوضع عند الحدود الجنوبية يشكل مصدر قلق مستمر للحكومة السورية.
وأشار الرئيس السوري إلى أن هذه التحديات الأمنية تتطلب اهتماماً عاجلاً من جميع الأطراف المعنية، في ظل استمرار التصعيد العسكري في الجنوب. وقال إن العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك القصف الجوي المستمر على المناطق الجنوبية، تؤثر بشكل مباشر على حياة المدنيين وتشكل تهديداً خطيراً للسيادة السورية.
——————————
عودة أُخرى: متى تأمن إسرائيل؟/ رضوان السيد
28 مارس 2025 م
أذكر في الثمانينات من القرن الماضي أنّ أحد كبار الساسة في إسرائيل (ربما كان رئيس الوزراء أو وزير الدفاع) قال إن حدود أمن إسرائيل تمتد ما بين مكة وباكستان. فذكر مكة يعني أنّ الإسلام خطر، وذكر باكستان ليس من أجل إسلامها بل من أجل النووي الذي شاع وقتها أنها أنتجته بعلم وخبرة عبد القدير خان الذي يقال إنه أسهم أيضاً في الملفين الليبي والإيراني.
إن الواقع أن اهتمامات إسرائيل الاستراتيجية بعد اتفاقية السلام مع مصر والأردن اقتصرت على الفلسطينيين حتى الانتفاضة الثانية وما بعد في حروب قطاع غزة الطويلة التي لا تزال مستمرة. لكن بالتدريج، وإلى جانب النووي الإيراني، ظهرت قصة الأذرُع الإيرانية، وأهمها «حزب الله»، ثم أُضيف إليها الإيرانيون و«الحزب» في سوريا، ثم الميليشيات (الحشد الشعبي) العراقية الموالية لإيران، وأخيراً اليمن الذي يشتد الصراع مع الحوثيين فيه هذه الأيام.
قصة إسرائيل مع «حماس»، وهل هي خطر، معقدة. فقد كانت إسرائيل تعتبر أبو مازن الذي أنجز معها اتفاقيات أوسلو (1993) هو العدو الرئيسي، وتقيم الهُدَن مع «حماس»، وتشن عليها الحروب ثم تتفق معها في مقابل التهدئة أن توصلَ إليها أموالاً للتهدئة!
مع هجمة 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، اندلعت حرب ضروس ومعها هُجاس الأمن الإسرائيلي، وعلى ثلاثة أو أربعة مستويات. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يقاتل على سبع جبهات، ومعظمها المقصود بها الأذرع الإيرانية التي تقول بوحدة الساحات. ولأنها في معظمها على حدود إسرائيل أو قريبة من تلك الحدود فقد هدفت الحملة إلى جانب إفراغ تلك الجبهات من المسلحين، منع إعادة تسليحهم وتعريض أمن البلدان التي تحتضنهم للخطر، لكي تكف عن الاحتضان. لكنّ اليمين الإسرائيلي الأمني والسياسي لم يكتفِ بذلك بل صار يفكر بمصائر دول الجوار ذاتها وكيف يمكن تفكيكها أو تصديعها ومن طريقين: بالضربات المباشرة بحجة أنّ تلك الدول تحتضن الإرهاب – والأسلوب الثاني محاولة تفكيك وحدة تلك الدول من طريق أقلياتها، وإغراء تلك الأقليات؛ إما بالاستقلال أو بدء نزاع مسلّح مع الإدارات المركزية للدول، أو الإقناع بتمردات من هنا وهناك. نحن نعرف أنه في الخمسينات أراد الإسرائيليون القيام بهذه اللعبة مع لبنان وبشكلٍ آخر مع مصر.
ما عاد أحدٌ يمكنه التفرقة أو التمييز بين القَصص المسلِّي بمسألة المؤامرة وما هو خطط حقيقية، وذلك في الاجتذاب بالقوة للتطبيع الآن، بينما تصر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على التذكير باتفاقيات السلام باعتبارها متعددة الأطراف، وهي أجدى من الحرب والإرغام بالسلاح. لكن الجميع يعرف أنه بعد الحرب على غزة وعلى الضفة وعلى لبنان؛ فإنّ التطبيع صار أصعب، مهما بلغ ضعف الدول وتبعيتها. إنما من غير المعروف ما هو أصل قصة التهجير وكيف يمكن أن يدعو لها عاقل (؟). وقد قال بها ترمب عن غزة، وسارع نتنياهو للاستحسان ومدّ الخطة إلى الضفة وحتى إلى الفلسطينيين ما وراء الخطّ الأخضر. هؤلاء سبعة أو ثمانية ملايين؛ فإلى أين يمكن أن يذهبوا ومن يستطيع تحملهم (؟). ثم لو فرضنا أنه جرى تدبير تهجير نصف مليون من غزة، فماذا سيفعل الباقون، وهل سيكونون أقل إزعاجاً لإسرائيل؟ هي تصورات تفوق الخيال لكنها تعكس أمرين: الإحساس العارم بالتفوق مع الدعم الأميركي، وعدم إحساس إسرائيل بالأمان إلى ألا يعود فيها ومن حولها عربي أو مسلم! بيد أن ما يحصل في المفاوضات نصف السرية الآن يُشعر بأن تهجير ترمب كان ابتزازاً، أما عند إسرائيل فهو اعتقاد. يبدو ترمب كأنما يتراجع لصالح التسوية المصرية المدعومة عربياً وإسلامياً. واشتعال الحرب على غزة من جديد بعكس ما يعتقد الإسرائيليون قد يدعم الحلّ المصري.
في الآونة الأخيرة لا حديث إلا عن القوة التركية وتمركزاتها في سوريا، والمحادثات مع الشرع لإقامة قاعدة تركية بنواحي تدمر. يقول متشددون إسرائيليون إنّ الحرب بين إسرائيل وتركيا (على سوريا) لا مهرب منها! ويعني هذا أنّ العالم الإسرائيلي الجديد هو عالم الحرب الشاملة في المنطقة كلها. وصحيح أن الأصوات ضد تركيا متشددة ومحدودة حتى الآن. لكنّ اليقين الإسرائيلي بضرورة الحرب الآن على النووي الإيراني قبل فوات الفرصة. وقد استغرب الإسرائيليون أنّ ترمب في حين شدّد الحصار على النظام الإيراني، كتب لخامنئي عارضاً التفاوض معهم بشروطه بالطبع. وهو الأمر الذي تأباه إسرائيل وتريد الضرب المباشر.
الحرب الدائمة على غزة. والحرب على سوريا الجديدة. والحرب على «حزب الله» بلبنان. والحرب على الحوثيين. والحرب المحتملة على إيران وتركيا. هي الحرب الشاملة إذن، فهل يمكن كسبها؟ ومتى تأمن إسرائيل التي تريد بحسب نتنياهو تغيير وجه الشرق الأوسط؟!
الشرق الأوسط
————————-
العقبة الإسرائيلية أمام الحوار التركي الأميركي في سوريا/ سمير صالحة
2025.03.29
لن تتردد أنقرة في منح تل أبيب ما تريده لناحية الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة إذا ما تمسّك بنيامين نتنياهو بتحريك سيناريو من هذا النوع، وهو الذي يأمر مقاتلاته بمواصلة اعتداءاتها اليومية على سوريا وشعبها، متجاهلًا الرسائل المعتدلة التي وجهها وزير الخارجية السوري باتجاه تل أبيب حول أننا لن نشكّل أي تهديد لأي دولة، بما فيها إسرائيل، وأنّ الممارسات الإسرائيلية تمسّ الأمن القومي التركي والعلاقات التي بدأت تأخذ بُعدًا استراتيجيًّا بين أنقرة ودمشق.
من سيقف بجانب نتنياهو مهم، ومن سيقاتل إلى جانب أنقرة مهم أيضًا. تحييد إيران وحزب الله في لبنان وسوريا لا يعني أي شيء بالنسبة لتركيا، وهي أساسًا لا تبحث عن دعم من هذا النوع بعدما توترت العلاقات التركية الإيرانية في سوريا. لكن المؤشرات كلها تذهب باتجاه صعوبة مهمة العواصم الغربية في الدخول على خط التهدئة بين حليفيهما عند اشتعال الجبهات.
كان أردوغان يتحدث قبل أسابيع عن اللوبيات التي تسمم العلاقات التركية الأميركية، وكان ماركو روبيو يقول: “إن أردوغان عائق أمام تحسن الأوضاع في سوريا. إدارة ترمب ستتواصل فورًا معه لثنيه عن اتخاذ أي خطوة ضد الأكراد في سوريا. لأنه على واشنطن أن تستمر في دعم قوات سوريا الديمقراطية”. لكن المتغيرات والمتطلبات الإقليمية في المنطقة، خصوصًا على جبهتي لبنان وسوريا، شكّلت حافزًا باتجاه انفراجة واسعة في العلاقات بين البلدين. زيارة فيدان لواشنطن والاتصال الهاتفي بين أردوغان وترمب بشقه السوري من الطبيعي أن يُغضبا البعض في إسرائيل، وأن تشعر تل أبيب أنها ستكون بين المتضررين من التقارب التركي الأميركي في سوريا، خصوصًا وهي تتابع ما يقوله الوزير روبيو الذي بدّل رأيه اليوم وهو يتحدث عن “التعاون مع تركيا في مواجهة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في سوريا”.
نتائج محادثات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في واشنطن مع المسؤولين الأميركيين بشقها السوري مهمة. الأولوية في ملفات النقاش كانت لتمسّك تركيا بقطع الطريق على المشروع الإسرائيلي الجديد في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، والذي يقوم على وجود دولة سورية ضعيفة على حدودها، لا تطالب باسترداد أراضيها المحتلة، وتتجاهل الغارات والخروقات الإسرائيلية شبه اليومية في العمق السوري، بانتظار توقيع اتفاقية سلام بالمعايير التي تريدها تل أبيب.
لذلك، فالحديث عن تفاهمات بين دول الجوار السوري في اجتماع الأردن الأخير، باتجاه إنشاء مركز إقليمي لمحاربة الإرهاب تدعمه العواصم العربية والغربية، لا يمكن فصله استراتيجيًّا عن التنسيق العسكري والأمني بين أنقرة ودمشق، والحديث عن قواعد تدريب عسكري تركي في العمق السوري تسهم في إعادة بناء وتجهيز القوات السورية المسلحة. هذا ما لا يعجب إسرائيل وإيران في المنطقة، وهذا ما قد يقرّب الرؤى بينهما في سوريا ولبنان إذا ما افترضنا أن بعض العواصم العربية تبحث عن تحرك مشابه في لبنان.
المهم الآن هو تسريع عملية تفعيل هذا التعاون الاستراتيجي بين أنقرة ودمشق لوضع حد للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، والتي ترى فيها تركيا رسائل تهديد مباشر لأمنها القومي، بعد تراجع مشروع تل أبيب في لعب ورقة الأقليات في سوريا وفشلها في تجيير الانحسار الإيراني في الإقليم لصالحها، ومحاولة إقناع واشنطن بتجاهل الوجود العسكري الروسي في سوريا الذي تعتبره إسرائيل فرصة لموازنة النفوذ التركي.
ركّزت محادثات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيره الأميركي ماركو روبيو خلال اجتماعهما في واشنطن على الملف السوري بكل تفاصيله. سياسة إسرائيل السورية كان لها حصتها الكبيرة، وهو ما لم يعجب الإعلام الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن الحديث حول الأهداف العسكرية التركية في سوريا، متجاهلًا الاعتداءات اليومية التي تنفذها المقاتلات الإسرائيلية في العمق السوري.
تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، حول أن روبيو أعرب عن تقديره لدور تركيا القيادي في التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي، وضرورة التعاون الوثيق لدعم سوريا مستقرة وموحدة وسلمية، والتي أعقبها حديث الوزير روبيو عن ضرورة “التعاون الوثيق” مع تركيا “لدعم الاستقرار والوحدة والسلام في سوريا، حتى لا تعمل كقاعدة للإرهاب الدولي ولا كمسار للأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار”، هي رسالة لتل أبيب بقدر ما هي رسالة لطهران أيضًا.
مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا ووقف دعم “وحدات حماية الشعب الكردية”، في إطار الحرب على “داعش”، قابله الطرح التركي الداعم لإشراف السلطة الجديدة في سوريا على سجون هذه المجموعات، مع استعداد أنقرة لدعم هذه العملية، خصوصًا بعد الاتفاقية الأخيرة بين دمشق و”قسد” بشأن انخراط الأخيرة في العملية السياسية السورية.
ما نوقش في واشنطن بين فيدان وروبيو قد يكون سيناريو دعم تنسيق سياسي وأمني سوري سوري يترجم في تشكيلة الحكومة الجديدة ويفتح الطريق أكثر فأكثر أمام الدولة المركزية، وهو ما لن يعجب إسرائيل التي خذلتها المواقف الصادرة عن القيادات الدرزية والعلوية والكردية.
يرى ستيفن ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط أن إمكانية تطبيع العلاقة بين لبنان وإسرائيل من خلال إبرام معاهدة سلام بين البلدين ممكن حقًّا. وينطبق الأمر نفسه على سوريا في إطار عملية إقليمية واسعة النطاق لإحلال السلام في المنطقة. هذا ما رددناه في مطلع كانون الثاني المنصرم أكثر من مرة حول الأهداف الحقيقية لإسرائيل من خلال التصعيد العسكري في سوريا.
هناك وضع سياسي جديد في سوريا ولبنان. هناك محاولة إصلاح جذرية في البنى التحتية للدولة اللبنانية وخطط لإعادة بناء الدولة السورية مجددًا بالتعاون مع العديد من العواصم العربية وتركيا. العقبة لم تعد إيرانية اليوم بل إسرائيلية.
المشكلة ليست في رفض بنيامين نتنياهو لعرض ويتكوف، بل في إصراره على الفصل بين الملفات الإقليمية وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، ومحاولة فرض سلام عبر اللاعب الأميركي بالمقاييس التي تريدها إسرائيل. هل ستقول العواصم العربية وتركيا نعم لحراك ثنائي أميركي إسرائيلي من هذا النوع؟
تلفزيون سوريا
——————————
للخروج من “معضلة الأمن” بين إسرائيل و”سوريا الجديدة”/ إياد الجعفري
2025.03.29
مع السقوط المدوّي لنظام الأسد، في 8 كانون الأول 2024، وجد صانع القرار الإسرائيلي نفسه، حبيس ما يُعرف في أدبيات علم السياسة والعلاقات الدولية بـ “معضلة الأمن”، حيث لا ثقة بنوايا الطرف الذي سيطر على السلطة في دمشق، وبات قريباً من هضبة الجولان المحتل، الهادئ والمستقر تحت السيطرة الإسرائيلية، منذ عقود.
“معضلة الأمن”، تلك، إن لم تتوفر عوامل لحلحلتها، فإنها في طريقها لأن تقود صانعي القرار، في كلٍ من دمشق وتل أبيب، نحو الوقوع فيما يُعرف بـ “معضلة السجين”، حيث تدفع خشية كل طرف من نوايا الآخر، وعدم الثقة به، إلى تعزيز مساعي التسلح، وخوض حروب محدودة متصاعدة، ومحاولة كل طرف الإضرار بالآخر، وصولاً إلى الحرب الشاملة. وقد بدأت المعطيات تشي بأن صانع القرار في دمشق، تحرك باتجاه التورط في هذه “المعضلة”، كنتيجة لتفاقم الاستفزازات الإسرائيلية في الشهرين الأخيرين، بالتزامن مع مساعي إدارة الرئيس أحمد الشرع، في توطيد أركان سلطتها.
أبرز تلك المعطيات، أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مواقع في درعا وريف دمشق، جاءت في سياق إجهاض محاولات الإدارة السورية لإعادة بناء البنية التحتية العسكرية في جنوبي سوريا، خصوصاً فيما يتعلق ببطاريات الدفاع الجوي والصواريخ، بعد أن تعرّضت تلك البنية لاستهداف إسرائيلي شامل، بعيد سقوط النظام، في كانون الأول الفائت.
وللمفارقة، فإن مسعى دولة ما، لتحصين أمنها، تحت تأثير “معضلة الأمن”، على حساب الدولة الأخرى المستهدفة، عادةً ما يدفع تلك الأخيرة إلى رد فعل موازٍ، ومعاكس بالاتجاه. إما عبر العمل على تعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية، أو الذهاب باتجاه تحالفات مع قوى أخرى، لموازنة قوة الدولة المعتدية. أو الاثنين معاً. الأمر الذي يقود الدولة الأولى إلى رفع مستوى استهدافها لقدرات ونفوذ الدولة الثانية، مما يؤدي إلى رد فعل موازٍ من الطرف الثاني، وهكذا دواليك، وصولاً إلى الحرب الشاملة. وهو ما يُعرف بـ “معضلة السجين”، التي كانت السبب المباشر لمعظم الحروب في التاريخ.
وهكذا تقود السياسة الإسرائيلية صانع القرار في دمشق، رغماً عنه، نحو إيلاء أهمية أكبر لتعزيز القدرة العسكرية والقتالية في جنوبي البلاد، وللالتصاق أكثر بالحليف التركي. وفي حين يتحدث الخبراء الإسرائيليون بصورة علنية عن مخاوفهم من مواجهة مباشرة بين إسرائيل وتركيا في سوريا، تدفع السياسة الإسرائيلية الراهنة نحو هذه المواجهة بالفعل، على المدى الزمني المتوسط والبعيد، بدلاً من تفكيك مقدماتها. وكأن الأمر حتمية لا مفر منها.
في العام 2005، عارض رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرييل شارون، رغبة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في تغيير النظام بسوريا. وقال له، يومها، إن من الأفضل لإسرائيل أن تبقى مع “الشيطان” الذي تعرفه. وبعيد العام 2011، قررت إسرائيل حسم موقفها حيال التطورات في سوريا، بتفضيل استمرار نظام الأسد، بوصفه “شراً معروفاً” بالنسبة لها، خشية أن تؤدي تداعيات سقوطه إلى فوضى أو صعود الجماعات الجهادية، بصورة تزيد من الخطر الأمني على حدودها الشمالية.
وحتى بعد أن قادت حصيلة النزاع المسلح، في العام 2018، إلى تصاعد النفوذ الإيراني في سوريا، الذي رأته إسرائيل تحدياً استراتيجياً طويل الأمد، رغم ذلك سعى صانع القرار الإسرائيلي إلى احتواء هذا التحدّي، عبر تنسيق دولي دقيق، مستنداً بصورة رئيسية إلى التعاون مع روسيا، وإلى قواعد اللعبة المُصاغة منذ سنوات بعيدة، بين نظام الأسد ذاته، والكيان الإسرائيلي، والتي تعود إلى عقود حكم حافظ الأسد.
في سبعينيات القرن الماضي، حاول العالم السياسي الأميركي، روبرت أكسلرد، إيجاد حلول للخروج من “معضلة السجين” من خلال لعبة على كمبيوتر طبق خلالها استراتيجيات مختلفة في إدارة “معضلة السجين”، فتوصل إلى أن أفضل النتائج تلك التي يمكن تطبيقها وَفق مبدأ “هذي بتلك” –إن تعاونت أتعاون وإن غدرت أغدر-. وخلص أكسلرد إلى أن مجموع المنافع من اللعبة يزيد بتعلم التعاون، لكن ذلك يتطلب الاستمرار في اللعبة لوقت طويل.
فإذا علمت أنك ستلعب مع نفس الناس لمدة طويلة يمكن أن تتعلم التعاون. وهذا بالتحديد ما حدث على صعيد العلاقة طويلة الأمد، بين نظام الأسد وإسرائيل، منذ حكم الأسد الأب. واستمر حتى بعد تضعضع نفوذ بشار الأسد لصالح النفوذ الإيراني على الساحة السورية، بعيد العام 2018. لكن ذلك كله انهار دفعةً واحدةً، مع سقوط نظام الأسد قبل ثلاثة أشهر، بحيث وجدت إسرائيل نفسها تدخل مرغمة في غياهب “معضلة الأمن”، لتقود نفسها، وصانع القرار في دمشق، بالتزامن، باتجاه “معضلة السجين”. مستقبل هذا المسار معروف. فما تخشى منه إسرائيل، تتسبب في حدوثه فعلاً.
أبرز الحلول المتاحة للخروج من هذه “المعضلة”، هي تعلّم التعاون بين الطرفين. وهذا يتطلّب وسطاء قادرين على إقناع الطرفين بتفكيك مخاوف كل منهما، حيال الآخر. في هذا السياق، تندرج توصية معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تحليل صادر قبل بضعة أيام، دعا إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في أن تتصدى لهذه المهمة. وجاءت تفاصيل هذه التوصية متبصّرة بشكل ملحوظ، حيال ما يصب في مصلحة واشنطن، وما يجب أن تفعله، حيال هذه “المعضلة” المستجدة بين حليفها الإسرائيلي، وجاره الشمالي. فمن مصلحة واشنطن دعم الاستقرار وضمان بسط حكومة الشرع لسيادتها على كامل التراب السوري، لأن خلاف ذلك، سيُعرّض أهدافا أخرى للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، للخطر. لذلك نصح معهد واشنطن إدارة ترمب بأن تتعاون مع الشركاء لتحسين الأوضاع الاقتصادية في سوريا، وتخفيف العقوبات بشكل فوري، والمساعدة في الحد من التشرذم والانقسام بين قيادات المجموعات المسلحة السورية، وتشجيعهم على الاندماج
في جيش سوري جديد. وأوصى المعهد الإدارة الأميركية بأن تنخرط في محادثات مع إسرائيل بخصوص استراتيجيتها في سوريا، والتوسط بينها وبين دمشق، للتفاوض على إقامة منظومة أمنية جديدة على الحدود.
أي مسار مختلف عن ذلك، يعني الذهاب باتجاه استدامة التوتر الأمني والاشتباك العسكري، وأضراره الفادحة على استقرار سوريا ومسعى إعادة إعمارها. وهو مسار لن يخدم بالمحصلة، اعتبارات الأمن القومي الإسرائيلي، بل على العكس، سيتسبب بتخليق الخطر الذي يخشاه صانع القرار في تل أبيب.
تلفزيون سوريا
———————————-
===================