
حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
———————————–
الدولة بموقعها الحيادي والسلطة التي تضمن الحياديّة/ سوسن جميل حسن
02 ابريل 2025
الانحياز إلى ثورة الشعب موقف أخلاقي في الدرجة الأولى، خاصة في حالة الثورة السورية التي تعرّض فيها الشعب السوري في مناطق واسعة للعنف بأقصى درجاته والتهجير وتدمير المدن والأحياء. وهذا لا يعني أن كل المنحازين إلى الثورة أو الداعمين لها كانوا من النخب الثقافية أو العلمية، أو يتمتعون بكفاءاتٍ عاليةٍ على مستوى الصعد المختلفة.
بناء عليه، لا يكفي أن يكون المرشّح لتولّي منصب في الإدارة العامة، أو في مواقع المسؤولية، منحازًا للثورة كي يكلف بهذه المسؤولية، وفي حالة مثل الحالة السورية التي سقط فيها نظام الطاغية مخلفًا دولة ومجتمعًا منهارين تقريباً، بل إن إعادة الإعمار، على مستوى الدولة والمجتمع أيضاً، تحتاج إلى كفاءات عالية وخبرات، بالإضافة إلى التخصّصات الأكاديمية، بعيداً عن الاستقطابات السياسية أو الإيديولوجيات من أي لون.
انطلاقاً من وعي شريحة واسعة من السوريين ضرورة التغيير والانقلاب على الواقع الذي كان سائداً في فترة الاستنقاع التي تمادت زمنيّاً، وأدت إلى عطالة في جميع مناحي الحياة تقريباً، نظم طلاب كلية الإعلام في جامعة دمشق، في الرابع من الشهر الماضي (فبراير/ شباط) وقفة احتجاجية للمطالبة بـ”تحسين جودة التعليم في الكلية، وإبعاد أي شخصياتٍ تعيق تطورها”. وطالبت الوقفة بـ”إزالة جميع الشخصيات الأكاديمية والإدارية التي ثبت تورّطها في الفساد، المحسوبية، الظلم، والتحيز ضد الطلاب” و”إنهاء سيطرة أي شخصياتٍ تمثل امتداداً لسياسات قمعية أثرت سلباً على جودة التعليم في الكلية”. كانت تترأس عمادة الكلية سابقاً نهلة عيسى، لا أعرف شيئاً عن أدائها الأكاديمي، إنما المعروف عنها تأييدها النظام البائد. عيّن في مارس/ آذار الحالي خالد زعرور عميداً للكلية. وأثار فيديو له انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ضجّة ولغطًا وانتقادات واسعة، بعدما أطلق تسمية على شريحة من المجتمع ممن يستخدمون بعض وسائط التواصل (التيكتوك تحديداً) بتقديم محتوى، في رأيه تافه، أطلق عليهم تسمية مجتمع “الدياثة”.
ليس خطاب العميد المذكور، الذي يتبنّى فيه معايير يشدّد عليها، خاصة في الإعلام الجاد والموجّه، كما يقول في فيديوهات كثيرة ومحاضرات له، مجال النقاش في هذه المقالة، إنما استخدام مصطلح من هذا النوع الذي يُستخدم شعبيّاً شتيمة أو اتهاماً بالأخلاق لشخص ما في المجتمع، خاصة في حال الخصومة، وكل فرد في المجتمع السوري يعرف حجم الكمية من التحقير التي تحملها كلمة “ديوث” في الثقافة الشعبية. وإذا عدنا إلى القواميس، فإن الكلمة تطلق على الرجل الذي لا يغار على أهله ولا يخجل. وفي شرح آخر، هو القوّاد على أهله. وفي الشرح الديني، وغنيٌّ عن الشرح أن الدين دعامة أساسية لمنظومة القيم والأخلاق في مجتمعاتنا، فإن الديوث هو الذي لا يغار على أهله ومحارمه ويرضى بالمعصية والفاحشة، استشهاداً بقول رسول الله “ثلاثة لا ينظر الله عز وجلّ إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث”.
حرية الإعلام قضية رئيسية في مجتمع المعلومات. يجب أن تكون وسائل الإعلام قادرة على الإعلام بحرية، من دون التعرّض لضغوط سياسية أو اقتصادية. وهذا شرط أساسي لتتمكّن من الاضطلاع بدورها في تشكيل الرأي العام. وتعدّ هذه القاعدة أساسية للإعلام في الأنظمة الديمقراطية. ولكن إذا كان القصد من محاضرات العميد زعرور حماية المجتمع من الثقافة الدخيلة التي تؤثر على قيم المجتمع، فإن السلاح الأمضى في مواجهة هذا التخريب لا يكون بمحاصرة حرّيات الأفراد والجماعات، ولا بتصنيف بعض منها على أساس أخلاقي، وإنما بالمساعدة على تفعيل الفكر، والفكر النقدي بالدرجة الأولى. فالشعب، بكامل تنوّعه، يصنع هويته الثقافية ومنظومة قيمه.
لطالما كانت وسائل الإعلام لاعباً رئيسياً في المجتمع. سواء كانت الصحافة المكتوبة أو الإذاعة أو التلفزيون أو في الآونة الأخيرة، الإنترنت ووسائل التواصل، فهي تلعب دوراً أساسياً. ولذلك تتطلب مقاربة الموضوع الدقة والنباهة وتقدير المجتمع المستهدف، هذا بالنسبة إلى تأسيس الجسم الإعلامي الوطني. ما يفرض أيضاً على الجهات المؤسّسة والفاعلة احترام كرامة هذا المجتمع المستهدف، من جهة، والرقي بالخطاب والابتعاد عن تكريس مفاهيم شعبوية أو استخدام لغةٍ يمكن وصفها بأنها هابطة أو لغة شارع، من الواجب تنقيتُه منها والنهوض بالذائقة العامة. دور الإعلام غايةٌ في الأهمية، وهو يحمل رسائل متنوّعة، عدا الوظيفة الإخبارية، من وظائفه أيضاً، الوظيفة الترفيهية، وهنا، ما دام أن الوسائط المتعدّدة باتت أحد الأعصاب الرئيسية في التواصل بين البشر، ولكل شخصٍ الحرية الكاملة في استخدامها ونشر المحتوى الذي يريد، فإن الدور الرسمي، الذي ترى السلطات أن من واجبها الحفاظ على قيم المجتمع من خلال ضبطها هذه الوسائط، لا يكون بالمساس بكرامة بعض شرائح المجتمع واختراع توصيفاتٍ قيميةٍ بحقها، بل من واجب الجهات الر سمية تنقية الخطاب من كل ما يعزّز هذه التصنيفات، والتركيز على أولوياتٍ أخرى، ربما تكون فاعلة ومؤثرة أكثر، وأهمها، كما أسلفت، احترام الأفراد والعمل على تنشيط الوعي والفكر النقدي، وحرية التعبير والرأي، خاصة بالنسبة للمجتمع السوري الحالي، بعد أكثر من نصف قرن من الاستبداد المتعدد.
سيكون لاختراع مثل هذا المصطلح الذي أطلقه عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق “مجتمع الدياثة” مستقبلاً أثر سيئ على المجتمع، خاصة لو اعتمد في مناهج تعليمية، ما يفسح المجال لدقّ الأسافين بين شرائح المجتمع، ويفسح مجالًا للتنمّر، ما دام أنه يحمل حكم قيمة أخلاقية معتمداً في المنهج التدريسي.
لوسائل الإعلام دور كبير في تشكيل رأينا العام، كنا على دراية بهذا أم لا، فإن المعلومات التي تنقلها تؤثر على تصوّرنا للعالم، وفهمنا الواقع المحيط بنا. لذلك سيكون لهذا الخطاب تأثير سلبي. وهنا لا بد من الإشارة إلى دور السلطة القائمة في تصحيح الأخطاء التي تقع، عن قصد أو من دون قصد، وتكليف أشخاص أكثر كفاءةً لإدارة بعض القطاعات فائقة التأثير في الوعي العام وحياة المجتمعات، واختيار الأفراد القادرين على معرفة حاجات المرحلة، من أجل بناء جيل مسؤول من الشباب الذي يعدّ نفسه لمرحلة البناء، خاصة أن هناك أموراً أولية فائقة الضرورة، من أجل تدعيم البناء المستقبلي على أسس سليمة، فشرائح الشعب كلها تعاني من أزمات حياتية وأزمة هوية في الوقت نفسه، وهناك استعارٌ مذهبيٌّ وطائفيٌّ وعرقيٌّ نمت بذرته خلال العقود الفائتة على قاعدة ماضوية لم يسعَ النظام البائد إلى معالجتها، بل أجّجها واستغلها في فرض سيطرته على المجال العام، زاد العنف في تأجيجها وتعزيز مشاعر المظلومية والثأرية في الصدور. هذا ما تحتاج المرحلة السورية الراهنة إليه في الدرجة الأولى، علّ الهدوء والسلم الأهلي يفسحان المجال للطاقات الإبداعية وللعقول كي تنفتح، وللقيم أن تسمو من جديد بعد تحررها من المستنقع الحارق التي حشرت فيه.
تبدّد الشعب السوري، وهام في كل بقاع الأرض، منه من حظي بحياة كريمة ومستقبل لأولاده، ومنه من لم يحظَ بفرصة من هذا النوع، فسعى معظم هؤلاء إلى تأمين مصدر رزق لأسرهم عن طرق ما تقدّم وسائط التواصل والميديا المتنوّعة من إمكانية الكسب بصناعة محتوى ما، كثير منهم ذهب باتجاه الطبخ وتقديم الوصفات “السورية منها بشكل أساسي” ومنهم ابتدع محتوى مغايراً، يستطيع من خلاله كسب جمهور يحقق له دخلًا ماديًا، هؤلاء لا يمكن وصفهم بأنهم مجتمع “دياثة”، بل مجتمع مقهور يبحث عن فرصة عيش.
الكلمة مسؤولية، أيّاً كان ناطقها، فكيف بمسؤول حقيقي، في رقبته أمانة النهوض بالواقع وتوجيهه نحو الازدهار والديمومة؟ وقد أخطأ عميد كلية الإعلام بحقّ شريحة من السوريين، عليه الاعتذار منهم، وعلى الجهات المسؤولة تكليف الأشخاص بحسب الكفاءات الأكاديمية وبعيداً عن الأيديولوجبا والعقائد، مهما كانت فلسف
العربي الجديد
—————————-
هل تنجح محاولة جمع ترامب والشرع في السعودية؟
الأربعاء 2025/04/02
ذكر مراسل القناة “آي-24” الإسرائيلية أرئيل أوسيران، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيلتقي الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في السعودية، فيما قال مصدر مطلع لـ”المدن”، إن محاولة جمع الرئيسين ليست مضمونة النجاح.
لقاء ترامب- الشرع
وقال أوسيران في تغريدة على منصة “إكس”، إن ترامب سيلتقي الشرع خلال زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة إلى السعودية منتصف أيار/مايو القادم. وأضاف نقلاً عن مصدر سوري، أن ترتيب اللقاء “تم بوساطة شخصية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”.
وأكد مصدر سوري مطلع لـ”المدن”، أن هناك محاولة سعودية بالفعل لجمع الشرع وترامب في لقاء في السعودية، على هامش زيارة الرئيس الأميركي، لكنه شدد على أن المحاولة السعودية ليست مضمونة النجاح، وبالتالي فإن اللقاء ربما يتم وربما لا.
وأوضح المصدر أن الهدف السعودي من جمع الرئيسين، هو محاولة الحصول على الشرعية الأميركية للحكومة السورية الجديدة، وإقناع الرئيس الأميركي برفع العقوبات المفروضة على سوريا.
والثلاثاء، أعلن ترامب، عزمه القيام بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية في أيار/مايو المقبل، لتكون أول محطة خارجية له في ولايته الثانية، مضيفاً أن جولته ستشمل كذلك قطر والإمارات، وأن زيارته إلى الرياض تفتح الباب لتفاهمات إقليمية أوسع.
العلاقة مع الشرع
وشهدت الفترة التي أعقبت تسلم ترامب مقاليد الحكم، قبل 4 أشهر، خطوات أميركية باتجاه الإدارة السورية والرئيس الشرع، إذ كان للإدارة الأميركية الدور الأبرز في دفع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتوقيع اتفاق دمج مؤسساتها بالدولة السورية، كما بدأت الاستخبارات الأميركية بمشاركة معلومات مع نظيرتها السورية، في إطار مكافحة تنظيم “داعش”.
في المقابل، قام الشرع بخطوات مماثلة للتقارب مع الإدارة الأميركية، عبر العمل على تنفيذ الشروط الأميركية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، كما كان الشرع أول المهنئين للرئيس ترامب بفوزه برئاسة الولايات المتحدة.
لكن الإدارة الأميركية مازالت تقرن تعديل العقوبات المفروضة على سوريا، بجملة من الشروط، على رأسها استبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب الرسمية، و”نبذ الإرهاب” ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية، وضمان حماية الأقليات الدينية والعرقية، وتأمين الحريات الأساسية لجميع المواطنين داخل سوريا.
وأمس الثلاثاء، أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، عن أمل واشنطن في أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة بداية تحوّل إيجابي نحو تمثيل جميع فئات الشعب السوري.
وقبل أسبوع، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر أن مساعدة وزير الخارجية الأميركي ناتاشا فرانشيسكي، سلمت وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، قائمة من الشروط من أجل تخفيف العقوبات، وذلك في أول اجتماع مباشر بين الجانبين، جرى على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل.
المدن
——————————
مجلس الإفتاء الأعلى السوري.. تحجيم “التيار السلفي” لإطفاء الحرائق/ مصطفى محمد
الأربعاء 2025/04/02
يعكس تمثيل مختلف التيارات الإسلامية في “مجلس الإفتاء الأعلى” الذي شكله الرئيس السوري أحمد الشرع، وهو المجلس الذي يتولى إصدار الفتاوى في المستجدات والمسائل العامة، رغبة القيادة السورية في خلق توازن، وتحديداً بين التيار السلفي (المقرب من الإدارة السورية)، والتيار الأشعري (الوسطي).
وقال الرئيس السوري الشرع إن “مجلس الإفتاء سيسعى إلى ضبط الخطاب الديني المعتدل، الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مع الحفاظ على الهوية ويحسم الخلاف المفضي إلى الفرقة، ويقطع باب الشر والاختلاف”.
وقلصت تركيبة المجلس إلى حد كبير، المخاوف لجهة “هيمنة” التيار السلفي على المشهد الديني في سوريا، بحيث ضم المجلس شخصيات عديدة تُعرف بوسطتيها، منها أسامة الرفاعي رئيس المجلس، ومحمد راتب النابلسي، وعبد الفتاح البزم، ومحمد وهبي سليمان، وعلاء الدين القصير.
في المقابل، ضم المجلس عدداً من الأعضاء الذين ينتمون للتيار السلفي، ومنهم عبد الرحيم عطون، الشرعي العام السابق في “هيئة تحرير الشام”، المعروف بتشدده، إضافة إلى مظهر الويس.
وكانت التوقعات تُرجح أن يتم تكليف عبد الرحيم عطون برئاسة مجلس الإفتاء الأعلى، لكن الاختيار وقع على الشيخ أسامة الرفاعي.
إطفاء الحرائق
وتعليقاً، يقول الباحث في الجماعات الإسلامية خليل المقداد لـ”المدن”، إن “تشكيلة المجلس لا تخرج عن إطار توجه الحكومة الهادف إلى كسب كافة أطياف الشعب السوري، وإطفاء الحرائق، لضمان ديمومة الحكم”. ويصف تشكيلة المجلس بـ”المفاجئة”، ويضيف “المتوقع من الإدارة السورية كان أن تُغلّب التيار السلفي الجهادي، لكن يبدو أن التوازنات الإقليمية والدولية قد فرضت العكس”.
وبحسب المقداد، فإن مقابل تغليب توليفة التيار “الأشعري الصوفي” على المجلس، قد نشهد بعض الامتعاض من جانب “التيار السلفي”، ويقول: “من المبكر الحكم على التوافق بين أعضاء المجلس، لكن يبدو أن هناك توجيهات على ضرورة التوصل لنقاط التقاء”.
وكل ما سبق، يؤكد بحسب الباحث، أن الإدارة السورية نجحت، حتى الآن، في المضي في خطة “الاعتدال”، ويقول: “للآن يؤشر خطاب القيادة السورية إلى استقطاب كل السوريين”.
ونص قرار تشكيل المجلس على أن يتخذ المجلس قراراته بالأكثرية، وفي حال تساوي الأصوات، يقوم رئيس المجلس (أسامة الرفاعي) بالترجيح.
وضم المجلس أيضاً شخصيات “تقليدية” ليست منتمية إلى تيار واضح، مثل إبراهيم الحسون، وعلاء الدين القصير، ونعيم العرقسوسي.
تنوع مذهبي ومناطقي
وبجانب التيارات المذهبية السُنية التي جمعها المجلس، برز أيضاً التمثيل المناطقي، بحيث يرجع أعضاء المجلس إلى أكثر من محافظة (دمشق، حلب، الساحل، دير الزور).
وعن ذلك يقول الناشط السياسي محمد سبسبي، إن تشكيلة المجلس تعكس رغبة الإدارة السورية في تجاوز الخلافات المذهبية والمناطقية أيضاً وتقليل مخاوف الشارع السوري، موضحاً لـ”المدن”، أن “الشارع السوري لا يزال يتعامل بحذر مع السلطة الآتية من خلفية سلفية، خصوصاً في العاصمة دمشق، حيث تسود الوسطية الدينية الأقرب للصوفية”.
ويضيف أن المجلس يضم في عضويته شخصيات تمثل السلطة، وتُمثل الرؤى الثانية مثل الصوفية والأشاعرة. ويقول: “التشكيلة مهمتها سحب فتيلة أزمة بدأت تظهر بعض فصولها، مثل ما جرى في أحد مساجد حماة”.
وقبل أيام، حدثت مشاجرة كبيرة داخل مسجد “مصعب بن عمير” في حماة، بعد أن هاجمت مجموعة من التيار السلفي (المتشدد)، مجموعة “صوفية” كانت تؤدي عبادات بطقوس صوفية.
والمثير للاستغراب بحسب سبسبي، هو أن المجلس ضم في عضويته بعض المشايخ المحسوبين على النظام البائد، مثل عبد الفتاح البزم، وقال: “يبدو أن حسابات السلم الأهلي قد دفعت إلى ذلك، إلى جانب حساب كسب القيادة للتأييد الشعبي السوري”.
المدن
———————————–
مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا.. مهامه وأبرز أعضائه
أعضاء المجلس الأعلى للإفتاء (14عضو):
2/4/2025
أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، في 28 مارس/آذار 2025، قرارا بتشكيل مجلس أعلى للإفتاء في سوريا، يتولى إصدار الفتاوى في المستجدات والنوازل والمسائل العامة، برئاسة الشيخ أسامة الرفاعي، الذي عينه مفتيا عاما للجمهورية العربية السورية، معيدا المنصب الذي كان نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد قد ألغاه عام 2021.
وضم المجلس 14 عالما من أبرز الشخصيات الشرعية في البلاد، وهم: علاء الدين القصير وخير الله طالب وأنس عيروط وأنس الموسى وإبراهيم شاشو ونعيم عرقسوسي ومحمد أبو الخير الشكري ومحمد راتب النابلسي وعبد الفتاح البزم ومحمد وهبي سليمان ومظهر الويس وعبد الرحيم عطون وسهل جنيد وإبراهيم الحسون.
ويهدف المجلس إلى توحيد المرجعية الدينية في سوريا وتعزيز منهج الاعتدال والوسطية، وتقديم الرأي الشرعي في القضايا العامة، فضلا عن تعيين المفتين ولجان الإفتاء في المحافظات، وتحديد مهامهم، ومتابعة شؤون دور الإفتاء وتقديم الدعم والمشورة.
وأشار الشرع، في كلمته في مؤتمر الإعلان عن المجلس، إلى أهمية إعادة منصب المفتي العام بعد أن ألغاه النظام المخلوع، وشدد على أن الفتوى يجب أن تتحول إلى مسؤولية جماعية عبر مجلس علمي مؤسسي، يُعنى بالتحري والدقة، ويعمل على توجيه الخطاب الديني نحو الاعتدال، وحسم القضايا الخلافية بما يحفظ وحدة المجتمع.
وينص القرار الرئاسي على أن يتخذ المجلس قراراته بالأغلبية، مع ترجيح رأي الرئيس في حال تساوت الأصوات. كما يتولى المفتي العام الإشراف المباشر على أعمال المجلس، وتنفيذ قراراته وتوصياته.
المفتي العام لسوريا أسامة الرفاعي
رئيس المجلس الإسلامي السوري ورابطة علماء الشام. وُلد في دمشق عام 1944، وهو الابن البكر للشيخ عبد الكريم الرفاعي، وتلقى علومه الشرعية على يد والده وعدد من علماء الشام.
تخرج في كلية الآداب بجامعة دمشق عام 1971، وتولى الخطابة والتدريس في جامع الشيخ عبد الكريم الرفاعي في كفر سوسة. واجه ملاحقة أمنية من النظام السوري المخلوع منذ الثمانينيات من القرن العشرين بسبب مواقفه المعارضة، فغادر إلى السعودية ثم عاد إلى دمشق عام 1993، قبل أن يهاجر لاحقا إلى تركيا بسبب دعمه الصريح للثورة السورية منذ انطلاقتها عام 2011.
أسهم في تأسيس المجلس الإسلامي السوري عام 2014، وانتُخب رئيسا له عام 2021. وعُرف بموقفه الرافض للفكر التكفيري ولتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، وبتصديه للطائفية في المنطقة التي اتهم إيران بتغذيتها. تعرض لمحاولة اعتداء من أفراد الأمن السوري عام 2011 أثناء صلاة التهجد، ونُقل إلى المستشفى بعد إصابته.
استقر في إسطنبول، وواصل نشاطه العلمي والدعوي. وعقب سقوط النظام المخلوع، عيّنه الرئيس السوري أحمد الشرع مفتيا عاما لسوريا ضمن خطة لإعادة تشكيل المرجعيات الدينية وإعادة الاعتبار لمنصب الإفتاء.
أعضاء مجلس الإفتاء
محمد راتب النابلسي
داعية إسلامي سوري وواحد من أبرز علماء العالم الإسلامي المعاصرين، وُلد في دمشق في 29 يناير/كانون الثاني 1938. اهتم بالإصلاح الفردي والاجتماعي، واشتُهر بمحاضراته وبرامجه الإذاعية والتلفزيونية التي ركزت على التزكية والوعظ والتوعية الفكرية.
حصل على إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1964، ودبلوم تأهيل تربوي عام 1966، كما نال شهادة الماجستير من جامعة ليون، والدكتوراه في التربية من جامعة دبلن عام 1999، إلى جانب عدد من الإجازات الشرعية، ودكتوراه فخرية من الجامعة الأميركية المفتوحة في عمّان عام 2015.
درّس في جامعة دمشق لأكثر من 30 عاما، كما حاضر في جامعة الأزهر فرع دمشق وجامعة أم درمان وجامعة طرابلس الإسلامية، وأشرف على مجلة “نهج الإسلام” التابعة لوزارة الأوقاف السورية، وتولى رئاسة جمعية حقوق الطفل في سوريا.
بدأ تجربته الدعوية عام 1974، ودرّس ووعظ في مساجد دمشق الكبرى، ومنها الجامع الأموي. غادر سوريا لاحقا بسبب مواقفه المعارضة للنظام، وعاد إليها في ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد 14 عاما من المنفى.
مثّل سوريا في مؤتمرات دولية بالعالم العربي والغرب، ولبّى دعوات من عشرات الدول لإلقاء محاضرات فكرية. ومن أشهر برامجه “أسماء الله الحسنى” و”الفقه الحضاري” و”سبل الوصول وعلامات القبول”.
وله مؤلفات كثيرة منها: “موسوعة أسماء الله الحسنى” و”قوانين في القرآن الكريم” و”مقومات التكليف” و”منهج التائبين”.
أنس عبد الرحمن عيروط
من مواليد 19 آذار/مارس 1971 في حي رأس النبع بمدينة بانياس في محافظة طرطوس، وهو أحد أبرز الشخصيات الدينية والثورية في سوريا. حصل على بكالوريوس في الشريعة من جامعة دمشق، وماجستير ودكتوراه في الاقتصاد الإسلامي من لبنان.
شغل منصب إمام وخطيب مسجد الرحمن في بانياس، الذي تحوّل في عامي 2011 و2012 إلى أحد أبرز مراكز الحراك الثوري في المدينة. برز اسمه منذ اللحظة الأولى للثورة، إذ تلا مطالب المتظاهرين من على شرفة قسم أمن الدولة في بانياس عقب مظاهرات “جمعة الكرامة”، واعتُقل في 8 مايو/أيار 2011، قبل أن يتولى لاحقا رئاسة مجلس قيادة الثورة في المدينة.
انضم إلى المجلس الوطني السوري عند تأسيسه، ثم إلى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، كما كان من القياديين في “جبهة تحرير سوريا الإسلامية” وعضوا في “مجلس العلماء السوريين”.
عام 2017 شارك في تأسيس “مبادرة الأكاديميين” التي مهدت لتشكيل “حكومة الإنقاذ السورية”، وتولى فيها مناصب عدة، منها رئاسة محكمة الاستئناف، وعمادة كلية الشريعة والحقوق في جامعة إدلب، وعضوية المجلس الأعلى للإفتاء عام 2019. نجا من محاولة اغتيال نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في إدلب عام 2018.
عُين محافظا لمحافظة طرطوس في 17 ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد سقوط نظام الأسد، ثم عضوا في “اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي” بتاريخ 9 مارس/آذار 2025، عقب أحداث الساحل السوري.
إبراهيم محمد شاشو
من مواليد مدينة حلب، وهو شخصية دينية وقانونية بارزة، شغل مناصب وزارية عدة، منها وزير العدل في حكومتي الإنقاذ السورية الأولى (2017) والثانية (2018) ثم وزير الأوقاف والدعوة والإرشاد في الحكومة الثالثة (2019).
تخرج في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 2000، ونال درجتي الماجستير والدكتوراه في المعاملات والمصارف الإسلامية عام 2011. بدأ مسيرته مدرسا في مدارس حلب، ثم محاضرا في جامعة حلب، قبل أن يتفرغ للعمل القضائي في الثورة السورية.
نشط في المجال الشرعي بداية الثورة، وعمل قاضي معاملات في محكمة التمييز، ثم ترأس المكتب القضائي في الهيئة الشرعية بحلب عام 2014، ورئاسة محكمة حلب عام 2016. كما شغل منصب قاض شرعي في الهيئة القضائية التابعة لحركة أحرار الشام، واستقال منها عام 2017 احتجاجا على اعتماد القانون العربي الموحد.
شغل منصب عميد كلية الشريعة في جامعة إدلب من عام 2015 حتى 2017، وعاد إليه بعد انتهاء مهامه الوزارية، قبل أن يستقيل من العمادة في سبتمبر/أيلول 2022 عقب احتجاجات طلابية تتعلق بسوء الإدارة.
تعرض لمحاولة اغتيال في الرابع من يناير/كانون الثاني 2021 أمام مسجد الفرقان في مدينة إدلب، وأُصيب بجروح بالغة نُقل على إثرها إلى تركيا للعلاج.
محمد نعيم عرقسوسي
من مواليد دمشق عام 1951، يُعد من أبرز علماء الشام في القرآن الكريم والحديث والفقه الشافعي، وواحدا من أعلام الدعوة والخطابة في سوريا المعاصرة. تتلمذ على يد الشيخ عبد الكريم الرفاعي، وحصل على إجازة في الأدب العربي من كلية الآداب بجامعة دمشق عام 1976.
أجيز في القراءات العشر على يد الشيخ محيي الدين الكردي، وقرأ صحيحي البخاري ومسلم على الشيخ حبيب الله المظاهري، وأجازه بهما قراءة وإقراء. تولى الخطابة والتدريس في جامع الإيمان بدمشق أكثر من 30 عاما، وأسس فيه نهضة علمية ودعوية بارزة جعلته من أعمدة العمل الإسلامي في العاصمة.
يلقي دروسا علمية أسبوعية في ما يُعرف بـ”جلسة الصفاء” بعد صلاة الفجر كل يوم جمعة، وهي سلسلة تربوية وعلمية مستمرة منذ سنوات طويلة.
له إسهامات علمية كبيرة في تحقيق التراث الإسلامي، منها مشاركته في تحقيق كتاب “سير أعلام النبلاء” للإمام الذهبي (25 مجلدا)، وخدمة “مسند الإمام أحمد” (45 مجلدا)، وتحقيق “توضيح المشتبه” لابن ناصر الدين الدمشقي (10 مجلدات)، وإصدار الطبعة الفنية الجديدة من “القاموس المحيط”.
من مؤلفاته: كتيب “الفوائد العشر لصلاة الفجر في جماعة”، و”أذكار الصباح والمساء”. كما يشغل في وزارة الأوقاف السورية عضوية اللجنة العليا لشؤون القرآن الكريم، وهو عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بدمشق. يُعد من كبار الخطباء والعلماء في بلاد الشام، ومرجعا علميا وروحيا لجيل واسع من طلبة العلم والدعاة.
محمد وهبي سليمان
من مواليد دمشق عام 1964، يُعد من الشخصيات الأكاديمية والشرعية البارزة في سوريا، شغل رئاسة مجلس إدارة مجمع الشيخ أحمد كفتارو، وعمادة فرع جامعة بلاد الشام في المجمع، كما تولى إدارة قسم الدراسات والبحوث في دار الفكر بدمشق.
حصل على إجازتين جامعيتين في الشريعة واللغة العربية، إضافة إلى إجازة في القرآن الكريم برواية حفص عن الشيخ محمد سكر. ونال الماجستير في الدراسات الإسلامية عام 1993، والدكتوراه في الفقه المقارن من جامعة أم درمان الإسلامية عام 2002 ، ودرجة الأستاذية عام 2014.
عمل أستاذا في الفقه الإسلامي وأصوله في عدد من الكليات الشرعية، وأشرف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه. شغل عمادة كلية الدراسات العليا في جامعة أم درمان في دمشق بين عامي 2010 و2019، ثم عميدا لكلية أصول الدين في جامعة بلاد الشام منذ 2011.
أشرف علميا على مشاريع فكرية وعلمية عدة في دار الفكر، من أبرزها “التفسير المنير” للدكتور وهبة الزحيلي، و”معجم شمس العلوم”، وله إسهامات بحثية في مجالات الفقه والدراسات القرآنية والموسوعات العلمية.
شارك في مؤتمرات علمية وحوارية دولية في أكثر من 10 دول، وله مؤلفات رصينة، من أبرزها “الموسوعة القرآنية الميسرة” و”معجم كلمات القرآن الكريم” و”المعتمد في فقه الإمام أحمد” و”مشكلات في طريق النهوض”، كما حقق عددا من الكتب التراثية المهمة، منها إحياء علوم الدين وقصص الأنبياء لابن كثير وتاريخ الفقه الإسلامي.
وهو أيضا خطيب جامع الياسين في دمشق، ومن الأصوات العلمية المعتدلة في الفكر الإسلامي المعاصر.
محمد أبو الخير شكري
عالم وداعية سوري، من مواليد دمشق عام 1961، ينتمي إلى أسرة علمية عريقة في حي سوق ساروجة. حصل على إجازة في الشريعة الإسلامية من كلية الدعوة بدمشق، وشهادة في الحقوق من جامعة دمشق، كما نال لقب “أستاذ في المحاماة” من نقابة المحامين بدمشق. أتم دراساته العليا بحصوله على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة منهاج القرآن في باكستان، والدكتوراه في الفقه وأصوله من معهد الدعوة الجامعي ببيروت.
تلقى علومه الشرعية على يد كبار علماء الشام، أبرزهم الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ عبد الكريم الرفاعي، وتخصص في تدريس الفقه وأصوله، ودرّس في معاهد علمية عدة داخل سوريا، منها معهد الشيخ بدر الدين الحسني ومعهد الشام العالي وجامعة أم درمان فرع دمشق.
أسّس معهدا لتحفيظ القرآن الكريم في جامع الإمام الشافعي، وكان له دور كبير في تخريج الحفّاظ والدعاة. شغل منصب خطيب جامع الشافعي لأكثر من 20 عاما، كما خطب الجُمع في الجامع الأموي الكبير بالتناوب.
شارك في مؤتمرات وندوات دولية حول قضايا الفكر الإسلامي والعدالة الانتقالية والحوار بين الأديان وحقوق الطفل، وألقى محاضرات في عدد من دول العالم الإسلامي وأوروبا وأميركا. وله مؤلفات في الفقه والدعوة والفكر الإسلامي، منها “الإثبات بالشهادة بين الفقه والقانون” و”الطفولة بين الشريعة والتشريعات الدولية” و”النفقة في قانون الأحوال الشخصية السوري”.
وهو عضو مؤسس في عدد من الجمعيات والهيئات الإسلامية، منها: المجلس الإسلامي السوري ورابطة علماء الشام وجمعية خير الشام وجمعية حقوق الطفل. كما شغل منصب رئيس المجلس السوري للسلم الأهلي، وعين عضوا في الائتلاف الوطني السوري.
عبد الفتاح البزم
مفتي مدينة دمشق التي ولد فيها عام 1943. نال إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1970، وأكمل دراسته العليا في جامعة عين شمس بالقاهرة متخصصا في اللغة العربية. نال شهادة الماجستير في الشريعة والدكتوراه في الفلسفة ودكتوراه ثانية في علم الحديث بعنوان “ابن الجزري محدِّثا”.
تلقى العلوم الشرعية على يد نخبة من علماء دمشق، منهم الشيخ صالح فرفور والشيخ أديب الكلاس والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ محمود الرنكوسي والشيخ لطفي الفيومي.
عمل مدرسا للغة العربية في وزارة التربية، ثم في معهد الفتح الإسلامي، وتدرّج في المناصب حتى أصبح مديرا للمعهد، كما شغل منصب مدير الثانوية الشرعية للبنين بدمشق. عُيِّن مفتيا لمدينة دمشق بقرار من رئاسة مجلس الوزراء عام 1993.
شارك في مؤتمرات علمية داخل سوريا وخارجها، منها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والبرازيل وروسيا وإيران والكويت، وله دروس في الفقه والتفسير والسيرة والحديث في عدد من مساجد دمشق، أبرزها جامع بني أمية الكبير.
مظهر الويس
من مواليد مدينة العشارة عام 1980، عين وزيرا للعدل في الحكومة السورية في 29 مارس/آذار 2025 عقب خلع نظام الأسد. ودرس الطب البشري في جامعة دمشق، ثم التحق بمعهد الفتح الإسلامي في قسم الفقه المقارن.
اعتُقل عام 2008 من جانب مشفى المواساة في دمشق، وتعرض للتعذيب في فرع فلسطين، ثم نُقل إلى سجن صيدنايا حيث أمضى 8 سنوات، وشارك في احتجاجات داخل السجن. نُقل لاحقا إلى سجن دير الزور، وأُفرج عنه في أبريل/نيسان 2013 بعد استثنائه من العفو العام الصادر في 2011.
بعد خروجه من السجن، تولى رئاسة الهيئة الشرعية في المنطقة الشرقية عام 2013، عقب انفصال جبهة النصرة عن تنظيم الدولة. وكان عضوا في مجلس شورى المجاهدين، والمتحدث الرسمي باسمه، وأحد مؤسسي مجلس شورى أهل العلم في الشام.
انضم لاحقا إلى هيئة تحرير الشام وكان أحد شرعيّيها البارزين. وشغل مناصب قضائية عدة في حكومة الإنقاذ السورية، من أبرزها رئاسة المجلس الأعلى للقضاء.
عبد الرحيم عطون
من مواليد عام 1956، وكان أحد أبرز الشرعيين في هيئة تحرير الشام، وقائدا سابقا لحركة الفجر الإسلامية. تلقى تعليمه الشرعي في تركيا، ثم تتلمذ على يد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في الأردن، حيث استقر بعد خروجه من سوريا نتيجة الاعتقالات المتكررة التي تعرض لها من النظام بسبب توجهاته السلفية.
عاد إلى سوريا مع انطلاق الثورة، وانضم إلى جبهة النصرة بقيادة أحمد الشرع الملقب حينئذ بأبو محمد الجولاني، وكان من أبرز المقربين إليه. مثّل الجبهة في المباهلة الشهيرة مع تنظيم الدولة عام 2014، وكان أحد المؤسسين لـ”جبهة أنصار الدين”.
ظهر علنا للمرة الأولى في إعلان فك ارتباط جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وتحولها إلى جبهة فتح الشام في يوليو/تموز 2016، وكان من أبرز الداعمين لهذا التحول والانفتاح السياسي. لاحقا أصبح من المرجعيات الشرعية الأساسية في هيئة تحرير الشام.
أعلن استقالته من الهيئة في 27 يناير/كانون الثاني 2018 دون توضيح الأسباب، لكنه استمر قريبا من مؤسساتها. أثار ظهوره في ندوة نظّمتها مديرية الثقافة في إدلب عام 2021 حول تجربة حركة طالبان في أفغانستان، جدلا واسعا بسبب تغيّره في المظهر والخطاب، ما اعتُبر دلالة على التحولات التي تمر بها الهيئة.
أنس الموسى
عالم إسلامي من مواليد مدينة حماة عام 1974، حصل على إجازة في الحديث الشريف من جامعة الأزهر، وماجستير في التخصص نفسه من جامعة يلوا في تركيا، إضافة إلى شهادة في الهندسة من جامعة دمشق.
تتلمذ على يد كبار علماء الشام، مثل الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ أديب الكلاس والدكتور نور الدين عتر، واكتسب منهم منهجا علميا رصينا في علوم الحديث والقراءات.
يُعرف بخبرته الواسعة في تطوير المناهج وأساليب التدريس في المعاهد الإسلامية بسوريا وتركيا، ويدرّس العلوم الشرعية في عدد من المعاهد، كما يقرئ بالقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة. وكان يدرس بنظام الإجازات العلمية في “دار الفقهاء” بتركيا.
خير الله طالب
من الشخصيات الإسلامية البارزة وعضو في المجلس الإسلامي السوري، عُرف بدعمه الثورة السورية منذ انطلاقتها. ترأس “هيئة الشام الإسلامية”، وهي أحد مكونات المجلس، وتُعنى بالدعوة والتعليم الشرعي وخدمة العمل القرآني، بما في ذلك برامج موجهة إلى غير المسلمين.
تأسست الهيئة في أكتوبر/تشرين الأول 2011، وسُجلت رسميا في مجلس محافظة حلب عام 2013، وتمارس نشاطاتها داخل سوريا وفي دول اللجوء عبر شبكة من الفروع والمراكز. أسهم الدكتور طالب في تطوير برامج دعوية وتعليمية تهدف إلى تعزيز الهوية الإسلامية المعتدلة، ودعم المجتمعات السورية المتأثرة بالحرب السورية.
الشيخ علاء الدين القصير
من أبرز علماء مدينة حلب، عُرف بمواقفه الجريئة في مواجهة ظلم النظام المخلوع، وكان من أوائل من استنكروا ممارساته منذ بدايات الثورة السورية، وخاصة ما ارتكبه من سفك لدماء الأبرياء.
سهل جنيد
أحد علماء مدينة حمص وعضو في رابطة العلماء السوريين. أعلن دعمه الثورة السورية منذ انطلاقها عام 2011، وشارك في عدد من البيانات التي دعت إلى الإصلاح ونبذ العنف.
تعرض لمحاولة اغتيال في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2011، حين استهدفت مجموعة من الشبيحة سيارته بالرصاص، وانتقل بعدها للإقامة في إسطنبول.
إبراهيم الحسون
خريج هندسة معلومات، وحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة المدينة المنورة. يُعد من أوائل المؤيدين للثورة السورية، واعتُقل على خلفية نشاطه السياسي والدعوي، وأمضى فترة في سجن صيدنايا.
المصدر : الصحافة السورية
——————————–
التفاصيل الكاملة لـ “خريطة الطريق” الفرنسية لسوريا بعد قمة “خماسية شرق المتوسط”
1 أبريل، 2025
مرصد مينا
أصدرت الرئاسة الفرنسية اليوم الثلاثاء تفاصيل “خريطة الطريق” الخاصة بسوريا التي تم التوصل إليها خلال قمة “خماسية شرق المتوسط”، والتي استضافتها باريس بمشاركة قادة فرنسا واليونان وقبرص ولبنان وسوريا، في 17 مارس الماضي وكانت هذه القمة فرصة لطرح رؤى متعددة حول مستقبل سوريا في ظل الظروف الحالية.
وتُظهر القمة التي عُقدت في باريس تواصلاً بعيداً مع الرئيس السوري أحمد الشرع، إذ تمت المشاركة عبر الاتصال عن بعد.
وقد صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن دعوة الشرع لزيارة باريس قد تكون قيد التنفيذ في الأسابيع المقبلة، بناءً على التطورات في سوريا.
خريطة الطريق: مسار جزئي لكن استراتيجي
جاء الاجتماع في باريس ليكون الأول من نوعه في صيغة “خماسية شرق المتوسط”، التي تهدف إلى دعم العملية الانتقالية نحو قيام سوريا موحدة ومستقرة.
ومع ذلك، وُصف الاجتماع بأنه جزئي، حيث تناول مسائل حساسة مثل اللاجئين السوريين وترسيم الحدود البحرية.
الغائب الأكبر
من أبرز غيابات القمة كانت تركيا، التي تعتبر من الأطراف المعنية بشكل كبير في ترسيم الحدود البحرية بين سوريا ودول الجوار، لا سيما قبرص واليونان.
وبالرغم من تخفيف التوترات بين أنقرة وأثينا، إلا أن المراقبين يخشون من تأثيرات الاتفاقات المحتملة حول ترسيم الحدود على المصالح التركية واليونانية.
الورقة الاقتصادية
تتمثل محاور “خريطة الطريق” بحسب ما نشره الإليزيه في خمس قضايا رئيسية هي: رفع العقوبات، الالتزامات الاقتصادية، ملف اللاجئين، ترسيم الحدود البحرية، والسيادة السورية.
بالنسبة للجانب الاقتصادي، أكدت الدول الأوروبية الثلاث دعمها لرفع العقوبات عن سوريا، لكن بشرط استمرار المراقبة المستمرة للأوضاع، وهو ما يمنح الغرب ورقة ضغط على دمشق.
رفع العقوبات والمساعدات الاقتصادية
تنص “خارطة الطرق” على أن الدول الأوروبية تؤكد دعمها لرفع العقوبات المفروضة على سوريا وفقاً لقرارات الاتحاد الأوروبي الأخيرة، مع التشديد على ضرورة مراقبة الوضع السياسي في سوريا لتقييم مدى تقدم العملية السياسية.
كما تم التأكيد على أهمية زيادة المساعدات الاقتصادية لإعادة إعمار سوريا، لكن ذلك مشروط بتنفيذ السلطات السورية سلسلة من الإصلاحات السياسية والأمنية.
ملف اللاجئين
تدعو “خريطة الطريق” إلى نهج إقليمي في معالجة ملف اللاجئين السوريين، يجمع بين الجهات المانحة والدول المضيفة للاجئين، بما في ذلك آلية تكاملية تجمع بين المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية لضمان عودة آمنة للاجئين إلى بلادهم.
ملف الإرهاب
كذلك تطالب الدول الأربع، دمشق، على المستوى الأمني، بـ”التنسيق الفعال لقوات السلطات السورية مع الآليات الدولية القائمة لمكافحة الإرهاب، لا سيما التحالف المناهض لداعش (عملية العزم الصلب)”.
إضافةً إلى الترحيب بالاتفاق الذي تم الشهر الماضي بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي أعربت لاحقاً عن رفضها للحكومة الجديدة بسبب ضعف تمثيلها.
أما بالنسبة لملف ترسيم الحدود البحرية، فقد شددت “خريطة الطريق” على ضرورة احترام القانون البحري الدولي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، مع مراعاة مصالح الدول الأوروبية المجاورة.
السيادة السورية والاحتلالات الأجنبية
فيما يخص السيادة السورية، دعت الخريطة إلى احترام السيادة الوطنية لسوريا، لا سيما في ظل التدخلات الأجنبية في الأراضي السورية.
ورغم غموض الإشارة إلى الجهات الأجنبية المعنية، إلا أن الرئيس ماكرون في تصريحاته العلنية لم يتردد في دعوة إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي السورية.
حماية المدنيين وتحقيق العدالة في سوريا
وأخير، طالب الاتحاد الأوروبي السلطات السورية بتوفير “الحماية الفعالة لجميع المواطنين السوريين” بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية، بالإضافة إلى ضرورة المساءلة الفعالة عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين، بما في ذلك تلك التي وقعت خلال أعمال العنف الأخيرة في الساحل الغربي لسوريا.
كما أشار الأوروبيون إلى أهمية تنفيذ “العدالة الانتقالية” الشاملة التي تُعتبر خطوة أساسية نحو المصالحة الوطنية.
وبينما يرفض الاتحاد الأوروبي منح “شيك على بياض” للسلطات السورية الجديدة، فإن دول الاتحاد تواصل مراقبة تطورات الوضع في سوريا عن كثب، معتبرة أن “الورقة الاقتصادية” تلعب دوراً حاسماً في توجيه دمشق نحو المسار الذي يحددونه.
ويعود ذلك إلى الضغوط الاقتصادية الهائلة التي تعاني منها سوريا نتيجة للعقوبات المستمرة منذ سنوات.
تجدر الإشارة إلى أن التواصل مع الشرع تم على ثلاث مراحل: ثنائياً مع ماكرون، وثلاثياً مع الرئيسين الفرنسي واللبناني، وخماسياً مع الرؤساء الأربعة.
وكانت خلاصاته ولادة “خريطة الطريق” أُدرجت تحت عنوان “خماسية شرق المتوسط”
ويعد اجتماع باريس الخماسي الأول من نوعه “بصيغته الجديدة، وبغرضها دعم العملية الانتقالية لقيام سوريا موحَّدة ومستقرة ومسالمة”.
——————————–
من البداية إلى النهاية.. قصة أحمد حسون مفتي البراميل والإعدامات/ محمد شعبان أيوب
2/4/2025
في 17 فبراير/شباط الماضي 2025، تجمع مجموعة من الشبان الغاضبين أمام منزل أحمد بدر الدين حسون في حي الفرقان في حلب، وذلك بعد ظهوره في شريط مصور وُصف فيه بـ”مفتي البراميل”، وقد أبدى اعتراضه وانزعاجه للمصور مؤكدا له أنه المفتي السابق والأستاذ الدكتور المتخصص في الفقه، وأنه اعتقل ثلاث مرات، وفي ذات الوقت اقتحمت مجموعة منزله، بيد أن قوات الأمن العام وصلت إلى المنزل لحمايته وتفريق المحتجين.
وبعد أربعين يوما من هذا المشهد، وفي 27 مارس/آذار الماضي اعتقل الأمن العام المفتي السابق لسوريا الشيخ حسون في مطار دمشق الدولي عند محاولته مغادرة البلاد متوجهًا إلى الأردن لإجراء عملية جراحية في عمّان.
والحق أن لحسون تاريخا طويلا ولافتا من المواقف والتصريحات التي أبداها في خدمة نظام حافظ وابنه بشار، فقد جعل منصبه الديني مطيّة لخدمة الاستبداد وقمع الحريات وله فتاوى صريحة يأمر فيها بمواجهة الأبرياء بعنف ودون هوادة!
فمن هو أحمد بدر الدين حسّون؟ وكيف كانت بدايته وما الدور الذي أدّاه في خدمة نظام الأسد؟
سيرته الذاتية
وُلِد أحمد بدر الدين محمد حسون في 25 أبريل/نيسان 1949 في مدينة حلب أكبر مدن شمال سوريا والعاصمة الاقتصادية للبلاد.
وقد أكمل حسون تعليمه الأساسي في حلب وحصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) عام 1967، واتجه بعدها إلى مصر للالتحاق بجامعة الأزهر، حيث نال درجة البكالوريوس ثم واصل دراسته العليا وحصل على درجة الدكتوراه في الفقه الشافعي.
وبدأ حسون مسيرته الدعوية عام 1967 حينما كان طالبا، وكان خطيبا ومدرّسا في عدد من المساجد. ولوضع الأمور في سياقها التاريخي، فقد كان ذلك بعد 4 سنوات من الانقلاب العسكري الذي جرى في 8 مارس/آذار 1963م، حين قام تنظيم الضباط البعثيين بانقلاب عسكري استولوا فيه على مقاليد السلطة في البلاد، وقد أمسك هذا التنظيم بمقاليد الدولة كافة، حتى نشاطات الأندية الرياضية والاجتماعية.
إذن، تشكل وعي حسون مبكرا مع صعود حزب البعث، قبل أن يصل عام 1970 لتشهد سوريا سيطرة مطلقة لحافظ الأسد على مقاليد الحكم في البلاد، وكانت له كلمة الفصل بانقلاب عسكري ألقى فيه القبض على شركائه السابقين في 13 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1970م، وبعدها بعام واحد فقط أعلن نفسه كأول رئيس علوي للجمهورية السورية، وبدأ فيها فصلا جديدا من احتكار وتوريث السلطة في الطائفة العلوية، بل وفي بيت حافظ الأسد تحديدا.
وبعد تدرج في المناصب استهله بعضوية مجلس الشعب السوري عام 1990 في زمن حافظ الأسد، فقد بدأ صيته في الذيوع، فهو الشيخ السني الذي يقف في صف نظام علوي يعتمد الطائفية ركيزة أساسية في إدارة البلاد.
وبعد وفاة حافظ الأسد، بدأ نجم أحمد حسون بالبروز أكثر وأكثر، حتى وصل إلى بشار، الابن الذي ورث كل شيء عن أبيه، ولم يطل عهد حسون في الانحياز المطلق للنظام حتى أثمر ذلك تعيينه في عام 2005 مفتيا عاما لسوريا خلفًا للشيخ أحمد كفتارو بعد وفاته.
ومنذ ذلك الحين، لعب حسون دورا في صياغة الخطاب الديني في الدولة السورية، حتى جاء العام 2011، وجاءت الثورة السورية لتظهر حقيقة الدور الذي يلعبه.
سيرته الذاتية الدموية!
اشتهر حسون خلال فترة توليه منصب المفتي العام للجمهورية بمواقفه الداعمة على الدوام للنظام السوري والرئيس المخلوع بشار الأسد، ولم يأل جهدا في الترويج لخطاب النظام السوري على طول الخط. فاعتبر مباشرةً الحراك الشعبي “مؤامرة تستهدف أمن سوريا تقف وراءها جماعات إرهابية”، وهو ما ظهر متسقا مع الرواية التي تبناها النظام في أيامه الأولى.
وخلال فترة الاحتجاجات، ظهر حسون في الإعلام عدة مرات مؤكدا أن ما يحدث في البلاد وتحديدا في درعا، تقف وراءه “أيادٍ خارجية”، وكأن مؤامرة كبرى تحاك للبلاد، وهو ما يتطلب توحد السوريين خلف قائدهم الأوحد، بشار.
وردا على هذه الاتهامات وخطورتها في منح النظام السوري شرعية في استهداف السوريين العُزل وما تبع ذلك بالفعل من قتل للمئات وبينهم أطفال، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي حينئذ بيانا انتقد فيه حسون شخصيا.
وردا على هذا البيان أصدر علماء سوريون موالون للنظام بيانا قالوا فيه إنهم لم يُفاجَؤوا بتصريحات بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، معتبرين أن البيان صدر “عن خلفيات حزبية مرتبطة بمخططات واضحة المعالم والأبعاد والأهداف التي تستهدف النيل من أمن واستقرار سوريا”.
وفي خطاب بثته قناة الأخبار السورية في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2011، هدد حسون أوروبا والولايات المتحدة في حال تعرضت سوريا لهجوم من قوى خارجية، حيث قال: “في اللحظة التي يضرب فيها أول صاروخ سوريا، سيتوجه جميع أبناء وبنات لبنان وسوريا ليصبحوا طالبي شهادة في أوروبا وعلى الأرض الفلسطينية.
أقول لجميع أوروبا وللولايات المتحدة: سنُعد طالبي شهادة هم موجودون بالفعل بينكم. إذا قصفتم سوريا أو لبنان، فسيكون الرد بالمثل عين بعين وسنا بسن”.
ولم تتوقف تصريحاته المثيرة للجدل، حيث نقلت صفحة الموسوعة بالجزيرة نت في مادة أخرى تتناول شخصية حسون نفسه، بأنه ظهر خلال عزاء الفنان صباح فخري في مدينة حلب، حيث أثار جدلا بادعائه أن خريطة سوريا مذكورة في القرآن الكريم في سورة التين، متسائلًا: “وين خريطة سوريا بالقرآن الكريم؟ موجودة بسورة منقراها كثير بصلاتنا وهي {والتين والزيتون ﴿۱﴾ وطور سينين ﴿۲﴾ وهذا البلد الأمين ﴿۳﴾ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}”.
ثم أضاف: “لقد خلقنا الإنسان في هذه البلاد في أحسن تقويم، فإذا تركها رددناه أسفل سافلين”، مشيرًا بذلك إلى اللاجئين السوريين. وتابع قائلًا: “ثم يكمل (الله) {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} (في هذه الأرض) {فلهم أجر غير ممنون}، أي الذين بقوا في سوريا”، موجهًا كلامه إلى المعارضين واللاجئين بقوله: “عودوا إلى بلادكم، في الخارج لن تجدوا من يصلي عليكم”.
تمادى حسون في الدفاع عن قصف النظام السوري للمدنيين في حلب بالبراميل المتفجرة والمدافع والمواد الكيميائية وغير ذلك، واصفا عمليات الجيش بأنها “تحرير”، كما أيّد الوجود الروسي والإيراني في سوريا، مشددًا على أن “الإيراني والروسي لم يأتيا مستعمريْنِ، بل مساعديْن معاونيْن”. وإضافة إلى ذلك، أفتى بحرمة قتال الجيش السوري، في حين اعتبر الانضمام إليه “واجبًا شرعيًّا”.
وفي عام 2015 تصدر مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، المشهد الديني بعد اتهامه بالتحريض ضد المدنيين، وقد جاء ذلك إثر مداخلة هاتفية له مع التلفزيون السوري، طالب فيها القوات النظامية بقصف أحياء المدنيين الذين يوجد بينهم معارضون، وذلك بعد استهداف الأحياء المسيحية في المدينة التي كانت تحت سيطرة قوات النظام، في عشية عيد الفصح.
وقد اعتبر العديد من المعارضين والناشطين أن هذه الفتوى منحت نظام بشار الأسد غطاءً دينيًّا لإلقاء البراميل المتفجرة على أحياء المدنيين الآمنين، رغم أن البراميل المتفجرة كانت قد دمرت قبر والده المتصوف الشيخ أديب حسون في حلب، الذي كان أول ضحاياها، إذ إن أول البراميل التي استهدفت أحياء حلب القديمة، دمرت قبر والده وقبور مشايخ متصوفين في جامع كان يؤمّ فيه الشيخ أديب المصلين قبل وفاته.
وقد ذكر أمين سر المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية حسان النعناع في مقابلة صحفية عام 2015 وهو الذي عرف حسون عن قرب في حلب، أن حسون يحمل تاريخًا أسود بعلاقاته مع المخابرات منذ شبابه، مشيرًا إلى أن علاقاته بأجهزة الاستخبارات السورية “ساهمت في تعزيز مكانته وأوصلته إلى منصب الإفتاء”.
واللافت أن علاقة حسون مع مخابرات حافظ الأسد تعود إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي بحسب النعناع، وأدى هذا التماهي مع السلطة إلى رفضه إنشاء أحزاب دينية في سوريا، وقد عبر عن هذا الموقف في تصريحات تعود إلى العقد الأول من الألفية، حيث طالب الإسلاميين السنة تحديدا الذين يرغبون في المشاركة في السلطة بالانضمام إلى أحزاب سياسية بدلًا من تأسيس أحزاب تحمل أسماء دينية.
وكان حسون يبرر موقفه المعارض للإسلاميين في سوريا بالقول إن “سقوط هذا الحزب الإسلامي في الانتخابات سيعتبره الناس سقوطا للإسلام”، مؤكدًا أن “الأمة كلها مسلمة”، وأنه على الجميع أن يدرك أن الدين “هو الرقابة على الأخلاق والقيم والإنسان”، وليس “السلم الذي نستخدمه لتحقيق أهدافنا السياسية أو الاقتصادية أو الأهواء الشخصية”.
هذا في الوقت الذي كان حسون يعمل فيه على نسج علاقات قوية مع الأوساط الدينية الإيرانية المختلفة، وكان يدعو إلى التقريب بين السنة والشيعة على الدوام حتى اتهمه البعض بنشر التشيع في البلاد، ومن اللافت أن هذه التُّهمة لاحقته منذ عام 2006 حين نشرت العديد من المواقع وقتها أخبارا عن تسهيله لنشر التشيع في البلاد.
الأمر الذي اضطره إلى الخروج في حديث صحفي لنفي هذه التهمة قائلا: “تابعت الأمر بشكل شخصي وتبين أنه غير صحيح، واتصلت بالشيخ سلمان العودة وطلبتُ منه أن يدلني على موقع من المواقع التي يقال إن فيها انتشارا للتشيع بسوريا”. وأضاف: “كان سعيدا بتوضيح الأمور له، وقال إن هذه الأنباء جاءت له من بعض الإخوة ولذلك تكلم بها، فدعوته لزيارة سوريا ليرى حقيقة الأمور”.
وعلى الرغم من مواقفه المتناقضة، ووقوفه في صف النظام السوري وداعميه، فإن حسون كان يحرص على تقديم نفسه على أنه قادر على جمع المذاهب، وكان يميل إلى رفض فكرة الصراع السني الشيعي، معتبرًا إياه صراعا سياسيا، وقد نسج علاقات واسعة مع ممثلي الطوائف الدينية والمذاهب الإسلامية في سوريا المقربة من النظام السوري.
ولهذا السبب ساهم حسون في تشكيل ما يُسمى “الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة”، وقال في أول اجتماعات الهيئة التأسيسية له: “هذا الاتحاد يحتضنه مجمع التقريب الذي بذل من الجهد سنوات عدة لجمع العلماء على مائدة واحدة، وعنوان الإسلام لا إكراه في الدين، وانطلقنا منذ سنوات في إيران”. وأضاف: “نقاوم لحماية دمشق وطرابلس واليمن وتم إنشاء حروب فيها لا علاقة للعلماء فيها والدين ليس له علاقة بما يحصل”.
وفي عام 2017، كشفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها أن نحو 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا قد أُعدموا خلال السنوات الخمس السابقة، بناءً على أوامر صادرة عن مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة السورية. وأشار التقرير إلى أن تنفيذ هذه الأحكام كان يأتي بعد مصادقة مفتي سوريا عليها، وهي الفترة التي كان فيها حسون يشغل هذا المنصب.
من التهميش إلى الاعتقال في قبضة الثوار!
لكن وعلى غير المتوقع، ورغم الخدمات الجليلة التي قدمها حسون لنظام الأسد، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أصدر الأسد مرسوما برقم 28 يقضي بإلغاء منصب مفتي الجمهورية، حيث نص المرسوم على إلغاء المادة 35 من القانون المنظم لعمل وزارة الأوقاف، التي كانت تنص على تعيين المفتي العام، وجاء هذا القرار في وقت تم فيه تعزيز صلاحيات المجلس العلمي الفقهي التابع لوزارة الأوقاف.
الأمر الذي يعني أن حسون أُقصي من منصب الإفتاء بعد سنوات طويلة خدم فيها النظام بإخلاص، وقد تباينت التحليلات والقراءات حول أسباب هذا القرار، حيث ربطها البعضُ بالعداء الشخصي لحسون من وزير الأوقاف حينئذ محمد عبد الستار السيد الذي نجح في استصدار هذا القرار، ورأى آخرون أنها ترسيخ للهيمنة الدينية الإيرانية على البلاد وتهميش السنة وإقصائهم عن حصر مؤسسة الإفتاء في أيديهم حتى ولو كان رئيسها مواليا بصورة مطلقة للنظام مثل حسون.
ومع نجاح الثورة السورية في ديسمبر/كانون الأول 2024 وهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد وتهاوي نظامه، ظهر حسون في مواقف نادرة، ففي 18 فبراير/شباط 2025 اقتحم محتجون سوريون منزله، مردّدين هتافات تطالب بمحاكمته، وذلك بعد ظهوره العلني في مدينة حلب.
ثم أُسدل الستار على مسيرة من أسماه ناشطون بـ”مفتي البراميل” في أثناء سفره إلى الخارج، حيث قُبض عليه في مطار دمشق الدولي في 27 ديسمبر/كانون الأول 2025 ليواجه مصيره أمام القضاء على السنوات الطويلة التي خدم فيها النظام الأسدي بإخلاص، وكان متورطا بصورة علنية في إراقة دماء الشعب السوري.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية
——————————
الكوميديا السورية… هل بدأت رحلة التعافي؟/ جوان ملّا
02 ابريل 2025
حضرت الكوميديا السورية في الموسم الرمضاني بثلاثة أعمال مختلفة، هي “نسمات أيلول”، و”ما اختلفنا 2″، و”كذب أبيض”. عادةً ما تكون الأعمال الكوميدية أقل حضوراً أو توهجاً مقارنةً بالأعمال الاجتماعية أو الأكشن، لكن في هذا الموسم استطاعت الكوميديا المحلية انتزاع الضحكة من الجمهور، ولو اختلف الأسلوب بين الأعمال الثلاثة.
نال مسلسل “نسمات أيلول”، من إخراج رشا ويزن شربتجي وتأليف علي معين صالح، الترند الأبرز على وسائل التواصل ومنصات البث، ليحظى بمتابعة واسعة جداً. استطاع العمل في أجوائه الريفية وجمعاته العائلية جذب المشاهدين بعيداً عن الأعمال التي تدور في دائرة العنف المشبَع هذا العام. فإلى جانب صورته الجميلة، قُدّمت مجموعة قصص ممتعة بأسلوب فكاهي من خلال شخصية “رولا” التي تؤديها نادين تحسين بيك، وتزور ضيعتها وتلتقي بأعمامها وأولادهم/ن. تحصل بينهم عدة مواقف طريفة ضمن عائلة تحب الضحك والتهكم على كل شيء، لا سيما مع ابني عمها “نورس” (ملهم بشر) و”شاهين” (درويش عبد الهادي). ورغم المبالغة في الضحكات، إلا أن العمل لامس قلوب الناس، واستطاع في نصفه الثاني طرح قضايا اجتماعية بسيطة مثل التنمر، الروتين الريفي، الضرائب، اليأس، وسوق العمل. ورغم بعض الفجوات المتعلقة بالمواضيع المطروحة، كان هذا المسلسل الأبرز حضوراً بين الأعمال الكوميدية.
في المقابل، جاء مسلسل “ما اختلفنا” بموسمه الثاني مقدماً لوحات كوميدية ناجحة ومضبوطة أكثر من موسمه الأول. تنوعت القضايا الاجتماعية التي تناولها بين الصداقات، الزواج، الفساد الأمني والسياسي، ما جعل العمل أقرب للمشاهدة والمتابعة. جذب المسلسل الأنظار بعد تقديمه في لوحات أخيرة أفكاراً كوميدية عن سقوط نظام الأسد، وقد صُوّرت تلك المشاهد داخل سورية بعد السقوط، عوضاً عن لبنان الذي كان المكان الأساسي للتصوير بإدارة المخرج وائل أبو شعر. يتميز هذا النوع من الأعمال بإمكانية التجديد لمواسم عديدة، إلا أنه ما زال ينقصه الانتشار الأوسع.
أما مسلسل “كذب أبيض”، فكان الأكثر هزلاً بين الأعمال الثلاثة. يتناول قصة أربع شابات يتوفى والدهن ويسعين لتحصيل ثروته التي جناها من أعمال مشبوهة، لتحدث لهن مواقف كوميدية في كل حلقة. لكن هذه المواقف بدت في معظمها ضعيفة وغير مضحكة. ورغم محاولة العمل تقديم خط إماراتي مختلف عن خط دمشق الذي تجري فيه الأحداث، إلا أن هذا الخط بدا سيئاً من حيث الفكرة والأداء، حيث بدا الفنانون “يهرّجون” ويصطنعون أكثر مما يقدمون حكاية كوميدية متماسكة. العمل الذي كتبه رامي المدني وطارق مرعشلي وأخرجه مخلص الصالح، شارك في بطولته كل من رنا شميس، روعة ياسين، روبين عيسى، رواد عليو، آندريه سكاف، عبد الله أبو هاجوس، ومروة راتب.
ورغم تنوع هذه الأعمال وتقبلها لدى الجمهور، إلا أن الكوميديا السورية ما زالت بحاجة ماسة إلى نصوص أكثر قوة وإبداعاً، تُقدِّم الضحكة ممزوجة بفكرة مميزة، لتقدم رسالة واضحة للجمهور بعيداً عن الضحك المجاني. يبقى الكتّاب السوريون المتخصصون في الكوميديا قلائل، وأبرزهم ممدوح حمادة، مازن طه، والراحل حكم البابا.
العربي الجديد
————————–
هل يمكن للسلطة الجديدة في سوريا إعادة ترتيب العلاقات مع بكين؟/ توني هان
2 أبريل/ نيسان 2025
بعد ثلاثة أشهر تقريباً من الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، أجرت بكين أول اتصال لها مع القيادة السورية، ثمّ بعد أسابيع عديدة من الصمت، التقى السفير الصيني في دمشق بالرئيس السوري أحمد الشرع ومسؤولين كبار آخرين في القصر الرئاسي.
وعلى الرغم من هذه الخطوة، لم يُكشف علناً ما تمت مناقشته بين الجانبين، ما يترك مستقبل مسار العلاقات بين الصين وسوريا غامضاً.
وتجد القيادة الجديدة في سوريا نفسها في مواجهة العديد من التحديات لإعادة بناء بلد دمّرته حرب أهلية استمرت لأكثر من عقد من الزمن.
والملف الذي يشكل صعوبة بشكل خاص، هو إدارة علاقات دمشق مع القوى الأجنبية التي تمتلك العديد منها نفوذاً على سوريا بفضل مجموعة من العقوبات الوطنية والدولية المفروضة إما على الدولة السورية أو على هيئة تحرير الشام، المجموعة المعارضة السابقة التي كان يرأسها الشرع.
وتتسم علاقة الحكومة السورية الجديدة مع الصين بتعقيد من نوع خاص، إذ دعمت بكين باستمرار حكومة الأسد سياسياً، واعترفت بها كسلطة سيادية شرعية في سوريا على الرغم من وحشية حكمه.
البراغماتية المتواصلة: التجارة رغم السياسية
سيكون العديد من المعارضين السابقين المعيّنين في الحكومة السورية الجديدة على دراية تامة بالدعم الدبلوماسي الذي قدمته الصين للأسد. ومع ذلك، وفي حين أن النوايا الحسنة تجاه الصين قد تكون في أدنى مستوياتها، فإن الوجود الاقتصادي لبكين من المرجح أن يكون عميقاً في سوريا الجديدة، كما كان الحال في إدلب خلال السنوات الأخيرة.
فعلى الرغم من أن الدولة الصينية لم تعترف رسمياً بأي شكل من أشكال حكم المعارضين في إدلب قبل سقوط الأسد، إلا أن ذلك لم يمنع الشركات المصنعة الصينية – والعديد منها شركات خاصة – من الاستفادة من الطلب العالي في تلك المنطقة على سلعها ذات الأسعار المعقولة.
كما أن غياب العلاقات الدبلوماسية بين المعارضين السابقين والحكومة الصينية، لم يمنع تجار القطاع الخاص في إدلب من النظر إلى الصين كمصدر للسلع المعقولة المناسبة لتلك المنطقة التي عانت من نقص السيولة.
صورة لمخيم للنازحين السوريين يقع فوق تلة، ويتكون من مئات الملاجئ أو الخيام ذات الأسقف البيضاء أو الزرقاء المصنوعة من القماش أو البلاستيك أو الحديد المموج أو ما شابه ذلك.
رزحت البنية التحتية والاقتصاد في إدلب تحت ضغط هائل خلال فترة الحصار، ليس فقط بسبب الأضرار التي خلفتها الحرب، وإنما أيضاً بسبب وجود حوالي مليوني سوري نازح داخلياً لجأوا إلى هناك.
تشير البيانات التي جمعتها وكالة “ريتش” للأبحاث، وحللتها بي بي سي في عام 2022 إلى أن الصين كانت المصدر الخارجي الرئيسي لـ 10 من أصل 17 عنصراً أساسياً ضرورياً لتوفير المأوى في إدلب.
ووجدت المنتجات الرخيصة من الصين وتركيا سوقاً جاهزاً تمثل في اقتصاد إدلب خلال الحرب. ومع انتقال الصين إلى التصنيع المتقدم في السنوات الأخيرة، فإن منتجاتها الأكثر تطوراً لبّت كذلك العديد من الاحتياجات الملحة في المنطقة.
دفعت الهجمات على البنية التحتية للمياه الكثير من سكان إدلب إلى الاعتماد على المياه المعبأة. وتتم تصفية مياه “الكوثر” – وهي علامة تجارية محلية بارزة – وتعبئتها في إدلب على خط إنتاج تم شحنه من الصين.
وظهرت شبكة من شركات التصدير السورية في المدن التجارية الجنوبية الصينية مثل ييوو وغوانغتشو، لتجارة هذه المنتجات، حيث تقوم بتوريد السلع الصينية وشحنها إلى سوريا.
أحد التجار، ويُدعى علي جدعو، قام بتوريد الآلات المستخدمة من قبل “الكوثَر”، وقال لبي بي سي إن السعر المنخفض هو السبب في اختيار الشركات للآلات الصينية، مضيفاً: “من حيث الجودة أيضاً، أصبحت السلع والمعدات الصينية الآن تنافس المنتجات التركية والأوروبية، بل وتتفوق عليها”.
صورة تظهر فتى يقوم بتفريغ المياه عبر دلو من براميل على ظهر مركبة إلى برميل آخر موضوع على الأرض، ويقف إلى جانبه رجل، وخلفهما تظهر ألواح شمسية زرقاء اللون.
ويقول صفوان حاج عثمان، الذي بدأ نشاطه التجاري في مجال الطاقة الشمسية في إدلب قبل خمس سنوات: “لا يكاد يوجد منزل أو مصنع أو متجر في إدلب غير مزود بألواح شمسية”.
ويقدر حاج عثمان، الذي يورد الألواح الشمسية من عدة دول، أن الألواح الصينية الجديدة تشكل حوالي 60 في المئة من الأنظمة الشمسية المثبتة في إدلب، بينما يتم استخدام الألواح الأوروبية المستعملة لبقية الأنظمة.
وأصبحت إدلب، التي كانت تُعتبر سابقاً منطقة نائية إلى حد ما، وُجهة للسوريين من المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق لشراء كل شيء، بدءاً من الأدوات المنزلية وحتى المعدات الصناعية، ومعظمها صيني الصنع.
ويقول جدعو مازحاً: “أصبحت إدلب في الوقت الحاضر مثل باريس”.
ومن المرجح أن تزدهر نشاطات العديد من التجار الذين لديهم روابط مع الموردين الصينيين في سوريا الجديدة، إذ ينشر البعض منهم على وسائل التواصل الاجتماعي حول كيفية مساهمة أعمالهم في إعادة الإعمار في البلاد.
بعد أيام قليلة من انتصار المعارضة، بدأ حاج عثمان يتلقى طلبات لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام، فيما قال جدعو لبي بي سي إنه يقوم بتلبية طلبات للآلات الصينية المخصصة للمصانع في حماة ودمشق.
إعادة الإعمار: فرصة لبدء المشاركة؟
وتحتاج سوريا بشكل كبير إلى إعادة بناء المرافق العامة والبنية التحتية، وهي مهمة تتطلب استثمارات ومعرفة فنية واستعداداً للمخاطرة أكبر مما هو الحال مع بيع السلع للمنازل والمتاجر والمصانع بشكل فردي.
بذل الأسد جهوداً دؤوبة لجذب المشاركة الصينية في خطط إعادة إعمار البلاد. كان أحد الأمثلة على ذلك صفقة بقيمة 30 مليون دولار لتوريد المعدات التي كانت ستستخدم لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة للاتصالات في سوريا.
في الوقت ذاته، كان لدى إدلب شبكة اتصالات محلية خاصة بها، “سيريافون”، التي تم ترخيصها من قبل سلطات المعارضة. تغطي هذه الشبكة إدلب والعديد من المدن المحيطة، واستخدمت كذلك مكونات صنعتها الشركات الصينية.
ويقول أحمد أبو دوح، زميل مشارك في معهد “تشاتام هاوس”، ورئيس دراسات الصين في “إي بي سي” – وهو مركز أبحاث مقره الإمارات: “إعادة تأهيل مرافق الطاقة، إعادة بناء الموانئ… وكل تلك القرى والمدن التي دمرتها الحرب… الصينيون ماهرون جداً في ذلك، ويمكنهم إنجازه بسرعة كبيرة”.
حتى الآن، يبدو أن الحكومة الجديدة في سوريا تحاول وضع العلاقات على أساس جديد. فبعد سقوط الأسد، رفعت السفارة السورية في بكين بسرعة العلم السوري الجديد، وأصدرت بياناً يحتفل بالإطاحة به، دون ذكر الدعم الدبلوماسي الصيني لحكمه.
وأضافت السفارة: “نؤكد أننا نعتمد على الدور الصيني في إزالة العقوبات الظالمة على سوريا، ولاحقاً في مهمة إعادة الإعمار”.
الحزب الإسلامي التركستاني: هل هو العقبة الكبرى؟
وعلى الرغم من كل ذلك، فقد كسرت الصين صمتها علناً مرات عدة لتسليط الضوء على قضية واحدة: مشاركة الإيغور في الدولة السورية الجديدة، بما في ذلك تعيين بعضهم في مناصب قيادية في الجيش.
وفي بيان صدر في 18 فبراير/ شباط الماضي، قالت وزارة الخارجية الصينية إن لديها “تحفظات جدية” بشأن رفع العقوبات الدولية عن هيئة تحرير الشام لهذا السبب، مطالبة حكام سوريا الجدد باتخاذ إجراءات حازمة.
يقول أبو دوح: “يكشف لي ذلك أن حل قضية الإيغور هو شرط لكي تلعب الصين دوراً مهماً في إعادة بناء وإعمار سوريا”.
وشارك أعضاء من المجموعة الإيغورية المعروفة باسم الحزب الإسلامي التركستاني في الهجوم النهائي للثوار في سوريا، وأصبح لهم حضور راسخ في شمال غرب البلاد من خلال المشاركة النشطة في الصراع على مدى عدة سنوات.
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو يوم سقوط دمشق، نشر الحزب الإسلامي التركستاني مقطع فيديو يقول فيه: “لقد قاتلنا في حمص، وفي إدلب، وسنواصل القتال في تركستان الشرقية”، في إشارة إلى الاسم الذي تستخدمه المنظمة لموطن الإيغور في شينغ يانغ، غربي الصين.
أطلقت السلطات الصينية في عام 2017 برنامجاً للاعتقالات الجماعية في شينغ يانغ، ضمن حملة أوسع لقمع جوانب من هوية الإيغور، والممارسات الدينية الإسلامية مثل إطلاق اللحى والصيام، معتبرة أن هذه علامات على ما تسميه “التطرف”.
منذ سقوط الأسد، اتخذ الشرع نهجاً براغماتياً، يظهر بوضوح في إعلان العفو عن المسؤولين الحكوميين وحتى الجنود الذين خدموا تحت حكم الأسد، طالما أنهم لم يشاركوا في التعذيب والانتهاكات الأخرى.
هذا الاستعداد للنسيان باسم التعافي الوطني قد ينطبق أيضاً على الدعم الذي قدمته الصين سابقاً للأسد.
ولكن بما أن الإيغور – رفاق السلاح للحكومة السورية الجديدة على مدى عدة سنوات – يشكلون إحدى العقبات الرئيسية أمام توثيق العلاقات مع الصين، فإن البحث عن حل مقبول لبكين قد يجهد هذه البراغماتية إلى الحد الأقصى.
وفيما يتعلق بالشكل الذي قد يبدو عليه الحل المقبول بالنسبة لبكين، يقول أبو دوح إن علاقات الصين مع طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان ربما تقدم بعض الأدلة حول ذلك.
ويشير أبو دوح إلى أن طالبان لم تعد أياً من الإيغور إلى وطنهم، قائلاً: “في الوقت نفسه، ضمنوا ووعدوا الصينيين بأن أفغانستان لن تتحول إلى منصة لإطلاق هجمات إرهابية ضد المصالح الصينية”، مضيفاً أن “الصينيين براغماتيون للغاية”.
————————-
===================
===================
عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 02 نيسان 2025
تحديث 02 نيسان 2025
——————————
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
الأحداث التي جرت في الساحل السوري
——————————-
المخاض السوري… ضرورة التنازلات المتبادلة والتوافق/ علي العبدالله
02 ابريل 2025
اكتملت المائة يوم الأولى على تسلّم الإدارة الجديدة السلطة في سورية، الفترة المعيارية المعتمدة في مناهج البحث السياسي لقياس مدى نجاح السلطة الحاكمة في إدارة البلاد، وتنفيذ برامج وخطط عمل تستجيب لمصالح المواطنين وتطلّعاتهم، واعتبار ذلك مؤشّراً على نجاحها في المتبقّي من فترة ولايتها… مرّت من دون نجاح يعتدّ به، بل يمكن القول (من دون خوف من الوقوع في خطأ كبير) إنها انطوت على مؤشّرات سلبية على طبيعة النظام السياسي الذي تتجّه نحوه سورية، من مركزة السلطة بيد الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، وجعله صاحب القرار الوحيد في البلاد. وقد جاء الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية ليزيد الطين بِلَّه على خلفية اعتماد معايير اجتماعية في اختيار الوزراء، واحتفاظ الرئيس الانتقالي برئاسة الوزارة، وتنصيب سبع شخصيات من هيئة تحرير الشام، كانوا وزراءَ في حكومة الإنقاذ في إدلب، أربعة منهم في وزارات سيادية. هذا في وقت تشير فيه المعطيات المحلّية والإقليمية والدولية إلى وجود تحدّياتٍ عديدةٍ، كبيرة وخطيرة، ستعترض طريق الحكومة الانتقالية، وتجعل عملها لحلّ المشكلات الداخلية والخارجية صعباً، يزيد في صعوبته اجتماع هذه التحدّيات في لحظة سياسية عاصفة ومتحرّكة.
أوّل هذه التحدّيات التنّوع الذي يعرفه الاجتماع السوري دينياً ومذهبياً وقومياً، تنّوع اجتماعي دفعته السياسات التمييزية طوال فترة حكم النظام البائد المديدة إلى الترّكز حول الذات والتحوّل إلى هُويَّاتٍ ومواقفَ سياسية متعارضة ومتناقضة، كرّستها وعمّقتها سياساته في القتل والتدمير والاستحواذ على خيرات البلاد، وترك المواطنين تحت وطأة العوز والجوع في العقد ونصف العقد الماضيين، وقد استفزّتها الإدارة الجديدة بخياراتها ذات اللون الواحد، وبسياساتها غير المكترثة بمطالبها وتطلّعاتها، ضخّمت هواجسها وحرّكت مخاوفها من المستقبل والمصير الذي ينتظرها، ودفعتها نحو التمترس والتطلّع إلى مصدر خارجي للحماية لتحقيق حقوق سياسية واقتصادية تحفظ اجتماعها وخصوصياته. وزاد في تعقيد الموقف وخطورته اعتماد الإدارة الجديدة على العرب السنة، ليس بتخويف أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى وأبناء القوميات غير العربية فقط، بل وبتحويل السُّنة طائفةً وحرساً إمبراطورياً للإدارة الجديدة، ما صعّد تطلعاتهم إلى السيطرة والاستنفار للدفاع عن سلطة غدت سلطتهم، تجسّد ذلك في نداء الفزعة وتبعاتها بقتل مئات المدنيين العلويين، وعمّق الاستقطاب بين الطوائف وزاد الاحتقان حدّةً.
ليست مواقف القوى السياسية، القومية والمذهبية، المعترضة على سياسات الإدارة الجديدة وتصوّراتها، خاصّة مطالباتها بنظام لامركزي/ اتحادي، أقلّ تأثيراً وعرقلةً لمهمّة مواجهة تحدّي التنّوع، وجعله أكثر تعقيداً وصعوبةً في ضوء تعدّد أسس ومرتكزات هذه المطالب، أسس قومية (الكرد والآشوريين السريان)، ومذهبية (الدروز والعلويين)، فمطالب قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تتطابق مع النظام الاتحادي، فليس في النظام الاتحادي جيش خاصّ، ولا يغير من طبيعة الموقف عرضها وضع قواتها تحت إشراف وزارة الدفاع، طالما كانت الموافقة مقرونةً بالإبقاء على هياكلها وتشكيلاتها كما هي، وليس في النظام الاتحادي علاقات خارجية للأقاليم. تصور قيادة “قسد” أقرب إلى الاتحاد التعاهدي (الكونفدرالية) منه إلى النظام الاتحادي، في حين تقوم دعوات اللامركزية في الساحل والسويداء على أساس مذهبي، ما يجعلها دعوات لانقسام عمودي يفرّق أبناء الجنس الواحد (العرب)، ويدفعهم إلى مواجهات بشأن الموارد والمصالح. وهذا لا يشكّل الجانب الرئيس في الموضوع، إذ إن الجانب الأكثر تأثيراً في الموقف هو غياب أرضية ثقافية، ووعي سياسي، لقيام نظام اتحادي في سورية، وفي كلّ الدول العربية والإسلامية. يتجاهل دعاة الاتحادية ذلك وهم يكرّرون تعداد الدول التي فيها أنظمة سياسية اتحادية، يتجاهلون السياق التاريخي وثقافة الدولة والمصلحة العامة، التي كانت وما زالت سائدةً لدى مواطني هذه الدول، وهو ما نفتقده لدى مواطني سورية، والدول العربية والإسلامية، إذ لا إدراك للمصلحة العامّة والملكية العامّة. كان لافتاً ما حصل في العراق وسورية عند سقوط النظامين البائدين 2003 و2024، على التوالي، من نهب لممتلكات الدولة وإتلافٍ لمقارها، والأكثر دلالةً ومأساويةً ما حصل في قطاع غزّة من نهب للمساعدات الإنسانية قبل تفريغها من الشاحنات من الأسر الكبيرة والعصابات، في تجاهل تامّ لحق الشركاء في الوطن والمصير، وهم جميعاً في أتون مواجهة القتل والتدمير والخطر الوجودي، فالمنبّه الرئيس لتحرّك المواطنين في بلاد العرب والمسلمين، ليس المواطنة والشراكة في الوطن، بل القرابة، قرابة الدم، ما سيجعل الأقاليم ساحةَ صراع على المواقع والموارد والمصالح، كما هو حاصل في إقليم كردستان العراق، حيث الانقسام العمودي بين البارزانيين في أربيل، والطالبانيين في السليمانية، وحيث ما زال لكلّ قسم “البشمركة” الخاصّة، وجهاز مخابراته الخاصّ، ومطاره الخاصّ، وموارده الاقتصادية الخاصّة.
فالوضع ليس عدم حصول اندماج وطني في كيان واحد، بل أيضاً الدخول في مواجهات مباشرة، والتحالف مع قوى لا تريد للإقليم الخير، رغم الانتماء القومي، ورغم مرور أكثر من عقدَين على قيام الإقليم. لقد بقيت الأولوية في المجتمعات العربية والإسلامية لقرابة الدم. وهذا سيكون عامل تفجير في أيّ إقليم في ضوء الجغرافيا البشرية، حيث لا يوجد في سورية مناطق يسكنها مكوّن واحد، حيث التجاور والتشابك سيّد الموقف. فالمطالبة بنظام اتحادي فيها كثير من التبسيط، والموقف هنا لا يتعلق بالاتحادية في حد ذاتها، بل في علاقتها بالسياقات وبالبنى السياسية والثقافية والاجتماعية، فالأنظمة الاتحادية تحتاج قاعدةً قويةً من ثقافة الدولة، ومن الوعي بها وبمستدعياتها من إدراك للشراكة الوطنية والمصلحة العامّة والمصير المشترك.
لقد أطلق الاتفاق المبدئي، الذي وقّعه أحمد الشرع ومظلوم عبدي، آمالاً بالخروج بحلّ توافقي يُخرج البلاد من حالة الاستعصاء، لكنّ هذه الآمال بدأت بالتلاشي على خلفية صدور الإعلان الدستوري ومواده، التي وضعت جلّ الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وتشكيلة الحكومة الانتقالية التي اختير وزراؤها بتجاهل تامّ للقوى السياسية، وبالتذرّع بالخبرة والاختصاص. في هذا الإطار يمكن اعتبار الاتفاق بين أحزاب الوحدة بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي على موقف سياسي موحّد، وإعلان تشكيل وفد موحّد للتفاوض مع السلطة الجديدة في دمشق، وسيلةً لتحسين بنود اتفاق الشرع عبدي أو التنصّل منه، بعد أن شعرت قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بأن الأمور لا تسير في اتجاه تحقيق مطالبها. واقع الحال أن مخاوف قيادة “قسد”، والكرد عامّةً، مبرّرة. فتوجّهات السلطة لا تضمن لا الحقوق ولا العدالة والمساواة، والعودة إلى التفاوض تستدعي إدراكاً للتوازنات والمخاطر الظاهرة والكامنة في حال عدم الاتفاق، ما يفرض اعتماد التوافق قاعدةً رئيسةً، والمرونة والقبول بنظام لامركزي مرن، يتيح حدّاً معقولاً من إدارة محلّية للمدن والمحافظات، والتركيز على التشاركية والمساواة، وضمان الحقوق في دولة مواطنة، ونظام قائم على التعدّد السياسي، والحرّيات الخاصة والعامة، وحرّية الرأي والتعبير، وسيادة القانون، والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، والتنمية المتوازنة والخدمات في المحافظات، والانتخابات النزيهة، وصولاً إلى الحقّ في تشكيل الأحزاب والمنظّمات والنقابات… إلخ. فهذا ما تطيقه المرحلة، ويقبله العقل العملي، لتحاشي سفك الدماء والدمار.
أمّا ثاني التحدّيات في وجه الحكومة الانتقالية العتيدة، المطالب الإقليمية والدولية، وهي كثيرة ومتقاطعة في بعضها، ومتعارضة في بعضها الآخر. بعضها مقصودٌ لذاته وبعضها وسيلة للضغط على السلطة الجديدة لتحقيق هدفٍ معيّن أو كسب موطئ قدم في البلاد. وما جعل لهذه المطالب وزناً إضافياً ربط بعض هذه الدول رفع العقوبات بتنفيذها، ورفع العقوبات حاجة حياتية داهمة لأن عدم رفعها سيجعل إقلاع الاقتصاد، وتوفير المعيشة والخدمات، والبدء بإعادة الإعمار، ضرباً من المستحيل. وهنا تبرز أهمية الحكمة والإبداع والخيال الواسع في توظيف الطاقات كلّها، بما في ذلك السوريون في المهاجر، لوضع خطّة تتقاطع مع هذه المطالب من دون تطبيقها حرفياً، ما يستدعي العمل على تأسيس إجماع وطني حول هذه الخطّة، ويفرض الاتفاق مع أطراف الاجتماع الوطني على حلولٍ للتباينات والاختلافات أساسُه توازن المصالح والإقرار بحقوق متساوية، فمن دون الاحتماء بالإجماع الوطني القائم على الرضا لا يمكن مقاومة الضغوط الخارجية واحتواء مفاعيلها السلبية.
ثالث التحدّيات تحقيق سويّةٍ مقبولةٍ في مستويات المعيشة والخدمات، ومواجهة حالة الفقر والعوز الشديد، وملاحقة المتلاعبين بأقوات المواطنين من خلال اللعب بسعر صرف الليرة السورية، والتوقّف عن سياسة حبس السيولة التي شلّت الأسواق، وقادت إلى تضخّم سلعي، ما يستدعي تبنّي سياسة تشاركية بين القطاعين العامّ والخاصّ، بما في ذلك السوريون في الخارج، والسماح للقطاع الخاصّ بالعمل وفق أسس منصفة وعادلة تتيح له الربح من دون استغلال وجشع، من جهة، وتحميه، من جهة ثانية، من منافسات خارجية من دون إخلال بحاجات المواطنين للسلع. فالتشاركية وفتح السوق المنضبط أمام السلع الأجنبية يمكن أن تطلق عجلة الاقتصاد وتبعث الأمل في المجتمع.
تحتاج سورية إلى أبنائها كلّهم من دون تمييز أو إقصاء، من أجل إنجاح تجربة الانتقال السياسي، كما تحتاج إلى مرونة من الجميع، والاستعداد لإعادة النظر في المطالب والمواقف خدمةً للصالح العامّ، فمن دون المرونة والتكيّف مع الظروف، والتنازلات المتبادلة، سنذهب إلى صراعات وصدمات ليست في مصلحة أحد منّا.
العربي الجديد
——————————–
مجازر الساحل… الأسباب تُفضي إلى النتائج!/ ماهر منير
02.04.2025
صحّة سردية الأمن العام يُدافع عن الناس في وجه الفصائل والفلول، لا تُعفي السلطة الحالية من دماء المدنيين الأبرياء في الساحل السوري، في الوقت ذاته لا يعني ذلك الاستهانة بدماء قتلى الأمن العام، الذي رُمي بعضهم في الأحراج ودُفنوا في مقابر جماعية.
بدأت ملامح المجزرة تظهر منذ الأيام الأولى لسقوط بشار الأسد، ورغم حرص القوّات التي سيطرت على الحكم على طمأنة الجميع، بخاصة العلويين، ظهر واضحاً أن هناك مسؤولين في هذه السلطة وشريحة واسعة من مسلّحيها وشبّيحتها وإعلامييها، يعتبرون أنهم تكرّموا على العلويين بإبقائهم على قيد الحياة، إذ لم يضربوهم بالكيماوي، ولم يقصفوهم بالبراميل، ولم يهجّروهم إلى مخيمات اللجوء، وهذا بحدّ ذاته “مِنحة ومكرمة”.
ومنذ اليوم الأول، عيّنت الإدارة الجديدة الشيخ أنس عيروط محافظاً لطرطوس، وعندما تقول أنس عيروط في الساحل، لا يسعنا إلا استعادة كلماته: “كما أن الصلاة عبادة… فالجهاد عبادة، الجهاد ضدّ الروس والنصيريين والمجوس“، هذه الخطبة العصماء الأشهر في تاريخ الرجل، لا يبدو أنه قد تخلّى عنها. على أن عيروط لم يبقَ محافظاً لوقت طويل، فقد أُقيل من منصبه، لكن ليس بسبب تاريخه في التحريض، بدليل تعيينه مجدداً في لجنة التحقيق في الانتهاكات في الساحل من قِبل أحمد الشرع، وهكذا يصبح أحد المحرّضين على القتل الطائفي، محقّقاً في جرائم طائفية!
فردية… جماعية… قطيعية
انتهت نشوة النصر “الذي لا ثأر فيه”، وبدأت فيديوهات الإذلال اللفظي والجسدي والسباب الطائفي تخرج إلى العلن، ثم انتقلت الأمور إلى مرحلة الخطف والقتل من قِبل مجهولين، سرعان ما تحوّلت الحالات الفردية إلى جماعية، مع دخول فصيل مسلّح إلى قرية فاحل في ريف حمص، وتنفيذ اعتقالات وإعدامات ميدانية ورمي عشرات الجثث في طرقات القرية، وأكّدت التقارير أنها شهدت إطلاق نار من مسافات قريبة وطعناً بأدوات حادّة، وكذلك قرية عين شمس في ريف حماة، التي دخلت إليها قناة “العربية”، وأظهرت بكاميراتها أرتالاً ملثّمة تقتحم القرية وتبثّ الرعب وتعتقل مدنيين، ولم نرَ في الفيديو ذاته أية معارك أو اشتباكات؛ لكن هذا ما قاله المذيع معلّقاً على التقرير، وكان ردّ سلطات دمشق أن كل ما في الأمر هو ملاحقة “الفلول”، هذا المصطلح الذي سيغدو مرادفاً لكلمة “المندسّين” في أيام الأسد.
تراكمت الحالات الفردية والجماعية، لتصبح قطيعية وفصائلية في السادس من آذار/ مارس الماضي، بعد إعلان ما سمّوه “النفير العام”، واعتلاء المشايخ منابر المساجد داعين الناس إلى الجهاد في الساحل، والتحريض على القتل الطائفي، وقتال “الكفّار النصيريين المرتدّين فلول النظام البائد”، واستقدام مجموعات مسلّحة من هنا وهناك، وسط تهليل من إعلام السلطة الجديدة، وإشادة بهذه الحميّة الثورية والغيرة على سلامة الوطن وأمنه.
خرجت مظاهرات تُطالب الدولة بتسليح المدنيين، فهل كانت “قوّات الفلول” تستوجب كل هذه الجحافل؟ وهل المعارك الصعبة تحتاج إلى هذا الزحف على قرى وبلدات، أكثر ما يمكن أن يمتلكه البعض فيها هو أسلحة فردية؟ لا شكّ في أنه التعطّش لدماء العلويين، كما تُظهر المقاطع المصوّرة بلسان مرتكبيها.
لماذا يتلثّم المعروف؟
ارتبطت مجازر الساحل بحقّ العلويين باسم عنصر في جيش النظام البائد يُدعى مقداد فتيحة، الذي ظهر في فيديو مشهور بعد انسحاب نظام الأسد من حلب، وباعتباري أعيش في الساحل السوري؛ فإنني أشكك في إمكانية وجود قوّات منظّمة يمكنها قلب نظام الحكم؛ كما ادّعت السلطة الجديدة، وأنا هنا أشكك ولا أنفي، أما فتيحة فهو معروف الشكل والهيئة والملامح، وله الكثير من الصور والفيديوهات، فلماذا يتكلّم وهو يضع اللثام على وجهه؟ معلناً تشكيل ما يسمّى “لواء درع الساحل”، ومتوعّداً السلطات الجديدة، هل يحاول أن “يقلّد” عناصر الإدارة الجديدة؟ هل يستوحي من تاريخ إعدامات “داعش” كما روّجت نظرية المؤامرة؟ كلما تتّبعنا نشاط فتيحة المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، تزداد الأسئلة حول سطوته، خصوصاً أن البعض يُتّهم بأنه يتحرّك بين سوريا ولبنان.
وإن كانت العملية العسكرية في الساحل عبارة عن ملاحقة فلول؟ فلماذا السرقة؟ لماذا يوجد عائلات كاملة من أب وأم وأطفال تمّت تصفيتهم بملابس النوم في بيوتهم وغرف معيشتهم؟ ومن يتحمّل مسؤولية هذه المجازر؟
في سياق متّصل، دخل رتل عسكري يضمّ عشرات الآليات إلى إحدى القرى العلوية، وقد تبيّن على مدخل القرية أنهم ضلّوا الطريق، عندما سألوا السكان عن اسم القرية، وقد حدث خطأ في التوجيهات العسكرية إلى هذا الرتل، لكنّ ذلك لم يمنع من سرقة بضع سيارات ومحال تجارية لسكان مدنيين، وقتل عائلة كاملة بعد تجميعهم في غرفة النوم، وكل هذا كان بعد معرفتهم أن هذه القرية ليست مقصدهم، هنا يصبح الدمّ السوري تحت رحمة المصادفة والعشوائية والمزاجية.
سردية الأمن العام
تبدو سردية الأمن العام هو من يحمي المدنيين من جرائم الفصائل المنفلتة حقيقية في بعض المواضع، فقد علمتُ من أصدقائي في دمسرخو في محيط اللاذقية، أن هناك شجاراً يحصل بشكل يومي بين الأمن العام وفصيل متشدّد من المقاتلين الأجانب يريد استباحة المدنيين، ويرفض الفصيل أن يُغادر اللاذقية، إلا بشرط “السماح له باستباحة دمسرخو ومروج دمسرخو، ثم يترك اللاذقية”.
كما يوجد بعض القصص المشابهة التي تُشيد بتصرّفات الأمن العام، لكنّ هذه السردية هشّة في شهادات أخرى، أخبرني قريب لي عن قيام الفصائل المتشدّدة في بعض القرى بسرقة البيوت، لكنّ دورية الأمن العام التي يبدو أنها كانت مرافقة لهذا الفصيل، تُخبر أحد أصحاب السيارات الذين طلبت الفصائل مفتاح سيارته أن يذهب بسرعة، عندما أتى بعد دقائق ليسلّمها لعنصر آخر طلبها “آسف معنا جماعة متشدّدين، نحن لسنا حرامية”، وقد قتل الرتل ذاته مدنيين آمنين في منازلهم.
هل هذا هو الدمج الذي تحدّث عنه الشرع؟ دوريات من الأمن العام تُرافق الفصائل لضبطها؟ ولكن ما هي قيمة هذه المرافقة إن كانوا غير قادرين على منع المجازر والسرقات؟ عدا دخول الكثير من الأفراد إلى صفوف الأمن العام بعد فترة تدريب قصيرة، ويبدو من بعض الوجوه أنهم صغار في السن، وربما لم يبلغوا بعد الثمانية عشر عاماً، وقد أبلغ الكثير من الناس الذين أعرفهم عن انتهاكات بحقّهم من قِبل أفراد يرتدون بدلة الأمن العام ويضعون شعاره.
صحّة سردية الأمن العام يُدافع عن الناس في وجه الفصائل والفلول، لا تُعفي السلطة الحالية من دماء المدنيين الأبرياء في الساحل السوري، في الوقت ذاته لا يعني ذلك الاستهانة بدماء قتلى الأمن العام، الذي رُمي بعضهم في الأحراج ودُفنوا في مقابر جماعية.
لكن السلطة أعلنت على لسان رئيسها أحمد الشرع موافقة جميع الفصائل على حلّ نفسها ووضع عتادها وجودها تحت إمرة وزارة الدفاع، وأيضاً لا يمكن تبرئة السلطة من دماء الأمن العام، حين أُقحموا في جبال لا يملكون فيها أي خبرة أو معرفة، بعد أن أكملت حكومة الشرع وقوّاته العسكرية استفزاز البيئة الساحلية، ومحاصرتها سياسياً وأمنياً واجتماعياً ومعيشياً وطائفياً، بعد فصل آلاف الموظّفين من أبناء الساحل بشكل تعسفي، وتجاهل وجود مئات الآلاف من العاملين والعاملات في المؤسّسات العسكرية والأمنية من عسكريين وموظّفين مدنيين لا علاقة لهم بحكم أو سلاح.
الأطباء والممرّضون والفنّيون في المشافي العسكرية على سبيل المثال لا الحصر؛ مئات الآلاف من الأفراد باتوا بلا أي مصدر دخل، أي أن الملايين هم من دون مُعيل حقيقي، وعندما تُحاصر أحداً من جميع الاتجاهات وتحشره في الزاوية، فسيقاتل بأسنانه عندما تهجم عليه، إذ سيشعر أنه ليس لديه ما يخسره. ما أريد قوله، هو أنه قد يكون هناك بعض الفلول المنظّمة التي نسّقت الهجمات على الأمن العام، وهذا لم يستغرق أكثر من يومين لإخماده، فيما الجزء الأهمّ والأكبر باعتقادي، هو اضطرار الناس في الساحل للدفاع عن أنفسهم حين رأوا فيديوهات الذبح المنتشرة التي تقوم بها قوّات الشرع، فليتخيل أحدكم مجرمين يقتربون من بيته؟ ألن تستخدموا السلاح للدفاع عن أطفالكم وممتلكاتكم؟ ولو كان هذا الدفاع غير مجدٍ وسيزيد الطين بلة، ومن الاستسهال أن نطالب بالتفكير المنطقي في لحظات الرعب هذه.
السلاح في الساحل فقط!
التنطّع وتبرير قتل المدنيين “من أين أتوا بهذا السلاح؟ و”يجب حصر السلاح بيد الدولة” لا يبدو مقنعاً، فالسلاح موجود في كل المناطق السورية تقريباً، لكن لا يتمّ النظر إليه على أنه خطر سوى في الساحل، وكأنه لا يشكّل أي تهديد في يد الفصائل التي رأينا مجازرها، وكأن السلطة غير معنية سوى بتمشيط المناطق العلوية في الساحل وحمص، أما المناطق الأخرى فهي ليست معنية بحصر السلاح في يد الدولة، وحتى وجود أسلحة فردية لا يعني شيئاً عسكرياً.
هذا يتوضّح في اعتراف السلطة نفسها أنه بعد الدعوات إلى الجهات، انطلق “متحمّسون” من مختلف مناطق سوريا للمشاركة في “المعركة” في الساحل، هؤلاء حملوا السلاح الخفيف وانطقلوا، لكن هل تمّت مصادرة سلاحهم؟ تفلّت السلاح إذاً شأن انتقائي، عدم الثقة بالعلويين يعني تحوّل كل واحد منهم إلى “عدو” محتمل، خصوصاً حين نشاهد الصور والفيديوهات التي تُنشر بصورة يومية لمخازن السلاح والذخيرة التي تتمّ مصادرتها من مناطق مختلفة، لكن هل هذا يعني أن كل هذا السلاح هو مخصّص للعلويين من أجل القتال؟ ألم يكن حرياً بهم حمله منذ أول يوم من حملة “تمشيط الساحل”؟
الكثير من الأسئلة يمكن طرحها بخصوص السلاح المتفلّت، ودوره وآلية التعامل معه، لكن يبقى الخطر قائماً، كون السلاح المتفلّت؛ وإن “سُحب” من الساحل، فماذا عن باقي المحافظات؟
التبرير بدل تحمّل المسؤولية
بعد إعلان انتهاء العملية العسكرية في الساحل، لم تكلّف السلطة نفسها عناء تقديم عزاء علني لأهالي الضحايا أو إعلان الحداد، وتحمّل المسؤولية كما يقتضي منطق الدولة، أما زيارة المناطق المنكوبة، فاقتصرت على بضع زيارات، مثل زيارة محافظ اللاذقية محمد عثمان قرية صنوبر جبلة، التي جرت فيها مجزرة مروّعة وثّقتها CNN طاولت أكثر مئتي مواطن، وقد بدت الزيارة تبريرية، إذ انفجرت إحدى السيدات “إنتو تأخرتو كتير كتير”، ليردّ عثمان “كنا محاصرين متلكم”، فترد “كلكم كنتو محاصرين؟”.
أما الزيارة الأشهر فكانت إلى منزل السيدة زرقة سباهية في قبو العوامية في ريف القرداحة، التي قُتل ولداها أمامها وتم التشفّي منها أمام الكاميرا، ومجدداً يبرّر المحافظ أن قوّاته تعرّضت لإطلاق النار من بين المنازل في القرية، وبالتالي فهي مُجبرة على الردّ، ووعد بمحاسبة المسؤولين، ولم يخرج للإعلام سوى ثلاث دقائق من المقابلة، كان أهمّ ما فيها عفوية السيدة زرقة وكرمها الريفي حين كانت على هامش الشاشة تدعو مرافقي المحافظ إلى منزلها “تعو يا بيي تعو يا عيني اقعدوا”.
ويقال إن المحافظ أعطاها ظرفاً من النقود لكنها رفضته رفضاً قاطعاً، ويأتي في السياق ذاته خروج ابنة السيدة زرقة في فيديو تطلب فيه من الإدارة الجديدة، التوقّف عن الضغط على والدتها واستغلالها سياسياً، ودعوتها إلى دمشق وطالبت بالابتعاد عن عائلتها.
الاهتمام بالصورة الإعلامية
وفيما يوجد عشرات القرى المنكوبة في الساحل، وآلاف العائلات المتضرّرة، بسبب سرقة مصادر رزقها ونهبها، أو تعرّض معيليها للاعتداء أو القتل، نرى السلطة مهتمّة بشكل غير عادي بالمدنيين الذين يحتمون بالقاعدة الروسية في حميميم، وتُرسل لهم الطعام الذي يرفضون استلامه، وتُرسل الباصات لنقلهم إلى منازلهم، وتدعوهم للعودة رغم الرفض المتكرّر، “من سيؤمّن على نفسه بعد كل هذه المجازر؟”.
هنا تبدو سياسة الحكومة الجديدة واضحة، في الحفاظ على صورتها الإعلامية الهشّة، منذ استقدامها مؤثري “السوشيال ميديا” و”اليوتيوبرز”، وهي الآن لا تهتمّ سوى بالحالات التي تأخذ ضجيجاً إعلامياً، فكم من زرقة سباهية قُتل أبناؤها أمامها بتشفٍّ ومن دون تصوير؟ وكم من صنوبر لم تسمع عنه CNN؟ وكم من العائلات كانت تريد الاحتماء ولم تُفلح؟
يظن من يعيش خارج الساحل السوري، أن القتل الطائفي من قبل الفصائل المنضوية تحت راية وزارة الدفاع قد توقّف، لكنّه تحوّل إلى نمط آخر هو الخطف والقتل ليلاً من دون ضجيج وتصوير، فقد شهد حي الادخار في حمص مجزرة مروّعة، حيث اقتحمت مجموعة مسلّحة منزل مواطن يوم الخميس في 20 آذار/ مارس الماضي، وأقدمت على قتله بدم بارد مع أبنائه الثلاثة أمام أعين الأم وابنتها، ما أثار موجة من الرعب والهلع لدى العائلات العلوية القاطنة في الحي، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد تركوا بيوتهم إلى مناطق أكثر أمناً.
وفي اليوم نفسه، أقدم مسلّحون مجهولون على قتل شابين في قرية يحمور في ريف طرطوس، وبحسب مصادر أهلية قامت مجموعة مسلّحة تدّعي أنها من الهيئة، باقتحام عدد من المنازل في القطيلبية والراهبية في ريف جبلة والسطو على محتوياتها بقوّة السلاح.
لا شكّ في أن مسلسل القتل والسرقة والسطو تقف خلفه موجات التحريض وخطاب الكراهية، الذي في كثير من الحالات يكون من قبل الحكومة نفسها، حيث أقدم مسؤول الأمن العام محمد هاني المرعي في إحدى المدارس الحكومية في جديدة يابوس في ريف دمشق، على السخرية من ممارسات الطائفة الشيعية، بعدما تمّ تهجيرهم من المنطقة.
درج
———————————–
جريمة بانياس تعيد شبح القتل الطائفي في سورية/ حسام رستم
02 ابريل 2025
أثارت جريمة بانياس التي شهدت تصفية ستة مدنيين بينهم مختار قرية في ريف المدينة التابعة لمحافظة طرطوس على الساحل السوري، أمس الأول الاثنين، موجة غضب واستنكار واسعة بين السوريين، لا سيما أنها استهدفت مدنيين بينهم طفل على أساس طائفي، في وقت لم تتعاف فيه مدن الساحل بعد من آثار الانتهاكات التي حصلت مطلع مارس/آذار الماضي خلال صد هجوم نفذه فلول نظام بشار الأسد.
وفي تفاصيل جريمة بانياس أقدم مسلحان يتبعان لفصائل عسكرية تابعة للجيش السوري على إطلاق النار في قرية حرف بنمرة بريف بانياس، وهما من عناصر حاجز لا يبعد سوى أمتار قليلة عن القرية، فقتلا مختار القرية وخمسة أفراد من عائلة واحدة بينهم طفل وكبار في السن، في جريمة تصفية على أساس طائفي. وتدخّل بعدها الأمن العام لتطويق القرية بحثاً عن المسلحين واعتُقلا. وعقب جريمة بانياس شهدت حرف بنمرة وعدد من القرى المحيطة في ريف بانياس نزوح مدنيين إلى وجهات أخرى وسط حالة خوف. وقال قيادي في الأمن العام التابع لوزارة الداخلية، في تسجيل مصور نشرته محافظة طرطوس عبر صفحتها في “فيسبوك” من القرية خلال اجتماعه مع وجهائها، إن الأمن استطاع القبض على مرتكبي الجريمة، وسيحاسبان عبر القضاء ولن يفلتا من العقاب، مؤكداً أن هذه الجريمة لا تمثل توجه القيادة السورية التي شددت على الحفاظ على السلم الأهلي وحماية جميع المدنيين.
جريمة بانياس والخوف من التصفيات
وأعادت جريمة بانياس الخوف من تكرار انتهاكات وعمليات قتل على أساس طائفي بعد أقل من شهر على حصول عمليات قتل خارج القانون ارتكبت بحق مدنيين في اللاذقية وحماة وطرطوس من قبل مسلحين وفصائل تابعة لوزارة الدفاع وصفت بأنها غير منضبطة، عقب تمرد مسلحين من فلول النظام السابق.
وحول أسباب تكرار مثل هذه الجريمة رغم وعود الرئيس السوري أحمد الشرع بوقف الانتهاكات وتشكيل لجنة السلم الأهلي في الساحل، قال الناشط السياسي في اللاذقية مهيار بدرة لـ”العربي الجديد”، إن مثل هذه الانتهاكات تحرج الحكومة السورية وليست في صالحها، وسبب تكرارها هو اختلاف الأيديولوجيات داخل الجيش السوري الجديد والمكون من فصائل متعددة تم تجميعها بعد سقوط نظام الأسد. وأضاف أن غياب الانضباط وعقلية الدولة في مؤسستي الدفاع والداخلية يحتم على المسؤولين الانتباه إلى ضرورة العمل بسرعة على خلق عقائدية الجيش الجديد والخروج من حالة العشوائية والفردية، “فمن غير المعقول أن يرحب المدنيون في الغالب بعناصر الأمن العام ويطالبون بانتشارهم، وفي الوقت ذاته يخشون وجود عناصر الجيش رغم أن المكونين يتبعان للدولة الجديدة”. ورأى بدرة أن “الاعتراف بالجريمة كان نقطة إيجابية، في ظل محاولة البعض نفي التهم وتشويش الحقيقة، لكنه أمر غير كافٍ ولا بد من قمع هذه الانتهاكات وعدم إلصاق صفة الفردية فيها لأنها ستتحول مع الوقت إلى انتهاكات منهجية”.
مطالبات بمحاسبة سريعة
من جهته، رأى المحامي عروة السوسي، المتحدر من اللاذقية، أنه لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذه الانتهاكات، أولها أن تقوم اللجنة التي شكّلها الشرع بعملها والتحقيق في كافة الجرائم بحق المدنيين، وأن تصدر تقاريرها بأسرع وقت، وتحيلها إلى محاكم أو هيئات قضائية مختصة لمحاكمة المجرمين علناً وتطبيق أشد العقوبات عليهم. كما أكد لـ”العربي الجديد” ضرورة نشر قوات أمنية مدربة وتفهم حقوق الإنسان في مناطق ذات حساسية، ومنع أي شكل من أشكال الاعتداء على المدنيين على أسس مناطقية أو طائفية، ومحاسبة عاجلة بدون مماطلة لمن يرتكب أي جرم بحق أي مدني سوري. كما نوه إلى ضرورة تفعيل دور وعمل جهاز الشرطة لما لها من دور رئيسي وتنظيمي في حفظ الأمن بين المواطنين بشكل مهني، وملاحقة المجرمين، وإحالتهم للجهات المختصة، مضيفاً أنه بدون عمل جهاز واحد وهو الشرطة أو جهاز الأمن الداخلي في هذا الملف، سيتشتت العمل بين عدة أجهزة وتضيع قضايا الناس وحقوقهم. وأشار إلى أنه من واجب الناس التعاون مع أجهزة الشرطة والأمن الداخلي وإعادة الثقة بها بصفتها مؤسسات وجدت لحمايتهم وحماية ممتلكاتهم واللجوء لها بعد انتشار مخافرها ومقراتها في المدن والقرى.
أما فراس حاج عمر، وهو مسؤول لجان التنسيق المحلية في مدينة جبلة بريف اللاذقية، فرأى في تصريح لـ”العربي الجديد” أن “ما حصل في ريف بانياس مدان من الجميع، لكن من الضروري الانتباه إلى المستفيدين من توتير الأوضاع باستمرار وعدم عودة الحياة إلى طبيعتها”. وأضاف أن استمرار الأوضاع الأمنية المتوترة في الساحل يعود إلى كثرة الإشاعات المنتشرة عن هجوم جديد يحضر له مسلحون من فلول نظام الأسد في الساحل. ولفت إلى أن “هذه الإشاعات المتواترة وما ينشره مقداد فتيحة، وهو من يقود عمليات فلول النظام، نشرت الخوف وأبقت الناس والأجهزة الأمنية في حالة استنفار دائم ومنعت النازحين من العودة إلى منازلهم”. وحتى اليوم لا يزال الكثير من ضباط النظام السابق وقادته متوارين عن الأنظار ولم يخضعوا للتسويات الأمنية التي أطلقتها الحكومة السورية.
العربي الجديد
——————————-
سورية… بين غوستاف لوبون وسؤال العقل الضائع/ نبال النبواني
29 مارس 2025
حين كتب غوستاف لوبون عن “سيكولوجيا الجماهير”، كان يعرف أنّ اللحظة التي يتحوّل فيها الإنسان إلى جزءٍ من قطيع، هي اللحظة التي يموت فيها عقله، ويولد في داخله وحشٌ قد يبرّر القتل، ويغطي المجازر بثوب الحكمة، ويعيد تشكيل الحقيقة وفق ما يُناسب الغريزة. الجماهير لا تفكّر، قال لوبون، لكنها تتبع غرائزها الأولى، تندفع نحو القوّة، تخلع عنها عباءة العقل، وتستبدلها بعباءةِ الانتماء الأعمى.
ما حدث في حماة البارحة، لم يكن حادثاً طارئاً، بل كان سطراً جديداً في كتاب العبث السوري، حيث صار العنف سلاحاً مقدّساً، وحيث تكسّرت المرايا كلّها إلا مرآة الأحقاد. التعدي على الإسلاميين الصوفيين كان رسالة بأنّ هذا الوطن لم يعد يتسع لكلّ الطرق إلى الله، وأنّ من لا يسير في الدرب المحدّد له، سيتم دفعه إلى الهاوية. هناك، لم يكن الصراع بين رأيٍ ورأي، ولا بين إيمان وإلحاد، بل بين طُرقٍ متعدّدة للبحث عن المعنى، أراد طرفٌ واحد أن يمحوها جميعاً إلا طريقه. الصوفيّة، بترانيمها الهادئة، بأذكارها العتيقة، برقصاتها التي تميل كأنها تستمع إلى موسيقى كونية، لم تكن خطراً على أحد. لكنها في عرف الغرائز البدائية خطرٌ، لأنها تمثّل الرقة في زمن القسوة، لأنها تذكّر بأنّ هناك مساحة للحبّ في أرضٍ صارت لا تنتج إلا الكراهية.
وفي الساحل، حين غُسِلت الدماء عن الأيدي، لم تُغسَل عن الكلمات. هناك، وقف المثقفون بربطات عنقهم الأنيقة ليبرّروا المجازر، ويفلسفوا الذبح، وكأنّ اللغة لم تُخلق إلا لتكون خادماً للقاتل. إنّ أسوأ ما قد تفعله الحرب، ليس قتل الجسد، بل قتل الضمير، حين يتحوّل القلم إلى سكين، والكلمة إلى طلق ناري. المثقف الذي يبرّر الموت، هو أكثر خطورة من الجندي الذي ينفذه. الأوّل يقتل الفكرة، والثاني يقتل الجسد. الأول يجعل الجريمة مقبولة، والثاني ينفّذها من دون أن يطرف له جفن.
لكن المأساة في سورية اليوم ليست مجرّد سلسلة من المجازر، إنّها حرب أخرى تجري في الخطاب، في الكلمات، في الهُويّة. الطائفية لم تعد مجرّد أداة في يد السلطة أو المعارضة، بل تحوّلت إلى هواء يتنفسه الجميع. لم يعد العدو سياسياً أو عسكرياً فقط، بل صار طائفياً بامتياز. كلّ طرفٍ يحشد ماضيه ليبرّر حاضره، يفتّش في كتب التاريخ عن خناجر قديمة، يعيد صياغة الروايات، يزرع في الأجيال القادمة بذور أحقاد جديدة. لم تعد المشكلة في من يحكم، بل في كيف يحكم، وكيف يُنظر إلى الآخر، كيف يتحوّل شريك الوطن إلى غريب في داره، كيف يصبح ابن المدينة عدو ابن الريف، وابن الطائفة خصم ابن الطائفة الأخرى.
وأمام هذا المشهد، يأتي أحمد الشرع كنموذج واضح لانحرافات السلطة، حتى وإن كان يظنّ نفسه مخلصاً لسورية. ربما يملك حبًاً لهذا الوطن، وربما يرى نفسه حارساً له، لكنه، ككلّ الذين سبقوه، يقع في الفخ ذاته: الولاء قبل الكفاءة، الانتماء قبل القدرة، القرب قبل الاستحقاق. إنه يكرّر الأخطاء القديمة، يُعيد إنتاج العطب نفسه، يستبدل الأشخاص لكنه لا يستبدل المنهج. في سورية، لا يهم كم تحمل من شهادات، بل يهم من يقف خلفك. لا يهم كم تملك من خبرة، بل يهم لأيّ جهة ترفع الولاء. هكذا، تبقى الكفاءات على الهامش، ويبقى الوطن يدور في حلقة مُفرغة من الفشل والتراجع.
لقد قال غوستاف لوبون إنّ الجماهير حين تنفعل، فإنها تترك العقل خلفها وتمضي، لكن ماذا لو لم يكن الانفعال هو سيّد المشهد؟ ماذا لو كان ما نراه اليوم أكثر رعباً من الغضب، وأكثر وحشية من الجنون؟ ماذا لو كان الهدوء ذاته قد صار جريمة، والصمت صار تواطؤاً، والتفكير صار تهمة؟ إنّ الجماهير ليست مجرّد حشود غاضبة تصرخ في الشوارع، بل هي أيضاً هؤلاء الذين يراقبون المجازر بصمت، الذين يبرّرونها بلغةٍ باردة، الذين يختبئون خلف النصوص والمقالات ليقولوا: “كان لا بدّ من ذلك”.
ما يحدث في سورية اليوم ليس صراعاُ بين فريقين، بل هو سقوطٌ كامل في فخ اللاعقل. ليس هناك خير مطلق، ولا شر مطلق، بل هناك ذاكرة مثقوبة لا تتسع إلا لنصف القصة، هناك موتٌ بطيء للإنسان فينا، ونحن نصفّق له ببرود قاتل. الحرب ليست مجرّد معارك بالسلاح، إنها معارك في الذاكرة أيضاً، معارك في كيفية رواية القصة، معارك في من يُسمح له أن يكون الضحية، ومن يُفرض عليه أن يكون الجلاد.
في النهاية، لا يحتاج الوطن إلى مزيد من القتلى، بل إلى من يبكي عليهم. لا يحتاج إلى مزيد من التبرير، بل إلى من يقف أمام المذبحة ويقول: “كفى”. لكن من سيقولها؟ ومن سيجرؤ على كسر الصمت؟ في بلادٍ صار فيها السكوت هو القاعدة، والصراخ هو الجريمة، من سيكتب تاريخاً جديداً لا يكون مكتوباً بالحبر الأسود ولا بالدم الأحمر، بل بالحقيقة، كما هي، عاريةً من كل تبرير؟
العربي الجديد
————————
لجنة السلم الأهلي تعلّق على جريمة قرية “حرف بنمرة” في طرطوس
2025.04.02
قال عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي، أنس عيروط، إن المتورطين في حادثة تصفية مدنيين في قرية “حرف بنمرة” في ريف محافظة طرطوس أحيلوا للقضاء لاستكمال عمليات التحقيق.
وأوضح “عيروط” خلال تعزيته ذوي الضحايا في القرية ـ بثته المعرّفات الرسمية لـ”محافظة طرطوس” ـ أن اللجنة تنتظر نتائج التحقيق للنظر في دوافع القتل الذي يهدم مساعي السلم الأهلي.
وقال عضو اللجنة خلال كلمة: “نحن ندين هذا القتل وهذا الاعتداء، وهذا لا يتوافق مع ديننا ولا مع أخلاقنا، ولا مع تربيتنا”.
“الجميع متساوٍ أمام القانون”
وعبّر “عيروط” عن رفضه لتداول مصطلح “الأقليات”، وزاد خلال الكلمة: “ما دمنا نحن تحت سقف الدولة والقانون فالكل مسؤول، والكل محاسب والجميع متساوٍ أمام هذا القانون، لا فرق بين ابن طائفة وابن طائفة أخرى”.
وأشار إلى أن “العمل في السلم الأهلي لا يعني أن نتجاوز عن القاتل والمجرم أو أن نسامحه، أو أن نتجاوز العدالة، بل السلم الأهلي أن ننزع فتيل الطائفية وأن نطمس على بذور الفتنة”.
وأكد على رفض اللجنة أعمال القتل الطائفية وعلى “صون الأموال والدماء والأعراض”.
تفاصيل جديدة
وكشف المسؤول الأمني في منطقة بانياس، خلال تسجيل مصوّر، عن تفاصيل جديدة حول حادثة تصفية 6 مدنيين من سكان القرية.
وأوضح أنه فور ورود بلاغ عن حادثة إطلاق نار في القرية، تحركت دوريات الأمن إلى موقع الحادثة، حيث أكد شهود عيان أن شخصين يرتديان الزي العسكري أقدما على إطلاق النار على تجمع من الأهالي قبل أن يلوذا بالفرار باتجاه منطقة الديسنة المجاورة.
وأضاف المسؤول أن الدوريات توجهت مباشرة إلى منطقة الديسنة للتحري، حيث تم رصد مجموعة مسلحة ادعت أنها قدمت إلى المنطقة لمؤازرة وزارة الدفاع، على خلفية ورود أنباء عن تحركات فلول النظام، كما أشاروا إلى أن بعضهم فقد أقارب في حملة سابقة بالمنطقة.
بالتحقيق الأولي، اعترف الموقوفان بتنفيذ الجريمة بحق الأهالي في حرف بنمرة.
وأكد المسؤول في ختام تصريحه أنه تم تحويل المتهمين إلى القضاء المختص في محافظة طرطوس، متعهداً بمحاسبة كل من تسول له نفسه الإخلال بالأمن والسلم الأهلي في المنطقة.
مسلحان يقتلان 6 أشخاص في قرية حرف بنمرة في بانياس
(+18 – يحتوي الفيديو على مشاهد حساسة قد تكون قاسية على البعض ) WARNING: This video contains graphic content and may be upsetting to some people #تلفزيون_سوريا #syriaTV الأمن العام ألقى القبض على الجُناة.. مسلحان يقتلان 6 أشخاص في قرية حرف بنمرة في بانياس..
————————
مسؤول أمني يكشف تفاصيل جريمة حرف بنمرة في بانياس.. ماذا حدث داخل القرية؟
2025.04.02
كشفت محافظة طرطوس عبر تسجيل مصور نشرته على حسابها الرسمي في تطبيق “تليغرام”، الأربعاء، تفاصيل الجريمة التي وقعت في قرية حرف بنمرة التابعة لبانياس، والتي أسفرت عن مقتل 6 أشخاص يوم الإثنين.
وأوضح المسؤول الأمني في التسجيل أنه فور ورود بلاغ عن حادثة إطلاق نار في القرية، تحركت دوريات الأمن إلى موقع الحادثة، حيث أكد شهود عيان أن شخصين يرتديان الزي العسكري أقدما على إطلاق النار على تجمع من الأهالي قبل أن يلوذا بالفرار باتجاه منطقة الديسنة المجاورة.
وأضاف المسؤول أن الدوريات توجهت مباشرة إلى منطقة الديسنة للتحري، حيث تم رصد مجموعة مسلحة ادعت أنها قدمت إلى المنطقة لمؤازرة وزارة الدفاع، على خلفية ورود أنباء عن تحركات فلول النظام، كما أشاروا إلى أن بعضهم فقد أقارب في حملة سابقة بالمنطقة.
توقيف المتهمين وإحالتهما إلى القضاء
وبحسب المسؤول الأمني، وخلال الاستجواب، أشار أحد العناصر إلى المشتبه بهما، ليتم توقيفهما على الفور وتحويلهما إلى القسم الأمني المختص.
وبالتحقيق الأولي، اعترف الموقوفان بتنفيذ الجريمة بحق الأهالي في حرف بنمرة.
وأكد المسؤول في ختام تصريحه أنه تم تحويل المتهمين إلى القضاء المختص في محافظة طرطوس، متعهداً بمحاسبة كل من تسول له نفسه الإخلال بالأمن والسلم الأهلي في المنطقة.
وفي وقت سابق، نشرت محافظة طرطوس فيديو للقاء جمع بين أهالٍ من قرية حرف بنمرة وقيادي في الأمن العام، وذلك إثر مقتل 6 أشخاص بهجوم مسلح استهدف القرية يوم الإثنين الماضي.
وتعهد القيادي في جهاز الأمن العام بمحاسبة المسلحين المتورطين بالحادثة، مؤكدا أن “من نفذوا هذا الفعل لا يمثلون الدولة ولا مؤسساتها”، ومشدّدا على أن “القضاء سيأخذ مجراه”.
وقال القيادي، خلال زيارة إلى القرية “نحن إن شاء الله نقوم بواجبنا على أتم وجه، وهؤلاء سينالون جزاءهم العادل. من يخلّ بالسلم الأهلي سيحاسب، وهؤلاء سيحالون إلى القضاء”، مؤكدًا أن “الدولة لا تحمي أي جهة تتجاوز القانون”.
من جهته، عبّر أحد وجهاء قرية حرف بنمرة عن غضب الأهالي من الجريمة، مؤكدا أن من نفذوها “لا يمثلون القيادة الأمنية بل أنفسهم فقط”، وقال: “نستنكر هذا العمل الذي ارتكبه بضعة أشخاص ممن لا يملكون تربية سليمة، ونؤمن بأن الصواب هو معالجة الخطأ، وليس الرد عليه بخطأ آخر”.
وتابع: “نحن نثق بأن القانون سيُطبّق، وقد لمسنا تجاوبا سريعا من الأمن العام بعد وقوع الحادثة”، مضيفا: “نحن معكم قلبا وقالبًا من أجل استقرار وأمن البلد، ونؤمن أن السلم الأهلي خط أحمر”.
———————————
===================
===================
واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 02 نيسان 2025
تحديث 02 نيسان 2025
——————————
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
——————————–
هل سينهار اتفاق “قسد” مع الدولة السوريّة؟/ سامر العاني
2025.03.30
وقّع الرئيس السوري، أحمد الشرع، اتفاقاً مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، يوم الإثنين 10 آذار الجاري، بهدف دمج جميع القوى المسلحة ضمن مؤسسات الدولة السورية، ويعكس هذا الاتفاق توجّه الحكومة السورية نحو جديتها في دمج جميع المكونات العسكرية غير النظامية، في حين تطرح مواقف “قسد” تساؤلات بشأن مدى التزامها بالتنفيذ في ظل تعقيدات المشهد السوري، خاصة مع احتمال انسحاب القوات الأميركية.
ونص الاتفاق الذي وُقِّع تحت ضغط أميركي على عدد من البنود الجوهرية، أبرزها، ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية على أساس الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية، والاعتراف بالمجتمع الكردي كمكوّن أصيل في الدولة السورية، وضمان حقوقه الدستورية.
كما نصّ على وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة، بما يشمل المعابر الحدودية، المطارات، وحقول النفط والغاز.
وبحسب معلومات حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا”، أبلغت الولايات المتحدة قيادات “قسد” و”المجلس الوطني الكردي” أن دعمها المستقبلي سيركّز على تعزيز الحقوق الثقافية للأكراد في سوريا، من دون تقديم دعم عسكري مباشر. ويأتي هذا التحوّل في ظل سعي واشنطن لإعادة تشكيل سياساتها الإقليمية وتقليل انخراطها المباشر في سوريا.
التوجس من الانهيار
انتقدت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، التي تُعدّ الجناح المدني لـ”قسد”، الإعلان الدستوري الصادر من دمشق، واعتبرته امتداداً لسياسات حزب البعث السابقة، قائلة إنه يفتقر إلى التعددية الوطنية الحقيقية و”يخلو من بصمة أبناء سوريا من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات”.
كما أبدت اعتراضها على التشكيلة الوزارية الجديدة، مؤكدة أنها لم تعكس التنوع السوري، مما دفعها إلى إعلان عدم التزامها بتطبيق قرارات الحكومة الجديدة.
من جهته، أعرب “المجلس الوطني الكردي”، الذي يضم عدة أحزاب كردية، عن عدم رضاه عن الإعلان الدستوري، معتبراً أنه لا يتوافق مع تطلعات بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع السوري.
تعكس التصريحات الأخيرة، إلى جانب المعلومات المسرّبة عن الاجتماع الأول للجان المكلفة بمتابعة تنفيذ الاتفاق، مؤشرات على تعثر تنفيذه، إذ لم يتمكن الطرفان، بحسب مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، من إحراز أي تقدم ملموس أو التوصل إلى تفاهمات واضحة خلال الاجتماع، ما يعزز شكوك بعض المحللين بشأن مدى جدية “قسد” في المضي قدماً بتنفيذ الاتفاق.
عوامل تهدد تنفيذ الاتفاق
وَفق مصادر لموقع تلفزيون سوريا من داخل “قسد” ، فإن نحو 6000 ضابط ومجنّد من فلول النظام المخلوع، جرى توزيعهم على معسكرات تدريبية في مدينة الرقة ومنطقة عين عيسى، مع خطط لاستبدال الكوادر العشائرية تدريجياً بهم، خوفاً من حدوث انشقاقات داخلية، وهذه الإجراءات قد تشكّل عائقاً أمام تنفيذ الاتفاق، مما يهدد بانهياره قبل دخوله حيّز التنفيذ.
يقول الباحث السياسي علي تمي، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إنّ مؤشرات انهيار الاتفاق موجودة بطبيعة الحال وخاصة باستمرار “قسد” بحفر الأنفاق داخل الرقة والحسكة وكذلك خطف الأطفال للتجنيد الإجباري وأيضاً حشد القوات والمعدات إلى الخطوط الأمامية في الطبقة
ويؤكد أن هناك أطرافاً دولية، مثل فرنسا وإسرائيل، تسعى إلى تعطيل الاتفاق، مما يعزز الانقسامات داخل “قسد”. ويرى أن “قسد” تفتقر إلى آليات اتخاذ القرار المستقل، حيث ترتبط أيديولوجياً بحزب العمال الكردستاني، مما يجعل قراراتها محكومة بتوجيهات قيادات الحزب.
بين الاندماج والمواجهة
أمام تعثر تنفيذ الاتفاق، تبقى السيناريوهات مفتوحة على عدة احتمالات، من بينها، الاندماج التدريجي: في حال استمرت الضغوط الدولية، قد تضطر “قسد” إلى تنفيذ الاتفاق بشكل متدرج مع الاحتفاظ بهوامش تفاوضية.
أو حدوث تصعيد عسكري، فهناك مخاوف من أن بعض الفصائل داخل “قسد”، المدعومة من إيران، قد تلجأ إلى العمل العسكري إذا شعرت بأن الاتفاق يهدد نفوذها، خاصة أن الموقف الأميركي لا يدعم مثل هذا الخيار.
أو أن تتفكك قوات سوريا الديمقراطية من الداخل، إذ يشير تمي إلى أن القوة العسكرية لـ”قسد” تعتمد على الرواتب المغرية والانضباط الصارم، لكن في حال حدوث مواجهة عسكرية، فإنها قد تتفكك كما حدث مع جيش النظام المخلوع في مراحل سابقة.
في حين لم ترد قسد على استفسارات تلفزيون سوريا، ينظر مراقبون إلى الاتفاق باعتباره خطوة تكتيكية من قبل “قسد” لكسب الوقت وتعزيز موقعها قبل أي تغييرات إقليمية محتملة، ففي حين تسعى الحكومة السورية إلى استعادة السيطرة على كامل البلاد، تعمل “قسد” على تعزيز موقعها العسكري والدولي، مما يجعل تنفيذ الاتفاق عملية معقدة تتطلب توافقات أكبر وضمانات أوسع.
——————————-
المخاض السوري… ضرورة التنازلات المتبادلة والتوافق/ علي العبدالله
02 ابريل 2025
اكتملت المائة يوم الأولى على تسلّم الإدارة الجديدة السلطة في سورية، الفترة المعيارية المعتمدة في مناهج البحث السياسي لقياس مدى نجاح السلطة الحاكمة في إدارة البلاد، وتنفيذ برامج وخطط عمل تستجيب لمصالح المواطنين وتطلّعاتهم، واعتبار ذلك مؤشّراً على نجاحها في المتبقّي من فترة ولايتها… مرّت من دون نجاح يعتدّ به، بل يمكن القول (من دون خوف من الوقوع في خطأ كبير) إنها انطوت على مؤشّرات سلبية على طبيعة النظام السياسي الذي تتجّه نحوه سورية، من مركزة السلطة بيد الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، وجعله صاحب القرار الوحيد في البلاد. وقد جاء الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية ليزيد الطين بِلَّه على خلفية اعتماد معايير اجتماعية في اختيار الوزراء، واحتفاظ الرئيس الانتقالي برئاسة الوزارة، وتنصيب سبع شخصيات من هيئة تحرير الشام، كانوا وزراءَ في حكومة الإنقاذ في إدلب، أربعة منهم في وزارات سيادية. هذا في وقت تشير فيه المعطيات المحلّية والإقليمية والدولية إلى وجود تحدّياتٍ عديدةٍ، كبيرة وخطيرة، ستعترض طريق الحكومة الانتقالية، وتجعل عملها لحلّ المشكلات الداخلية والخارجية صعباً، يزيد في صعوبته اجتماع هذه التحدّيات في لحظة سياسية عاصفة ومتحرّكة.
أوّل هذه التحدّيات التنّوع الذي يعرفه الاجتماع السوري دينياً ومذهبياً وقومياً، تنّوع اجتماعي دفعته السياسات التمييزية طوال فترة حكم النظام البائد المديدة إلى الترّكز حول الذات والتحوّل إلى هُويَّاتٍ ومواقفَ سياسية متعارضة ومتناقضة، كرّستها وعمّقتها سياساته في القتل والتدمير والاستحواذ على خيرات البلاد، وترك المواطنين تحت وطأة العوز والجوع في العقد ونصف العقد الماضيين، وقد استفزّتها الإدارة الجديدة بخياراتها ذات اللون الواحد، وبسياساتها غير المكترثة بمطالبها وتطلّعاتها، ضخّمت هواجسها وحرّكت مخاوفها من المستقبل والمصير الذي ينتظرها، ودفعتها نحو التمترس والتطلّع إلى مصدر خارجي للحماية لتحقيق حقوق سياسية واقتصادية تحفظ اجتماعها وخصوصياته. وزاد في تعقيد الموقف وخطورته اعتماد الإدارة الجديدة على العرب السنة، ليس بتخويف أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى وأبناء القوميات غير العربية فقط، بل وبتحويل السُّنة طائفةً وحرساً إمبراطورياً للإدارة الجديدة، ما صعّد تطلعاتهم إلى السيطرة والاستنفار للدفاع عن سلطة غدت سلطتهم، تجسّد ذلك في نداء الفزعة وتبعاتها بقتل مئات المدنيين العلويين، وعمّق الاستقطاب بين الطوائف وزاد الاحتقان حدّةً.
ليست مواقف القوى السياسية، القومية والمذهبية، المعترضة على سياسات الإدارة الجديدة وتصوّراتها، خاصّة مطالباتها بنظام لامركزي/ اتحادي، أقلّ تأثيراً وعرقلةً لمهمّة مواجهة تحدّي التنّوع، وجعله أكثر تعقيداً وصعوبةً في ضوء تعدّد أسس ومرتكزات هذه المطالب، أسس قومية (الكرد والآشوريين السريان)، ومذهبية (الدروز والعلويين)، فمطالب قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تتطابق مع النظام الاتحادي، فليس في النظام الاتحادي جيش خاصّ، ولا يغير من طبيعة الموقف عرضها وضع قواتها تحت إشراف وزارة الدفاع، طالما كانت الموافقة مقرونةً بالإبقاء على هياكلها وتشكيلاتها كما هي، وليس في النظام الاتحادي علاقات خارجية للأقاليم. تصور قيادة “قسد” أقرب إلى الاتحاد التعاهدي (الكونفدرالية) منه إلى النظام الاتحادي، في حين تقوم دعوات اللامركزية في الساحل والسويداء على أساس مذهبي، ما يجعلها دعوات لانقسام عمودي يفرّق أبناء الجنس الواحد (العرب)، ويدفعهم إلى مواجهات بشأن الموارد والمصالح. وهذا لا يشكّل الجانب الرئيس في الموضوع، إذ إن الجانب الأكثر تأثيراً في الموقف هو غياب أرضية ثقافية، ووعي سياسي، لقيام نظام اتحادي في سورية، وفي كلّ الدول العربية والإسلامية. يتجاهل دعاة الاتحادية ذلك وهم يكرّرون تعداد الدول التي فيها أنظمة سياسية اتحادية، يتجاهلون السياق التاريخي وثقافة الدولة والمصلحة العامة، التي كانت وما زالت سائدةً لدى مواطني هذه الدول، وهو ما نفتقده لدى مواطني سورية، والدول العربية والإسلامية، إذ لا إدراك للمصلحة العامّة والملكية العامّة. كان لافتاً ما حصل في العراق وسورية عند سقوط النظامين البائدين 2003 و2024، على التوالي، من نهب لممتلكات الدولة وإتلافٍ لمقارها، والأكثر دلالةً ومأساويةً ما حصل في قطاع غزّة من نهب للمساعدات الإنسانية قبل تفريغها من الشاحنات من الأسر الكبيرة والعصابات، في تجاهل تامّ لحق الشركاء في الوطن والمصير، وهم جميعاً في أتون مواجهة القتل والتدمير والخطر الوجودي، فالمنبّه الرئيس لتحرّك المواطنين في بلاد العرب والمسلمين، ليس المواطنة والشراكة في الوطن، بل القرابة، قرابة الدم، ما سيجعل الأقاليم ساحةَ صراع على المواقع والموارد والمصالح، كما هو حاصل في إقليم كردستان العراق، حيث الانقسام العمودي بين البارزانيين في أربيل، والطالبانيين في السليمانية، وحيث ما زال لكلّ قسم “البشمركة” الخاصّة، وجهاز مخابراته الخاصّ، ومطاره الخاصّ، وموارده الاقتصادية الخاصّة.
فالوضع ليس عدم حصول اندماج وطني في كيان واحد، بل أيضاً الدخول في مواجهات مباشرة، والتحالف مع قوى لا تريد للإقليم الخير، رغم الانتماء القومي، ورغم مرور أكثر من عقدَين على قيام الإقليم. لقد بقيت الأولوية في المجتمعات العربية والإسلامية لقرابة الدم. وهذا سيكون عامل تفجير في أيّ إقليم في ضوء الجغرافيا البشرية، حيث لا يوجد في سورية مناطق يسكنها مكوّن واحد، حيث التجاور والتشابك سيّد الموقف. فالمطالبة بنظام اتحادي فيها كثير من التبسيط، والموقف هنا لا يتعلق بالاتحادية في حد ذاتها، بل في علاقتها بالسياقات وبالبنى السياسية والثقافية والاجتماعية، فالأنظمة الاتحادية تحتاج قاعدةً قويةً من ثقافة الدولة، ومن الوعي بها وبمستدعياتها من إدراك للشراكة الوطنية والمصلحة العامّة والمصير المشترك.
لقد أطلق الاتفاق المبدئي، الذي وقّعه أحمد الشرع ومظلوم عبدي، آمالاً بالخروج بحلّ توافقي يُخرج البلاد من حالة الاستعصاء، لكنّ هذه الآمال بدأت بالتلاشي على خلفية صدور الإعلان الدستوري ومواده، التي وضعت جلّ الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وتشكيلة الحكومة الانتقالية التي اختير وزراؤها بتجاهل تامّ للقوى السياسية، وبالتذرّع بالخبرة والاختصاص. في هذا الإطار يمكن اعتبار الاتفاق بين أحزاب الوحدة بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي على موقف سياسي موحّد، وإعلان تشكيل وفد موحّد للتفاوض مع السلطة الجديدة في دمشق، وسيلةً لتحسين بنود اتفاق الشرع عبدي أو التنصّل منه، بعد أن شعرت قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بأن الأمور لا تسير في اتجاه تحقيق مطالبها. واقع الحال أن مخاوف قيادة “قسد”، والكرد عامّةً، مبرّرة. فتوجّهات السلطة لا تضمن لا الحقوق ولا العدالة والمساواة، والعودة إلى التفاوض تستدعي إدراكاً للتوازنات والمخاطر الظاهرة والكامنة في حال عدم الاتفاق، ما يفرض اعتماد التوافق قاعدةً رئيسةً، والمرونة والقبول بنظام لامركزي مرن، يتيح حدّاً معقولاً من إدارة محلّية للمدن والمحافظات، والتركيز على التشاركية والمساواة، وضمان الحقوق في دولة مواطنة، ونظام قائم على التعدّد السياسي، والحرّيات الخاصة والعامة، وحرّية الرأي والتعبير، وسيادة القانون، والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، والتنمية المتوازنة والخدمات في المحافظات، والانتخابات النزيهة، وصولاً إلى الحقّ في تشكيل الأحزاب والمنظّمات والنقابات… إلخ. فهذا ما تطيقه المرحلة، ويقبله العقل العملي، لتحاشي سفك الدماء والدمار.
أمّا ثاني التحدّيات في وجه الحكومة الانتقالية العتيدة، المطالب الإقليمية والدولية، وهي كثيرة ومتقاطعة في بعضها، ومتعارضة في بعضها الآخر. بعضها مقصودٌ لذاته وبعضها وسيلة للضغط على السلطة الجديدة لتحقيق هدفٍ معيّن أو كسب موطئ قدم في البلاد. وما جعل لهذه المطالب وزناً إضافياً ربط بعض هذه الدول رفع العقوبات بتنفيذها، ورفع العقوبات حاجة حياتية داهمة لأن عدم رفعها سيجعل إقلاع الاقتصاد، وتوفير المعيشة والخدمات، والبدء بإعادة الإعمار، ضرباً من المستحيل. وهنا تبرز أهمية الحكمة والإبداع والخيال الواسع في توظيف الطاقات كلّها، بما في ذلك السوريون في المهاجر، لوضع خطّة تتقاطع مع هذه المطالب من دون تطبيقها حرفياً، ما يستدعي العمل على تأسيس إجماع وطني حول هذه الخطّة، ويفرض الاتفاق مع أطراف الاجتماع الوطني على حلولٍ للتباينات والاختلافات أساسُه توازن المصالح والإقرار بحقوق متساوية، فمن دون الاحتماء بالإجماع الوطني القائم على الرضا لا يمكن مقاومة الضغوط الخارجية واحتواء مفاعيلها السلبية.
ثالث التحدّيات تحقيق سويّةٍ مقبولةٍ في مستويات المعيشة والخدمات، ومواجهة حالة الفقر والعوز الشديد، وملاحقة المتلاعبين بأقوات المواطنين من خلال اللعب بسعر صرف الليرة السورية، والتوقّف عن سياسة حبس السيولة التي شلّت الأسواق، وقادت إلى تضخّم سلعي، ما يستدعي تبنّي سياسة تشاركية بين القطاعين العامّ والخاصّ، بما في ذلك السوريون في الخارج، والسماح للقطاع الخاصّ بالعمل وفق أسس منصفة وعادلة تتيح له الربح من دون استغلال وجشع، من جهة، وتحميه، من جهة ثانية، من منافسات خارجية من دون إخلال بحاجات المواطنين للسلع. فالتشاركية وفتح السوق المنضبط أمام السلع الأجنبية يمكن أن تطلق عجلة الاقتصاد وتبعث الأمل في المجتمع.
تحتاج سورية إلى أبنائها كلّهم من دون تمييز أو إقصاء، من أجل إنجاح تجربة الانتقال السياسي، كما تحتاج إلى مرونة من الجميع، والاستعداد لإعادة النظر في المطالب والمواقف خدمةً للصالح العامّ، فمن دون المرونة والتكيّف مع الظروف، والتنازلات المتبادلة، سنذهب إلى صراعات وصدمات ليست في مصلحة أحد منّا.
العربي الجديد
——————————–
سورية: “قسد” تبدأ انسحابها من سد تشرين إلى شرق الفرات/ محمد كركص
02 ابريل 2025
أفادت مصادر عسكرية سورية لـ”العربي الجديد” بأن “قوات سوريا الديمقراطية: (قسد) بدأت، اليوم الأربعاء، عملية انسحابها من سد تشرين بريف منبج إلى مناطق سيطرتها شرقي نهر الفرات، بموجب اتفاق مع الحكومة السورية، وذلك بعد معارك امتدت لأشهر مع فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا، والتابعة لوزارة الدفاع السورية. وذكرت المصادر أن آليات ثقيلة وصلت ظهر اليوم الأربعاء من مناطق سيطرة “قسد” في ريف الرقة إلى سد تشرين لنقل العتاد العسكري الثقيل، مشيرةً إلى أن انسحاب القوات قد يستغرق يوماً أو يومين نظراً لحجم العتاد الموجود في المنطقة.
كما أوضحت المصادر أن “قسد” تستعد للانسحاب أيضاً من جسر قره قوزاق بريف مدينة منبج شرقي محافظة حلب، شمال سورية، بعد إتمام انسحابها من سد تشرين، وذلك ضمن الاتفاق المبرم مع الحكومة السورية الجديدة، تزامناً مع تحليق طائرات استطلاع تركية في أجواء ريف حلب الشرقي قرب الحدود السورية – التركية.
وكانت الحكومة السورية وقيادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قد توصلتا، يوم أمس الثلاثاء، إلى اتفاق جديد بشأن حيي الشيخ مقصود والأشرفية، اللذين تقطنهما غالبية كردية في مدينة حلب، عقب مفاوضات بين الطرفين. وأكدت حينها مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” أن تنفيذ الاتفاق سيبدأ اعتباراً من اليوم الأربعاء وفق الجدول الزمني المتفق عليه.
وحصل “العربي الجديد” على نسخة من البيان الموقع، الذي يتضمّن عدة بنود تهدف إلى تعزيز السلم الأهلي والتعايش المشترك، إضافة إلى تنظيم الوضع الإداري والأمني في الحيين. وينص الاتفاق على اعتبار حيي الشيخ مقصود والأشرفية جزءاً إدارياً من مدينة حلب، مع احترام خصوصية سكانهما الاجتماعية والثقافية، في إطار تعزيز التعايش السلمي. كذلك تقرر أن تتحمل وزارة الداخلية، بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، مسؤولية حماية السكان ومنع أي انتهاكات بحقهم.
كذلك نصّ الاتفاق على منع المظاهر المسلحة داخل الحيين، وحصر السلاح بيد قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية، مع انسحاب قوات “قسد” إلى شرق الفرات. بالإضافة إلى ذلك، ستُزال السواتر الترابية من الطرق العامة، بينما تبقى الحواجز الرئيسية تحت إشراف الأمن الداخلي لحين استقرار الأوضاع الأمنية.
ومن بين البنود التنظيمية، سيتم إنشاء مركزين للأمن الداخلي في حيي الأشرفية والشيخ مقصود لضمان تنفيذ الاتفاق وضبط الأمن، مع ضمان حرية التنقل لسكان الحيين ومنع ملاحقة أي شخص مطلوب قبل الاتفاق، ما لم يكن متورطاً في جرائم قتل.
وضمن الإجراءات الرامية إلى تحسين الحركة بين مختلف المناطق، سيتم تشكيل لجنة تنسيقية لضمان انسيابية المرور بين مدينة حلب ومناطق شمال وشرق سورية. كما ستواصل المؤسسات المدنية تقديم خدماتها لسكان الحيين بالتنسيق مع الجهات الرسمية، مع الإبقاء على فرعي البلدية في كل حي.
وشمل الاتفاق بنداً يتعلق بتبادل الأسرى بين الطرفين، بالإضافة إلى “تبييض السجون” في محافظة حلب، في خطوة تهدف إلى التهدئة وحل الملفات العالقة. كذلك منح الاتفاق سكان الحيين حق التمثيل الكامل في مجلس محافظة حلب وغرف التجارة والصناعة والمؤسسات الأخرى، وفقاً للقوانين النافذة، مع الحفاظ على المؤسسات الخدمية والإدارية القائمة إلى حين التوصل إلى حل مستدام عبر اللجان المركزية المشتركة.
وبحسب مصادر أمنية من دمشق، لـ”العربي الجديد” فإن قوات الأمن الداخلي المشار إليها في الاتفاق هي “الأسايش”، التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، والتي ستتعاون مع وزارة الداخلية السورية في حفظ الأمن داخل الحيين، على أن يكون عناصرها من سكان المنطقة ويتبعون إدارياً لوزارة الداخلية السورية.
وأكدت المصادر أن أولى خطوات تنفيذ الاتفاق ستكون الإفراج عن المعتقلين المحتجزين لدى “قسد” في هذه الأحياء، حيث جرى تقديم قوائم بأسمائهم تمهيداً لإطلاق سراحهم ضمن بنود الاتفاقية المتعلقة بتبادل الأسرى بين الطرفين. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تنفيذ بقية البنود، إذ من المقرر بدء انسحاب مقاتلي “قسد” من الأحياء إلى شرق الفرات بحلول اليوم الرابع من عيد الفطر، في خطوة تهدف إلى تخفيف التوترات العسكرية وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وسط تعقيدات أمنية وسياسية تعيشها البلاد.
العربي الجديد
——————————-
14 بنداً.. اتفاق بين الحكومة و”المجلس المدني” في الشيخ مقصود والأشرفية بحلب
2025.04.01
توصلت لجنة مكلفة من رئاسة الجمهورية العربية السورية و”المجلس المدني لحيي شيخ مقصود والأشرفية”، إلى اتفاق لتسوية أوضاع الحيين في مدينة حلب.
وأكد الاتفاق المؤلف من 14 بنداً، اليوم الثلاثاء، على انسحاب القوات العسكرية في الحيين بأسلحتها إلى منطقة شمال شرقي سوريا، وحظر المظاهر المسلحة في الحيين، وحكر السلاح بيد قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية السورية، على أن تتحمل الأخيرة مسؤولية حماية سكان الحيين ومنع أي اعتداءات أو تعرض بحقهم.
وجاء في الاتفاق: “يعتبر حيا الشيخ مقصود والأشرفية، ذات الغالبية الكردية، من أحياء مدينة حلب ويتبعان لها إدارياً، ويٌعد حماية واحترام الخصوصية الاجتماعية والثقافية لقاطني هذين الحيين أمراً ضرورياً لتعزيز التعايشي السلمي”.
تبييض السجون وتشكيل لجان
ونص الاتفاق على “تبييض السجون من قبل الطرفين في محافظة حلب، وتبادل جميع الأسرى الذين تم أسرهم بعد التحرير”.
كما جاء فيه، الإعلان عن تشكيل لجان تنسيقية لتسهيل الحركة بين مناطق حلب وشمال شرقي سوريا، ولجان في الحيين لتطبيق الاتفاقية على أرض الواقع.
وذكرت بنود الاتفاق أيضاً:
تزال السواتر الترابية من الطرق العامة، مع الإبقاء على الحواجز الرئيسية تحت إشراف الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية، إلى حين استباب الأمن والاستقرار في المنطقة.
ينظم مركزان للأمن الداخلي في كل من حي الأشرفية وحي الشيخ مقصود.
تكفل حرية التنقل لسكان الحيين، ويمنع ملاحقة أي شخص كان ملاحقاً قبل الاتفاق، ولم تكن يداه قد تلطّخت بدماء السوريين.
تعمل المؤسسات المدنية في الحيين بالتنسيق مع مؤسسات المدينة، وتقدم الخدمات لهما دون تمييز عن بقية أحياء حلب، من خلال فرعي البلدية الموجودين في الحيين.
يمنح الحيان حق التمثيل الكامل والعادل في مجلس محافظة حلب، وكذلك في غرف التجارة والصناعة وسائر المجالات وفقاً للقوانين الناظمة.
المحافظة على المؤسسات الخدمية والإدارية والتعليمية والبلديات والمجالس المحلية القائمة في الحيين، إلى حين توافق اللجنة المركزية المشتركة على حل مستدام.
———————————-
===================
===================
الإعلان الدستوري لسوريا 2025-مقالات وتحليلات- تحديث 02 نيسان 2025
تحديث 02 نيسان 2025
——————————
لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
———————————-
الدين والهويّة في الدساتير السورية… الإعلان الدستوري وحقوق الأقليات/ شفان إبراهيم
02 ابريل 2025
شكّل الدستور السوري، وعلى مدى تاريخ البلاد الحديث، أبرز معالم الخلافات وطبيعة الصراعات السياسية والاجتماعية، وإيقاع العلاقة بين المكوّنات والدولة، وتنوّعت محاولات السيطرة لترسيخ حكم ديمقراطي أو استبدادي، على حدّ سواء، وغالباً ما كان المواطن السوري في الحدّ الأدنى لسلّم الأولويات، في مقابل تعزيز السلطة المطلقة والهيمنة الحزبية. وعلى اعتبار أن الدساتير تأتي لاستيعاب التغيّرات السياسية والاجتماعية التي تطرأ على البلاد من حروب أو كوارث أو تغيير في بنية الأنظمة السياسية، فإنّ المطلوب أن تكون موادّ الدستور معبّرةً عن تطلّعات وآمال المكوّنات والقوميات، وضامناً لمسارات السلام والعيش المشترك والاستقرار، من دون تمييز أو إقصاء.
حالياً، تشكّل المواد الدستورية المتعلّقة بحقوق القوميات والأقلّيات، في دساتير الدولة السورية منذ تأسيسها، نقاطاً خلافيةً بشأن هويّة الدولة وشكلها واسمها وديانة رئيسها.
العثمانيون والحكم الملكي… والانتداب الفرنسي
انسحب العثمانيون من سورية في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 1918، مع تشكيل حكومة وطنية، وفي مايو/ أيار 1919، ووفقاً لمقترح الأمير فيصل، جرت انتخاباتٌ لأعضاء المؤتمر السوري العام، عبر ناخبين ثانويين انتخبوا نواب مجلس المبعوثان العثماني في إسطنبول عن ولايتَي دمشق وحلب، في حين أُكتفي في باقي مناطق بلاد الشام باستلام عرائض وقّعها الأهالي لاختيار الممثلين. وفي 8 مارس/ آذار 1920 أُعلن عن استقلال سورية وقيام المملكة السورية العربية، ولم يحظ الكيان بأي اعتراف دولي، وأهم ما جاء في دستورها أن سورية “مَلَكية مدنية نيابيّة، عاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام”، وكفل الدستور المساواة بين جميع السوريين، وبيّنت المادة 47 من الفصل الخامس أن المؤتمر العام يتكون من غرفتَين، مجلس النواب المنتخب من الشعب على درجتين، ومجلس الشيوخ المنتخب من مجلس النواب بمعدل ربع عدد أعضاء نواب المقاطعة الواحدة في مجلس النواب، ويعيّن الملك نصف العدد المنتخب عن كل مقاطعة أيضاً، والمادة 88 من الفصل الخامس تقول إن كلّ مقاطعة دائرة انتخابية واحدة بالنسبة للأقلّيات. اللافت في دستور تلك الفترة اعتماد إدارة البلاد على قاعدة اللامركزية، إذ جاء في الفصل 11: المواد “123- 124- 125” أن المقاطعات تدار بطريقة اللامركزية في إدارتها الداخلية، وتشكيل مجلس نيابي وحكومة خاصّة لكل مقاطعة، ويعيين الملك حاكماً عليها، وتترك إدارة شؤونها الداخلية لمجلسها، أما الأمور الخاصّة بالمملكة فمن شؤون المركز.
طبّق هذا الدستور 15 يوماً فحسب، ولم تطبق أغلب بنوده بسبب تلاحق الأحداث التي بلغت ذروتها مع إنذار الجنرال غورو وسيطرة الفرنسين على دمشق في 25 يوليو/ تموز 1920 وفق معاهدة سان ريمو وقرار عصبة الأمم.
أعلن الانتداب الفرنسي تعطيل العمل بالدستور، وتقسيم البلاد في 1 سبتمبر/ أيلول عام 1920 إلى دولة اتحادية على أسس مذهبية ومناطقية، وفي 1 يناير/ كانون الثاني عام 1925، حُلّ الاتحاد وأعلنت الوحدة بين دولتي دمشق وحلب فحسب، وأصدر المفوض الفرنسي الجديد ماكسيم فيغان قراراً آخر اعتُبر بمثابة القانون الأساس للدولة، نصّ على أن عاصمة الدولة دمشق ولحلب الامتياز الإداري والمالي، مع استمرار فصل السويداء واللاذقية، وأطلق على عملية الوحدة تلك “الدولة السورية”. طالبت الثورة السورية الكبرى التي انطلقت من السويداء، في 21 يوليو/ تموز 1925، بوحدة البلاد السورية وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، وانتُخبت جمعية تأسيسية لتحقيق الوحدة السورية. ومن سياق القرارات السابقة، كان واضحاً أن النظام الاتحادي هو الساري المفعول، حتى بعد توحيد دولتَي حلب ودمشق، إذ جرى تقاسم السلطات والصلاحيات والثروات بينهما، ولم ترد على الإطلاق أيّ إشارات أو عبارات إلى عروبة الدولة.
دساتير 1928 و1930 و1950
شُكّلت لجنة دستورية لإعداد دستور جديد عُرف باسم دستور 1928، ومن أبرز ما جاء فيه أن سورية جمهورية نيابية عاصمتها دمشق ودين رئيسها الإسلام، ونصّ على تمثيل الأقلّيات الدينية والعرقية على نحوٍ عادل في البرلمان وسائر مؤسّسات الدولة. شكّل هذا الدستور بدايةً مبشّرةً لاسم الدولة وحقوق المكوّنات والحرّيات والمساواة، وبلغ عدد أعضاء المجلس النيابي 60 عضواً عام 1932 ثم رُفع العدد إلى 90 بعد انضمام دولتَي الدروز وجبل العلويين إلى سورية عام 1936، ورُفع العدد مجدّداً إلى 124 عام 1943، وأخيراً رُفع إلى 140 عضواً في انتخابات العام 1947، وهي آخر انتخابات تجري في ظلّ هذا الدستور.
وجاء في الباب الأول لدستور 1930، الفصل الأول، المادة الأولى، أن سورية دولة مستقلة ذات سيادة لا يجوز التنازل عن أيّ جزء كان من أراضيها، وقالت المادة الثالثة إنّ سورية جمهورية نيابية دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق، وفي المادة 24: اللغة العربية هي اللغة الرسمية في جميع دوائر الدولة إلّا في الأحوال التي تضاف إليها بهذه الصفات لغات أخرى بموجب القانون أو بموجب اتفاق دولي، وفي المادة 28: حقوق الطوائف الدينية المختلفة مكفولة، ويحق لها إنشاء المدارس لتعليم الأحداث بلغتهم الخاصة، وفي الباب الخامس، المادة 113: تقوم بشؤون العشائر البدوية إدارة خاصة تحدّد وظائفها في قانون تراعي حالته الخصوصية.
والملاحظ هنا أنّ الإدارة الفرنسية شكّلت دولةً خاصّة لكلٍّ من الدروز والعلويين والحلبيين والشاميين، ولسكّان أنطاكية وإسكندرون حكماً ذاتياً. في حين شكّلت لواء الجزيرة بعد فصل قضائَي القامشلي والحسكة عن لواء الفرات (دير الزور)، وألحقت بلواء الجزيرة الأراضي التي ألحقت بالدولة السورية بين حدود قضاء القامشلي ونهر دجلة، وهي نواحي: الشدّادي وسري كانيه، وقرمانة (قرية تتبع الدرباسية حالياً)، وبويرات، وقضاء دجلة، وناحيتَي مصطفاوية وديرون آغا. وخلال تلك الفترة نجحت النخب العربية السُّنية بالسيطرة على مقدّرات دولة سورية، التي تشكّلت من دمج دويلات حلب ودمشق والعلويين، بالتزامن مع رغبتهم في السيطرة على لواء الجزيرة، حيث معقل الأكراد، وبعد الفشل في التأثير عبر المدّ القومي، لجأت تلك النخب إلى استغلال الرابطة الدينية، عبر ما يُعرف في العلوم السياسية بـ”الزبائنية”، لتبادل المصالح بين المركز والأتباع في الأطراف، مع ذلك عُيّنت الغالبية العظمى في الوظائف الإدارية والمهمة من خارج المحافظة، ولم تنل اللغة والخصوصية القومية للشعب الكردي أيَّ اعتراف من تلك النُخب، ما دفع مجموعةً من وجهاء العشائر الكردية والمسيحية إلى تقديم عريضتَين للانتداب الفرنسي مسجَّلتَين في ديوان المفوّض السامي الفرنسي، الأولى عام 1930، والثانية في 1933، تحت رقم “6501”، طالبت بمعاملة الأكراد معاملةً مماثلةً لبقيّة المكوّنات السكّانية الخاضعة للانتداب الفرنسي، وبأنهم يستحقون إدارةً خاصّة تماماً، وبقبول الكرد في الوظائف العامة والإدارة والعدالة والجندرمة والشرطة، وبقبول اللغة الكردية لغةً رسميةً في الدوائر العامة، وتأسيس مدرسة كردية في الحسكة لتأهيل المعلمين من مختلف أجزاء كوردستان.
أُقرّ دستور 1950 بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، وأتى نتيجة لنقاشات مستفيضة ضمن جمعية تأسيسية منتخبة، ومن بين موادّه، الفصل الأول: في الجمهورية السورية، المادة الأولى: سورية جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة، والمادة الثالثة: دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، والمادة الرابعة: اللغة الرسمية هي اللغة العربية، كما أن كلّ الدساتير التي كُتبت بعده جاءت نتيجة انقلابات عسكرية، وقد جرى تعليقه بعد الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1951 على هاشم الأتاسي. وشكلّ الدستور انتكاسةً جديدةً على صعيد التعددية السياسية والإثنية، بالرغم من إنه قلّص صلاحيات رئيس الجمهورية، وسحب حقّ نقض القوانين والمراسيم منه، وأمهله عشرة أيام فحسب، وسُمي بدستور الاستقلال.
وفي عام 1946، جلت فرنسا عن سورية بعد أن رسمت معالمها الجديدة، واتخذت حكومة الجلاء من دستور عام 1928 دستوراً للبلاد وحكمت بموجبه، وكان ينصّ على أن “سورية جمهورية نيابية، دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق”. وفي 1947 عُدّل الدستور بتحويل النظام الانتخابي من درجتَين إلى درجة واحدة، وعدّل مرّة ثانية عام 1948 للسماح بانتخاب شكري القوتلي لولاية ثانية مباشرة بعد ولايته الأولى، وفي 30 مارس/ آذار 1949 انقلب حسني الزعيم عسكرياً على الحكم المدني برئاسة القوتلي، وعلّق العمل بالدستور، وسرعان ما انقلب عليه سامي الحناوي في أغسطس/ آب 1949، ونُظّمت انتخابات جمعية تأسيسيّة (شاركت فيها المرأة للمرّة الأولى) لوضع دستور جديد للبلاد.
الوحدة مع مصر وما بعدها
جُمّد العمل بالدستور السابق، وصدر دستور مؤقّت بين عامي 1958-1961، وتحوّلت سورية جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة، ومثّلت الوحدة تجسيداً واقعياً لرؤية حزب البعث في مجتمع عربي اشتراكي موحّد، وكانت ذات نظام مركزي مؤلّف من إقليمَين شماليّ في سورية، وجنوبي في مصر، وحُلّت الأحزاب السياسية جميعها في سورية بما فيها “البعث”، وجاءت المادة الأولى من الدستور مؤكدةً على القومية العربية وحدها من خلال تسمية الجمهورية العربية المتحدة (جمهورية ديمقراطية) تعدّ جزءاً من الأمة العربية، أمّا المادّة الثانية فقد منحت جنسية الجمهورية العربية المتحدة لمواطني كلٍّ من مصر وسورية، لكنّها استمرّت بالتغافل عن الكرد المجرّدين من الجنسية والهويّة السورية.
وبعد الإعلان عن انقلاب ضدّ الجمهورية العربية المتحدة، عاد العمل بدستور 1950، وأُعيدت تسمية البلاد بـ”الجمهورية العربية السورية”، وبقي معمولاً به حتى انقلاب 8 مارس (1963)، وبعد ذلك صدر دستورا 1964 و1969 المؤقتان بُعيد استلام حزب البعث السلطة، ركّزت موادهما أساساً على أن “القطر السوري جمهورية ديمقراطية شعبية اشتراكية ذات سيادة وهو جزء من الوطن العربي”، إضافة إلى سيادة الحزب الواحد والمفاهيم الاشتراكية، ثم أُصدر الدستور المؤقّت للجمهورية العربية السورية 1971 بعد ما عُرِف بـ”الحركة التصحيحية”.
كان الدستور ما بين عام 1973 و2012 أسوأ الدساتير السورية، وأطولها عمراً. اعتبر أن سورية جزء من “اتحاد الجمهوريات العربية” و”الشعب في القطر السوري جزء من الأمة العربية”، وحصر الرئاسة في “البعث”، في استبعاد لباقي مكونات الشعب، واعتبر “البعث” قائداً للدولة والمجتمع، وفقاً للمادة “8”، ونصّ على أن دين الرئيس هو الإسلام، والفقه المصدر الرئيسي للتشريع. في يوليو/ تمّوز 2000 خفص تعديل الدستور عمر مرشح الرئاسة من 40 عاماً إلى 34 عاماً، لتمكين بشّار الأسد من الترشّح للمنصب خلفاً لوالده.
شكلياً، جرى تعديل بعض مواد دستور عام 1973، لكنّها حافظت على المضمون الأساسيّ الذي تسبّب بالإشكاليات المجتمعية، بالرفض من جانب القوميات والأديان الأخرى، فأعيد التأكيد أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، واسم الجمهورية العربية السورية للدولة، والهويّة العربية للشعب، واللغة الرسمية هي العربية، وجرى تبديل المادة الثامنة من احتكار “البعث” للسلطة إلى التعدّدية السياسية، فورد فيها “يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتجري ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع”، وأُلغيت حالة الطوارئ، لكن سياسة الاعتقالات والخطف لم تنتهِ إلى يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، لحظة سقوط الطاغية.
الإعلان الدستوري 2025
شكّل الإعلان الدستوري المعلن في مارس/ آذار 2025 صدمة كبيرة، خاصّة للأطراف السياسية والحزبية، والقوميات والأقلّيات الدينية مثل الكرد والآشوريين والدروز وأطراف سياسية عربية عديدة، وشكّل قسم من مواده مخاوف جوهرية تعرقل الانتقال الديمقراطي، خاصّة صلاحيات رئيس الجمهورية، وغياب آليات رقابية فاعلة، وأن كلّ ما كُتب بُني على أساس نتائج مؤتمرَي الحوار والنصر وهما لا يعكسان تمثيلاً حقيقياً للسوريين كلّهم، وغياب ضمانات الرقابة أو المساءلة والمحاسبة، والمواد المتعلقة باسم وهويّة الجمهورية السورية والإصرار على عروبتها، وتحديد دين رئيس الدولة بالإسلام، واعتبار الفقه الإسلامي مصدرَ التشريع، واللغة العربية هي الرسمية، وإطالة مدّة المرحلة الانتقالية لتبلغ خمس سنوات، كما وردت بعض المواد والجوانب الإيجابية التي يُمكن البناء عليها، مثل تقييد السلطة التنفيذية عبر عدم منح الرئيس الانتقالي سلطة إصدار المراسيم التشريعية أو العفو العام أو رئاسة مجلس القضاء الأعلى، كما نصّ الإعلان على جعل جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي صادقت عليها الجمهورية السورية، جزءاً لا يتجزّأ من هذا الإعلان الدستوري، وتحديد مدة الطوارئ بثلاثة أشهر حداً أقصى، وإحداث هيئة للعدالة الانتقالية، ما سيكون إطاراً نظرياً لمساءلة عادلة.
خاتمة
لا تتناسب الدولة الوطنية المطلوبة اليوم لسورية والإعلان الدستوري الحالي؛ إذ لا يُمكن استمرار عقلية الإقصاء، رغم أن الدساتير القديمة أنصفت المكوّنات والقوميات في مرّات كثيرة، ومنحتهم حرّية التعبير والهويّة والانتماء والخصوصيات.
من جهة أخرى، لم يتمتع الكرد في تاريخهم الحديث بأيّ استقرار أو حقوق مواطنة، وعلى الرغم من كمية التضحيات والعمل لبناء الدولة السورية، التي أُلحقوا بها من دون استشارتهم، ولا حتّى استشارة العرب والآشوريين، بل المكوّنات كلّها، فارتضوا العيش معاً، لكن تعاقب الأنظمة السياسية على حكم سورية لم يشفع لهم. ومنذ انهيار السلطة العثمانية وحقبة الفرنسيين والحكم الوطني وفترة الانقلابات وعهد الوحدة، ثمّ حزب البعث، وعبر اللجنة الدستورية خلال مفاوضات جنيف حول سورية، تأرجحت الحياة السياسية دستورياً ما بين التعريب أو التعددية السياسية، لكن لم يُمنح الكرد الاعتراف الذي يستحقونه.
ولا يعدّ العناد أمام الرغبة الشعبية دهاءً سياسياً، بل اجترارٌ لأخطاء الأنظمة الماضية، فالأفضل التراجع قليلاً وإصدار مُلحق أو تتمة، أو الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني شامل لانتخاب جمعية تأسيسية تشمل جميع المكونات للبتّ في اسم الجمهورية وهويّتها والعلاقة بين الدين والدولة، ومخرجات مؤتمر النصر والحوار الوطني، يُمكن أن تُتمَّم بخطوات إضافية لسدّ النواقص، وبالتالي يكون المؤتمر التأسيسي/ الجمعية التأسيسية ممثلة لجميع القوى الديمقراطية والسياسية والاجتماعية.
ينبغي إرساء أسس دولة مدنية تقوم على المواطنة وفصل السلطات، وتضمين مواد تؤكّد عدالة التقسيمات الإدارية بالنسبة للسكّان والمساحة والموقع الجغرافي، ويكون لها تأثير في نسبة المشاركين في الترشيح والانتخابات وعدد المقاعد في البرلمان السوري. وليتساوى الجميع أمام القانون وفي المواطنة، يستلزم أن تكون الدولة حيادية لا تفضّل ديناً على آخر، ولا تمنح الأولوية لقومية على أخرى، وهو ما يتطلّبه بناء هويّة سورية جامعة.
وينبغي توزيع الصلاحيات وتفعيل مبدأ المراقبة والمحاسبة والمساءلة المجتمعية، واحترام الشريعة الإسلامية، وأن تكون أحد مصادر التشريع، أما الديمقراطية، فليست وحشاً كاسراً، بل إنّها مبدأ عمليٌ ومرجع مهم في حماية سورية من الانسلاخات الجغرافية، فالتعدد القومي والديني والطائفي حقيقة واقعية ووجودية، وسورية لم تكن في يوم من الأيام مكوّنةً من لون واحد، بل دوماً شكّل الكرد والآشوريون والسريان والدروز والعلويون والمسلمون، السُّنة والشيعة، أركان هذه البلاد.
واللغة الكردية تاريخية من حيث الأدب ولغة التدوين والتاريخ، واعتبارها لغةً رسمية في مناطق الكرد أولوية وضرورة ملحّة، لا تقل عن أيّ حقّ آخر، ويجب اعتبارها لغةً ثانية في الجامعات والمعاهد.
ضحّى السوريون والسوريات بالكثير من أجل لحظة الانعتاق والخلاص والعيش في كنف العدالة والمساواة والديمقراطية والتعددية وحرية المعتقد؛ لهذا يستحقّ السوريون فرصةَ إعادة بناء بلادهم ضمن فضاء ديمقراطي غير أحادي الجانب.
العربي الجديد
——————————–
المخاض السوري… ضرورة التنازلات المتبادلة والتوافق/ علي العبدالله
02 ابريل 2025
اكتملت المائة يوم الأولى على تسلّم الإدارة الجديدة السلطة في سورية، الفترة المعيارية المعتمدة في مناهج البحث السياسي لقياس مدى نجاح السلطة الحاكمة في إدارة البلاد، وتنفيذ برامج وخطط عمل تستجيب لمصالح المواطنين وتطلّعاتهم، واعتبار ذلك مؤشّراً على نجاحها في المتبقّي من فترة ولايتها… مرّت من دون نجاح يعتدّ به، بل يمكن القول (من دون خوف من الوقوع في خطأ كبير) إنها انطوت على مؤشّرات سلبية على طبيعة النظام السياسي الذي تتجّه نحوه سورية، من مركزة السلطة بيد الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، وجعله صاحب القرار الوحيد في البلاد. وقد جاء الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية ليزيد الطين بِلَّه على خلفية اعتماد معايير اجتماعية في اختيار الوزراء، واحتفاظ الرئيس الانتقالي برئاسة الوزارة، وتنصيب سبع شخصيات من هيئة تحرير الشام، كانوا وزراءَ في حكومة الإنقاذ في إدلب، أربعة منهم في وزارات سيادية. هذا في وقت تشير فيه المعطيات المحلّية والإقليمية والدولية إلى وجود تحدّياتٍ عديدةٍ، كبيرة وخطيرة، ستعترض طريق الحكومة الانتقالية، وتجعل عملها لحلّ المشكلات الداخلية والخارجية صعباً، يزيد في صعوبته اجتماع هذه التحدّيات في لحظة سياسية عاصفة ومتحرّكة.
أوّل هذه التحدّيات التنّوع الذي يعرفه الاجتماع السوري دينياً ومذهبياً وقومياً، تنّوع اجتماعي دفعته السياسات التمييزية طوال فترة حكم النظام البائد المديدة إلى الترّكز حول الذات والتحوّل إلى هُويَّاتٍ ومواقفَ سياسية متعارضة ومتناقضة، كرّستها وعمّقتها سياساته في القتل والتدمير والاستحواذ على خيرات البلاد، وترك المواطنين تحت وطأة العوز والجوع في العقد ونصف العقد الماضيين، وقد استفزّتها الإدارة الجديدة بخياراتها ذات اللون الواحد، وبسياساتها غير المكترثة بمطالبها وتطلّعاتها، ضخّمت هواجسها وحرّكت مخاوفها من المستقبل والمصير الذي ينتظرها، ودفعتها نحو التمترس والتطلّع إلى مصدر خارجي للحماية لتحقيق حقوق سياسية واقتصادية تحفظ اجتماعها وخصوصياته. وزاد في تعقيد الموقف وخطورته اعتماد الإدارة الجديدة على العرب السنة، ليس بتخويف أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى وأبناء القوميات غير العربية فقط، بل وبتحويل السُّنة طائفةً وحرساً إمبراطورياً للإدارة الجديدة، ما صعّد تطلعاتهم إلى السيطرة والاستنفار للدفاع عن سلطة غدت سلطتهم، تجسّد ذلك في نداء الفزعة وتبعاتها بقتل مئات المدنيين العلويين، وعمّق الاستقطاب بين الطوائف وزاد الاحتقان حدّةً.
ليست مواقف القوى السياسية، القومية والمذهبية، المعترضة على سياسات الإدارة الجديدة وتصوّراتها، خاصّة مطالباتها بنظام لامركزي/ اتحادي، أقلّ تأثيراً وعرقلةً لمهمّة مواجهة تحدّي التنّوع، وجعله أكثر تعقيداً وصعوبةً في ضوء تعدّد أسس ومرتكزات هذه المطالب، أسس قومية (الكرد والآشوريين السريان)، ومذهبية (الدروز والعلويين)، فمطالب قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تتطابق مع النظام الاتحادي، فليس في النظام الاتحادي جيش خاصّ، ولا يغير من طبيعة الموقف عرضها وضع قواتها تحت إشراف وزارة الدفاع، طالما كانت الموافقة مقرونةً بالإبقاء على هياكلها وتشكيلاتها كما هي، وليس في النظام الاتحادي علاقات خارجية للأقاليم. تصور قيادة “قسد” أقرب إلى الاتحاد التعاهدي (الكونفدرالية) منه إلى النظام الاتحادي، في حين تقوم دعوات اللامركزية في الساحل والسويداء على أساس مذهبي، ما يجعلها دعوات لانقسام عمودي يفرّق أبناء الجنس الواحد (العرب)، ويدفعهم إلى مواجهات بشأن الموارد والمصالح. وهذا لا يشكّل الجانب الرئيس في الموضوع، إذ إن الجانب الأكثر تأثيراً في الموقف هو غياب أرضية ثقافية، ووعي سياسي، لقيام نظام اتحادي في سورية، وفي كلّ الدول العربية والإسلامية. يتجاهل دعاة الاتحادية ذلك وهم يكرّرون تعداد الدول التي فيها أنظمة سياسية اتحادية، يتجاهلون السياق التاريخي وثقافة الدولة والمصلحة العامة، التي كانت وما زالت سائدةً لدى مواطني هذه الدول، وهو ما نفتقده لدى مواطني سورية، والدول العربية والإسلامية، إذ لا إدراك للمصلحة العامّة والملكية العامّة. كان لافتاً ما حصل في العراق وسورية عند سقوط النظامين البائدين 2003 و2024، على التوالي، من نهب لممتلكات الدولة وإتلافٍ لمقارها، والأكثر دلالةً ومأساويةً ما حصل في قطاع غزّة من نهب للمساعدات الإنسانية قبل تفريغها من الشاحنات من الأسر الكبيرة والعصابات، في تجاهل تامّ لحق الشركاء في الوطن والمصير، وهم جميعاً في أتون مواجهة القتل والتدمير والخطر الوجودي، فالمنبّه الرئيس لتحرّك المواطنين في بلاد العرب والمسلمين، ليس المواطنة والشراكة في الوطن، بل القرابة، قرابة الدم، ما سيجعل الأقاليم ساحةَ صراع على المواقع والموارد والمصالح، كما هو حاصل في إقليم كردستان العراق، حيث الانقسام العمودي بين البارزانيين في أربيل، والطالبانيين في السليمانية، وحيث ما زال لكلّ قسم “البشمركة” الخاصّة، وجهاز مخابراته الخاصّ، ومطاره الخاصّ، وموارده الاقتصادية الخاصّة.
فالوضع ليس عدم حصول اندماج وطني في كيان واحد، بل أيضاً الدخول في مواجهات مباشرة، والتحالف مع قوى لا تريد للإقليم الخير، رغم الانتماء القومي، ورغم مرور أكثر من عقدَين على قيام الإقليم. لقد بقيت الأولوية في المجتمعات العربية والإسلامية لقرابة الدم. وهذا سيكون عامل تفجير في أيّ إقليم في ضوء الجغرافيا البشرية، حيث لا يوجد في سورية مناطق يسكنها مكوّن واحد، حيث التجاور والتشابك سيّد الموقف. فالمطالبة بنظام اتحادي فيها كثير من التبسيط، والموقف هنا لا يتعلق بالاتحادية في حد ذاتها، بل في علاقتها بالسياقات وبالبنى السياسية والثقافية والاجتماعية، فالأنظمة الاتحادية تحتاج قاعدةً قويةً من ثقافة الدولة، ومن الوعي بها وبمستدعياتها من إدراك للشراكة الوطنية والمصلحة العامّة والمصير المشترك.
لقد أطلق الاتفاق المبدئي، الذي وقّعه أحمد الشرع ومظلوم عبدي، آمالاً بالخروج بحلّ توافقي يُخرج البلاد من حالة الاستعصاء، لكنّ هذه الآمال بدأت بالتلاشي على خلفية صدور الإعلان الدستوري ومواده، التي وضعت جلّ الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وتشكيلة الحكومة الانتقالية التي اختير وزراؤها بتجاهل تامّ للقوى السياسية، وبالتذرّع بالخبرة والاختصاص. في هذا الإطار يمكن اعتبار الاتفاق بين أحزاب الوحدة بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي على موقف سياسي موحّد، وإعلان تشكيل وفد موحّد للتفاوض مع السلطة الجديدة في دمشق، وسيلةً لتحسين بنود اتفاق الشرع عبدي أو التنصّل منه، بعد أن شعرت قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بأن الأمور لا تسير في اتجاه تحقيق مطالبها. واقع الحال أن مخاوف قيادة “قسد”، والكرد عامّةً، مبرّرة. فتوجّهات السلطة لا تضمن لا الحقوق ولا العدالة والمساواة، والعودة إلى التفاوض تستدعي إدراكاً للتوازنات والمخاطر الظاهرة والكامنة في حال عدم الاتفاق، ما يفرض اعتماد التوافق قاعدةً رئيسةً، والمرونة والقبول بنظام لامركزي مرن، يتيح حدّاً معقولاً من إدارة محلّية للمدن والمحافظات، والتركيز على التشاركية والمساواة، وضمان الحقوق في دولة مواطنة، ونظام قائم على التعدّد السياسي، والحرّيات الخاصة والعامة، وحرّية الرأي والتعبير، وسيادة القانون، والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، والتنمية المتوازنة والخدمات في المحافظات، والانتخابات النزيهة، وصولاً إلى الحقّ في تشكيل الأحزاب والمنظّمات والنقابات… إلخ. فهذا ما تطيقه المرحلة، ويقبله العقل العملي، لتحاشي سفك الدماء والدمار.
أمّا ثاني التحدّيات في وجه الحكومة الانتقالية العتيدة، المطالب الإقليمية والدولية، وهي كثيرة ومتقاطعة في بعضها، ومتعارضة في بعضها الآخر. بعضها مقصودٌ لذاته وبعضها وسيلة للضغط على السلطة الجديدة لتحقيق هدفٍ معيّن أو كسب موطئ قدم في البلاد. وما جعل لهذه المطالب وزناً إضافياً ربط بعض هذه الدول رفع العقوبات بتنفيذها، ورفع العقوبات حاجة حياتية داهمة لأن عدم رفعها سيجعل إقلاع الاقتصاد، وتوفير المعيشة والخدمات، والبدء بإعادة الإعمار، ضرباً من المستحيل. وهنا تبرز أهمية الحكمة والإبداع والخيال الواسع في توظيف الطاقات كلّها، بما في ذلك السوريون في المهاجر، لوضع خطّة تتقاطع مع هذه المطالب من دون تطبيقها حرفياً، ما يستدعي العمل على تأسيس إجماع وطني حول هذه الخطّة، ويفرض الاتفاق مع أطراف الاجتماع الوطني على حلولٍ للتباينات والاختلافات أساسُه توازن المصالح والإقرار بحقوق متساوية، فمن دون الاحتماء بالإجماع الوطني القائم على الرضا لا يمكن مقاومة الضغوط الخارجية واحتواء مفاعيلها السلبية.
ثالث التحدّيات تحقيق سويّةٍ مقبولةٍ في مستويات المعيشة والخدمات، ومواجهة حالة الفقر والعوز الشديد، وملاحقة المتلاعبين بأقوات المواطنين من خلال اللعب بسعر صرف الليرة السورية، والتوقّف عن سياسة حبس السيولة التي شلّت الأسواق، وقادت إلى تضخّم سلعي، ما يستدعي تبنّي سياسة تشاركية بين القطاعين العامّ والخاصّ، بما في ذلك السوريون في الخارج، والسماح للقطاع الخاصّ بالعمل وفق أسس منصفة وعادلة تتيح له الربح من دون استغلال وجشع، من جهة، وتحميه، من جهة ثانية، من منافسات خارجية من دون إخلال بحاجات المواطنين للسلع. فالتشاركية وفتح السوق المنضبط أمام السلع الأجنبية يمكن أن تطلق عجلة الاقتصاد وتبعث الأمل في المجتمع.
تحتاج سورية إلى أبنائها كلّهم من دون تمييز أو إقصاء، من أجل إنجاح تجربة الانتقال السياسي، كما تحتاج إلى مرونة من الجميع، والاستعداد لإعادة النظر في المطالب والمواقف خدمةً للصالح العامّ، فمن دون المرونة والتكيّف مع الظروف، والتنازلات المتبادلة، سنذهب إلى صراعات وصدمات ليست في مصلحة أحد منّا.
العربي الجديد
———————————
===================
===================
عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 02 نيسان 2025
تحديث 02 نيسان 2025
——————————
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
———————————
“المجلس الأطلسي”: إسرائيل تخطئ التقدير جنوبي سوريا وخطتها للتقسيم قد ترتد عليها
2025.04.02
حذّر “المجلس الأطلسي” من أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تخطئ في حساباتها السياسية والأمنية جنوبي سوريا، عبر سعيها لتفكيك البلاد ودفع المكون الدرزي نحو الانفصال، محذراً من أن هذا النهج قد يؤدي إلى فوضى طويلة الأمد، ويعزز نفوذ إيران والجماعات الجهادية.
وقال تقرير نشره “المجلس الأطلسي” إن إسرائيل تبنّت خطاباً عدائياً تجاه الحكومة السورية الجديدة، حيث وصف رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الحكومة السورية بأنها “حكومة إسلاميين مدعومين من تركيا”، وطالب بنزع السلاح في جنوبي سوريا، ومنع قوات الحكومة من التمركز جنوبي دمشق، بزعم حماية الطائفة الدرزية.
تجاهل للواقع الديمغرافي والسياسي
ويرى التقرير أن إسرائيل تتعامل بشكل انتقائي مع بعض الفصائل الدرزية في السويداء وتتجاهل الغالبية السنية في درعا والقنيطرة، حيث تتمثل استراتيجيتها في إبقاء سوريا دولة ضعيفة مقسمة على أسس عرقية وطائفية، ما يشكل سابقة قد تدفع مكونات أخرى إلى المطالبة بمناطق حكم ذاتي.
ورغم تناغم هذا السيناريو مع “عقيدة التحالف مع الأقليات” التي تبنتها إسرائيل تاريخياً، يحذّر تقرير “المجلس الأطلسي” من أن تقسيم سوريا قد يؤدي إلى تكرار نماذج العراق ولبنان، مع تفشي التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية.
كما سيمنح هذا الضعف في دمشق المجال لإيران لتوسيع نفوذها، وللتنظيمات الجهادية لإعادة تنظيم صفوفها، ما سيجعل من جنوبي سوريا ساحة فوضى بدلاً من منطقة عازلة.
دروز سوريا بين الانقسام والاصطفاف الوطني
وتنقسم القيادة الدينية والسياسية في السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، إلى ثلاث شخصيات: الشيخ حكمت الهجري الداعم لسوريا لا مركزية علمانية، الشيخ حمود الحناوي المحايد، الشيخ يوسف جربوع المقرب من الحكومة السورية الجديدة.
وعلى الصعيد العسكري، تبرز مجموعة “رجال الكرامة” التي ترفض التدخلات الخارجية، وصرّح ناطقها باسم أبو فخر برفض حماية نتنياهو، كما تعارض مجموعات “لواء الجبل” و”أحرار الجبل” التدخل الإسرائيلي.
وتسعى الحكومة السورية لدمج هذه الفصائل ضمن الجيش، في حين يفضل قادتها الحفاظ على استقلال نسبي حتى تنظيم انتخابات في البلاد وإقرار دستور جديد.
وسبق أن اقترح وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، منح المقاتلين الدروز وضعاً خاصاً يخوّلهم الخدمة في مناطقهم، ويعفيهم من التدريب العقائدي، كحل وسط بين الدمج الكامل والانفصال العسكري.
إسرائيل تستغل الملف الدرزي لتعزيز نفوذها
رغم ادعاء إسرائيل حماية الدروز من الحكومة السورية، لم تُسجّل أي أعمال عدائية حقيقية من دمشق تجاه الطائفة، وفي حادثة جرى تضخيمها إعلامياً، اندلعت اشتباكات بين قوات الأمن السوري ومسلحين دروز في جرمانا، وصفها القادة الدروز بأنها “خلاف شخصي”.
وعلى إثر ذلك، زار وفد من الدروز في محافظة السويداء الرئيس السوري، أحمد الشرع، لإظهار التضامن، وتم حل الحادثة.
كما رفضت مجموعة “رجال الكرامة” أي حماية إسرائيلية، وأعلنت التزامها بوحدة سوريا، كذلك أُلغي لقاء رفيع المستوى كان سيجمع الشيخ الحناوي والشيخ جربوع مع الرئيس الشرع، بسبب اعتراض الشيخ الهجري.
وفي تحرك اقتصادي موازٍ، عرضت إسرائيل منح تصاريح عمل للدروز السوريين في الجولان، بأجور تتراوح بين 75 و100 دولار يومياً، أي ما يعادل أضعاف دخل الموظف السوري، إلا أن دولة الاحتلال تراجعت عن هذا القرار لاحقاً.
مقاومة واسعة للتدخل الإسرائيلي
وأثارت سياسة دولة الاحتلال احتجاجات واسعة جنوبي سوريا، شارك فيها الدروز والسنة على حد سواء، كما أعرب زعيم الدروز في لبنان، وليد جنبلاط، عن قلقه من المخططات الإسرائيلية، داعياً الدروز إلى الحذر منها.
وفي حادثة جرمانا، ظهر قائد فصيل “رجال شيخ الكرامة”، ليث البلعوس، كوسيط بارز نجح في إنهاء التوتر بين الدروز والحكومة، حيث أعلنت دمشق أنها ستحترم الهوية الدينية للدروز، وأرسلت قوات رفعت علم الطائفة في المدينة، ما قوض رواية نتنياهو التي تروّج لخطر وشيك على الطائفة.
واستثمر الرئيس الشرع هذه اللحظة لتقوية موقعه السياسي، وأعلن عن اتفاق مع الفصائل الدرزية لتوظيف عناصر أمن من أبناء السويداء للعمل فيها، ما اعتُبر خطوة لدمج السويداء تدريجياً في الدولة.
مخاطر مشروع التقسيم
وخلص تقرير “المجلس الأطلسي” إلى أن مشروع إسرائيل لإقناع الدروز بفك الارتباط مع حكومة دمشق يهدد وحدة سوريا، وقد يؤثر سلباً على عودة اللاجئين.
وأكد التقرير أن انحياز الدروز في سوريا إلى إسرائيل قد يؤدي إلى عزلتهم داخلياً وإقليمياً، فيما إذا اختاروا الاندماج الكامل ضمن الدولة السورية، فقد يتحولون إلى عامل استقرار رئيسي، ويكسبون موقعاً محورياً في مستقبل البلاد.
———————————-
المخاض السوري… ضرورة التنازلات المتبادلة والتوافق/ علي العبدالله
02 ابريل 2025
اكتملت المائة يوم الأولى على تسلّم الإدارة الجديدة السلطة في سورية، الفترة المعيارية المعتمدة في مناهج البحث السياسي لقياس مدى نجاح السلطة الحاكمة في إدارة البلاد، وتنفيذ برامج وخطط عمل تستجيب لمصالح المواطنين وتطلّعاتهم، واعتبار ذلك مؤشّراً على نجاحها في المتبقّي من فترة ولايتها… مرّت من دون نجاح يعتدّ به، بل يمكن القول (من دون خوف من الوقوع في خطأ كبير) إنها انطوت على مؤشّرات سلبية على طبيعة النظام السياسي الذي تتجّه نحوه سورية، من مركزة السلطة بيد الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، وجعله صاحب القرار الوحيد في البلاد. وقد جاء الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية ليزيد الطين بِلَّه على خلفية اعتماد معايير اجتماعية في اختيار الوزراء، واحتفاظ الرئيس الانتقالي برئاسة الوزارة، وتنصيب سبع شخصيات من هيئة تحرير الشام، كانوا وزراءَ في حكومة الإنقاذ في إدلب، أربعة منهم في وزارات سيادية. هذا في وقت تشير فيه المعطيات المحلّية والإقليمية والدولية إلى وجود تحدّياتٍ عديدةٍ، كبيرة وخطيرة، ستعترض طريق الحكومة الانتقالية، وتجعل عملها لحلّ المشكلات الداخلية والخارجية صعباً، يزيد في صعوبته اجتماع هذه التحدّيات في لحظة سياسية عاصفة ومتحرّكة.
أوّل هذه التحدّيات التنّوع الذي يعرفه الاجتماع السوري دينياً ومذهبياً وقومياً، تنّوع اجتماعي دفعته السياسات التمييزية طوال فترة حكم النظام البائد المديدة إلى الترّكز حول الذات والتحوّل إلى هُويَّاتٍ ومواقفَ سياسية متعارضة ومتناقضة، كرّستها وعمّقتها سياساته في القتل والتدمير والاستحواذ على خيرات البلاد، وترك المواطنين تحت وطأة العوز والجوع في العقد ونصف العقد الماضيين، وقد استفزّتها الإدارة الجديدة بخياراتها ذات اللون الواحد، وبسياساتها غير المكترثة بمطالبها وتطلّعاتها، ضخّمت هواجسها وحرّكت مخاوفها من المستقبل والمصير الذي ينتظرها، ودفعتها نحو التمترس والتطلّع إلى مصدر خارجي للحماية لتحقيق حقوق سياسية واقتصادية تحفظ اجتماعها وخصوصياته. وزاد في تعقيد الموقف وخطورته اعتماد الإدارة الجديدة على العرب السنة، ليس بتخويف أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى وأبناء القوميات غير العربية فقط، بل وبتحويل السُّنة طائفةً وحرساً إمبراطورياً للإدارة الجديدة، ما صعّد تطلعاتهم إلى السيطرة والاستنفار للدفاع عن سلطة غدت سلطتهم، تجسّد ذلك في نداء الفزعة وتبعاتها بقتل مئات المدنيين العلويين، وعمّق الاستقطاب بين الطوائف وزاد الاحتقان حدّةً.
ليست مواقف القوى السياسية، القومية والمذهبية، المعترضة على سياسات الإدارة الجديدة وتصوّراتها، خاصّة مطالباتها بنظام لامركزي/ اتحادي، أقلّ تأثيراً وعرقلةً لمهمّة مواجهة تحدّي التنّوع، وجعله أكثر تعقيداً وصعوبةً في ضوء تعدّد أسس ومرتكزات هذه المطالب، أسس قومية (الكرد والآشوريين السريان)، ومذهبية (الدروز والعلويين)، فمطالب قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تتطابق مع النظام الاتحادي، فليس في النظام الاتحادي جيش خاصّ، ولا يغير من طبيعة الموقف عرضها وضع قواتها تحت إشراف وزارة الدفاع، طالما كانت الموافقة مقرونةً بالإبقاء على هياكلها وتشكيلاتها كما هي، وليس في النظام الاتحادي علاقات خارجية للأقاليم. تصور قيادة “قسد” أقرب إلى الاتحاد التعاهدي (الكونفدرالية) منه إلى النظام الاتحادي، في حين تقوم دعوات اللامركزية في الساحل والسويداء على أساس مذهبي، ما يجعلها دعوات لانقسام عمودي يفرّق أبناء الجنس الواحد (العرب)، ويدفعهم إلى مواجهات بشأن الموارد والمصالح. وهذا لا يشكّل الجانب الرئيس في الموضوع، إذ إن الجانب الأكثر تأثيراً في الموقف هو غياب أرضية ثقافية، ووعي سياسي، لقيام نظام اتحادي في سورية، وفي كلّ الدول العربية والإسلامية. يتجاهل دعاة الاتحادية ذلك وهم يكرّرون تعداد الدول التي فيها أنظمة سياسية اتحادية، يتجاهلون السياق التاريخي وثقافة الدولة والمصلحة العامة، التي كانت وما زالت سائدةً لدى مواطني هذه الدول، وهو ما نفتقده لدى مواطني سورية، والدول العربية والإسلامية، إذ لا إدراك للمصلحة العامّة والملكية العامّة. كان لافتاً ما حصل في العراق وسورية عند سقوط النظامين البائدين 2003 و2024، على التوالي، من نهب لممتلكات الدولة وإتلافٍ لمقارها، والأكثر دلالةً ومأساويةً ما حصل في قطاع غزّة من نهب للمساعدات الإنسانية قبل تفريغها من الشاحنات من الأسر الكبيرة والعصابات، في تجاهل تامّ لحق الشركاء في الوطن والمصير، وهم جميعاً في أتون مواجهة القتل والتدمير والخطر الوجودي، فالمنبّه الرئيس لتحرّك المواطنين في بلاد العرب والمسلمين، ليس المواطنة والشراكة في الوطن، بل القرابة، قرابة الدم، ما سيجعل الأقاليم ساحةَ صراع على المواقع والموارد والمصالح، كما هو حاصل في إقليم كردستان العراق، حيث الانقسام العمودي بين البارزانيين في أربيل، والطالبانيين في السليمانية، وحيث ما زال لكلّ قسم “البشمركة” الخاصّة، وجهاز مخابراته الخاصّ، ومطاره الخاصّ، وموارده الاقتصادية الخاصّة.
فالوضع ليس عدم حصول اندماج وطني في كيان واحد، بل أيضاً الدخول في مواجهات مباشرة، والتحالف مع قوى لا تريد للإقليم الخير، رغم الانتماء القومي، ورغم مرور أكثر من عقدَين على قيام الإقليم. لقد بقيت الأولوية في المجتمعات العربية والإسلامية لقرابة الدم. وهذا سيكون عامل تفجير في أيّ إقليم في ضوء الجغرافيا البشرية، حيث لا يوجد في سورية مناطق يسكنها مكوّن واحد، حيث التجاور والتشابك سيّد الموقف. فالمطالبة بنظام اتحادي فيها كثير من التبسيط، والموقف هنا لا يتعلق بالاتحادية في حد ذاتها، بل في علاقتها بالسياقات وبالبنى السياسية والثقافية والاجتماعية، فالأنظمة الاتحادية تحتاج قاعدةً قويةً من ثقافة الدولة، ومن الوعي بها وبمستدعياتها من إدراك للشراكة الوطنية والمصلحة العامّة والمصير المشترك.
لقد أطلق الاتفاق المبدئي، الذي وقّعه أحمد الشرع ومظلوم عبدي، آمالاً بالخروج بحلّ توافقي يُخرج البلاد من حالة الاستعصاء، لكنّ هذه الآمال بدأت بالتلاشي على خلفية صدور الإعلان الدستوري ومواده، التي وضعت جلّ الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وتشكيلة الحكومة الانتقالية التي اختير وزراؤها بتجاهل تامّ للقوى السياسية، وبالتذرّع بالخبرة والاختصاص. في هذا الإطار يمكن اعتبار الاتفاق بين أحزاب الوحدة بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي على موقف سياسي موحّد، وإعلان تشكيل وفد موحّد للتفاوض مع السلطة الجديدة في دمشق، وسيلةً لتحسين بنود اتفاق الشرع عبدي أو التنصّل منه، بعد أن شعرت قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بأن الأمور لا تسير في اتجاه تحقيق مطالبها. واقع الحال أن مخاوف قيادة “قسد”، والكرد عامّةً، مبرّرة. فتوجّهات السلطة لا تضمن لا الحقوق ولا العدالة والمساواة، والعودة إلى التفاوض تستدعي إدراكاً للتوازنات والمخاطر الظاهرة والكامنة في حال عدم الاتفاق، ما يفرض اعتماد التوافق قاعدةً رئيسةً، والمرونة والقبول بنظام لامركزي مرن، يتيح حدّاً معقولاً من إدارة محلّية للمدن والمحافظات، والتركيز على التشاركية والمساواة، وضمان الحقوق في دولة مواطنة، ونظام قائم على التعدّد السياسي، والحرّيات الخاصة والعامة، وحرّية الرأي والتعبير، وسيادة القانون، والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، والتنمية المتوازنة والخدمات في المحافظات، والانتخابات النزيهة، وصولاً إلى الحقّ في تشكيل الأحزاب والمنظّمات والنقابات… إلخ. فهذا ما تطيقه المرحلة، ويقبله العقل العملي، لتحاشي سفك الدماء والدمار.
أمّا ثاني التحدّيات في وجه الحكومة الانتقالية العتيدة، المطالب الإقليمية والدولية، وهي كثيرة ومتقاطعة في بعضها، ومتعارضة في بعضها الآخر. بعضها مقصودٌ لذاته وبعضها وسيلة للضغط على السلطة الجديدة لتحقيق هدفٍ معيّن أو كسب موطئ قدم في البلاد. وما جعل لهذه المطالب وزناً إضافياً ربط بعض هذه الدول رفع العقوبات بتنفيذها، ورفع العقوبات حاجة حياتية داهمة لأن عدم رفعها سيجعل إقلاع الاقتصاد، وتوفير المعيشة والخدمات، والبدء بإعادة الإعمار، ضرباً من المستحيل. وهنا تبرز أهمية الحكمة والإبداع والخيال الواسع في توظيف الطاقات كلّها، بما في ذلك السوريون في المهاجر، لوضع خطّة تتقاطع مع هذه المطالب من دون تطبيقها حرفياً، ما يستدعي العمل على تأسيس إجماع وطني حول هذه الخطّة، ويفرض الاتفاق مع أطراف الاجتماع الوطني على حلولٍ للتباينات والاختلافات أساسُه توازن المصالح والإقرار بحقوق متساوية، فمن دون الاحتماء بالإجماع الوطني القائم على الرضا لا يمكن مقاومة الضغوط الخارجية واحتواء مفاعيلها السلبية.
ثالث التحدّيات تحقيق سويّةٍ مقبولةٍ في مستويات المعيشة والخدمات، ومواجهة حالة الفقر والعوز الشديد، وملاحقة المتلاعبين بأقوات المواطنين من خلال اللعب بسعر صرف الليرة السورية، والتوقّف عن سياسة حبس السيولة التي شلّت الأسواق، وقادت إلى تضخّم سلعي، ما يستدعي تبنّي سياسة تشاركية بين القطاعين العامّ والخاصّ، بما في ذلك السوريون في الخارج، والسماح للقطاع الخاصّ بالعمل وفق أسس منصفة وعادلة تتيح له الربح من دون استغلال وجشع، من جهة، وتحميه، من جهة ثانية، من منافسات خارجية من دون إخلال بحاجات المواطنين للسلع. فالتشاركية وفتح السوق المنضبط أمام السلع الأجنبية يمكن أن تطلق عجلة الاقتصاد وتبعث الأمل في المجتمع.
تحتاج سورية إلى أبنائها كلّهم من دون تمييز أو إقصاء، من أجل إنجاح تجربة الانتقال السياسي، كما تحتاج إلى مرونة من الجميع، والاستعداد لإعادة النظر في المطالب والمواقف خدمةً للصالح العامّ، فمن دون المرونة والتكيّف مع الظروف، والتنازلات المتبادلة، سنذهب إلى صراعات وصدمات ليست في مصلحة أحد منّا.
العربي الجديد
——————————–
جنبلاط يحمي سوريا من الفتنة فهل ينجح الشرع في امتحانه؟/ عماد جودية
تحديث 02 نيسان 2025
بعد أسابيع على تشكيل الرئيس سليم الحص الحكومة الأولى في عهد الرئيس إميل لحود عام 1998، توجه وزير الثقافة والمدير العام للوزارة يومذاك الصديقان الراحلان محمد يوسف بيضون والدكتور محمد ماضي إلى المختارة لزيارة النائب والوزير وليد جنبلاط من أجل تسلم مفاتيح قصر بيت الدين منه بعدما قررت الحكومة إعادة العمل به مقرا صيفيا للرئاسة الأولى.
خلال اللقاء تهجم جنبلاط على لحود وعهده وانتقد بشدة الحص وحكومته لأنه كان يريد توزير عماد جودية، “وهو من قرية صغيرة قربنا”، ليرد الوزير بيضون: “عماد ابن منطقة رأس بيروت وكان سيوزّره الرئيس الحص عن المقعد الأرثوذكسي وليس الدرزي، وقد اعتذر عن عدم قبول التوزير بعد ساعات قليلة على تكليف الرئيس الحص، وكنت حاضرا في منزل دولته عندما اعتذر منه عماد”.
سأله جنبلاط عن سبب الاعتذار، فأجابه: “لأن لديه موقفا سلبيا من المشاركة في حكومة نظام مذهبي يعتبره نظاما عنصريا يسمح للبنانيين من طوائف محددة بالوصول إلى الرئاسات ويمنع ذلك عن لبنانيين من طوائف أخرى، وهذه المرة الثالثة يرفض الوزارة”.
علّق جنبلاط: “مش قليل هالشاب، مش بس بيرفض وزارة، بدو يغير نظام كمان”.
بعد مغادرتهما المختارة وعودتهما إلى السرايا الحكومية لإبلاغ الرئيس الحص بتسلمهما مفاتيح قصر بيت الدين تمهيدا لتسليمها إلى دوائر القصر الجمهوري، أطلعاه أيضا على أجواء ما قاله زعيم المختارة عن توزيري. فقال لهما الرئيس الحص: “حسنا فعلتما بتوضيحكما الأمر له، فعماد محق في دعوته إلى إصلاح نظامنا المذهبي الذي يؤسس لأزمات وطنية كبيرة بين اللبنانيين كل 10 أو 12 سنة”.
وكان الرئيس الحص بعد ساعات قليلة على تكليفه من الرئيس لحود تشكيل الحكومة الأولى في عهده دعانا فورا إلى لقاء في منزله، وكنا ثلاثة: كاتب المقال مع النائبين في كتلته عصام نعمان أطال الله عمره ومحمد يوسف بيضون رحمه الله عليه، وأبلغنا نيته توزيرنا معا، أنا عن المقعد الأرثوذكسي وعصام (الذي هو بفكره وممارساته عابر للطوائف أيضا) عن المقعد الدرزي وبيضون عن المقعد الشيعي، فكان جوابي فورا الاعتذار، وشكرت للرئيس الحص ثقته الكبيرة بي.
ربطتني بجنبلاط معرفة، لا صداقة شخصية، فقد أجريت معه أثناء عملي الإعلامي في السبعينيات والثمانينيات، قبل تفرغي الكلي للعمل في القطاع المصرفي عام 1990مستشارا للعلاقات العامة لكبريات البنوك اللبنانية، مقابلتين صحافيتين، واحدة لصحيفة “الاتحاد” الإماراتية وأخرى لمجلة “المستقبل” الباريسية، وخلالهما تناولت معه الفطور الصباحي على مائدته في قصر المختارة، وبدا متواضعا ودمث الأخلاق. وكنت أيضا التقيه خلال اجتماعات مجلس الوزراء في مبنى السرايا القديم في الصنائع خلال انعقاد جلسات حكومات الرئيسين رشيد كرامي والحص خلال الحرب الأهلية، بحكم موقعي آنذاك مستشارا سياسيا لهما.
جئت بهذه المقدمة لأقول إنه سواء كنت توافق جنبلاط سياسيا أو تعارضه، لا بد لأي مراقب سياسي أو أعلامي محترم أن “يرفع القبعة” له تقديرا لمواقفه الوطنية والقومية الصحيحة. ففي مقالي اليوم أكمل ما كنت كتبته عنه في مقالي السابق الذي نشرته “النهار” في صفحة “المنبر” في تاريخ ٦/٦/٢٠٢٤ بعنوان: “جنبلاط يبعد الفتنة عن لبنان وينقذ الموارنة منها”. فهو بمواقفه السياسية المسؤولة التي أعلنها آنذاك في أعقاب بدء عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما تلاها من فتح “جبهة الإسناد” في الجنوب، جعل من نفسه “السد المنيع” الذي “أسقط الفتنة” في ظهير الطائفة الشيعية الكريمة ومقاومتها، نتيجة إسقاطه للسقوف العالية التي كانت تصدر من بعض الرؤوس المارونية الحامية، فأنقذ بذلك الموارنة أنفسهم ومعهم سائر مكونات الوطن من “الفتنة” نتيجة التهور السياسي لبعض قادتهم.
ولم يكتف جنبلاط بمواقفه الوطنية المسؤولة وحماية الداخل اللبناني من الفتنة يومذاك، بل استكملها بمواقفه القومية التي شددت على عدالة القضية الفلسطينية بإعلانه أن لا سلام ثابتا وحقيقيا في المنطقة ولا نهاية للصراع العربي – الإسرائيلي إلا بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم عبر إقامة دولتهم العادلة والمشروعة وفق حل الدولتين الذي دعت إليه المبادرة السعودية التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2001. وأفهم جنبلاط القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية بموقفه الواضح هذا أن إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في دولتهم وحق العودة هو الذي ينهي حروب المنطقة، وأن الدمار والخراب والقتل لن تجلب لإسرائيل ولجيرانها الأمن ولا الأمان، وأن لا قيمة لقوتها العسكرية ولا لحماياتها الأميركية والغربية ما لم تذهب إلى الإقرار بحق الفلسطينيين في وطنهم المشروع.
وبعد إقرار وقف النار في لبنان وغزة وسقوط بشار الأسد ونظامه القمعي في سوريا، كان لجنبلاط أيضا السبق السياسي في محاولة “إنقاذ سوريا” من الفتنة، فسارع قبل غيره إلى زيارة عاصمتها دمشق ولقاء رئيسها الجديد لأنه استشعر بحسه السياسي المسؤول الخطر المحدق بطائفته أولا وبسائر مكونات الشعب السوري ثانيا، من السنة والمسيحيين والأكراد والعلويين والشيعة. فجنبلاط من موقع زعامته الدرزية الكبيرة والأولى في لبنان والمنطقة، والقلق عليها بمستوى قلقه على طائفته ولبنان وسوريا معا، ذهب للقاء أحمد الشرع من أجل تنبيهه من أي تهور أو خطوة غير محسوبة قد يقدم عليها وتكون سببا لاندلاع حرب أهلية هناك تؤسس لبذرة تقسيم سوريا.
فقد أراد جنبلاط من زيارته إفهامه أن الحفاظ على وحدة سوريا ومنع تقسيمها يتوقف على حسن أدائه على رأس الدولة وحسن أداء حكومته بإداراتها العسكرية والأمنية والمدنية والقضائية والديبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتربوية مع جميع السوريين على اختلاف مشاربهم الإسلامية والمسيحية. فكما كان الفرنسيون زمن انتدابهم على لبنان يعتبرون جدته نظيرة جنبلاط بشخصيتها القوية وكفاءتها العالية “سيدة لبنان الأولى” التي جعلت من المختارة يومذاك “دارة كل لبنان”، هكذا وليد جنبلاط عند المفاصل التاريخية يعيد المختارة “دارة لبنان والعرب” ويتصرف من موقع “السند السياسي” الحامي والمنقذ من أي مخطط تفتيتي يستهدف لبنان وسوريا والعرب في المنطقة.
فهل ينجح الشرع في امتحان جنبلاط له أم يخذله؟ وهل يتجاوب أيضا مع نداء البطريرك يوحنا العاشر يازجي له الذي وضع الإصبع على الجرح خلال عظته يوم الأحد 9 آذار/مارس 2025 في دمشق عندما خاطبه تعليقا على المجازر التي شهدتها مناطق بانياس واللاذقية واستهدفت عائلات مسيحية وعلوية قائلا له بجرأة المؤمن الحر: “ليس هذا ما وعدتم به السوريين في خطابكم، فتلك المجازر تتنافى ورؤيتنا جميعنا لسوريا الجديدة، التي نريدها دولة لكل أبنائها وليس لفئة منهم.
كذلك كانت محقة نايلة تويني عندما تساءلت في عنوان مقالها الافتتاحي في “النهار” يوم الإثنين في 10 آذار/مارس 2025 : “هل يستجيب الشرع لكلام اليازجي؟” فسوريا كما لبنان، لن تقوم لهما قيامة، إلا بإقرارهما معا “نظامين مدنيين” ديموقراطيين يقومان على “نظام المواطنة” يحفظان بدستورهما السوريين واللبنانيين معا، ليكونوا متساوين بالحقوق والواجبات أمام القانون، لا تفرقة مذهبية وطائفية بينهم، وتعتمد الرئاسات ومراكز الفئة الأولى الأساسية في البلدين على الاكفأ منهم للوصول، إلى أي طائفة انتموا.
النهار العربي
——————————-
صحيفة إسرائيلية: تركيا تعيد إحياء قاعدة جوية في سوريا وتجهزها بدفاعات متطورة
2025.04.02
كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست”، نقلاً عن مصدر استخباري غربي، أن تركيا تعمل على إعادة تفعيل قاعدة “T4” الجوية الواقعة في وسط سوريا، في خطوة تعكس تنامي التنسيق بين أنقرة ودمشق.
ووفقاً للمصدر، فإن تركيا تخطط لتحويل القاعدة إلى منشأة متقدمة للطائرات المسيّرة، مع تجهيزها بمنظومة دفاع جوي حديثة.
وأوضح المصدر أن أنقرة تسعى إلى ترسيخ موقعها كمزود أساسي للدفاع الجوي لدى الحكومة السورية الجديدة، مستفيدة من وجودها داخل قاعدة “T4″، التي كانت تُستخدم سابقاً من قبل قوات الأسد المخلوع.
مساعٍ تركية للتمركز في قاعدة “T4” الجوية وسط سوريا
ويوم الثلاثاء، كشفت مصادر مطلعة لموقع أن تركيا بدأت خطوات عملية للتمركز في قاعدة “T4” الجوية قرب تدمر، وتشمل الخطط نشر منظومة الدفاع الجوي “حصار”، وتوسيع القاعدة بإضافة منشآت جديدة وطائرات مسيّرة هجومية.
ووفقاً للمصادر، تتفاوض أنقرة ودمشق منذ كانون الأول الماضي على اتفاق دفاعي يقضي بتوفير تركيا للغطاء الجوي وحماية الحكومة السورية الجديدة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وأشارت المصادر إلى أن السيطرة على القاعدة ستمنح تركيا تفوقاً جوياً في المنطقة، وقد تشكّل دفاعاتها الجوية رادعاً لإسرائيل يقيّد تحركاتها الجوية داخل سوريا.
مخاوف إسرائيلية من الوجود التركي
في المقابل، أعرب مسؤول أمني إسرائيلي عن قلق بلاده من السماح لتركيا بإنشاء قاعدة جوية داخل الأراضي السورية، محذراً من أن ذلك قد يقيّد حرية الحركة الجوية الإسرائيلية فوق سوريا، ويشكّل “تهديداً مباشراً” للمصالح الأمنية الإسرائيلية.
وأكد المصدر الاستخباري أن سيطرة تركيا على قاعدة “T4” تمنحها تفوقاً جوياً محتملاً، كما أن تعزيز دفاعاتها الجوية هناك قد يشكل رادعاً أمام العمليات الإسرائيلية داخل العمق السوري.
——————————-
فصيل درزي يهدد حكومة دمشق بالقتال: حذارِ الفشل
الثلاثاء 2025/04/01
هدّد قائد فصيل مسلح من السويداء بقتال حكومة دمشق، في حال فشلها، مؤكداً أنه وفصيله سينضمون إلى الدولة السورية، في حال نجحت.
قتال دمشق
وقال قائد فصيل “لواء الجبل” شكيب عزام، لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن الفصائل الدرزية أرادت منح الحكومة السورية المؤقتة فرصة لإثبات جدارتها، مضيفاً أنه في حال سارت الحكومة الجديدة على الطريق الصحيح، “سننضم إليهم، وإن لم ينجحوا، فسنقاتلهم”.
وأكد عزام بأنه هو وفصيله سيكونون جزءاً من الدولة السورية الجديدة، لكنه اشترط أن يكون لهم رأي في القرارات السياسية، مشدداً على أنه من السابق لأوانه “التخلي عن أسلحتنا”.
وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من أقوى الفصائل الدرزية، بدأت بإجراء محادثات مع الحكومة حول شروط انضمامها إلى الجيش الوطني الجديد، بعد سقوط نظام المخلوع بشار الأسد، كما كان لديها مخاوف في شأن تعهّدات الرئيس السوري أحمد الشرع، بحماية حقوق الأقليات الدينية والإثنية العديدة في سوريا.
وأوضحت أن تلك المحادثات توقّفت خلال الشهر الماضي، بعد اندلاع أعمال عنف ضد الأقلية العلوية في الساحل السوري، ما زاد من قلق الطائفة الدرزية.
تنازل الشرع
ورأت الصحيفة أنه في حال لم يتمكن الشرع من إقناع الفصائل الدرزية، وغيرها من الجماعات المسلحة بالاندماج في جيش وطني موحّد، فسيواجه خياراً صعباً هو إما التنازل عن بعض الصلاحيات وتأسيس حكومة لامركزية نوعاً ماً، أو المخاطرة بالسيطرة على جزء فقط من البلاد، كما فعل الأسد خلال الحرب الأهلية.
وقالت إن أكبر الميليشيات الدرزية السورية، رفضت التصريحات الإسرائيلية المتكررة بحمايتهم من السلطات السورية الجديدة.
ولفتت إلى أنه على الرغم من عدم موافقة تلك الميلشيات على الانضمام للجيش السوري الجديد، إلا أن قادتها العسكريين وقادة دينيين، أقاموا ترتيبات غير رسمية مع السلطات الجديدة، تتيح لهم تلقي المساعدات الحكومية مع احتفاظهم بسيطرتهم العسكرية على السويداء.
وقال عزام إنه وافق على تعيين مسؤول يتبع للشرع كمحافظ مؤقت لمحافظة السويداء، بشرط عدم نشر القوات الحكومية في السويداء.
يُذكر أن “لواء الجبل” هو أحد أبرز وأكبر الفصائل الدرزية المسلحة في السويداء، كما يقيم تحالفاً مع “حركة رجال الكرامة”، أكبر وأقوى الفصائل في المحافظة. وكان الفصيل قد أبدى استعداده للانضمام إلى الجيش السوري الجديد، في بيان مشترك مع “رجال الكرامة”، في 6 كانون الثاني/يناير.
————————–
===================
===================
الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 02 نيسان 2025
تحديث 02 نيسان 2025
——————————
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
——————————-
حكومة في سورية أم نهج؟/ مروان قبلان
02 ابريل 2025
تلتزم الإدارة السورية الجديدة، منذ وصولها إلى الحكم، مفاجأتنا في كلّ خطوة تخطوها نحو ملء الفراغ السياسي في البلاد. جديد مفاجآتها أخيراً تشكيل حكومة تضمّ كفاءاتٍ وطنيةً شابّة، متحمّسة للعمل، والنهوض بأعباء المهمّة الصعبة الملقاة على عاتقها. ورغم أن هذه الخطوة لاقت استحساناً في الشارع السوري، ودعماً عربياً ودولياً، ضروريَّين لمباشرة عملها، إلا أن ذلك كلّه لم يستطع إخفاء حقيقة أن تشكيل الحكومة بهذه الطريقة جاء بهدف إرضاء الخارج (يشترط إشراك المرأة، والأقلّيات، وتلوين التشكيلة الحكومية بدل اقتصارها على لون واحد) أكثر منه استجابةً لاحتياجات الواقع السوري، فسورية لم تكن يوماً أحوج من الآن إلى حكومة شراكة وطنية، تتمثّل فيها قوىً وشخصياتٌ سياسيةٌ ومجتمعيةٌ ذات تأثيرٍ (ووزنٍ) في الشارع السوري، سوف تبرُز الحاجة إليها لمواجهة التحدّيات الكُبرى التي تنتظرنا في قادم الأيّام. ابتداع فكرة “حكومة تكنوقراط” كان يهدف تماماً إلى تجنّب هذه الشراكة، التي تنطوي على علاقةٍ ندّيةٍ بين قوى شاركت في الثورة وإسقاط النظام، والاستعاضة عنها بـ”حكومة كفاءات” مهمّتها تنفيذ الأوامر والتعليمات.
لا يحتاج بلد مزّقته الحرب والصراعات إلى حكومة كفاءات في هذه المرحلة، ولا يحقّق الشراكة فيها تجميلها بوزير من هنا أو وزيرة من هناك، تمثّل طائفةً من هنا، أو مكوّناً إثنياً من هناك (علماً أن الهدف المُعلَن للإدارة الجديدة رفض المحاصصة، للتغطية على مسعاها الحقيقي المتمثّل بإقصاء القوى السياسية والمجتمعية المؤثّرة، أو التي يمكن أن تصبح مؤثّرة). ما تحتاجه سورية الآن أكثر، أو ربّما مقدار حاجتها إلى إصلاح الطرق والمستشفيات، هو حفظ السلم الأهلي، ومعالجة الشروخ الاجتماعية العميقة التي لا تقتصر على العلاقة بين مكوّناتها الطائفية والإثنية المتنوّعة، بل تضرب حتى داخل المكوّن الواحد، وهذا لا يكون إلا باشراك ممثّلين فعليين من تلك المكوّنات، لهم ثقلهم ووزنهم فيها، خاصّة في ظلّ تعذّر تنظيم انتخابات عادلة (إذا قدّر لها أن تحصل يوماً).
بدأ هذا النهج (الإقصاء والتهميش) مع “مؤتمر النصر” في 29 يناير/ كانون الثاني 2025، واستمرّ في مؤتمر “الحوار الوطني”، الذي جاء بعد “مشاورات” شكلية، استغرقت أسبوعاً، أجرتها اللجنة المسؤولة، وشملت أربعة آلاف شخص في مختلف المحافظات، لا نعرف صفتهم التمثيلية لملايين السوريين (!)، ثمّ جاء الإعلان الدستوري الذي فصّلته لجنة ضيّقة في مقاس السلطة، وأخيراً الحكومة التي شُكّلت من دون أدنى مشاورات مع القوى السياسية والمجتمعية السورية (هذا لا يحصل حتى في لبنان والعراق، اللذين يفترض أننا نرفض مذهبهما في تشكيل الحكومات). ويتوقّع لهذا النهج أن يستمرّ في اختيار الهيئة التشريعية، وتعيين المحكمة الدستورية، لتتركّز السلطات كلّها (أخيراً) في يد شخص واحد.
في البداية، كان التقدير (أو التبرير إن شئتم) أن الإدارة الجديدة (ربّما يجدر أن نسمّي نحن أيضاً الأمور بمسمّياتها الحقيقية، هيئة تحرير الشام) وجدت نفسها فجأةً في مقعد السلطة من دون خطّة أو برنامج بسبب الانهيار غير المتوقّع لنظام الأسد. بعد مرور أربعة أشهر، لم تعد هذه القراءة صالحةً، فهناك نهج واضح يسعى إلى تركيز السلطة في يد شخص واحد، وفصيل سياسي واحد. ولن ينجح هذا النهج في إعادة توحيد البلاد، ولا في رفع العقوبات عنها.
تحتاج سورية توافقات وطنية واسعة، وجهوداً صادقة لإشراك قواها السياسية والمجتمعية كلّها في إعادة بناء البلد، وهذا لا يتم من خلال استمرار النظر إلى السوريين باعتبارهم أفراداً، لا يعرفون التنظيم أو الاجتماع السياسي (المفارقة أن القوة السياسية الوحيدة الممثّلة بهذه الصفة في الحكومة هيئة تحرير الشام). لم يتأخّر الوقت على القيام بذلك. يمكن أن نعود إلى مراجعة الخطوات التي اتُّخذت، بما فيها الإعلان الدستوري، والدعوة إلى مؤتمر وطني سوري جامع، مهمّته الاتفاق على شكل الدولة ونظامها السياسي، وانتخاب جمعية وطنية تقوم مقام المشرّع، وتشكيل لجنة لكتابة الدستور الدائم، وحكومة وحدة وطنية، مدعومة بكفاءات لإدارة مرحلة انتقالية يُتَّفق على مدّتها. هذا فقط ما يعطي أحمد الشرع الشرعية المؤسّسية التي ينشدها، وما يعزّز حكمه بطريقة دستورية، وبإجماع وطني، وهو ما نريده مخلصين، لأنّنا نريد له أن ينجح، لا لشيء، إلا لأن فشله سيجرّ البلاد إلى كارثة نريد دفعها بكلّ ما نملك من قوّة.
العربي الجديد
———————————
الحكومة الانتقالية السورية الجديدة بين الطموح والتحديات
2 نيسان/أبريل ,2025
مقدمة:
جاء الإعلان عن الحكومة السورية الانتقالية لتكون المكوّن الثاني بعد الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية، وأعلن تشكيلها يوم السبت 29 آذار/ مارس 2025، في القصر الجمهوري، ضمن تنظيم احتفالي نُقلت وقائعه مباشرة عبر التلفزيون، وتعدّ الحكومة “السلطة التنفيذية”، وهي المكوّن الثاني في ثلاثي السلطة، حيث يُنتظر تشكيل مجلس تشريعي مؤقت ليكون السلطة التشريعية، كما ينتظر تشكيل مجلس القضاء الأعلى ليكون السلطة القضائية.
في حفل الإعلان عن الحكومة، ألقى الرئيس أحمد الشرع خطابًا افتتح به اللقاء، ووضّح فيه أهداف حكومته في المرحلة المقبلة، وتلا الخطابَ كلمات ألقاها كلُّ وزير على حدة، وضّح فيها أهداف وزراته في المرحلة المقبلة، وقد كانت أهدافهم طموحة جدًا، ولم تتضمن التشكيلة منصبَ رئيس مجلس الوزراء، نظرًا لاعتماد النظام الرئاسي من النمط الأميركي، وفقًا للإعلان الدستوري، حيث يُشرف رئيس الجمهورية مباشرة على عمل الوزراء، لكن ما زال هناك حاجة إلى تعيين نائب لرئيس الجمهورية، يدير عمل مجلس الوزراء في حال غيابه.
جاء تشكيل الحكومة في فترةٍ تتسم بالترقّب الشديد لما ستكون عليه التشكيلة الوزارية التي وعد الشرع أن تكون شاملة ممثلة للجميع، وأنها ستكون وزارة كفاءات، وجاء الإعلان عن تشكيلها ضمن اهتمام داخلي واسع واهتمام إقليمي ودولي كبير، مع أن سورية ما زالت في واقع الحال مقسّمة عمليًا إلى عدة مناطق سيطرة، حيث تسيطر (قسد) في الشمال الشرقي وتضع شروطها رغم الوصول إلى اتفاق إطاري أبرمه كل من الرئيس الشرع ومظلوم عبدي، وترفض قوًى في السويداء أن تمتدّ سلطة دمشق إليها، وتضع شروطها، ومن جانب آخر، تتدخل إسرائيل في الجنوب السوري، وتقوم قواتها بعمليات قصف بين حين وآخر وتتقدم قواتها في تلك المنطقة، ويستمر التوتر في منطقة الساحل وفي مدينة حمص، وقد أثارت الأحداث التي جرت في الساحل ردة فعل دولية واسعة، انعكست سلبًا على سمعة السلطة الانتقالية. ومن ناحية أخرى هناك احتكاكات مجتمعية، بين عناصر متشددة والمجتمعات السورية المحلية، ممّا يخلق حالة خوف في أوساط مجتمعية واسعة.
ضمن هذه الظروف، جاء إعلان تشكيل الوزارة الجديدة، وكان له دور كبير في التأثير في المناخ العام وفي اتجاه تطور الأحداث، سلبًا أو إيجابًا.
يُسجّل للحكومة الجديدة أنها أُعلنت بطريقة غير مألوفة في تجارب الحكومات السابقة، حيث جرى تنظيم جلسة عامة حضرها عدد كبير من الضيوف (نحو 300 شخصية، بينهم عدد قليل من السيدات)، ونُقلت الجلسة على الهواء مباشرة، وقدّم خلالها كل وزير رؤيته الأولية وبرنامجه المتوقع، وكانت برامج الوزراء طموحة جدًا. وإذا عُدّت هذه البرامج وعودًا، فسيكون من الصعب تحقيقها في ظلّ التحديات التي تواجهها سورية، داخليًا وخارجيًا، في ظل واقع سوري معقّد يتسم باستمرار الانقسام الجغرافي والسياسي. وربما أرادت الحكومة الجديدة توجيه رسائل إلى الداخل، مفادها الرغبة في المكاشفة والانفتاح، وأخرى إلى الخارج مفادها الاستعداد للدخول في مرحلة جديدة أكثر شفافية، وإن لوحظ عدم استخدام مصطلح “الحكومة الانتقالية” خلال تلك الجلسة.
حول بنية الوزارة
تألّفت الحكومة من 23 وزارة، وكان عدد الوزارات فيها أقلَّ من عددها في حكومات النظام السابق (كان عددها في آخر حكومة 29 وزارة)، حيث جرى دمج بعض الوزارات، وألغيت وزارتا الموارد المائية، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، واستُحدثت وزارة جديدة للشباب والرياضة، وأخرى للطوارئ والكوارث، ويُلاحظ أن تقليص عدد الوزارات، من 29 إلى 23، عبر عمليات دمج، لا يعكس فقط توجّهًا تنظيميًا، بل قد يكون أيضًا استجابة واقعية لشحّ الموارد وتحديات التمويل، إذ يُعدّ ضغط النفقات الحكومية أحد الضرورات في ظلّ ضعف الموازنة العامة وصعوبة الحصول على دعم خارجي في حال عدم رفع العقوبات، ومن المرجّح أن هذا الدمج يعكس محاولة لتقليل الكلفة التشغيلية وزيادة الكفاءة، إلا أنّه قد يفرض تحديات إضافية على الوزراء الذين باتوا يتولّون حقائب مزدوجة، في ظل طواقم إدارية محدودة وبيروقراطية معقدة، لكن كان من الممكن أن تكون وزارة الطوارئ والكوارث هيئةً، بدلًا من وزارة، وهناك حاجة إلى توضيح مصير الوزارات التي أُلغيت، كالري والتجارة الداخلية، وإلى تحديد تبعيتها لأي وزارة ستكون.
ويُلاحظ أن هناك حضورًا قويًا لفئة الشباب في وزراء الحكومة، حيث راوحت أعمار الوزراء بين مواليد 1956 و1992. وقد غلب على الحكومة خريجو الجامعات الغربية، ومعظم الوزراء من خلفيات أكاديمية أو مهنية تقنية (أطباء، مهندسون، اقتصاديون)، ويشير التوزيع الجغرافي للوزراء إلى تركيز التمثيل في محافظات دمشق وريفها (5 وزراء)، وإدلب (4 وزراء)، وحلب ودير الزور (3 وزراء)، وحماة (وزيران)، ووزير من كلّ من القنيطرة، طرطوس، اللاذقية، حمص، الحسكة، مقابل غياب أي وزير من درعا والرقة. وقد غلب الطابع العربي السنّي على الحكومة، مع وجود وزيرَين من الأكراد، ووزير واحد لكل من الدروز، والمسيحيين، والعلويين، وغاب تمامًا التمثيل التركماني والإسماعيلي، ومعظم الوزراء محسوبون على التوجه الإسلامي، خاصة أولئك القادمين من هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ (9 من أصل 23، وتشمل أهم الوزارات “الوزارات السيادية”. إضافة إلى دمج وزارات النفط والكهرباء والماء في وزارة واحدة “وزارة الطاقة”، ووضع على رأسها محمد البشير. وضمت التشكيلة الغالبية (17 وزيرًا) من المعارضين المعروفين، و6 وزراء لم يكن لهم مواقف واضحة. وهناك وزيران شغلا مناصب وزارية في حكومات النظام السابق قبل الثورة، وعدة وزراء عملوا في حكومة الإنقاذ في إدلب سابقًا، أو في حكومة تصريف الأعمال التي تلت سقوط النظام، حيث احتفظ عدة وزراء بمناصبهم. واقتصرت مشاركة النساء على وزيرة واحدة، وهو ما عُدّ خطوة محدودة للغاية، في ظل ارتفاع المطالب النسوية بالمشاركة السياسية الفاعلة.
المواقف المحلية
عمومًا، ساد في الشارع السوري موجة من التفاؤل بوجوه جديدة وشابة، لكن بعض المواقف عبّرت عن خيبة أملها من ضعف التشاركية، وتهميش المرأة وغيرها. وعلى الرغم من حضور شخصيات تنتمي إلى خلفيات قومية ودينية متباينة داخل التشكيلة الوزارية، فلا يمكن اعتبار الحكومة ممثلة فعلًا لكلّ مكونات الشعب السوري، فالتعدد الشكلي لا يُغني عن التمثيل الحقيقي الذي لا يتحقق إلا من خلال صناديق الاقتراع، وهو أمرٌ غير ممكن في الظروف الراهنة. ومع ذلك، كان من الممكن إجراء نوع من المشاورات المجتمعية أو النخبوية قبل إعلان التشكيلة، مما ينمّي الشعور بمستوى تمثيل الحكومة، ويخفف حدة الرفض الذي ظهر من بعض الشخصيات والجهات لها، إلا أن ذلك لم يحدث، ما أثار تساؤلات حول أسلوب اختيار أعضائها، وقد غابت رموز المعارضة التقليدية (الائتلاف، الحكومة المؤقتة، هيئة التفاوض)، وعُدّ ذلك إشارةً إلى رغبة في القطيعة مع تلك التجارب، ولكن في المقابل لم يُستكمل ذلك بانفتاح كبير على قوى مدنية أو مجتمعية جديدة.
وبالنسبة إلى (قسد)، فقد أصدرت بيانًا حادّ اللهجة، رفضت فيه الحكومة الجديدة، ووصفتها بأنها “إقصائية وأحادية”، مؤكدة أنها لن تعترف بأي قرارات صادرة عنها، واعتبرت التشكيلة “عودة إلى مربع الاستئثار والهيمنة”. وكذلك الأمر بالنسبة للقوى الرئيسة في السويداء ولمجلس السويداء العسكري، ويهدد هذا الرفض بتوسيع فجوة الانقسام الوطني، ويقوّض فرص بناء شراكة وطنية شاملة، وإن استمرار الانقسام الجغرافي والسياسي، وتعثر حلّ ملفي قسد والسويداء، يظل التحدّي الأبرز الذي يقف أمام الحكومة في سعيها لإعادة بناء وحدة البلاد.
المواقف الدولية:
رحّبت العديد من الدول بإعلان تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، وعلى رأسها قطر وتركيا والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، والنروج، والأردن، والكويت، وفرنسا، وإيطاليا، وغيرها.
وبالنسبة للموقف الأميركي، فقد أُعلن أن الولايات المتحدة ستواصل تقييم سلوك السلطات المؤقتة وتحديد الخطوات التالية بناءً على تلك الإجراءات فيما يتعلق بالعقوبات، أي أن تعديل سياسة الولايات المتحدة سيكون مشروطًا باتخاذ مجموعة من الخطوات، منها نبذ الإرهاب وقمعه بالكامل، واستبعاد المقاتلين الأجانب من أي مناصب رسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال أراضيها، واتخاذ خطوات جادة لتدمير أسلحة الأسد الكيميائية بشكل يمكن التحقق منه، والمساعدة في استعادة المواطنين الأميركيين وغيرهم من المختفين في سورية، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية في سورية.
أما الاتحاد الأوروبي، فقد أبدى استعداده لدعم الحكومة الجديدة، ولم يتضمن بيان الاتحاد أي اشتراطات، على عكس البيانات السابقة، ما يعني أن دول الاتحاد مستعدة للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، بغض النظر عن سياسة أميركا تجاهها.
التحديات الموضوعية التي ستواجه الحكومة
تواجه الحكومة الجديدة مهمات وتحديات كبيرة، من إعادة الإعمار، إلى تأمين عودة اللاجئين، وصولًا إلى المهمة الأكثر صعوبة، وهي إعادة بناء اللحمة الوطنية في مجتمع ممزق ومنهك. ولا يمكن تحقيق ذلك دون استعادة وحدة البلاد، وإنهاء الانقسامات السياسية والمجتمعية، وهو ما يتطلب جهودًا تتجاوز مجرد الإدارة اليومية إلى مستوى بناء الثقة الوطنية.
العدالة الانتقالية والسلم المجتمعي: ما زالت قضايا العدالة الانتقالية غائبةً عن أجندة العمل الحكومي، مع أنها ضرورية لإعادة بناء الثقة المجتمعية بعد سنوات الانقسامات، فضلًا عن أن جهود تحقيق السلم الأهلي والمجتمعي لم تُفعّل بعد بالشكل الكافي، ما يُبقي على حالة التوتر بين المكونات المختلفة. ويعدّ هذا التحدي العقبةَ الأكبر أمام السلطة السورية الجديدة، فهو يشمل التوافقات الوطنية الرئيسة حول طبيعة النظام السياسي وطبيعة العقد الاجتماعي الجديد، وطبيعة السلطة السياسية القادمة في سورية، والمشاركة في السلطة، والموقف من الحريات العامة ومن الإدارة اللامركزية، والتغلب على الرغبة في الانتقام التي برزت خلال الشهور الماضية لدى بعض المجموعات.
تعدد مناطق السيطرة: حيث ما تزال بعض المناطق خاضعة لسيطرة فصائل مسلحة، مثل (قسد) في شرق الفرات، التي أبرمت مع دمشق اتفاقًا إطاريًا يحتاج إلى تفاصيل كثيرة هي موضع خلاف، ومثل السويداء التي لها وضع خاص، إذ ترفض أن تسيطر دمشق على السويداء وتقدّم مطالب تتعلق بشكل السلطة والحكم، وتبقى إسرائيل تعلن صراحة أنها تعمل على عدم امتداد سيطرة دمشق على جنوب سورية، وتقوم بغارات وضربات بين حين وآخر، وهناك أيضًا محافظة درعا وفصائلها، وخاصة قوات أحمد العودة التي لم تصل إلى اتفاق مع دمشق.
الأوضاع الأمنية: يعاني السكان حالة فوضى أمنية وسوء إدارة، ما يشكّل عائقًا مباشرًا أمام الحكومة في فرض القانون وهيبة المؤسسات، وإن غياب جهاز أمني مهني وموحّد يعقّد مهمة استعادة الاستقرار، وتنعكس الفوضى الأمنية في الأحداث التي جرت وما زالت تجري في الساحل وحمص، وكذلك في تعسف قوات الأمن تجاه المواطنين، حيث يتم اعتقال العديدين بطرق غير شرعية وبدون اتهامات محددة موثقة تستوجب الاعتقال، وبأمر من القاضي، ويُودع المعتقلون في السجون دون محاكمة، ولا يتمكّن ذووهم من الاستفسار عنهم. وبدأت حوادث العنف والاعتداءات والسرقات تتزايد نتيجة للأوضاع المادية المزرية ولغياب جسم شرطي كاف.
الدمار والبنية التحتية المنهارة: تواجه الحكومة تحديًا هائلًا في ظل الدمار واسع النطاق الذي شمل معظم البنى التحتية، ومن دون خطة متكاملة لإعادة الإعمار، ستبقى الخدمات الأساسية محدودة، وهو ما سينعكس مباشرة على مشروعية الحكومة في عيون المواطنين.
اللاجئون والنازحون: وتبلغ أعدادهم قرابة 12 مليون لاجئ، منهم أكثر من 5 ملايين نازح داخلي، وأكثر من 6 ملايين لاجئ، وخاصة في تركيا ولبنان والأردن ثم أوروبا، وهم عبء كبير يتطلب برامج عريضة وعملية تعاون إقليمي ودولي، ولا تبدو الأوضاع الحالية بعيون اللاجئين مشجعة للعودة إلى الوطن.
الاعتراف الخارجي: على الرغم من الترحيب الإقليمي والدولي بالإعلان عن الحكومة، فإن الاعتراف السياسي الكامل لا يزال غائبًا، فمعظم الدول تتعامل مع الحكومة بوصفها كيانًا “وظيفيًا”، وليس كبديل شرعي معترف به، وهذا التردد في الموقف الدولي يحدّ من قدرة الحكومة على الوصول إلى الدعم المالي والسياسي الضروري لاستقرارها.
التهديدات الخارجية: حيث تواجه الحكومة تهديدات مستمرة من قبل قوى إقليمية معادية أو غير متقبلة للتغيير السياسي في سورية، فضلًا عن أن استمرار الوجود العسكري الأجنبي، سواء النظامي أو غير النظامي، يضعف من قدرة الحكومة على التحكم في السيادة الوطنية.
موقع سورية الجيوسياسي: تُعدّ سورية ساحة تقاطع نفوذ إقليمي ودولي، ما يجعل أي حكومة عرضة لضغوطات متضاربة، والحكومة الجديدة مطالبة بصياغة سياسة خارجية متزنة، تحافظ على هوية البلاد، وتمنع الانزلاق في محاور إقليمية، مع تأمين الانفتاح على القوى الدولية الداعمة لإعادة الاستقرار.
تحديات شح الموارد:
إن التحديات الجسام التي تواجه الحكومة الانتقالية تتطلب موارد مادية وبشرية وصلاحيات واسعة، في حين إنها تعاني نقصًا شديدًا للموارد.
شحّ الموارد المادية: حيثتعاني الحكومة غيابًا شبه تام للموارد، في ظلّ العقوبات الدولية، وشح التمويل الخارجي، وسيجد الوزراء أنفسهم أمام واقع لا ينسجم مع الطموحات التي طُرحت خلال جلسة أداء القسم، وتحتاج سورية خلال سنواتها الأولى إلى مساعدات خارجية، إلى جانب تنمية الاستثمار الداخلي وإعادة إطلاق الاقتصاد المحلي، غير أن هذين المصدرين الداخلي والخارجي رهن برفع العقوبات التي فرضت على سورية منذ 2011، وتضم عقوبات عربية وأوروبية وأميركية وأممية، وهي تفرض على سورية قيودًا ثقيلة تمنع عنها المساعدات وتعوق الاستثمارات. لذا فإن أي نجاح حكومي سيبقى رهينًا بقدرة الحكومة على تنمية الموارد المحلية، وتفعيل آليات تمويل بديلة، والسعي للحصول على مساعدات خارجية، وهو ما يتطلب مرونة سياسية وانفتاحًا عقلانيًا على الواقعين الداخلي والخارجي.
شح الموارد البشرية: اعتمدت حكومة تصريف الأعمال على التوظيف السياسي بدل الكفاءة، ما أدى إلى فصل آلاف الكوادر الأساسية التي كانت تدير مؤسسات الدولة، وأحلّت محلّها كوادر شابة قليلة الخبرة، مما ترك أثره السلبي على أداء مختلف مؤسسات الدولة. وتحتاج الحكومة إلى إعادة الاعتبار للمؤسسات، واستدعاء الكفاءات، ووقف التعيينات على أساس الولاء، وهي مهمة صعبة تتطلب إرادة سياسية حقيقية.
الصلاحيات: التحدي الأبرز ليس في القدرات، بل في حدود السلطة الممنوحة للحكومة، والسؤال الجوهري في هذا الشأن هو: هل تمتلك الحكومة الجديدة سلطة القرار على الأرض؟ وهل تستطيع ضبط الفصائل المسلحة التي ما زالت تسيطر على بعض المناطق؟ وهل لها الكلمة الفصل في القرارات السيادية؟ وإذا لم تُحسم هذه الأسئلة لصالح الحكومة، فإن تحقيق الاستقرار سيبقى حبرًا على ورق.
التباين داخل التشكيلة: قد يُعدّ تنوّع الحكومة نقطة قوة، إلا أنه يمثل تحديًا أيضًا في ظل اختلاف الخلفيات الأيديولوجية والمهنية للوزراء، ويبقى السؤال: هل ستستطيع الحكومة العمل بروح الفريق؟ وما مدى قدرة الرئيس الشرع على ضبط مسار العمل كفريق وطني جامع؟
كلّ هذه التحديات تؤكد على ضرورة أن تصدر الحكومة بيانًا عن برنامجها خلال المرحلة الانتقالية، وهي خمس سنوات، حسب الإعلان الدستوري، يتضمن الخطوط العامة للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تبغيه، وطبيعة العقد الاجتماعي الذي تنشده، وأن تحدد المراحل الزمنية لإنجاز برنامجها، وأن يتضمن آليات المتابعة ومعايير القياس، وليس هذا بالأمر البسيط لأن كل برنامج يعكس رؤية محددة ومصالح محددة.
خاتمة:
على الرغم من الملاحظات السابقة، فإن من السابق لأوانه إصدار حكم نهائي على الحكومة الجديدة، فالتجربة لا تزال في بدايتها، والأمل -وإن كان حذرًا- لا يزال قائمًا في أن تتمكن هذه الحكومة من تحقيق بعض الإنجازات الملموسة، لا سيّما في الملفات الخدمية والمعيشية، والسوريون سيمنحون الحكومة مهلة غير معلنة، ولكنها ستكون حاسمة، ربما تصل إلى 6 أشهر، قبل أن تبدأ المحاسبة الشعبية، وخلال هذه الفترة، ستتم مراقبة الأداء في كل وزارة، ومتابعة مدى تنفيذ البرامج المعلنة خلال حفل الإعلان.
ويبقى السوريون، رغم كل الخيبات، شعبًا يراقب بعين مفتوحة وعقل يقظ، ينتظرون أي بارقة أمل تنقذهم من واقع الانقسام والحرمان، وهم يدركون أن الوقت لم يعد يحتمل التجريب أو التلاعب بالشعارات، فالنجاح هذه المرة ليس خيارًا إضافيًا، بل ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل.
تحميل الموضوع
مركز حرمون
———————————
المخاض السوري… ضرورة التنازلات المتبادلة والتوافق/ علي العبدالله
02 ابريل 2025
اكتملت المائة يوم الأولى على تسلّم الإدارة الجديدة السلطة في سورية، الفترة المعيارية المعتمدة في مناهج البحث السياسي لقياس مدى نجاح السلطة الحاكمة في إدارة البلاد، وتنفيذ برامج وخطط عمل تستجيب لمصالح المواطنين وتطلّعاتهم، واعتبار ذلك مؤشّراً على نجاحها في المتبقّي من فترة ولايتها… مرّت من دون نجاح يعتدّ به، بل يمكن القول (من دون خوف من الوقوع في خطأ كبير) إنها انطوت على مؤشّرات سلبية على طبيعة النظام السياسي الذي تتجّه نحوه سورية، من مركزة السلطة بيد الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، وجعله صاحب القرار الوحيد في البلاد. وقد جاء الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية ليزيد الطين بِلَّه على خلفية اعتماد معايير اجتماعية في اختيار الوزراء، واحتفاظ الرئيس الانتقالي برئاسة الوزارة، وتنصيب سبع شخصيات من هيئة تحرير الشام، كانوا وزراءَ في حكومة الإنقاذ في إدلب، أربعة منهم في وزارات سيادية. هذا في وقت تشير فيه المعطيات المحلّية والإقليمية والدولية إلى وجود تحدّياتٍ عديدةٍ، كبيرة وخطيرة، ستعترض طريق الحكومة الانتقالية، وتجعل عملها لحلّ المشكلات الداخلية والخارجية صعباً، يزيد في صعوبته اجتماع هذه التحدّيات في لحظة سياسية عاصفة ومتحرّكة.
أوّل هذه التحدّيات التنّوع الذي يعرفه الاجتماع السوري دينياً ومذهبياً وقومياً، تنّوع اجتماعي دفعته السياسات التمييزية طوال فترة حكم النظام البائد المديدة إلى الترّكز حول الذات والتحوّل إلى هُويَّاتٍ ومواقفَ سياسية متعارضة ومتناقضة، كرّستها وعمّقتها سياساته في القتل والتدمير والاستحواذ على خيرات البلاد، وترك المواطنين تحت وطأة العوز والجوع في العقد ونصف العقد الماضيين، وقد استفزّتها الإدارة الجديدة بخياراتها ذات اللون الواحد، وبسياساتها غير المكترثة بمطالبها وتطلّعاتها، ضخّمت هواجسها وحرّكت مخاوفها من المستقبل والمصير الذي ينتظرها، ودفعتها نحو التمترس والتطلّع إلى مصدر خارجي للحماية لتحقيق حقوق سياسية واقتصادية تحفظ اجتماعها وخصوصياته. وزاد في تعقيد الموقف وخطورته اعتماد الإدارة الجديدة على العرب السنة، ليس بتخويف أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى وأبناء القوميات غير العربية فقط، بل وبتحويل السُّنة طائفةً وحرساً إمبراطورياً للإدارة الجديدة، ما صعّد تطلعاتهم إلى السيطرة والاستنفار للدفاع عن سلطة غدت سلطتهم، تجسّد ذلك في نداء الفزعة وتبعاتها بقتل مئات المدنيين العلويين، وعمّق الاستقطاب بين الطوائف وزاد الاحتقان حدّةً.
ليست مواقف القوى السياسية، القومية والمذهبية، المعترضة على سياسات الإدارة الجديدة وتصوّراتها، خاصّة مطالباتها بنظام لامركزي/ اتحادي، أقلّ تأثيراً وعرقلةً لمهمّة مواجهة تحدّي التنّوع، وجعله أكثر تعقيداً وصعوبةً في ضوء تعدّد أسس ومرتكزات هذه المطالب، أسس قومية (الكرد والآشوريين السريان)، ومذهبية (الدروز والعلويين)، فمطالب قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تتطابق مع النظام الاتحادي، فليس في النظام الاتحادي جيش خاصّ، ولا يغير من طبيعة الموقف عرضها وضع قواتها تحت إشراف وزارة الدفاع، طالما كانت الموافقة مقرونةً بالإبقاء على هياكلها وتشكيلاتها كما هي، وليس في النظام الاتحادي علاقات خارجية للأقاليم. تصور قيادة “قسد” أقرب إلى الاتحاد التعاهدي (الكونفدرالية) منه إلى النظام الاتحادي، في حين تقوم دعوات اللامركزية في الساحل والسويداء على أساس مذهبي، ما يجعلها دعوات لانقسام عمودي يفرّق أبناء الجنس الواحد (العرب)، ويدفعهم إلى مواجهات بشأن الموارد والمصالح. وهذا لا يشكّل الجانب الرئيس في الموضوع، إذ إن الجانب الأكثر تأثيراً في الموقف هو غياب أرضية ثقافية، ووعي سياسي، لقيام نظام اتحادي في سورية، وفي كلّ الدول العربية والإسلامية. يتجاهل دعاة الاتحادية ذلك وهم يكرّرون تعداد الدول التي فيها أنظمة سياسية اتحادية، يتجاهلون السياق التاريخي وثقافة الدولة والمصلحة العامة، التي كانت وما زالت سائدةً لدى مواطني هذه الدول، وهو ما نفتقده لدى مواطني سورية، والدول العربية والإسلامية، إذ لا إدراك للمصلحة العامّة والملكية العامّة. كان لافتاً ما حصل في العراق وسورية عند سقوط النظامين البائدين 2003 و2024، على التوالي، من نهب لممتلكات الدولة وإتلافٍ لمقارها، والأكثر دلالةً ومأساويةً ما حصل في قطاع غزّة من نهب للمساعدات الإنسانية قبل تفريغها من الشاحنات من الأسر الكبيرة والعصابات، في تجاهل تامّ لحق الشركاء في الوطن والمصير، وهم جميعاً في أتون مواجهة القتل والتدمير والخطر الوجودي، فالمنبّه الرئيس لتحرّك المواطنين في بلاد العرب والمسلمين، ليس المواطنة والشراكة في الوطن، بل القرابة، قرابة الدم، ما سيجعل الأقاليم ساحةَ صراع على المواقع والموارد والمصالح، كما هو حاصل في إقليم كردستان العراق، حيث الانقسام العمودي بين البارزانيين في أربيل، والطالبانيين في السليمانية، وحيث ما زال لكلّ قسم “البشمركة” الخاصّة، وجهاز مخابراته الخاصّ، ومطاره الخاصّ، وموارده الاقتصادية الخاصّة.
فالوضع ليس عدم حصول اندماج وطني في كيان واحد، بل أيضاً الدخول في مواجهات مباشرة، والتحالف مع قوى لا تريد للإقليم الخير، رغم الانتماء القومي، ورغم مرور أكثر من عقدَين على قيام الإقليم. لقد بقيت الأولوية في المجتمعات العربية والإسلامية لقرابة الدم. وهذا سيكون عامل تفجير في أيّ إقليم في ضوء الجغرافيا البشرية، حيث لا يوجد في سورية مناطق يسكنها مكوّن واحد، حيث التجاور والتشابك سيّد الموقف. فالمطالبة بنظام اتحادي فيها كثير من التبسيط، والموقف هنا لا يتعلق بالاتحادية في حد ذاتها، بل في علاقتها بالسياقات وبالبنى السياسية والثقافية والاجتماعية، فالأنظمة الاتحادية تحتاج قاعدةً قويةً من ثقافة الدولة، ومن الوعي بها وبمستدعياتها من إدراك للشراكة الوطنية والمصلحة العامّة والمصير المشترك.
لقد أطلق الاتفاق المبدئي، الذي وقّعه أحمد الشرع ومظلوم عبدي، آمالاً بالخروج بحلّ توافقي يُخرج البلاد من حالة الاستعصاء، لكنّ هذه الآمال بدأت بالتلاشي على خلفية صدور الإعلان الدستوري ومواده، التي وضعت جلّ الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وتشكيلة الحكومة الانتقالية التي اختير وزراؤها بتجاهل تامّ للقوى السياسية، وبالتذرّع بالخبرة والاختصاص. في هذا الإطار يمكن اعتبار الاتفاق بين أحزاب الوحدة بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي على موقف سياسي موحّد، وإعلان تشكيل وفد موحّد للتفاوض مع السلطة الجديدة في دمشق، وسيلةً لتحسين بنود اتفاق الشرع عبدي أو التنصّل منه، بعد أن شعرت قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بأن الأمور لا تسير في اتجاه تحقيق مطالبها. واقع الحال أن مخاوف قيادة “قسد”، والكرد عامّةً، مبرّرة. فتوجّهات السلطة لا تضمن لا الحقوق ولا العدالة والمساواة، والعودة إلى التفاوض تستدعي إدراكاً للتوازنات والمخاطر الظاهرة والكامنة في حال عدم الاتفاق، ما يفرض اعتماد التوافق قاعدةً رئيسةً، والمرونة والقبول بنظام لامركزي مرن، يتيح حدّاً معقولاً من إدارة محلّية للمدن والمحافظات، والتركيز على التشاركية والمساواة، وضمان الحقوق في دولة مواطنة، ونظام قائم على التعدّد السياسي، والحرّيات الخاصة والعامة، وحرّية الرأي والتعبير، وسيادة القانون، والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، والتنمية المتوازنة والخدمات في المحافظات، والانتخابات النزيهة، وصولاً إلى الحقّ في تشكيل الأحزاب والمنظّمات والنقابات… إلخ. فهذا ما تطيقه المرحلة، ويقبله العقل العملي، لتحاشي سفك الدماء والدمار.
أمّا ثاني التحدّيات في وجه الحكومة الانتقالية العتيدة، المطالب الإقليمية والدولية، وهي كثيرة ومتقاطعة في بعضها، ومتعارضة في بعضها الآخر. بعضها مقصودٌ لذاته وبعضها وسيلة للضغط على السلطة الجديدة لتحقيق هدفٍ معيّن أو كسب موطئ قدم في البلاد. وما جعل لهذه المطالب وزناً إضافياً ربط بعض هذه الدول رفع العقوبات بتنفيذها، ورفع العقوبات حاجة حياتية داهمة لأن عدم رفعها سيجعل إقلاع الاقتصاد، وتوفير المعيشة والخدمات، والبدء بإعادة الإعمار، ضرباً من المستحيل. وهنا تبرز أهمية الحكمة والإبداع والخيال الواسع في توظيف الطاقات كلّها، بما في ذلك السوريون في المهاجر، لوضع خطّة تتقاطع مع هذه المطالب من دون تطبيقها حرفياً، ما يستدعي العمل على تأسيس إجماع وطني حول هذه الخطّة، ويفرض الاتفاق مع أطراف الاجتماع الوطني على حلولٍ للتباينات والاختلافات أساسُه توازن المصالح والإقرار بحقوق متساوية، فمن دون الاحتماء بالإجماع الوطني القائم على الرضا لا يمكن مقاومة الضغوط الخارجية واحتواء مفاعيلها السلبية.
ثالث التحدّيات تحقيق سويّةٍ مقبولةٍ في مستويات المعيشة والخدمات، ومواجهة حالة الفقر والعوز الشديد، وملاحقة المتلاعبين بأقوات المواطنين من خلال اللعب بسعر صرف الليرة السورية، والتوقّف عن سياسة حبس السيولة التي شلّت الأسواق، وقادت إلى تضخّم سلعي، ما يستدعي تبنّي سياسة تشاركية بين القطاعين العامّ والخاصّ، بما في ذلك السوريون في الخارج، والسماح للقطاع الخاصّ بالعمل وفق أسس منصفة وعادلة تتيح له الربح من دون استغلال وجشع، من جهة، وتحميه، من جهة ثانية، من منافسات خارجية من دون إخلال بحاجات المواطنين للسلع. فالتشاركية وفتح السوق المنضبط أمام السلع الأجنبية يمكن أن تطلق عجلة الاقتصاد وتبعث الأمل في المجتمع.
تحتاج سورية إلى أبنائها كلّهم من دون تمييز أو إقصاء، من أجل إنجاح تجربة الانتقال السياسي، كما تحتاج إلى مرونة من الجميع، والاستعداد لإعادة النظر في المطالب والمواقف خدمةً للصالح العامّ، فمن دون المرونة والتكيّف مع الظروف، والتنازلات المتبادلة، سنذهب إلى صراعات وصدمات ليست في مصلحة أحد منّا.
العربي الجديد
———————
حكومة الشرع الأولى: الحقائب الأساسية للهيئة.. والثانوية لـ”التنوع”/ محمد الشيخ
الأربعاء 2025/04/02
كثيرة هي التفاصيل المرتبطة بالحكومة السورية الوليدة، لكن يمكن الملاحظة بأنها حاولت تحقيق نوع من التوازن بين “التكنوقراط” وتنوع المجتمع السوري، لجهة العرق والطائفة والجغرافيا، مع إسقاط الخلفيات السياسية، ما عدا 3 حقائب سيادية أساسية، و6 أخرى ذهبت لأشخاص محسوبين على هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها سابقاً في إدلب.
ولدت الحكومة السورية الانتقالية، الأولى بعد سقوط نظام الأسد، السبت الماضي، ضمن جلسة علنية في قصر الشعب في دمشق. وتتألف الحكومة من 23 وزيراً، من دون أن تتضمن منصب رئيس مجلس الوزراء، لأن الإعلان الدستوري المؤقت، اعتمد النظام الرئاسي، وبالتالي فإن الوزراء يتبعون مباشرة للرئيس السوري أحمد الشرع، وهو بذلك صاحب السلطة التنفيذية في الدولة.
وقال الشرع في كلمة بمناسبة عيد الفطر، الاثنين، إن الحكومة راعت قدر المستطاع اختيار الأكفّاء والتوسّع والانتشار والمحافظات وتنوّع المجتمع السوري. وأضاف “رفضنا المحاصصة الطائفية، وذهبنا باتجاه المشاركة، ولم نستجب لأي حالة من حالات التقسيم، لأن التقسيم السياسي سيدفع لحالة من التعطيل”.
إسقاط الخلفيات
يمكن ملاحظة تفاصيل ما قاله الشرع بشكل أساسي، من خلال اختيار وزراء النقل يعرب بدر، والاقتصاد محمد نضال الشعار، والتربية والتعليم محمد تركو، والزراعة أمجد بدر، والشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات.
فالوزير بدر المنحدر من اللاذقية، محسوب بشكل أو بآخر على النظام المخلوع، إذ أنه من كوادر حزب “البعث” سابقاً، كما سبق أن شغل حقيبة النقل، في الفترة الممتدة ما بين 2006 و2011، لكن اختياره وقع على الأرجح، لطائفته العلوية، وتخصصه في مجال النقل، أي الموازنة ما بين “التكنوقراط” واللون الطائفي، وبالتالي تم إسقاط خلفيته السياسية.
وعلى المنوال نفسه، تم إغفال شغل الشعار منصب وزير الاقتصاد والتجارة بين العامين 2011 و2012، وكذلك الحال بالنسبة للوزير تركو الذي كان حتى الأشهر الأخيرة ما قبل سقوط النظام، يشغل نائب رئيس جامعة دمشق، مع تعذر معرفة علاقتهما بحزب “البعث” بشكل أساسي.
والمرجح أن اختيار تركو وقع لأنه كردي بشكل أساسي، وبالتالي تمثيل الأكراد في الحكومة، وهو ما غاب عن آخر 3 حكومات على عهد النظام المخلوع على الأقل، كما أنه غير محسوب سياسياً على التيارات والأحزاب الكردية أو على قوات سوريا الدمقراطية (قسد)، بينما السيرة الذاتية للوزير الشعار، كانت وراء اختياره بشكل أساسي.
التنوع الطائفي والجغرافي
أما الوزير أمجد بدر، فهو من الطائفة الدرزية، ومن المحسوبين على المجتمع المدني وحراك السويداء. وشغل سابقاً منصب مدير مركز البحوث العلمية الزراعية في السويداء، إلا أنه فُصل تعسفياً من منصبه عام 2014، بسبب معارضته للنظام ومشاركته في الحراك.
الوزيرة هند قبوات، محسوبة على منظمات المجتمع المدني، وهي من عائلة مسيحية دمشقية، كما كانت عضواً في هيئة التفاوض المعارضة. وتشير السيرة الذاتية للوزيرة، إلى أن اختيارها كان على الأرجح بناءً على خبرتها الطويلة بالتعامل مع المجتمع السوري، لا على شهادتها الأكاديمية، مع سبب جوهري آخر هو ديانتها، إضافة لكونها المرأة الوحيدة في التشكيلة الحكومية.
وبناء على ما سبق، فإن الحكومة الجديدة، تضمنت منح الطائفة العلوية حقيبة وزارية واحدة، ومثلها للدروز والأكراد والمسيحيين، بينما بالمقياس المذهبي، فإن 3 وزراء فقط من غير الطائفة السُنية، لأن الوزير تركو محسوب عليها، أي أن 20 حقيبة وزارية ذهبت للسُنة.
ولجهة التوزع المناطقي، حلّت العاصمة دمشق وإدلب في المرتبة الأولى، بـ4 حقائب وزارية لكل منهما، ثم أتت حلب وديرالزور بـ3 حقائب لكل محافظة، تليهما حماة بحقيبتين، ثم ريف دمشق وطرطوس والحسكة وحمص والسويداء والقنيطرة واللاذقية، بحقيبة واحدة لكل محافظة، فيما كان غياب درعا عن التمثيل لافتاً، وغابت الرقة كذلك.
الحقائب السيادية
لم تسلم التشكيلة الجديدة من الهجوم والانتقاد، على الرغم من محاولة الشرع تلوينها طائفياً مع تطعيمها بـ”التكنوقراط”، وبأشخاص من خارج هيئة تحرير الشام، كي لا توصف بحكومة اللون الواحد.
ويرى المهاجمون أن هيئة تحرير الشام وحكومة “الإنقاذ” التابعة لها، يسيطرون على التشكيلة الجديدة، عبر استئثار الحقائب السيادية الأساسية، الداخلية والخارجية والدفاع، إضافة إلى 6 وزارات أخرى هي العدل، الطاقة، الإدارة المحلية والبيئة، الأشغال العامة والإسكان، التنمية الإدارية والرياضة والشباب، وبالتالي الاستحواذ على 9 حقائب.
وأسند الشرع حقائب الداخلية لأنس خطاب، والخارجية لأسعد الشيباني، والدفاع لمرهف أبو قصرة، والعدل لمظهر الويس، وهم شخصيات كانت ضمن الهيكلية الأساسية لتحرير الشام.
بينما أسند وزارة الطاقة لمحمد البشير، والإدارة المحلية لمحمد عنجراني، والأشغال العامة لمصطفى عبد الرزاق، والتنمية الإدارية لمحمد اسكاف، والرياضة والشباب لمحمد حامض، وهم شخصيات كانوا ضمن هيكلية “حكومة الإنقاذ” سابقاً.
المدني
——————————
هل تقنع الحكومة السورية الجديدة الغرب برفع العقوبات؟/ أحمد زكريّا
2 أبريل 2025
منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، شهدت سوريا تحولات سياسية غير مسبوقة، أعادت رسم ملامح علاقتها بالمجتمع الدولي.
وبعد أشهر من الفوضى والتفاوض، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع في 29 آذار/مارس 2025 عن تشكيل حكومة جديدة تضم 23 وزيرًا، وصفت بأنها “خطوة تاريخية” نحو الاستقرار والإصلاح.
لكن وسط هذا التفاؤل الحذر، يبقى السؤال المحوري: هل ستتمكن هذه التشكيلة من إقناع الدول الغربية برفع العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل السوريين منذ 2011؟ أم أن الطريق نحو ذلك سيظل طويلًا ومعقدًا، مشروطًا بمتطلبات سياسية وأمنية صارمة؟
خطوة نحو التمثيل الشامل أم استمرار للجدل؟
وجاء إعلان الحكومة الجديدة بعد ضغوط دولية مكثفة لتشكيل إدارة تكنوقراطية تعكس تنوع المجتمع السوري وتبتعد عن إرث نظام الأسد. التشكيلة، التي تضم ممثلين عن المسيحيين والدروز والكرد والعلويين، إلى جانب حضور نسائي محدود تمثل بتعيين هند قبوات وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل، بدت محاولة لتلبية هذه المطالب، لكن تعيين شخصيات مثل أنس خطاب، الجهادي السابق ورئيس جهاز الاستخبارات العامة، كوزير للداخلية، أثار تساؤلات حول مدى جدية التحول، خاصة مع بقائه على قوائم العقوبات الأممية.
وفي سياق متصل، دعا الشرع في نهاية آذار/مارس 2025، خلال قمة افتراضية مع قادة فرنسا ولبنان وقبرص واليونان، إلى رفع العقوبات، محذرًا من تأثيرها الكارثي. وقال في بيان الرئاسة: “بدأنا خطوات فعلية في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبناء دولة قوية ومستقرة. رفع العقوبات ضرورة لدعم هذه الجهود”.
الموقف الأميركي والأوروبي: بين الترحيب الحذر والشروط
الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات مشددة مثل “قانون قيصر” منذ 2020، تبنت موقفًا يمزج بين الإيجابية والحذر. وأعلنت وزارة الخارجية أن العقوبات “قيد المراجعة”، مشيرة إلى دعمها لحكومة مدنية شاملة. وفي وقت سابق من 2025، أصدرت وزارة الخزانة تراخيص مؤقتة لمدة 6 أشهر تسمح بمعاملات محدودة مع مؤسسات حكومية، لكن هذا لم يتجاوز مرحلة التجربة.
على الجانب الأوروبي، بدا النهج أكثر انفتاحًا، فالاتحاد الأوروبي، الذي علّق عقوباته لمدة عام في كانون الثاني/يناير 2025، أشار إلى أن الرفع الكامل مرهون بالتقدم الملموس.
وقالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية كايا كالاس: “الحكومة الجديدة خطوة نحو الاستقرار، ونحن مستعدون لتخفيف العقوبات تدريجيًا، لكن هذا مشروط بالتزام الحكومة بحقوق الإنسان والإصلاحات”.
بدورها، رحبت فرنسا بالتشكيلة في 30 آذار/مارس 2025، معتبرةً أنها “بداية مرحلة جديدة”، بينما قدمت ألمانيا خطة دعم من ثماني نقاط تشمل إعادة الإعمار.
كمل أن دول مثل كندا وسويسرا والمملكة المتحدة اتخذت خطوات عملية منذ منتصف آذار/مارس الماضي، كتخفيف القيود المصرفية وإزالة 24 كيانًا سوريًا من قوائم العقوبات البريطانية، مما يعكس استعدادًا أكبر لدعم التعافي.
المشهد الدولي: تباين في النهج وتأثير على السوريين
وقبل الخوض في آراء المحللين، يجدر بنا التوقف عند السياق الأوسع: إن العقوبات الغربية، التي فُرضت كرد على انتهاكات نظام الأسد، قد أثرت بشدة على الاقتصاد السوري، مع انهيار الليرة وارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 80% بحسب تقارير الأمم المتحدة.
التشكيلة الجديدة، رغم إثارتها للجدل، حظيت بترحيب دولي نسبي، لكن التباين بين الموقف الأميركي الحذر والمرونة الأوروبية يضع الحكومة أمام تحدٍ كبير: كيف تثبت جديتها دون أن تُنظر إليها كأداة لتنفيذ أجندات خارجية؟
أوروبا تتقدم وأمريكا تتأخر
في هذا السياق، يقدم فاروق بلال، رئيس المجلس السوري الأميركي في تصريح لـ”الترا سوريا”، تحليلاً يرصد التباين بين النهجين الأوروبي والأميركي. يقول: “عندما لاحظنا أن الدول الأوروبية رحبت بالحكومة الانتقالية الجديدة واعتبرتها خطوة إيجابية، كان ذلك بعد أن سبق لهذه الدول أن خففت العقوبات عن دمشق قبل تشكيلها، كما أصدرت قرارات بزيادة الدعم واستخدام أموال الأسد المصادرة لمشاريع التنمية وإعادة الإعمار”.
وأضاف: “أما الولايات المتحدة فموقفها مختلف ومتأخر، ورغم ترحيبها بالحكومة الجديدة، فهي ترى أن هذا غير كافٍ لرفع العقوبات، حيث تتبنى أميركا تصريحات إيجابية لكن بحذر شديد، تربط الرفع بشروط مثل محاربة النفوذ الإيراني، تقليص العلاقات مع روسيا، وتدمير أسلحة الدمار الشامل”. ويرى بلال أن أوروبا بدأت بتحويل الأموال المجمدة لدعم البنية التحتية، بينما يعيق الحذر الأميركي تقدمًا أسرع، حسب تعبيره.
وتشير التقارير إلى أن العقوبات، رغم استهدافها لنظام الأسد سابقًا، أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث بات أكثر من 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
من جهتها، تواجه الحكومة الجديدة، التي تسعى لاستعادة الثقة الدولية، ضغوطًا داخلية لتحسين الأوضاع، بينما تتأرجح بين تلبية مطالب الغرب وحماية السيادة الوطنية.
العقوبات كأداة ضغط والتحديات المستقبلية
عبد العزيز دالاتي، نائب مدير المنظمة العربية الأوروبية لحقوق الإنسان، يحذر من تبعات استمرار العقوبات على الشعب السوري. يقول لـ”الترا سوريا”: “بعد سقوط نظام الأسد، الذي كان السبب الرئيسي وراء العقوبات، كان من المتوقع رفعها لتخفيف معاناة الشعب”.
وتابع: “لكن استمرارها يُنظر إليه من وجهة نظر السوريين كابتزاز سياسي لفرض تنازلات، خاصةً مع ربط بعض الدول الرفع بشروط مثل الإصلاحات وحماية الأقليات، وربما تنازلات سرية غير معلنة، وهذا التأخير يزيد من الأزمة الاقتصادية والإنسانية، ويحرم السوريين من بداية جديدة كانوا يأملونها”. كما أعرب عن اعتقاده بأن الغرب قد يستخدم العقوبات كورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، مما يعقد مسار التعافي.
تتجاوز التحديات أمام الحكومة الجديدة مجرد تشكيلها، إذ يتعين عليها التعامل مع ملفات معقدة كالنفوذ الإيراني والروسي، وتصنيف “هيئة تحرير الشام” على قوائم الإرهاب، إضافةً إلى إعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي. هذه العوامل ستحدد مدى نجاحها في تخفيف العقوبات أو رفعها كليًا.
الكاتب والصحفي باسل المحمد يرى أن الحكومة الجديدة تمثل بداية واعدة لكنها ليست كافية، ويوضح لـ”الترا سوريا”: تشكيل الحكومة السورية الجديدة يُعد خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار السياسي في سوريا، وقد يساهم في تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد منذ عهد النظام السابق، وقد أبدت دول أوروبية والولايات المتحدة ترحيبًا بهذه الخطوة، مشيرة إلى أن الحكومة الجديدة تتكون من تكنوقراط، مما يعزز فرص مراجعة هذه العقوبات، ومع ذلك، فإن رفعها بالكامل لن يكون فوريًا أو دون شروط”.
وتابع: “الولايات المتحدة تشترط تحقيق ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، محاربة الإرهاب، ثانيًا، ضمان دور الحكومة السورية الجديدة في مكافحة الإرهاب، وثالثًا، تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وهو هدف تسعى إليه الحكومة الجديدة نفسها”.
ورأى أن: “الدول الأوروبية، تركز على قضايا حقوق الإنسان والحريات، بالإضافة إلى ضمان تمثيل أوسع للطوائف والأقليات في العملية السياسية، وقد حاولت الحكومة الجديدة تحقيق هذا التوازن عبر تشكيل وزاري يعكس تنوع المجتمع السوري، حيث تمثلت الطوائف مثل الدروز والعلويين والكرد في الحكومة بناءً على الكفاءة الوطنية، ومع ذلك، تشترط أوروبا أيضًا تقليص النفوذ الروسي وإنهاء وجود القواعد الروسية في سوريا، وهو أمر قد يشكل تحديًا كبيرًا”.
واعتبر المحمد أنه: “على الرغم من الجهود المبذولة، فإن رفع العقوبات بشكل كامل يعتمد على قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ إصلاحات شاملة ومستدامة في المجالات السياسية والأمنية. وطالما بقيت هيئة تحرير الشام وقادتها مصنفين على قوائم الإرهاب لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستظل العقوبات قائمة جزئيًا أو كليًا”.
خطوة إلى الأمام لكن المسافة طويلة
تشكيلة الحكومة السورية الجديدة فتحت بابًا للتفاؤل، لكنها لم تُقنع الغرب بعد برفع العقوبات كليًا، حيث إن أوروبا تتقدم بخطوات عملية مثل تخفيف العقوبات ودعم الإعمار، بينما تظل أميركا متمسكة بشروط صارمة، ومن هنا فإن التحدي الأكبر أمام الشرع يكمن في إثبات أن حكومته قادرة على الإصلاح الشامل، مع التوفيق بين مطالب الغرب وحاجات الشعب. وحتى ذلك الحين، يبقى السوريون عالقين بين آمال التغيير وأعباء واقع قد يطول أمده، وفق مراقبين.
الترا سوريا
—————————
حكومة سورية بمهمات صعبة وظروف استثنائية/ رامي الخليفة العلي
الأربعاء 02 أبريل 2025
في تطور لافت ومهم، جاء الإعلان عن تشكيل الحكومة السورية الانتقالية متزامنًا مع عيد الفطر السعيد، ما أضفى على الحدث بعدًا رمزيًا وأملًا ببداية جديدة في ظل المرحلة الانتقالية المعقدة التي تمر بها البلاد. لقد جاء هذا الإعلان تلبيةً لمطالب داخلية وخارجية بضرورة إشراك كافة مكونات الشعب السوري في العملية السياسية، وهو ما حرصت القيادة السورية على تأكيده منذ البداية. ولا شك أن مهمة الحكومة الجديدة ستكون في غاية الصعوبة نظرًا لضخامة التحديات التي تنتظرها، وفي مقدمتها التحدي الأمني الذي لا يزال يلقي بظلاله على المشهد، فضلًا عن التحدي السياسي المتمثل في توحيد مكونات الشعب السوري وتحقيق حالة من الوحدة الوطنية وفرض سلطة الدولة السورية على كامل التراب الوطني، وهي مهمة شاقة نظرًا لاستمرار وجود تشكيلات عسكرية على الأرض. الاتفاق مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) شكّل خطوة مهمة على طريق لمّ الشمل، لكن تطبيقه على أرض الواقع يواجه صعوبات كبيرة وخلافات متزايدة، ظهرت بشكل أوضح في الأسابيع الماضية. كما أن الجنوب السوري لا يزال يمثل مصدر قلق بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة من جهة، والخلافات الداخلية في محافظة السويداء من جهة أخرى، خاصة مع بروز الخلاف مع الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل الطائفة الدرزية، وهو خلاف بات يُستغل سياسيًا من قبل أطراف خارجية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في منطقة الساحل للتعامل مع التحديات الأمنية، إلا أن بقايا التوتر لا تزال حاضرة، في انتظار ما ستسفر عنه أعمال لجنتي التحقيق والمصالحة الوطنية. أما اقتصاديًا، فالمهمة تبدو أكثر تعقيدًا في ظل الإفلاس شبه الكامل لخزائن الدولة واستمرار العقوبات الغربية، وخصوصًا الأمريكية، رغم بعض التسهيلات المحدودة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا. إعادة إنعاش الاقتصاد السوري تتطلب جهودًا هائلة ووقتًا طويلًا نظرًا لغياب البنية التحتية وتعدد الأزمات الهيكلية. وفي حين أن العلاقات الخارجية لسوريا تشهد بعض التحسن، بعد الدعم الكبير من الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فإن الاشتراطات الدولية، لا سيما من واشنطن وبروكسل، لا تزال عائقًا أمام انفتاح كامل من المجتمع الدولي. من الإشارات الإيجابية أن الشارع السوري، رغم معاناته، يعبّر عن دعم ملموس للحكومة الجديدة، كما أن بعض الانتقادات الداخلية، وإن كانت حادة، تعكس حجم الرهانات الموضوعة على عاتقها. ولعل قبول هذه المهمة في هذا التوقيت الصعب يُعد بحد ذاته خطوة شجاعة، إذ إن حجم التحديات يفوق قدرات أي حكومة مهما كانت كفاءتها. ورغم ذلك، فإن تشكيل هذه الحكومة يمثّل خطوة إلى الأمام في الاتجاه الصحيح، ويجب منحها الفرصة للعمل وتحقيق ما تعد به، على أمل أن تكون بالفعل بداية لمسار جديد يعيد لسوريا وحدتها وأمنها واستقرارها، ويضعها على طريق التعافي الشامل.
عكاظ السعودية
—————————
هل حصل الشرع وحكومته الجديدة على الاعتراف الدولي؟/ منهل عروب
2025.04.02
قبل عدة أسابيع بدت الشكوك قوية في عدم حضور وزير الخارجية الشيباني مؤتمر بروكسل للمانحين. الغياب له دلالات كبيرة في اهتزاز علاقة النظام الجديد بالقوى الدولية الفاعلة، خصوصاً الغربية: الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. تعززت تلك الشكوك بتصريحات الخارجية، التي رفضت ربط المؤتمر بقرارات تتصادم مع السيادة السورية، خصوصاً أن ذلك الرفض خرج قبل يومين من انعقاد المؤتمر.
عدد من الصحفيين والناشطين السوريين حذّر من تلك اللغة الخشبية التي تذكرنا بخطاب الممانعة الناري في عهد الأسد، وأن الدولة السورية الوليدة أضعف من أن تتفاوض على بنود، وتنتزع تنازلات في المحافل الدولية. ولكن ما حدث تالياً من حضور الشيباني إلى المؤتمر، وإعلان بنود أولية من المانحين طرح مقاربة أخرى لطبيعة العلاقة الغربية مع النظام الجديد، أو ما يريده الغرب من دمشق.
صحيح أن الموقف أو لنقل المواقف الأميركية المتعددة ملتبسة وغير واضحة: فمن تصريح الخارجية الأميركية التي تريد حكومة أكثر تنوعاً، وتريد أن ترى تقدماً في العملية الدستورية، إلى ويتكوف موفد ترامب للشرق الأوسط الذي يريد تعاوناً مع دمشق لإحلال السلام في الشرق الأوسط؛ ـ وهو يقصد المحور الإسرائيلي ـ، إلى مقترحات لبعض المشرعين الأميركيين عن ضرورة رفع العقوبات الأميركية لتحريك عجلة الاقتصاد السوري المتهالك. ولكن اللافت أنها كلّها من وجه آخر لا تطعن في شرعية النظام في دمشق، وإنما في ممارسة الضغوط لضمان الانفكاك عن “هيئة تحرير الشام” وفكرة الجهاد المعولم، إضافة إلى شروط أخرى ترتبط بالأهداف الأميركية الاستراتيجية في المنطقة، أكثر مما يتعلّق بنظام دمشق وبيته الداخلي. يؤكد ذلك عملياً دفع الإدارة الأميركية لـ”قسد” على إبرام “اتفاق ما” مع الحكومة المركزية. وهذا الاتفاق الذي سيق على عجل، يؤكد اعتبار واشنطن شرعية حكومة دمشق رغم التحفظات.
لم يخالف الموقف الأوروبي نظيره الأميركي. فبعد مؤتمر بروكسل، توجهت وزيرة الخارجية الألمانية مباشرة إلى دمشق. الطلبات الأوروبية مشابهة للأميركية، يضاف إليها موضوع اللاجئين السوريين في أوروبا. وهذا ربما يفسر حضور الشيباني لمؤتمر بروكسل، الذي ترافق مع تسريبات صحيفة بيلد الألمانية عن مفاوضات سرية بين دمشق وبرلين بشأن عودة اللاجئين، تلاه موعد زيارة لوزيرة الداخلية الألمانية تمّ تأجيلها لاعتبارات أمنية. وكما نعلم فإن هذه المفاوضات تتم باسم الأوروبيين عموماً، رغم المشاكسات الفرنسية في الجزيرة السورية؛ لأن أي اتفاق بهذا الخصوص سوف يتم تحت سقف الاتحاد الأوروبي وقوانينه الخاصة باللجوء.
المفاوضات حسب الصحف الألمانية ستتركز على تمويل بديل لإعادة الإعمار، ريثما يتم حلحلة ملف العقوبات الدولية، والأميركية منها خصوصاً. البدائل مشابهة لما كانت عليه على عهد النظام البائد: برامج التعافي المبكر، تمويل الجمعيات الخيرية والتعليمية، دعم القطاع الصحي إضافة إلى وصول محدود للبنك المركزي لدعم البنية التحتية الأساسية من كهرباء وصحة كما صرحت وزيرة الخارجية الألمانية. إعادة اللاجئين أو الحدّ من موجة اللجوء السوري، والتعاون الأمني في ذلك الملف سيكون على طاولة أي محادثات أوروبية ـ سورية. فقد حضرت وزيرة الخارجية الألمانية افتتاح سفارتها في دمشق، رغم التقييمات الأمنية الخطرة. ذلك الاستعجال الذي يدفع نحو تطبيع العلاقات ورفع سوية التبادل الدبلوماسي رغم العقبات، يعطينا فكرة عن الاتجاه والمدى الذي ترغب ألمانيا ومن خلفها أوروبا الذهاب فيه. فموضوع اللجوء أصبح من صلب السياسة الداخلية الألمانية، ويهدد بتفكك الاتحاد الأوروبي. ورغبة الأوروبيين في استقرارا المنطقة تعلو على كافة الصراعات والمشاكل الأخرى.
طبعا لم تخفِ الوزيرة أهدافها وطلباتها في دمشق: الاستقرار ومكافحة التطرف وضبط الفصائل تحت سلطة الدولة، ضبط الجهاديين، وعودة الخدمات الأساسية. وهنا بيت القصيد؛ فالاستقرار واستعادة الخدمات الأساسية يتيح للدولة الألمانية إعادة تقييم الوضع في سوريا وتصنيفها دولة آمنة، مما يوقف طلبات اللجوء قانونياً وتستطيع إعادة اللاجئين الذين يحملون الإقامة المؤقتة، مما يسحب هذه الورقة من أحزاب اليمين المتطرف، ويقدمها إنجازاً يحدّ من تأييده. المهم هنا أن ألمانيا ترى في نظام دمشق الآن شريكاً قوياً وقادراً على ضبط الأوضاع على الأرض، وقادراً على إبرام الاتفاقات وتنفيذها.
تجدر الإشارة هنا في بند بناء الشراكة والموثوقية طلب الوزيرة “ضبط الفصائل الجهادية”. فمن غير المألوف الحديث عن الأمور الأمنية علناً وخصوصاً ما يتعلق بالفصائل الجهادية. وهذا من الاستعجال الأوروبي لإنجاز أكبر قدر من الخطوات على صعيد اللجوء في سبيل التفرّغ للصراع الروسي. الرغبة الأوروبية هذه دفعتهم لتفهم أحداث الساحل وتوجيه إدانة “منضبطة” للأخطاء التي جرت، وعدم الاستعجال في إطلاق الاتهامات ضد الحكومة السورية بارتكاب مجازر جماعية، وإنما أعطته التوصيف الحقيقي، مع إدانة حوادث القتل التي جرت من أي طرف كان.
مع إعلان التشكيل الحكومي كانت ألمانيا من أولى المرحبين بالحكومة الجديدة. أعلن المبعوث الألماني إلى سوريا، ستفن شنيك، عن استعداد بلاده لدعم السوريين في “مداواة جراحهم وإعادة بناء بلدهم”. القبول الإقليمي والإشادة الأوروبية تبني رصيداً جديداً لدى نظام دمشق، ويفتح أبواباً أخرى على صعيد العلاقات الدبلوماسية والانفتاح الدولي على دمشق. وهكذا يكون الرئيس الشرع قد نجح حتى الآن في ثلاثة اختبارات: إسقاط نظام الأسد بأقل قدر من الفوضى والدم، تشكيل حكومة تكنوقراط مبشرة وواعدة وبذلك ضمن عدم سقوط الدولة السورية برحيل النظام السابق، وقبول القوى الإقليمية وجزء من المجتمع الدولي بسوريا ونظامها الجديد. فهل تفتح هذه الخطوات الباب مستقبلاً أمام الاعتراف الدولي الكامل؟
تلفزيون سوريا
—————————–
رغم الترحيب بالحكومة الجديدة.. لماذا يؤجل الغرب رفع العقوبات عن سوريا؟/ سامر القطريب
2025.04.02
تؤجل دول غربية، بينها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وقبرص، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، رغم ترحيبها بالحكومة الجديدة التي تصفها واشنطن بـ “التكنوقراطية”. وتربط هذه الدول قرارها بشروط سياسية تتعلق بـ “تمثيل الأقليات” و”وقف الانتهاكات” وغيرها من الملفات الحقوقية، لكن التصريحات والتحركات الإقليمية تشير إلى دوافع أعمق تتصل بالمصالح الجيوسياسية وسباق السيطرة على موارد شرقي المتوسط.
تسعى قوى إقليمية ودولية إلى ترسيخ نفوذها في الحوض البحري الغني بالغاز، بينما يراقب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التحولات السياسية في دمشق لتأمين ترتيبات تضمن مصالحهم في المنطقة. ومع غياب توافق حول النفوذ البحري وترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة، يتحول ملف العقوبات إلى ورقة ضغط في لعبة موازين القوى، أكثر منه أداة لتحفيز العملية الانتقالية في سوريا.
تشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية
إلى احتمالية وجود نحو 122 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز في حوض شرقي المتوسط، إضافة إلى نحو 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج. وتضم هذه المنطقة المياه الإقليمية السورية، التي يُعتقد أنها تحتوي على احتياطيات كبيرة غير مستغلة تضاهي التكوينات الغنية بالموارد قبالة سواحل مصر وقبرص ودولة الاحتلال.
أميركا تراجع.. وإسرائيل تضغط
قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن جويل رايبورن سيتولى منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بما في ذلك سوريا، وأكد أن واشنطن تراجع العقوبات المفروضة على سوريا. وفي تصريح خاص لـ”تلفزيون سوريا”، أوضح المتحدث أن القرار بشأن السياسة الأميركية في سوريا بيد الرئيس دونالد ترامب، وأن النقاشات مستمرة يوميًا داخل الإدارة الأميركية حول الملف السوري.
أكد المتحدث على رفض التدخلات الخارجية، وأعرب عن أمل واشنطن في أن تقيم سوريا علاقات جيدة مع دول الجوار. واعتبر أن “الشعب السوري هو من يقيم الحكومة الجديدة”، مضيفًا أن واشنطن ترى الحكومة الجديدة حكومة تكنوقراط. كما شدد على ضرورة استبعاد المقاتلين الأجانب ومنع النفوذ الإيراني، وتمكين السلطات الجديدة من السيطرة على كامل الأراضي السورية.
لكن خلف هذه التصريحات، تقف حسابات أوسع ترتبط بمصالح الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى للتحكم بمسار الغاز في شرقي المتوسط. فمشروع “إيست ميد” الذي يهدف إلى نقل الغاز من شرقي المتوسط إلى أوروبا عبر اليونان، تشارك فيه شركات إسرائيلية وأوروبية وأميركية، ويُنظر إليه كأداة لتقليص دور تركيا وروسيا في توريد الطاقة إلى أوروبا، وفق المركز العربي
للأبحاث ودراسة السياسات. ويرتبط المشروع بأنبوب بحري بطول 1300 كيلومتر يصل إلى جنوبي اليونان، يتفرع إلى أنبوب بري بطول 600 كيلومتر نحو غربها، ومنه إلى إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، بقدرة نقل تقارب 10 مليارات متر مكعب سنويًا.
قبرص: لا رفع دائما للعقوبات
أكد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس أن أي رفع للعقوبات عن سوريا “لن يكون دائما”، بل سيُربط بتطورات في ثلاث قضايا أساسية: تشكيل حكومة شاملة، وقف استهداف السكان المدنيين، واحترام القانون الدولي، خصوصا اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
وخلال قداس في ذكرى تأسيس منظمة “إيوكا”، شدد خريستودوليديس على أن هذه العوامل صارت شروطا نصية يجب أن تتحقق قبل بحث أي تخفيف للعقوبات. كما أشار إلى أهمية التزام سوريا بالقانون الدولي البحري، في ظل خلافات حادة بشأن ترسيم الحدود البحرية وحقوق التنقيب في شرق المتوسط.
وفي 24 من شباط الماضي، قرر مجلس الاتحاد الأوروبي اليوم الإثنين تعليق عدد من الإجراءات التقييدية على سوريا، ضمن جهود الاتحاد لدعم انتقال سياسي شامل في البلاد، وتعزيز التعافي الاقتصادي السريع، وإعادة الإعمار، وتحقيق الاستقرار.
وقرر المجلس الأوروبي بشكل خاص الآتي:
تعليق الإجراءات التقييدية القطاعية في مجالات الطاقة (بما يشمل النفط والغاز والكهرباء) وقطاع النقل.
إزالة خمس مؤسسات مالية واقتصادية من قائمة الكيانات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية، وهي: البنك الصناعي، بنك التسليف الشعبي، بنك الادخار، البنك التعاوني الزراعي، والخطوط الجوية العربية السورية، إضافة إلى السماح بإتاحة الأموال والموارد الاقتصادية للمصرف المركزي السوري.
إدخال بعض الاستثناءات على الحظر المفروض على إقامة علاقات مصرفية بين البنوك السورية والمؤسسات المالية في دول الاتحاد الأوروبي، مما يتيح تنفيذ المعاملات المرتبطة بقطاعي الطاقة والنقل، إضافة إلى المعاملات الضرورية للأغراض الإنسانية وإعادة الإعمار.
تمديد العمل بالإعفاء الإنساني القائم إلى أجل غير مسمى.
إضافة استثناء يسمح بتصدير السلع الفاخرة إلى سوريا للاستخدام الشخصي.
ألمانيا: سحب الروس شرط أول
بعد سقوط نظام بشار الأسد، زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك دمشق، ودعت إلى إخلاء القواعد العسكرية الروسية ومغادرة سوريا. وفي وقت لاحق من كانون الثاني، أكد منسق الحكومة الألمانية لشؤون سوريا، توبياس ليندنر، أن روسيا “تشكل أكبر تهديد للأمن الأوروبي في المستقبل المنظور”، وطالب بإغلاق القواعد الروسية وسحب القوات.
وقال ليندنر في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل” إن احترام وحدة الأراضي السورية يجب أن يشمل جميع الأطراف، وخاصة روسيا. وأوضح أن الروس موجودون في سوريا لخدمة مصالحهم في البحر المتوسط وليبيا وأفريقيا، مؤكدا أن الوجود العسكري الروسي يهدد أمن أوروبا ويؤثر على الاستقرار الإقليمي.
فرنسا: خريطة طريق مشروطة
أصدر قصر الإليزيه الفرنسي “خريطة طريق” تتضمن دعما اقتصاديا ورفعا تدريجيا للعقوبات، مقابل خطوات واضحة من الحكومة السورية الجديدة. جاءت هذه المبادرة بعد قمة خماسية استضافتها باريس بمشاركة سوريا ولبنان وقبرص واليونان، وشارك فيها رئيس سوريا الجديد أحمد الشرع عبر الفيديو.
وبحث القادة خلال القمة قضايا عدة أبرزها اللاجئون، ترسيم الحدود اللبنانية السورية، وضمان استقرار المنطقة. وأعرب القادة الأوروبيون عن دعمهم لترسيم الحدود البحرية السورية وفق القانون الدولي البحري، وإنشاء لجان متخصصة لضمان مصالح الجيران الأوروبيين.
وفي السياق، يجري وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، زيارة رسمية إلى فرنسا اليوم الأربعاء، يلتقي خلالها نظيره الفرنسي جان نويل بارو، حيث من المقرر أن تتناول المباحثات عدداً من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الملف السوري.
تركيا والصفقة البحرية
في كانون الأول 2024، أعلن وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو عن نية بلاده التفاوض مع الحكومة السورية الجديدة حول المنطقة الاقتصادية الخالصة. وتهدف أنقرة إلى الاستفادة من سقوط الأسد لإلغاء اتفاقات سابقة منحت الروس والهنود حقوق التنقيب، وفرض شراكة جديدة تضمن مطالبها البحرية.
وتسعى تركيا لتوسيع نفوذها في شرق المتوسط، لكنها تواجه معارضة من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر. فهذه الدول أنشأت منتدى غاز شرق المتوسط عام 2019 لتنسيق تسويق الغاز إلى أوروبا، واستبعدت تركيا من المشروع. كما وقّعت اليونان ومصر اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية، وهو ما ترفضه أنقرة وتعتبره غير قانوني.
سوريا في قلب لعبة الغاز
تُظهر تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لعام 2025 أن حزام زاغروس ، الذي يشمل المياه الإقليمية السورية، يحتوي على 3.3 مليارات برميل من النفط و80.3 تريليون قدم مكعب من الغاز. ويزيد هذا من أهمية سوريا في موازين الغاز العالمية.
لكن أي اتفاق بين سوريا وتركيا على المنطقة الاقتصادية الخالصة قد يفتح الباب لتوترات دبلوماسية وعقوبات إضافية، خصوصًا إذا استُبعدت قبرص واليونان من المعادلة. وقد يؤدي ذلك إلى تراجع الدعم الدولي لإعادة الإعمار، رغم حاجة سوريا الماسة لمصادر دخل محلية.
وللإدارة السورية الجديدة مصالح تتجاوز الاقتصاد مع أنقرة، حيث كشفت مصادر مطلعة لموقع “Middle East Eye” أن تركيا بدأت استعدادات للتمركز في قاعدة “تياس” الجوية السورية (T4)، وتنوي نشر منظومات دفاع جوي هناك. وتتفاوض أنقرة ودمشق منذ سقوط الأسد على اتفاق دفاعي يشمل توفير الحماية الجوية من الجانب التركي.
ويهدف هذا الاتفاق الذي تخشاه إسرائيل، إلى تأمين الحكومة السورية الجديدة من أي تهديدات خارجية، مقابل تعاون استراتيجي في ملف الغاز. لكن هذه التفاهمات تضع الإدارة الجديدة في موقف حساس، بين الحليف التركي الطامح للهيمنة، والضغوط الغربية الرافضة لأي ترتيب يُضعف نفوذها أو مصالحها في المنطقة.
سوريا إذا، وجدت نفسها في قلب صراع مصالح لا علاقة مباشرة له بـ “تمثيل الأقليات” أو “العدالة الانتقالية” ـ رغم ضرورة هذه الملفات للعبور بسوريا إلى بر الأمان ـ، بل يرتبط بموقعها الجغرافي واحتياطاتها من الغاز. وبينما يُرحب الغرب بالحكومة الجديدة علنا، تبقى العقوبات قائمة وتخفف بالتدريج، لأن من يتحكم بالطاقة سيملك مفتاح السياسة.
—————————–
الشرع يعلن حكومة جديدة في سوريا.. تساؤلات حول قدرتها على تحقيق الاستقرار
30 مارس، 2025
مرصد مينا
في تحدٍ كبير للحكومة السورية الجديدة التي يهيمن عليها حلفاء الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة السوريين وكسب ثقة المجتمع الدولي والدول الغربية، على أمل رفع العقوبات الاقتصادية التي تؤثر بشكل كبير على البلاد، وفقاً لتحليلات سياسية متعددة.
ومساء السبت أعلن أحمد الشرع، الذي تولى رئاسة البلاد بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر الماضي، عن تشكيل الحكومة السورية الجديدة، وهي تتكون من 23 وزيراً دون تعيين رئيس وزراء.
وتم الإعلان عن هذه الحكومة بعد أسبوعين من إصدار إعلان دستوري مثير للجدل، منح الشرع صلاحيات واسعة لتشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
مقربون من الشرع في المناصب الأساسية
تضم الحكومة الجديدة شخصيات مقربة من أحمد الشرع، حيث يشغل العديد من المناصب الأساسية المقربون من الفصائل المسلحة التي أطاحت بنظام الأسد.
من بين الشخصيات البارزة في الحكومة الجديدة أسعد الشيباني، الذي احتفظ بمنصبه وزيراً للخارجية، وكان قد التقى عدداً من المسؤولين الغربيين والإقليميين في فترات سابقة.
في حين بقيت حقيبة الدفاع مع مُرهف أبو قَصرة، القائد العسكري الذي كان له دور كبير في العمليات التي أطاحت بنظام الأسد، ويواجه الآن مهمة شاقة تتمثل في استكمال إعادة بناء الجيش السوري.
أما أنس خطاب، رئيس جهاز الاستخبارات العامة، فقد تم تعيينه وزيراً للداخلية، وهو جهادي سابق كانت قد فرضت عليه الأمم المتحدة عقوبات.
بينما وزارة العدل فقد أُسندت إلى مظهر الويس، الذي ساهم في تأسيس وزارة العدل في حكومة الإنقاذ في إدلب.
ويعتبر التشكيل الحكومي بمثابة انعكاس للتركيبة الديموغرافية للسكان السوريين، مع أغلبية سنية، بينما كانت البلاد سابقاً تحت حكم عائلة الأسد العلوية.
تعيين شخصيات من الأقليات
تعد هذه الحكومة مفاجئة من حيث تعيين شخصيات من الأقليات العلوية والمسيحية والكردية في مناصب حكومية، لكنهم حصلوا على حقائب وزارية ثانوية.
يُنظر إلى تعيين العلوي يعرُب بدر وزيراً للنقل والمسيحية هند قبوات وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل، على أنه خطوة في محاولة لتوسيع قاعدة الدعم السياسي للحكومة الجديدة.
وفقاً للخبير السياسي فابريس بالانش، فإن تعيين يعرُب بدر، الذي كان قريباً من المسؤول الأممي عبد الله الدردري، يعد خطوة نحو تطمين الوكالات الأممية والولايات المتحدة.
بينما يرى الباحث في الشأن السوري في مركز “سانتشوري إنترناشونال” آرون لوند أن “الشرع يسعى إلى توسيع قاعدة دعمه لتتجاوز نطاق مؤيّديه المسلّحين”.
ويعد الباحث أن إسناد وزارة إلى شخصية علوية أمر لم يكن ممكناً تصوره قبل أشهر فقط.
ويشرح أنّ “وصول فصيل إسلامي متشدّد إلى السلطة وضمّه تمثيلاً للأقليات، ولو بشكل رمزي، قد لا يكون الحل الأمثل”، مضيفاً “لكن كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ”.
التحدي الكردي
أثار تشكيل الحكومة السورية الجديدة استياء من قبل الإدارة الذاتية الكردية، التي انتقدت تجاهل الحكومة للتنوع السوري، مؤكدة أنها لن تنفذ أي قرارات تصدر عن هذه الحكومة.
وقد تم تعيين محمد تركو، كردي غير منبثق من الإدارة الذاتية، وزيراً للتعليم، ما أثار الشكوك حول مصير الاتفاقات السابقة بين الأكراد والسلطات السورية.
وكانت الإدارة الكردية قد توصّلت منتصف مارس الجاري إلى اتفاق مع السلطات الجديدة، يقضي بإدماج مؤسساتها ضمن الدولة، إلا أنّ بعض المحللين يخشون أن يبقى الاتفاق حبراً على ورق.
مخاوف من فشل الحكومة
يشير الباحثون إلى أن الحكومة الجديدة تواجه صعوبة في تحقيق الاستقرار في ظل الظروف الراهنة، خاصة بعد أكثر من 13 عاماً من الحرب الدموية التي شنها النظام المخلوع ضد معارضيه.
ويعتقد البعض أن الحكومة التي لا تضم رئيس وزراء قد تُنذر بـ”شخصنة مفرطة للسلطة”، ما يعرقل بناء استقرار سياسي.
وأكد فابريس بالانش أن الحكومة الفعلية قد تكون “مجلس الأمن القومي”، الذي أُسِّس في 13 مارس الجاري لمواجهة الصعوبات الكبرى، معتبراً أن هذه المجلس سيكون بمثابة “الحكومة الحقيقية”.
جدير بالذكر أنه مع التركيز على توحيد سوريا بعد سنوات من الانقسامات، يأمل الشرع وحكومته في جذب الدعم الدولي لرفع العقوبات، لكن هذه المهمة تبقى محفوفة بالتحديات الكبيرة.
—————————–
الاتحاد الأوروبي يرحّب بالحكومة السورية الجديدة وأميركا تضع شروطاً للتعاون
1 أبريل، 2025
رحّب الاتحاد الأوروبي بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، مؤكداً استعداده للتعاون معها لمساعدتها على مواجهة التحديات المقبلة.
وأصدرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، كايا كالاس، إلى جانب عدد من المفوضين الأوروبيين، بيانا يوم الأثنين جاء فيه: “الاتحاد الأوروبي مستعد للتعاون مع الحكومة الجديدة لدعمها في التعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهها.”
من جانبها، وصفت الولايات المتحدة تشكيل الحكومة الجديدة بأنه “خطوة إيجابية”، لكنها شددت على أن العقوبات المفروضة على سوريا لن تُخفف إلا بعد تحقيق تقدم في الأولويات الأساسية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، خلال مؤتمر صحفي مساء الأثنين:”ندرك معاناة الشعب السوري الذي عاش عقوداً من الحكم الاستبدادي والقمع، ونأمل أن يمثل هذا التشكيل خطوة نحو سوريا أكثر شمولاً وتمثيلاً لكافة فئات المجتمع.”
يُذكر أن الرئيس السوري، أحمد الشرع، أعلن يوم السبت الماضي عن تشكيل الحكومة الجديدة التي تضم 23 وزيراً، دون تعيين رئيس للوزراء.
————————–
الأمم المتحدة ترحب بإعلان الحكومة السورية الجديدة في سوريا
2025.04.02
رحب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بالإعلان عن حكومة جديدة وموسعة في سوريا، مؤكداً على أهمية الانتقال السياسي الشامل الذي يحقق تطلعات الشعب السوري.
وفي مؤتمره الصحفي اليومي، قال دوجاريك إن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أكد على “أهمية الانتقال السياسي الشامل الذي يُمكّن الشعب السوري من استعادة سيادته، والتغلب على الصراع الدائر، وتحقيق تطلعاته المشروعة، بالإضافة إلى المساهمة في الاستقرار الإقليمي”.
وأضاف أن بيدرسن “يشجع الجهود المتواصلة التي تبذلها سلطات تصريف الأعمال نحو انتقال موثوق وشامل ومستدام، من حيث الحوكمة، وكذلك من حيث الخطوات الانتقالية التالية”.
وأشار المبعوث الأممي إلى أن ذلك “يشمل تشكيل مجلس تشريعي مؤقت ولجنة لصياغة الدستور، بالإضافة إلى الاستعدادات لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقا لأعلى المعايير الدولية، بما يتماشى مع المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.
وأعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة أن المبعوث الأممي يعتزم زيارة دمشق قريباً، لمواصلة اتصالاته مع سلطات تصريف الأعمال، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من السوريين وغيرهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين في سوريا.
حكومة سورية جديدة وترحيب عربي ودولي واسع
ومساء السبت الماضي، جرى في قصر الشعب بالعاصمة دمشق الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة لتحل محل حكومة تصريف الأعمال.
وتضم الحكومة الجديدة 23 وزيراً، بينهم سيدة، و5 وزراء من الحكومة الانتقالية، التي تشكلت في 10 كانون الأول 2024، لتسيير أمور البلاد عقب الإطاحة بنظام الأسد.
وقوبل إعلان تشكيل الحكومة السورية الجديدة بترحيب واسع على المستويين العربي والدولي، حيث أعربت عدة دول ومنظمات عن دعمها للتشكيلة الجديدة، مؤكدة أهمية الاستجابة لتطلعات الشعب السوري وتعزيز الأمن والاستقرار في البلاد.
وأعربت وزارة الخارجية والمغتربين في سوريا عن شكرها وتقديرها العميق للدول والمنظمات التي أبدت دعمها، مؤكدة أن هذا الموقف يعكس حرص المجتمع الدولي على دعم جهود سوريا في بناء مستقبلها واستعادة الاستقرار.
————————-
الشيباني: الدعم الدولي للحكومة الجديدة يعزز الآمال برفع العقوبات عن سوريا
2025.04.02
قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الثلاثاء، إن تزايد الدعم الدولي الواسع للحكومة السورية الجديدة يعزز الآمال برفع العقوبات الجائرة عن البلاد.
وأضاف الشيباني في منشور على منصة إكس (تويتر سابقا): “مع تزايد الدعم الدولي الواسع للحكومة السورية الجديدة، تتعزز الآمال برفع العقوبات الجائرة، وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب السوري، وفتح آفاق جديدة لإعادة الإعمار، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتعزيز الشراكات السياسية”.
مع تزايد الدعم الدولي الواسع للحكومة السورية الجديدة، تتعزز الآمال برفع العقوبات الجائرة، وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب السوري، وفتح آفاق جديدة لإعادة الإعمار، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتعزيز الشراكات السياسية. pic.twitter.com/r1QpMRMV7T
— أسعد حسن الشيباني (@AssadAlshaibani)
April 1, 2025
ترحيب بالحكومة السورية الجديدة
تأتي تصريحات وزير الخارجية السوري عقب ترحيب دولي من عدد من الدول العربية والغربية بتشكيل الحكومة السورية الجديدة يوم السبت الماضي، إذ أعلنت دول قطر والكويت والإمارات وفلسطين ترحيبها بتشكيل الحكومة الجديدة، ودعمها لسوريا. كما رحّبت دول إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، بتشكيل الحكومة السورية الجديدة.
وأوضحت الخارجية الفرنسية أن الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم السلطات السورية في تحقيق انتقال سياسي سلمي وشامل، يحفظ التعددية وحقوق السوريين جميعا، ويعيد لسوريا وحدتها وسيادتها.
من جانبها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إلى جانب عدد من المفوّضين الأوروبيين، إنّ “الاتحاد الأوروبي مستعدّ للتعاون مع الحكومة الجديدة لمساعدتها على مواجهة التحديات الهائلة التي تنتظرها”.
——————————
===================