سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعصفحات الحوار

السياسي السوري عبيدة نحاس: ظلم أن يُحرم مجتمعنا من تمثيل هويته الدينية المعتدلة

حاوره: جانبلات شكاي

تحديث 06 نيسان 2025

يَعتبر السياسي السوري عبيدة نحاس أن بلاده تعيش هذه الأيام «مرحلة انتقالية فريدة، فكما أننا ننتقل من مرحلة الدكتاتورية والاستبداد إلى مرحلة التحرر والديمقراطية، فإننا في الوقت نفسه نمر بتجربة الانتقال من حالة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة الجديدة».

رئيس «حركة التجديد الوطني» العائد من لندن بعد إسقاط نظام آل الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، يرى أن سوريا «ما زالت في مرحلة اختبار النوايا بنظر المجتمع الدولي، الذي يميل إلى منحها بعض الوقت لالتقاط الأنفاس».

ومعلقا على منتقدي تصدر التيار الإسلامي للمشهد السياسي مع الإدارة السورية الجديدة يعلن نحاس تفهمه للقلق الذي تعبر عنه أطراف داخلية وخارجية إزاء مسألة «الأسلمة التي تُثار في بلادنا، باعتبار أن هذه قضية قديمة جديدة في الحياة السياسية السورية، ولكن من الظلم لمجتمعنا السوري أن يُحرم أيضاً من تمثيل هويته الدينية المعتدلة» وأبلغ تعبير عنها هو ما نسميه «التدين الشامي»، حيث لا غلو ولا تشدد ولا إفراط.

وعبيدة نحاس، سياسي سوري، وُلد في العاصمة البريطانية لندن عام 1976 لأبوين سوريين من مدينة حلب، ونشأ بين بريطانيا والسعودية، حيث تلقى تعليمه الأساسي والثانوي، ثم واصل دراسته الجامعية في الأردن، وحصل على بكالوريوس في العلوم السياسية عام 1996، ولاحقاً، نال درجة الماجستير في دراسات التنمية السياسية من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية «SOAS» بجامعة لندن عام 1999، وهو باحث دكتوراه في جامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة.

بدأ نحاس مسيرته المهنية في الصحافة، حيث عمل محرراً للشؤون الدولية في وكالة دولية للأنباء، وأسهم في تأسيس «معهد الشرق» في لندن عام 2001، وهو مركز دراسات متخصص في الشأن السوري، وكذلك أطلق من خلاله أول موقع إخباري إلكتروني سوري غير حكومي، حمل اسم «أخبار الشرق»، وكان من أبرز منصات المعارضة السورية حتى عام 2012.

سياسياً، كان نحاس عضواً في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا قبل أن يستقيل منها رسمياً عام 2014 بسبب خلاف حول سياسات الجماعة تجاه الثورة السورية، كما لعب أدواراً بارزة في عدد من الأطر السياسية السورية المعارضة، مثل «جبهة الخلاص الوطني» (2006 – 2009) و«المجلس الوطني السوري» (2011 – 2013)، ومثّل المعارضة السورية ضمن وفد الائتلاف الوطني السوري في مؤتمر «جنيف 2» عام 2014.

يرأس نحاس «حركة التجديد الوطني» السورية منذ تأسيسها عام 2017، ومعروف بنشاطه الفكري والسياسي، وسعيه لتقديم خطاب مدني ديمقراطي يعبر عن تطلعات السوريين في الحرية والعدالة والتغيير السلمي، ويتمتع بعلاقات سياسية عديدة ضمن المشهد السوري، إذ عقد حوارات وتحالفات مع العديد من التيارات والقوى السياسية التي تمثل طيفاً واسعاً.

في حواره مع «القدس العربي» والذي تركز على الحكومة السورية الجديدة التي رأت النور ليل الأحد الماضي في أجواء احتفالية، تم التطرق إلى ما لهذه الحكومة التي يترأسها رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وما عليها وقال: «إن تركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية له إيجابيات وسلبيات، وإذا كانت السلبيات تدور بشكل عام حول عدم مشاركة السلطة بين تيارات متعددة، فإن توجه الشرع نحو رفض المحاصصة بأشكالها الحزبية والدينية والمذهبية والإثنية، إيجابي، بل هو الأسلم للصالح العام في هذه المرحلة».

وفيما يلي النص الكامل للحوار.

○ ما هي مدلولات حفل إعلان الحكومة السورية الجديدة الذي جاء على خلاف مراسم تشكيل الحكومات في معظم دول العالم؟ وما هي مدلولات الحضور وخصوصاً منهم تقديم أعضاء مجلس الإفتاء الأعلى على الضيوف الآخرين؟

• تعيش سوريا هذه الأيام مرحلة انتقالية فريدة، فكما أننا ننتقل من مرحلة الدكتاتورية والاستبداد إلى مرحلة التحرر والديمقراطية، فإننا في الوقت نفسه نمر بتجربة الانتقال من حالة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة الجديدة.

في هذه المرحلة يتم تأسيس الشرعية الدستورية بالتدريج، بدءاً من إقرار اختيار رئيس الجمهورية في «مؤتمر النصر» على أساس الشرعية الثورية، مروراً بالإعلان الدستوري من وحي توصيات مؤتمر الحوار الوطني، وهو ما يمكن اعتباره أساس الشرعية الشعبية، وصولاً إلى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة الرئيس نفسه بعد إقرار النظام الرئاسي لهذه المرحلة، في وقت ليس لدينا فيه مجلس تشريعي بعد.

لذلك ارتأت رئاسة الجمهورية دعوة نحو 400 شخصية وكأن حضورهم يأتي بديلاً لجسم برلماني شاهد على تنصيب الحكومة الجديدة، وبالتأكيد فإن دعوة طيف واسع من الشخصيات يحقق هذا الغرض.

○ باعتبارك كنت أحد المدعوين إلى مؤتمر الحوار الوطني، وأيضاً إلى حفل الإعلان عن الحكومة السورية الجديدة الأخير الذي تضمن رؤى منفردة لكل من رئيس الحكومة- رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، ولكامل أعضاء هذه الحكومة من دون الإعلان عن بيان مشترك، فهل تتوقع أن يصدر لاحقاً بيان حكومي يتم من خلاله الإعلان عن خطة عمل الحكومة خلال الفترة المقبلة؟

•   الوضع الطبيعي في الأنظمة الرئاسية أن يتولى الرئيس عرض برنامج الحكومة بحضور الوزراء، الذين تنحصر مهمتهم في تنفيذ رؤية الرئيس، إلا أن الحالة الفريدة التي أشرت إليها، وما يبدو كذلك من رغبة رئاسة الجمهورية في الشفافية مع الشعب، جعلت من مراسم تنصيب الوزراء خليطاً بين بيان رئاسي عام يشرح أهم التغييرات التي جرت في تركيبة الحكومة من دمج وزارات واستحداث أخرى، وبين بيانات قدمها الوزراء عن خططهم لوزاراتهم، إذ أرادت الرئاسة تقديم صورة حكومة تضم شخصيات من التكنوقراط لها دور حقيقي تؤديه، وليست مجرد موظفين منفذين.

نتوقع أن يتطور الأداء الحكومي تدريجياً خلال الفترة المقبلة، وربما نشهد تغييراً حكومياً أو أكثر في السنوات القليلة القادمة من المرحلة الانتقالية المتوقع استمرارها 5 سنوات.

○ ما مزايا ترؤس رئيس الجمهورية مباشرة للحكومة وإلغاء منصب رئيس الوزراء في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ سوريا، وهل هناك فترة يمكن من خلالها تقييم أداء كل وزير على حدة ومدى اندماجه في العمل كفريق مع إمكانية التعديل بكل بساطة، أو أن يأتي التعديل بناء على مخرجات الحوار بين دمشق و«قوات سوريا الديمقراطية- قسد»؟

• تركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية له إيجابيات وسلبيات.

وإذا كانت السلبيات تدور بشكل عام حول عدم المشاركة في السلطة بين تيارات متعددة، فإن توجه الرئيس أحمد الشرع نحو رفض المحاصصة بأشكالها الحزبية والدينية والمذهبية والإثنية، إيجابي، بل هو الأسلم للصالح العام برأينا في هذه المرحلة، وأدعى إلى التأسيس لمرحلة التنافس السياسي لاحقاً، مع احترام مخاوف الذين يخشون على المستقبل الديمقراطي للبلاد.

إن سوريا المتنوعة لا تعني بالضرورة تقسيماً على أساس المحاصصة أو الكوتا، لما قد يعنيه ذلك من شروخ في البناء الوطني، ويبقى من صلاحيات الرئيس إجراء تعديلات حكومية حسب الحاجة عندما تستجد، وهو ما يمكن أن يحصل في أي وقت، ولن أستغرب أن يكون شكل الحكم والحكومة في سوريا مرناً ومتجاوباً مع التغييرات عند الحاجة، بما في ذلك نتائج حوارات في شتى الجغرافيا السورية ومع جميع الأطراف المعنية بالوضع السياسي.

يمكنني القول إن التجربة السياسية السورية الآن قيد التطوير والتحديث، وستبقى كذلك إلى أن تستقر الأمور على شكل نهائي، سيتم بموجبه رسم ملامح المرحلة الدائمة، بعد الانتقالية.

قد نرى في حينها سوريا جديدة بالكامل، لا تشبه تلك التي اعتدنا على العيش فيها، سواء في مرحلة النظام الدكتاتوري الساقط، أو المراحل الديمقراطية الوطنية السابقة له، وكل الخيارات مفتوحة في المستقبل.

○ قبل الإعلان عن تشكيلة الحكومة الحالية، امتدت جلسات التشاور التي قادها الرئيس الشرع ربما لأكثر من شهر، وانتهت بتشكيل هذه الحكومة الأقرب إلى التكنوقراط، ومن بات عضواً فيها صار كذلك بناء على خبراته الشخصية وليس على انتمائه العرقي أو السياسي، فلماذا الإصرار على استبعاد الحوار وبناء التشاركية مع القوى السياسية السورية الأخرى؟

• سيكون علينا جميعاً أن نتعلم التعايش مع وضع جديد، وأن نضع الأنا جانباً كما دعونا مراراً، ولكن قبل الحديث عن التشاركية مع القوى السياسية، لنعترف بأن الحياة السياسية السورية بحاجة إلى ترميم.

على الرغم من أننا مصرّون على أهمية مشاركة جميع القوى السياسية السلمية في الحياة السياسية لبلادنا، فإن الحوار الوطني بمفهومه العام الواسع مطلوب في سوريا على جميع المستويات للوصول إلى حياة سياسية سليمة وصحية، ونقصد بذلك الحوار بين الحكومة والمكونات السياسية والمجتمعية والدينية والإثنية، وهذا مسار هام وطويل سيستغرق وقتاً، ولا بد أن يتم بشكل صحيح، وأن يؤدي إلى توافقات وطنية شاملة ودائمة، ونتوقع أن تكون له نتائج إيجابية وهامة في الفترة المقبلة.

○ ما رأيك تجاه المواقف التي أطلقتها قوى سياسية كردية، مثل «مجلس سوريا الديمقراطية- مسد» و«المجلس الوطني الكردي»، وحتى من الرئيس الروحي في طائفة الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهجري، برفض التعامل مع الحكومة الجديدة ومخرجاتها، باعتبار أنهم لم يشاركوا في المشاورات التي أفضت إلى تشكيلها؟

• نتفهم هذه المواقف ونتعاطف مع بعضها، ولكننا أيضاً نربأ بمطلقيها أن يقتصر موقفهم من المشروع الوطني على ما يحصلون عليه من مواقع أو مناصب، ونفترض بهم حسن النية والميل إلى تحسين الأداء الحكومي.

○ هل تعتقد أن مواقف القوى السابقة قد تكون مواقف تفاوضية أكثر من أنها مبدئية، بهدف رفع سقف المطالب لتحصيل المزيد من المكاسب من دمشق؟

• لا يمكن التشكيك بالأسس المبدئية لهذه المواقف، ولكننا نأمل أن تكون تفاوضية لتحسين الأوضاع العامة، وليس فقط المكاسب الفئوية، وإنما لجميع الفئات المجتمعية التي يفترض بهذه الأطراف أن تمثلها.

○ كيف يمكن قراءة المواقف العربية والدولية المرحبة بتشكيل الحكومة السورية الجديدة؟ وكيف يمكن هنا قراءة موقف وزارة الخارجية الأمريكية؟

• ما زلنا في مرحلة اختبار النوايا بنظر المجتمع الدولي، الذي يميل إلى منح سوريا بعض الوقت لالتقاط الأنفاس، بعد أن عمل هذا المجتمع الدولي نفسه على ترك سوريا مهملة في زوايا النسيان، تئن تحت وطأة نظام مجرم دمر البلاد والعباد.

نعتبر مواقف الأشقاء في الدول العربية والإسلامية أكثر تعاطفاً مع شعبنا في هذه المرحلة، ولكننا سننظر في الوقت نفسه بعين الريبة والتشكك إزاء أي موقف غربي يتشكك في قدرة السوريين على عبور المرحلة الانتقالية، فالعقوبات الأمريكية والدولية على سوريا هي التي يجب أن تكون على المحك هنا، وليس بلدنا الخارج من أزمة طاحنة، ولا يجوز أن تستمر العقوبات عليه بعد أن زال سببها الأول والأخير، وهو النظام الساقط، إذ كيف نتوقع النجاح في مسيرة انتقالية سلمية كالتي نعيشها ونحن ما زلنا نرزح تحت وطأة معايير وعقوبات تعيق مستقبلاً أفضل لشعبنا وأبنائنا؟

○ هل تعتقد أن تكليف وزارة التربية لمواطن من أصول كردية قد يلعب أي دور فيما يتعلق وتعديل المناهج التربوية في سوريا وإدخال الحقوق الثقافية للأقليات ولغاتها مثل الكردية أو السريانية أو الشركسية وغيرها في هذه المناهج؟

• نرى من الخطورة أن نستخدم التصنيفات النمطية الفئوية لتصنيف الوزراء والمسؤولين الحكوميين، وبالتالي الوزارات أو الدوائر الحكومية.

لماذا لا نفترض أن أي مواطن سوري يتولى وزارة التربية سيتصرف بنفس الطريقة، بغض النظر عن خلفيته؟ لماذا لا يقر أي مواطن عربي سوري في هذا المنصب بالحقوق الثقافية لغير العرب من السوريين في حال تولى الوزارة مثلاً؟ جميع السوريين أصليون بنظرنا وأصحاب حق في وطنهم لا فضل لأحد فيه على آخر، والأصل بالمناهج التربوية أن تحقق الصالح العام، وأن تنطلق من رؤية وطنية واسعة، بما في ذلك تعزيز اللحمة الوطنية بالاعتراف بالتعددية الثقافية واللغوية وليس طمسها.

○ تعرضت الحكومة لحملة انتقادات شديدة بنيت في جانب منها على أن العديد من أعضائها يحملون جنسيات أخرى، فكيف تفسر هذا الهجوم؟

• تجربة المجتمعات الخارجة من حروب وأزمات وطنية كبرى تدلنا على أن مثل هذه التخوفات والانتقادات لا أساس لها.

ماذا نتوقع من شعب تشرد نصفه، ووجد ربعه نفسه في المنافي دون أمل في العودة إلى بلاده، لولا أن منّ الله علينا بالتحرير؟ لا نرى هذه المسألة ذات أهمية كبيرة، ويجب عدم تحميل الأمر أكبر من حجمه.

○ ملاحظ أن المعدل الوسطي لأعمار أعضاء الحكومة يميل نحو الشباب مقارنة بالحكومات السابقة، وهذا ربما يكون باباً لتوجيه انتقادات لها علاقة بقلة خبرات الوزراء، ولكنها ذات الوقت قد تفسر حجم العمل المطلوب منهم والتي تحتاج إلى قوة وعنفوان الشباب، فكيف يمكن الموازنة بين المنتقدين والمؤيدين؟

• ليس ذنب الأجيال الجديدة أنها حُرمت من الممارسة السياسية وبناء الخبرة التدريجية ردحاً من الزمن، في ظل تغول نظام مجرم استغل الدولة كلها لصالح فئة قليلة.

على الأقل، لم تقم القيادة السورية الجديدة بتعديل الدستور على مقاس شخص واحد، كما حصل أيام النظام الساقط!

إن سوريا بحاجة للجميع، شبابها وكهولها، وكلٌّ له دور يؤديه، فعنفوان الشباب مطلوب، والخبرة ضرورية، وتكاملهما هو الحل الأمثل.

○ هناك تحديات كبيرة أمام الحكومة إن على مستوى تأمين الأمن والأمان ووضع حد للشحن الطائفي، وإعادة فرض سيطرة الدولة على كامل التراب السوري، أو على مستوى تحسين الحياة المعيشية للمواطنين، وحتى على مستوى العمل لفك الحصار ورفع العقوبات الغربية والأمريكية منها تحديداً، للمباشرة في عملية إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، فكيف ترى آفاق هذه الحكومة ومدى النجاحات التي يمكن أن تحققها؟

• حتى تنجح المرحلة الانتقالية، لا بد أن تتحول سوريا كلها إلى ورشة تجديد وبناء كبرى، وهي كذلك بنظرنا، وبما نراه من أداء المسؤولين في المرحلة الانتقالية على جميع المستويات.

لا نشك في عظم التحديات، ولكننا متفائلون بأن السوريين يملكون من القدرات والخبرات والطاقات ما يمكنّهم من تجاوز العقبات والعقوبات، ولقد رأينا أداء أبناء شعبنا حول العالم، فكيف وقد أصبحت سوريا الآن ساحة عملــهم ودافعهم الأكبر للعمل وتحقيق النتائج؟

○ يتحدث الإعلان الدستوري عن ضرورة إصدار قانون جديد للأحزاب السياسية يعيد الحياة للشارع الذي عانى لعقود من الجفاف على هذا المستوى، هل أنت كسياسي متفائل بمستقبل الحياة السياسية للبلاد؟

• نتفاءل بمستقبل الحياة السياسية في سوريا لأن شعبنا حيّ ودؤوب ونشيط، ونثق بقدرته على العمل في شتى الاتجاهات.

إن تنظيم الحراك الشعبي السلمي في أطر حزبية، بعد صدور قانون عصري يسمح بالانتظام في أحزاب وطنية جامعة فوق التصنيفات الضيقة، لهو خير نموذج يمكن اتباعه في ممارسة المجتمع للسياسة، بدلاً من الانكفاء إلى انتماءات ما قبل الدولة الوطنية، التي قد تهدد النسيج الوطني إذا عاد الناس لممارسة العمل السياسي على أساس ديني أو مذهبي أو إثني، وطالما بقي التنافس السلمي في إطار دستوري هو الأساس، فلا قلق على سوريا بالتأكيد.

○ واضحة التوجهات الإسلامية للإدارة الجديدة في سوريا، وهذا التوجه لاقى ترحيباً من جانب كبير من الشارع السوري، ولكنه في ذات الوقت يتعرض لهجوم وانتقاد من قوى مجتمعية وحتى سياسية من خلفيات متعددة، فهل التخوف والتوجس من هذا التوجه هو في محله، ولماذا كل هذا القلق وخصوصا من بعض الأقليات، ومن الأحزاب العلمانية عموما؟

• قد نتفهم القلق الذي تعبر عنه أطراف داخلية وخارجية إزاء مسألة «الأسلمة» التي تُثار في بلادنا، وهذه قضية قديمة جديدة في الحياة السياسية السورية، ولكن من الظلم لمجتمعنا السوري أن يُحرم أيضاً من تمثيل هويته الدينية المعتدلة، وأبلغ تعبير عنها هو ما نسميه «التدين الشامي»، حيث لا غلو ولا تشدد ولا إفراط.

لنكن صادقين مع أنفسنا: سوريا منذ العهد الأموي الإسلامي الأول تمتعت بالتعددية الدينية، وفي الوقت نفسه حافظت على سمتها الدينية الإسلامية الخاصة.

أفضّل تجنب الحديث عن أغلبيات وأقليات، ولكن من الخطأ أيضاً تغطية الشمس بغربال، ألم يعبر المجتمع السوري بغالبيته عن هويته الإسلامية بشكل بسيط ومعتدل طوال العقود الماضية؟ كذلك فإن بعض إخوتنا المسيحيين اليوم يتحدثون عن «المسيحية الأموية»، في إشارة إلى الدور الكبير الذي قامت به المسيحية السورية منذ العهد الأموي إلى اليوم، وهو خطاب سمعناه بشكل واضح في مؤتمر الحوار الوطني.

يجب أن نؤكد على مسألة هامة هنا: إن من حق الناس ممارسة دينهم بحرية، والتعبير عن انتمائهم الديني، من أي خلفية كانوا.

إن الحالة السائدة في مجتمعنا السوري اليوم، ليست أكثر من تعبير طبيعي عن الواقع، مع ملاحظة ضرورة احترام حقوق الجميع وحرياتهم، وكذلك ترك الخوض في المسائل الخلافية إلى ما بعد مناقشة الدستور الدائم، الذي يجب أن يكون مقنعاً للغالبية العظمى من السوريين أبناء هذه الأرض والإخوة المتشاركين فيها.

القدس العربي»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى