الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

رايات كانت محظورة رفعت في سماء سوريا… تاريخها ورمزيتها/ سنا الشامي

لم يعط نظام الأسد آنذاك مجالاً لأعلام تمثل الطوائف بالظهور

الأحد 6 أبريل 2025

انتشرت الحواجز ومعها رايات من يسيطر عليها، فكان على المتنقل أن يحفظ كل هذه الرايات ويهيئ نفسه معنوياً ومعرفياً ونفسياً لكسب ود من يمر بهم ليعبر سالماً

على امتداد مساحة تبلغ 184 ألف كيلومتر مربع كان علم سوريا الأحمر والأسود بنجمتيه الخضراوين يتسيد سماء البلاد، كل هذا كان قبل مارس (آذار) 2011، أما في ما بعد هذا التاريخ فقد ارتفعت رايات عدة كان وجودها لوقت قريب إما خجولاً ويقتصر على المناسبات أو ممنوعاً.

في تلك الأيام أطلت بعض الرايات محاولة احتلال الساحة، منها علم سوريا في زمن الانتداب الفرنسي، وهو المعتمد حالياً كعلم لدولة سوريا، وعاد علم الأكراد للظهور، وتصدرت راية “القاعدة” المشهد ومعها “جبهة النصرة”، فيما دخلت سوريا قوات أجنبية رفعت راياتها معلنة عن وجودها على الأرض كعلم “حزب الله” وإيران وروسيا وتركيا وأميركا.

لم يعطِ نظام بشار الأسد آنذاك مجالاً لأعلام تمثل الطوائف بالظهور، لكن على مساحة البلاد انتشرت الحواجز ومعها رايات من يسيطر عليها، فكان على المتنقل أن يحفظ كل هذه الرايات ويهيئ نفسه معنوياً ومعرفياً ونفسياً لكسب ود من يمر بهم ليعبر سالماً من كنتونات متعددة التبعية والتشكيلات العسكرية. فالتمييز بينها هو وسيلة النجاة الوحيدة، وحسن التعامل مع العلم ورافعيه هو جواز المرور، لكن الخطر هو ألا يرفع الحاجز علماً يدل على مرجعيته، عندها سيكون على ركاب السيارة الاستسلام لحدسهم وتقديرهم الشخصي والاستسلام لمصير مجهول ينتظرهم.

من الجنوب للشمال الشرقي

وبعد سقوط نظام الأسد، ظهرت كثير من الرايات التي كانت معرفتها محصورة بأبناء الطوائف والقوميات، وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي بانتشارها الواسع. فعلم الطائفة الدرزية المعروف تقريباً من جميع السوريين استبق سقوط النظام عندما انتفض عليه قبل أشهر من السقوط ورفع علم الطائفة، وهو يعرف بعلم الحدود الخمسة، فاللون الأخضر يرمز للعقل والأحمر للنفس والأصفر للكلمة، أما اللون الأزرق فيرمز للتعلم مما مضى واللون الأبيض يدل على الحكمة لمواجهة المستقبل.

كما ظهرت أعلام متعددة للأكراد على رأسها علم كردستان بشمسه في الوسط، إضافة إلى علم قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ويمثل علم كردستان العلم القومي لكامل أرض الكرد في سوريا والعراق وإيران وتركيا على اختلاف طوائف الأكراد ذوي الغالبية السنية. أما بالنسبة إلى ألوان العلم الكردي فيرمز اللون الأبيض إلى السلام، والأحمر إلى الثورة، والأخضر إلى خيرات كردستان وميزوبوتاميا أي بلاد الرافدين والشام، أما الأصفر فيرمز إلى الشمس، وهو الشعار الديني القومي للكرد والممتد من الزردشتية، وقد صُمم هذا العلم واعتُمد للمرة الأولى من قبل جمعية التنظيم الاجتماعي للكرد في إسطنبول عام 1920.

كما ظهرت أعلام الأشوريين والسريان والكلدان بعدما كان رفعها ووجودها مقتصراً على أعياد هذه الفئات الأصيلة الموغلة في القدم بسوريا. ففي أواسط الثمانينيات من القرن الماضي تبنى السريان علماً وهو عبارة عن صورة لنقش نسر اكتشف في منطقة تل حلف من قبل الباحث الفرنسي وخبير العلوم السامية أندريه دوبون 1900-1983، والقطعة المكتشفة تصور غلغامش بين اثنين من رجلي الثور مدعومين بقرص شمس مجنح، ويعتقد أنها تعود لعصر الملك الآرامي كبارا بن قاديانو في القرن التاسع، في حين يقول آخرون إنه يعود للألف السادس قبل الميلاد، واستبدل رأس النسر مسيحياً بشعلة تمثل الروح القدس.

وتمتع المنطقة التي تضم العدد الأكبر من الأكراد والآشوريين والسريان والكلدان، بحكم ذاتي تحت راية الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا والمعروفة باسم روجافا، لتنضوي كل الرايات السابقة تحت هذه الراية التي اعتمدت عام 2018. يتكون الشعار من عبارة “الإدارة الذاتية” باللغة العربية، محاطة بسبع نجوم حمراء تمثل مناطق شمال شرقي سوريا، إضافة إلى فرع من الزيتون ومحصولين من ثمرة القمح التي تنمو في المنطقة، فيما تحيط بجميع الرموز عبارة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مكتوبة باللغات العربية والكرمانجية والسريانية والتركية، وهي اللغات المستخدمة في المنطقة.

كما يوجد في هذه المنطقة علم حركة المجتمع الديمقراطي الذي اعتمد عام 2012 وتستخدمه غالبية الكرد في المنطقة بألوانه الأصفر والأحمر والأخضر، وعلم حزب الاتحاد السرياني ممثل الشعب السرياني الأشوري في شمال وشرق سوريا، بألوانه الأزرق والأصفر والأحمر، والعلم الآشوري الذي يستخدمه المجلس العسكري السرياني وحرس الخابور وقوات الناطورة وغيرها، بتصميم متميز وألوانه الأزرق الداكن والأبيض والأحمر والأزرق الفاتح.

راية الساحل

أما العلم الذي ظهر على الساحة حديثاً وغير المألوف لدى السوريين هو علم الطائفة العلوية. عام 1858 قام مشير الجبل إسماعيل عثمان خير بك بثورة ضد العثمانيين وبنى متصرفية على شكل الدولة وبنى سرايا في الدريكيش وحكم الساحل السوري ثمانية أعوام. وكان العلم عبارة عن راية بيضاء وشمس ذهبية، وعندما أنشأت فرنسا دولة العلويين في سوريا عام 1920 أضافت ثلاث زوايا حمراء ترمز لوحدة الدم، ووضعت علمها في الزاوية الرابعة، الذي أُزيل في ما بعد وأُضيفت زاوية حمراء رابعة. ويعد من أقدم الأعلام إذ يعود البحث التاريخي لأكثر من 9 آلاف عام قبل الميلاد، ولكن قصة ارتباطه تعود للأمير أبومحمد الحسن بن يوسف المكزون السنجاري، وهو شخصية مفكرة فلسفية عسكرية دينية وأدبية بارزة في تاريخ وتقاليد العلويين. وقد ظهر هذا العلم بصورة جلية وواضحة بعد المجازر التي ارتكبت في حق العلويين في الساحل السوري في السابع من مارس الماضي، حين خرجت الدعوات للمطالبة بحماية دولية في الساحل والانفصال عن باقي الأرض السورية. وظهر على نطاق واسع حتى خارج سوريا خلال التظاهرات التي عمت بعض الدول الأوروبية منددة بـ”المجازر”.

وفي سياق الدعوات لتقسيم سوريا، عادت رايات الدول الأجنبية لتظهر مرة أخرى، فنصب علم روسيا على منطقة الساحل السوري ومنطقة حمص الغربية، كما ظهر علم دولة إسرائيل لاعباً بارزاً في الصراع داخل سوريا، واستطاعوا رفع علمهم على جبل الشيخ وفي الجنوب السوري حيث عمد أهل البلاد لإنزاله. كما أن للعلم التركي حضوراً واسعاً لا سيما عند بدء عملية “ردع العدوان” وسقوط نظام الأسد حيث ظهر على قلعة حلب ومناطق عدة في الشمال.

رايات الفصائل

كما ظهرت أعلام الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل نظام بشار الأسد، ومنها علم هيئة تحرير الشام و”جيش العزة” وحركة “أحرار الشام” وفصائل الجنوب و”جيش الإسلام” و”أنصار التوحيد” و”فيلق الشام” وحركة “نور الدين الزنكي”، إضافة لراية “داعش”. وقد تشابهت هذه الرايات لجهة أن معظمها اتخذ ما عرف براية المسلمين المكتوب عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وتحتها اسم الفصيل.

هذه الراية التي يَعُد عدد كبير من دراسي الحركات المتطرفة أنها استخدمت ستاراً لقتل الناس الأبرياء، مما جعل مجرد رؤيتها في مكان يثير الهلع والخوف في قلوب الناس.

وقد عمد أحمد الشرع قبل إعلانه رئيساً للجمهورية العربية السورية لحل هذه الفصائل وانضوائها جميعاً تحت راية العلم السوري الأخضر القادم من زمن الاحتلال الفرنسي، لكن مجازر الساحل السوري أعادت هذه الرايات إلى الواجهة وعاد الخوف مما تعنيه وما تحمله من تاريخ في إراقة الدماء، إلى الظهور.

يذكر أن الانتماء لعلم يتبع لطائفة وكيان يعطي شعوراً بالأمان في وجه علم آخر يثير الخوف في النفوس، بسبب ما تحمله دلالاته وتاريخه، إذ يعامل العلم صاحبه معاملة بطاقة التعريف، فلحظة رؤيته وتمييزه ومعرفته يجعل في العقل نظرة استباقية جاءت ليس فقط من معاني العلم، بل بما تم فعله تحت هذه الراية أو باسمها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى