الناس

“غوغل” بدلاً من الطبيب.. السوريون يشخّصون أمراضهم عبر الإنترنت/ هديل عدرة

 

2025.03.28

هرب السوريون من تكاليف معاينة الطبيب الباهظة إلى الإنترنت. بحثوا في غوغل، اشتركوا بمواقع طبية، وبدؤوا تشخيص أمراضهم بأنفسهم واشتروا الأدوية بناء على نتائج البحث، وأجروا التمارين عبر يوتيوب، وتجنبوا الذهاب إلى العيادات.

تزايد اعتماد المرضى على محرك البحث غوغل ومواقع طبية مجانية لتشخيص أوجاعهم وشراء الأدوية بناء على ما يجدونه، هربًا من ارتفاع أجور الأطباء وفواتير الأدوية وأجور المواصلات.

وقال سمير، وهو موظف في شركة خاصة، إنه يخشى المرض أكثر من ألمه، لأن مراجعة الطبيب تكلفه نحو نصف مليون ليرة سورية كل عدة أشهر، تشمل تخطيط أعصاب مرتين ومعاينتين. أضاف أن طبيبه لا يرحم، يفحص في اليوم الأول ويطلب التخطيط في اليوم التالي داخل العيادة نفسها، ما يضطره إلى دفع معاينة جديدة.

أوضح سمير أنه يعاني من “التهاب أعصاب في اليدين”، ويحتاج إلى عملية في كلتا يديه، لكن تأخر راتبه يمنعه من زيارة الطبيب بانتظام. يتابع مقاطع التمارين الفيزيائية على يوتيوب، ويشتري الأدوية التي تقترحها محركات البحث، مشيرًا إلى أنه وفر بهذه الطريقة أكثر من نصف مليون ليرة.

وتابع :”أصبحنا نخاف أن نمرض ونخاف من أي ألم ونحاول مداواة الوجع بأقل التكاليف ومن دون اللجوء إلى الطبيب، أنا مريض التهاب أعصاب في اليدين واحتاج كل أربعة أو ستة أشهر لتخطيط أعصاب كلفته 400 ألف ليرة ومعاينة الطبيب 150 ألف ليرة والطبيب لا يرحم في اليوم الأول يفحص ويعطيك موعدًا في التالي للتخطيط في العيادة ذاتها مما يستوجب عليك دفع المعاينة مرتين، فضلًا عن أجور المواصلات التي ترهقنا جميعنا حاليًا”.

وأوضح سمير أنه بسبب تأخر استلام رواتبه منذ أشهر، لم يعد يستطيع مراجعة طبيبه بشكل دوري، رغم حاجته إلى عملية في كلتا يديه. لذلك، يلجأ إلى “يوتيوب” ويجري التمارين الفيزيائية اللازمة بدلًا من المعالج الفيزيائي، ويشتري الأدوية التي يقترحها غوغل، مشيرًا إلى أنه بهذه الطريقة وفّر ما يقارب نصف مليون ليرة سورية أو أكثر.

وقالت يارا، طالبة جامعية: “أعاني من مشكلات جلدية منذ الصغر، وكنت أراجع الطبيبة الجلدية بشكل دوري لفحص حالتي وتلقي العلاج المناسب، لكن اليوم، وبسبب ارتفاع أجرة المعاينة إلى خمسة وسبعين ألف ليرة، بدأت ألجأ إلى غوغل والمواقع الطبية، حيث أصوّر مكان التشوه الجلدي وأرفعه على غوغل الذي يعرض جميع الاحتمالات الجرثومية المسببة للتشوه”.

وأضافت أن العديد من أصدقائها في الجامعة في أي حالة صحية أو حمية صحية معينة كـ “التنحيف وزيادة الوزن” وغيرها يلجؤون إلى محرك البحث غوغل ولذلك يقولون “شكرًا غوغل”.

طبيبة تحذر من “الطبيب غوغل”

بدورها، حذّرت الدكتورة فاطمة النقاوة، اختصاصية جلدية، من علاج الأمراض عبر محرك البحث غوغل، لما يشكّله من خطر كبير على المريض. وأشارت إلى أن هذه الظاهرة انتشرت مؤخرًا بين السوريين بسبب ما يرونه من توفير في أجور الطبيب والنقل، لعدم قدرتهم الحالية على تحمل تكاليفها.

وشدّدت على أن التشخيص السريري لأي حالة صحية ضروري جدًا، إلى جانب معرفة القصة المرضية وتاريخها، وهو ما لا يمكن أن يقوم به سوى الطبيب المختص. وأكدت أن وصف العلاج المناسب ليس من مهمة “الطبيب الشامل” المتمثل بغوغل.

وأكدت النقاوة أن كثيرًا من الحالات مؤخرًا أصيبت بطفح جلدي بسبب “معاينة غوغل”، واضطرت إلى علاج طويل. وأشارت إلى أن هذا ينطبق على الأمراض الجلدية، حيث يمكن للمريض ملاحظة مضاعفات العلاج بعينه، لكن هناك أمراضًا خطيرة قد تودي بحياة المريض من دون أن يشعر، مثل أمراض القلب والضغط والسكري، حيث إن أي خطأ في جرعة الدواء أو تغييره بشكل عشوائي يشكّل خطرًا على حياته.

في دمشق.. معاينة الأطباء بالدولار

رصد موقع “تلفزيون سوريا” خلال جولة على عدد من الأطباء في دمشق وريفها، ارتفاعًا كبيرًا في أجور المعاينة في العيادات، مع طلب معظم الأطباء الدفع بالدولار. كما لاحظ تفاوتًا كبيرًا في الأجور بين أطباء دمشق وأطباء ريف دمشق.

وتتراوح أجور المعاينة في مدينة دمشق بين 100 و250 ألف ليرة سورية، بحسب شهرة الطبيب وخبرته وعدد سنوات مزاولته للمهنة، إضافة إلى موقع العيادة. أما في أرياف دمشق، فتتراوح الأجور بين 50 و150 ألف ليرة، وفقًا لاختصاص الطبيب واسمه.

ويُلاحظ أن أطباء الأسنان يتقاضون أعلى أجور، وغالبًا ما يطلبون الدفع بالدولار بدلًا من الليرة السورية، رغم تقلبات سعر الصرف. هذا ما يدفع كثيرًا من المرضى للبحث عن طرق علاجية أقل كلفة، بسبب أوضاعهم الاقتصادية الصعبة.

وقال الطبيب خالد مرعي خلال لقاء مع موقع “تلفزيون سوريا”، إن أجور المعاينة داخل العيادات شبه ثابتة بين الأطباء، لكن أسعار التحاليل والصور تتذبذب بسبب نقص المواد، وصعوبة تأمينها إلا بالدولار. وأكد أن التصوير الشعاعي البانورامي ضروري في كل معاينة لضمان بدء العلاج بشكل صحيح، وتتراوح كلفته بين 45 و75 ألف ليرة، بحسب مركز التصوير.

وأوضح مرعي أن عمل طبيب الأسنان مكلف أكثر من باقي الاختصاصات، لأن المعدات الطبية مثل الكرسي وأجهزة التعقيم لا تعمل إلا على الكهرباء. وقال إن غياب التيار الكهربائي يعيق العمل الطبي، ما يدفع معظم الأطباء للاعتماد على اشتراك أسبوعي بمولدات “الأمبيرات” أو تشغيل مولدات خاصة. كما أشار إلى نقص المواد والأدوات الطبية في الأسواق، ما يزيد من أعباء الكلفة.

أجور المشافي الخاصة خيالية والحكومية “تتدهور”

ارتفعت أجور المستشفيات الخاصة في سوريا إلى مستويات خيالية، حيث تجاوزت كلفة حجز غرفة للمريض مليوني ليرة سورية، بحسب نوع المشفى والطبيب المختص ونوع الإجراء الطبي.

رصد موقع “تلفزيون سوريا” أن العمليات الجراحية تبدأ أجورها من 20 مليون ليرة، وقد تتجاوز 400 مليون، بحسب نوع العملية. فعلى سبيل المثال، تتراوح كلفة عملية القلب المفتوح بين 100 و200 مليون ليرة، في حين تبدأ أجور غرفة العناية المشددة من مليوني ليرة لليوم الواحد.

وتتراوح أجور عمليات المفاصل بين 100 و500 مليون ليرة، بحسب نوع المفصل المستخدم وكلفة الأدوات والطبيب. وتُعتبر عمليات القلب والمفاصل من الحالات التي لا تتحمل الانتظار في المشافي الحكومية نظرًا لخطورتها.

أما العمليات “النظرية” فتختلف أسعارها بين مشفى وآخر، وتبدأ من مليون ونصف مليون ليرة، وقد تتجاوز 5 ملايين، بحسب الطبيب والأدوات المستخدمة.

وتشهد أسعار الصور الشعاعية ارتفاعًا كبيرًا، حيث تبدأ كلفة التصوير الطبقي المحوري في المشافي الحكومية من مليون و800 ألف ليرة وتصل إلى 4.5 ملايين، بينما تتجاوز كلفة صورة الرنين المغناطيسي 7 ملايين. أما صورة الصدر في المراكز الخاصة فتتراوح بين 250 و500 ألف ليرة.

في المقابل، تتدهور أوضاع المشافي الحكومية بشكل مستمر، بسبب نقص الكوادر الطبية التي تتجه للتعاقد مع القطاع الخاص بسبب تدني الرواتب. وتعاني هذه المشافي من شح في الأدوية والمواد الطبية، خاصة الإسعافية مثل الدم والمعقمات، إضافة إلى غياب المعدات الأساسية كأجهزة التصوير ومعدات العمليات وعبوات الأوكسجين.

ويضطر المرضى في المستشفيات الحكومية إلى الانتظار لعدة أيام أو حتى أسابيع قبل تلقي العلاج، بغض النظر عن خطورة حالتهم الصحية.

هذا الواقع دفع كثيرين إلى العزوف عن تلقي العلاج في المشافي، والاكتفاء بالمسكنات أو اللجوء إلى محرك البحث “غوغل” لتشخيص أمراضهم وتحديد أدويتهم بأنفسهم.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى