الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةتشكيل الحكومة السورية الجديدةدوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 06 نيسان 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

——————————

في معنى “الجمهورية الثّالثة”: هل ما زال هناك ديمقراطيون علمانيون في سوريا؟/ محمد حلّاق الجرف

2025.04.05

عمد الفرنسيون، المولعون بنظام الحكم الجمهوري، إلى تقسيم تاريخهم لخمس جمهوريات. يُحدّد ابتداء كلّ منها، ونهايته، حدثٌ مفصليّ هام في ذلك التاريخ.  يقترن هذا الإجراء، في رأينا، برغبتهم الشّديدة في التّعويض عن محاولتهم لإحياء الملكية بين عامي 1870 و1883 إبّان ما دُرج على تسميته بالجمهورية الثّالثة الفرنسية.

انتقل هذا العُرف الفرنسي، وكما هي العادة، إلى سائر أرجاء العالم، ومنها عالمنا العربي الذي أضحى مؤرخوه شغوفين كذلك بتقسيم تاريخ بلادهم خصوصاً بعد ثورات الرّبيع العربي الأخيرة.

بات تعبير “الجمهورية الثّالثة” يُستخدم سياسياً لوصف مصر بعد سيطرة عبد الفتّاح السّيسي على الحكم هناك، وكذلك هو مصطلحٌ وصفي لحال تونس بعد انقلاب قيس سعيّد الأبيض على المؤسّسات الدّستورية في بلاده، وهناك، في تونس، تأسّس حزبٌ باسم حزب “الجمهورية الثّالثة” تقول إحدى تيماته (إذا ما أردت تغيير النّظام فعليك الانخراط فيه)، وبالتونسية الدّارجة “باش نبدلو السيستام لازم ندخلوا فيه”.

في سوريا، استخدم تعبير “الجمهورية الثّالثة” لوصف ما ستؤول إليه البلاد بعد سقوط بشّار الأسد. وفي رأينا، فإنّ في هذا بعض الغرابة التي لطالما تميّز بها معارضو نظام الاستبداد البائد. تأتي غرابة استخدام المصطلح، في رأينا، من كونه يصف ما لم يكن قد حدث بعد. وبالتّالي، ولاستثمار صحّة هذا المصطلح، وتخليصه من غرائبيته، فلا بدّ من تحويله من مجرّد “مصطلحٍ وصفيّ” إلى مشروع سياسي يقف بثبات على قدميه وينظر إلى الأمام، أيْ أن يكتسب معنىً، معنىً سياسيّاً بالتّحديد، يؤكّد بأنّنا نملك رؤية سياسية يصحّ التعبير عنها: (بمشروع الجمهورية السّورية الثّالثة).

سقط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، ولكنّنا، وحتّى هذه اللحظة، لم نشهد رؤية سياسية جديّة تسعى إلى دفن إرثه، لا من جانب السّلطة الجديدة، ولا حتّى من جانب معارضيها، وبالتّالي لا نرى رغبة حقيقية في الولوج إلى “مشروع الجمهورية السّورية الثّالثة”.

لا يكون المشروع السّياسيّ صالحاً، في رأينا، إذا لم يكن مشروعاً اجتماعياً واقتصادياً في الآن ذاته، وهذا يعني أولاً أنّه يجب أنْ يكون قريباً من النّاس الذين يدّعي تمثيلهم، معبّراً عنهم، وهذا لن يكون إلاّ إذا رأوا فيه مصلحتهم، وفي الوقت نفسه أن يكون مفهوماً بالنسبة إليهم، أي أن يُكتب بلغةٍ سهلة بعيدة عن التعقيد دون أن يعني ذلك بالضرورة فقْراً في النظرية والتنظير.

لا يجب أن يخشى سياسيو المعارضة السوريون من طرحٍ لتصوّرهم عن كيف سيديرون الدّولة في حال وصلوا إلى السّلطة، هذه ليست يوتوبيا، على العكس، إنّ المعنى الأول للسّياسة، ولوجود الحزب السّياسي هو الطّموح في السّلطة. ولكنْ، وفي الظّرف السّوري الحالي، فإنّ تقديم مبادرة حلّ شاملة باسم “مشروع الجمهورية الثّالثة” يكفي لاطلاع السّوريين على فكر معارضين يملكون رؤية مغايرة للسّائد الذي تسبّب في يأس السّوريين، وابتعادهم عن الشّأن العام ومتابعة الواقع السّياسي.

يستند المشروع برأينا على عدّة ركائز:

1. وحدة سوريا واستعادة السّيادة على كامل أراضيها، فسوريا بحدودها الدّولية المُعترف بها هي سوريا التي ينبغي أنْ تُبنى عليها الدّولة. فبدون حدودٍ واضحة، وبدون سيادة، لا معنى للدّولة. وبدون معنىً للدّولة لا يوجد معنى لأي مشروعٍ، أو شعارٍ، أو رؤية.

2. السّؤال الأساسي والمهم في الدّستور، وفي أي إعلانٍ دستوريّ، هو فصل السّلطات وعدم التّمييز، وليس دين الدّولة أو دين رئيسها! لذا لا نعتقد بوجوب الدّخول في جدلٍ بيزنطي كلّ مرّة حول العلمانية والدّين الإسلامي. فنحن، وإن كنّا نتخذ من العلمانية مبدأً وشعاراً لنا، لا ينبغي أن نُضيع الوقت ونشتّت الجهود في مسالك عبثية يجرّنا إليها جرّاً خصومنا السّياسيون.

إنّ الرّموز الأساسية للدّولة، مثل اسم الدّولة ولغتها (أو لغاتها)، ودينها وعلمها، هي أمورٌ تُترك لبرلمان ما بعد المرحلة الانتقالية ليقرّها باسم الشّعب. وما يمكننا فعله هو التمسّك بمبادئنا استعداداً لأي مفاوضات “قد” نُدعى إليها في هذا الشّأن. هذا ليس تنازلاً عن العلمانية، فهي طموحنا وغايتنا، لكنّ الإصرار عليها وتحويلها إلى أيقونة خلاص قد يعيق كلّ حوار قادم.

3. الشّعب بالتّعريف هو مجموعة من السّكان الذين يتشاركون في عادات وتقاليد ثقافية مشتركة، وينتمون إلى عرقٍ واحد. أي أنّ مفهوم الشّعب هو مفهوم يقوم على العرق، لا على الانتماء الدّيني أو الطّائفي. وبالتالي، فإنّ من حقّ المكونّات السّورية غير العربية أنْ يُعترف بها، وبحقّها في ممارسة حقوقها الثّقافية، وخصوصاً الحقّ في التّكلم وتعلّم لغتها الأصلية بشكلٍ علني.

ولكنْ هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى المطالبة بحقّ تقرير المصير؟ نعم، ولكنّ كلّ الظّروف الموضوعية تقول إنّه لا يمكن لأي طرفٍ سوريّ أن يستقلّ بذاته. أقصى ما يمكن الوصول إليه هو مناطق حكم ذاتي وهو أمرٌ لا يضرّ بوحدة سورية طالما بقيت حقوق المواطنين الأفراد مصونة. وما يجب الالتزام به هو حقّ المواطن الفرد في مقاضاة الحكم الذّاتي أمام قضاء الدّولة المركزي إذا ما تعرّض لغبنٍ ما.

4. علينا السّعي لتوثيق كلّ ما ذُكر أعلاه والتأكيد عليه في مبادئ دستورية أساسية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية. مبادئ دستورية أساسية صالحة لحكومة ظلّ، وبرلمان ظلّ، مبادئ واضحة ومحدودة التّعداد، بحيث تكون مفهومة من الجميع، وفهمها متاحاً للجميع، وأن يتطلّب تعديلها أغلبية الثّلثين. وعلينا الابتعاد عن تعبير (مبادئ دستورية عُليا) فهذه بدعة تُناقض الفقه الدّستوري الذي يعتبر أنّ الدّستور هو القانون الأعلى في البلاد، كما أنّها غير موجودة في أي بلدٍ آخر. وقد تمّت محاولة تجريبها في مصر بعد ثورة يناير وفشل ذلك.

5. وضع المسألة الطّائفية على طاولة النّقاش، وبشكلٍ عمليّ وهادئ. ومحاربة لغة الكراهية أينما وُجدت. والتأكيد على أنّ المواطنة المتساوية هي معيار الانتماء إلى سوريا المستقبل، وأنّ الأغلبية والأقلية هما مفهومان سياسيان في العملية الدّيمقراطية. ولا يصحّ أن يُبنى الترشّح لمنصبٍ ما بناءً على لوائح طائفية. ومن هنا، يجب أن يكون الموقف واضحاً في رفض الدّيمقراطية التّوافقية، وفي رفض إحلال الشّورى محلّ الدّيمقراطية.  كما يمكن إعادة طرح فكرة “مجلس الشيوخ” كحلٍّ معقول للتّمثيل الطّائفي ضمن مجرى العدالة الانتقالية.

6. طرح فكرة “دولة العدالة الاجتماعية” كحلّ اجتماعي واقتصادي للمجتمع والدّولة، وتبنّي الليبرالية سياسياً واقتصادياً، مع التّأكيد والتّوضيح بأنّ اللّيبرالية لا تعني تخلّي الدّولة عن دورها كما يروّج لذلك الليبراليون الجُدد. اللّيبرالية في جوهرها تتطلّب دولة قوية، دولة قادرة على تأمين الضّمان الصحّي لمواطنيها، دولة قادرة على ضمان التّعليم الجيّد لكلّ مواطنيها. دولة قادرة على منع الاحتكار، ووضع وتطبيق قانون عمل عادل يُنصف طرفي العمل. دولة يمكنها وضع حدّ أدنى للأجور، ومنع التهرّب الضّريبي.

لا تناقض بين اللّيبرالية والعدالة الاجتماعية، لذا فإنّ حقّ السّكن والتعلّم والطّبابة، هي حقوق يجب أن تكون مكفولة في المبادئ الدّستورية لكلّ مواطني سوريا.

7. تبقى مسألة أخيرة، وهي العلاقات مع المحيط الدّولي والإقليمي، بما فيها إسرائيل، وهي علاقة يجب أن تُبني على العقلانية والمصلحة. برأينا، لا مانع من إقامة علاقات “صفر مشاكل” مع المحيط الإقليمي، لكن فيما يتعلّق بإسرائيل، هناك جرائم ارتكبت وأراضٍ انتزعت، وهذه قضايا يجب حلّها قبل إقامة أي علاقات عادية.

هذه بعض نقاط من مشروع سياسي لـ “الجمهورية السّورية الثّالثة” نعتقد أنّه يمكن أن يتحوّل بالنّقاش والتّفاعل إلى رؤية سياسية متماسكة.

تلفزيون سوريا

———————–

أربعة أشهر على سقوط الأسد.. سوريا إلى أين؟/ أغيد حجازي

6 أبريل 2025

أربعة أشهرٍ على سقوط نظام الأسد، والمشهد الراهن لا يخلو من التباينات. فبين شعارات “إعادة البناء” التي ترفعها الحكومة الانتقالية، والإنجازات المحققة على الأرض، تظل ملفات معقدة دون حل، ويطفو على السطح سؤال جوهري: هل خَلعُ نظام دكتاتوري يعني بالضرورة ولادة الديمقراطية؟

الإصلاح السياسي وتشكيل حكومة جديدة

يرى الكاتب والمحلل السياسي مؤمن كويفاتي في حديثه لـ”الترا سوريا” أن السلطة الجديدة في دمشق اتخذت حزمة إجراءات سريعة في الأشهر الأولى بعد سقوط النظام بهدف طي صفحة الحكم الشمولي وفتح الباب أمام تحول ديمقراطي حقيقي وكسب ثقة شريحة واسعة من الشعب عبر قرارات جريئة كحل الجيش والأفرع الأمنية ومجلس الشعب وحزب البعث والإفراج عن المعتقلين. كما أُعلن عن إلغاء المحاكم الميدانية والاستثنائية، وتعطيل العمل بدستور عام 2012 تمهيدًا لصياغة دستور دائم جديد يكرس مبادئ التعددية والفصل بين السلطات.

وبحسب كويفاتي، فإن تشكيل حكومة انتقالية ذات طابع تكنوقراطي تضم كفاءات من التكنوقراط ومستقلين أُوكلت إليها مهمة إدارة شؤون البلاد والإعداد لمرحلة دائمة، هي خطوة لطمأنة مختلف أطياف المجتمع. لكن هذه الخطوات، على أهميتها، ما هي إلا بداية الطريق في عملية انتقال سياسي طويلة وشاقة تنتظر البلاد، وأن التحدي الأكبر أمام السلطة الحالية هو المحافظة على وحدة الصف وإشراك الجميع في العملية السياسية، لضمان عدم إعادة إنتاج الاستبداد بشكل آخر.

وتؤكد الصحفية بشرى حسن أن الإصلاحات السياسية، وتشكيل الحكومة الجديدة، خطوات مهمة لاقت تأييدًا واسعًا نتيجة التنوع الموجود في الحكومة الجديدة واختيار وزراء اختصاصيين ودمج وإحداث وزارات جديدة مثل وزارة الطوارئ والكوارث ووزارة الرياضة والشباب. إلا أن احتفاظ هيئة تحرير الشام بالوزارات السيادية (الدفاع والداخلية والخارجية والعدل) لم يلق ترحيبًا من بعض أطياف المجتمع.

تحسّن الأوضاع الأمنية وتوقف القصف

على الصعيد الأمني، يؤكد مواطنون كثر أنهم تنفسوا الصعداء بعد توقف المعارك والقصف، واستعاد كثيرون شعور الأمان المفقود منذ زمن طويل، وانتهى شبح البراميل المتفجرة والغارات الجوية الذي أرّق المدنيين خلال الحرب، وباتت سماء سوريا أكثر هدوءًا. ويشير مؤمن كويفاتي إلى أن السوريين لم يعهدوا أن ترمي طائرات الجيش عليهم الورود في الاحتفالات بدل البراميل والقنابل.

وقد عادت شوارع حلب وأسواقها إلى الحياة تدريجيًا بلا خوف من سقوط قذائف مفاجئة، وعلى طريق دمشق ـ حلب الدولي تسير السيارات المدنية بحرية للمرة الأولى منذ سنوات دون حواجز أو مناطق اشتباك.

الكثير من العائلات تمكنت من لمّ شملها وزيارة أقاربها بعد أن فرقتها مناطق السيطرة لسنوات طويلة، حيث قالت أم أحمد، وهي أم لخمسة أطفال عادت مؤخرًا إلى قريتها في ريف درعا بعد سنوات من اللجوء في مخيم الزعتري بالأردن، إن “الأمان هو أهم ما تغيّر. لم نعد نخشى التنقل. أطفالنا عادوا إلى المدارس بلا خوف”.

في هذا الإطار يؤكد الباحث والكاتب حسين الهاروني أن الهدوء ساد معظم أرجاء البلاد باستثناء حوادث أمنية محدودة تمكنت السلطات من احتوائها سريعًا، ومنها اشتباكات متفرقة مع مجموعات مسلحة رافضة للاستسلام من فلول النظام السابق في بعض المناطق النائية. وبالتوازي، تركز السلطات جهودها على ملاحقة خلايا تنظيم “داعش” الإرهابي التي تنشط في بعض الجيوب الصحراوية، لضمان ألا يستغل المتطرفون الفراغ الأمني لإعادة تنظيم صفوفهم وتهديد الاستقرار.

انتعاش اقتصادي حذر

لقي توقف القتال واستتباب الأمن نسبيًا أثرًا إيجابيًا مباشرًا على الاقتصاد السوري، وإن كان الطريق لا يزال طويلًا نحو التعافي الكامل. حيث يشير كويفاتي إلى التحسن الذي شهدته الليرة السورية بشكل تدريجي في قيمتها بعد سنوات من الانهيار المتواصل، فعقب سقوط النظام بدأت العملة تستعيد جزءًا من عافيتها في السوق السوداء والبنوك، حيث تحسّن سعر الصرف من 25 ألف ليرة للدولار في ذروته إلى أقل من 12 آلاف ليرة حاليًا حسب بيانات البنك المركزي.

يتابع كويفاتي أن عودة الهدوء وفتح الطرق بين المحافظات أنعش حركة التجارة الداخلية، بعدما اختفت الحواجز التي كانت تفرض الإتاوات وتعيق نقل البضائع. في سوق الهال بدمشق وأسواق حلب وحمص، عادت السلع المحلية تتدفق من الأرياف إلى المدن بلا عوائق، ما أدى إلى انخفاض نسبي في أسعار المواد الغذائية بعد سنوات من الغلاء الفاحش.

على الصعيد الاقتصادي الإقليمي، يقول الهاروني إن الحكومة الجديدة تلقّت إشارات دعم من دول عربية وغربية وعدت بالمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد. فقد تعهدت دول خليجية بتقديم حزم دعم مالية واستثمارية حالما تستقر الأوضاع السياسية، وأبدت تركيا والأردن استعدادًا لتوسيع التبادل التجاري وفتح المعابر الحدودية بشكل كامل.

من جهة أخرى تقول بشرى حسن إنه رغم وجود مؤشرات إيجابية لتحسن الاقتصاد، يبقى الاقتصاد السوري منهكًا يواجه تحديات ضخمة تراكمت عبر سنوات الحرب. فلا يزال أكثر من 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر بحسب تقديرات منظمات دولية، والبنى التحتية الأساسية من كهرباء ومياه ومستشفيات ومدارس تحتاج لإعادة تأهيل عاجلة. كما أن معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب نتيجة انهيار قطاعات الصناعة والزراعة خلال الحرب لن تنخفض بين ليلة وضحاها. ويواجه المواطنون يوميًا مشكلات نقص الخدمات وارتفاع كلفة المعيشة، إذ رغم تراجع الأسعار قليلًا فإن الدخول المحدودة ما زالت غير كافية لسد الاحتياجات الأساسية.

تتابع حسن أن السلطة الجديدة وعدت بزيادة الرواتب بنسبة 400% إلا أنها لم تقم بهذه الزيادة إلى الآن مع تبريرات أنها ورثت إرثًا اقتصاديًا ثقيلًا ومنهكًا وتحتاج إلى مزيدٍ من الوقت حتى تعيد التوازن المالي إلى مساره الصحيح.

عودة اللاجئين وإعادة الإعمار

مع تحسن الأوضاع الأمنية، بدأ باب الأمل بعودة الملايين من السوريين المهجرين قسرًا إلى وطنهم يُفتح على مصراعيه. خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، سجّلت المعابر الحدودية مع دول الجوار عودة تدريجية لموجات من اللاجئين السوريين الذين ضاقت بهم سبل العيش في المخيمات والمنافي، ووفق بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد نحو 372.500 لاجئ ونازح إلى ديارهم معظمهم من لبنان وتركيا والأردن والعراق ومصر، وأشارت إلى أن عدد النازحين داخليًا العائدين إلى منازلهم بلغ 1.05 مليون شخص منذ ديسمبر 2024

تقول أم أحمد: “لم أكن أصدق أنني سأعود يومًا إلى منزلي. صحيح أن بيتنا تهدم بالكامل، لكن يكفينا أننا عدنا إلى تراب بلدنا ووسط أهلنا. سنبدأ من الصفر، والأمان الموجود الآن يعوض كل شيء”.

تؤكد الصحفية الحسن أنه إلى جانب عودة البشر، بدأت أيضًا رحلة عودة الحياة إلى المدن والبلدات المدمرة عبر جهود إعادة الإعمار، وإن كانت لا تزال في مراحلها الأولى وبإمكانات محدودة. فقد شرعت فرق الهندسة بإزالة الأنقاض وفتح الطرق المغلقة في أحياء حمص وحلب الشرقية والغوطة الشرقية بدمشق وغيرها من المناطق التي شهدت معارك ضارية في السنوات الماضية. وأُعيد ترميم وإصلاح مرافق حيوية بشكل إسعافي وتأهيل عدد من المدارس والمستشفيات بدعم من منظمات دولية ومتطوعين محليين.

تقدّر الأمم المتحدة حجم التمويل اللازم لإعادة إعمار سوريا بأكثر من 400 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق قدرات الحكومة بمراحل، لكنها تعوّل على الوفاء بالوعود الدولية والإقليمية بالمساعدة في هذا الملف الإنساني الكبير.

في الوقت نفسه يرى كويفاتي أن تشجع السلطات أبناء الوطن في المهجر على العودة هي أفضل خطوة للمساهمة في إعادة البناء، عبر تسهيل إجراءات استعادة الأوراق الثبوتية والملكية، وإطلاق برامج للاستثمار ومنح القروض الميسرة لإقامة مشاريع صغيرة في القطاعات الإنتاجية.

قضية “قسد” والوحدة الوطنية

يرى مراقبون أن أكبر التحديات الخارجية يتمثل في استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية. أما في الداخل فهناك قضية “قسد” التي تشكل أكبر التحديات على هذا الصعيد.

بعد شهر من الاتفاق الذي وقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع  وقائد قوات “قسد” مظلوم عبدي، بدأت خطوات عملية على أرض الواقع أبرزها الاتفاق حول حيي “الشيخ مقصود والأشرفية” في حلب حيث يوجد أغلبية كردية، ونص الاتفاق بين المجلس المدني للحيين واللجنة المكلفة من رئاسة لجمهورية على تبعية الحيين إداريًا للحكومة السورية مع احترام الخصوصية الاجتماعية والثقافية لسكانهما، ومنع المظاهر المسلحة وحصرها بيد وزارة الداخلية وإزالة السواتر الترابية وانسحاب القوات العسكرية التابعة لـ “قسد”  إلى شرق الفرات، لتعزيز التعايش السلمي، كما تم تبادل نحو 250 أسيرًا بين مديرية الأمن الداخلي في حلب و”قسد” ضمن ما وصفت بعملية “تبييض السجون”.

في هذا الإطار تلفت بشرى حسن إلى أن قضية مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة الجديدة على تحقيق الوحدة الوطنية وبسط سيادة الدولة على كامل التراب السوري. فـ”قسد”، التي يغلب على قيادتها المكوّن الكردي وتساندها قوات أميركية محدودة في محاربة تنظيم داعش، وجدت نفسها بعد سقوط نظام الأسد، أمام مفترق طرق: فإما المضي في مشروع الإدارة الذاتية بمعزل عن دمشق، أو الدخول في حوار مع السلطة المركزية الجديدة للتوصل إلى صيغة تضمن حقوق سكان تلك المناطق ضمن إطار الدولة السورية وهو ما فعلته قسد مما انعكس خيارها بشكل إيجابي على أرض الواقع في خطوات عملية تتم على مراحل.

يعتقد الهاروني أن الأجواء إيجابية بين الحكومة و”قسد” رغم التعقيدات العديدة التي تواجه هذا الملف، من أبرزها المخاوف التركية، إذ ترى أنقرة أي صيغة تمنح الأكراد حكمًا ذاتيًا بمثابة تهديد لأمنها القومي. كما أن بعض العرب في مناطق شرق الفرات يتوجسون من استمرار هيمنة “قسد” على الإدارات المحلية. “مع ذلك، يؤكد الطرفان حرصهما على تفادي المواجهة العسكرية بينهما”. ويرى الهاروني أن “نجاح دمج مناطق الشمال الشرقي سلمًا ضمن الدولة سيكون إنجازًا وطنيًا كبيرًا”.

تحديات أحداث الساحل

يرى مجد علي، وهو من أبناء اللاذقية، أن مزيجًا من القلق والتوجس ظهر بين السكان في الساحل عقب سقوط النظام، خشية من احتمال تعرضهم للتهميش أو الانتقام كونهم ينتمون إلى طائفة الأسد نفسها، وقد سعت الحكومة الجديدة إلى احتواء هذه الهواجس عبر رسائل طمأنة متواصلة، أبرزها التأكيد على أن سوريا الجديدة هي لكل أبنائها دون استثناء، وأن أحدًا لن يُستهدف بسبب هويته أو موقفه السابق. إلا أن ما حصل في 6 آذار/ مارس 2025، بعد اعتداء فلول النظام على الأمن العام ومحاولتهم السيطرة على الساحل، أدى إلى تراجع هذه الثقة، فقد تمخض عن ردات الفعل لدى بعض عناصر الأمن العام ومجموعات مسلحة وفصائل غير منضبطة ارتكاب مجازر بحق المدنيين.

تُشدد بشرى حسن على أن التعاطي مع هذه الأزمة يتطلب إجراءات جذرية تتجاوز خطابات التهدئة، بدءًا من ملاحقة مجرمي الحرب في النظام السابق، ومرورًا بمحاسبة المتورطين في انتهاكات الساحل بغض النظر عن انتماءاتهم، ووصولًا إلى بناء مؤسسات قادرة على كسب ثقة المجتمع الدولي والمحلي. وتشير إلى أن منظمة العفو الدولية لم تُلقِ باللوم على فلول النظام فحسب، بل كشفت أيضًا عن فشل الحكومة في مراقبة المجموعات المسلحة الموالية للحكومة، محملةً إياها مسؤولية الفوضى الدموية التي جرت، مما يُغذي دوامة العنف ويُعيد إنتاج أشكال التمييز الطائفي.

 بينما يعترف علي أن الثقة بين المكوّنات المجتمعية أصبحت أكثر هشاشة، خاصةً مع استمرار تداول أخبار عن اختطافات انتقامية وتهجير مُمنهج في قرى الساحل، رغم الإجراءات التي تبنتها الحكومة. يُضيف: “المشكلة أن جراح الماضي لم تُندمل، والكلام عن الوحدة الوطنية يبدو أحيانًا كصرخة في وادٍ ما لم تُترجم إلى عدالة حقيقية تُعيد الاعتبار للضحايا”. هكذا يظل الساحل السوري، بتركيبته الديموغرافية المعقدة، اختبارًا مصيريًا لمشروع “سوريا الجديدة”.

وتظل سوريا أسيرة التناقضات ويبقى السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم: هل تستطيع الحكومة الجديدة قيادة مرحلة انتقالية تحظى بقبول شعبي ودولي؟ أم أن سوريا مقبلة على حرب أهلية جديدة، كما حذر مبعوث الأمم المتحدة؟

الترا سوريا

—————————-

مقومات متاحة.. المعجزة الاقتصادية السورية بين التحديات والفرص الممكنة/ عبد العظيم المغربل

2025.04.05

تشهد سوريا اليوم مرحلة مفصلية على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث تسعى البلاد للخروج من تبعات أكثر من عقد من الحرب، وذلك بعد سقوط نظام الأسد، وبينما تستمر الأزمة الاقتصادية نتيجة التضخم وارتفاع كلفة المعيشة، ونقص الموارد الأساسية، والعقوبات الاقتصادية، تُطرح تساؤلات حول إمكانية تحقيق معجزة اقتصادية سورية، على غرار تجارب دول أخرى تجاوزت مراحل الدمار نحو نهضة اقتصادية، مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية التي نجحت في إعادة بناء اقتصادها خلال فترات قصيرة نسبياً.

ما هي التحديات الاقتصادية الراهنة أمام المعجزة الاقتصادية السورية؟

تراجعت حدّة العمليات العسكرية بشكل كبير جداً في أجزاء واسعة من البلاد مقارنة بسنوات الحرب، إلا أن الواقع الأمني لا يزال غير مؤمن بالشكل المناسب بالرغم من حصول تقدم سياسي واضح؛ حيث يقول في هذا الإطار الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي في مقابلة مع تلفزيون سوريا: “بالرغم من تقدم العملية السياسية بطريقة صحيحة، إلا أن الوضع ميدانياً ما زال يحتوي على بعض العثرات الكبيرة، مثل استمرار مشكلة قسد في شرقي سوريا، والمشاكل في الجنوب السوري، ومشاكل فلول النظام في الساحل، وهذا ما يجعل المستثمر ينحجب عن الاستثمار في البلاد”.

بجانب ذلك، ما يزال الاقتصاد السوري يواجه أزمات هيكلية عميقة تضعف قدرته على التعافي والنمو. إذ ما تزال الليرة السورية تشهد تدهوراً مستمراً أمام العملات الأجنبية، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل انخفاض الدخل وارتفاع كلفة المعيشة، ما زاد الضغوط على الطبقات الفقيرة والوسطى، وجعل الوصول إلى الاحتياجات الأساسية أكثر صعوبة.

كما أن العقوبات الغربية، خصوصاً الأميركية، تستمر في فرض قيود صارمة على التعاملات المالية الخارجية، وتقليص تدفق الاستثمارات الأجنبية، وإعاقة استيراد المواد الضرورية لإعادة الإعمار. وتحدّ هذه العقوبات من قدرة الاقتصاد السوري على الاستفادة من بعض الإعفاءات والتراخيص من العقوبات الأوروبية، مما يزيد من عزلة البلاد الاقتصادية ويُفاقم الأزمة المالية.

في الوقت نفسه، لا تزال البنية التحتية الأساسية في حالة تدهور مستمر، حيث تعاني شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والطرق من ضعف كبير، مما يشكّل عائقاً رئيسياً أمام أي جهود لإعادة إحياء القطاعين الصناعي والزراعي بشكل مستدام. ويتفاقم هذا التحدي مع استمرار نزيف رأس المال البشري، حيث فقد الاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب والنزوح جزءاً كبيراً من الكفاءات المهنية والعمالة الماهرة، ما انعكس سلباً على مستويات الإنتاجية، وأضعف القدرة التنافسية للقطاعات الاقتصادية المختلفة، وزاد من تعقيد جهود إعادة الإعمار والتنمية.

الدروس المستفادة من المعجزة الاقتصادية الألمانية

رغم اختلاف السياقات بين ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وسوريا اليوم، إلا أن التجربة الألمانية تقدم دروساً قيّمة يمكن الاستفادة منها في صياغة نهج اقتصادي سوري يهدف إلى تحقيق تعافٍ مستدام.

أولاً: قامت ألمانيا الغربية بإجراء إصلاحات اقتصادية جذرية بمجرد انتهاء الحرب، تضمنت إلغاء القيود المفروضة على الأسعار، وإعادة هيكلة النظام المصرفي، وتحفيز المنافسة الاقتصادية، مما أسهم في استقرار الأسواق وتعزيز الإنتاج. في الحالة السورية، لا يمكن تحقيق أي تعافٍ اقتصادي دون إعادة هيكلة السياسات المالية والتجارية، وخلق بيئة أعمال تحفّز على الاستثمار والإنتاج.

ثانياً: لعب القطاع الخاص دوراً محورياً في المعجزة الاقتصادية الألمانية، حيث تم منحه حرية أكبر في اتخاذ القرارات الاستثمارية، مما أدى إلى انتعاش سريع للقطاعات الإنتاجية. في سوريا، يتطلب تحقيق أي انتعاش اقتصادي تحرير السوق من القيود البيروقراطية والفساد، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإطلاق مشاريع استثمارية تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد.

ثالثاً: لم يكن النمو الألماني مجرد مصادفة، بل جاء نتيجة تخطيط اقتصادي استراتيجي يهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية، وتعزيز الصناعات التصديرية، وتحقيق الاستقرار النقدي. تحتاج سوريا اليوم إلى رؤية اقتصادية شاملة تُبنى على تخطيط طويل الأمد، يشمل تطوير القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة والخدمات والتعليم والصحة، وضمان الاستقرار النقدي والمالي.

رابعاً: استفادت ألمانيا من برنامج “مارشال” الذي وفّر لها الدعم المالي لإعادة الإعمار، ولكن العامل الأهم كان قدرتها على خلق بيئة استثمارية آمنة جاذبة لرأس المال المحلي والأجنبي. في سوريا، ورغم غياب دعم مالي دولي مماثل، فإن تحسين بيئة الاستثمار، وتقديم حوافز واضحة، وإنشاء صندوق ثروة استثماري، وطمأنة المستثمرين المحليين والدوليين، يمكن أن يكون مفتاحاً لجذب الأموال الضرورية لتحريك الاقتصاد.

خامساً: أدركت ألمانيا أن إعادة بناء البنية التحتية هو شرط أساسي للنهوض الاقتصادي، ولذلك تم توجيه جزء كبير من الاستثمارات نحو إنشاء شبكات طرق حديثة، وتطوير الموانئ والقطاعات الخدمية. في سوريا، يمثل إعادة تأهيل الكهرباء والمياه والطرق والاتصالات أولوية ملحّة، نظراً لأثرها المباشر على تحسين بيئة الأعمال وتشجيع الإنتاج المحلي، لكن الكلفة العالية لإعادة تأهيل هذه البنية التحتية يحفّز الإدارة الجديدة للبلاد على التوجّه نحو خصخصة قسم من هذا القطاع، خصوصاً محطات الكهرباء.

سادساً: لعب التعليم والتدريب المهني دوراً رئيسياً في المعجزة الاقتصادية الألمانية، حيث تم التركيز على إعداد كوادر مؤهلة قادرة على تلبية احتياجات سوق العمل الجديد. في سوريا، يُعدّ الاستثمار في الموارد البشرية وتطوير التعليم والتدريب التقني أمراً مهماً لرفع كفاءة القوى العاملة وتحفيز النمو في القطاعات الإنتاجية.

سابعاً: اعتمدت ألمانيا على سياسة نقدية صارمة تهدف إلى تحقيق استقرار العملة والسيطرة على معدلات التضخم، وهو ما عزز ثقة المستثمرين والمستهلكين. في الحالة السورية، فإن أي مسار اقتصادي ناجح يجب أن يتضمن سياسات مالية ونقدية واضحة، تضمن استقرار قيمة الليرة السورية، وتحدّ من التضخم، وتوفر بيئة نقدية مستقرة للاستثمار والتجارة.

المقومات الداخلية لتحقيق المعجزة الاقتصادية السورية

رغم الأزمات العميقة التي يواجهها الاقتصاد السوري، لا تزال هناك مقومات داخلية يمكن أن تشكّل نقطة انطلاق نحو التعافي وإعادة البناء إذا ما تم توظيفها بشكل مدروس وفعال.

يُعدّ رأس المال البشري والكفاءات المهنية من أهم هذه المقومات، حيث تمتلك سوريا شريحة واسعة من المتعلمين وأصحاب الخبرات في مجالات الهندسة والطب والعلوم والصناعات الحرفية، بالإضافة إلى المغتربين الذين حصلوا على تعليم متقدم في مختلف البلدان. يمكن لهؤلاء أن يلعبوا دوراً محورياً في إعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية، لا سيما إذا تم توفير بيئة عمل مستقرة تحفّزهم على البقاء أو العودة من الخارج للمساهمة في نهضة البلاد.

الموقع الجغرافي الاستراتيجي لسوريا يمنحها ميزة لوجستية مهمة، إذ تربط بين الشرق الأوسط وأوروبا، مما يجعلها محوراً رئيسياً للتجارة والنقل. الاستفادة من هذه الميزة تتطلب تحقيق الاستقرار الأمني وتطوير البنية التحتية، بما يشمل الموانئ والطرق والسكك الحديدية، لتحويل سوريا إلى مركز إقليمي لعبور البضائع والطاقة.

القطاع الزراعي يُعدّ أحد أعمدة الاقتصاد السوري، نظراً لتوفر الأراضي الخصبة، والمناخ المتنوع، والموارد المائية، واليد العاملة الماهرة. هذا القطاع قادر على تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الصادرات الزراعية إذا تم تحديث أساليب الإنتاج، وتحسين تقنيات الري، وتشجيع الاستثمار في الصناعات الغذائية التكميلية. ويقول الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي في هذا الإطار: “إنه من الضروري تطوير القطاع الزراعي”، مشيراً إلى أن سوريا كانت تتمتع بقدرة تصديرية كبيرة قبل عام 2011، ويمكن أن تحقق اليوم اكتفاءً ذاتياً يعزز إيرادات النقد الأجنبي إذا ما عاد القطاع إلى مساره الإنتاجي السابق.

الصناعات التحويلية والتقليدية كانت ولا تزال جزءاً أساسياً من الاقتصاد السوري، حيث تتمتع البلاد بتاريخ طويل في الصناعات النسيجية، الغذائية، وصناعة الأدوية. دعم هذا القطاع يتطلب تقديم حوافز للمستثمرين، وتحسين البنية التحتية، وخاصة في مجال الطاقة، وتحديث خطوط الإنتاج لتعزيز القدرة التنافسية في الأسواق المحلية والعالمية.

التجارة والأسواق الإقليمية كانت دائماً جزءاً رئيسياً من النشاط الاقتصادي السوري، ومع تحسن العلاقات الإقليمية والاستقرار الأمني يمكن لسوريا أن تستعيد مكانتها كمحور تجاري عبر تعزيز التكامل الاقتصادي مع الدول المجاورة، وإقامة مناطق تجارية حرة تجذب الاستثمارات وتزيد من تدفق السلع والخدمات.

ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي يمثلان نافذة جديدة للنمو الاقتصادي، حيث يفتح انتشار الإنترنت والتطور التكنولوجي آفاقاً واسعة لخلق فرص عمل جديدة، خاصة من خلال دعم المشاريع الناشئة في مجالات التكنولوجيا، والتجارة الإلكترونية، والخدمات الرقمية. الاستثمار في هذا المجال يمكن أن يساهم في إدماج الشباب السوري في الاقتصاد العالمي وتوفير فرص عمل مبتكرة تدعم التنمية المستدامة.

ماذا تحتاج سوريا لتحقيق المعجزة الاقتصادية؟

لتحقيق نهضة اقتصادية حقيقية متمثلة في معجزة اقتصادية سورية، تحتاج البلاد إلى تنفيذ إصلاحات جذرية وشاملة، تبدأ بتحقيق الاستقرار الأمني كشرط أساسي لأي انتعاش اقتصادي أو استقرار سياسي واجتماعي. لا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو في ظل بيئة مضطربة، حيث تؤدي الأوضاع الأمنية غير المستقرة إلى عزوف المستثمرين وتراجع الثقة بالسوق. لذا، فإن تعزيز الاستقرار الأمني وإيجاد حلول مناسبة للأزمات الداخلية والخارجية سيكون المدخل الرئيسي لتحفيز النشاط الاقتصادي واستعادة ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.

إن الاستقرار الأمني سيساهم بشكل كبير في الدفع نحو الاستقرار السياسي وتحسن العلاقات بين سوريا ودول العالم، وهذا بطبعه يساهم في دفع الدول الغربية إلى إلغاء العقوبات المفروضة على البلاد؛ حيث تشكل هذه العقوبات حاجزاً مانعاً لأي تنمية اقتصادية.

بالتوازي مع ذلك، يجب العمل على تحسين بيئة الاستثمار من خلال تجهيز قوانين وإجراءات إدارية جديدة ومتطورة، وتوفير حوافز ضريبية وجمركية، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة تشجّع على جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية؛ حيث إن تسهيل تأسيس الأعمال، وحماية حقوق المستثمرين، وضمان المنافسة العادلة، كلها عوامل ستساهم في تحريك عجلة الإنتاج وتعزيز النمو الاقتصادي.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث قضيماتي: “إن تسهيل عملية المعجزة الاقتصادية يحتاج قبل كل شيء إلى إصلاح المنظومة القانونية للاستثمار والتجارة، بحيث تكون مناسبة لجذب الاستثمارات”.

كما أن إصلاح القطاع المصرفي يُعد ضرورة ملحّة لتسهيل تدفق الاستثمارات وتحفيز النمو، وذلك عبر تطوير النظام المصرفي ليصبح أكثر مرونة وكفاءة، عبر تخفيف القيود على التحويلات المالية، لا سيما تلك القادمة من المغتربين السوريين، الذين يشكّلون مصدراً مهماً للعملة الصعبة.

وفي هذا السياق، يقول الباحث قضيماتي: “إن إصلاح القطاع المصرفي يساعد على تدفق الأموال عبر القنوات الرسمية، وهذا يعزز من قيمة الليرة السورية بسبب تشكل احتياطي أجنبي نقدي، كما أن القطاع المصرفي يدخل في تمويل بقية القطاعات الاقتصادية”.

إلى جانب ذلك، يتعيّن على سوريا إعادة بناء القطاعات الإنتاجية، وخاصة الزراعة والصناعة التحويلية، نظراً لدورهما الحيوي في تحقيق الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وخلق فرص عمل مستدامة، وذلك عبر دعم المزارعين من خلال توفير قروض ميسّرة، وتحسين أنظمة الري، وتحديث البنية التحتية الزراعية، كلها إجراءات ستساعد في استعادة دور القطاع الزراعي. وبالمثل، فإن إعادة إحياء الصناعة التحويلية، ودعم الصناعات التصديرية، وتبني سياسات تحفيزية للشركات الصناعية، سيكون له أثر مباشر على تحسين الميزان التجاري وتعزيز الاقتصاد المحلي.

وفي ظل الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية، تحتاج سوريا إلى استثمارات ضخمة في شبكات الكهرباء، والطرق، والمياه، والموانئ، والاتصالات، إذ تُعدّ هذه القطاعات حجر الأساس لأي عملية إعادة إعمار ناجحة. ومن أجل تحقيق ذلك، ينبغي تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من التمويل العربي والمنح التنموية، مع ضرورة وضع خطط واضحة تضمن تنفيذ مشاريع البنية التحتية بكفاءة وشفافية.

بشكل عام، لا شك أن تحقيق المعجزة الاقتصادية السورية يتطلب مواجهة تحديات معقدة وطويلة الأمد، إلا أن التجارب الدولية مثل المعجزة الاقتصادية الألمانية تؤكد أن الدول التي شهدت دماراً واسعاً يمكن أن تنجح في إعادة بناء اقتصادها إذا تبنّت استراتيجيات سليمة، وقامت بإصلاحات جذرية، وعزّزت التعاون الإقليمي والدولي.

إن تحقيق المعجزة الاقتصادية السورية لن يكون ممكناً دون تنفيذ هذه الإصلاحات الجوهرية، التي تمثل الركائز الأساسية لأي اقتصاد يسعى إلى التعافي والنمو والتنمية المستدامة. ولكون سوريا تحتاج إلى ضبط الأمن وصفر مشاكل في العلاقات الدولية، فإنها بحاجة إلى رؤية اقتصادية شاملة تقوم على استثمار مواردها بشكل مدروس، وإعادة هيكلة قطاعاتها الإنتاجية، وخلق بيئة استثمارية جذابة، بحيث تتمكن من تجاوز أزمتها الاقتصادية والانطلاق نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

تلفزيون سوريا

————————–

من “خلية الأزمة” إلى “جرائم” الساحل.. كيف نصل إلى الحقيقة والعدالة؟/ علي سفر

2025.04.06

انتهى تلفزيون سوريا قبل فترة وجيزة من عرض سلسلة وثائقية بعنوان “خلية الأزمة”، تناولت بالتفصيل عمل المجموعة التي شكلها بشار الأسد، رئيس النظام البائد، من رجالات حكمه، لتتعاطى مع مجريات الثورة السورية بُعيد فترة وجيزة من انطلاقها.

غير أن أهم ما قدمته الحلقات الأربع هو تفكيك الروايات المتناقضة حول الانفجار الغامض الذي أنهى حياة معظم أعضائها صباح يوم 18/08/2012، حيث برزت طوال الـ 13 سنة الفائتة سردية رائجة في أوساط المعارضة تقول إن النظام هو من دبّر الحادثة من أجل تصفية بعض القادة، ممن كان يراقب تواصلهم مع الأميركيين ويخشى أن يقوموا بالانقلاب عليه. وقد تركز الحديث هذا حول آصف شوكت، صهر الأخوين بشار وماهر، أي زوج بشرى الأسد، فيما جرى الحديث عن أن بعض القادة الآخرين كانوا يرفضون الزج بالجيش في الأزمة، كي لا يؤدي ذلك إلى إضعافه!

لكن بيضة القبان في جديد تلفزيون سوريا جاءت من خلال تقديم السلسلة التي أخرجها بحرفية شادي خدام الجامع، مقاطع مصورة قام بتسجيلها عدد من الرجال، تُظهرهم وهم يقومون بتركيب العبوات الناسفة في الشقة التي كانت تجتمع فيها الخلية. حيث في خلفية هذه الوثائق، يتبين أن ثمة جهة تنتمي إلى الجيش الحر هي من دبرت التفجير الذي خلق معطيات جديدة في سيرورة الحدث السوري آنذاك، الأمر الذي يؤدي في المحصلة إلى نقض السردية السائدة، وتغيير مسار قراءة التاريخ نحو ضفة غير متوقعة!

ورغم وجود الفيديوهات التي تم فحصها تقنياً ومضمونياً من قبل جهات مختصة ذات سمعة عالية، إلا أن صناع العمل الوثائقي تركوا الباب موارباً أمام فرضيات أخرى. يمكن تلخيص إحداها بالقول إن النظام اكتشف القصة مبكراً، وترك المنفذين يقومون بعملهم، بل إنه أضاف إلى أدوات التفجير عبوات ناسفة صغيرة بحيث تجعل موت الجميع محققاً!

أهمية التكنيك المتبع في إنهاء السلسلة تأتي من عدم الإغلاق على الأفكار الأخرى في تحليل ما جرى، حتى وإن كنا نظن أن ما نراه هو الحقيقة، إذ يستند إلى أهم الأدلة التي يُعتد بها في أفضل الأنظمة القضائية والقانونية. كما أن هذا الطرح يحرضنا – ومن موقع التلقي – على إبقاء نوافذ العقل مفتوحة على كل الاحتمالات، وإجبار ذواتنا على تقبل وجود حقائق مختلفة عن رغباتنا وما تهواه أنفسنا!

لكن، لو أننا تعاملنا مع القصة منذ بدايتها، وقمنا بمتابعتها دون وجود عوائق أو رقابة تمنعنا من الوصول إلى الحقيقة، فإن جهدنا الراهن لفهم ما جرى وتقليص الروايات المتضاربة أثناء البحث عن الحقيقة لا بد أن يقل إلى درجة كبيرة، حيث سيكون الأمر مجرد فعل إجرائي نحتاجه من أجل سلامة التصرف واتباع القواعد.

وعلى ضخامته، فإن ما تم بذله في تحليل حادثة واحدة، كقصة تفجير خلية الأزمة، وبالقياس إلى الأحداث الهائلة التي جرت في سياق الثورة وحرب النظام على السوريين الثائرين، وسياق رد الفعل عليه، سيبدو للمشتغل في التوثيق والتحقيق مجرد جهد مكرس للحظة واحدة من بين لحظات أخرى أشد تأثيراً! وكلها تخالجها الروايات غير اليقينية، أي أنها تحتاج إلى إعادة كتابة، قبل أن يتم رصفها في موقعها على جدار التاريخ، حيث لا بد من جعل جزئياتها تتراكب مع ما قبلها وبعدها، وكذلك ربط سياقات الفعل فيها بالدوافع المعلنة وغير المعلنة للفاعلين!

هذا شيء يكاد يقارب القول بأن علينا كتابة القصة كلها منذ بدايتها، وفق منهج متماسك، يُبنى على معيارية لا تهاون فيها!

وإذا كنا نتحدث بهذه الطريقة عن أحداث جرت في الماضي القريب ونحتاج إلى إعادة تدوينها بما يرضي الحقيقة قبل الضمائر والأهواء والرغبات، فإنه من الأولى بنا – ونحن ما زلنا على قيد تصحيح الحياة السورية بعد إسقاط النظام الأسدي الإجرامي – أن نسعى إلى توثيق الوقائع الحالية وفق ما نريد له أن يكون أفضل وأرقى أشكال التجرد والحيادية، وأن نؤسس لأسلوب عمل مختلف نسعى إلى فرضه، حتى وإن رأت بعض جهات السلطة الجديدة أنه لا يتبع تفضيلاتها، بل إنه من الواجب أن تدعمه، طالما أنه يجعلها حيادية ويجنبها التورط في دعم الجناة هنا أو هناك!

نتحدث هنا بالتأكيد عما جرى في يومي السادس والسابع من آذار الماضي في الساحل السوري، ونشير إلى ما يتوجب على الدولة القيام به، بعد أن مضى على عمل لجنة التحقيق الخاصة ما يقارب شهراً، حيث يصبح من واجبها بعده أن تقدم تقريرها إلى رئيس الجمهورية! لكننا لا نتجاهل ما صرح به الناطق باسمها في آخر تصريح صحفي عن العوائق التي تواجه عملها وعن خوف الشهود من تقديم شهاداتهم! مما قد يؤخر وصولها إلى الحقيقة الراسخة حول من يتحمل مسؤولية ما جرى!

يحتاج صاحب القرار في سوريا الراهنة إلى جرأة استثنائية وقوة قلب، كي يتخذ القرارات الصائبة تجاه الجرائم المرتكبة بحق الضحايا بغض النظر عن انتمائهم الطائفي أو العرقي. ولعل أهم ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في هذه اللحظات، أن الوصول إلى الحقيقة لن يكون أمراً سهلاً دون تعزيز قدرة الإعلام والصحافة على العمل، وحماية أبناء المهنة من الأخطار التي يمكن أن يتعرضوا لها في سياق بحثهم عن الحقيقة. وبالقدر ذاته، تصبح حماية الفرق الحقوقية العاملة على الأرض ضرورة ملحّة، وهي تمضي إلى كشف أصحاب الأجندات الشخصية أو الخاصة، وهم يعبثون بمصير الجميع، شعباً ودولة!

تلفزيون سوريا

—————————–

أسئلة برسم صمت المؤسسة الإعلامية الرسمية السورية/ ضاهر عيطة

2025.04.05

ما من كائن أو شيء في هذه الحياة إلا ويعلن عن ذاته وعن وجوده: جبل، سيارة، نهر، كوكب، حيوان، إنسان. وهذا الأخير هو الذي يمتلك وعيًا كاملًا حول هذه المسألة، فيبث رسائل وإشارات، ساعيًا من خلالها إلى التعريف بنفسه. فهو يرتدي ثيابًا معينة ليشير إلى ذوق ما يتحلى به، وإن نطق أراد أن يقول شيئًا، متقصدًا من وراء كل ذلك مشاركة الآخرين في منجز ما، ليقينه الفطري بأنه لولا وجودهم، لما كان هو من أساسه ليكون.

وحتى إن اكتنف سلوكه وتصرفاته شيء من الغموض، أو كان يتقصد منها الإيحاء بغير ما يضمر، فهو بشكل أو بآخر يعلن عن ذاته. والناس أبدًا لن يعتادوا التعامل مع كائن لا ينطق، ولا يشير، ولا يعلن من هو، ولا ماذا يريد. فوجود أمثاله يشكل عائقًا أمام تحركاتهم وتطلعاتهم، وهم الذين يتفننون بابتكار طرائق وأساليب للإجابة عن أسئلة تدور حول ذواتهم، يتلقونها من غيرهم، وبناءً على تلك الأجوبة يتم التعاطي فيما بينهم.

حين أجاب الإنسان عن أول سؤال، بدأت رحلة تحقيقه لمبتغاه. وهو لم يتوقف يومًا عن السؤال، لئلا يدخل في طور الحيرة والتشتت والتوهان، ولئلا يصبح وجوده مصدر قلق ورعب لدى الآخرين، والرعب بيئة مناسبة لتكاثر الهلوسات والخرافات، وهو ما يؤدي إلى نفي ماهية الحقيقة وحلول رؤى الآخرين وتصوراتهم بديلًا عنها.

ومن هنا، لا يكتفي الإنسان حين يحل في بيئة غريبة عليه بهذا الحلول دون تقديم إجابات عن ذاته، وإلا فسيغدو وجوده عبئًا ثقيلًا على الغير، وسينضم إلى قائمة الاستبعاد والإقصاء، ويصبح مع مرور الزمن أمرًا لا يُحتمل، فتنفجر رغبة التخلص منه، وتكنيسه عن الوجود، كما كنَس السوريون الأسدية عن حياتهم، وإن اختلفت هنا الأسباب.

وطالما أن الحاجة إلى الإعلان عن الذات تتضمن هذه الضرورة وهذا الإلحاح، فكيف سيكون حال دولة تضم أفرادًا وجماعات ومؤسسات وكيانات، لكل منها ذات تسعى لإظهارها؟ مما يطرح هنا سؤالًا: لماذا لا تمتلك السلطة القائمة في دمشق حتى الآن منبرًا إعلاميًا يعبر عنها، رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تسلُّمها زمام الأمور؟.

أليس غياب ذلك هو من أفسح المجال للبعض من السوريين، ولملء هذا الفراغ، في أن يركبوا صهوة الإعلام الحديث من فيديوهات وصور وتصاريح وأحاديث يتوجهون بها إلى عموم الناس لغاية أن يقودوهم من خلالها إلى حيثما يخططون ويسعون؟ وكأنهم باتوا فرسانًا فاتحين، وهم من يهدون الناس إلى الخير والصواب، تجنبًا لوقوعهم في جحيم الخطأ والشر. وراح كل منهم بطريقته يلهب مخاوف السوريين وكوابيسهم ومخيلاتهم وأهواءهم ونزعاتهم الدينية والمذهبية والقومية، لتعم الإشاعات والادعاءات، وتقول عن السلطة ما يطيب لها أن تقول: سلطة مجرمة، سلطة مقدسة وطاهرة، سلطة متخلفة، إرهابية، داعشية، قوية، ضعيفة… ومعظم تلك الادعاءات والأقاويل تتصارع فيما بينها، وتساهم بدورها في تعميق الشقاق والفراق بين السوريين. وقد نجد أعذارًا للجميع، فماذا هم فاعلون وهذه السلطة لا تعلن عن نفسها؟

ومن بين هذا الجمع، سنجد الكثيرين، ومن جميع المكونات السورية، ممن اصطفوا مع الأسدية، وضحوا في سبيلها، وشبحوا واغتنوا، واستفادوا من وجودها لأبعد الحدود، وهم لن يرحبوا بالسلطة الجديدة، ولن يسكتوا، ولن يكفوا عن بث الشائعات في ظل هذه الظروف والأجواء التي تتكاثر فيها الأكاذيب والادعاءات، حتى لو كانت هذا السلطة الجديدة من فصيلة الأنبياء.

وهناك، بالمقابل، من السوريين من ذاقوا الويلات في ظل حكم الأسدية، أفرادًا ومؤسسات وجماعات، ومن مختلف المكونات السورية، وهم سيجدون في السلطة الوليدة التي حلت محل الأسدية سلطة ملائكية، وسوف يتراءى لهم أن كل ما تفعله عظيم ويستحق الإنصات إليه، حتى لو كان لا يعدو كونه مجرد صمت.

وبين هؤلاء وهؤلاء، طرف ثالث ورابع وعاشر.. ويرى في السلطة الناشئة ما يهوى أن يرى، طالما أنها لا تفصح عن نفسها ولا تشير.

والآن، لنبدأ بسؤالنا عن حدث مفصلي يجري الآن في تاريخ سوريا الحديث: تُرى، ألا يستحق مثل هذا الحدث الجليل، الذي أسفر عن زوال الأسدية، الإعلان عنه، وعن معانيه وقيمته وأهميته في حياة السوريين؟ أما كان أولى بالسلطة التي وصلت إلى قلب العاصمة دمشق في صبيحة الثامن من كانون الأول أن تكلّف أحدهم بالإعلان عن هذا المنجز العظيم ببيان رسمي يتوجه إلى عموم السوريين، ومحطة البث الإذاعي والتلفزيوني لا تبعد سوى خطوات عن ساحة الأمويين؟.

ألا يستحق خطاب النصر أن يُسلَّط عليه الضوء من قبل مؤسسة إعلامية رسمية تمثل أصحاب هذا النصر وتعلن عنهم؟

ألا تستحق مشاهد نزول الناس إلى الشوارع والساحات في ذلك التاريخ، وهم يكبرون ويغنون ويرقصون، أن يُسلَّط عليها ضوء كاميرا وجهاز صوت؟

ألا تستحق المجازر التي حدثت في الساحل السوري، والتي أعدتها فلول العصابات الأسدية، أن تخرج وسيلة إعلامية تمثل السلطة تمثيلًا مؤسساتيًا، لتتحدث عنها وتشرح أحداثها وتفاصيلها، وغيرها من مئات الأحداث والتفاصيل؟.

وكما يخبرنا التاريخ، فإن أول ما فعله معظم من قاموا بتحولات أساسية في حياة الشعوب هو الإعلان عن هذا التحول، وإلا فما كان ليكون. ومن الضروري هنا لفت الانتباه إلى أن ما أودى بالأسدية إلى السقوط لم يكن عدم امتلاكها لأدوات الإعلان عن نفسها، بل كان تطابق إعلامها مع طبيعتها، بوصفها عصابة أمنية مقيتة، هو ما أدخلها في دوامة القبح والعدمية، وجعل التخلص منها غاية ضرورة. وهذا لا ينفي أنها منذ انقلابها العسكري وسيطرتها على سوريا، كانت قد أدركت مدى أهمية دور الإعلام في الإفصاح عن وجودها، فصاغت خطابها على نحو يحمل في طياته الترهيب والتخويف والتخوين، بقصد إحكام السيطرة على السوريين، وإن حاولت الإيحاء بعكس ذلك، وهو ربما يكون سببًا من بين الأسباب التي أمدت بعمرها.

والآن، وبعد زوال الأسدية، ماذا عن السلطة الجديدة؟ هل ستطيل خطيئة الصمت، أم أنها ستعلن عن ذاتها قريبًا؟

تلفويةن سوريا

———————————-

مطالباً “قسد” باستعادة طفلتيه المجندتين.. مواطن يهدد بحرق نفسه بريف الحسكة

سامي الحسن

2025.04.05

ناشد ظافر يوسف سليمان المجتمع الدولي وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، إعادة طفتليه “مريانا وسيلا” بعد تجنيدهما من قبل تنظيم “الشبيبة الثورية” مطلع شهر آذار الفائت بريف القامشلي، مهددا بحرق نفسه في حال عدم استعادته الطفلتين.

وظهر سليمان وهو من سكان قرية نعمتية بريف القامشلي في تسجيل مصوّر تداولته منصات التواصل الاجتماعي وهو يقول إن “الشبيبة الثورية” اقتحمت منزله وخطفوا طفلتيه عند الساعة الثانية ليلا قبل نحو شهر.

46556

وأوضح سليمان أن طفلتيه مريانا وسيلا تبلغان من العمر 12و 13 عاما، وأن “حجم السلاح أكبر من حجمها ولا تزالان تبكيان لأجل بعض السكاكر والحلوى” متسائلا: “بأي حق يتم تجنيدهما وهما طفلتان؟”.

وهدد سليمان بحرق نفسه ليصبح حديث العالم أجمع في حال عدم استعادة طفلتيه خلال أيام، مؤكدا أنه “راجع كافة المؤسسات والجهات الرسمية بدون فائدة”.

وجند التنظيم الفتاتين مستغلا غياب والدتها المسافرة إلى أوروبا بهدف علاج طفلتها المريضة منذ نحو سنتين وبقاء الأب معظم وقته في العمل خارج المنزل، حيث ترعى الشقيقتان المخطوفتان أشقائهما الأربعة الصغار.

وقبل نحو أسبوع، خطفت “الشبيبة الثورية” الطفلة خناف عبد الله شيخو (15 عام) من مدرسة “ذات النطاقين” في حي الناصرة بمدينة الحسكة.

وقال مصدر من عائلة الطفلة لموقع تلفزيون سوريا إن “عناصر تنظيم الشبيبة الثورية ينشطون في المدرسة بتواطؤ من المديرة والكادر التعليمي التابعين للإدارة الذاتية”.

وأوضح المصدر أن “إدارة المدرسة تتحمل كامل المسؤولية عن نشاط عناصر التنظيم داخل المدارس التابعة للإدارة الذاتية بهدف تجنيد الطلاب في صفوف القوات العسكرية مستغلين صغر سنهم وعدم قدرتهم على تمييز القرارات المتعلقة بمصيرهم ومستقبلهم التعليمي”.

وأشارت عائلة الطفلة إلى “امتناع عشرات العوائل من إرسال أطفالهم إلى مدارس الإدارة الذاتية خلال الشهرين الماضيين بسبب تزايد حالات تجنيد الأطفال من المدارس”.

أهالٍ يلجؤون للتهديد بإيذاء أنفسهم لاستعادة أطفالهم

وتصاعدت حالة الغضب والاستياء في مناطق شمال شرقي سوريا بسبب استمرار عمليات تجنيد الأطفال القاصرين من قبل تنظيم “الشبيبة الثورية”، حيث دفع اليأس مؤخرا أهالي الأطفال المخطوفين إلى التهديد بإيذاء أنفسهم احتجاجا على خطف أبنائهم وحرمانهم من العودة إلى أسرهم.

وفي تسجيل مصور جرى تداوله مؤخرا، هدد المواطن طالب محمد قواص عبدي، والد الطفلة المختطفة روسيل (16 عاما)، بإيذاء نفسه في حال عدم إعادة ابنته الوحيدة إلى المنزل. وظهر عبدي في الفيديو الذي تم تصويره في مدينة عين العرب (كوباني)، قائلاً: “ابنتي موجودة في أحد منازل الشبيبة الثورية، وقد تواصلت مع أصدقائها وأخبرتهم أنها تريد العودة إلى المنزل، ولكنهم يمنعونها من ذلك”.

ووجه عبدي نداءً عاجلا إلى قوات سوريا الديمقراطية و”وحدات حماية الشعب”، مطالبا بإعادة ابنته فورا، متسائلا بمرارة: “كيف يمكن أن تجندوا طفلة وهي لا تزال طالبة في المدرسة؟ كيف تجندونها وهي وحيدة لعائلتها؟”. وأضاف بحزم: “إذا لم تتم إعادة ابنتي بحلول يوم العيد، فسأقوم بإيذاء نفسي في هذا المكان”.

وفي نداء مشابه، طالبت شمسة عيسى من مدينة عين العرب، قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بالتدخل العاجل لإعادة طفلتها رحاب شيخو (13 عاما)، متهمة تنظيم “الشبيبة الثورية” باختطافها وتجنيدها قسرا.

وأكدت الأم المكلومة أنها إذا لم تُعد ابنتها إلى المنزل، فإنها ستؤذي نفسها، في تعبير عن مدى اليأس والإحباط الذي تشعر به بسبب عجزها عن استعادة طفلتها.

وفي محاولة لتبرير تجنيدها، نشرت صفحات تابعة لتنظيم “الشبيبة الثورية” تسجيلا مصورا للطفلة رحاب، ظهرت فيه وهي تقول إنها التحقت بالتنظيم بمحض إرادتها. إلا أن عائلتها شككت في صحة هذه الرواية، معتبرة أن التنظيم يضغط على الأطفال لإجبارهم على الإدلاء بهذه التصريحات بغرض التغطية على ممارساته والانتهاكات المستمرة بحق القاصرين.

وأقدم تنظيم “الشبيبة الثورية” قبل نحو أسبوعين على اختطاف الطفلة ملك كاوا عبدو (15 عاما) في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، بهدف تجنيدها في صفوف “وحدات حماية المرأة”، وفقا لما أفاد به ذووها.

وأكد مصدر من عائلة الطفلة لموقع تلفزيون سوريا أن العائلة نازحة من منطقة عفرين وتقيم في حي الشيخ مقصود منذ عام 2018، مشيرا إلى أن عناصر من التنظيم اختطفوا الطفلة بعد خروجها من المدرسة واقتادوها إلى جهة مجهولة، دون أن يتمكن ذووها من معرفة أي تفاصيل عن مصيرها حتى الآن.

وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن قرابة 413 طفلا ما زالوا قيد التجنيد الإجباري في المعسكرات التابعة لقوات سوريا الديمقراطية.

ورغم التعهدات السابقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية بوقف تجنيد القاصرين، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال تتكرر، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام الجهات المسؤولة بتنفيذ وعودها.

ورصدت منظمات حقوقية استمرار عمليات تجنيد الأطفال في مناطق شمال شرقي سوريا خلال العام الجاري، الأمر الذي يفاقم معاناة العائلات ويثير مخاوف من تعرض هؤلاء الأطفال لانتهاكات جسيمة، سواء خلال التدريب العسكري أو أثناء مشاركتهم في الأعمال القتالية. ويطالب الأهالي بوضع حد لهذه الممارسات، وإعادة جميع الأطفال المجندين إلى أسرهم، مؤكدين أن حاجة “قسد” للمقاتلين لا يمكن أن تبرر تجنيد الأطفال وانتهاك حقوقهم وحرمانهم من طفولتهم وتعليمهم ومستقبلهم.

تلفزيون سوريا

—————————–

شكر سوري مستحقّ/ بشير البكر

05 ابريل 2025

ساد الظنّ أن هجمات بعض مدمني وسائل التواصل الاجتماعي (من السوريين) على المفكر العربي عزمي بشارة مصدرها حالة من الخواء، ترعرعت في بعض الأوساط، نتيجة حالة إحباط كانت سائدةً في مرحلة تراجع الثورة ونجاة النظام السوري من السقوط، بعد أن مدّت له روسيا حبال النجاة عام 2015. وحين هرب بشّار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول (2024)، لاحت بارقة أمل بأن يجد هؤلاء في النصر دواءً شافياً، يجعلهم يصرفون طاقتهم في حل مشكلات البلد الذي نهبته عائلة الأسد 54 عاماً، وتركته مدمّراً، مقسّماً، ومكشوفاً أمام الاحتلال الإسرائيلي. ولكن طواحين الكلام الفارغ بقيت تدور ضدّ بشارة، في وقتٍ كان يجدر شكره على مواقفه المشّرفة تجاه الشعب السوري طوال أعوام الثورة.

ناصرَ بشارة، منذ العام 2011، ثورة السوريين، واتخذ موقفاً مسانداً لها في ظرف دقيق، ودافع عنها بلا قيد أو شرط، وعمل بلا كلل على مساعدة السوريين في تنظيم أنفسهم سياسياً، في فترةٍ كانت فيها الثورة تحتاج من يمثّلها، ويتحدّث باسمها، ويقدّمها إلى العالم ثورةَ حرّيةٍ وكرامة، لا حركةً إرهابية، كما حاول النظام وحلفاؤه تصويرها. وتشهد الشخصيات السورية، التي تصدّرت الهيئات القيادية في الثورة، بمواقف الرجل في تلك المرحلة، وما قدّمه من دعم وتسهيلات في مجالات عديدة، منها فتح باب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ليستقبل باحثين سوريين، ويواكب مجريات الثورة السورية بالدراسة والبحث والتوثيق، وكتب بشارة كتابه “سورية: درب الآلام نحو الحرية… محاولة في التاريخ الراهن” (2013) الذي يُعدّ من الأشمل والأعمق عن الثورة السورية، ومرجعاً في تأريخ العامَين الأوّلَين منها.

ما يمكنني أن أضيء عليه أكثر، من موقع معرفتي ببشارة، مواقفه في الميدان الإعلامي من خلال تجربتَين مهمّتَين، ساهمتُ في وضع حجر الأساس للأولى، وهي موقع وصحيفة العربي الجديد عام 2014، وعملتُ في الثانية، وتلفزيون سوريا في 2019 – 2020، وفي كلتيهما تولّيت رئاسة التحرير قرابة سبعة أعوام، إذ أتيح لي أن أتابع من كثب مدى حرصه على الثورة السورية، واهتمامه بتوفير الإمكانات من أجل بقاء جذوتها مشتعلة. وبالإضافة إلى فتح المجال أمام عدّة مئات من المهنيين السوريين، ليعملوا في مؤسّسة فضاءات ميديا للإعلام التي أسّسها ويشرف على إدارتها، بقي منكبّاً على رسم سياسة تحريرية في صفّ الثورة السورية، ومواجهة الثورة المضادّة، والوقوف في وجه المحاولات التي وظّفت إمكاناتٍ هائلةً لوصم الثورة بالإرهاب، والتطبيع مع نظام بشّار الأسد. وقد كانت هذه المهمة على قدر كبير من الأهمية، بسبب تكثيف الجهود لإعادة تعويم النظام. وبقدر ما أدّى ذلك دوره في مواجهة المسار الانحداري، فإنه حقّق نتائج تراكمية، برزت أهميتها لدى انطلاق عملية ردع العدوان في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، حين وقف تلفزيون سوريا والتلفزيون العربي وموقع وصحيفة العربي الجديد في صفّها، بينما نعتتها وسائل إعلام أخرى بالإرهابية، وشكّكت فيها. وقد كان لذلك بالغ الأثر لدى السوريين، في الداخل والخارج، الذين بقي تلفزيون سوريا مصدرهم الوحيد للأخبار حتى سقوط النظام ودخول الفصائل دمشق. وهنا تبيّن صدق رهان بشارة على نجاح الثورة، وصواب قرار تأسيس هذا التلفزيون عام 2018 وسيلةَ إعلامٍ وفيّةً لخطّ الثورة، وحاملةً رسالتها السياسية.

يستحقّ عزمي بشارة منّا نحن السوريين أن نشكره بوصفه شريكاً في صناعة النصر الذي تحقّق بسقوط النظام، لا أن تواصل مجموعات من العاطلين عن التفكير، وأنصار الثورة المضادّة، الهجوم عليه، ومحاولة الانتقاص من دوره الذي تتأكّد كلّ يوم حاجةُ الشعب السوري إليه، لحرصه الدائم على تجاوز سورية الأزمات المتراكمة التي تواجهها اليوم.

العربي الجديد

—————————

إدلب المنسية مجدداً/ عبسي سميسم

06 ابريل 2025

كانت محافظة إدلب أيام حكم آل الأسد تُعرف بالمحافظة المنسيّة، رغم طبيعتها الخلابة وخصوبة أرضها التي أعطتها لقب إدلب الخضراء عن جدارة. ويعود سبب تسمية إدلب بالمنسيّة إلى بداية حكم حافظ الأسد الذي زارها بعد توليه حكم سورية، فقيل إنّ سكانها قابلوه برشقه بحبات البندورة، تعبيراً عن رفضهم له، فأُهملت المحافظة طوال فترة حكم الأسدَين؛ الأب والابن. وخلال الثورة السورية كان للمحافظة النصيب الأكبر من غضب النظام، وكانت المحافظة الوحيدة التي تحرّرت من حكمه طوال سنوات الثورة، وشكلت حاضناً شعبياً كبيراً للمعارضة، إذ استقبلت معارضي النظام، بالإضافة لمن هُجِّروا قسراً من المحافظات الأخرى. وتمكنت من إقامة “حكم ذاتي”، نافست فيه حكومة دمشق في كل شيء، رغم انعدام الموارد فيها، فتمكنت من خلال انفتاحها على تركيا أن تتطور خدمياً واقتصادياً وعمرانياً، فالكهرباء فيها تأتي 24 ساعة في الوقت الذي كانت تغرق فيه العاصمة دمشق في الظلام، وتمكنت القوى المسيطرة في المحافظة من بناء قوة عسكرية لا يستهان بها، وتصدرت المدينة المنسيّة المشهد السوري، لتنطلق منها عملية ردع العدوان التي أسقطت نظام آل الأسد، معلنة بدء مرحلة جديدة من تاريخ سورية.

لكن بعد تحرير البلاد وهروب بشار الأسد، انتقلت كل الكوادر التي كانت تشكّل حكومة إدلب، إلى العاصمة دمشق، كما توزعت كوادر الصف الثاني والثالث وحتى الرابع في تلك الحكومة، “رغم ضعف خبرتهم” على المحافظات السورية الأخرى، وجرى تحويل الوزارات التي كانت تشكل حكومة الإنقاذ، إلى مديريات أوكلت إدارتها إلى موظفين كانوا بالأمس موظفين هامشيين، كما انسحبت كل المنظمات التي كانت تقدم خدماتها لمخيّمات النازحين والمهجرين، قبل أن يتمكن أغلبهم من العودة إلى مدنهم وقراهم بسبب دمارها، إضافة إلى ارتفاع معظم أسعار السلع فيها بسبب انفتاحها على باقي المناطق السورية، وهبوط أسعار الأراضي والعقارات في معظم مناطق المحافظة، خصوصاً تلك التي كانت تكتظ بالنازحين، وحتى فرص العمل التي توفرت لأبنائها، فمعظمها كانت خارج حدود المحافظة، لتعود إدلب إلى سابق عهدها محافظةً منسيةً خدماتياً وإدارياً، لكن مع احتفاظها بحضور رمزي منطقةً جرى إسقاط الأسد انطلاقاً منها.

العربي الجديد

——————————–

السياسي السوري عبيدة نحاس: ظلم أن يُحرم مجتمعنا من تمثيل هويته الدينية المعتدلة

حاوره: جانبلات شكاي

تحديث 06 نيسان 2025

يَعتبر السياسي السوري عبيدة نحاس أن بلاده تعيش هذه الأيام «مرحلة انتقالية فريدة، فكما أننا ننتقل من مرحلة الدكتاتورية والاستبداد إلى مرحلة التحرر والديمقراطية، فإننا في الوقت نفسه نمر بتجربة الانتقال من حالة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة الجديدة».

رئيس «حركة التجديد الوطني» العائد من لندن بعد إسقاط نظام آل الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، يرى أن سوريا «ما زالت في مرحلة اختبار النوايا بنظر المجتمع الدولي، الذي يميل إلى منحها بعض الوقت لالتقاط الأنفاس».

ومعلقا على منتقدي تصدر التيار الإسلامي للمشهد السياسي مع الإدارة السورية الجديدة يعلن نحاس تفهمه للقلق الذي تعبر عنه أطراف داخلية وخارجية إزاء مسألة «الأسلمة التي تُثار في بلادنا، باعتبار أن هذه قضية قديمة جديدة في الحياة السياسية السورية، ولكن من الظلم لمجتمعنا السوري أن يُحرم أيضاً من تمثيل هويته الدينية المعتدلة» وأبلغ تعبير عنها هو ما نسميه «التدين الشامي»، حيث لا غلو ولا تشدد ولا إفراط.

وعبيدة نحاس، سياسي سوري، وُلد في العاصمة البريطانية لندن عام 1976 لأبوين سوريين من مدينة حلب، ونشأ بين بريطانيا والسعودية، حيث تلقى تعليمه الأساسي والثانوي، ثم واصل دراسته الجامعية في الأردن، وحصل على بكالوريوس في العلوم السياسية عام 1996، ولاحقاً، نال درجة الماجستير في دراسات التنمية السياسية من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية «SOAS» بجامعة لندن عام 1999، وهو باحث دكتوراه في جامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة.

بدأ نحاس مسيرته المهنية في الصحافة، حيث عمل محرراً للشؤون الدولية في وكالة دولية للأنباء، وأسهم في تأسيس «معهد الشرق» في لندن عام 2001، وهو مركز دراسات متخصص في الشأن السوري، وكذلك أطلق من خلاله أول موقع إخباري إلكتروني سوري غير حكومي، حمل اسم «أخبار الشرق»، وكان من أبرز منصات المعارضة السورية حتى عام 2012.

سياسياً، كان نحاس عضواً في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا قبل أن يستقيل منها رسمياً عام 2014 بسبب خلاف حول سياسات الجماعة تجاه الثورة السورية، كما لعب أدواراً بارزة في عدد من الأطر السياسية السورية المعارضة، مثل «جبهة الخلاص الوطني» (2006 – 2009) و«المجلس الوطني السوري» (2011 – 2013)، ومثّل المعارضة السورية ضمن وفد الائتلاف الوطني السوري في مؤتمر «جنيف 2» عام 2014.

يرأس نحاس «حركة التجديد الوطني» السورية منذ تأسيسها عام 2017، ومعروف بنشاطه الفكري والسياسي، وسعيه لتقديم خطاب مدني ديمقراطي يعبر عن تطلعات السوريين في الحرية والعدالة والتغيير السلمي، ويتمتع بعلاقات سياسية عديدة ضمن المشهد السوري، إذ عقد حوارات وتحالفات مع العديد من التيارات والقوى السياسية التي تمثل طيفاً واسعاً.

في حواره مع «القدس العربي» والذي تركز على الحكومة السورية الجديدة التي رأت النور ليل الأحد الماضي في أجواء احتفالية، تم التطرق إلى ما لهذه الحكومة التي يترأسها رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وما عليها وقال: «إن تركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية له إيجابيات وسلبيات، وإذا كانت السلبيات تدور بشكل عام حول عدم مشاركة السلطة بين تيارات متعددة، فإن توجه الشرع نحو رفض المحاصصة بأشكالها الحزبية والدينية والمذهبية والإثنية، إيجابي، بل هو الأسلم للصالح العام في هذه المرحلة».

وفيما يلي النص الكامل للحوار.

○ ما هي مدلولات حفل إعلان الحكومة السورية الجديدة الذي جاء على خلاف مراسم تشكيل الحكومات في معظم دول العالم؟ وما هي مدلولات الحضور وخصوصاً منهم تقديم أعضاء مجلس الإفتاء الأعلى على الضيوف الآخرين؟

• تعيش سوريا هذه الأيام مرحلة انتقالية فريدة، فكما أننا ننتقل من مرحلة الدكتاتورية والاستبداد إلى مرحلة التحرر والديمقراطية، فإننا في الوقت نفسه نمر بتجربة الانتقال من حالة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة الجديدة.

في هذه المرحلة يتم تأسيس الشرعية الدستورية بالتدريج، بدءاً من إقرار اختيار رئيس الجمهورية في «مؤتمر النصر» على أساس الشرعية الثورية، مروراً بالإعلان الدستوري من وحي توصيات مؤتمر الحوار الوطني، وهو ما يمكن اعتباره أساس الشرعية الشعبية، وصولاً إلى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة الرئيس نفسه بعد إقرار النظام الرئاسي لهذه المرحلة، في وقت ليس لدينا فيه مجلس تشريعي بعد.

لذلك ارتأت رئاسة الجمهورية دعوة نحو 400 شخصية وكأن حضورهم يأتي بديلاً لجسم برلماني شاهد على تنصيب الحكومة الجديدة، وبالتأكيد فإن دعوة طيف واسع من الشخصيات يحقق هذا الغرض.

○ باعتبارك كنت أحد المدعوين إلى مؤتمر الحوار الوطني، وأيضاً إلى حفل الإعلان عن الحكومة السورية الجديدة الأخير الذي تضمن رؤى منفردة لكل من رئيس الحكومة- رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، ولكامل أعضاء هذه الحكومة من دون الإعلان عن بيان مشترك، فهل تتوقع أن يصدر لاحقاً بيان حكومي يتم من خلاله الإعلان عن خطة عمل الحكومة خلال الفترة المقبلة؟

•   الوضع الطبيعي في الأنظمة الرئاسية أن يتولى الرئيس عرض برنامج الحكومة بحضور الوزراء، الذين تنحصر مهمتهم في تنفيذ رؤية الرئيس، إلا أن الحالة الفريدة التي أشرت إليها، وما يبدو كذلك من رغبة رئاسة الجمهورية في الشفافية مع الشعب، جعلت من مراسم تنصيب الوزراء خليطاً بين بيان رئاسي عام يشرح أهم التغييرات التي جرت في تركيبة الحكومة من دمج وزارات واستحداث أخرى، وبين بيانات قدمها الوزراء عن خططهم لوزاراتهم، إذ أرادت الرئاسة تقديم صورة حكومة تضم شخصيات من التكنوقراط لها دور حقيقي تؤديه، وليست مجرد موظفين منفذين.

نتوقع أن يتطور الأداء الحكومي تدريجياً خلال الفترة المقبلة، وربما نشهد تغييراً حكومياً أو أكثر في السنوات القليلة القادمة من المرحلة الانتقالية المتوقع استمرارها 5 سنوات.

○ ما مزايا ترؤس رئيس الجمهورية مباشرة للحكومة وإلغاء منصب رئيس الوزراء في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ سوريا، وهل هناك فترة يمكن من خلالها تقييم أداء كل وزير على حدة ومدى اندماجه في العمل كفريق مع إمكانية التعديل بكل بساطة، أو أن يأتي التعديل بناء على مخرجات الحوار بين دمشق و«قوات سوريا الديمقراطية- قسد»؟

• تركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية له إيجابيات وسلبيات.

وإذا كانت السلبيات تدور بشكل عام حول عدم المشاركة في السلطة بين تيارات متعددة، فإن توجه الرئيس أحمد الشرع نحو رفض المحاصصة بأشكالها الحزبية والدينية والمذهبية والإثنية، إيجابي، بل هو الأسلم للصالح العام برأينا في هذه المرحلة، وأدعى إلى التأسيس لمرحلة التنافس السياسي لاحقاً، مع احترام مخاوف الذين يخشون على المستقبل الديمقراطي للبلاد.

إن سوريا المتنوعة لا تعني بالضرورة تقسيماً على أساس المحاصصة أو الكوتا، لما قد يعنيه ذلك من شروخ في البناء الوطني، ويبقى من صلاحيات الرئيس إجراء تعديلات حكومية حسب الحاجة عندما تستجد، وهو ما يمكن أن يحصل في أي وقت، ولن أستغرب أن يكون شكل الحكم والحكومة في سوريا مرناً ومتجاوباً مع التغييرات عند الحاجة، بما في ذلك نتائج حوارات في شتى الجغرافيا السورية ومع جميع الأطراف المعنية بالوضع السياسي.

يمكنني القول إن التجربة السياسية السورية الآن قيد التطوير والتحديث، وستبقى كذلك إلى أن تستقر الأمور على شكل نهائي، سيتم بموجبه رسم ملامح المرحلة الدائمة، بعد الانتقالية.

قد نرى في حينها سوريا جديدة بالكامل، لا تشبه تلك التي اعتدنا على العيش فيها، سواء في مرحلة النظام الدكتاتوري الساقط، أو المراحل الديمقراطية الوطنية السابقة له، وكل الخيارات مفتوحة في المستقبل.

○ قبل الإعلان عن تشكيلة الحكومة الحالية، امتدت جلسات التشاور التي قادها الرئيس الشرع ربما لأكثر من شهر، وانتهت بتشكيل هذه الحكومة الأقرب إلى التكنوقراط، ومن بات عضواً فيها صار كذلك بناء على خبراته الشخصية وليس على انتمائه العرقي أو السياسي، فلماذا الإصرار على استبعاد الحوار وبناء التشاركية مع القوى السياسية السورية الأخرى؟

• سيكون علينا جميعاً أن نتعلم التعايش مع وضع جديد، وأن نضع الأنا جانباً كما دعونا مراراً، ولكن قبل الحديث عن التشاركية مع القوى السياسية، لنعترف بأن الحياة السياسية السورية بحاجة إلى ترميم.

على الرغم من أننا مصرّون على أهمية مشاركة جميع القوى السياسية السلمية في الحياة السياسية لبلادنا، فإن الحوار الوطني بمفهومه العام الواسع مطلوب في سوريا على جميع المستويات للوصول إلى حياة سياسية سليمة وصحية، ونقصد بذلك الحوار بين الحكومة والمكونات السياسية والمجتمعية والدينية والإثنية، وهذا مسار هام وطويل سيستغرق وقتاً، ولا بد أن يتم بشكل صحيح، وأن يؤدي إلى توافقات وطنية شاملة ودائمة، ونتوقع أن تكون له نتائج إيجابية وهامة في الفترة المقبلة.

○ ما رأيك تجاه المواقف التي أطلقتها قوى سياسية كردية، مثل «مجلس سوريا الديمقراطية- مسد» و«المجلس الوطني الكردي»، وحتى من الرئيس الروحي في طائفة الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهجري، برفض التعامل مع الحكومة الجديدة ومخرجاتها، باعتبار أنهم لم يشاركوا في المشاورات التي أفضت إلى تشكيلها؟

• نتفهم هذه المواقف ونتعاطف مع بعضها، ولكننا أيضاً نربأ بمطلقيها أن يقتصر موقفهم من المشروع الوطني على ما يحصلون عليه من مواقع أو مناصب، ونفترض بهم حسن النية والميل إلى تحسين الأداء الحكومي.

○ هل تعتقد أن مواقف القوى السابقة قد تكون مواقف تفاوضية أكثر من أنها مبدئية، بهدف رفع سقف المطالب لتحصيل المزيد من المكاسب من دمشق؟

• لا يمكن التشكيك بالأسس المبدئية لهذه المواقف، ولكننا نأمل أن تكون تفاوضية لتحسين الأوضاع العامة، وليس فقط المكاسب الفئوية، وإنما لجميع الفئات المجتمعية التي يفترض بهذه الأطراف أن تمثلها.

○ كيف يمكن قراءة المواقف العربية والدولية المرحبة بتشكيل الحكومة السورية الجديدة؟ وكيف يمكن هنا قراءة موقف وزارة الخارجية الأمريكية؟

• ما زلنا في مرحلة اختبار النوايا بنظر المجتمع الدولي، الذي يميل إلى منح سوريا بعض الوقت لالتقاط الأنفاس، بعد أن عمل هذا المجتمع الدولي نفسه على ترك سوريا مهملة في زوايا النسيان، تئن تحت وطأة نظام مجرم دمر البلاد والعباد.

نعتبر مواقف الأشقاء في الدول العربية والإسلامية أكثر تعاطفاً مع شعبنا في هذه المرحلة، ولكننا سننظر في الوقت نفسه بعين الريبة والتشكك إزاء أي موقف غربي يتشكك في قدرة السوريين على عبور المرحلة الانتقالية، فالعقوبات الأمريكية والدولية على سوريا هي التي يجب أن تكون على المحك هنا، وليس بلدنا الخارج من أزمة طاحنة، ولا يجوز أن تستمر العقوبات عليه بعد أن زال سببها الأول والأخير، وهو النظام الساقط، إذ كيف نتوقع النجاح في مسيرة انتقالية سلمية كالتي نعيشها ونحن ما زلنا نرزح تحت وطأة معايير وعقوبات تعيق مستقبلاً أفضل لشعبنا وأبنائنا؟

○ هل تعتقد أن تكليف وزارة التربية لمواطن من أصول كردية قد يلعب أي دور فيما يتعلق وتعديل المناهج التربوية في سوريا وإدخال الحقوق الثقافية للأقليات ولغاتها مثل الكردية أو السريانية أو الشركسية وغيرها في هذه المناهج؟

• نرى من الخطورة أن نستخدم التصنيفات النمطية الفئوية لتصنيف الوزراء والمسؤولين الحكوميين، وبالتالي الوزارات أو الدوائر الحكومية.

لماذا لا نفترض أن أي مواطن سوري يتولى وزارة التربية سيتصرف بنفس الطريقة، بغض النظر عن خلفيته؟ لماذا لا يقر أي مواطن عربي سوري في هذا المنصب بالحقوق الثقافية لغير العرب من السوريين في حال تولى الوزارة مثلاً؟ جميع السوريين أصليون بنظرنا وأصحاب حق في وطنهم لا فضل لأحد فيه على آخر، والأصل بالمناهج التربوية أن تحقق الصالح العام، وأن تنطلق من رؤية وطنية واسعة، بما في ذلك تعزيز اللحمة الوطنية بالاعتراف بالتعددية الثقافية واللغوية وليس طمسها.

○ تعرضت الحكومة لحملة انتقادات شديدة بنيت في جانب منها على أن العديد من أعضائها يحملون جنسيات أخرى، فكيف تفسر هذا الهجوم؟

• تجربة المجتمعات الخارجة من حروب وأزمات وطنية كبرى تدلنا على أن مثل هذه التخوفات والانتقادات لا أساس لها.

ماذا نتوقع من شعب تشرد نصفه، ووجد ربعه نفسه في المنافي دون أمل في العودة إلى بلاده، لولا أن منّ الله علينا بالتحرير؟ لا نرى هذه المسألة ذات أهمية كبيرة، ويجب عدم تحميل الأمر أكبر من حجمه.

○ ملاحظ أن المعدل الوسطي لأعمار أعضاء الحكومة يميل نحو الشباب مقارنة بالحكومات السابقة، وهذا ربما يكون باباً لتوجيه انتقادات لها علاقة بقلة خبرات الوزراء، ولكنها ذات الوقت قد تفسر حجم العمل المطلوب منهم والتي تحتاج إلى قوة وعنفوان الشباب، فكيف يمكن الموازنة بين المنتقدين والمؤيدين؟

• ليس ذنب الأجيال الجديدة أنها حُرمت من الممارسة السياسية وبناء الخبرة التدريجية ردحاً من الزمن، في ظل تغول نظام مجرم استغل الدولة كلها لصالح فئة قليلة.

على الأقل، لم تقم القيادة السورية الجديدة بتعديل الدستور على مقاس شخص واحد، كما حصل أيام النظام الساقط!

إن سوريا بحاجة للجميع، شبابها وكهولها، وكلٌّ له دور يؤديه، فعنفوان الشباب مطلوب، والخبرة ضرورية، وتكاملهما هو الحل الأمثل.

○ هناك تحديات كبيرة أمام الحكومة إن على مستوى تأمين الأمن والأمان ووضع حد للشحن الطائفي، وإعادة فرض سيطرة الدولة على كامل التراب السوري، أو على مستوى تحسين الحياة المعيشية للمواطنين، وحتى على مستوى العمل لفك الحصار ورفع العقوبات الغربية والأمريكية منها تحديداً، للمباشرة في عملية إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، فكيف ترى آفاق هذه الحكومة ومدى النجاحات التي يمكن أن تحققها؟

• حتى تنجح المرحلة الانتقالية، لا بد أن تتحول سوريا كلها إلى ورشة تجديد وبناء كبرى، وهي كذلك بنظرنا، وبما نراه من أداء المسؤولين في المرحلة الانتقالية على جميع المستويات.

لا نشك في عظم التحديات، ولكننا متفائلون بأن السوريين يملكون من القدرات والخبرات والطاقات ما يمكنّهم من تجاوز العقبات والعقوبات، ولقد رأينا أداء أبناء شعبنا حول العالم، فكيف وقد أصبحت سوريا الآن ساحة عملــهم ودافعهم الأكبر للعمل وتحقيق النتائج؟

○ يتحدث الإعلان الدستوري عن ضرورة إصدار قانون جديد للأحزاب السياسية يعيد الحياة للشارع الذي عانى لعقود من الجفاف على هذا المستوى، هل أنت كسياسي متفائل بمستقبل الحياة السياسية للبلاد؟

• نتفاءل بمستقبل الحياة السياسية في سوريا لأن شعبنا حيّ ودؤوب ونشيط، ونثق بقدرته على العمل في شتى الاتجاهات.

إن تنظيم الحراك الشعبي السلمي في أطر حزبية، بعد صدور قانون عصري يسمح بالانتظام في أحزاب وطنية جامعة فوق التصنيفات الضيقة، لهو خير نموذج يمكن اتباعه في ممارسة المجتمع للسياسة، بدلاً من الانكفاء إلى انتماءات ما قبل الدولة الوطنية، التي قد تهدد النسيج الوطني إذا عاد الناس لممارسة العمل السياسي على أساس ديني أو مذهبي أو إثني، وطالما بقي التنافس السلمي في إطار دستوري هو الأساس، فلا قلق على سوريا بالتأكيد.

○ واضحة التوجهات الإسلامية للإدارة الجديدة في سوريا، وهذا التوجه لاقى ترحيباً من جانب كبير من الشارع السوري، ولكنه في ذات الوقت يتعرض لهجوم وانتقاد من قوى مجتمعية وحتى سياسية من خلفيات متعددة، فهل التخوف والتوجس من هذا التوجه هو في محله، ولماذا كل هذا القلق وخصوصا من بعض الأقليات، ومن الأحزاب العلمانية عموما؟

• قد نتفهم القلق الذي تعبر عنه أطراف داخلية وخارجية إزاء مسألة «الأسلمة» التي تُثار في بلادنا، وهذه قضية قديمة جديدة في الحياة السياسية السورية، ولكن من الظلم لمجتمعنا السوري أن يُحرم أيضاً من تمثيل هويته الدينية المعتدلة، وأبلغ تعبير عنها هو ما نسميه «التدين الشامي»، حيث لا غلو ولا تشدد ولا إفراط.

لنكن صادقين مع أنفسنا: سوريا منذ العهد الأموي الإسلامي الأول تمتعت بالتعددية الدينية، وفي الوقت نفسه حافظت على سمتها الدينية الإسلامية الخاصة.

أفضّل تجنب الحديث عن أغلبيات وأقليات، ولكن من الخطأ أيضاً تغطية الشمس بغربال، ألم يعبر المجتمع السوري بغالبيته عن هويته الإسلامية بشكل بسيط ومعتدل طوال العقود الماضية؟ كذلك فإن بعض إخوتنا المسيحيين اليوم يتحدثون عن «المسيحية الأموية»، في إشارة إلى الدور الكبير الذي قامت به المسيحية السورية منذ العهد الأموي إلى اليوم، وهو خطاب سمعناه بشكل واضح في مؤتمر الحوار الوطني.

يجب أن نؤكد على مسألة هامة هنا: إن من حق الناس ممارسة دينهم بحرية، والتعبير عن انتمائهم الديني، من أي خلفية كانوا.

إن الحالة السائدة في مجتمعنا السوري اليوم، ليست أكثر من تعبير طبيعي عن الواقع، مع ملاحظة ضرورة احترام حقوق الجميع وحرياتهم، وكذلك ترك الخوض في المسائل الخلافية إلى ما بعد مناقشة الدستور الدائم، الذي يجب أن يكون مقنعاً للغالبية العظمى من السوريين أبناء هذه الأرض والإخوة المتشاركين فيها.

القدس العربي»

———————————-

عن خيانات الأكاديميين/ سنان أنطون

تحديث 06 نيسان 2025

قلّما يقرأ المرء خبراً سارّاً في هذه الأيام التي تستمر فيها حرب الإبادة بلا هوادة في غزّة، والتي يبدو أن العالم اعتاد عليها، حتى أصبح قصف المستشفيات واغتيال عشرات الأطفال في ساعات، وتجويع الغزيين، أخباراً أقل من عابرة. كما تتوالى، على ضفة أخرى، الهجمات الفاشية على أولئك الذين يرفعون أصواتهم مطالبين بإيقاف الإبادة ومحاسبة مرتكبيها، ومن يتواطأ معهم في الولايات المتحدة، الداعم الأساسي لآلة الهمجية الصهيونية.

كل يوم يحمل خبر قيام جهاز الهجرة والجمارك سيئ الصيت في الولايات المتحدة باختطاف طالب أو طالبة، واقتيادهم إلى سجن لترحيلهم خارج الولايات المتحدة، لأنهم عبروا عن رأي أو شاركوا في مظاهرة، أو بمنع أكاديميين من دخول البلاد بسبب مواقفهم السياسية، لذلك فرحت أيمّا فرح حين قرأت في بداية الأسبوع خبر اعتصام عدد من أشهر الأساتذة في جامعة كولومبيا، من بينهم المنظّرة الشهيرة غاياتري سبيفاك، في مكتب الرئيسة احتجاجاً على خضوع الجامعة لابتزاز وترهيب إدارة ترامب، وتنفيذ كل مطالبها التي تمسخ فكرة الحرية الأكاديمية، ومن بينها، وضع قسم دراسات الشرق الأوسط، ومقدراته تحت سيطرة جهات خارجية.

فرحتُ فقد كنت دائماً أتساءل، خصوصاً منذ بدء حرب الإبادة، لماذا لا ينطق الكثير من هؤلاء، الذين يتمتعون برأسمال رمزي، وبحصانة المركز الثابت والشهرة والسمعة التي تدرأ عنهم الكثير، ويتحرّكون لدعم زملائهم ومساندة الطلاب الذين يتعرضون للاضطهاد في جامعاتهم، خصوصاً أن بحوثهم وإسهاماتهم الفكرية تتمحور حول العدالة والمساواة، وسبل الوصول إليهما في مواجهة العنصرية المؤسساتية، في عالم تسيطر عليه رأسمالية متوحشّة، وأنها تنتقد منظومة الاضطهاد وتحلّل أخطبوطيتها وتمظهراتها. وغزة هي الحيز والسياق الذي تتقاطع فيه كل هذه القوى والمصالح والممارسات.

لا يتوقّع المرء بالطبع أن تتطابق الممارسة مع النظرية لدى الجميع، دائماً، لكن من حق المرء أن يتوقع حداً أدنى من الاتساق والشجاعة، خصوصاً في هذه الظروف الاستثنائية، لكن فرحتي لم تدم أكثر من دقيقة حين أدركت أن اليوم كان الأول من أبريل. وأن الخبر كذبة. لكنها كذبة تترجم بلاغتها الحقيقة المؤلمة. وتذكّرت مقولة رالف والدو إيميرسون (1803-1882) التي تنسب خطأ لفردريش إنغلز (1820-1895)، «إن أوقية واحدة من الفعل تساوي طناً من النظرية». فما جدوى أطنان من النظريات النقدية، إذا لم تقترن بفعل وممارسة نقدية تتسق مع الأفكار وتدافع عنها في ساعة الخطر؟ تستعاد في لحظات كهذه مقولة أخرى لمارتين نيمولر (1892-1984) القس اللوثري الذي ساند اليمين المتطرّف والنازية إبان صعودها، وكان معادياً للشيوعية، لكنه بدأ ينتقد سياسات هتلر في ما بعد، وأمضى ثماني سنوات في سجون النازية. «في البداية، جاءوا ليعتقلوا الاشتراكيين، ولم أرفع صوتي لأنني لم أكن اشتراكياً. ثم جاؤوا ليعتقلوا النقابيين، ولم أرفع صوتي لأنني لم أكن نقابياً. ثم جاؤوا ليعتقلوا اليهود ولم أرفع صوتي، لأنني لم أكن يهودياً. ثم جاءوا ليعتقلوني ولم يبق أحد ليرفع صوته من أجلي». التزم معظم الأكاديميين في الولايات المتحدة الصمت بعد السابع من أكتوبر، ووقفوا يراقبون الهجمات المنظّمة التي شنّتها إدارات الجامعات بالتعاون والتنسيق مع قوى اليمين ومنظمات صهيونية، وبمباركة إدارة بايدن، ضد الحراك الطلابي الداعم لفلسطين لقمعه، ولم يعترض إلا قلة منهم على تغيير القوانين الداخلية لخنق هامش حرية التعبير والعقوبات المشينة التي تعرض لها الطلاب والأساتذة، والتي أدت إلى فصل الكثير منهم. قد تختلف الدوافع والحسابات التي يستخدمها هؤلاء لتبرير مواقفهم، بالطبع، لكن التضامن، في حده الأدنى، لم يكن بالمستوى المطلوب البتة، ولا بد من ذكر مقولة مارتن لوثر كنغ الشهيرة: «في النهاية، لن نتذكر كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا».

والآن بدأت الهجمة الفاشية المنظمة ضد الجامعات من قبل إدارة ترامب، وسلاحها المُشهر والمسلط على أعناق الجامعات هو، حجب المنح الفيدرالية لبرامج الأبحاث، والتي تقدر بملايين الدولارات، لإجبار الجامعات على الانصياع الكامل لسياسات اليمين المتطرف. هذا اليمين الذي يدعو منذ عقود إلى قمع التوجهات اليسارية والتقدمية داخل الحرم الجامعي وتغيير مناهج التدريس لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في النصف الأول من القرن العشرين، أي قبل ظهور التيارات الفكرية التقدمية المتأثرة بحركات التحرر من الاستعمار والعبودية المؤسساتية وغيرها، التي نادت بتغيير المقاربات الفكرية ومناهج التدريس، بحيث تتحرّر من المركزية الأوروبية ومن هيمنة الأسطورة القومية المؤسِّسة، وتفسح المجال أمام مقولات ومقاربات وخطابات مهمّشة، وإذا كانت أهداف الهجمة قد تضمّنت قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا في جامعة كولومبيا، ومركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد، بادّعاءات مغرضة وكاذبة تتهم أساتذة هذه المراكز بمعاداة السامية، فإنها أطاحت بمنح ومشاريع بحثية في حقول العلوم والصحة ومجالات أخرى لا علاقة لها بدراسات الشرق الأوسط.

وهنا نطق بعض الذين صمتوا وتفرجوا لعام ونصف العام، وانتفضوا مصدومين ومندّدين بالتعدّي السافر على حرية البحث والرأي والتعبير في الحقل الأكاديمي، لأن الهجمة وصلت إلى أرضهم التي كانوا يظنونها جزراً معزولة، بعيدة عن الصراع، وامتدت إلى المنح التي يحصلون عليها من الحكومة الفيدرالية. فأي ضيق أفق ونرجسية حين لا يأبه المرء إلا لحريته هو في الرأي والبحث والتعبير، وليذهب الآخرون إلى الجحيم.

كاتب عراقي

القدس العربي

————————————

طمأنة السوريين مفتاح الاستقرارين الداخلي والإقليمي/ عبد الباسط سيدا

تحديث 06 نيسان 2025

من الملاحظ أنه بعد مرور نحو أربعة أشهر على دخول قوات الإدارة الجديدة إلى دمشق 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، وذلك بعد هروب بشار الأسد وسقوط حكم آل الأسد المستبد الفاسد المفسد الذي امتد على مدى 54عاماً؛ أن نسبة القلق تجاه هواجس المستقبل قد ارتفع إلى مستويات لافتة لدى قسم كبير من السوريين الذين انتشوا في البداية بما حدث، وعبروا عن سعادتهم بمختلف الصيغ. بل لعلنا لا نبالغ اليوم إذا قلنا إن مشاعر الإحباط باتت هي المهيمنة على مزاج الكثيرين ممن ضحوا بعقود طويلة من أعمارهم، قضوها بين السجن والمنافي والملاحقة المستمرة والتضييق عليهم من سائر الجوانب.

لقد تفاءل السوريون خيراً بالخطاب المطمئن من جانب السيد أحمد الشرع قبل أن يعلن رئيساً للجمهورية خلال المرحلة الانتقالية في «مؤتمر النصر» الذي ما زالت تفصيلاته ومخرجاته غير معروفة للسوريين. وهو المؤتمر الذي حضره العسكريون فقط من قادة وأعضاء الفصائل، وقيل وقتها أنه وحد الفصائل ضمن إطار الجيش السوري الجديد، وهو الأمر الذي ما زال غير واضح المعالم على أرض الواقع.

وكان الحديث عن «المؤتمر الوطني» الذي كان من المفروض أن يضم ممثلين عن سائر المكونات المجتمعية والتوجهات والقوى السياسية ضمن المجتمع السوري، وهو الأمر الذي لم يحصل؛ بل عقد بدلاً عنه مؤتمر سمي بـ «مؤتمر الحوار الوطني»، تمت الدعوة إليه بصورة غير حرفية، ومن دون أي مراعاة لبنية المجتمع السوري من جهتي التعدد والتنوع، فالمكونات المجتمعية السورية بأسرها، ومن دون أي استثناء، شركاء في الوطن والمصير، وليس من حق أحد استبعادها عن الفضاءات التي تناقش فيها مصير السوريين ووطنهم تحت شعار عدم اعتماد المحاصصة الذي لم نفهم منه حتى الآن سوى هيمنة اللون الواحد، إن لم نقل المظهر الواحد.

وحتى الآن لم يقتنع الكثير من السوريين بالمسوغات التي تسوق لتمرير مسألة الإصرار على استبعاد القوى السياسية السورية، وحتى العسكريين المهنيين المنشقين، إلى جانب الشخصيات الوطنية المعروفة التي أدت أدوارا بناء على تاريخها ومواقفها منذ بدايات الثورة السورية، بل وقبلها بعقود في ميدان مقارعة سلطة آل الأسد في مرحلتي الأب والابن عن المشهد.

وفي كل مرة يجري الحديث عن أهمية إشراك الأحزاب، (وقطعاً لدابر القيل والقال، أبين هنا بأنني شخصيا مستقل تركت العمل السياسي، أتعامل مع المشهد كمراقب حريص على وطنه وشعبه)، يأتي الجواب من جانب مسؤولي الإدارة الجديدة بأنه سيصدر قانون الأحزاب. وهو القانون الذي على الأغلب لن يصدر لغايات بدأت ملامحها تتبلور شيئاً فشيئاً، أو قد يصدر، ولكن من دون آليات فاعلة، تسمح للقوى السياسية التي تريد ممارسة العمل السياسي أن تنظم صفوفها، وتتحرك وفق أسس قانونية مشجعة لا محبطة من أجل الإسهام الجاد في عملية رفع القيود التي تعرقل نشوء حركة سياسية نقابية سورية نشطة.

وجاءت الطامة الكبرى مع الإعلان الدستوري الذي انتظره السوريون كثيراً، وهو الإعلان الذي أكد مجدداً وجود رغبة لدى الإدارة في تمرير ما ترتأيه، ومن دون إعطاء أي اعتبار لخصوصية الوضع السوري، وأهمية، بل وضرورة، طمأنة الناس وتبديد هواجسهم بعقود مكتوبة، وتعزيز الثقة بين السوريين بخطوات وإجراءات ملموسة على أرض الواقع.

والقراءة الأولية للإعلان تبين أنه يحاول أن يجمع بين أيديولوجيتين: قومية عربية ودينية إسلامية لا تأخذان الواقع السوري التعددي المتنوع من جهة الأديان والمذاهب والانتماءات الإثنية والقومية، والتيارات الفكرية بعين الاعتبار.

فالأيديولوجية القومية التي تعرضت في مصر والعراق وسوريا نفسها منذ البدايات لإخفاقات كبرى، لا يمكن اعتمادها دواء شافيا من جديد. فالناس قد وصلت إلى قناعة راسخة بأن الشعارات القومية الكبرى التي رفعت إنما كانت في واقع الحال لإبعاد الخصوم، والإطباق على الداخل الوطني.

أما الأيديولوجية الإسلامية بصيغها المختلفة، لا سيما الجهادية منها، التي طرحت نفسها بوصفها الحل بعد إفلاس المشروع القومي وانهيار الاتحاد السوفياتي، هذا في حين أن هذه الأيديولوجية لم تتمكن هي الأخرى من تقديم الحل المطلوب لمجتمعات منطقتنا، لاسيما تلك التي عانت، أو ما زالت تعاني في ظل الأنظمة الجمهورية، من شهوة العسكريين المفرطة إلى السلطة والثروة.

فالإعلان يؤكد بناء على العرف الذي رسخته الأنظمة الأيديولوجية القومية على الهوية القومية للدولة التي من المفروض أن تكون مجرد جهاز إداري محايد بصورة إيجابية على مسافة واحدة من سائر المكونات. أما الهوية فهي مسألة تمس المكونات المجتمعية التي تشكل بوحدتها الوطنية شعب هذه الدولة أو تلك.

كما يؤكد الإعلان ضرورة فصل السلطات التشريعية التنفيذية والقضائية، ولكنه في الوقت ذاته يشدد على مسألة دين رئيس الدولة، وهو أمر يتعارض مع مبدأ المواطنة الذي يدعو الإعلان ذاته إلى الأخذ به من حين إلى آخر؛ هذا مع العلم أن هذا الأمر كان سيعد من باب تحصيل الحاصل، ولم يكن هناك داع لصياغة قاعدة عرفية تكون في معظم الأحيان أكثر تأثيراً من نص مكتوب. ويمنح الإعلان المشار إليه في الوقت ذاته صلاحيات واسعة للرئيس الانتقالي تشمل السلطات التشريعية التنفيذية والقضائية، إلى جانب العسكرية، ومن دون أي إمكانية للمساءلة أو المحاسبة.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بخصوص اعتماد الإعلان الدستوري الفقه الإسلامي المصدر الأساسي للتشريع هو: أي إسلام يقصده الإعلان الدستوري؟ هلّ هو الإسلام السوري المديني المعتدل المعروف في المدن الكبرى بتياراته المختلفة؟ أم الإسلام الجهادي الذي يبلغ أحيانا حد تكفير بقية الطوائف الإسلامية، ومنها بصورة خاصة في سوريا العلويين والدروز والإسماعيليين؟ بل أن بعضهم يكفر قسما كبيرا من أهل السنة أنفسهم ممن لا يوافقونهم على أطروحاتهم الأيديولوجية التعبوية؟

هذه الهواجس تولّد قلقاً مشروعاً لدى السوريين، وتجعلهم يخشون من المستقبل. هذا بينما يفاجأ بعضهم الآخر بمنعهم من تنظيم اللقاءات المدنية والسياسية، بأعذار غير مفهومة وغير مسوغة، الأمر الذي يستغله بعضهم من الداعين إلى صيغ علمانية متطرفة لا تأخذ الواقع السوري بعين الاعتبار. فالدين الإسلامي شئنا أم أبينا قد تحول إلى جزء عضوي من الثقافة الوطنية السورية التي يتشارك فيها سائر السوريين بصرف النظر عن الانتماءات الدينية والمذهبية أو القومية، ولا يمكن لأي دعوة إلى علمانية متوحشة، تخلى عنها أصحابها سواء في فرنسا أم تركيا أم روسيا ومعها الدول التي كانت ضمن المعسكر الاشتراكي أيام الاتحاد السوفياتي، أن تكون هي العلاج المطلوب في هذا السياق.

الوضع السياسي السوري على الصعيدين الرسمي والشعبي لا يشجع كثيراً، وذلك بسبب هيمنة الارتجالية، وطغيان القرارات الفردية، والإصرار على التعامل الفردي الشخصي مع ممثلي مختلف التيارات السياسية. هذا في حين أن هيئة تحرير الشام، رغم الإعلان عن حلها، والفصائل المتحالفة معها، ما زالت هي القوى المتحكمة بمفاصل القرارات، عبر وضع اليد على الوزارات السيادية. ولكن مع ذلك كله، أعتقد أننا لم نصل بعد إلى مرحلة السوداوية القاتمة، كما يروج بعضهم.

فتشكيل الحكومة الانتقالية أعطى رسائل إيجابية بخصوص امكانية المشاركة الوطنية، هذا رغم شكلية تلك الرسائل، وحرصها على اقناع المجتمع الدولي بجدية الإدارة السورية الجديدة على المشاركة، ولكنها مشاركة ناقصة ما دامت القوى السياسية والمجتمعية غير مشاركة، بل لديها الكثير من الهواجس التي تعبر عنها صراحة.

بقي أن نقول: ما ينقذ سوريا هو طمأنة سائر مكوناتها ومن دون أي تمييز عبر الإقرار بالحقوق والمشاركة الحقيقية في الإدارة والثروات، أما العزف على وتر رفض المحاصصة فهو لن يحمل من الرسائل في الظروف الحالية سوى الرغبة في التحكّم والتفرّد وإقصاء الآخرين.

طمأنة السوريين أولوية الأولويات التي ستؤدي إلى الاستقرار المجتمعي، وتحصين المجتمع السوري أمام سائر الجهود التخريبية التي تبذلها، وستبذلها القوى المتضررة مما حدث ويحدث في سوريا. وكل ذلك لن يكون من دون اعتماد الخطاب المعتدل الوطني الجامع، وتجريم خطاب الكراهية بكل أشكاله.

*كاتب وأكاديمي سوري

القدس العربي

——————————-

شعبوية مموهة بالوطنية!/ أحمد مولود الطيار

04 ابريل 2025

انتشار ظاهرة الشعبوية عالمياً لم يعد مقصوراً على زعماء وسياسيّي وقادة دول، بل باتت هذه الظاهرة تخترق كل مستويات حياتنا، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، غدا الخطاب الشعبوي سلعةً يوميةً يتوسل منتجوها نجومية خادعة، وحصاد “لايكات” برأي ضحل لا قيمة له. وعندما تواجههم بسطحية رأيهم، يرفعون في وجهك اتهامات جاهزة، وربما أبرزها “النخبوية”، وأنك منفصل عن الواقع وعن “هموم العامة”، منصّبين أنفسهم قادة، وأنهم يكتبون نبض الشارع وينقلون همومه، في تمويه واضح وخلط بين “الشعبوية” و”الشعبي”.

الفرق بين “الشعبي” و”الشعبوي” فرق كبير في المعنى والدلالة، رغم التشابه في الشكل، فـ”الشعبي” صفة تُطلق على ما يتعلق بالشعب من ثقافة أو عادات أو تقاليد أو لغة أو فن، وعموماً للمفردة دلالة إيجابية في الغالب، أو ربما تطلق في وصف حيادي، فالموسيقى الشعبية، مثالاً، موسيقى نابعة من ثقافة الناس وتقاليدهم. وأيضاً لا يخلو الأمر أنّ هناك مَن يستخدم هذا المصطلح وفقاً لـ”تصنيفات” معيارية تنفتح على المزيد من المجالات الإنسانية، مؤطرة بخلفيات اجتماعية وسياسية وثقافية، وحتى نفسية.

أما “الشعبوي”، فهي صفة تُطلق على شخص أو خطاب أو سياسة تستخدم مشاعر الناس البسيطة ومخاوفهم ورغباتهم لكسب التأييد، غالباً عن طريق تبسيط القضايا المعقدة وتقديم وعود خيالية. وهو أسلوب يتبعه الكثير من السياسيين، خاصة في مواسم الانتخابات، من أجل الحشد الجماهيري وكسب أصوات الناس، وربما في عصرنا الحالي، أبرز هؤلاء الشعبويين بوتين وترامب وأردوغان وفيكتور أوربان. والزعيم الشعبوي هو الذي يستغل غضب الناس من النخبة أو الفساد ويعدهم بحلول سحرية، وترامب أفضل مثال على ذلك، إذ يحمّل “الآخرين” (النخبة، المهاجرين، فئات معينة) مسؤولية كل مشاكل أميركا.

لذلك، لو لخصنا المفهومين بكثافة، فيمكننا القول إنّ “الشعبي” من الشعب ويعبّر عن ثقافته وحياته، بينما “الشعبوي” يستخدم مشاعر الناس للوصول إلى سلطة أو غايات معينة، وغالباً بالخداع والتلاعب العاطفي.

مناسبة هذه المقدمة وهذا الشرح هو انتشار ظاهرة الشعبوية على الفيس بوك السوري من أشخاص يعرّفون أنفسهم بأنهم مثقفون ومترجمون، ويطمحون لأن يكونوا قادة رأي عام، لما للفيسبوك والوسائل الأخرى من تأثير. وفي وضع سيّال كالوضع السوري، اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد الناس يميّزون بين الرأي الغثّ والسمين، كما تقول العرب.

آخر تلك الشعبويات، اللغط الذي بات يتردد ويتوسل طارحوه شرعية، هو موضوع المقاتلين الأجانب في “وزارة الدفاع السورية”، وهذا منشور (بوست) من ضمن أمثلة كثيرة تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي؛ يقول:

“تناقض غريب: أتعجب من قوم تركوا بلادهم في زمن الحرب لأسباب كثيرة، على رأسها الخوف وإيثار السلامة، وأقاموا في بلاد الاغتراب، فحصلوا على الجنسيات التركية والأوروبية والكندية والأمريكية، ثم استيقظ لديهم الحسّ الوطني والخوف على الهوية السورية فجأة، فبدأوا حملة رفض منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين تركوا بلادهم الآمنة وجاؤوا للدفاع عنا. أنا أرى أنهم أحق من كثيرين بالجنسية، وبلاد الشام تاريخياً استقبلت المسلمين من كل حدب وصوب، ودمجتهم وصاروا جزءاً منها”.

هذا المنشور يندرج ضمن الخطاب الشعبوي، وليس الشعبي، لأسباب كثيرة:

أولاً؛ التبسيط الشديد لقضية معقدة، فمسألة منح الجنسية لمقاتلين جهاديين أجانب انضووا في تنظيمات إرهابية وساهموا في نزوح الكثير من السوريين، ومدينة الرقة تحت حكم داعش والنصرة أكبر مثال، ومن لم يلتجئ إلى تركيا أو غيرها قُتل، وعلى الهواء مباشرة. صاحب البوست يطرح قضية شديدة الحساسية بعيداً حتى عن جوانبها القانونية والسياسية والديمغرافية، ويتعامل معها كأنها خلاف على منح جائزة ترضية.

ثانياً؛ المقارنة بين حالتَين غير متكافئتين، فهو يقارن بين لاجئين سوريين هربوا من الحرب إلى دول آمنة، وبين مقاتلين أجانب جاؤوا من دول آمنة إلى بلد في حرب، لأهداف خاصة بهم، لا تتعلق بالثورة السورية، وهي مقارنة مضللة تخلط، بشعبوية فاضحة، سياقات أخلاقية وقانونية وسياسية واجتماعية مختلفة تماماً.

ثالثاً؛ المنشور يلعب على تجييش المشاعر في لحظة مضطربة من تاريخ سورية، كما يمارس الاتهام الضمني، وفيه تلميح واضح بأن مَن يعارض تجنيس المقاتلين الأجانب هو “فاقد للهوية” أو “يعيش تناقضاً”، ما يُحرّض على مشاعر الغضب أو الذنب، دون تحليل عقلاني أو حجج جدية.

رابعاً؛ صاحب المنشور، ولكي يبدو أمام جمهوره عارفاً ومثقفاً، يستدعي التاريخ على نحوٍ تعسفي وانتقائي، فهو يستخدم عبارة “بلاد الشام استقبلت المسلمين من كل حدب وصوب” في محاولة لإضفاء شرعية دينية أو تاريخية على موقف سياسي معاصر، وهي سمة شعبوية كلاسيكية: تقديس الماضي لخدمة موقف آني. وطبعاً، هنا لا أظن أنه يخفى على أحد، أنّ هناك غزلاً واضحاً للقيادة الجديدة في سورية ذات الخلفية الجهادية الإسلامية.

في الخلاصة، المنشور نموذج واضح لخطاب شعبوي يتخفّى خلف قناع وطني أو ديني، ويهدف إلى خلق استقطابٍ، السوريون في هذه المرحلة في غنى عنه، بين اللاجئين والمعترضين من جهة، وبين داعمي تجنيس المقاتلين من جهة أخرى، ومثل هذا الخطاب لا يخدم النقاش الصحي، بل يُقصي التفكير العقلاني ويُوظف العاطفة لإلغاء الآخر.

من حقّ أي فرد أن يطرح رأيه في موضوع تجنيس الأجانب، لكن من واجبنا أن نُميز بين الرأي الصادق، والخطاب الذي يُزيّن المواقف الحادة بغلاف الهوية والعواطف، بينما يساهم في تفتيت المجتمع أكثر.

العربي الجديد

————————–

 “وين كنت من 14 سنة؟”/ مناهل السهوي

05.04.2025

“وين كنت من 14 سنة ؟” …سؤال لا يبحث عن إجابة، بل عن إلغاء صوتك، عن تلميح خفيّ بأن تضحياتك لم تكن كافية، وأنك ببساطة لا تملك الحقّ في إبداء رأيك الآن بعد سقوط النظام.

لا يكاد يخلو نقاش سياسي – سوري اليوم، من السؤال العظيم: “وين كنت من 14 سنة؟”.

يطفو هذا السؤال كاستجابة تلقائية لأي نقد يطال الحكومة الجديدة، بغضّ النظر عن مدى وجاهة النقد أو هوّية المنتقد. لا يهمّ إن كان الكلام محقّاً أو يستند إلى حقائق، المهمّ هو طرح سؤال المرحلة، السؤال الذي يُراد به إخماد الجدل لا فتحه.

السؤالُ السحري

“وين كنت من 14 سنة؟”، السؤال السحري، ذاك الذي يُصيب من يسمعه برجفة “أخلاقية”، ويتركه في حالة من الصدمة الوجودية، السؤال الذي بات عنوان المرحلة في سوريا، وكأنه تعويذة سرية تُلقى لإسكات أي نقاش قبل أن يبدأ. إنه ليس مجرد استفهام بريء، بل أقرب إلى “كلمة السرّ” التي تعني ببساطة: “إخرس!”.

 لا ينتظر صاحبه إجابة، ولا يرغب في سماع رأي، بل يطمح فقط إلى انتزاع استسلامك الكامل، إلى أن تُومئ برأسك وتقول بأسى: “نعم، نعم، أنت الثائر الأوحد، حارس الثورة الأخير، أما البقية فمجرّد هُواة لم يضحّوا بما يكفي!”.

“وين كنت من 14 سنة؟” ليس سؤالاً عن موقعك الجغرافي وقتها، ولا عن طموحاتك، ولا حتى عمّا إذا كنت حياً أو ميتاً حينها. إنه مجرّد عبارة جاهزة، مصمّمة خصوصاً لتقليص أي تجربة لا تتوافق مع “المعيار الثوري”، الذي يحدّده السائل بنفسه.

سؤال لا يبحث عن إجابة، بل عن إلغاء صوتك، عن تلميح خفيّ بأن تضحياتك لم تكن كافية، وأنك ببساطة لا تملك الحقّ في إبداء رأيك الآن بعد سقوط النظام.

“وين كنت من 14 سنة؟”، جملة اعتراضية تتسلّل إلى أي نقاش سياسي اليوم في سوريا، خاصّة إن حمل نفَساً نقدياً للحكومة الجديدة. يُطرَح السؤال على الجميع من دون تمييز: الأفراد، الصحافيين، المعارضين القدامى، الناشطين، المعتقلين، المؤسّسات الإعلامية، وحتى من قتلهم نظام الأسد نفسه!

 “وين كنت؟” ليست استفهاماً، بل حُكم ضمني بأن تضحيتك لم تكن كافية، وأنك لا تستحقّ امتياز إبداء رأيك.

قمع مبطّن

ينتمي هذا السؤال إلى فصيلة من العبارات التي ازدهرت مع سقوط النظام، مثل: “من يحرّر يقرّر”، و”كنتوا تسترجوا تحكوا هيك أيام الأسد لما كان داعس على رؤوسكم”، والقائمة تطول. لا جدوى من شرح الفروقات بين هذه العبارات، فهي في جوهرها تحمل المعنى نفسه، أو بالأحرى، النيّة ذاتها: قمع مبطّن، وطريقة لإسكات المعارضة الجديدة، وخلق حالة شبيهة بتلك التي كانت سائدة في عهد نظام الأسد، ولكن بوجوه مختلفة.

لم يعد مستغرباً أن يُوجَّه هذا السؤال إلى معارض سابق اعتُقل قبل 2011، أو إلى كاتب أو صحافي أفنى نصف حياته في توثيق جرائم نظام الأسد وفضحها. والمفارقة أن هذا السؤال أحياناً يأتي من مراهقين لم يُكملوا بعد 14 عاماً، وكانوا لا يزالون في بطون أمهاتهم عندما بدأت الثورة.

أن تُسأل كاتبة معارضة مثل روزا ياسين حسن: “وين كنتِ من 14 سنة؟” هو أمر في غاية السخرية. السيدة التي كتبت بحوثاً مطوّلة عن معتقلات الأسد والتشبيح، وكرّست موهبتها لتعرية هذا النظام، تُتّهم في اللحظة التي تقرّر فيها أن تقول لا لمجازر الساحل.  هذا السؤال لا يعكس سوى جهل وتجاهل عميقين لمسار معارضتها الطويل والمستمر.

روزا ليست استثناء، فلنلقِ نظرة على صفحة الكاتب والباحث ياسين حاج صالح على “فيسبوك”، الذي أمضى في السجن الأسدي أكثر من 15 عاماً، واختُطِفت زوجته سميرة الخليل من قِبل الجماعات الإسلامية المتطرّفة. ورغم مصابه الكبير، تمكّن من نقد نظام الأسد، وبقي يطالب بالعدالة والتغيير. اليوم، هذا الرجل يواجَه بالسؤال نفسه، “وين كنت؟”، فقط لأنه ينتقد الحكومة الجديدة. هذا السؤال ليس سوى طريقة لإلغاء ما بذله من جهد فكري ونضالي طوال سنوات، والتقليل من تضحياته، بدلاً من أن يُنظر إليه كباحث ومناضل حقيقي.

مراهقو الثورة

إنهم مراهقو الثورة، مختلقو قصص البطولة، من يمتلكون مفهوماً ضيّقاً للثورة والنضال والتضحية. من يمتلك الحقّ في تحديد مدى تضحية أي كان؟ أو منحه أحقيّة النقد أو لا؟ من الذي قال إن التضحية لها درجات، وإن هناك مستوى واحداً فقط يمكّنك من رفع صوتك؟ ومن يمتلك هذا الحق اليوم؟

هؤلاء الذين يتاجرون بمفهوم التضحية، ويرون فيه سبيلاً للسيطرة على الحقيقة، يتجاهلون أن التضحية ليست مقياساً ثابتاً، بل هي تجربة شخصية فريدة. هؤلاء الذين يوجّهون الأسئلة القاسية، لا يعلمون أن أوّل من قدّم التضحيات، هم أولئك الذين اختاروا أن يستمرّوا في الدفاع عن الضعفاء رغم كل ما قاسوه، ولم يضعوا لأنفسهم معايير ضيّقة للبطولة أو للضحية التي تستحقّ الدعم.

من ضحّى أكثر مِن مَن؟ وكيف يمكن أن نضع مقياساً لهذه التضحية؟ حمل السلاح ليس التضحية الوحيدة أو الأنبل، 14 عاماً تنوّعت فيها التضحيات، بعضها كان قبل الثورة نفسها. التضحية ليست حكراً على لحظة معيّنة أو حدث فردي، بل هي سيرة طويلة من الألم والعزيمة. مفهوم التضحية أوسع وأكرم من النظرة الضيّقة التي يقدّمها مراهقو الثورة، الذين يظنّون أن التضحية تُقاس بحجم الأكاذيب التي يختلقونها حول أبطالهم. من اعتُقل ضحّى، من قُتل تحت التعذيب ضحّى، من غامر بحياته في البحر ضحّى، من كتب بالكلمة ضد النظام ضحّى. الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن ضحّين، من تحمّلوا الجوع والفقر ضحّوا، من عاشوا وكبروا في الخيام ضحّوا. أولئك الذين تحدّثوا يوماً بعد يوم عن الحرية والعدالة ضحّوا، من اختار الصمت خوفاً على أحبائه ضحّى، من تخفّى لسنوات كيلا يلتحق بالجيش ضحّى، من لم يتمكّن من رؤية عائلته لسنوات ضحّى، من قرأ كلمة واحدة عن الحرية والثورة ضحّى، الأطفال الذين ولدوا في الخيام ضحّوا، وكل هؤلاء لا يُقلّل من تضحياتهم أحد، مهما كان، لأن تضحياتهم لا تقتصر على الصورة المتخيّلة والهزيلة التي يمتلكها البعض عن التضحية.

 – كاتبة وصحفية سورية

درج

————————————-

المعري “رهين النوائب” السورية/ طارق علي

انتهكت “النصرة” ضريحه بعد سيطرتها على إدلب وحذفته “تحرير الشام” من المناهج وأخيراً أقدم مسلحون على تدمير تمثاله

الأحد 6 أبريل 2025

ليس من الصعب العثور على آلاف الفتاوى التي تكفر المعري وتعتبره خارجاً عن الملة الإسلامية بإجماع فقهاء عصره ومن تلاهم. لذا كان تدمير ضريحه هدفاً مشروعاً بغض النظر عن معرفة مدمريه لشخصه أو فهمهم لرؤيته ومواضع انتقاده، بل وحتى قراءة شيء مما جاء به وتركه كمرجع تخطى المحلية نحو العالمية الفكرية والأدبية والثقافية، كـ”رسالة الغفران” على سبيل المثال.

قامت مجموعة مسلحة مجهولة في سوريا بالاعتداء على ضريح الشاعر والفيلسوف العربي أبي العلاء المعري في مسقط رأسه بمدينة معرة النعمان داخل ريف إدلب، لتحطم تمثاله وتقطع رأسه، في حين يعتقد مراقبون أن ذلك الفصيل المسلح منبثق من “جبهة النصرة” فرع تنظيم “القاعدة” سابقاً، والتي لا تزال تتبنى السلوك المتطرف في تعاملها مع المجريات والوقائع والأحداث، ولم تكن الأضرحة الدينية والثقافية والتاريخية بمنأى منها.

ففي عام 2013 عقب سيطرة الجبهة على مدينة معرة النعمان، أطاحت رأس تمثال أبي العلاء بعد أن انتهكت الضريح والمتحف ودمرتهما جزئياً، وكان ذلك التدمير محمولاً على أيديولوجيا موزعة على قائمين، الأول رفض التماثيل والأيقونات بوصفها شركاً وبدعة ومدعاة لتعبد الأوثان، والثاني يتعلق بالهدف نفسه (أبي العلاء) الذي طالما اتُّهم عبر التاريخ بالتجديف والزندقة ونقد الدين الإسلامي عبر كتبه، وما تركه من رسائل وأشعار وقصص أدت إلى تكفيره في حياته وخلال العصور التي تلت موته.

وليس من الصعب العثور على آلاف الفتاوى التي تكفر المعري وتعده خارجاً عن الملة الإسلامية بإجماع فقهاء عصره ومن تلاهم. لذا كان تدمير ضريحه هدفاً مشروعاً بغض النظر عن معرفة مدمريه لشخصه أو فهمهم لرؤيته ومواضع انتقاده، بل وحتى قراءة شيء مما جاء به وتركه كمرجع تخطى المحلية نحو العالمية الفكرية والأدبية والثقافية كـ”رسالة الغفران” على سبيل المثال.

أوثان وأشياء أخرى

في أتون ذلك لم يكن تصرف “النصرة” بقطع رأس تمثال المعري منفصلاً عن سياق الأحداث العامة داخل المنطقة، فقد كان تنظيم “داعش” الذي تنامى وتطور فكرة وعدداً وعتاداً سيطر على أهم المواقع الأثرية بين سوريا والعراق، مثل مواقع الموصل ونينوى والحضر في العراق، وهناك فجر ودمر وحطم بالسيوف والفؤوس تماثيل وآثاراً تعود لآلاف الأعوام، ووثق فعتله كل مرة بالفيديو على صيحات “الله أكبر”، معتقداً أنه بذلك يواجه صورة من صور الشرك العظيم بإزالة “الأوثان”.

ومن بين أبرز ضحايا التدمير الممنهج للآثار كان تدمير “داعش” لمدينة نمرود الأثرية في العراق “كالخو”، إذ حطم واجهتها والمقبرة والنقوش الآشورية وكذلك موقع “خورسباد” الأثري وغيرهما كثير، وكان أبرز ما دُمِّر “الثور المجنح” الآشوري.

بعد ذلك انتقل التنظيم إلى سوريا وسيطر على مدينة تدمر الأثرية، وهي وآثار العراق تعود لآلاف الأعوام، وفي تدمر فجر معبد إله الشمس “بل شمن” وخرب المسرح الروماني، وإثر كل ذلك تداعت منظمة الـ”يونيسكو” غير مرة طالبة عقد جلسات عاجلة لمجلس الأمن الدولي.

ما وراء الأكمة

كان سلوك “النصرة” يتماشى مع رؤية “داعش” في تلك المرحلة، لكن اللافت أن التنظيمين استهدفاً بعمليات التفجير والانتقام من الإرث الثقافي المسجل على لوائح التراث العالمي ما لا يمكن حمله ونقله، “لكن في الظل شكلت العملات واللقى والآثار الصغيرة المحمولة مورداً مادياً كبيراً لتمويل الجماعات الإرهابية”. بحسب الأثري راضي نعيم الذي تحدث عن سوق سوداء كبيرة قامت برعاية المتطرفين، لسد جزء لا يستهان به من تمويلهما.

ويكمل نعيم “في سوريا ومع اقتراب وصول التنظيم إلى مدينة تدمر وسط البادية، تمكنت محافظة حمص بالتعاون مع متحف دمشق ووزارة الثقافة من نقل ما أمكن من الآثار الصغرى على حين ليل وإخفائها في العاصمة مع اقتراب سقوط المدينة عسكرياً، ونجحوا إلى حد كبير في نقل مقتنيات “متحف تدمر” المحمولة بحراسة مشددة وتأمين حراسة لاحقة لها، بناءً على معرفة مسبقة بمصيرها بالنظر إلى ما كان يحدث في العراق، ووصول تلك الآثار إلى تركيا وأوروبا وأسواق عالمية أخرى لم تغب عنها البضائع السورية”.

وفي الإطار نفسه، تحدث راضي عن عالم الآثار الكبير خالد الأسعد الذي كان مسؤولاً عن حماية تراث وآثار تدمر لمدة 60 عاماً، والذي رفض مغادرة المدينة لفرط تعلقه بها بعد أن كان مديراً لمتحفها لعقود وأبرز مكتشفي آثارها، فقضى مصلوباً على أيدي عناصر التنظيم حين لم يقبل بإخبارهم عن مواقع التنقيب الرئيسة أو أماكن وجود اللقى، وصار الرجل أسطورة عالمية تلقب بـ”حارس تدمر” أو “حارس النخل”، واحتفت به دول العالم بعد رحيله فسميت ساحات ومعالم ثقافية وقاعات باسمه في كبرى عواصم العالم.

ويتابع أن “النصرة” لم تكن بمنأى عن تلك الأحداث، فهي بدورها سيطرت على مدن ومناطق لا تخلو من المواقع الأثرية التي استغلتها بدورها كجزء من التمويل الضروري لحملاتها وقواتها المقاتلة ولإثراء جيوب قادتها، ودائماً ما كانت السوق التركية بوابة العبور المثلى، وبالمناسبة فإن الوضع في مناطق النظام لم يكن أفضل حالاً، فقد امتهن كثر التنقيب غير الشرعي عن الآثار وبخاصة في حمص ودرعا، وبالفعل حصل كثر على عملات تاريخية وسواها”.

السياحة المخيفة

يمكن التمييز بين أسلوبي “داعش” و”النصرة” في التعامل مع الآثار، على رغم وضوح الاتفاق الأيديولوجي المرتبط باعتبارها بوابة للشرك، لكن الأهداف كانت تتباين بين الفريقين في معرض التنفيذ، وإن كان الأمر برمته يعكس واحداً من أكثر جوانب الحرب السورية ظلاماً.

اعتمد “داعش” في رؤيته على الانطلاق من تفسير ديني ممعن في التشدد يهدف إلى إرسال رسائل عالمية شاملة حول كل ما تطاوله يداه، في حين أن “النصرة” لم تتبع سياسة التدمير الممنهج للآثار بصورة كاملة وواضحة وعلنية، وحاولت أن تحصر التدمير في إطار ما تراه رموزاً تؤيد حالات مجتمعية كـ”العلمانية”، أو في مواجهة رموز تدعو لـ”الزندقة والتكفير والإلحاد”.

باختصار، يمكن القول إن “داعش” خرب ودمر كل ما مر عليه ضمن دوافع عقائدية وسياسية وإعلامية، معتمداً أسلوب التباهي والتسجيلات المصورة. أما “النصرة” فكانت انتقائية وأقل علنية وعدائية ونادراً ما تبنت التدمير، وهي في الأعم تحاول التنصل من الأمر، على رغم أن الدافع يتشابه في جوانب متعددة مع “داعش” بما يراه الاثنان رموزاً شركية، لكن “النصرة” كانت أكثر ذكاء من استثارة الرأي العالمي ضدها.

وعلى رغم أن وزارة الثقافة الأخيرة في عهد الأسد بإدارة الوزيرة لبانة مشوح وضعت خطة رممت بموجبها ضريح ومتحف وتمثال أبي العلاء، فإنه تعرض للتدمير مجدداً فيما يصفه مراقبون بـ”عدم تغير العقلية الجهادية لدى بعض الفصائل ما بين التدمير الأول عام 2013، والتدمير الثاني عام 2025، لتمثال شاعر الفلاسفة في المدينة التي كانت محجاً ثقافياً قبل الحرب السورية”.

وينظر أولئك المراقبون للأمر من عين الحدث الجلل، ومن بينهم رائد فجر الذي كان ينشط في قطاع السياحة قبل الحرب قائلاً لـ”اندبندنت عربية”، “تعهد وزير السياحة الجديد أن تعود سوريا قبلة للسياحة، لكن كيف يحصل ذلك ونحن نرى آثارنا مدمرة ومهدمة، ومكمن الخطر أنها تهدم بعد انتصار الثورة، على ماذا سيأتي السياح الأجانب ليتفرجوا؟ على المقاتلين الأجانب واللحى الغريبة واللثامات التي تملأ الشوارع؟ ضريح أبي العلاء واحد من الآثار القليلة المتبقية، وإن لم نعرف أن نحافظ عليها وسواها اليوم فسنبكي غداً، حين نقول إن دمشق أقدم عاصمة ما زالت مأهولة في التاريخ ولكن آثارها لا نعرف كيف نحميها، على السلطات أن تدرك القيمة التاريخية لهذا البلد وآثاره الموضوعة على لائحة التراث العالمي، وأن احتمالية نسفها أو جزء منها يعني ازدياد أخطار التعامل مع السلطات الانتقالية”.

تعديلات قاصرة

مع سيطرة “هيئة تحرير الشام” على الحكم في سوريا وإطاحة نظام الأسد، سارعت بصورة مبكرة للغاية وفي ظرف أيام إلى تعديل المناهج الدراسية بصورة موسعة، مما أثار استغراباً يرتقي لمرحلة السخط في الشارع، إذ إنها تناولت الفكر والعقيدة والهوية والوعي. وكان من السهولة بمكان أن يلاحظ المتابعون محاولة القائمين على تعديل المناهج الابتعاد من الفلسفة والمنطق والأسس الوطنية الجامعة بمفهومها الحداثي.

علاوة على ذلك جرى حذف اسم الملكة زنوبيا وخولة بنت الأزور وغيرهما بوصفهم شخصيات تاريخية أسطورية، مع حذف أو تقليص الفقرات المسرحية والفنية والموسيقية، ومحو ذكر شخصيات أدبية رائدة كجبران خليل جبران وأبي العلاء المعري وغيرهما، واستبدالهم بشخصيات دينية إسلامية. وجرى محو أي ذكر لقوانين حمورابي “مسلة القانون البابلي”، وكل ما يتعلق أو يمت بصلة للميثولوجيا التاريخية في العالم عامة وبلاد ما بين النهرين وسوريا خصوصاً. ولعل هذا يفسر جزءاً من دوافع تدمير تمثال المعري.

ويرى الأستاذ في إحدى المدارس نبال جويخاتي أن هذه التعديلات لا تشبه سوريا، فقد طاولت المحذوفات تاريخ البلاد نفسه وتجاوزته لتثير الضغائن بين المكونات السورية. موضحاً “ستحصل ثغرة كبيرة في الجسد التعليمي مع الوقت، فالطالب الذي سيدرس الحقوق كيف سيجري الحديث إليه في الجامعة عن القانون الروماني وقوانين حمورابي، أول قوانين وضعية استمدت منها معظم الدساتير فحواها وهو لا يعلم عنها شيئاً، والذي سيدرس التاريخ في الجامعة كيف سينسونه أن قوام التاريخ الحديث مستمد من الميثولوجيا القديمة لبلده نفسه، وطالب الأدب العربي إن قرر مناقشة رسالته في مؤلفات أبي العلاء فهل سيُتهم بالزندقة؟ وطالب العلوم السياسية المسيحي كيف سيرى أن الموت في سبيل وطنه كفر، وفي سبيل الإسلام شهادة؟ هنا نعود إلى المربع الأول، فلا يمكن لسياسة الحكم في إدلب أن تكون نموذجاً صالحاً للتعميم في كل سوريا، ومن المعروف، عدا عن المسيحيين، أن ثمة تيارات يسارية يعتد بها، أما الأكثرية السنية فهي من المتصوفة والأشاعرة الوسطيين ضمن الإسلام الشامي المعتدل”.

بانوراما المعري

ويعد أبو العلاء المعري من نوابغ عصره، وهو شاعر عباسي فطحل كما تصفه الكتب، عاش خلال القرن الخامس الهجري والعاشر الميلادي (973 – 1057م)، واسمه أحمد بن عبدالله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، ولد وعاش ومات في معرة النعمان داخل محافظة إدلب شمال غربي سوريا.

ويعد المعري في التاريخ الأدبي واحداً من أكثر رموز العقلانية والعلمانية والتحرر والتجديد ومناقضة الموروث الجاف والأفكار الجاهزة. ولقب بـ”رهين المحبسين” لأنه كان كفيفاً إثر مرض أصيب به في طفولته، والمحبس الآخر كان بسبب ملازمته منزله، ولُقب بشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء.

لم يعلن المعري إلحاده ولكنه كان مشككاً في كثير من الروايات الدينية، مما جعله خصماً وعدواً لدوداً للتيارات المتشددة. وعاش حياة ملؤها الزهد والتأمل والفكر تمخضت عن كثير من المؤلفات أبرزها “اللزوميات”، وهي ديوان شعري يحمل نقداً فكرياً وأدبياً للدين والمجتمع، وكتابه الأشهر “رسالة الغفران” رحلة متخيلة إلى الجنة والنار، وبمؤلفه ذاك سبق الشاعر الإيطالي دانتي في مؤلفه “الكوميديا الإلهية” بنحو 200 عام.

—————————————-

رايات كانت محظورة رفعت في سماء سوريا… تاريخها ورمزيتها/ سنا الشامي

لم يعط نظام الأسد آنذاك مجالاً لأعلام تمثل الطوائف بالظهور

الأحد 6 أبريل 2025

انتشرت الحواجز ومعها رايات من يسيطر عليها، فكان على المتنقل أن يحفظ كل هذه الرايات ويهيئ نفسه معنوياً ومعرفياً ونفسياً لكسب ود من يمر بهم ليعبر سالماً

على امتداد مساحة تبلغ 184 ألف كيلومتر مربع كان علم سوريا الأحمر والأسود بنجمتيه الخضراوين يتسيد سماء البلاد، كل هذا كان قبل مارس (آذار) 2011، أما في ما بعد هذا التاريخ فقد ارتفعت رايات عدة كان وجودها لوقت قريب إما خجولاً ويقتصر على المناسبات أو ممنوعاً.

في تلك الأيام أطلت بعض الرايات محاولة احتلال الساحة، منها علم سوريا في زمن الانتداب الفرنسي، وهو المعتمد حالياً كعلم لدولة سوريا، وعاد علم الأكراد للظهور، وتصدرت راية “القاعدة” المشهد ومعها “جبهة النصرة”، فيما دخلت سوريا قوات أجنبية رفعت راياتها معلنة عن وجودها على الأرض كعلم “حزب الله” وإيران وروسيا وتركيا وأميركا.

لم يعطِ نظام بشار الأسد آنذاك مجالاً لأعلام تمثل الطوائف بالظهور، لكن على مساحة البلاد انتشرت الحواجز ومعها رايات من يسيطر عليها، فكان على المتنقل أن يحفظ كل هذه الرايات ويهيئ نفسه معنوياً ومعرفياً ونفسياً لكسب ود من يمر بهم ليعبر سالماً من كنتونات متعددة التبعية والتشكيلات العسكرية. فالتمييز بينها هو وسيلة النجاة الوحيدة، وحسن التعامل مع العلم ورافعيه هو جواز المرور، لكن الخطر هو ألا يرفع الحاجز علماً يدل على مرجعيته، عندها سيكون على ركاب السيارة الاستسلام لحدسهم وتقديرهم الشخصي والاستسلام لمصير مجهول ينتظرهم.

من الجنوب للشمال الشرقي

وبعد سقوط نظام الأسد، ظهرت كثير من الرايات التي كانت معرفتها محصورة بأبناء الطوائف والقوميات، وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي بانتشارها الواسع. فعلم الطائفة الدرزية المعروف تقريباً من جميع السوريين استبق سقوط النظام عندما انتفض عليه قبل أشهر من السقوط ورفع علم الطائفة، وهو يعرف بعلم الحدود الخمسة، فاللون الأخضر يرمز للعقل والأحمر للنفس والأصفر للكلمة، أما اللون الأزرق فيرمز للتعلم مما مضى واللون الأبيض يدل على الحكمة لمواجهة المستقبل.

كما ظهرت أعلام متعددة للأكراد على رأسها علم كردستان بشمسه في الوسط، إضافة إلى علم قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ويمثل علم كردستان العلم القومي لكامل أرض الكرد في سوريا والعراق وإيران وتركيا على اختلاف طوائف الأكراد ذوي الغالبية السنية. أما بالنسبة إلى ألوان العلم الكردي فيرمز اللون الأبيض إلى السلام، والأحمر إلى الثورة، والأخضر إلى خيرات كردستان وميزوبوتاميا أي بلاد الرافدين والشام، أما الأصفر فيرمز إلى الشمس، وهو الشعار الديني القومي للكرد والممتد من الزردشتية، وقد صُمم هذا العلم واعتُمد للمرة الأولى من قبل جمعية التنظيم الاجتماعي للكرد في إسطنبول عام 1920.

كما ظهرت أعلام الأشوريين والسريان والكلدان بعدما كان رفعها ووجودها مقتصراً على أعياد هذه الفئات الأصيلة الموغلة في القدم بسوريا. ففي أواسط الثمانينيات من القرن الماضي تبنى السريان علماً وهو عبارة عن صورة لنقش نسر اكتشف في منطقة تل حلف من قبل الباحث الفرنسي وخبير العلوم السامية أندريه دوبون 1900-1983، والقطعة المكتشفة تصور غلغامش بين اثنين من رجلي الثور مدعومين بقرص شمس مجنح، ويعتقد أنها تعود لعصر الملك الآرامي كبارا بن قاديانو في القرن التاسع، في حين يقول آخرون إنه يعود للألف السادس قبل الميلاد، واستبدل رأس النسر مسيحياً بشعلة تمثل الروح القدس.

وتمتع المنطقة التي تضم العدد الأكبر من الأكراد والآشوريين والسريان والكلدان، بحكم ذاتي تحت راية الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا والمعروفة باسم روجافا، لتنضوي كل الرايات السابقة تحت هذه الراية التي اعتمدت عام 2018. يتكون الشعار من عبارة “الإدارة الذاتية” باللغة العربية، محاطة بسبع نجوم حمراء تمثل مناطق شمال شرقي سوريا، إضافة إلى فرع من الزيتون ومحصولين من ثمرة القمح التي تنمو في المنطقة، فيما تحيط بجميع الرموز عبارة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مكتوبة باللغات العربية والكرمانجية والسريانية والتركية، وهي اللغات المستخدمة في المنطقة.

كما يوجد في هذه المنطقة علم حركة المجتمع الديمقراطي الذي اعتمد عام 2012 وتستخدمه غالبية الكرد في المنطقة بألوانه الأصفر والأحمر والأخضر، وعلم حزب الاتحاد السرياني ممثل الشعب السرياني الأشوري في شمال وشرق سوريا، بألوانه الأزرق والأصفر والأحمر، والعلم الآشوري الذي يستخدمه المجلس العسكري السرياني وحرس الخابور وقوات الناطورة وغيرها، بتصميم متميز وألوانه الأزرق الداكن والأبيض والأحمر والأزرق الفاتح.

راية الساحل

أما العلم الذي ظهر على الساحة حديثاً وغير المألوف لدى السوريين هو علم الطائفة العلوية. عام 1858 قام مشير الجبل إسماعيل عثمان خير بك بثورة ضد العثمانيين وبنى متصرفية على شكل الدولة وبنى سرايا في الدريكيش وحكم الساحل السوري ثمانية أعوام. وكان العلم عبارة عن راية بيضاء وشمس ذهبية، وعندما أنشأت فرنسا دولة العلويين في سوريا عام 1920 أضافت ثلاث زوايا حمراء ترمز لوحدة الدم، ووضعت علمها في الزاوية الرابعة، الذي أُزيل في ما بعد وأُضيفت زاوية حمراء رابعة. ويعد من أقدم الأعلام إذ يعود البحث التاريخي لأكثر من 9 آلاف عام قبل الميلاد، ولكن قصة ارتباطه تعود للأمير أبومحمد الحسن بن يوسف المكزون السنجاري، وهو شخصية مفكرة فلسفية عسكرية دينية وأدبية بارزة في تاريخ وتقاليد العلويين. وقد ظهر هذا العلم بصورة جلية وواضحة بعد المجازر التي ارتكبت في حق العلويين في الساحل السوري في السابع من مارس الماضي، حين خرجت الدعوات للمطالبة بحماية دولية في الساحل والانفصال عن باقي الأرض السورية. وظهر على نطاق واسع حتى خارج سوريا خلال التظاهرات التي عمت بعض الدول الأوروبية منددة بـ”المجازر”.

وفي سياق الدعوات لتقسيم سوريا، عادت رايات الدول الأجنبية لتظهر مرة أخرى، فنصب علم روسيا على منطقة الساحل السوري ومنطقة حمص الغربية، كما ظهر علم دولة إسرائيل لاعباً بارزاً في الصراع داخل سوريا، واستطاعوا رفع علمهم على جبل الشيخ وفي الجنوب السوري حيث عمد أهل البلاد لإنزاله. كما أن للعلم التركي حضوراً واسعاً لا سيما عند بدء عملية “ردع العدوان” وسقوط نظام الأسد حيث ظهر على قلعة حلب ومناطق عدة في الشمال.

رايات الفصائل

كما ظهرت أعلام الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل نظام بشار الأسد، ومنها علم هيئة تحرير الشام و”جيش العزة” وحركة “أحرار الشام” وفصائل الجنوب و”جيش الإسلام” و”أنصار التوحيد” و”فيلق الشام” وحركة “نور الدين الزنكي”، إضافة لراية “داعش”. وقد تشابهت هذه الرايات لجهة أن معظمها اتخذ ما عرف براية المسلمين المكتوب عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وتحتها اسم الفصيل.

هذه الراية التي يَعُد عدد كبير من دراسي الحركات المتطرفة أنها استخدمت ستاراً لقتل الناس الأبرياء، مما جعل مجرد رؤيتها في مكان يثير الهلع والخوف في قلوب الناس.

وقد عمد أحمد الشرع قبل إعلانه رئيساً للجمهورية العربية السورية لحل هذه الفصائل وانضوائها جميعاً تحت راية العلم السوري الأخضر القادم من زمن الاحتلال الفرنسي، لكن مجازر الساحل السوري أعادت هذه الرايات إلى الواجهة وعاد الخوف مما تعنيه وما تحمله من تاريخ في إراقة الدماء، إلى الظهور.

يذكر أن الانتماء لعلم يتبع لطائفة وكيان يعطي شعوراً بالأمان في وجه علم آخر يثير الخوف في النفوس، بسبب ما تحمله دلالاته وتاريخه، إذ يعامل العلم صاحبه معاملة بطاقة التعريف، فلحظة رؤيته وتمييزه ومعرفته يجعل في العقل نظرة استباقية جاءت ليس فقط من معاني العلم، بل بما تم فعله تحت هذه الراية أو باسمها.

—————-

هيثم مناع بتمويل إيراني يسعى لتمزيق سورية مجدداً/ مازن أكثم سليمان

تحديث 06 نيسان205

يضع منتدى مُصافَحات هذا التقرير المعمّق الأول له بين يدي الرأي العام السوري، انطلاقًا من مبدأي الشفافية والرقابة الوطنية الحرة، ومن منطلق الالتزام بمشروع بناء دولة المواطنة الديمقراطية الجامعة، وهي مسؤولية يفترض أن يتحمّلها جميع الوطنيين السوريين دون استثناء.

في اللحظة التي بدأ فيها السوريون يتلمّسون طريقهم نحو انتقال سياسي هش بعد سقوط نظام بشار الأسد، كان هناك من يتحرّك في الظلّ، لا لإكمال مشروع التحرّر، بل لإعادة تشكيل مشهد الخراب، مستنداً إلى شعارات براقة وواجهة “مدنية ديمقراطية”.

هيثم مناع، الذي لطالما قدّم نفسه كمعارض وطني مستقل، لا يقف اليوم على الحياد؛ بل، على العكس، يقف بوضوح على أرضية مشروع تفكيكي ناعم، تدفعه طهران، يُعيد من خلاله صياغة سورية على شكل فسيفساء مذهبية مفككة، لا كدولة مواطنة.

من الحقوقي إلى مهندس الرموز الطائفية

منذ زيارته الأولى لطهران عام 2012 ولقاءاته بمسؤولين أمنيين ودبلوماسيين، إلى ترؤسه “مجلس سورية الديمقراطية” عام 2015 بدعم روسي – إيراني، وصولاً إلى ظهوره الحصري على قنوات مثل “العالم” و”الميادين”، بدا واضحاً أن مناع قد اتخذ تموضعاً سياسياً منحازاً. تصريحاته المتكررة في تبرئة بشار الأسد من المجازر، وافتخاره بـ”نقاط التلاقي” مع إيران، لا تترك مجالا كبيراً للشك في موقعه ضمن محور طهران – الضاحية الجنوبية.

ولم يكتفِ مناع بذلك، بل سعى إلى تكريس صورة مظلوميته الشخصية من خلال استحضار اسم شقيقه الشهيد “معن العودات”، الذي ضحى بنفسه من أجل حرية سورية، ليُوظّف هذا الإرث في تلميع صورته، رغم تباعد المواقف جذريًا بينه وبين ما ناضل لأجله شقيقه.

جنيف 2025: نواة مشروع الأقليات

في 15 شباط / فبراير 2025، ترأس مناع مؤتمراً غامضاً في جنيف نظّمته لجنة تحضيرية لتشكيل ما سمّي “معارضة وطنية جديدة”. لكن الوثائق والمعلومات التي حصلنا عليها تكشف أنه كان في جوهره محاولة لتأسيس جسم سياسي بديل للسلطة الانتقالية في دمشق، مدعوم من طهران، يستهدف تمثيل الأقليات وشق صفوف الثورة السورية.

المثير أن المؤتمر تزامن مع اندلاع أحداث دموية في مناطق الساحل، حيث تم استغلال مخاوف الطائفة العلوية من مرحلة ما بعد الأسد. وتشير مصادر خاصة إلى أن مناع كان يحاول دفع شخصيات علوية ودرزية للانضمام إلى تشكيلته الجديدة بشكل سري، بينما كانت وسائل الإعلام الإيرانية – والإسرائيلية – وتصريحات مسؤوليها تروّج لرسائل تعزز الشعور بالخطر الوجودي لدى الأقليات، وهذا ما يشير إلى تشابك عضوي بين ذلك وهذا المؤتمر وما تلاه من أحداث مؤسفة في الساحل السوري.

التمويل والتنسيق: سبهان الملا جياد في الكواليس

رغم أن مناع ظهر كوجه مستقل، إلا أن حقيقة الأمور كانت تُدار من خلف الستار بواسطة العراقي سبهان الملا جياد، مستشار رئيس الوزراء العراقي وذراع إيران الاستخباراتي في الملف السوري.

بحسب بحث استقصائي أجراه منتدى مُصافَحات، فإن سبهان لم يُدرج اسمه في أي وثيقة رسمية للمؤتمر، بل أقام في جناح خاص باسم مناع، حيث تولى إدارة التوجيهات الإيرانية المتعلقة بتشكيل حزب سياسي خاص بالأقليات، بهدف تقويض شرعية الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع.

وتؤكد المعلومات أن المال الإيراني الذي يُموّل هذا المشروع يصل عبر قنوات دقيقة تمرّ من العراق، بموافقة ضمنية من مؤسسات عراقية متنفذة، مما يفسر بوضوح الموقف السياسي للحكومة العراقية الرافض لتسليم قيادة المرحلة الانتقالية في سورية لقوى وطنية مستقلة، وتفضيلها دعم كيانات وظيفية موالية لمحور طهران.

والأخطر، أن سبهان الجياد كان قد التقى بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر فقط من مغادرته سورية، في لقاء لم يكن سرياً، حاملاً رسالة مفادها أن “المعارضة السورية تريد التواصل مع الأسد”، وكان يقصد بذلك تيار “قمح” وهيثم مناع تحديداً. اللقاء مثّل مؤشراً واضحاً على طبيعة التنسيق المبكر بين طهران والنظام السوري عبر وكلائها في العراق وهيثم مناع وتياره.

ذريعة الأقليات: قناع لتسويق الانقسام

ارتكزت خطابات المؤتمر، ولا سيما كلمة هيثم مناع، على مفهوم “التكوينات” بوصفه مدخلاً إلزامياً لتحقيق الديمقراطية، غير أن هذا الطرح استند إلى نماذج تاريخية غير دقيقة، كالحزب الديمقراطي الأمريكي، لتبرير نزعات التقسيم الطائفي في سورية. وفي السياق نفسه، قدّمت الدكتورة منى غانم مداخلة انطلقت من سردية المظلومية، مستحضرة فتاوى تاريخية تُستخدم لتغذية خطاب الخوف والانعزال. في هذا الإطار، لم تُطرح أي رؤية وطنية جامعة تُعلي من شأن الدولة والمواطنة، بل ساد خطاب انعزالي مفكك، يتناقض كلياً مع مشروع الدولة الحديثة، ويُسوّق لتفتيت الكيان السوري تحت غطاء “المدنية” و”التمثيل العادل”.

شخصية انتهازية ونرجسية سياسية

اشتهر هيثم مناع بنزعته الانتهازية في اختراق التنظيمات والمؤسسات المعارضة السورية، حيث استخدم تلك المواقع كمنصات لترسيخ حضوره الشخصي، لا لخدمة العمل الجماعي أو المشروع الوطني. وبحسب شهادات موثقة، كان مناع يفشل مراراً في بناء علاقات تعاون فعّالة، نتيجة حمله أجندات خفية في كل تحرك، إضافة إلى نزعته النرجسية البارزة التي حالت دون أي شراكة حقيقية داخل الحراك الوطني السوري.

مسؤولية جماعية عن جرائم الساحل

رغم كل ما سبق، لا يمكن تجاهل الحقيقة الصادمة بأن ما جرى في الساحل السوري من جرائم قتل بحق المدنيين – والتي أقرت بها الإدارة الحالية – يمثل فاجعة وطنية كبرى لا يمكن تبريرها أو التهوين من وقعها. فقد شهدت تلك الأحداث سقوط ضحايا من المدنيين، إضافة إلى استشهاد عدد من عناصر الأمن العام، ما يجعل المسؤولية مشتركة بين أطراف متعددة.

لقد أسهم الترويج لخطابات المظلومية التاريخية، وتكريس ثنائية “الأقليات” و”الأكثرية” بمعزل عن تحليل موضوعي ومعمق للحالة السورية، في تأجيج المشهد، خصوصاً مع غياب الوعي بحجم الانفلات الأمني وخطورة تفشي السلاح العشوائي. هذه العوامل مجتمعة غذّت الانفجار الدموي، وساهمت في تحويل التوترات السياسية إلى مواجهات دامية.

ولا يُعفى أي طرف من المسؤولية، سواء من النخب السياسية التي أخفقت في ضبط الخطاب، أو من الفاعلين الميدانيين الذين تقاعسوا عن احتواء التصعيد. ومن هنا، تبقى مسؤولية الإدارة الحالية قائمة، إذ يُفترض بها أن تُباشر خطوات جدّية تبدأ بمحاسبة شفافة، عبر فتح تحقيق مستقل، وإطلاق مسار عدالة انتقالية حقيقي، وتفعيل مؤسسات القانون المختصة، بما يكفل إنصاف الضحايا ويحول دون تكرار الكارثة.

التقاء مصالح طهران وتل أبيب

ربما كان أخطر ما كشفه مؤتمر جنيف الأخير هو التقاء غير معلن بين الدعم الإيراني والتغطية الإعلامية الإسرائيلية، كما تجلّى في تغطية موقع i24. ما يبدو صادماً على السطح، يجد جذوره في تقاطع مصالح استراتيجية أعمق، يجمع بين طهران وتل أبيب في هدف واحد: إنتاج سورية ضعيفة، ممزّقة، ومأزومة طائفياً.

في هذا السياق، يؤدي هيثم مناع، عبر لغته الناعمة وأدواته “القانونية والمدنية”، دور الممهّد السياسي لهذا المشروع. لا يرفع شعارات صدامية، لكنه يوظّف سرديات “التمثيل التعددي” و”حقوق الأقليات” كأدوات لتفكيك البنية الوطنية من الداخل.

خطابات المؤتمر، إلى جانب منشورات مناع والدوائر المحيطة به على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تقدم أي طرح وطني جامع. بل شكّلت في مجملها سلسلة من الرسائل الطائفية المبطّنة، تغذّي مشاعر التمترس والانقسام، وتُعيد إنتاج مناخات الشك والعداء بين أبناء المجتمع السوري. بدلاً من ممارسة دور توحيدي يُنتظر من شخصيات عامة تدّعي “الاستقلال”، أسهم هذا الخطاب في تكريس القطيعة الداخلية، كامتداد واضح لسياسات النظام القديم، وكمكوّن عضوي من مكونات المشروع الإيراني التفكيكي.

هيثم مناع: خيار تفكيكي لا ضحية.. وواجهة ناعمة لعودة النفوذ الإيراني

على مدار عقدين، لم يكن هيثم مناع مجرد ضحية لنظام استبدادي، بل فاعلاً سياسياً اتخذ قراراته وتحالفاته عن وعي كامل. لم يُدِن الأسد، بل أدان الثورة. لم يرفع علم الثورة، بل رفع لواء “الواقعية السياسية”. عاد في كل مرة بمشروع جديد: من “قمح”، إلى “مسد”، إلى “مؤتمر الأقليات”، وكلها بمهمة موحدة: إعادة تعريف سورية من خارج شعبها، وتحت سقف حسابات خارجية.

من الضروري أن يُسمّي السوريون الأمور بأسمائها. أن يكون مناع جزءاً من المشهد السياسي المقبل يعني منح طهران تذكرة عودة ناعمة، وتمرير الطائفية من النوافذ المدنية. سورية الجديدة لا تُبنى على المحاصصات الطائفية، ولا عبر تحالفات وظيفية مع قوى خارجية مزّقت البلاد لسنوات.

ما يُقدّمه هيثم مناع ومن معه هو نسخة محسّنة من مشروع تفتيتي موازٍ لخطاب النظام، هدفه تقويض وحدة بلد يحاول النهوض من جديد. ببساطة، مناع ليس جسراً للحوار، بل هو أحد مهندسي الانقسام، في مرحلة دقيقة من تاريخ سورية، تتطلب بناء الدولة لا إعادة تدوير ملامح انهيارها.

مصافحات

——————————

سوريا.. البحث عن “آباء مؤسسين”/ سلمان عز الدين

5 أبريل 2025

ها قد عدنا إلى حيث بدأنا منذ عقود طويلة. سوريا على محك سؤال الوجود: تكون أو لا تكون. وبعض من سكانها يحكّون رؤوسهم مفكرين، (وعن جد)، إن كان عليهم أن يغدوا سوريين، أو يذهبوا ليبحثوا لهم عن هوية أخرى.

سؤال “ما هي سوريا ومن هم السوريون؟” كان قد طُرح إثر نهاية الحكم العثماني، وتجدد مرارًا، وبدأت الإجابات عنه في زمن الانتداب الفرنسي وصولًا إلى تجسيد إجابة حاسمة غداة الاستقلال. هذه دولة سوريا، هي التي بين أيدينا الآن، وهؤلاء هم سكانها والذين كانوا من المفترض أن يصبحوا مواطنين فيها.

لقد تم اختراع سوريا على أيدي من نسميهم اليوم “الآباء المؤسسين”، وفق ظروف ومعطيات إقليمية ودولية حاكمة. وبالمناسبة هذا ليس “عيبًا أصليًا” كما يحلو للبعض أن يتصور. فليس من دول تهبط جاهزة من السماء، ولا وجود لدول مولودة منذ بدء الخليقة. الدولة اختراع بشري أولًا وأخيرًا، وسوريا ليست استثناء من ذلك.

وقد رأى بعض المؤسسين أن هذه الأرض كافية تمامًا لتكون وطنًا كاملًا وحقيقيًا، غير أن كثيرًا من الذين صاروا سوريين، وأبوا أن يكونوا مجرد سوريين، خالفوهم الرأي فظلت سوريا جرحًا في نرجسيتهم، قطرًا أصغر بكثير من طموحهم. إنها ما تبقى من “سوريا الكبرى” والتي بدورها يجب أن تكون جزءًا من وطن كبير، هو الوطن العربي تارة أو الأمة الإسلامية تارة أخرى.

عقود طويلة أهدرها أجدادنا وآباؤنا، ونحن من بعدهم، في البحث عن هذا الوطن الأكبر وهذه الهوية الأجدر بأن ننتمي إليها وأن نموت من أجلها. ونسوا ونسينا أن “الصغير القليل” الذي بين أيدينا ليس معطى ناجزًا ومضمونًا ونهائيًا حتى نسعى إلى تكثيره وتكبيره ومضاعفته. نسينا أن دولتنا هي شيء مصنوع يحتاج إلى الرعاية والصيانة والتحديث على مدار الزمن، ومن دون ذلك يكون عرضة للعطب، ويغدو بالتالي غير صالح لأن يكون جزءًا من كلٍ موعود.

إثر هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين عام 1948، عاد أكرم الحوراني إلى دمشق محبطًا كسير القلب، فقابله واحد من أعيان سوريا وقال له: “للأسف يابني لقد أضعنا فلسطين وإذا كنا رجالاً علينا أن نحافظ على سوريا”. عبارة قاسية، بدا أنها تنطوي على روح انهزامية وبراغماتية ضيقة الأفق. ولكن الأيام ستثبت أنها نبوءة حكيم. لقد كان الرجل يدرك، على ما يبدو، ما سيقترفه بعض مواطنيه من النخب الحاكمة أو الطامحة للحكم: لن يفعلوا شيئًا حقيقًيا لاستعادة فلسطين، وسوف يفعلون كل شيء لخسارة سوريا.

انقلابات عسكرية وصراعات أيديولوجية تحت شعارات كبيرة طنانة، ثم البعث الذي كتم الأنفاس والأسئلة، وحافظ الأسد الذي نجح، بـ “عبقريته الاسترايجية” التي لا يزال الكثيرون مصرين على امتداحها، في تحويل الوطن الصغير إلى سجن كبير، قبل أن يورثه لابنه المعتوه فيجعل منه مسلخًا كبيرًا.. كبيرًا.  

واليوم نقف مجددًا أمام سؤال “سوريا والسوريين”، والمفارقة أن التحدي هذه المرة لا يأتي من الذين يستصغرون هذه الدولة ويرون أنها لا تلبي الطموح، بل من الذين يعتقدون أنها أكبر مما يتيح الواقع، ويؤكدون أن الهوية السورية الجامعة هي وهم أيضًا، والهويات الحقيقية هي تلك التي قُمعت طويلًا: هويات الطوائف والإثنيات. “هويات صغيرة ولكنها أكثر واقعية وبالتالي أكثر قابلية للعيش وأجدر بأن تتبلور في كيانات من نوع ما: أقاليم أو مناطق حكم ذاتي”، وربما يخرج غدًا من يطالب لها صراحة بدول.

ومع ذلك يصر أغلب السوريين على أن سوريا أمر مسلم به، دولة قائمة وكاملة المقومات، وإن تكن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، وإلى نظام سياسي آخر. ويقولون: “حتى لو أخذنا كلام المشككين بعين الاعتبار، فلنعد بنائها. حسنًا: لنعد تأسيسها كما تأسست تمامًا منذ قرن”.

لا يبدو هؤلاء واهمين، وإيمانهم ليس بلا سند متين في الواقع. على الأقل هم أكثر عقلانية من خصومهم الطائفيين التقسيميين.

ينطلق أنصار الهويات الطائفية من مقدمة باطلة: لقد أثبتت هوياتهم صلابتها وديمومتها في الوقت الذي تبدت فيه الهوية الوطنية كمجرد شعار أجوف.

لا يدركون مقدار الوهن الذي أصاب هوياتهم هذه، ودرجة الانحلال في عصبياتهم التي يعولون عليها. فبحكم الزمن، ونتيجة سياسات مقصودة كذلك، صارت الطائفة طوائف والعشيرة عشائر، والجماعة ألف جماعة. لقد صارت هياكل فارغة هي أيضًا.

وانظروا إلى زعماء هذه الجماعات، أو من يدعون أنهم زعماؤها، إنهم كثر جدًا، أكثر من أن نصدق بأنهم زعماء حقًا، حتى أن عددهم في كل جماعة يكاد يساوي عدد الذكور البالغين فيها. وانظروا إليهم كيف يمارسون طقوسًا مستعارة من زمن آخر مضى وانقضى، وكيف يلعبون أدوارًا ما هي إلا جزء من فلكلور موروث. يخرج أحدهم ليتحدث في الاستراتيجيات الدولية، متوهمًا نفسه لاعبًا كبيرًا في لعبة الأمم، في الوقت الذي يعجز فيه عن حل الخلافات في قريته، أو ضبط سلاح المتقاتلين في حارته.

واللافت أن كثيرين الآن يعتبرون غياب الزعماء التقليديين الحقيقيين نقطة سلبية فيما نحن نواجه عبء التأسيس الثاني. يقولون: “في زمن التأسيس الأول كان هناك رجال موّانون تجمعهم طاولة واحدة ليقرروا أمورًا مصيرية”.. ربما. غير أن نقطة سلبية أخرى تبدو أكثر أهمية. ففي دمشق، زمن التأسيس الأول، كان ثمة رجال حكم من نوع آخر، لنا أن نقول فيهم ما نشاء: وجهاء تقليديين، ضيقي الأفق، قليلي الكفاءة، لم يفهموا تعقيدات المجتمع السوري، ولم يواكبوا تطوراته. لكنهم على الأقل لم يمتلكوا مشروعًا (أو لا مشروع) يخيف بقية السوريين.. إلى هذا الحد.

الترا سوريا

————————————-

======================

======================

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 06 نيسان 2025

تحديث 06 نيسان 2025

——————————–

خيارات دمشق في التعامل مع فلول نظام الأسد/ باسل المحمد

6/4/2025

بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وجدت سوريا الجديدة نفسها أمام العديد من التحديات الخارجية والداخلية، لعل أبرزها على المستوى الداخلي هو كيفية التعامل مع فلول النظام السابق الذين لا يزالون يشكلون تهديداً مباشراً لاستقرار البلاد، خاصة في مناطق الساحل السوري.

وشنت فلول النظام السابق في السادس من مارس/آذار الماضي هجمات منسقة -وصفت بأنها الأعنف منذ سقوط النظام- ضد حواجز ونقاط عسكرية تابعة للأمن العام بمناطق مختلفة من الساحل السوري، مما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى من القوات الأمنية.

وقد سيطرت الفلول على مواقع مهمة في مدينتي اللاذقية وطرطوس، قبل أن ترسل وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكرية تمكنت من استعادة تلك المناطق وطرد الفلول منها.

وبين الأصوات المطالبة بالمحاسبة الصارمة لضمان عدم إفلات هؤلاء المسؤولين من العقاب، والدعوات إلى المصالحة كضرورة للاستقرار وإعادة بناء البلاد، تجد الحكومة نفسها أمام معادلة حساسة تتطلب توازناً دقيقاً بين تحقيق العدالة وتجاوز إرث الماضي.

تهديد مستمر

ولم تقتصر هذه الهجمات على مناطق الساحل السوري، إذ دائما ما تعلن وزارة الداخلية عن تصديها لهجمات الفلول، وضبط الأسلحة في مناطق مختلفة من البلاد، ونفّذت إدارة الأمن العام حملات واسعة ضد فلول النظام المخلوع في عدد من المناطق.

ويرى مراقبون أن هذه الهجمات دليل على قدرة الفلول على إعادة تنظيم أنفسهم، واستخدام تكتيك حرب العصابات لاستنزاف الدولة، واختلاق حالة من الفوضى وعدم الثقة بقدرة الحكومة على بسط الأمن، إذ لا تقتصر على تحركاتهم على مهاجمة حواجز الأمن العام، بل تتعدى ذلك إلى محاولة القيام بأعمال إرهابية أيضاً.

وحول المدة المتوقعة لانتهاء هذه التهديدات، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد إسماعيل أيوب أن العمل العسكري ضد فلول الأسد لن ينتهي في فترة قريبة، فهناك الآلاف من الفلول من ضباط وعناصر وقادة فرق وقادة ألوية ورؤساء أفرع أمنية وضباط مخابرات، وهؤلاء يعرفون أنفسهم أنهم كانوا مجرمين، وبالتالي فهم لا يتشجعون رغم العفو عنهم على تسليم أنفسهم.

ويضيف العقيد أيوب -في حديثه للجزيرة نت- أن الدولة السورية تواجه مهمة صعبة ومعقدة لأنه من المتوقع ألا يسلم الفلول أسلحتهم وسيواصلون زعزعة الاستقرار والأمن وتنفيذ عمليات ضد الأمن والجيش والمدنيين حتى من حاضنتهم الاجتماعية، وذلك لإثارة النعرات الطائفية وزعزعة الاستقرار بشكل عام.

تفكيك قدراتهم العسكرية

تشير عمليات ضبط مستودعات الأسلحة والذخيرة، في عدة مناطق من سوريا، إلى وجود ترسانة كبيرة خلّفها النظام المخلوع في أماكن يصعب الوصول إليها، ويُعتقد أن قسماً كبيراً منها يُستخدم حالياً في عمليات هجومية تستهدف القوى الأمنية والعسكرية.

وتعتمد فلول النظام المخلوع بشكل أساسي على هذه الأسلحة المخفية منذ زمن طويل، مما يمنحها القدرة على شنّ هجمات ضد القوات الحكومية، خصوصاً في المناطق الحساسة مثل دمشق وحمص والساحل.

وفي هذا السياق، كشف مصدر أمني للجزيرة نت أن إدارة الأمن العام شنت حملة ضد فلول النظام المخلوع بمنطقة قمحانة في ريف حماة الشمالي وسط البلاد، وصادرت أسلحة تتضمن ذخائر وصواريخ من مستودعات كانت تتبع للفرقة 25.

ومن ناحيته يشدد المحلل العسكري العقيد أديب عليوي على ضرورة تجفيف منابع الإمداد العسكري لفلول النظام، من خلال مداهمة مستودعات التسليح في الوحدات العسكرية التي كانت تتبع قوات النظام وبالأخص في مناطق الساحل وريف حمص الغربي، إضافة للأماكن التي يختبئ فيها الفلول بالجبال والأحراش، والتي تحتوي على مستودعات ذخيرة بعضها متوسط وثقيل منذ زمن.

ويشير عليوي -في حديثه للجزيرة نت- إلى ضرورة استخدام تقنيات حديثة في هذا المجال، كطائرات شاهين المسيرة بشكل فعال، من خلال المراقبة واستخدامها بالوقت المناسب لصد أي تحرك للفلول، أو اكتشاف أي مستودع أو ملجأ بالجبال التي تختفون فيها.

تدعيم الحواجز العسكرية

ومع تزايد التحديات الأمنية وتكرار هجمات الفلول، برزت الحاجة إلى تعزيز الحواجز العسكرية التابعة للأمن العام، كجزء من إستراتيجية شاملة لضبط الأمن، إذ باتت تلعب هذه الحواجز دوراً محورياً في منع عمليات التسلل، ومصادرة الأسلحة، ورصد أي تحركات مشبوهة في المناطق التي تنتشر فيها.

غير أن هذه المهمات يجب ألا تقتصر على عناصر الأمن العام، وإنما يحتاج الأمر لنقاط عسكرية رئيسية بمعنى معسكرات في مناطق إستراتيجية هامة تتوزع وتنتشر خلال مدة قصيرة بحيث تستطيع السيطرة على أي تحرك لفلول النظام بأي اتجاه، عن طريق نقاط إستراتيجية مهمة وحاكمة تحتوي على معسكرات ومعدات ثقيلة، وذلك بحسب العقيد أيوب.

ويشير المحلل العسكري إلى أن القيادة الأمنية في دمشق أخطأت عندما تركت عناصر الأمن العام بأسلحة خفيفة فقط في تلك المناطق أمام فلول النظام التي استخدمت أسلحة متوسطة وأكثر من متوسطة، لذلك وقعت خسائر بشرية في صفوف الأمن العام، إلى أن وصلت التعزيزات والأسلحة الثقيلة.

يذكر أن الهجمات التي استهدفت القوات الأمنية بمناطق الساحل، بين 6 و9 مارس/آذار الماضي، أدت إلى مقتل 214 شخصاً من الأمن العام، إضافة إلى 231 مدنياً، وذلك بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي تحدثت في المقابل عن مقتل 887 شخصا في المجمل.

يرى كثير من المختصين بالشأن العسكري والأمني أنه لابد من تضافر الجهود الأمنية والمخابراتية، مع الجهود العسكرية المتمثلة في ملاحقة فلول النظام، والكشف عن مستودعات الذخيرة التابعة لهم، إضافة إلى ضرورة إنشاء شبكة من المخبرين تعمل على تعقب تحركات هذه العناصر التي قد تسعى إلى استغلال أي ثغرات أمنية لإعادة تنظيم صفوفها وتأجيج النزاعات الداخلية.

وتأكيداً على هذا الموضوع، يشدد الخبير العسكري أيوب على ضرورة إنشاء شبكة من المخبرين والجواسيس، وتقسيم المنطقة إلى مربعات كل مربع مسؤول عنه حاجز معينة أو نقطة معينة، إضافة إلى السيطرة على الطرقات وعلى كل المفارق الرئيسية والفرعية “حتى نستطيع من خلاله ضبط أي تحرك للفلول خلال فترة قصيرة” من خلال التواصل السريع بين هذه المجموعات الأمنية.

ومن ناحيته، يوضح العقيد عليوي أن وجود مثل هذه الشبكات يمكن أن توفر معلومات استخباراتية دقيقة عن تحرك الشخصيات المشتبه بهم، مما يسمح للدولة بتوجيه ضربات استباقية تمنع وقوع أي اضطرابات أمنية، خاصة المناطق التي تعتبر معاقل للنظام السابق.

وبالإضافة إلى ضرورة وجود هذه الشبكات البشرية، يشدد العقيد أيوب على ضرورة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والمراقبة الإلكترونية، لتعزيز فعالية المعلومات التي يتم جمعها من الجواسيس والمخبرين.

معالجة اجتماعية

إلى جانب الجهود الأمنية والاستخباراتية في التعامل مع فلول النظام السابق، يبقى الحل الاجتماعي ركيزة أساسية لضمان الاستقرار على المدى الطويل، فالعديد من هؤلاء الفلول قد لا يكونون متورطين بجرائم أو انتهاكات بحق الشعب السوري، وإنما كانوا جزءا من منظومة سابقة بحكم الواقع السياسي، وذلك بحسب الباحث في مركز عمران للدراسات نوار شعبان.

وعن طرق المعالجة الاجتماعية لهذا الملف، يقول شعبان -للجزيرة نت- إن ذلك يتم من خلال إطلاق مبادرات للمصالحة الوطنية بهدف دمج الأفراد الذين لم يتورطوا في جرائم جسيمة، وتوفير برامج إعادة تأهيل لهم، مما يسهم في تعزيز السلم الأهلي.

وفي سياق البحث عن آليات لمعالجة إرث النزاع في سوريا -يضيف شعبان- يمكن الاستفادة من تجارب دولية سابقة أظهرت أن معالجة إرث الأنظمة الاستبدادية يتطلب تبني نهج العدالة الانتقالية الذي يشمل المحاسبة والمصالحة، لضمان استقرار مستدام كما هو الحال في جنوب أفريقيا ورواندا.

ومن ناحيته يشدد الخبير الإستراتيجي أيوب على ضرورة وجود تواصل مع وجهاء المجتمع وأصحاب النفوذ فيه كالشخصيات والمخاتير الذين يملكون أدوات التأثير على المجتمع ليكونوا جزءا من الحملة ضد العناصر المخربة والإرهابيين من فلول النظام.

وعلى خلفية بعض التوترات بمحافظة طرطوس أواخر ديسمبر/الأول الماضي، التقى محافظ المدينة محمد عثمان وجهاء ومشايخ علويين بهدف تشجيع التماسك المجتمعي والسلم الأهلي بالساحل السوري، حسب الوكالة السورية للأنباء (سانا).

وتطبيقاً لهذه المبادرات، أفادت تقارير صحفية متطابقة بأن وجهاء مدينة القرداحة سلموا في 25 مارس/آذار كمية من المُسيرات الانتحارية لإدارة الأمن العام، بعد جلسة مع وجهاء وأعضاء لجنة السلم الأهلي بالمدينة.

ضبط الأمن أولوية حكومية

ومنذ الإطاحة بنظام بشار، فتحت إدارة العمليات العسكرية التابعة للإدارة الجديدة مراكز للتسوية مع عناصر النظام المخلوع لتسليم سلاحهم شريطة عدم تلطخ أيديهم بالدماء، وفي الوقت الذي استجاب عشرات الآلاف لهذه المبادرة، رفضتها بعض المجموعات المسلحة من فلول النظام، مما أدى إلى مواجهات مع عدد منهم، في حين اعتقل آخرون ضمن حملات أمنية بمختلف محافظات البلاد.

وبعد ذلك، تصاعدت المطالبات الشعبية للإدارة الجديدة للقيام بعمليات أمنية تستهدف العناصر الخارجة عن القانون والشبيحة التي ساندت نظام المخلوع، مما أدى إلى تحييد عدد منهم من قبل الأمن العام التابع لوزارة الداخلية كالقيادي شجاع العلي الذي يعتبر أبرز المتورطين بمجزرة الحولة، واعتقال عدد من كبار الضباط والأمنيين بجيش النظام السابق، ومن أبرزهم عاطف نجيب المسؤول عن تعذيب أطفال درعا بداية الثورة.

وبعد الأحداث التي شهدها الساحل السوري يومي 6 و7 مارس/آذار الماضي، أكدت السلطات السورية أنها لن تسمح لأي جهة أو فرد بالتصرف خارج إطار الدولة والقانون، مشددة على أن عملياتها ضد فلول الأسد تهدف إلى “فرض الأمن بعيدا عن الثأر أو الانتقام”.

ووجهت القيادة “كافة الوحدات العسكرية والأمنية بالالتزام الصارم بالإجراءات والقوانين المقررة، حفاظًا على المدنيين ومواجهة أي محاولة لاستهداف الأمن الوطني بحزم” وذلك بحسب “سانا”.

من ناحيته شدد مدير الأمن العام باللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي على متابعة الفلول وبسط الأمن بالقول “نحن في عملية شاملة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وسنقوم بالقبض على كل من كان جزءاً من فلول النظام السابق، لضمان عدم تكرار الانتهاكات وضمان أمن واستقرار البلاد”.

المصدر : الجزيرة

الجظيرة

—————————–

======================

الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 06 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

تشكيل الحكومة السورية الجديدة

————————————

في “اختراع سوريا” الجديدة/ إياد الجعفري

الأحد 2025/04/06

أطلق وزير الاقتصاد والصناعة في الحكومة السورية الجديدة، نضال الشعار، مصطلحاً جديداً ملفتاً، في مقابلة أجراها قبل أيام مع قناة “الشرق”: “اختراع سوريا”. مفضّلاً إياه على مصطلحات من قبيل “إعادة إعمار سوريا”، التي يفهمها بوصفها “إعادة إنتاج” لسوريا السابقة، مرة أخرى. فهو يقصد سوريا أخرى، مختلفة عن تلك التي عرفها السوريون، على الأقل، طوال العقود الستة الفائتة. سوريا غير ذلك الكيان “المُتعَب” و”المُرهَق”، الذي كان. ويحدّد الوزير سمات “سوريا الجديدة” التي يأمل “اختراعها”. فهي “مسالمة متطورة تكنولوجية”، “تزهو بأبنائها وبخبرات أبنائها”.

يُعد نضال الشعار واحداً من أكثر القامات الخبيرة إثارةً للإجماع، في التشكيلة الحكومية التي أعلنتها إدارة الرئيس أحمد الشرع، قبل أسبوع. فهو يملك خبرة أكاديمية ومهنية، محلية وإقليمية ودولية. ناهيك عن خبرته السابقة بالعمل الحكومي. إلى جانب خبرته الخاصة التي يمكن الإفادة منها، على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، بحكم دراسته وتدريسه للاقتصاد وعمله في أميركا، سابقاً.

ورغم كل ما سبق، جاءت طروحات الوزير في المقابلة المشار إليها، واقعية ومتواضعة ولا رهانات كبرى على الخارج فيها. إلا أنه يمكن استنباط رهان داخلي تقوم عليه طروحاته. وإن لم يشر إليه الشعار مباشرةً. وهي أن طبيعة النظام الحاكم تغيرت. وهو رهان، إن لم يكن دقيقاً، فلا قيمة لأيٍّ من الطروحات التي قدّمها الرجل.

ما الذي تغيّر في طبيعة النظام الحاكم بسوريا، مقارنة بالذي سبقه؟ إن كان رهان الشعار دقيقاً، فإن ثلاث سمات لن تكون موجودة في طبيعة النظام الحاكم اليوم، بسوريا. الأولى، الارتكاز إلى أيديولوجية دوغمائية بوصفها سردية خاصة بالحكم، يستند إليها لإخضاع المحكومين، ولتبرير الإجراءات الاستثنائية التي يصدرها. نظام الأسد كان يستند إلى أيديولوجية مقاومة وممانعة للغرب وربيبتهم، إسرائيل. وهي الركيزة النفسية والإعلامية التي بنى عليها استبداده، إلى جانب الركيزة القسرية (الجيش وأجهزة الأمن). أما السمة الثانية، فكانت خلق طبقة من قطاع الأعمال عميلة للنواة الضيقة للنظام (آل الأسد)، تحتكر الاقتصاد، بكل مفاصله، وتُفصَّل كل القرارات الاقتصادية على قياسها، ولصالحها. أما السمة الثالثة، فكانت تفضيل حالة العزلة الاقتصادية عن الخارج، والاصطراع السياسي مع الإقليم، لصالح حصرية السيطرة السياسية والاقتصادية المطلقة في الداخل، حتى لو كان ذلك يعني، الاتجاه نحو توفير غطاء سلطوي لشبكات الجريمة المنظّمة، والاقتصاد اللاشرعي.

فهل يخلو النظام الحاكم اليوم في سوريا، من هذه السمات الثلاث؟ أو بتعبير أكثر دقة، هل هو باتجاه عدم استنساخها مجدداً؟ يبدو رهان الوزير نضال الشعار، وفق ما يمكن فهمه من حديثه، أنه يرى أن طبيعة النظام الجديد، مختلفة عن الذي قبله. من جانبنا نأمل أن يكون هذا الرهان في مكانه، رغم مؤشرات أولية مقلقة توحي بأن السمتين الأولى والثانية، على الأقل، قد تكونا مطروحتين في أجندة الحكّام الجدد بدمشق. ونأمل بشدة، أن نكون مخطئين في هذا التوجس.

يبني الشعار كل طروحاته على هذا الرهان. رهان تغيّر طبيعة النظام. وبالتالي، إمكانية خلق سوريا جديدة. فقد تحدث عن استقطاب الخبرات السورية واستنهاضها. تلك الخبرات التي لم يكن من المتاح لها الظهور سابقاً، حتى في الداخل، بحكم طبيعة النظام السابق، من دون أن يشير الشعار لذلك، بصورة مباشرة. كذلك تحدث عن نيته التشاور مع كل أصحاب المصلحة، من قطاع خاص وصناعيين وتجار وموظفي قطاع عام، بكل فئاتهم، قبل إصدار أي قرار. بمعنى، أن القرارات لن تكون مفصّلة على قياس فئة ذات حظوة خاصة، كما كان الأمر سابقاً. كما وتحدث عن “سوريا المسالمة”، في مواجهة تهديدات المحاور الإقليمية، في مؤشرٍ إلى رهانه على عدم “أدلجة” توجهات السلطة الجديدة، خدمةً لإحكام السيطرة.

أما الملفت في حديث الشعار، فهو حجم الطرح المتواضع الذي قدّمه بعيداً عن الوعود البرّاقة بنهضة استثنائية سريعة مستندة إلى االاستثمار الخارجي. فقد تحدث عن تيسير إعادة إطلاق عجلة الإنتاج المحلية. وبدا رهانه على ذلك، أكبر بكثير من أي رهان آخر. موجهاً نداءً للسوريين بأن يبدأوا بالإنتاج، على أن يكون دور الحكومة، التيسير. أي تيسير النشاط الإنتاجي وإزالة أية عوائق تقف في وجهه. ومن المعلوم، أن النظام السابق كان قد عرقل عجلة الإنتاج المحلي بالضرائب والرسوم الجمركية الباهظة، وبإتاوات الحواجز الأمنية، وبالارتهان لثلة من ممثلي مصالح نخبة النظام في قطاع الأعمال. هذه العوائق لن تكون قائمة في مقبل الأيام، وفق ما يمكن استنباطه من حديث الشعار.

أما عن العقوبات ودور الخارج، فبدا الشعار متفائلاً بانفراجة قريبة بهذا الصدد، من دون أن يضع كل رهاناته على هكذا تطور. فالتاجر والصناعي السوري، حسب الشعار، تعلّم التكيّف مع العقوبات وإيجاد مخارج “شرعية” من قيودها، منذ العام 1979. كذلك، بدا الشعار متفائلاً حيال استعادة وحدة الكيان السوري، والتفاهم بين الأفرقاء السوريين، قريباً. مشيراً إلى جهود حثيثة من السلطة في دمشق، بهذا الاتجاه.

تفاؤل الشعار، وبصورة خاصة، رهانه على تغيّر طبيعة النظام، تثير الارتياح والأمل. وهو ما تحدث عنه، بوصفه أمراً ملموساً في الشارع السوري، حسب مشاهداته على الأرض. ليبقى هذا الارتياح والأمل، برسم الممسكين بزمام الحكم في دمشق. فالارتداد إلى أساس أيديولوجي أو تحالفات ارتزاقية مع أشخاص محددين في قطاع الأعمال، لن يعني، إلا الارتداد إلى نسخة أخرى من النظام السابق. بحلة جديدة، لا أكثر.

المدن

————————-

الحكومة السورية الجديدة وتحديات صناعة القرار الإداري/ عبد الناصر الجاسم

2025.04.06

مما لا شك فيه أن الحكومة السورية حديثة التشكيل تتحضر لتحمل مسؤوليات جسيمة استجابة لحجم ونوع الاحتياج المعقد لدى المجتمع السوري، وفي ظل توقيت محلي وجيوسياسي شديد الحساسية، وتضم هذه الحكومة من الأشخاص ذوي التجربة والخبرة في الشأن السوري بما يكفي لمعرفة أن إعادة البناء والإصلاح الجذري ليس جملة من الشعارات تطرحها القيادة السياسية أو تفرضها إرادة مجموعة من الأفراد على المجتمع، بل هي عملية متعددة المسارات تقوم على تحقيق شروط معينة وموضوعية على أرض الواقع، وفي مقدمتها تبني ثقافة سياسية تسمح بإسهام القوى الاجتماعية جميعها في عمليات البناء التعليمي والإداري والاقتصادي والسياسي، واحترام القانون وخلق بيئة تساعد في بناء مؤسسات الدولة وتتيح بناء مؤسسات المجتمع المدني وهذا مالم يكن يسمح به النظام السياسي السابق في سوريا.

وتستند هذه العملية إلى ثلاثة أبعاد أساسية، وهي البعد السياسي والبعد الاجتماعي والبعد الإداري، حيث يشير البعد السياسي إلى أن الإصلاح والتطوير الإداري عملية سياسية تعيد صياغة العلاقة بين السلطة الإدارية وباقي عناصر المجتمع من جديد، وهذا يشير ضمناً أن مشكلات الجهاز الإداري تنبع من السياسة وتأتي من قمة الهرم السياسي. وأما البعد الاجتماعي فيشير إلى أهمية الوسط الاجتماعي، وضرورة أخذه بعين الاعتبار عند القيام بالتخطيط والتنفيذ لعمليات الإصلاح والبناء، فهذا الوسط هو الذي يكسبه الشرعية، وأما بالنسبة للبعد الإداري فهو يشير إلى الجهد المصمم لإحداث التغيير في أنظمة الإدارة العامة في المواقع التي تعاني خللاً ما وذلك لجعلها قادرة على القيام بعملها بفاعلية للتكيف مع المتغيرات البيئية المحيطة، ولاسيما أن هناك دمج وزارات وماله من تبعات هيكلية وتنظيمية، وكذلك هناك إحداث وزارات جديدة تتطلب البناء من نقطة الصفر، و ربما هنا المهمة تكون أسهل من الدمج و التضمين.

ويعد التحدي الإداري هو الأبرز من بين التحديات التي تواجه الحكومة السورية الوليدة، ويتمثل في عملية صنع القرارات والعوامل المؤثرة في هذه العملية،

والتي تمثل جوهر العملية الإدارية الديناميكية في جميع المستويات التنظيمية في الأجهزة الحكومية من الإدارة العليا، المتمثلة بالرئيس الإداري الأعلى، ومن ثم الوزراء والمديرين العامين، ومديري الفروع والمديريات، وصولا إلى الإدارة التنفيذية المباشرة، وتمثل هذه القرارات بمضمونها ترجمة للأهداف والسياسات التي تعتمدها الدولة.

تشير كثير من الأدلة والدراسات في علم الإدارة إلى أن عملية صنع القرارات تمثل المسؤولية الكبرى بالنسبة إلى القائد الإداري، ولا سيما في مجال الإدارة العامة والحكومية التي ُيبنى عليها سير العمل في الدولة بصورة عامة نحو تحقيق أهدافها في تنمية البلاد والموارد، وفي مقدمتها المورد البشري.

ويشير مفهوم القرار الى عملية اختيار بديل من بين عدة بدائل مدروسة ومتاحة لمواجهة موقف ما أو لحل مشكلة ما، ومن أجل سلامة ورشاد القرار وحتى لا يفقد فاعليته لابد من أن تتوفر فيه ثلاثة جوانب وهي توفير البدائل وتطوير الحلول، ثم إتاحة حرية اختيار البديل الأمثل من بين هذه البدائل، وكذلك لابد من وجود الهدف حيث لا مبرر لاتخاذ قرار لا هدف مرجو من اتخاذه.

تتأثر عملية صنع قرارات الإدارة العامة (الحكومية) في سوريا بجملة المتغيرات الموجودة في بيئة العمل العام، ويمكن تصنيفها بحسب الآتي:

المتغير السياسي: تؤثر القيود السياسية وتوجهات نظام الحكم في حرية صانع القرار ومتخذه كي ينسجم القرار مع فلسفة إدارة الدولة ومع رؤيتها السياسية، فهل الرؤية السياسية للدولة واضحة في أذهان القادة الإداريين الأعلى وهم الوزراء، وهل هذه الرؤية تدعم استقلالية صنع القرار الإداري واتخاذه؟

المتغير الاجتماعي: ويتمثل بالبيئة الاجتماعية التي يصنع فيها القرار الإداري الحكومي، وهي تؤثر في عملية صنع القرارات، وتتأثر بها من خلال علاقات العمل الرسمية وفق الهياكل التنظيمية، وعبر علاقات العمل غير الرسمية التي تنشأ ضمن بيئة العمل، وكذلك منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والمهنية، والجماعات الدينية والقبلية وجماعات الضغط المختلفة وكل ما يمثل الطيف الاجتماعي السوري، هل سنلاحظ خطط عمل الوزارات  و نتائجها منسجمة مع احتياجات ومتطلبات المجتمع السوري في ظرفه الراهن، وهل ستكون العلاقة تفاعلية بين الطرفين ؟

المتغير التنظيمي: تعد أبعاد المتغير التنظيمي عاملا مؤثرا في اتخاذ القرار الإداري الحكومي وتتضمن نمط السلطة وآليات ممارستها، والمعلومات ومدى توافرها، وانسياب تدفقها، ومدى كفايتها، والهيكل التنظيمي ومدى مرونته، وتأثير العلاقات غير الرسمية في صناعة القرار، ومعايير الكفاءة والفاعلية ومدى الالتزام بها، والولاء للمنظمة العامة، هل ستعتمد الوزارات في تحقيق أهدافها على مشاركة طاقات المتخصصين والخبراء والفنيين ومراكز البحوث والدراسات والخبرات المهاجرة من الراغبين والقادرين على العمل؟

متغير الفساد الإداري: إن ظاهرة الفساد ظاهرة متعددة الجوانب، لا تظهر فقط في القطاع العام وإنما تبرز في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية وغيرها من المجالات، إلا أننا نشير هنا إلى الفساد في القطاع العام بصيغة سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أكثر من نصف قرن من الاستبداد المتوحش من ضمنها أربعة عشر عاماً من الحرب الدائرة في سوريا و على السوريين، رسخت حالة من الفساد الإداري والمالي والذي أدى إلى  تدمير ممنهج في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وهناك أسباب كثيرة لانتشار الفساد الحكومي، وأبرز هذه الأسباب غياب المحاسبة بمختلف أشكالها، وانطلاقاً من تبعية الإدارة العامة لنظام سياسي فوق المساءلة والمحاسبة، هل ستولي الحكومة الجديدة الأهمية الكافية لقضية المساءلة والمحاسبة من خلال تفعيل دور الرقابة الوقائي والعلاجي في آن واحد وضمن خطط متكاملة؟

المتغير الاقتصادي: وبعد تحديد رؤية الدولة حول هوية الاقتصاد في سوريا الجديدة، وماهي الخيارات المطروحة؟ كيف سيكون دور الدولة في النشاط الاقتصادي؟ وإذا كان التوجه نحو اقتصاد السوق الحر – على سبيل المثال – هل هناك خطة للتعامل مع الارتدادات الاجتماعية؟ لاسيما في ظل هذا الواقع المتراجع على الصعد كلها، وعلى وجه الخصوص الوضع المعاشي الهش للمواطن؟ ماهي الفلسفة الاقتصادية التي سوف تتبناها الدولة والتي ستشكل المرجعية للاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية في المرحلة المقبلة. بعد الإجابة على الأسئلة التي تتعلق بفلسفة الاقتصاد في المرحلة القادمة ووفق النماذج العالمية والمختبرة في حالات ما بعد النزاعات والحروب، يتم نقل الكرة إلى ملعب القادة الإداريين في الحكومة الجديدة وعلى رأسهم الوزير نفسه بوصفه القائد الإداري الأعلى في وزارته – وهذه هي نقطة التركيز في هذا المقال – ليباشروا إدارة “مشروع التعافي والتحول” من خلال تشخيص المشكلات القطاعية ضمن كل وزارة، وصناعة القرارات اللازمة، وابتكار الحلول، ورسم خارطة التحديات والمخاطر، واعتماد معيار الكفاءة والفاعلية.

 لاشك أن إعادة الإعمار و التعافي الاقتصادي في سوريا يتطلبان تعاوناً دولياً وعربياً ومحلياً، لكن تقع المسؤولية الأساسية في إدارة هذا التعافي على عاتق الإدارة الجديدة في سوريا وبالتحديد الحكومة التي تم تشكيلها مؤخراً، حيث ينبغي عليها أن تتعامل مع إدارة الانتقال والتحول وفق منهجية علمية واضحة وصارمة لا تقبل التجريب أو الارتجال، لأنها أمام تحديات كبيرة تتطلب امتلاك العقلية المرنة التي تستطيع التخطيط والتنظيم والتنفيذ و المراقبة، لاسيما في هذه المرحلة الحساسة حيث تعديل الاتجاه وإعادة رسم الطريق من جديد.

إن رفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة وتطوير السياسات العامة المتعلقة بإدارة الموارد والقطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال القيام بإصلاحات إدارية جذرية لا يتحقق إلا بتوافر متطلبات الإدارة وارتباطها بالسياسة، وذلك من خلال إعادة ابتكار الحكومة سياسياً من حيث الوسائل والأهداف، وتكون النتائج السياسية واضحة في الإصلاحات الإدارية، واتفق معظم الباحثون في حقل الإدارة على أن التنمية وإصلاح المنظومة الإدارية هما قضيتان سياسيتان أصلاً.

إذاً على الحكومة السورية الجديدة أن تبذل جهداً سياسياً وإدارياً واجتماعياً هادفاً، ومع وجود التحديات ونقاط الضعف، توجد هناك فرص واعدة ونقاط قوة بارزة على خارطة عمل الحكومة، ومن الواجب التوجه نحو الفرص واستثمار نقاط القوة والعمل بالتوازي على تقوية نقاط الضعف والتعامل مع التحديات وفق استراتيجيات تخطي ملائمة.

تلفزيون سوريا

————————————

رسالة إلى وزير الثقافة/ نهى سويد

2025.04.06

إنَّ بناءَ نهجٍ ثقافيٍّ راسخٍ يتطلَّبُ، بلا رَيْبٍ، توازُنًا دقيقًا بينَ الحريَّةِ التي تفتحُ أمامَنا آفاقَ الفكرِ، والمسؤوليَّةِ التي تفرضُها ضرورةُ الحفاظِ على الذاكرةِ. وهو مسارٌ طويلٌ، محفوفٌ بالتحدياتِ، يحتاجُ إلى حكمةٍ فذَّةٍ للحفاظِ على الهويةِ الثقافيةِ المتجذِّرةِ في أعماقِنا، مع الانفتاحِ المدروسِ على مقتضياتِ العصرِ. فهل نحن مستعدُّون للانخراطِ في هذا المسارِ المُلحِّ والشاقِّ، الذي يتطلَّبُ منا التوازنَ بينَ التجديدِ والتمسُّكِ بالثوابتِ؟ المستقبلُ ساحةٌ مفتوحةٌ لمن يجرؤُ على طرحِ الأسئلةِ التي تمسُّ صميمَ هويتِنا، ولمن يمتلكُ الشجاعةَ للإجابةِ عليها.

إنَّ تساؤلاتِي هي محاولةٌ صادِقةٌ للفهمِ، وحديثِي لا يرمي للتملُّقِ والمداهنةِ، كما أنَّه ليس تجنِّيًا أو هجومًا أو حُكمًا مسبَقًا. أنا مواطنةٌ نالَ منها الخذلانُ وأثقلَتْها عقودٌ من التزييفِ الثقافيِّ، فمنذ زمنٍ، تبلَّدتْ مشاعِري أمامَ الحماسةِ اللغويةِ، وصِرتُ أبحثُ عمَّا وراءَها عن معنىً لا يتكئُ على الزخرفةِ، ولا يختبئُ خلفَ الجملِ الموزونةِ. لم يعد يؤثِّرُ فيَّ أن يُتقنَ المسؤولُ فنَّ الخطابةِ، وأصبحتُ أسألُ: ما هي مصادرُ ثقافتِه؟ ماذا قرأ؟ كيف تشكَّلَ وعيُه؟ هل انفتحَ على علومِ الأممِ، وحضاراتِ الشعوبِ، أم ظلَّ أسيرًا لتيَّاراتٍ مغلقةٍ يُعيدُ تدويرَ أفكارِه؟ أيُّ كتبٍ حفَرَتْ في عقلِه؟ هل اختبرَ اختلافَ الثقافاتِ، ومارسَ حرِّيَّةَ الفكرِ، أم كان سجينًا لأطرٍ ضيِّقةٍ؟

اليومَ لا نكتفي بنوعيَّةِ الثقافةِ ومصدرِها، فالأهمُّ هو كيف تُترجمُ تلكَ الثقافةُ إلى سلوكٍ حيٍّ وواقعٍ ملموسٍ، فكم من مسؤولٍ تجمَّلَ بشهاداتٍ رفيعةٍ من أعرقِ الجامعاتِ، وتوشَّحَ بأوسمةِ الفكرِ، فاندفعنا خلفَ الحماسةِ، وخُيِّلَ إلينا أنَّ الغدَ يبشِّرُ بأملٍ جديدٍ، فإذا بأفعاله تتناقضُ مع أقوالِه وتكشفُ اختلافَ نواياه.

المشهدُ الثقافيُّ السوريُّ تحوَّلَ منذ عقودٍ إلى ساحةٍ للخُطبِ أكثرَ منه ورشةً للفكرِ. ميدانًا لبياناتٍ تلوكُ ذاتَ الكلماتِ، نحنُ شعوبٌ تهوى الإنشاءَ، نتقنُ زخرفةَ العباراتِ، وتُعيدُ تدويرَ المفرداتِ المُترفةِ. لم نتخلَّصْ من إرثِ الخطابةِ منذ الجاهليةِ، بل أعدَّنا إنتاجَها بطرقٍ أكثرَ إبهارًا وأكثرَ قدرةً على دغدغةِ المشاعرِ. ما زلنا نفتتنُ بالكلامِ المُرتَّبِ، بالنبرةِ الواثقةِ، بالخطبةِ التي تشبهُ الطلقةَ أو الموشَّحَ. نهتزُّ مع رنَّةِ الصوتِ العاليةِ، ونصفِّقُ للجملِ الموزونةِ.

عندما سمعتُ قولك (أن نفتتَّ ونبتعد عن كلِّ المنظومةِ الثقافيةِ التي كان يتبناها الوضيعُ البائدُ الهاربُ)، رحتُ أتساءلُ: هل هو إعلانٌ عن فصلٍ حقيقيٍّ مع حقبةٍ ثقافيةٍ فرضت معاييرَها القسريةَ على العقلِ السوريِّ وأفقرت الفكرَ الإبداعيَّ حيث قدمت الولاءَ على الإبداعِ ولم ينجُ من هذه المهزلةِ إلا من رحمَ ربّي؟ إنَّ هذا الفصلَ، الذي نبحثُ عنه اليوم، هو في الحقيقةِ ضرورةٌ تقتضي الارتباطَ بجوهرِ التغييرِ الذي يعصفُ بالمشهدِ الثقافيِّ. فالحداثةُ والانفتاحُ، التي بقيت حبرًا على ورقٍ، كانت مؤشِّراتٍ على التناقضِ الواضحِ بينَ ما يعلنه النظامُ وبينَ ما يمارسه فعليًّا. حيثُ سيطرَ أزلامُ البعثِ على المناصبِ الحيويةِ في المؤسساتِ الثقافيةِ، مستبعدين المثقفينَ الحقيقيينَ الذين يُفترضُ بهم أن يكونوا محركي هذا الانفتاحِ الفكريِّ. وبذلك، تمَّ تسييرُ هذه المؤسساتِ وفقَ ما يخدمُ مصالحَ النظامِ، بينما تمَّ إقصاءُ وتهميشُ أولئك الذين حاولوا تقديمَ خطابٍ ثقافيٍّ مستقلٍّ أو نقديٍّ.

ولكن كيف ستوازنون بينَ ضرورةِ الحفاظِ على الهويةِ الثقافيةِ الوطنيةِ الحقيقيةِ، التي تعكسُ تطلعاتِ الشعبِ السوريِّ، وبينَ التأثيراتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ التي قد تفرضُها السلطةُ في كلِّ مرحلةٍ؟ وكيف يمكنُ تجاوزُ هيمنةِ السلطةِ على المشهدِ الثقافيِّ بحيثُ يتمُّ تمكينُ المفكرينَ والمبدعينَ الحقيقيينَ من التعبيرِ بحريةٍ بعيدًا عن التوجيهاتِ الرسميةِ؟ لا أخفيكَ بأنني كنتُ أنتظرُ منكَ تقديمَ رؤيتك حولَ ما قلتهُ، لكنك اختصرتَ القولَ بجملتينِ خطابيتينِ، جوهرُ فعلهما إثارةُ التصفيقِ.

لفتني تصريحُك لإحدى القنواتِ عن حريةِ الفنونِ (بأننا نحنُ من رفعنا سقفَ الحرّيةِ ولن نفرضَ أيَّ شكلٍ من الوصايا على الفنونِ ولن نمارسَ الضبطَ إلا على ما يستحقُّ الضبطَ). لا أريدُ أن أسألك: من نحنُ؟ فقد أوضحتَ المقصودَ، رغمَ تحفُّظي على هذه الصيغةِ لما تتضمنه من فخرٍ واستعلاءٍ قد يكونانِ في غيرِ محلِّهما ولا يتناسبانِ الآن مع طبيعةِ هذا المشهدِ المعقَّدِ. اعذرني، لقد أُصبنا بحساسيةٍ مفرطةٍ تجاهَ المفرداتِ وتعبنا من التحليلِ والتأويلِ، لذلك أدعوكَ لأن يكونَ كلامُك واضحًا صريحًا متسمًا بالشفافيةِ ومحمَّلًا برؤيةِ النهوضِ. وإنَّما سؤالي: من ذا الذي يملكُ حقَّ الضبطِ، وبأيِّ معيارٍ يُرسمُ حدُّه؟ أهو ميزانُ الفنِّ الخالصِ، حيث لا صوتَ يعلو فوقَ إتقانِ الصنعةِ ورسوخِ الإبداعِ، أم هي عصا الأيديولوجيا والموروثِ، التي طالما كبَّلت الفنونَ تحت ذريعةِ الأخلاقِ وحراسةِ القيمِ؟

وإن كان الضبطُ درعًا لحمايةِ المجتمعِ من خطاباتِ الكراهيةِ والتحريضِ، فهل هو ضرورةٌ تفرضُها المسؤوليةُ الأخلاقيةُ أم قيدٌ يُحاكُ لإخراسِ الأصواتِ الخارجةِ عن النسقِ؟ أهو تقويمٌ للفنِّ أم تطويعٌ له ليغدو بوقًا ناطقًا برؤيةِ السلطةِ؟

إنَّ قيدَ الإبداعِ – إذا استحكمَ – قد ينحرفُ من كونه ضمانةً لجودةِ الفنِّ إلى أداةٍ تسوّغُ الوصايةَ، تُهيمنُ بها السلطةُ على فضاءِ التعبيرِ، فيغدو الفنُّ مُسيَّجًا بمنظومةٍ رقابيةٍ تفرغه من جوهرهِ، بدلًا أن يكونَ ميدانًا رحبًا للتجريبِ والمجاوزةِ. ومع ذلك، فالفنُّ ليس طليقًا في فراغٍ بلا ضفافٍ، بل هو جدليةٌ محتدمةٌ بينَ الحريةِ والمسؤوليةِ. فكيف يتحققُ الاتزانُ بينهما من دونَ أن ينحرفَ الضبطُ إلى القمعِ، ومن دونَ أن تنقلبَ الحريةُ إلى فوضى تُجهزُ على روحِ الإبداعِ؟

أوافقُك الرأيَ بأنّه قد آنَ الأوانُ لضبطِ إيقاعِ سوريا على نبضِ العالمِ، ويا لهُ من تعبيرٍ يوحي بالتفاؤلِ، لاسيما أنّك تعلّمتَ وعشتَ في بريطانيا، مما يشي بانفتاحٍ على ثقافةٍ ترسّخت فيها حريةُ التعبيرِ كقاعدةٍ لا كاستثناءٍ. وهذا ما يدفعني للتساؤلِ: هل تأمّلتَ مسيرةَ ألفريد هيتشكوك، ذلك المخرج البريطاني الذي أسّسَ لجمالياتِ الرعبِ النفسيِّ وسحرَ العالمِ برؤاه السينمائية؟ هل شاهدتَ The Crown، العملَ الدراميَّ الذي عرّى المؤسسةَ الملكيةَ البريطانيةِ، وسلّطَ الضوءَ على تعقيداتها السياسيةِ والاجتماعيةِ، في حين كانت الملكةُ إليزابت الثانيةُ لا تزالُ على العرش؟ هل مررتَ على مسلسل “The Tudors”، الذي غاصَ في دهاليزِ حكمِ الملكِ هنري الثامنِ وعرّى الصراعاتِ الدينيةِ في أوروبا، بكلِّ ما فيها من وحشيةٍ ومجازرِ حتى تلك التي أسهم فيها رأسُ الدولةِ نفسه؟ أو ربّما “The Last Kingdom”، الذي استعرضَ مخاضَ نشأةِ بريطانيا بكلِّ قسوةٍ لا تعرفُ التجميلَ ولا المداراة؟ أو مسرحُ شكسبير العابرُ للزمنِ والحدودِ، ذلك الفضاءُ الذي خاطبَ كلَّ ذاتٍ إنسانيةٍ، فاخترقَ المسكوتَ عنه، وفكّكَ الأنساقَ الحاكمةَ. 

هذا هو إيقاعُ العالمِ، حريتُه في طرحِ قضاياهِ، جرأته في مقاربةِ تاريخهِ، وفنيّتُه العاليةُ التي لا ترضخُ لوصايةٍ أو تكميمٍ. فهل ستكونُ حجرَ الأساسِ في نهضةٍ ثقافيةٍ تمكّنُ الفنَّ السوريَّ من الخروجِ من عزلتهِ ليحاكي هذا الإيقاعَ، أم أنَّ الضبطَ الذي تحدّثتَ عنهُ قد يصبحُ قيدًا لا بوابةً للانطلاقِ؟

اعذرني يا سيادةَ الوزير، أجدُّ نفسي في مقامِ السؤالِ الذي لا يحتملُ المواربةَ: كيف يُعادُ ترميمُ المشهدِ الثقافيِّ السوريِّ على أسسٍ متينةٍ بعد أن تهدمتْ أركانُه، ليكونَ رافعةً فكريةً تحرّضُ على التساؤلِ، وتفتحُ أفقًا جديدًا للنقدِ والتأملِ، بعيدًا عن الانقيادِ الأعمى للأيديولوجياتِ التي جمدتْ الفكرَ وقيّدتْ الإبداعَ؟

سوريا اليومَ بحاجةٍ لتأسيس نهجٍ ثقافيٍّ جديدٍ يرمّمُ خرابَ العقولِ، ويعيدُ بناءَ الوعيِ الجمعيِّ بعد أن أصابهُ التصحّرُ، بحاجةٍ إلى سياسةٍ ثقافيةٍ تتجاوزُ التلقينَ وتقتحمُ أفقَ التحررِ الفكريِّ. تُعيدُ للناسِ قدرتهم على التفكيرِ النقديِّ وتفتحُ أمامهم أفقًا جديدًا بعيدًا عن التحكمِ والسيطرةِ.

الثقافةُ، فعلٌ يوميٌّ يتغلغلُ في السلوكِ العامِّ، في طريقةِ التفكيرِ، في قدرةِ الإنسانِ على التحليلِ، في إدراكهِ لذاتهِ وللآخرين.. فأيُّ مشروعٍ ثقافيٍّ لا ينبثقُ من عمقِ الحياةِ اليوميةِ، حيثُ تصبحُ الثقافةُ ممارسةً متجذرةً في الوعيِ والسلوكِ، قادرةً على المساءلةِ والنقدِ والخلقِ، سيظلُّ حبيسًا للنخبِ، منقطعًا عن النسيجِ المجتمعيِّ، عاجزًا عن إحداثِ تحولٍ حقيقيٍّ. وهنا يبرزُ السؤالُ الأهمُّ: هل لدى المؤسساتِ الثقافيةِ رؤيةٌ واضحةٌ للتنسيقِ مع المنظومةِ التعليميةِ، بحيثُ تصبحُ المدارسُ والجامعاتُ مختبراتٍ للخيالِ والإبداعِ، تحرّرُ العقولَ من أنماطٍ ذهنيةٍ متكررةٍ، وتبني جيلًا يمتلكُ أدواتِ التفكيرِ النقديِّ عوضًا عن التلقينِ؟

ثمَّ ماذا عن المثقفين السوريين في المنافي، أولئك الذين لم ينفصلوا يومًا عن قضاياهم رغم قسوةِ الشتاتِ؟ هل ستُمدُّ إليهم الجسورُ، ليكونوا جزءًا فاعلًا في إعادةِ تشكيلِ المشهدِ الثقافيِّ، أم ستظلُّ الثقافةُ السوريةُ منكفئةً على ذاتِها، متوجِّسةً من كلِّ من لم يبقَ في دائرتِها الضيقةِ؟

إنَّ البعدَ الدوليَّ لا يقلُّ أهميةً عن غيره، بل ربَّما يكون ركيزةً أساسيةً في إعادةِ تموضعِ الثقافةِ السوريةِ عالميًّا. فعقودٌ من العزلةِ جعلت المشهدَ الثقافيَّ السوريَّ رهينًا للخطابِ الرسميِّ، ومعادلاتٍ سياسيةٍ ضيقةٍ. فكيف ستتجاوزُ وزارةُ الثقافةِ هذا الإرثَ المثقلَ بالقيودِ، لتنخرطَ في شراكاتٍ حقيقيةٍ مع المؤسساتِ الثقافيةِ العالميةِ، بعيدًا عن عقليةِ الارتهانِ السياسيِّ؟

في ظلِّ هذه التحدياتِ، تظلُّ إرادةُ التغييرِ قادرةً على إعادةِ ربطِ الماضي بالحاضر، وتأسيسِ هويةٍ ثقافيةٍ أصيلةٍ تنبضُ بروحِ الشعبِ السوريِّ وتطلعاتهِ المستقبليةِ، فهل تمتلكونها؟

تلفزيون سوريا

—————————–

وزارة تشبه سوريا/ محمد الرميحي

5 أبريل 2025 م

خابرني صديق سوري في الشتات معلقاً على التشكيل الوزاري الجديد في سوريا بقوله: «إنها وزارة تشبهنا، لقد تحولنا من رعايا إلى مواطنين، نبرته كانت تحمل الصدق والأمل، فهو واحد من ملايين حملوا آلامهم إلى بقاع الدنيا».

مرحلة التحول في سوريا ليست بأي معنى سهلة، فقد ترك النظام السابق أشلاء دولة، وجمع تلك الأشلاء من جديد، ربما يحتاج إلى معجزة، وهذا ما تحاول الإدارة الجديدة أن تفعل، إلا أن الصعاب والتحديات كثيرة.

قبل القسم كل وزير في الوزارة الجديدة قدم موجزاً سريعاً لما يريد أن يقوم به، وتلك حسنة جديدة، الوزارة رشيقة بعددها، ويرأسها رئيس الجمهورية طلباً لتقليل البيروقراطية وسرعة التنفيذ، كما أن بها تمثيلاً واسعاً لأطياف المجتمع السوري.

الإيجاز الذي قدمه الوزراء في مجمله أنها وزارة تريد أن تنقل سوريا إلى دولة وطنية مدنية حديثة، ظهر ذلك في مفردات الوزراء، عدد من الوزراء عمل في دول أجنبية وخليجية، أي تعرض مباشرة لعوامل التنمية الحديثة، كما أن معظم الوزراء خبراء في مجالهم، وعلى مستوى عال من التعليم.

هذا لا يعني أن الوزراء في تاريخ سوريا ليسوا بخبراء، كان فيهم ذلك العنصر في الزمن الماضي، ولكن كان يحد من حركتهم عاملان، الأول ضيق مساحة التفويض، وحتى رئيس الوزراء في السابق لم يكن مفوضاً، والعامل الثاني تدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية ورجال ونساء القصر في أعمالهم، مما أشاع الفساد والزبائنية، وركب بعد فترة تقديم الولاء على الكفاءة كقاعدة التكليف.

واضح مما قيل في الإيجاز أن الكفاءة عادت للصدارة، والتفويض أصبح كاملاً، وكل يتحمل مسؤوليته، وقد تحدث بعض الوزراء عن أهمية الاستقلال عن الضغوط السياسية في مجال عملهم مثل التعليم.

هذه الحكومة السورية تاريخية، وسُمت بحكومة الإنجاز على أمل أن تفعل ذلك، إلا أن أي منصف يقرأ الساحة السورية، يعرف أن المهمة صعبة وهي مثل صعود الجبل.

التحديات كثيرة داخلية وخارجية، منها الوضع الاقتصادي الصعب، ومنها الوضع الأمني، ومنها تفكيك العزلة الخارجية القاتلة، كما ترك النظام السياسي السابق علاقة مشوهة بين السلطة والمجتمع، وإعادة الثقة عملية تحتاج إلى عقول منفتحة، وخطط سريعة في مخاطبة الجمهور، ونجاحات على الأرض.

ربما أمام الوزارة الجديدة أولاً تحديد الأولويات المركزية، على رأسها العمل على تحقيق الاستقرار وتغيير ثقافة العنف التي استمرت طويلاً بثقافة الإقناع، والتوجه خارجياً إلى محور الاعتدال العربي، والمعادلة بين صيانة الأمن و الحريات، في بلد عاني من الاستبداد الوحشي، تلك عملية تحتاج إلى عقول، دون الانزلاق إلى تضخيم الأشخاص أو رسم الصور البراقة، بل مخاطبة الجمهور بالحقائق كما هي.

إلا أن المعضلة الكبرى هي نقل التنافس الطبيعي بين مكونات المجتمع من الساحة العسكرية والعنف إلى الساحة السياسية، وربما ذلك يتطلب إنشاء لجنة وزارية مختصة، تطعم بعدد من المتخصصين، لكتابة المعالم الرئيسية للدستور الدائم، وقد تأخذ وقتاً في عملها، إنما الإعلان عنها في وقت قريب يرسل رسالة اطمئنان للداخل والخارج، بأن مشكلات اليوم لا تشغلنا كلياً عن النظر إلى المستقبل.

التحديات الصغرى هي فلول النظام السابق، وتنظيم «داعش» الظلامي، وتهريب الأسلحة على الحدود والمواد المخدرة، ومعالجة البطالة، وهي خزان تستطيع القوى السابقة أن تستفيد منه، فقد كان الفشل الاقتصادي أحد الأسباب المهمة في سقوط النظام السابق.

أما التحديات الكبرى فمثل الحديث عن (حكم ذاتي) أو (بقاء سلاح خارج الدولة) وتعظيم مظلومية القوى السياسية ذات البعد الطائفي، هذا الملف هو التحدي الأكبر، وعلاجه أو جزء من علاجه هو استدعاؤه إلى السطح ومناقشته وبيان مخاطره.

بعض الطوائف يتبنون ذلك التوجه، وهي سكة خطرة، تبنى على تضخيم الخوف، والاستفادة من الظرف السياسي، ولكن ذلك يجعل من التعايش صعباً، الأفضل انتظار إكمال أركان الدولة وتحويل السياسة من الصراع على الدولة إلى صراع من أجل خير الجميع، في إطار ديمقراطي مستقبلي هو الطريق الأفضل، ولم يدخل مجتمع في تاريخنا المعاصر إلى حروب أهلية إلا وهدم المعبد على رؤوس الجميع.

أحد العناصر التي لم يسلط الضوء عليها، تفعيل القوة الناعمة السورية، منها الإنتاج الفني والثقافي، الذي تزخر سوريا بعناصره المتميزة، تلك القوة الناعمة يتوجب تفعيلها، دون مبالغة في التزلف وأيضاً دون مبالغة في رفع السقف، لكن على قاعدة النقد البناء والإيجابي.

معظم إيجاز الوزراء تحدث عن استقطاب رأس المال البشري في الداخل، وتجويد مخرجات رأس المال البشري في الداخل، وذلك أمر له إضافة إيجابية للمشروع الجديد.

آخر الكلام: تركيبة الوزارة السورية الجديدة بعيدة عن مراكز القوى، وهو أمر حتمي في هذه المرحلة، حتى يأتي وقت الانتخابات العامة فيقرر السوريون ما يرغبون.

الشرق الأوسط

—————————————

======================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 06 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

———————————–

هل يمتلك الشرع ما يقدّمه لإسرائيل؟/ عمر قدور

السبت 2025/04/05

كانت الغارات الإسرائيلية ليل الأربعاء على مطار حماة، وعلى مطار وقاعدة T4، هي الأعنف مؤخراً، وكما هو معلوم توغلت قوات إسرائيلية في اليوم نفسه في الريف الغربي لمحافظة درعا، واشتبك معها الأهالي، ما أدى إلى مقتل تسعة من الذين قاوموا القوات الإسرائيلية المعتدية. المقاومة الشعبية في درعا هي سابقة تُسجَّل لأول مرة على هذا النحو، أما الاعتداءات الإسرائيلية فهي متواصلة منذ سنوات، مع تغيّر في الإيقاع والأهداف، فقد كانت قبل سقوط الأسد تستهدف المواقع الإيرانية في سوريا، بينما راحت تستهدف بعد سقوطه مواقع عسكرية سورية أضعف من أن تكون مصدراً للتهديد.

الجديد أيضاً هو التوغلات الإسرائيلية التي تتجاوز خط الهدنة لعام 1974، من دون أن تكون هناك تهديدات منطلقة من أماكن التوغل، ومن دون الإفصاح عن طلبات إسرائيلية واضحة تتعدى الأقوال التقليدية عن وجود تهديدات لأمن إسرائيل. على هذا الصعيد، الجديد الذي برز في الأيام الأخيرة هي الأقوال الإسرائيلية الخاصة بالنفوذ التركي، تحديداً تلك المعارِضة لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، ويُشاع أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع قد اتفق عليها مع نظيره التركي أردوغان.

من شبه المؤكد أن المصالح التركية والإسرائيلية كانت متوافقة وقت انطلقت عملية ردع العدوان التي انتهت بإسقاط الأسد، لأن الهدف المشترك آنذاك هو التخلص من الأسد وإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا. ومن شبه المؤكد، والمعتاد في هذه الحالات، أن تكون أنقرة طامعة في وراثة النفوذ الإيراني كاملاً، وكذلك في وراثة النفوذ الروسي الذي لا يُعرف بعدُ مصيره التام، لكن في كل الأحوال من المستبعد أن يعود على النحو السابق. ولعل فرضية الصراع الإسرائيلي-التركي تستمد سبباً وجيهاً آخر، فيما لو نُفّذت التهديدات العسكرية الموجّه لطهران، والتي يؤذن مجملها بانهيار ما تبقى من النفوذ الإيراني الإقليمي واشتداد الصراع على وراثته.

بدورها، ردود فعل دمشق على الانتهاكات الإسرائيلية التي لا تتوقف هي في الحد الأدنى، وحتى لغة الاستنكار والتنديد في بيانات وزارة الخارجية كانت خافتة بالمقارنة مع بيانات عربية متضامنة صادرة عن وزارات للخارجية. ردّ الفعل لم يصل إلى ما هو (روتيني) في مثل هذه الأحوال، كأن تُقدَّم شكوى عاجلة ويُطالَب مجلس الأمن بالانعقاد للبت فيها. والتبرير المحتمل بأن إسرائيل لن تكترث بالشكوى، وبأي بيان شجبٍ يصدر عن المجلس فيما لو لم تستخدم واشنطن الفيتو، هذا التبرير لا يعفي السلطة من بذل جهودها في المضمار الدولي، مهما كانت الحصيلة المتوقّعة متدنية.

أصدرت وزارة الخارجية التركية يوم الخميس بياناً يدين العدوان الإسرائيلي، وبلهجة تُعدّ حادة بالمعايير الدبلوماسية. وكانت صحيفة “تركيا” المقرّبة من الحكومة قد نشرت أخباراً، قبل يوم من الهجوم الإسرائيلي، عن تعزيزات تركية ذاهبة إلى قاعدة T4 التي ستُعطى لتركيا، من أجل تعزيز جهودها في مكافحة داعش حسب الصحيفة. وزير الخارجية التركي استخدم أيضاً خطر داعش، إذ قال أن الهجمات الإسرائيلية “تعرقل جهود سوريا في مهاجمة داعش”، وفي تصريح لرويترز يوم الجمعة قال هاكان فيدان ما يُفهم منه أن بلاده لا تمانع في التوصل إلى “تفاهمات ما” بين الإدارة الجديدة في سوريا وإسرائيل.

داخلياً، يمكن القول أن أنصار السلطة لا يمانعون في أن تبرم اتفاقاً مع تل أبيب، ولو بوصفه شراً لا بدّ منه أمام غطرسة القوة الإسرائيلية. الفكرة الشائعة في أوساط هؤلاء أن القيادة الجديدة قادرة على عقد صفقة سلام واقعية، وعلى أن تل أبيب تريد السلام وتقبل به على القاعدة القديمة: الأرض مقابل السلام. أي أن الشرع، وفق هذا التصور، يملك أن يقدّم السلام لإسرائيل مقابل استعادة الجولان المحتل.

كثُرٌ من أنصار السلام حالياً كانوا إلى ما قبل شهور يسخرون من صمت الأسد على الاعتداءات الإسرائيلية، ويبنون عليها اتهامات العمالة، وفي المقابل كان أنصاره يردّون بأنه يقاوم إسرائيل باستهداف “عملائها” في الداخل، بل إن اعتداءاتها هي ردّ فعل على هزائم عملائها في الداخل. هناك بين موالي اليوم من يكرر أقوال موالي الأمس، وهناك قلّة تهزأ من عدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل، بينما توالي الفصائل انتهاكاتها في الساحل. لكن رغم هذا الجدل السوري المتواصل، بمناسبة أو من دونها، تبقى فكرة السلام جديرة بقليل من التفكير.

لا يلحظ أنصار السلام الجدد أن قاعدة الأرض مقابل السلام قد انتهت إسرائيلياً منذ ربع قرن تقريباً، وما طرحته الحكومات الإسرائيلية خلال هذه الفترة هو: السلام مقابل السلام. إعادة الجولان ليست مطروحة على طاولة المفاوضات إذن، لكن الشروط الإسرائيلية لا تتوقف عند مقايضة السلام بالسلام، فهناك العديد من المطالب القديمة والمستجدة. من تلك القديمة أن إسرائيل تريد منطقة عازلة منزوعة السلاح، والمستجد في المطلب نفسه أنها الآن تطالب بها من جنوب دمشق حتى حدود اتفاقية الهدنة المعروفة. ومن المطالب المعلنة مؤخراً ابتعاد الحكم في دمشق عن أنقرة، بحيث لا تلعب تركيا دوراًَ “سُنّيّاً” مشابهاً لدور إيران “الشيعي”، وقد أعلنت تل أبيب مخاوفها من نفوذ تركي في لبنان.

في الواقع، لا يحتاج نباهةً القولُ إن الطرف الضعيف المُستضعف في الحرب لن يكون قادراً على الإتيان بسلام منصف أو مفيد، لأن ما يُشترط عليه في السلام مطابق لوزنه. الانهيار السوري أكبر من أن يترك وزناً في المفاوضات مع إسرائيل لأية سلطة تحكم البلد. وإذا كانت الحرب متعذّرة بسبب الضعف، فالسلام متعذّر تالياً للسبب نفسه. وهذه الحالة تستدعي الخروج بأقل قدر من الخسائر، من دون التورط في قرار مصيري حرباً أو سلماً.

قد يكون الاستحقاق الأكثر إلحاحاً حتى إشعار آخر هو سحب الفتيل الإسرائيلي من التداول الداخلي، بحيث لا يبقى مادة للمزايدة أو المناكفة بين السوريين، وبحيث لا تدخل إسرائيل من الشقوق التي بينهم. هذا يصحّ من حيث المبدأ على الخارج عموماً؛ الخارج الذي يقوى حضوره ونفوذه بقدر ما يتصدّع الداخل. إن واحداً من الأوجه المعتادة للحروب الداخلية هو أن يصبح لكل طرف من أطراف الصراع حلفاء وأعداء خارجيون، وأن يصبح لكل طرف سياسة وتطلعات خارجية مغايرة للآخر؛ هذا أيضاً واحد من معاني انهيار المشترَك الوطني.

التعافي من الانقسام هو أول خطوة تخطوها سوريا نحو أن تكون بلداً طبيعياً، إذ من دونه لن تكون هناك إمكانية للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار. وفي الأجل المنظور ستكون الأولوية لتشافي المجتمع السوري المنهك، لذا يفترض ألا تكون العسكرة مرة أخرى على حساب التنمية، ثم سبيلاً لتمزيق المجتمع وإفقاره بذريعة أولوية التصدي للعدو الخارجي؛ هذا وصفة أسدية نرى حتى اليوم عواقبها. قوة سوريا بذاتها، ولذاتها أولاً، هي الوصفة المضادة التي تجعلها أقوى تالياً في مواجهة الخارج؛ سلماً أو حرباً. على السلطة مسؤولية أكبر من المعتاد، بسبب الأحوال الاستثنائية وغياب العملية الديموقراطية، واستقواؤها بالداخل السوري (بلا تمييز أو إقصاء) لن يجعلها فوراً قوية أمام آلة الحرب الإسرائيلية، لكنه سينتشلها من الضعف الذي يمنعها حتى من الشكوى لمجلس الأمن.  

المدن

————————–

العدوان الإسرائيلي.. التحدي الأخطر في سوريا/ أحمد مظهر سعدو

2025.04.05

كانت إسرائيل وما زالت تشكل الخطر الأكبر، ليس على سوريا فحسب، بل على المنطقة العربية والإسلامية برمتها.

ولعل ما تشهده سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد من عدوان متواصل لاينقطع على مجمل الجغرافيا السورية، يمثل استطالات للمشروع الصهيوني في المنطقة، بعد أن ظن البعض واهمين أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية للأمة، وأن وجود إسرائيل كدولة احتلال على أرض فلسطين، وأراضي عربية محتلة أخرى ومجاورة، لم يعد مهمًا، لكن واقع الحال الممارس إسرائيليًا أمام نظر العالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع يشير وبوضوح إلى استمرار هذا الخطر الكبير، إن لم يكن الأكبر بالتوازي مع الخطر الآخر الإيراني على سوريا والمنطقة، بما يمتلكان من مشروع احتلالي استيطاني إحلالي يهدد وحدة سوريا، ويساهم فيما لو تمكن، من الاستمرار في تشظي سوريا، والمنطقة، وسط رؤيا إسرائيلية تقول: إن وحدة سوريا وتماسك تنوعات شعبها، وسيادة الوعي السوري المطابق للهم والشعور العام التحرري السوري، سوف يشكل خطرًا وجوديًا على بقاء كيان إسرائيل وتمددها في المنطقة.

وعلى هذا الأساس وضمن سياسات (نتنياهو) الانتفاخية، بعد خروجه من حرب غزة منتصرًا، وكذلك الأمر من حرب جنوبي لبنان، وفي ظل وجود إدارة أميركية (دونالد ترامب) متنمرة على العالم أجمع، وداعمة بقوة لسياسات التطرف الإسرائيلي اليميني، حيث تقف إدارة (ترامب) إلى جانب كل سياسات (نتنياهو) العسكرية والأمنية التوسعية، وصولًا إلى مايسمى في إسرائيل قيام وتطبيق فكرة دولة (إسرائيل العظمى) التي يمكنها الهيمنة على المنطقة العربية لعقود قادمة، في ظل وجود نظام عربي رسمي متهالك، وغياب أي مشروع رسمي عربي، يمكن أن يجمع العرب لمواجهة التحديات الكبرى، ومنها بل وأهمها التحدي الخطر للمشروع الصهيوني، ومثله التحدي الآخر الموازي له في خطره في المنطقة العربية، وهو تحدي مواجهة جدية للمشروع الإيراني الفارسي الطائفي.

وإذا كان المشروع الإيراني المشار إليه اليوم، قد أصبح في أسوأ حالاته، بعد هزيمته الكبرى المدوية والمجلجلة في الساحة السورية، وانقطاع حبل التواصل لهذا المشروع في الجغرافيا السورية، وانسحابه القسري إلى ماهو داخل كيان الجغرافيا السياسية الإيرانية حاليًا وإلى أمد مستقبلي بعيد، فإن إسرائيل والمشروع الصهيوني، الذي تحمله، مازال منتشيًا، ويعيش أهم حالاته وانتصاراته بعد حربه المجنونة الحاقدة والمستمرة على أهل غزة والضفة الغربية والشعب الفلسطيني برمته، وتحديه المتواصل للنظام الرسمي العربي، وضربه عرض الحائط

بكل المواثيق الدولية، وكل الاتفاقات، المدعاة أنها اتفاقات سلام، الموقعة مع العرب وسواهم، واستمرار فرجة (المجتمع الدولي)، أو مايسمى خطأ ووهمًا بالمجتمع الدولي، على مايجري، كل ذلك يسهم في استمرار وتمدد الخطر الإسرائيلي، نحو سوريا الجديدة، الخارجة من مرحلة تاريخية، هي الأهم في تاريخ سوريا الحديث، بعد كنس نظام بشار الأسد الفاشيستي وطرد الإيرانيبن من سوريا. هذا الخطر الصهيوني ما زال مستمرًا، ولن يألو جهدًا في إنجاز مايريده، إن استطاع إلى ذلك سبيلًا، وخاصة مايتعلق بمسألتين مهمتين بالنسبة لإسرائيل أولهما تفتيت الدولة السورية وتشظي وحدتها، إلى كيانات ودول صغيرة، لو استطاع، وكذلك اللعب على الوتر الطائفي والإثني، وصولًا إلى ذلك، وإلا فإن الخيار الآخر أمام إسرأئيل سيكون ضغطًا متواصلًا بقوة السلاح والتقنيات العسكرية الحديثة التي تمتلكها إسرائيل، وهو أن تضطر سوريا الجديدة مثلًا، إلى التوقيع على تفاهمات أو اتفاقات جديدة، تنهي حالة الحرب المفترضة بين الجهتين، وتؤسس إلى أجواء تطبيع غير صحي وغير صحيح، ينتج عن واقع ضعيف للحالة السورية، ومن ثم فإن مثل هذه الاتفاقات المفترضة، فيما لو حصلت، ستكون على حساب السورىيين، كل السوريين، وليس لصالحهم.

لكن يبقى سؤال السوريين المنطقي والعقلاني: ما الحل؟ وكيف يمكن الخروج من عنق الزجاجة؟ وإفساح المجال حقيقة للتصدي لتحديات سوريا داخلية أخرى، ليست أقل خطرًا في الداخل السوري، ومنها مسائل تتعلق بالعدالة الانتقالية ووحدة الأراضي السورية، وإنجاز كل متطلبات مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته، والوصول إلى نهايات مرحلة انتقالية، تنجز وتصوغ الدستور السوري المرتقب، والعقد الاجتماعي السوري الجامع، وتشكيل المجلس التشريعي، وأيضًا تأمين جل الخدمات الضرورية المتبخرة منذ أيام نظام بشار الأسد، كي يتم جذب السوريين المتواجدين في الخارج، المنتظرين والمتريثين ، إضافة إلى إنجاز الكثير من المهام الوطنية، التي تنتظر إنجازها في قادم الأيام.

إن الحديث اليوم عن ضرورة الإسراع في عقد اتفاقية دفاع مشترك مع الدولة التركية، تقوم على الاحترام المتبادل لكلا الدولتين السورية والتركية، باعتبار أن تركيا منتمية إلى حلف الناتو، هذا الموضوع إن تم، من الممكن أن يساهم في إنجاز أوضاع جديدة في سوريا، ويلجم تلك التعديات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ويمكن أن يساهم في إعادة إنفاذ وتطبيق اتفاق (فض الاشتباك) الموقع بين حافظ الأسد وإسرائيل عام 1974، الذي جاء بعد حرب 6 تشرين/ أكتوبر عام 1973، أو على الأقل إجراء تعديلات طفيفة عليه، تساهم في تأخير حدوث حرب كبرى بين سوريا وإسرائيل، غير مستعدة لها الإدارة الجديدة، ولا تريدها حاليًا، وهي واقعيًا غير قادرة عليها.

مع ذلك يبقى الخطر الإسرائيلي يشكل التحدي الكبير جديًا للسوريين وللإدارة الجديدة، ويهدد تهديدًا حقيقيًا حالة النصر التي تحققت من قبل نضال السوريين ضد نظام بشار الأسد وفلوله، حيث سيبقى دائمًا مايمكن قوله، من أن هذا الخطر سوف يهدد وحدة سوريا بكليتها، وكذلك

وحدة جل الكيانات القطرية العربية برمتها، إن لم تتنبه إلى ذلك قوى وأركان النظام العربي الرسمي ثم تعد العدة له، على الأرض وليي ضمن الشعارات فقط.

تلفزيون سوريا

——————————

سوريا: قصف المطارات الحربية رسائل تل أبيب إلى أنقرة/ منهل باريش

تحديث 06 نيسان 2025

تأتي الهجمات العدوانية كرد فعل على الحديث القائل بعزم أنقرة بناء قاعدة عسكرية في ريف حمص الشرقي، بعد جولة استطلاع تركية في قاعدتي تدمر ومطار التيفور الجوية.

في أعنف قصف ضد مواقع عسكرية منذ سقوط النظام السوري، ارتفعت شدة القصف الإسرائيلي ضد أهداف في عمق الأراضي السورية. وفي التفاصيل، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي بعدة غارات الخميس الماضي نقاطا ومراكز عسكرية بريف دمشق، وطال القصف مقر «اللواء 75» في بلدة المقيلبية، كما استهدفت عدة غارات «الفوج 165» والفرقة الأولى في محيط مدينة الكسوة بالريف الغربي لدمشق، من دون توثيق أي ضحايا بحسب ما أفادت به مصادر محلية.

كما ألقى طيران الاحتلال الإسرائيلي صباح الخميس، مناشير ورقية تحذيرية على قرية كويا وعدد من القرى المحيطة بها في حوض اليرموك الغربي بريف محافظة درعا، وجاء في نص المنشورات «إلى سكان قرية الكويا والمنطقة، نود أن نعلمكم بعد ما حدث في قريتكم، أنه ممنوع عليكم التجول مسلحين في منطقة القرية وما حولها، وممنوع عبور طريق الوادي-الشريعة باتجاه حوض اليرموك»، وأرفقت المنشورات بخريطة للمنطقة ومشار فيها إلى المناطق التي حذرت من التجول فيها أو عبورها.

الجدير بالذكر، أن قوة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي توغلت في 25 آذار (مارس) الماضي داخل قرية كويا، وتصدى لها مجموعة من شبان المنطقة ما تسبب بمقتل ستة منهم بنيران جيش الاحتلال.

وتأتي التطورات الأخيرة بعد أقل من يوم على استهداف الطيران الإسرائيلي لعدة مواقع عسكرية سورية منها مطار حماة العسكري الواقع جنوب المدينة، بالقرب من طريق حماة – مصياف، وبعد عملية توغل بري للقوات الإسرائيلية على منطقة حرش سد الجبيلية بين مدينة نوى وبلدة تسيل بريف درعا الغربي، ومقتل تسعة أشخاص وإصابة آخرين.

وفي هذا السياق، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي ليل الأربعاء الفائت مطار حماة العسكري، وقاعدة التيفور الجوية «مطار تياس الحربي» شرقي حمص، ومبنى البحوث العلمية في منطقة مساكن برزة في مدينة دمشق، وحسب ما أفاد مصدر محلي يقيم بالقرب من المطار لـ «القدس العربي» فقد «استهدف طيران الاحتلال مطار حماة العسكري بأكثر من 15 غارة»، ما تسبب في مقتل أربعة أشخاص تابعين لوزارة الدفاع السورية، وأضاف «دمر مدرجي المطار واحترقت طائرتين داخله بالإضافة لمستودعات المطار وبرج المراقبة».

وقالت وكالة الأنباء السورية «سانا» إن طيران الاحتلال الإسرائيلي استهدف بغارة جوية محيط مبنى البحوث العلمية بحي مساكن برزة بدمشق، وغارة استهدفت محيط مدينة حماة.

وتزامنت الغارات الجوية مع عملية توغل بري لقوات الاحتلال باتجاه حرش تسيل «محمية تسيل»، وحسب ما أفاد به ناشط محلي في بلدة تسيل لـ «القدس العربي»، فقد توغل رتل عسكري إسرائيلي ليل الأربعاء باتجاه حرش تسيل في حوض اليرموك بريف درعا الغربي، مع تحليق طيران مروحي إسرائيلي، لتتصدى للرتل من «تل جموع» قوات محلية من مدينة نوى، الأمر الذي ردت عليه قوات الاحتلال بالقصف المدفعي المركز، وتبعه تحليق للطيران المروحي فوق التل واستهداف المقاتلين المحليين بنيران الرشاشات، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الفور وإصابة 28 آخرين، خمسة منهم إصاباتهم حرجة.

وأضاف المصدر، أن قوات الاحتلال دفعت برتلين عسكريين كانا يتمركزان بريف القنيطرة باتجاه منطقة الاشتباكات، مترافقين مع ست مروحيات، ساهمت بتأمين الرتل الأول وحمايته حتى أنهى مهامه داخل حرش تسيل وانسحاب كافة الأرتال بعد أن نفذت مهمتها، وذكر المرصد أن مروحية تابعة لقوات الاحتلال هبطت داخل الحرش ونقلت عددا من جنود الاحتلال المصابين خلال الاشتباكات.

ومن القنيطرة، أكد الناشط شادي أبو زيد أن الرتل العسكري الإسرائيلي دخل باتجاه قرى الحيران ثم غدير ومن هناك إلى الجبيلية، وحول حقيقة مشاركة الطيران الحربي الإسرائيلي قال أبو زيد لـ «القدس العربي»: «شاركت ست حوامات بالهجوم وكانت على علو منخفض وصوتها قريب للغاية، كما شارك الطيران المسير بعمليات المسح والتصوير الجوي وهي من حددت مواقع الشبان الذين تقدموا لاعتراض الرتل ومنعه من التقدم باتجاه مدينة نوى».

وبخلاف المتداول، نفى الناشط المحلي في نوى استهداف الطيران المروحي من قبل الشبان القتلى أو مجموعات أخرى قريبة على اعتبار ان إطلاق النار سيحدد مصدره من قبل المروحيات ليلا، ونوه إلى امكانية انه جرى إطلاق نار في السماء من داخل المدينة بهدف إبعاد الطائرات، ورجح أن يكون القصف من المدفعية الإسرائيلية المتمركزة داخل أراضي الجولان المحتل.

وشدد على أن قوات الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية السورية وقوات وزارة الدفاع السورية، نبهت المجموعات المحلية من خطورة مواجهة القوات الإسرائيلية مشيرة إلى أن امكانيات وزارة الدفاع السورية ضعيفة وليس بمقدورها مواجهة القوات الإسرائيلية.

وأشار الناشط إلى أن المجموعات المحلية المقاومة لأرتال الاحتلال الإسرائيلي كانت مجموعة «أحرار نوى» التابعة للجيش الحر خلال حكم نظام الأسد، والتي يتزعمها عيسى الصقر شقيق عطا الله الصقر القائد السابق للمجموعة والذي اغتيل على يد النظام عام 2022، ومما تجدر الإشارة إليه أن المنطقة التي توغلت داخلها قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت منطقة نشاط وتمركز لخلايا حزب الله اللبناني خلال حكم بشار الأسد.

وفي هذا الصدد، ذكرت تقارير سابقة أن حوض اليرموك بشكل عام كان منطقة عسكرية ونقطة تمركز كبيرة للقوات الإيرانية وحزب الله سابقا، وكانت تتمركز بشكل رئيسي في سرية عسكرية بالقرب من قرية معربة بالإضافة لنقاط عسكرية في عابدين وجملة، وشكلت هذه النقاط العسكرية مقرا للقيادة الإيرانية في حوض اليرموك بالكامل.

وخرج الآلاف من سكان محافظة درعا ومدينة نوى ظهر الخميس، في مظاهرة تشييع الضحايا التسع الذين قضوا بنيران قوات الاحتلال، وحضر التشييع محافظ درعا أنور الزعبي وعدد من الأعيان وممثلون عن الأمن العام والدفاع المدني، وردد المتظاهرون هتافات تشيد بمقاومة الأهالي لرتل الاحتلال، وتشيد بالشهداء، كما طالب المتظاهرون المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها وانتهاكاتها المتكررة على سوريا، وأقيمت بعد التشييع خيمة عزاء مركزية في مركز إنعاش الريف في مدينة نوى التي أغلقت محلاتها كافة يوم الخميس حدادا على ضحايا العدوان الإسرائيلي.

بدورها دانت وزارة الخارجية السورية الاعتداءات الأخيرة على سوريا، وقالت إن هذه الاعتداءات من شأنها أن «تزعزع استقرار سوريا»، وجاء في بيان الخارجية أن إسرائيل «شنت غارات جوية على مناطق مختلفة من سوريا خلال ثلاثين دقيقة، ما أسفر عن تدمير مطار حماة العسكري وإصابة العشرات من المدنيين»، وأشار البيان إلى أن هذا التصعيد «غير المبرر محاولة لزعزعة استقرار سوريا».

من جهة أخرى، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له، أنه خلال العملية العسكرية في حوض اليرموك «أطلق عدد من المسلحين النار على قواتنا التي ردت بإطلاق النار عليهم وقضت على عدد من الإرهابيين المسلحين».

وأضاف البيان، أن سلاح الجو الإسرائيلي استهدف قدرات عسكرية في قاعدتي «التيفور» وقاعدة حماة العسكرية بالإضافة لبنى تحتية عسكرية، وأشار البيان إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمل على «إزالة أي تهديد محتمل على مواطني دولة إسرائيل».

وتأتي الهجمات العدوانية كرد فعل على الحديث القائل بعزم أنقرة بناء قاعدة عسكرية في ريف حمص الشرقي، بعد جولة استطلاع تركية في قاعدتي تدمر ومطار التيفور الجوية «مطار تياس الحربي»، ويعتقد الكثيرون أن دولا عربية ستكون مستاءة للغاية في حال توسع النفوذ التركي في سوريا إلى وسط البلاد بعد أن كانت تراجعت إلى الشمال السوري منذ ربيع 2020.

وفي الجدال القائم حول تلك المسألة، وصف الباحث السوري بمركز الحوار للأبحاث والدراسات بواشنطن، عمار جلو دوافع تركيا بإنشاء قواعد عسكرية في سوريا بأنها «جدية» وتأتي ضمن مساعي أنقرة لـ «توسيع فضائها الجيوسياسي، وضبط الطموحات الكردية في سوريا، وضمان استقرار سوريا، باعتباره عاملا مهما لأمن تركيا القومي، وبهدف الحلول محل قوات التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب في سوريا».

إضافة للقواعد، أشار الباحث لـ«القدس العربي» أن لدى أنقرة رغبة في أن تكون «المسؤولة عن تدريب وتأسيس الجيش السوري الوليد، والنقطة الأخيرة كانت سابقا نقطة تباين مع دمشق، لما يمثله ذلك من إمكانية تحكم تركي نهائي بالقرار السوري».

وفي تفاصيل الموقف العربي، لفت جلو إلى أن السعودية وقطر يسعيان إلى استقرار سوريا ومنع التغول الإسرائيلي وعودة إيران، وخفف من الخشية السعودية على اعتبار أنها «تتقاسم النفوذ مع تركيا في سوريا»، معتبرا أن نفوذ الرياض كبير جدا من النواحي الاقتصادية والاستثمارية والسياسية والدبلوماسية، بما فيه الضغط لرفع العقوبات، وهذا «يجعلها صاحبة النفوذ الأقوى في سوريا، رغم النفوذ العسكري والأمني التركي» حسب تفسيره.

القدس العربي

————————–

تركيا وإسرائيل… محرّكات الاشتباك السوري ومآلاته/ محمود علوش

06 ابريل 2025

مع مرور أربعة أشهر على إطاحة نظام بشّار الأسد، بدأت الارتدادات الإقليمية للتحوّل السوري تظهر بوضوح أكبرَ وأكثرَ خطورة، من خلال ملامح الاشتباك الجيوسياسي التركي الإسرائيلي في سورية. المُحركات الدافعة لهذا الاشتباك مُتعددة. من جانب، يظهر التناقض الصارخ في الرؤية التركية والإسرائيلية لسورية الجديدة، بينما تُريد أنقرة إنجاح التحوّل والحفاظ على وحدة سورية، وتُظهر تلّ أبيب صراحة رغبتها في تقويضه، وحتى تفكيك الكيان السوري، لاعتبارات تستمدّ قوّتها أولاً، من الهاجس من ارتدادات انهيار نظام أقلّوي اعتادت عليه إسرائيل نحو ستّة عقود، وتركَ مكانه وضعاً جديداً لا يُمكن التنبّؤ بآثاره فيها، وثانياً من القلق من الخلفية الجهادية السابقة للرئيس أحمد الشرع، ومن حكم الأكثرية السُّنية عموماً، وثالثاً، من محاولة تقويض التداعيات الجيوسياسية لهذا التحوّل على صعيد منع تركيا من تحقيق أكبر قدر من الفوائد المُتصوَّرة منه.

أمّا تركيا، فهي تُقارب سورية الجديدة من منظور حاجتها إلى إنجاح عملية التحوّل، وتجنّب كارثة جيوسياسية يُمكن أن يجلبه لها فشل التحوّل أولاً، وثانياً من منظور الميزة الجيوسياسية التي منحها لها التحوّل على صعيد تعزيز نفوذها الأمني والسياسي والاقتصادي في سورية، وعلى صعيد استثمار هذا النفوذ لتعميق دورها في الشرق الأوسط قوّةً فاعلة. وثالثاً، من منظور إصلاح الخلل الكبير الذي طرأ على توازن النظام الإقليمي بعد حرب 7 أكتوبر (2023)، الذي يتجسّد في النزعة التوسّعية الإسرائيلية في المنطقة، والفراغ الذي تركه الانكفاء الإيراني، وميول إدارة الرئيس ترامب إلى الانسحاب من سورية، وتقليص انخراطها في الشرق الأوسط. إن هذا التصادم، في المقاربتين الإسرائيلية والتركية للتحوّل السوري، يرفع من مخاطر تطوّره اشتباكاً سيكون له ارتدادات كبيرة، ليس على تركيا وإسرائيل وسورية فقط، بل على النظام الإقليمي بأسره.

مع ذلك، لا يبدو صراع التوازنات الإقليمية الحالي في سورية جديداً، بقدر ما هو امتداد لحقبة الحرب خلال 13 سنة مضت، مع تحوّلات في أدوار القوى الفاعلة فيه. فمن جهة، ضاعف التحوّل السوري من أدوار بعض القوى مثل تركيا وإسرائيل ودول الخليج، في حين أضعف على نحو كبير حضور إيران فيه، بينما تستعدّ الولايات المتحدة لمغادرة سورية. وحتى في الوقت الذي تستطيع فيه أنقرة وتلّ أبيب إدارة الاشتباك الجيوسياسي، تبدو مخاطره مرتفعةً، لأن إسرائيل بعد “7 أكتوبر” مُختلفةٌ عمّا كانت قبلها، من حيث جشعها التوسّعي في الإقليم، ولأن تركيا تختلف عن إيران من جهة توازن القوى وطبيعة علاقاتها بإسرائيل وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ولأن سورية اليوم ليست سورية في الأمس، إذ فيها الحكم الجديد، وما يُمثّله من تحوّل مُجتمعي وسياسي كبير في تركيبة السلطة الداخلية.

رغم ذلك، لا تحظى فكرة إدارةٍ مرتفعةِ المخاطر للصدام التركي الإسرائيلي بقبول البلدَين. وقد قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة مع وكالة رويترز (4/4/2025)، إن بلاده لا تُريد مواجهةً مع إسرائيل في سورية. ومع أن هذا القول لا يبدو مفاجئاً، لكنه يُعطي ثلاثة مؤشّرات مُهمّة. الأول، أن الصدام العسكري مرفوض بالمطلق في مقاربة تركيا، لاعتبارات عديدة، أكثرها أهميةً أنه يجلب تكاليف تفوق بكثير الفوائد، وتُهدّد أولويات أنقرة الرئيسة في سورية، والممثّلة بتعزيز حكم أحمد الشرع الذي يُشكّل بوابةً لتعزيز الحضور التركي في المدى البعيد. وثانيها، أن رفض خيار المواجهة يعني بالضرورة الانفتاح على تفاهم ما، لأنه السبيل الوحيد لمنعها. وقد مهّد فيدان على ما يبدو لهذا المسار بالقول إن دمشق إذا كانت تُريد “تفاهمات مُعينة” مع إسرائيل فهذا شأنها الخاص. وثالثها، أن أنقرة تأخذ باهتمام خاصّ علاقتها بإدارة ترامب في مقاربة الموقف مع إسرائيل، ولا تُريد أيّ تصعيد مع إسرائيل يُهدّد هذه العلاقة، ومسار التفاهمات الثنائية في سورية.

تعزّز حقيقة إدراك أنقرة وتلّ أبيب مخاطر التصادم فرضية أن المسار التفاوضي بينها بدأ في وقت مُبكّر من إطاحة نظام الأسد. كما أن الولايات المتحدة مُنخرطة في هذا المسار في محاولة للتوصل إلى ترتيب يُدير هذا الاشتباك الجيوسياسي، لأن خروجه عن السيطرة يضغط أولاً على رغبة ترامب في مغادرة سورية، ويقوّض ثانياً جهوده لجمع تركيا وإسرائيل في نظام جديد يُدير الشرق الأوسط، بانخراط أميركي أقلّ.

تواجه فرص التفاهم بين تركيا وإسرائيل في سورية تعقيدات كبيرة، لكنّه الخير الوحيد المطروح على الطاولة، ويبدو الرئيس الشرع جزءاً من هذا المسار التفاوضي، الذي تنخرط فيه قوىً أخرى كالسعودية. وبمعزل عن مآلات هذا المسار، ستُختبر سورية في جانب حدود إسرائيل في إعادة تصميم الشرق الأوسط، ودورها فيه قوّةً مهيمنةً في تشكيل السلطة، وفي جانب آخر، حدود تركيا في تحدّي هذا التصميم، الذي يهدف إلى رسم حدود لحضورها الإقليمي. ونتائج هذا الاشتباك الجيوسياسي ستشكّل الجانب الأكبر (والأكثر أهمية) من النظام الإقليمي بعد “7 أكتوبر”.

العربي الجديد

—————————-

كل هذه الاعتداءات الإسرائيلية على سورية/ فاطمة ياسين

06 ابريل 2025

موجة جديدة من الاعتداءات البرّية والجوية ارتكبتها إسرائيل قبل أيام، استهدفت أماكن حيوية في أنحاء سورية، منها مطاران عسكريان كانا قد هوجما سابقاً في أثناء وجود بشّار الأسد في السلطة. وأظهرت صور جوية تخريب مدرّجات مطار حماة العسكري وبعض أبنيته الأخرى، بالإضافة إلى حظائر الطائرات، فلم يعد صالحاً للاستعمال. وقصفت إسرائيل مطار التيفور العسكري قرب حمص، وهاجمت منشأةً كان النظام السابق يستخدمها لتطوير أسلحة كيماوية وبحوث عسكرية في دمشق. أمّا الهجوم الأكثر خطورةً فكان التقدّم في محور الطريق 119، الواصل بين نوى والرفيد في الجنوب، وقد وُصف بأنه التقدّم الأكثر عمقاً للقوات الإسرائيلية في الداخل السوري، بمسافة نحو عشرة كيلومترات من حدود المنطقة العازلة، ولم يمرّ الهجوم بسلام، فقد تصدّت له مجموعة من شباب المنطقة فقُتل عشرة منهم.

نفّذ هجوم درعا في الصباح الباكر، وفي عشية اليوم نفسه، نفّذت الطائرات الإسرائيلية طلعاتٍ جوّية هاجمت فيها نقاطاً عسكرية في منطقة الكسوة، التي كانت مقرّاً لبعض فرق النظام السابق. ورغم انشغال إسرائيل في جبهتَين مجاورتَين، في غزّة وفي جنوبي لبنان حيث وسّعت هجومهاً ليشمل مواقعَ في الضاحية الجنوبية، تجد إسرائيل وقتاً وقوّاتٍ لتهاجم سورية بهذا المستوى من العنف، بمعنى أن سورية هدفٌ ثابتٌ تركّز عليه بعين مفتوحة وجبهة مرشّحة للانفجار على الدوام، وعلى هذا الأساس تُبقي قواتها بالقرب من الحدود، مع اختراقات مختلفة المهام في العمق السوري.

لم يجفّ الحبر الذي وقّع به أحمد الشرع مرسومَ تشكيل الحكومة الجديدة، وقد لاقت تلك الحكومة أصداءً طيبةً في الأوساط الدولية، واعترفت الولايات المتحدة بأنها حكومة تكنوقراط، ليأتي هذا الهجوم ويسقط عديداً من الضحايا. مارست إسرائيل عنفها الكبير قبل سقوط نظام بشّار الأسد وبعده، وكأنّها تريد أن توصل رسائل إلى الشرع، وإلى الشعب السوري كلّه، أن ساعة التنمية قد تجمّدت عند هذه اللحظة، وممنوع على هذه الحكومة الجديدة أن تعيد بناء قواتها العسكرية، أمّا الهجوم على مطارَين عسكريَين، ومسحهما من الوجود، فيعكس نيّةً إسرائيليةً بمنع وجود قوة عسكرية جوّية تابعة للحكومة الجديدة، والتقدّم العميق في درعا رسالة أخرى بشأن النيّة في إقامة منطقة عازلة خالية من أيّ نوع من السلاح، حتى لو كان خفيفاً، وإعادة الهجوم على الكسوة تأكيد على الرسالة الأولى، وعلى مدى العمق الذي ترغب إسرائيل في وضع الوصاية الجوّية عليه.

أرادت جهات إسرائيلية (خاصّة صحفها اليومية) الإيحاء بأن الهجوم موجّه إلى تركيا التي تَسرَّب قبل أيام أنها تنوي إنشاء قواعد عسكرية في سورية، وهوجم المطاران المقترحان ليكونا قاعدتين تركيتين، لكن أيّاً من حكومتَي البلدَين (تركيا وسورية) صرحت بما يوحي بحقيقة هذه النيّة، وقد زار الشرع أنقرة قبل أسابيع. وفي مناسبة كهذه قد يكون طرح تلك المواضيع متاحاً، لكن لم تصدُر أيّ معلومة من الطرفَين بوجود مثل هذه الخطة، وكان الطرفان قد أبديا الرغبة في التعاون العسكري، وهو الأمر الذي تشعر سورية بحاجةٍ ماسّة إليه، فقد ورثت الحكومة الجديدة دماراً عسكرياً هائلاً، واعتمدت في بنيتها العسكرية على مجموعات قليلة التدريب، وأرادت أن تتّكل على تركيا في تقديم عون إعادة هيكلة وزارة الدفاع على أسس وطنية، وتأهيل الكوادر العسكرية المناسبة لقيادة هذه المؤسّسة الهامة. وسبق لتركيا أن نفت المعلومات عن سعيها إلى إنشاء قواعد عسكرية، ولم تُبدِ أيّ نياتٍ عدوانية تجاه إسرائيل، وبهذا لم يبقَ إلا أن إسرائيل ترغب في تشكيل دائرة حماية حولها حتى من أعداء غير معروفين في سورية.

العربي الجديد

————————————–

الرئيس الشرع بين جني مكاسب النجاحات السياسية ومواجهة مخاطر الاستقطاب الإقليمي/ د. عبد المنعم حلبي

2025.04.05

بالتوازي مع ارتفاع وتيرة الأنباء التي تتحدث عن تعاون عسكري تركي سوري وعَقدِ اتفاقات مزمعة، واستمرار تلقي الرئيس أحمد الشرع وحكومته الانتقالية برقيات وبيانات الترحيب الإقليمي والدولي، بعد الإخراج الذي بدا مقنعاً للتشكيلة الحكومية.

وخلال تمرير إدارته اتفاقاً تفصيلياً مهماً مع قسد لحلحلة الأوضاع العالقة في حلب وعفرين، والذي أشاع ارتياحاً شعبياً، وجَّهت إسرائيل الأربعاء الماضي الثاني من نيسان عشرات من الضربات العسكرية على مطارين عسكريين في حماة وحمص متضمنةً رسالةً سياسية خطيرة، أربكت المشهد في سوريا ووضعته أمام مخاطر مقلقة.

فمع أجواء الترحيب الدولية، الأوروبية والأميركية، التي اعتبرت الحكومة الانتقالية خطوة مهمة باتجاه المزيد من المشاركة السياسية، وبالتالي المزيد من رفع العقوبات، بما يُمكن أن يؤدي ذلك من انتقال بالاقتصاد السوري إلى طريق التعافي وإعادة التأهيل، فوجئ السوريون مساء الأربعاء الثاني من نيسان بتوغل إسرائيلي بري كبير وعبر أربعة أرتال عسكرية غربي محافظة درعا، ما لبث أن تلقَّى مقاومة شعبية، ليُستتبع بعشرات الغارات الإسرائيلية، والتي تُعد الأكبر منذ هجماتها التاريخية عشية سقوط النظام، واستهدفت فيها مطار حماه العسكري ومطار T4 شرقي حمص، في رسالة سياسية واضحة إلى السلطة السورية الجديدة، قد تشير لاستراتيجية جديد لمنع تمرير تحالفها مع تركيا، الذي يهدد أمن إسرائيل بحسب زعمها، الأمر الذي أعاد السوريين من جديد إلى دائرة الخوف من مخاطر تهديد استقرار البلاد، التي كانت فيه تستعد للشروع بجني مكاسب نجاحات سياسية مشهودة.

فعلى الرغم من التحذيرات الواضحة والصريحة من قبل العديد من المراقبين، وكذلك بعض الأطراف القريبة من مراكز القرار الإقليمي، من وقوع السلطة الجديدة في سوريا في أتون أي استقطاب سياسي وعسكري إقليمي حاد، يُعرقل المكاسب السياسية الكبيرة التي تحققت للشعب السوري منذ سقوط النظام، استمرت الأنباء عن السير باتجاه توقيع اتفاقات عسكرية مع تركيا، تتناول القيام بالعمل على إقامة قواعد عسكرية، بدءاً من مطار منغ العسكري شمالي حلب، وصولاً لإعادة تأهيل مطار T4 العسكري وسط سوريا، بداعي مواجهة التمدد الذي يتم تداوله والتحذير منه لتنظيم الدولة “داعش” بتنسيق إقليمي، وتقديم الدعم العسكري الاستشاري والتدريبي لقوات الجيش السوري الناشئ، والتي يؤيدها -على ما يبدو- قطاع واسع من السوريين.

تلك الأنباء كانت متداولة ويتم نقاشها في الدوائر الرسمية السياسية والإعلامية الإسرائيلية التي عبَّر مسؤولوها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علناً عن رفض القبول بها، وعدم السماح لتركيا بالتمدد إلى سوريا، وحلول النفوذ التركي بدل النفوذ الإيراني.

وفعلاً أخذت إسرائيل بزمام المبادرة بتنفيذ تلك الهجمات، الأمر الذي زاد من احتمالية تحويل سوريا مجدداً إلى ميدان للصراع غير المباشر بين تركيا وإسرائيل، والذي باتت تتخذه إسرائيل ذريعة وغطاءً توجد مؤشرات على إمكانية استمراره بما قد يؤدي إلى القضاء على تطلعات السوريين باستعادة أمن بلادهم واستقرارها.

ومع صدور بيان وزارة الخارجية والمغتربين السورية المُندد بالهجمات الصهيونية المخالفة للقانون الدولي، دعت فيه لتدخل دولي لمنع إعادة تدوير العنف وتطبيعه في البلاد من جديد عبر العدوان الإسرائيلي غير المبرر، قامت العديد من الدول العربية التي سبق أن رحبت بتشكيل الحكومة الانتقالية إلى إصدار بيانات التنديد بهذه الهجمات، وفق صيغ متناسبة مع مضمون بيان الخارجية السورية، وذلك بالتزامن مع تشييع شهداء نوى التسعة في أجواء تشبه مشاهد التشييع الفلسطينية، في ظل التوجس والترقب الذي اعترى الشارع السوري، ودعوات أهلية في مختلف مدن وبلدات سهل حوران للرد على العدوان الصهيوني، ولا سيما البري.

الصمت التركي الرسمي تجاه الرسالة الإسرائيلية الواضحة لم يدم طويلاً، فبعد تحذير وزير الدفاع الصهيوني دمشق من دخول قوات معادية لإسرائيل إلى سوريا، ووصول حدة التهديدات الإسرائيلية إلى التلويح للرئيس الشرع بدفع ثمن باهظ، فيما يشبه ما هدد به بنيامين نتنياهو بشار الأسد قبل أسبوعين من سقوطه، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً نددت فيه بالهجمات الإسرائيلية باعتبارها تهديداً لاستقرار سوريا وتغذية للصراع والإرهاب.

هذا المستوى من التعقيد أصبح يستدعي -على ما يبدو- أن يقوم الرئيس أحمد الشرع وحكومته الانتقالية بتوضيح استراتيجيتهم التي يرتكزون إليها في إدارة العلاقات الخارجية الإقليمية، على أساس السيادة الوطنية الكاملة تجاه جميع الأطراف بلا استثناء، والموقف من السلام الإقليمي، والعلاقة المستقبلية مع كل من تركيا وإسرائيل، ضمن توازن يحفظ أمن وسلامة سوريا ومصالح شعبها.

إن اتساع نطاق التأييد والدعم للرئيس الشرع وحكومته المُلاحظ داخلياً وخارجياً، يمكن أن يُعوَّل عليه بالفعل لطرح مثل هكذا استراتيجية على العلن، بل والسير بها قُدماً وفق المسارات الثنائية المتاحة دبلوماسياً، أو عبر مجموعة الاتصال العربية، وعبر المؤسسات الإقليمية كالجامعة العربية والدولية المختلفة، وبما يمكن أن يؤدي إلى نوع من التحييد الإيجابي لسوريا على مستوى الإقليم، والذي يبدو ضرورياً للغاية في هذه المرحلة، وذلك ببساطة للتفرغ بصورة أكثر تركيزاً، وبالتالي أكثر فعاليةً، في الذهاب بعيداً نحو تقوية الصف الداخلي وتحويل النجاحات السياسية إلى مكاسب، سواء عبر التعامل بهامشٍ أكثر أريحية في ملفي قسد والسويداء، أو تبريد الوضع في الساحل في إطار عملية واضحة لتطبيق العدالة الانتقالية، والاستمرار بالعمل الجاد والحثيث في الميدان الاقتصادي والخدمي، لتجديد النسيج الاجتماعي ومصادر الكسب المعيشي، واستجلاب الدعم والمنافع الاقتصادية الخارجية، بما يؤدي إلى المزيد من التعافي وترسيخ الأمن والاستقرار، واستعادة الحياة الطبيعية التي ينشدها جميع السوريين بسلام في وطنهم مجدداً، وطن آمن ومسالم وقابل للتطور.

تلفزيون سوريا

—————————

هل التقى فيدان وساعر في باريس؟/ سمير صالحة

2025.04.06

التقت مصالح تركيا وإسرائيل حتى يوم الثامن من كانون الأول المنصرم في الساحة السورية. إضعاف إيران وإخراجها من هناك، واكبه تجاهل تل أبيب لهدف إزاحة نظام بشار الأسد الذي كان يعطيها أكثر مما تريد. واشنطن كانت العرّاب بين الطرفين، وموسكو قررت في اللحظة الأخيرة ركوب الحافلة المتجهة نحو التغيير في سوريا.

بعد هذا التاريخ، تضاربت مصالح أنقرة وتل أبيب وتباعدت في سوريا لأكثر من سبب. قررت إسرائيل وضع تركيا وإيران على مسافة واحدة في سوريا، بعد التقارب والتنسيق الواسع بين أنقرة والسلطة السياسية الجديدة في سوريا. لكن أن تلتقي مصالح البعض مع ما تقوله وتريده تل أبيب حول ضرورة قطع الطريق على التمدد التركي هناك عبر الجهود الإسرائيلية لتحييد أنقرة في سوريا، هو المحيّر حقًا. “الأتراك ماضون قدما في استراتيجية وضع اليد على سوريا”، هذا ليس ما تقوله تل أبيب وحدها، بل هو رأي بعض وسائل الإعلام الصديقة لتركيا.

لم تنتظر إسرائيل إعلان أنقرة ودمشق عن حجم التفاهمات والعقود العسكرية المحتملة. كما تجاهلت ما تقوله وزارة الدفاع التركية، التي أعلنت أنها ما زالت تدرس طلب دمشق في توسيع رقعة التنسيق والتعاون العسكري، وإنشاء قاعدة تدريب مشتركة في سوريا بما يتماشى مع متطلبات الحكومة الجديدة هناك. فقررت توسيع رقعة التوغّل والانتشار واستهداف العمق السوري.

هل ما تقوم به يهدف فقط إلى حماية مصالح إسرائيل في المنطقة، أم أنها تتحرّك باتجاه تقديم خدمات لبعض المنزعجين من اتساع رقعة التفاهمات بين أنقرة ودمشق؟

مشكلة تركيا هي تجاهلها لرغبة البعض في الاستقواء بالتصعيد الإسرائيلي لإخراجها من سوريا، وتبرير ما تقوم به إسرائيل، “المتخوّفة من سيطرة أنقرة على دمشق”، عبر اللجوء إلى الاستيلاء على أراضٍ في جنوب غربي البلاد، وإعلان استعداد تل أبيب لحماية الأقلية الدرزية، واستهداف ما تبقى من بنية عسكرية تحتية من الأسلحة والعتاد العسكري السوري الثقيل في الأيام التي تلت سقوط الأسد.

ذهبت تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قبل يومين، “لا رغبة لنا بالدخول في مواجهة مع إسرائيل في سوريا”، باتجاه مغاير لما كان يتضمّنه بيان الخارجية التركية حول الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا: “ممارسات إسرائيل أكبر تهديد لأمن المنطقة”.

لكن ما أعقبها من موقف إسرائيلي جديد، يتحدّث عن عدم رغبة تل أبيب في الدخول في مواجهة عسكرية مع أنقرة، عزّز سيناريو دخول وسطاء غربيين على خط التهدئة بين البلدين.

تزامن وجود وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في باريس مع زيارة نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر يوم الأربعاء المنصرم، يرفع أسهم دخول الخارجية الفرنسية على خط الوساطة بين الطرفين.

تصريحات فيدان من بروكسل، ولقاءاته المكثفة مع أكثر من وزير خارجية غربي على هامش اجتماعات دول حلف شمال الأطلسي، تعزّز دعم أكثر من عاصمة غربية لجهود التهدئة بين تركيا وإسرائيل أيضًا.

خيّبت هذه الرسائل الجديدة آمال البعض باقتراب موعد المواجهة العسكرية بين البلدين، لكنها لم تُسقِط احتمال التوتر والتصعيد من الحسابات.

تركيا ما زالت تتمسّك بأن ما تفعله إسرائيل يعرّض الأمن الإقليمي للخطر، وإسرائيل لا تريد أن ترى القوات التركية على مقربة من حدودها مع سوريا.

تُجري أنقرة منذ كانون الأول سلسلة من الاتصالات مع العواصم العربية والغربية، مُبدية استعدادها للتوسّط باتجاه التقريب بين السلطة السياسية الجديدة في دمشق وهذه العواصم.

وهذا ما يُقلق تل أبيب ويدفعها للغضب، لأنه سيقوّي موقف سوريا الجديدة على مستوى الإقليم، خصوصًا وأن التنسيق يتم مع الجانب التركي.

ما يغضب نتنياهو أكثر هو أن أنقرة تتحرك في سوريا بالتنسيق مع العواصم العربية الفاعلة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تعمل على إعادة سوريا إلى الحضن العربي.

إسرائيل خارج هذا الحراك، الذي سيكون على حساب مصالحها، لأن واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية تدعمه، وترى فيه فرصة للتهدئة الإقليمية.

الاحتمال الأكبر أن إسرائيل غاضبة أيضًا نتيجة تفاهم هذه العواصم على بقاء سوريا موحّدة، بعكس المشروع الإسرائيلي الذي يسعى للعب ورقة الأقليات وفرض نظام كونفدرالي، يوصلها إلى شمال شرقي سوريا، حيث المكوّن الكردي، ما يقرّبها من تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية التي تطمح إليها منذ عقود: الطاقة، والمياه، والتربة، والجغرافيا، والأجواء الواسعة، على مقربة من الحدود التركية.

بقدر ما تقلق تركيا من المخطط الإسرائيلي الهادف إلى الاقتراب من حدودها الجنوبية، حيث دجلة والفرات والثروات الطبيعية ومجاورة شمالي العراق، تقلق إسرائيل من احتمال اقتراب تركيا من حدودها الشمالية، والتي قد تتحوّل إلى ورقة ضغط على إسرائيل للالتزام بإعادة الأراضي السورية المحتلة في الجولان، وتسحب من يدها محاولة التلاعب بالورقة الدرزية والكردية والعلوية في سوريا.

تقول إسرائيل إنها تدافع عن مصالحها ومصالح حليفها الأميركي في الشرق الأوسط، وأن من حقها أن تكون شريكة في تقاسم “الكعكة” بعد إخراج إيران من سوريا.

لكن التحوّلات الأخيرة بعد منتصف كانون الأول المنصرم، خصوصًا “صدمة” التفاهمات بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، تدفعها إلى تبديل قواعد وأسس “الكتاب الأحمر” في شقّه السوري، مع الاحتفاظ بحق أن تبقى “ترمانتور” واشنطن في الإقليم.

إضعاف الموقف التركي في سوريا لن يقوّي الموقف العربي أو الأوروبي هناك، بل سيزيد من الغطرسة الإسرائيلية التي توفّر لها واشنطن الحصانة والحماية.

لن يتخلى وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن تصريحاته التهديدية: “الغارات الجوية رسالة واضحة وتحذير للمستقبل، لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل، والحكومة السورية ستدفع ثمنًا باهظًا إذا سمحت لقوات معادية لإسرائيل بالدخول إلى سوريا”.

ولن يتوقف فيدان عن تحذير تل أبيب بأنها ستتحمّل أعباء ما تصنعه في المنطقة. كذلك، لن يُجدي كثيرًا رمي الكرة في الملعبين التركي والإسرائيلي وتحميلهما وحدهما مسؤولية التوتر في سوريا.

المطلوب هو المزيد من الضغوطات العربية على إسرائيل إقليميًا ودوليًا عبر الحلفاء والشركاء.

فالذي سيساعد على إخراج سوريا من أزماتها واتّضاح الرؤية، هو تحوّل في مواقف العواصم العربية في مواجهة تل أبيب وممارساتها في المنطقة.

تلفزيون سوريا

—————————–

رسالة مفتوحة” من مشايخ ووجهاء السويداء إلى الرئيس السوري.. ماذا تضمنت؟

2025.04.05

وجّه عدد من مشايخ ووجهاء وقيادات سياسية وعسكرية في محافظة السويداء، رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، أكدوا فيها على وحدة كامل التراب السوري والدفاع عن البلاد ضد أي عدوان خارجي، وطالبوا بـ “إعادة النظر” في بنود الإعلان الدستوري.

الرسالة الموقعة من ممثلين عن مختلف “الفعاليات الدينية والاجتماعية والسياسية والنقابات على ساحة المحافظة”، والمؤرخة في الـ26 من آذار الفائت (قبيل تشكيل الحكومة الانتقالية)؛ أكدت على أن انتصار الثورة السورية والانتقال إلى مرحلة بناء الدولة، يحتاج إلى جهود ومشاركة جميع السوريين في الحياة السياسية والاقتصادية والدفاع عن سوريا ضد أي اعتداء خارجي.

456546

وقال الموقعون في رسالتهم: “انطلاقا من مبادئنا التي نحملها وانتمائنا النهائي لهذه الأرض وتأكيداً على شعار الدين لله والوطن للجميع كما صاغها أجدادنا السوريون، اجتمعنا اليوم واتفقنا على ما يلي:

    نؤكد على وحدة التراب السوري والحفاظ على تنوعه الثقافي والإثني والعرقي وضرورة توحدنا جميعاً للدود عنه والحفاظ عليه من أي اعتداء ورأينا في مؤتمر الحوار الوطني البداية الحقيقية لمعالجة العقد الاجتماعي الذي يجمعنا ونؤكد على مخرجاته ونطالب بتفعيل البند 18 منه الذي يدعو لاستمرار الحوار وبتشكيل لجان تمثيلية لكل الفعاليات السياسية والاقتصادية والخدمية.

    الإعلان الدستوري بصيغته التي صدر بها لم يأت ملبياً لطموحات مكونات هامة من الشعب السوري وأهداف ثورتهم لذلك نطالب بإعادة النظر به من خلال حوار حقيقي جامع بما يضمن فصل السلطات ويحقق العدالة والمواطنة ويفعل أسس المحاسبة ويؤسس لمجلس شعب منتخب من السوريين مباشرة ليكون لهذا المجلس الصفة التمثيلية الحقيقية لأنه سيكون صمام الأمان في صياغة الدستور الدائم وقانون الانتخابات العادل والقيام بالرقابة على عمل السلطة التنفيذية.

    ضرورة تفعيل الضابطة العدلية وإعادة تفعيل المحاكم وعودة جميع مؤسسات الدولة للعمل وإصلاحها إدارياً ومالياً لتقديم خدماتها للمواطنين، ونؤكد على ضرورة وقف التسريح للموظفين وإعادتهم إلى مراكز عملهم واستيعاب الجميع منهم إلا من يثبت فساده أو استغلاله لعمله الوظيفي أو ارتكابه أفعالاً يجرمها القانون.

    الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة لكل أطياف الشعب السوري من الشخصيات ذات الكفاءة والانتماء الوطني وإشراك المعارضين الوطنيين لجذب كل المكونات الوطنية رداً على دعوات الانقسام من الداخل والخارج وتكون مسؤولة أمام الشعب عن عملها.

    إن تكرار التحريض الطائفي عبر المنابر أو وسائل التواصل يصب في إعاقة بناء العقد الاجتماعي. نطالب الدولة بالإسراع في إطلاق القنوات التلفزيونية السورية الرسمية لتبيان الحقائق ودحض الشائعات ومحاسبة المتورطين فيها كما نؤكد على ضرورة رصد الجرائم الإلكترونية التي تحمل دعوات تفرقة على أسس طائفية أو عرقية كما ندعو إلى تشكيل هيئة وطنية لمراقبة ومتابعة ورصد تلك الجرائم في الداخل والخارج وتقديم مرتكبيها للعدالة.

    رفض أي تعامل فردي مع جهات خارجية خارج القنوات الرسمية للدولة لأنه لا يمثلنا ويسهم في إضعاف الوحدة الوطنية ويبث دعوات التقسيم والتجزئة، ونؤكد على رفع العلم السوري الذي يجمعنا ويحقق أحلامنا في وحدتنا ومستقبل أجيالنا.

    إن الإرهاب والتعدي على المواطنين وعلى الأملاك العامة والخاصة بالقوة أيّاً كان مصدره يضر بمشروع بناء الدولة، نطالب بكشف المتورطين به ومحاسبتهم من خلال محاكم علنية لطمأنة الجميع أن الدولة قادرة على لجم التجاوزات.

    ضرورة إشراك الضباط والعناصر المنشقين عن الجيش وقواه الأمنية وكذلك عن العناصر التي لم يثبت تورطها في جرائم النظام السابق بدعوتهم للعودة إلى صفوف الجيش والقوى الأمنية والشرطية وتكريمهم بما يسهم في الاستفادة من خبراتهم ودمجهم مع الحالة الوطنية ليؤدوا دورهم في الدفاع عن بلادنا ويكونوا سنداً لبناء الدولة الجديدة.

    ضرورة تشكيل لجنة حوار اقتصادية تمثل النقابات والصناعيين والتجار ورجال الأعمال ليكونوا عوناً في رسم خطة اقتصادية للمرحلة الانتقالية بما يضمن بدء ورشة إعادة الإعمار وتحسين الوضع الاقتصادي وتهيئة المناخ لجلب الاستثمارات الخارجية.

    تشكيل لجنة حوار من المعلمين وأساتذة الجامعات وملاك الجامعات والمدارس للقيام بوضع خطة شاملة لتحسين ورفع جودة التعليم خلال المرحلة الانتقالية بما يسهم في رفع كفاءة مخرجات التعليم كي تتوافق مع متطلبات سوق العمل”.

وذيّلت الرسالة بتوقيع كلّ من شيخيّ عقل طائفة الموحدين الدروز يوسف جربوع وحمود الحناوي، بالإضافة إلى الأمير حسن الأطرش، وعاطف هنيدي، والشيخ سعود النمر والشيخ سليمان المرشود من العشائر، والمطران جورجي قرقشيان، وقوى عسكرية من بينها “حركة رجال الكرامة”، وتيارات سياسية ومدنية عدة.

تلفزيون سوريا

—————————-

وزير الخارجية يرحب بقرار مجلس حقوق الإنسان الأول بشأن سوريا الجديدة

2025.04.04

رحب وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، اليوم الجمعة، بأول قرار لمجلس حقوق الإنسان بعد سقوط النظام المخلوع، والذي تضمن الترحيب بسقوط نظام الأسد وركز على إجرامه، ورحب بإنشاء الحكومة الجديدة، وتناول العقوبات الاقتصادية والانتهاكات الإسرائيلية.

وقال الشيباني، في تدوينة نشرها عبر حسابه على منصة “إكس”، أرحب بأول قرار لمجلس حقوق الإنسان بعد سقوط النظام، والذي رحب بسقوطه وركز على إجرامه، ورحب بإنشاء الحكومة الجديدة، وتناول العقوبات الاقتصادية والانتهاكات الإسرائيلية.

وأشاد وزير الخارجية السوري بالقرار الأممي، الأول من نوعه، قائلاً: إن القرار ألم بجهودنا المحلية والدولية لحماية حقوق الإنسان رغم التحديات والصعوبات وتركة النظام البائد.

    أرحب بأول قرار لمجلس حقوق الإنسان بعد سقوط النظام، و الذي رحب بسقوطه و ركز على إجرامه، ورحب بإنشاء الحكومة الجديدة، و تناول العقوبات الإقتصادية و الانتهاكات الإسرائيلية، و ألم بجهودنا المحلية و الدولية لحماية حقوق الإنسان رغم التحديات و الصعوبات و تركة النظام البائد.

    1/2

    — أسعد حسن الشيباني (@AssadAlshaibani)

    April 4, 2025

وفي وقت سابق اليوم، أصدار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أول قرار أممي، في دورته الثامنة والخمسين تحت عنوان حالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية.

وقال المجلس إن القرار حصل على الإجماع وهي سابقة تاريخية في مجلس حقوق الإنسان، رحب فيه بتشكيل الحكومة وتوصيات مؤتمر الحوار الوطني في سوريا.

الخارجية: القرار خطوة إيجابية ومتوازنة

كما رحبت وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان نشرته عبر قناتها على “تلغرام”، بالقرار مؤكدة التزامها الثابت بتعزيز وحماية حقوق الإنسان واستعدادها مواصلة التعاون الإيجابي بما يخدم مصالح الشعب السوري ويحفظ سيادة سوريا ووحدة أراضيها.

وقالت الخارجية السورية، نرحب بقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المعنون بـ “حالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية”، والذي يُعدّ أول قرار أممي بعد سقوط النظام السابق.

وأضافت الوزارة، يعكس هذا القرار نهجاً جديداً وفصلاً جديداً في تاريخ سوريا، حيث رحب بسقوط نظام الأسد وتشكيل الحكومة الجديدة المتنوعة في سوريا.

كما يتناول قضايا تتعلق بضرورة رفع العقوبات الاقتصادية والانتهاكات الإسرائيلية على الأراضي السورية، فكلاهما يشكلان خطراً على استقرار الوضع في سوريا ويقوضان الجهود المبذولة نحو خفض التصعيد وتحقيق انتقال سياسي مستدام، وهما ما تطالب الجمهورية العربية السورية بوقفهما الفوري.

ويرحب القرار كذلك بجهودنا الوطنية والدولية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان على الرغم من التحديات والصعوبات المستمرة.

ووفقاً للوزارة، فإن سوريا تنظر إلى هذا القرار بإيجابية وتعتبره خطوة متوازنة تعكس الجهود الإيجابية التي قامت بها الحكومة السورية لأول مرة، رغم التركة الثقيلة للنظام البائد، كما يأخذ القرار بعين الاعتبار التعقيدات التي تواجه البلاد في ظل الوضع المتطور.

التعاون بين سوريا ومجلس حقوق الإنسان

وأوضحت وزارة الخارجية أن القرار جاء بعد عملية مشاورات مكثفة خلال دورة مجلس حقوق الإنسان الحالية في جنيف، وأنه في إطار النهج الجديد لسوريا على المستوى الدولي، انخرطت الوزارة بشكل بناء وفاعل، سواء خلال الاجتماعات المتعددة الأطراف بمشاركة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أو على المستوى الثنائي مع الدول الأساسية الراعية لمشروع القرار والمتمثلة في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وهولندا وقطر وتركيا.

وبينت الوزارة أن سوريا تثمن النهج البناء والتعاون الإيجابي الذي أبدته الدول الأعضاء والمجموعة الأساسية خلال عملية صياغة واعتماد القرار، وتُشيد بدور بريطانيا كدولة القلم.

وأعربت الوزارة عن تقديرها العميق لجهود الدول ومنظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا والناجين، الذين عملوا بلا كلل على مدى السنوات للحفاظ على حقوق السوريين والسوريات على أجندة المجتمع الدولي في مجلس حقوق الإنسان.

وقالت الوزارة: إن سوريا تؤكد التزامها الثابت بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعب السوري، وفقاً لالتزاماتها الدولية ذات الصلة، وهي على استعداد لمواصلة الحوار والتعاون الإيجابي والبناء بما يخدم مصالح الشعب السوري ويحفظ سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ويعزز أمنها واستقرارها وازدهارها.

—————————

لا تعبثوا بالفالق الزلزالي في سوريا!/ د. فيصل القاسم

4 – أبريل – 2025

يكثر الحديث هذه الأيام عن مشاريع التقسيم والتفتيت في المنطقة العربية وخاصة في سوريا، حيث تعمل بعض القوى وعلى رأسها إسرائيل بشكل علني على تقسيم المُقسّم وتجزئة المجزّأ كي يسهل عليها التهام المنطقة أو تطويعها، وفقاً للمخططات، والمشاريع الإسرائيلية، وغيرها. ويرى البعض أن خرائط سايكس-بيكو قد استنفدت أغراضها بعد مرور مئة عام عليها، ولا بد من خرائط جديدة تناسب المرحلة القادمة. وهذا لم يعد سراً، بل يتداوله الإعلام منذ عشرات السنين. ولعلنا نتذكر وثيقة «كيفونيم» الإسرائيلية الصادرة عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين، وهي تتحدث جهاراً نهاراً عن تقسيم العديد من البلدان العربية ومنها سوريا إلى دويلات ضعيفة لا تقوى على مواجهة إسرائيل في المستقبل. ومعظمنا سمع عن خرائط الدم الأمريكية التي تسير على نفس النهج الإسرائيلي. وقد نشر رالف بيترز العقيد في الجيش الأمريكي كتاباً بعنوان «حدود الدم» يتمحور حول مشروع التقسيم الذي وضعه برنارد لويس. وقد عادت النوايا الإسرائيلية إلى الأضواء مجدداً بعد سقوط النظام السوري وتحرير سوريا، فراح الجيش الإسرائيلي يدمر كل المواقع العسكرية السورية ويستولي على مساحات جديدة من الأرض السورية بينما يهدد نتنياهو القيادة الجديدة في دمشق بالويل والثبور وعظائم الأمور فيما لو أرسلت قواتها إلى الجنوب السوري، فهو يريد الجنوب منزوع السلاح، لا بل راح يزعم بالصوت العالي أنه يريد حماية الدروز في الجنوب ولن يسمح لأحد أن يهاجمهم. ولا شك أن الجميع يعلم أن إسرائيل لم تكن يوماً جمعية خيرية، بل لديها مشاريع قديمة تريد أن تنفذها اليوم، وهي تستخدم مزاعم واهية لتمرير تلك المخططات لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون. وقد وصف أحد المحللين من قلب القدس المشروع الإسرائيلي في الجنوب السوري بأنه أشبه بحضن الدب، وكلنا يعلم أن الدب إذا حضن أحداً فهو بالتأكيد سيكسر أضلاعه. وهذا ما ينتظر أي جهة في سوريا من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها تصدّق المزاعم والوعود الإسرائيلية. لكن السؤال اليوم على ضوء مخططات التقسيم والتفتيت المعلنة: هل التقسيم يخدم تل أبيب فعلاً وخاصة في بلد ذي حساسية كبرى كسوريا مثلاً؟ ألم يقل ثعلب السياسة الأمريكية الشهير هنري كسنجر ذات يوم إن سوريا بمثابة «المختبر» للمنطقة كلها، وإن النتائج التي تتمخض عن التجربة السورية قد تنسحب على الشرق الأوسط كله؟ وبما أن ما يحدث في سوريا قد ينعكس سلباً أو إيجاباً على المنطقة برمتها، فهل يا ترى من صالح أحد بمن فيهم إسرائيل أن تتقسم سوريا؟ أم إن كل من يفكر بتفتيت سوريا كمن يطلق النار على قدميه؟ لقد أدرك حتى رأس النظام السوري الهارب إلى موسكو تلك الحقيقة في بداية الثورة السورية عام ألفين وأحد عشر حين قال وقتها كلاماً في غاية الأهمية، ونحن هنا نعمل بالمثل القائل «خذ الحكمة من أفواه المهابيل».

قال بشار يومها في وصفه لجغرافية بلاده وديمغرافيتها: «إن سوريا تقع على فالق زلزالي محذراً من أن أي تغيير في سوريا، سيُغرق المنطقة في «أفغانستانات» عديدة…وأي تقسيم لبلاده، سيفضي حكماً إلى تقسيم المنطقة برمتها». صحيح إنه قال ذلك بهدف تخويف الداخل والخارج كي يحافظوا على نظامه، وصحيح أن كلامه قد يندرج في إطار سياسة الترهيب من «حرب المئة عام» بين المذاهب والطوائف والأقوام، وهي الفزّاعة ذاتها التي طالما أشهرتها أنظمة الفساد والاستبداد في وجه رياح التغيير وقوى الإصلاح في المنطقة، إلا أننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن ننكر أن كلام الرئيس المخلوع الهارب فيها الكثير من الصحة وأن أي تلاعب بالخارطة السورية قد يؤدي إلى تفكيك المنطقة كلها، بما فيها تركيا وإيران وبقية الدول العربية المهددة. ولا ننسى إذا تفكك السودان وهو هدف إسرائيلي قديم فستكون مصر الهدف القادم. بعبارة أخرى، فإن التقسيم في أي جزء من الشرق الأوسط ستكون لها تبعاته المرعبة على باقي الأجزاء، وفي الحالة السورية فإن المتضررين كثر بمن فيهم إسرائيل نفسها صاحبة المشروع. وإذا تقسمت سوريا فسيكون ذلك كما وصفه بشار نفسه بمثابة الصدع الزلزالي الذي سيصيب القريب والبعيد في المنطقة. ولا نعتقد أن بلداً أشبه بقارة مثل تركيا سيسمح بنجاح المخطط الإسرائيلي. ولو تركنا بقية دول المنطقة المهددة بالفالق السوري، سنجد أن سوريا موحدة أفضل للأمن الإسرائيلي بكثير من سوريا مفككة، ومتحاربة، ومتناحرة، ومتقاتلة. وقد عاشت إسرائيل أكثر من نصف قرن في ظل القبضة الحديدية للنظام الساقط، ولا شك أنها كانت منزعجة جداً لسقوطه لأنه كان يؤمّن لها حماية لم تحلم بها ذات يوم من خلال ضبطه الصارم للجغرافيا السورية ومنع الداخل والخارج من الوصول إلى حدود إسرائيل. واليوم لو نجح مخطط التقسيم لا سمح الله، فهل ستكون إسرائيل بمنأى عن عواقبه الأمنية الوخيمة؟ ألن تصبح سوريا الوجهة المفضلة لكل من يريد أن يصفي حساباته مع إسرائيل؟ الجميع سيأتي إلى سوريا ليقتص من تل أبيب، ولا شك أن الاستراتيجيين الإسرائيليين لا يغيب عن أذهانهم مثل هذا السيناريو الكارثي وهم يفكرون بتقسيم سوريا ونشر الفوضى في أرجائها، وبالتالي فإن الحفاظ على الجغرافيا السورية بشكلها الحالي أو بتطويرها إدارياً بشرط ألا تتقسم، سيكون الخيار الأمثل بشرط ألا تتأثر الجغرافيا السورية وبشرط أن يبقى زمام القيادة على الصعيدين العسكري، والأمني، والخارجي بيد واحدة. ولعل إسرائيل بدأت تعيد حساباتها فيما يخص سوريا، خاصة وأنها تراجعت فجأة عن السماح لعمال سوريين من الجنوب بالعمل داخل أراضيها، وإذا كانت تل أبيب لا تأمن الجانب الأمني للعمالة السورية داخل مستوطناتها، فهل ستشجع مشاريع التشظي والتقسيم والفوضى داخل سوريا وآثارها الكارثية على الأمن الإسرائيلي؟

أم إن السيناريو لا يناسب إسرائيل قبل غيرها، وليس من مصلحة أحد في الإقليم العبث بوحدة التراب السوري، وأن من سيلعب بالنار السورية سيحرق أصابعه؟ بكل الأحوال تبقى هذه الأسئلة مجرد فرضيات، فلا أحد يعرف بالضبط ما يدور في الغرف السوداء التي لها حساباتها الخاصة. ولا ننسى أن حسابات القرايا ليست كحسابات السرايا.

كاتب واعلامي سوري

القدس العربي

——————–

مثلّث القتل الإسرائيلي: غزة ـ سوريا ـ لبنان!

4 – أبريل – 2025

رأي القدس

وسّعت إسرائيل، أمس الجمعة، نطاق عملياتها البرية في شمال غزة، في تكثيف متغوّل لحملة الإبادة ضد الفلسطينيين والتي كان آخرها مجزرة للطواقم الطبية في بلدة تل السلطان، وقصفا لعيادة أونروا في جباليا، واستهدافا لمدرسة تؤوي نازحين، في استئناف للحرب افتتحته بضربة قتلت 436 مدنيا، بينهم 183 طفلا و94 امرأة.

كثّفت إسرائيل هجماتها على سوريا أيضا، فتوغّلت، أول أمس الخميس، في محافظة درعا واشتبكت مع شبان في المنطقة فقتلت تسعة منهم، وأغارت على مطار حماه العسكري مما أسفر عن تدمير كامل له، وكذلك على مطار حمص مما أدى لمقتل 4 من الجنود السوريين، وعلى مركز بحوث في دمشق، وعلى موقع عسكري في منطقة الكسوة القريبة من العاصمة، وأسفرت الهجمات عن عشرات الإصابات والجرحى.

شهد لبنان، أيضا، متابعة لمسلسل الغارات والاغتيالات والهجمات الإسرائيلية في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، وكان آخر عمليات جيش الاحتلال، أمس الجمعة، اغتيال حسن فرحات، أحد قادة حركة «حماس» في غارة جوية إسرائيلية على شقته في مدينة صيدا، جنوب البلاد، قتلته مع ابنه وابنته.

أظهر تحقيق صحافي حول الطريقة التي تمت فيها مذبحة الطواقم الطبية التالي: 15 جثة لعناصر من الدفاع المدني والمسعفين، بينها شخص كبّلت قدماه، وجثة أطلقت عليها 20 رصاصة. جرى إعدام هؤلاء بعد اعتقالهم وهم يحاولون تقديم المساعدة لمصابين بسبب القصف الإسرائيلي. علّق جدعون ليفي، الصحافي التقدّمي في صحيفة «هآرتس» على المقتلة الأخيرة بمقارنة اختلاف التداعيات عليها مقارنة بمذبحة كفر قانا، التي أنهت عملية «عناقيد الغضب» في لبنان، وكذلك بمذبحة ماي لاي الأمريكية التي بشّرت ببدء انعطاف الرأي العام الأمريكي ضد الحرب في فيتنام.

الفارق، أن مذابح إسرائيل لم تبشّر انعطاف الرأي العام أو وقف الحرب بل أعطت تشجيعا على ارتكاب مذابح أخرى. هذه، كما يقول، «مذبحة لا نهائية». هل تتم هذه المذابح بموافقة أمريكية؟ حسب تحليل آخر فإن استئناف الحرب وعمليات الإبادة الجارية هما «بأمر من واشنطن»، ودليل ذلك هي تصريحات وزير الحرب يسرائيل كاتس عن «زيادة الضغط على حماس كي تتنازل في المفاوضات»، واختفاء ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، المشرف على المفاوضات عن المشهد، وكذلك الأنباء عن توفير واشنطن الأسلحة المطلوبة لإسرائيل. إلى الدعم الأمريكي للإبادة الإجرامية الجارية ضد الفلسطينيين لا تنسى منظمة «بتسيلم» لحقوق الإنسان التذكير بـ«التواطؤ الأوروبي»، وهو ما نراه بأشكال متنوعة، من هجوم للسفارة الإسرائيلية في بريطانيا على صادق خان، عمدة لندن بسبب رسالة للمسلمين في العيد لمجرد ذكره «المعاناة المروعة والقتل المستمر في السودان وفلسطين»، وإشارته لعدد القتلى في غزة؛ إلى طرد السلطات الألمانية لطلاب تعاطفوا مع غزة، إلى انسحاب المجر من محكمة الجنايات الدولية احتفالا باستقبال نتنياهو.

يمثّل ما يحصل في غزة سابقة كبرى تؤسسها إسرائيل، لأنه يجمع بين ارتكاب أعمال الإبادة علنا، وغياب ردود فعل يمكن احتسابها للجرائم ضد الإنسانية والجرائم الحربية (رغم مواقف الأمم المتحدة ومحكمتي الجنايات والعدل الدوليتين) لدى الجمهور العام في إسرائيل أو في أمريكا أو في أوروبا، كما في انعدام أي رد فعل عربي وازن.

واضح أن ما يحصل في غزة أولا، يرتبط بموجة التطرّف العنصريّ الذي تمثّله حكومة نتنياهو التي أفلتت عن عقالها باطمئنانها إلى دعم من إدارة ترامب، التي أخذت على عاتقها جزءا من الحرب الإسرائيلية على الحوثيين في اليمن، وأخذت تهدد بحرب مع إيران.

تغيّرت الظروف السياسية في سوريا (بعد سقوط نظام بشار الأسد) وفي لبنان (بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون وتشكيل نواف سلام لحكومته) لكن ذلك لا يغيّر من طبيعة إسرائيل التي تستمر في إرهاب الدولة التي تزعزع المنطقة وتزرع الموت والخراب والدمار فيها.

القدس العربي

————————–

في جنوب سوريا هناك سيد جديد يأمر ويتنمّر ويسرق الأراضي: إسرائيل

إبراهيم درويش

تحديث 06 نيسان 2025

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرًا أعدّه سودرسان راغفان قال فيه إن جنوب سوريا لديه “سيّد” جديد يأمر وينهى، يسرق الأراضي، ويقيم القواعد العسكرية: إسرائيل.

وجاء في تقريره من قرية الحميدية، الواقعة في القنيطرة السورية: “هناك زعيم جديد في هذه القرية الواقعة على خط المواجهة، وهو ليس رئيس مجموعة المتمردين السابقين الذين أطاحوا بنصف قرن من حكم عائلة الأسد قبل أربعة أشهر، ونصّبوا أنفسهم حكّامًا لسوريا، ولا زعيم إحدى الميليشيات المسلحة جنوب العاصمة دمشق، على بُعد حوالي 45 ميلًا إلى الشمال الشرقي”.

ويجيب الكاتب: “إنها إسرائيل”، التي استولت- بهدف عزل نفسها عن الهجمات عبر الحدود- على المنطقة العازلة السابقة التابعة للأمم المتحدة في الأراضي السورية، والتي تشمل الحميدية إلى جانب المرتفعات الإستراتيجية القريبة.

وأشار التقرير إلى موقع عسكري إسرائيلي حديث البناء يراقب القرية، حيث تتوهّج أنواره حتى في النهار، وكذلك إلى دبابة ميركافا متمركزة خلف ساتر ترابي.

ويحرس جنود مراهقون نقاط التفتيش، وينتشرون كل يوم في دوريات، يتحققون من الهويات، ويقيّدون حركة القرويين ليلًا، أي يمارسون منع التجوّل عليهم.

وعلى الحافة الغربية للقرية، على بُعد حوالي ميل واحد خارج السياج الحدودي الإسرائيلي، تحفر الجرافات حاجزًا عاليًا من التربة المضغوطة. بعض هذا الحاجز يمر عبر ممتلكات عيد العلي، الذي كان يراقب بحذر ماعزه ترعى حول السور الترابي، وهي منطقة يحظرها الجنود الإسرائيليون.

ونقلت الصحيفة عن علي، البالغ من العمر 49 عامًا، قوله: “أشعر وكأنني أُسرق من أرضي”.

وبعد دقائق قليلة، توقّفت مجموعة من الجنود الإسرائيليين على الطريق بسيارة جيب، فاستدار علي وصاح على زوجته: “أحضري الماعز بسرعة”.

إنهم لا يحبوننا

وخرج بعض الجنود الشباب من المركبة العسكرية، فهم جنود احتياط يقضون خدمتهم العسكرية، وكانوا في غزة وجنوب لبنان. وقال أحدهم إنهم يمنعون القرويين من اجتياز الحاجز، وحتى رعي مواشيهم، لأسباب أمنية حسب قوله. وأضاف الجندي: “إنهم لا يحبوننا”، في إشارة إلى سكان القرى السورية، و”هذا مفهوم”.

وكشفت رحلة امتدت لأربعة أيام في جنوب سوريا عن مدى التوسع الذي وصلت إليه إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي، والتحدي الذي تخلقه ليس فقط لسكان القرى السورية، بل أيضًا للحكومة الجديدة التي تحاول توحيد البلاد المتشرذمة بعد سنوات من الحرب الأهلية.

فمع انهيار نظام بشار الأسد، في كانون الأول/ديسمبر، لم تُضِع إسرائيل وقتها، وانتهزت الفرصة لتفكيك عدو قديم، وعرقلة ما قد يكون عدوًا جديدًا، وهو فرع “القاعدة” السابق الذي استقر في دمشق.

وقد شنت القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية مئات الغارات التي دمرت ما تبقى من جيش الأسد، بينما استولت القوات البرية على مناطق خاضعة للسيطرة السورية في مرتفعات الجولان ضمن منطقة منزوعة السلاح خاضعة لمراقبة الأمم المتحدة، والموجودة منذ نصف قرن.

وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سوريا بنزع سلاح الجنوب، وحذر قوات النظام الجديد من مغبة دخوله. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إن قواته ستبقى في سوريا إلى أجل غير مسمى.

ومنذ 10 شباط/فبراير، شنت إسرائيل 89 عملية توغل بري، و29 غارة جوية، وقامت بقصف مدفعي في جنوبي سوريا، إلى جانب 35 غارة جوية في مناطق مختلفة من سوريا، حسب البيانات التي جمعها تشارلز ليستر، الخبير في الشأن السوري في معهد الشرق الأوسط، ومدير نشرة “سيريا ويكلي” (سوريا الأسبوعية).

وقام آلاف من سكان المدن السورية بالتظاهر احتجاجًا على نشاطات الجيش الإسرائيلي في مدينة درعا بالجنوب، حيث شنت إسرائيل مداهمات وواجهت السكان المسلحين.

وبعد يوم واحد من سقوط الأسد، دخلت الدبابات الإسرائيلية، وأمر الجنود الذين يتحدثون العربية السكان بمغادرة بيوتهم لعدة أيام وتسليم أسلحتهم، حيث قاموا بتفتيش البيوت والمباني. وعندما عاد السكان وجدوا بيوتهم مدمرة ومنهوبة، وقد كُتبت على بعضها كلمات بالعبرية.

وتم إغلاق الطريق الرئيسي إلى الحميدية، وأُجبر السكان على البحث عن طرق التفافية للوصول إلى بيوتهم. وتمركز الجنود على الجسر الضيق الذي يقود إلى القرية، وصوّروا هويات السكان. ولا يُسمح لهم بمغادرة أو دخول القرية ليلًا، وإن كان بإمكانهم التحرك داخلها. وخلال شهر رمضان، لم تتمكن العائلات من زيارة أقاربها في القرى الأخرى.

وتدخل كبار القرية، بالتنسيق مع القوات العسكرية، للسماح للسكان بالذهاب إلى قسم الطوارئ في أقرب مستشفى، حسب قول تركي المصطفى.

كما حدد الجنود الإسرائيليون عدد المشاركين في الجنازات وأيام العزاء، التي عادةً ما تمتد لثلاثة أيام ويشارك فيها المئات من سكان القرى المجاورة.

وفي محاولة لتحسين صورته، وفّر الجيش رزم طعام لمساعدة السكان، وقد قبل البعض المساعدة، لكن الكثيرين رفضوها. وقالت امرأة من رسم الوادي، كانت واقفة أمام بيتها المدمر: “لقد دمّروا بيتنا، فلماذا أقبل الطعام منهم؟”.

تحوّل إستراتيجي

وقال مسؤول عسكري إسرائيلي إن الجنود ينفذون عمليات ليلية ونهارية لضمان الأمن. وأضاف أن أنشطة مثل الدفن داخل المنطقة العازلة، أو أي مكان آخر تعمل فيه القوات الإسرائيلية تتطلب تنسيقًا.

وأشار إلى أنه لا يوجد حظر تجول رسمي في الحميدية، لكن الحركة مراقبة ومسيطر عليها.

وفي محاولة لإلقاء اللوم على سنوات الحرب الأهلية، قال المسؤول إن معظم الدمار في المحافظة يعود لتلك الحرب، وليس لعمليات الجيش الإسرائيلي.

وفي الحميدية، يخشى الكثير من السكان الذين شُرّدوا بعد حرب عام 1967 من الجولان المحتل أن يُعاد التاريخ نفسه عبر الاحتلال الإسرائيلي الحالي.

وفي قرية حضر، أقام الجيش قاعدة عسكرية تُطلّ على القرية الدرزية، حيث يحاول إقامة علاقات ودّية مع السكان. وكذلك في رسم الوادي، أقام الجيش قاعدة عسكرية.

وقال المسؤول العسكري: “لا نريد التسبب في ضرر للسكان”.

وتقول الصحيفة إن الوجود الإسرائيلي ينكأ جراحًا قديمة، فقد كان العديد من كبار السن من بين عشرات الآلاف من السوريين الذين أُجبروا على ترك منازلهم في مرتفعات الجولان، عندما احتلت إسرائيل المنطقة عام 1967.

وبعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974، الذي أنهى حربًا أخرى، عاد ثلث الجولان إلى السيطرة السورية. وهي المنطقة التي تحتلها الآن إسرائيل.

وفي كانون الثاني/يناير، أطلق جنود إسرائيليون النار وأصابوا متظاهرين في مسيرة مناهضة لإسرائيل في قرية سويسة، جنوب شرق الحميدية. كما اعتقلت القوات الإسرائيلية بعض الشباب السوريين، بمن فيهم رعاة، في محافظتي القنيطرة ودرعا، ولا يزال بعضهم رهن الاحتجاز الإسرائيلي، حسب ضرار البشير، محافظ القنيطرة السابق.

وقال بشير: “إذا استمرت إسرائيل في احتلالها، واستمرت في التنمّر على الناس ومضايقتهم، فستصبح هذه المنطقة منطقة صراع. سيأتي جميع متطرفي العالم إلى هنا لشن الجهاد”.

وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي إن إسرائيل اعتقلت فقط الأشخاص المشتبه بقيامهم بنشاطات إرهابية.

وتقول الصحيفة إن احتلال إسرائيل لمناطق في جنوب سوريا يعكس تحولًا إستراتيجيًا بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 التي أشعلت شرارة حرب استمرت عامًا ونصف.

فلم تعد إسرائيل مستعدة فقط للدفاع عن حدودها، بل قامت بإنشاء مناطق عازلة حول غزة، وفي لبنان، والآن في سوريا، كعازل ضد مزيد من الهجمات.

—————————-

سوريا بين عدوانية إسرائيل وطموحات تركيا/ بسام مقداد

السبت 2025/04/05

في ظل الهدوء الذي ساد الجبهة السورية الإسرائيلية طيلة عهد آل الأسد، لم يكن من المستغرب أن تناصب إسرائيل العداء السلطة الجديدة في دمشق. وفي حين يحاول الغرب تجاوز ماضي القيادة السورية لتطبيع العلاقات معها، تصر إسرائيل على استحضار هذا الماضي، ويبقى أحمد الشرع في إعلامها أبو محمد الجولاني. واعتبرت تل أبيب منذ البداية أن السلطة السورية الجديدة هي صنيعة تركيا كلياً، وأخذ إعلامها يتحدث عن بلوغ تركيا الحدود الإسرائيلية، وحتمية المجابهة المباشرة بين الدولتين. وفي إطار هذه المقاربة تبرر إسرائيل فرض سيطرتها على المنطقة المحايدة بين البلدين وصولاً إلى قمم جبل الشيخ واعتداءتها اليومية على قرى وبلدات الجنوب السوري، وكذلك الغارات الجوية على المواقع العسكرية السورية، بما فيها الغارات الأخيرة.

لكن عضو حلف الأطلسي، تركيا، ليست إيران، ومن الصعب على تل أبيب أن تبرر عدوانيتها حيال سلطة دمشق بالطموحات الإمبراطورية التركية، حتى إن تأكدت.

موقع وكالة الأنباء الإسرائيلية الناطقة بالروسية أيضاً Cursorinfo نشر في 3 الجاري نصاً تساءل فيه ما إن كان بوسع إسرائيل مجابهة تركيا.

استهل الموقع  نصه بالقول إن إسرائيل، وعلى خلفية سلسلة الغارات على الأراضي السورية، تصطدم بتحد إستراتيجي جديد: احتمال المجابهة مع تركيا. ونقل عن جيروزاليم بوست قولها إن الغارت لم تكن موجهة فقط ضد ما تبقى من بنية تحتية عسكرية سورية، بل انطوت أيضاً على إشارة مضمرة إلى تركيا. وحسب المصادر، فإن إسرائيل قد تكون تسعى إلى تحذير تركيا من محاولة الحصول على موطئ قدم في المجال الجوي السوري، وخصوصاً في قاعدة Т-4 ، وهي المنشأة الاستراتيجية المهمة التي استخدمتها في السابق القوات الإيرانية والجماعات المتحالفة معها.

يتساءل الموقع ما إن كانت إسرائيل قادرة على فتح جبهة أخرى في سوريا، وهي المنخرطة في حرب مع حماس في غزة، وتوجيه ضربات إلى حزب الله في لبنان، وخوض مواجهة مع إيران. وعلى مدى السنوات الأخيرة، كان التهديد الرئيسي لإسرائيل في سوريا هو إيران، التي استخدمت أراضي البلاد لإنشاء ممر إمداد لأسلحة حزب الله. لكن بعد انهيار نظام الأسد وانسحاب الوحدات الإيرانية، تغير الوضع، وأصبحت تركيا في المقدمة الآن.

ويقول الموقع إن المحللين يرون أن تركيا  قد تسعى إلى تحديث القواعد العسكرية السورية وتوسيع نفوذها في المنطقة. وهذا يثير القلق في تل أبيب. إذ أن تعزيز تركيا لوجودها بالقرب من الحدود الإسرائيلية من شأنه أن يؤدي إلى خلق منطقة جديدة من عدم الاستقرار. وتواجه إسرائيل خطر التورط  في مواجهة طويلة الأمد من شأنها أن تتسبب ليس فقط في توترات دبلوماسية مع أنقرة، بل قد تؤدي أيضاً إلى اشتباكات مباشرة مع القوات السورية. ويرى الموقع أنه في الظروف الحالية، ومع تموضع جزء كبير من الجيش الإسرائيلي في غزة، وتولي الباقي أمن الحدود في الشمال وضرب حزب الله، فإن فتح جبهة أخرى يشكل خطوة عالية المخاطر.

يشير الموقع إلى أنه بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر غيرت إسرائيل تكتيكها من استراتيجية “إدارة الصراع”  و”الردع” إلى العمليات الاستباقية.  وتكشف الضربات الجوية في سوريا في الأسابيع الأخيرة رغبة في تعطيل التهديدات المحتملة قبل أن يكتمل تشكيلها. لكن السؤال هو، إلى أي مدى سيكون هذا النهج مستداماً في ظل الوضع الذي تخوض فيه البلاد بالفعل حرباً على عدة جبهات؟

موقع الخدمة الروسية في وكالة agenzianova الإيطالية نشر في 3 الجاري نصاً رأى فيه أن سوريا تخاطر بأنها قد تصبح ميدان المعركة بين تركيا وإسرائيل. ويشير الموقع إلى أن تركيا، وبعد سقوط نظام الأسد، اتخذت موقفاً مميزاً في دعم السلطة الجديدة. أما إسرائيل فقد استغلت الفراغ المؤقت في السلطة الذي نشأ بعد انهيار النظام السابق، ونشرت قواتها خلف حدود المنطقة العازلة في الجولان، وأخذت توجه الضربات للمواقع العسكرية السورية التي تعتبرها تهديداً لأمنها. ورأى أن كلاً من تركيا وإسرائيل تعتبران من أكبر الدول العسكرية في العالم.

نقل الموقع عن الجيروزاليم بوست إشارتها إلى تصريح مسؤول إسرائيلي بأن الهجمات الأخيرة كانت تهدف إلى “إرسال إشارة إلى تركيا” بعدم إنشاء قواعد عسكرية في سوريا أو التدخل في العمليات العسكرية للدولة اليهودية. وبحسب الشائعات التي نشرتها وسائل إعلام تركية ودولية، فإن الطرفين ناقشا خلال اللقاء بين أردوغان والشرع في أنقرة في شباط/ فبراير الماضي عقد اتفاقية دفاعية تتعلق بإمكانية إنشاء قواعد تركية في الصحراء السورية الوسطى، وتدريب جيش سوري جديد من قبل أنقرة.

وكما جميع مواقع الإعلام، نقل الموقع الإيطالي عن وزير الدفاع الإسرائيلي تصريحه بأن الغارات الإسرائيلية على الأهداف العسكرية في سوريا هي بمثابة تحذير للشرع: “إذا سمحتم لقوات معادية لإسرائيل بدخول سوريا، فستدفعون ثمناً باهظاً جداً”. وأضاف بالقول “لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل”.

صحيفة NG الروسية الاتحادية نشرت في 2 الجاري نصاً بعنوان “تركيا تُعد فخًا لسلاح الجو الإسرائيلي في سوريا”، وألحقته بآخر ثانوي “أنقرة تدرس نقل منظومة S-400 إلى قاعدة قرب حمص”.

قال كاتب النص Igor Subbotin بأن المسؤولين الأتراك يتحدثون عن نقل أنظمة الصواريخ المضادة للطيران S-400 كجزء من اتفاقية بين أنقرة ودمشق. ويفترضون أن مثل هذا السيناريو قد يلبي شروط الولايات المتحدة التي تطالب بصيغة الإنذار حليفتها في حلف الناتو بالتخلي عن أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع. وإضافة إلى ذلك، من شأن هذه الخطوة من جانب تركيا أن تحد من إمكانيات الطيران الحربي الإسرائيلي في سوريا.

ينقل الكاتب عن الصحيفة التركية Daily Sabah المقربة من الحكومة قولها إن نقل الصواريخ المذكورة قد يشكل بنداً في اتفاقية الدفاع المشترك التي يجري إعدادها في الأشهر الأخيرة من قبل أنقرة ودمشق. وتضيف الصحيفة بالقول إن استمرار إسرائيل بقصف الأراضي السورية يعزز احتمال عقد مثل هذه الاتفاقية. كما ترى الصحيفة أن نشر الصواريخ هذه خارج تركيا من شأنه الحفاظ على استقرار العلاقات مع روسيا في “هذه الفترة الحرجة”. كما أنها تستجيب لمطالب إدراة الرئيس الأميركي التي حاولت في فترة المساومة مع أنقرة حول مصير هذه الصواريخ.

وبشأن رد فعل إسرائيل على احتمال نشر صواريخ S-400 التركية في سوريا، قال الكاتب إن سلطات الحكومة اليهودية تدق في هذه الأيام ناقوس الخطر بشأن مصلحة أنقرة في نقل وسائل الدفاع الجوي إلى سوريا. وينقل عن مصدر رفيع المستوى في جهاز الأمن الإسرائيلي تصريحه للإعلام العبري بأن “أي قاعدة جوية تركية في سوريا قد تقوض حرية إسرائيل العملياتية”. وأضاف المصدر الأمني الإسرائيلي بالقول أن الخطوة التركية هي “تهديد محتمل ونحن مصممون على التصدي له”.

ويشير الكاتب إلى أن أجهزة الأمن في إسرائيل تناقش احتمال اندلاع صراع مباشر بين إسرائيل وتركيا في وقت ما بشأن سوريا. وفي تركيا، يرتفع مستوى عدم الاستقرار السياسي في أعقاب اعتقال المعارض التركي أكرم إمام أوغلو، وترغب أنقرة في تحويل انتباه الجمهور المحلي إلى الأزمات الخارجية.

المدن

———————-

إسرائيل تسعى لتقسيم سوريا إلى “مناطق تأثير“!

الأحد 2025/04/06

تهدف إسرائيل من خلال غاراتها على سوريا، إلى “تقسيم” البلاد إلى “مناطق تأثير” مع كل من تركيا والولايات المتحدة وروسيا، بينما تبرر احتلالها لمناطق سورية جديدة، عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، “بمنع تواجد مسلحين جهاديين سُنة” على علاقة مع أنقرة، عند مستوطنات الجولان المحتل، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.

“مناطق تأثير”

وقالت “يديعوت أحرونوت” إن إسرائيل تهدف من خلال الغارات التي شنتها على سوريا بما في ذلك تدمير المطارات العسكرية، إلى “تقسيم سوريا إلى مناطق تأثير”، بحيث تكون الولايات المتحدة صاحبة التأثير في الشرق، وروسيا في مناطق الساحل، وتركيا في الشمال، وإسرائيل في الجنوب، والإدارة السورية الجديدة في باقي المناطق.

والأسبوع الماضي، هدّد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الرئيس السوري أحمد الشرع بشكل مباشر قائلاً: “إذا سمحت لقوى معادية لإسرائيل بالدخول إلى سوريا وتشكيل خطر على مصالح أمنية إسرائيلية، فإنك ستدفع ثمناً باهظاً للغاية”. وأضاف أن الغارات الجوية الأخيرة على دمشق ومطاري حماة و”تي-4″ في حمص، “هي رسالة واضحة وتحذير للمستقبل. لن نسمح باستهداف أمن دولة إسرائيل”.

وقالت الصحيفة إن كاتس لم يذكر تركيا في تهديده لأن “إسرائيل ما زالت تأمل بالامتناع عن مواجهة مباشرة والتوصل مع تركيا، بوساطة أميركية وربما روسية أيضاً، إلى تقاسم مناطق تأثير وتسويات أمنية في الأراضي السورية”.

لكنها رأت أن قصف أربعة مطارات عسكرية كبيرة في سوريا، في الليلة نفسها، “كانت رسالة إلى السلطان في تركيا” في إشارة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان.

“الجهاديون السُنة”

ووفقاً للصحيفة، فإن المخاوف تتزايد داخل مؤسستي الجيش والاستخبارات في إسرائيل، من إمكانية أن تستغل تركيا الفراغ في الحكم في سوريا “بحيث تشكل تهديداً على إسرائيل، بسبب علاقة تركيا مع تنظيمات المتمردين الجهاديين”.

وزعمت أن احتلال الجيش الإسرائيلي لأراضٍ سورية جديدة، كان بهدف “منع وضع محتمل يتواجد فيه مسلحون جهاديون سُنة في مسافة تبعد مئات معدودة من الأمتار عن بلدات (مستوطنات) هضبة الجولان”.

وتبرّر إسرائيل احتلالها للأراضي السورية والغارات على جميع أنحاء البلاد وتدمير أسلحة الجيش السوري والمطارات العسكرية، بادعاء أن تركيا تعتزم “التموضع في سوريا عسكرياً واقتصادياً، بواسطة تأثيرها على المتمردين السُنة”، بحسب الصحيفة.

وادعت “يديعوت أحرونوت”، أن اردوغان يحاول حالياً توسيع وترسيخ التأثير والتموضع العسكري والاقتصادي لبلاده في جميع أنحاء سوريا كجزء من الاستراتيجية “النيو عثمانية”، كي تكون تركيا “دولة عظمى إقليمية مركزية في الشرق الأوسط ومؤثرة في الحلبة الدولية”.

وقالت إن لدى إسرائيل قلقاً بعيد بشأن تركيا، يتمثّل بـ”نشوء محور إسلامي- سُني يحمل فكر الإخوان المسلمين، تقوده تركيا ويمر في سوريا، وفي أوساط الإخوان المسلمين في الأردن، وبين مؤيدي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية وانتهاء في غزة، وأن يحل مكان المحور الشيعي بقيادة إيران”.

لكن الصحيفة أضافت أنه بخلاف إيران، فإن تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وحليفة قريبة للولايات المتحدة وتقيم علاقات وثيقة مع روسيا.

إضافة لذلك، فإن “أن أجهزة الأمن والاقتصاد الإسرائيلية والتركية تقيم علاقات دائمة، ورغم أن تركيا تمنح اليوم رعاية علنية تقريباً من أراضيها لنشاط حماس في الضفة الغربية، فإن لدى إسرائيل القدرة على التحدث مع الأتراك، ونقل رسائل إليهم بشكل مباشر والتأثير عليهم أيضاً”.

وكشفت “يديعوت أحرنوت” عن أن “مخاوف إسرائيل من محاولات تركيا للسيطرة على سوريا، إلى جانب مواضيع مشتعلة أخرى مثل المخطوفين وإيران، ستكون موضوعاً مركزياً في اللقاء المتوقع الأسبوع الحالي” في البيت الأبيض، بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

منطقة عازلة

في غضون ذلك، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية إن الجيش الإسرائيلي توغل خارج المنطقة العازلة، واحتل أراضٍ سورية جديدة. ونقلت عن أحد سكان قرية الحميدية في ريف القنيطرة قوله إن إسرائيل “أنشأت منطقة عازلة على أراضينا ومنعتنا من دخولها”.

وأقامت الجرافات حاجزاً ترابياً خارج الحميدية باتجاه الداخل السوري. وهناك، ترجل بعض الجنود الإسرائيليين وقال أحدهم للصحيفة إنهم يمنعون القرويين من عبور المنطقة، حتى لرعي ماشيتهم، لأسباب أمنية.

ونقلت عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن “الجيش ينفذ عمليات لضمان الأمن في المنطقة العازلة في سوريا”. وزعم أن قوات الاحتلال “لم تحظر التجوال في قرية الحميدية لكنها تتحكم في الحركة فيها”. وادعى أن عمليات الاعتقال لأشخاص من المنطقة، تتعلق بـ”مشتبه في قيامهم بأنشطة إرهابية”.

المدن

—————————

ريف دمشق: تهديد بـ”7 أكتوبر” انطلاقاً من الجولان..نصرةً لغزة

السبت 2025/04/05

توعّد مسلحون سوريون في ريف دمشق الجنوبي الغربي، بعملية عسكرية ضد إسرائيل، شبيهة بعملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، في حال لم تتوقف المجازر الإسرائيلية ضد قطاع غزة في فلسطين.

“7 أكتوبر” جديد

وقال المسلحون في مقطع مصوّر، إنهم من أبناء بلدة كناكر التي لا تبعد سوى 40 كيلومتراً عن الحدود من الجولان، مشيرين إلى أن بيانهم هو نصرة لأهل غزة، ولدب الرعب في قلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “ومن والاه”.

وتوعّد المسلحون بـ”7 أكتوبر” جديد انطلاقاً من حدود الجولان المحتل، في حال لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن مجازره بحق المدنيين في قطاع غزة. وقالوا إن الشعب السوري قدّم أكثر من “مليون شهيد” على مدى 14 عاماً، “ولن يبخل في تقديم المزيد” في سبيل فلسطين “وسبيل الله وأرض أجدادنا”.

    نصرتاً لغزة و و رعباً لابن اليهودية”

    فيديو بيان أبناء بلدة كناكر الثوار الأحرار يتوعدون الكيان الصهيوني بـ7 اكتوبر جديد.#أخبار_الأمة_الإسلامية #غزة #غزة_تُباد #درعا #سوريا_الان #إسرائيل #احرار pic.twitter.com/iHHmqokbyp

    — sory (@mary69mk) April 5, 2025

وتقع بلدة كناكر على خط نظري يبعد أقل من 40 كيلومتراً عن الحدود مع الجولان السوري المحتل، إذ تتصل مع بلدة سعسع التي كانت قبل الثورة السورية، ممنوع على السوريين، من غير سكانها، الدخول إليها وما بعدها من قرى جبل الشيخ، إلا بموجب تصريح صادر عن “فرع سعسع”، بسبب قربهم من حدود الجولان، بناءً اتفاقية فض الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974.

غضب شعبي

ويأتي البيان بالتزامن مع زيادة الغضب والاحتقان الشعبيين من التوغلات الإسرائيلية المستمرة داخل جنوب وغرب البلاد، لا سيما في ريف درعا الغربي، بعد استشهاد عدد من الشبان برصاص وقصف قوات الاحتلال، أثناء محاولتهم التصدي للتوغلات.

واستشهد 9 أشخاص، وأصيب 23 آخرين، ليل الأربعاء/الخميس، إثر محاولة مجموعة من الشبّان التصدي لتوغل القوات الإسرائيلية نحو حرش سد الجبيلية الواقع بين مدينة نوى وبلدة تسيل في ريف درعا الغربي.

وهي المرة الأولى التي تتوغل فيها قوات الاحتلال إلى ذلك العمق داخل الأراضي السورية، منذ احتلالها مرتفعات جبل الشيخ وقرى المنطقة العازلة مع الجولان المحتل، عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وليست هي المرة الأولى التي تتعرض قوات الاحتلال إلى “مقاومة شعبية” خلال محاولتها التوغل داخل الأراضي السورية في ريف درعا، إذ سبق أن تعرضت لمقاومة مماثلة في بلدة كويا غربي درعا، ردت على إثرها بقصف عنيف على القرية، ما أدى لاستشهاد 6 أشخاص، بينهم مدنيون.

المدن

——————————-

إسرائيل وتركيا في سوريا.. بين معادلتي التنافس و”الأمر الواقع

ضياء عودة – إسطنبول

04 أبريل 2025

لم يعد خفيا أن التصعيد الإسرائيلي الحاصل في سوريا يرتبط بالجزء الأكبر منه بتركيا، وهذا ما تشير إليه تصريحات المسؤولين في إسرائيل على مستوى الخارجية والدفاع، ولم يعد خفيا أيضا أن كل من إسرائيل وتركيا تحاولان إرساء معادلات عسكرية جديدة في البلاد كأمر واقع، فلمن ستكون الكلمة العليا؟ وما السيناريوهات التي يطرحها الخبراء والمراقبون؟

تقول إسرائيل إن الضربات التي نفذتها، خلال اليومين الماضيين، في سوريا واستهدفت بها مواقع عسكرية ومطارات تهدف إلى إيصال “رسالة واضحة وتحذير للمستقبل”: لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل، في إشارة لتركيا، التي تواردت أنباء عن نيتها إنشاء قواعد عسكرية في وسط سوريا.

وقالت أيضا على لسان وزير خارجيتها، جدعون ساعر، الخميس، إن “نية أنقرة هي أن تكون سوريا محمية تركية”، مضيفا: “تركيا تلعب أيضا دورا سلبيا في سوريا ولبنان ومناطق أخرى”. وهذه اللهجة هي الأولى من نوعها على صعيد توجيه التحذيرات بشكل مباشر، وباتجاه اللاعب الإقليمي الأبرز في سوريا، وهو تركيا.

ولا يبدو أن أنقرة وبناء على المواقف التي عبّرت عنها، في الساعات الماضية، تنوي أو تفضل المسار العسكري كخيار لإرساء المعادلة الخاصة بها في سوريا، وعلى العكس أعطى نص البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية التركية، ليلة الجمعة، مؤشرا على التمسك بالنبرة السياسية والدبلوماسية.

والجمعة صرح وزير الخارجية التركي حقان فيدان لرويترز بأن تركيا لا تريد أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا، لكنه أوضح أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية تقوض قدرة الحكومة السورية الجديدة على ردع التهديدات.

وجاء في بيان الخارجية التركية الخميس أن الضربات الإسرائيلية في سوريا يتم تنفيذها دون أي “استفزاز”، وأضاف أن “ليس لها تفسير آخر سوى نهج السياسة الخارجية الإسرائيلية، الذي يتغذى على الصراع”.

الخارجية التركية لم تتطرق إلى الأنباء التي تواردت عن نية أنقرة إنشاء قواعد في سوريا، وخاصة في المطارات العسكرية، واعتبرت في المقابل أن “إسرائيل أصبحت تشكل التهديد الأكبر لأمن المنطقة بهجماتها على السلام الإقليمي والوحدة الوطنية لدول المنطقة، ما يتسبب في الفوضى ويعزز الإرهاب”.

ويقول كبير الخبراء الأميركيين في “المجلس الأطلسي”، ريتش أوتزن إنه لدى إسرائيل ثلاثة أسباب محتملة للقيام بأعمال عسكرية في سوريا، الأول هو تدمير المعدات المتطورة التي ورثتها الحكومة الانتقالية من نظام الأسد، والثاني هو الضغط على الحكومة- وخاصة أحمد الشرع – “لكبح جماح المتشددين الداعمين لها وحماية الأقليات”.

ويذهب السبب الثالث باتجاه “إرسال رسالة إلى أنقرة مفادها أن إسرائيل لا تنوي تقييد حرية تحركها في سوريا أو فوقها، وأن أي إجراءات لتقييدها قد تؤدي إلى مواجهة”، وفق حديث أوتزن لموقع “الحرة”.

“التنافس الإقليمي هو نتاج تباين المصالح وانخفاض مستويات الثقة.. ولن يهدأ بسهولة”، يضيف الخبير في “المجلس الأطلسي”، لكنه يشرح في المقابل أن “هذا التنافس يمكن إدارته من خلال مزيج”.

أولى خيارات إدارة التنافس تقوم على “دبلوماسية هادئة ورصينة من كلا البلدين”، ويتعلق ثاني الخيارات بدور الولايات المتحدة في إيجاد “تسوية مؤقتة”.

كما أن “موازنة التنافس بين تركيا وإسرائيل بالتعاون في التجارة والشؤون الإقليمية قد يكون خيارا أيضا، كما فعلت تركيا مع دول الخليج ومصر، بحسب الخبير الأميركي.

“هدفان لنتانياهو”

تركيا هي واحدة من الدول القليلة ذات الأغلبية المسلمة التي تعترف بإسرائيل.

لكن في المقابل تركيا فرضت في أبريل 2024، قيودا على صادرات إلى إسرائيل، شملت 54 منتجا من الحديد والصلب إلى وقود الطائرات.

وقبل حرب غزة كانت العلاقة بين تركيا وإسرائيل تسير على مسار إيجابي.

وبعد اندلاع الحرب توترت العلاقة إلى مستوى وصل إلى حد إيقاف التجارة من جانب تركيا، والانخراط في مسارات مناهضة لإسرائيل في الأروقة الدبلوماسية.

وتشير الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس إلى أن حملة الغارات الإسرائيلية التي حصلت، خلال اليومين الماضيين، والتي دمّرت مطاري التيفور وحماة العسكريين بالكامل جاءت بعد تحركات عسكرية تركية ووصول مستشارين عسكريين إلى المطارين، “على ما يبدو لتجهيزهما ليصبحا قواعد جوية تركية”.

وتوضح كولوريوتيس لموقع “الحرة” أنه ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإن تلك التحركات “تشكل تهديدا ليس فقط للوضع الأمني في شمال إسرائيل، بل أيضا للخطط السياسية للحكومة الإسرائيلية المتعلقة بالملف السوري”.

ولدى حكومة بنيامين نتانياهو حاليا هدفان تسعى لتحقيقهما في الوقت الحالي بسوريا: الأول منع أي وجود عسكري متوسط وثقيل في جنوب البلاد، والثاني ضمان حرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية. و”هنا يُصبح إنشاء قواعد جوية تركية في سوريا محفوفا بالمخاطر”، تضيف الباحثة.

وتتابع: “وإذا أُنشئت هذه القواعد (التركية)، فسيعني ذلك أن على إسرائيل إنشاء خط اتصال مباشر مع الجيش التركي لمنع أي حوادث جوية بين الجانبين، وهو ما لا تريده إسرائيل، على الأقل في الوقت الحالي”.

“تركيا جزء”

ولا تعتبر تركيا وتحركاتها في سوريا هي السبب الوحيد الذي تضعه إسرائيل مقابل تصعيد غاراتها الجوية في البلاد. فما إن أعلنت فصائل المعارضة السورية إسقاط نظام الأسد في دمشق، في الثامن من ديسمبر 2024، حتى أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ “أكبر سلسلة غارات في تاريخه” بسوريا.

وبعد تلك الغارات بدأ الجيش الإسرائيلي سلسلة عمليات توغل داخل الأراضي السورية، في محافظتي القنيطرة ودرعا، وأعلن مؤخرا إنشاء قواعد هناك وعلى قمة جبل “الشيخ” للتأسيس لوجود طويل المدى.

“ضمان حماية الدروز” في سوريا كانت هدفا كشفت عنه إسرائيل أيضا. وفي حين أضيف إليها من قبل الهدف المتعلق بنزع السلاح من مناطق جنوب سوريا، كشف مسؤولون إسرائيليون، مؤخرا، عن نوايا تتعلق بضرورة “إنشاء الفيدراليات في سوريا”.

وعلاوة على ذلك كان الجيش الإسرائيلي قد اصطدم بسكان محليين في ريف درعا في أثناء محاولاته التوغل في عدة قرى هناك، مما أسفر عن مقتل مدنيين، آخرهم في مدينة نوى، وبالتزامن مع حملة الغارات الأخيرة التي ربطها المسؤولون في تل أبيب بتحركات تركيا.

وتوضح الباحثة كولوريوتيس أن “تضخيم الإعلام الإسرائيلي للوجود التركي في سوريا بدأ قبل أيام قليلة، بقرار سياسي من حكومة نتانياهو”.

عمليا، تتواجد تركيا في الأراضي السورية منذ عام 2016 خلال عملية “درع الفرات”، وازداد تواجدها استقرارا بعد اتفاق سوتشي في مارس 2020.

ولم تُبدِ الحكومة الإسرائيلية في السابق (أي قبل سقوط نظام الأسد) أي اعتراض على هذا الوجود التركي. وبالتالي فإن التصعيد الحالي “له أبعاد سياسية أكثر من عسكرية”، بحسب وجهة نظر الباحثة، التي تردف بالقول: “الواقع يقول إن إسرائيل تعمل على إرساء معادلة عسكرية جديدة في سوريا كأمر واقع”.

وتشرح كولوريوتيس أن “الهدف من إرساء تلك المعادلة هو الحصول على تنازلات سياسية من الإدارة السورية الجديدة في سياق أي مفاوضات بين الجانبين، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء”.

وقد يكون المطلب الإسرائيلي الأهم هو “التنازل السوري الكامل عن مرتفعات الجولان”، و”الثاني هو فتح الطريق للتطبيع”، وفق حديث الباحثة.

“التفاهمات ما تزال نظرية”

ولم توجه الإدارة السورية الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام الأسد أي تهديدات باتجاه إسرائيل.

على العكس أكدت على لسان قائدها أحمد الشرع لأكثر من مرة أن سوريا لن تشكل أي عامل تهديد لدول المنطقة.

في المقابل، وبينما انتشرت عدة تقارير صحفية عن نية تركيا إنشاء قواعد عسكرية في وسط سوريا إلا أن المستوى الرسمي لم يؤكدها حتى الآن، مما يشير إلى أن ما يجري ما يزال يدور في إطار تبادل الرسائل وردود الفعل بين تركيا وإسرائيل، قبل إرساء المعادلات الجديدة كأمر واقع.

ويقول الباحث في الشأن التركي، علي أسمر إنه توجد تفاهمات تركية-سورية نظرية حول اتفاقية دفاع مشترك تشمل العديد من الجوانب، منها تدريب الجيش السوري الجديد، وتسليحه، وإنشاء مراكز عسكرية تركية في سوريا.

هذه التفاهمات النظرية سبق وأشار إليها مسؤولون في وزارة الدفاع التركية لأكثر من مرة بعد سقوط نظام الأسد، لكنها بقيت في إطار ضبابي على صعيد عملية التطبيق والوقت اللازم للشروع بذلك.

ويبدو أن إسرائيل شعرت بأن هذه التفاهمات النظرية باتت قريبة التطبيق على أرض الواقع، ولذلك تسعى لعرقلة هذا التعاون العسكري التركي-السوري، كما يضيف أسمر لموقع “الحرة”.

“المعادلة واضحة: تركيا ستملأ الفراغ الأميركي في سوريا بعد الانسحاب، سواء أرادت إسرائيل ذلك أم لا، لأنه لا توجد قوة أخرى غير تركيا قادرة على ملء هذا الفراغ”، وفق رؤية الباحث.

ويتابع حديثه: “فإيران تم طردها من سوريا، وروسيا منشغلة بالحرب مع أوكرانيا، وإدارة دونالد ترامب تريد الانسحاب، أما إسرائيل فلا تستطيع أن تملأ هذا الفراغ، لأن الشعب السوري ينظر إلى إسرائيل كعدو، لا كحليف كما هو الحال مع تركيا”.

“الوسيط الأميركي هو الحل”

وتعتبر تركيا في الوقت الحالي أبرز حلفاء الإدارة السورية الجديدة، التي يرأسها أحمد الشرع.

وكانت أنقرة قد أسست لهذه الحالة، منذ سنوات طويلة، على صعيد القواعد التي أسستها في شمال سوريا والدعم اللوجستي والعسكري، الذي قدمته لفصائل المعارضة المسلحة قبل دخولها إلى دمشق.

وترى كولوريوتيس أن الخطة الإسرائيلية في سوريا قد تواجه عقبات “إذا عززت تركيا وجودها العسكري والجوي في سوريا، مما سيحد من حرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي في المجال الجوي السوري”.

وفي غضون ذلك، سيضع الوجود العسكري التركي في سوريا إدارة الشرع في دمشق في موقف تفاوضي أفضل في مواجهة الشروط الإسرائيلية، وفق الباحثة.

واللافت في الغارات الإسرائيلية التي حصلت، خلال اليومين الماضيين، أنها كشفت عن أهداف جديدة لإسرائيل تتجاوز إبعاد التهديدات على الأرض لتصل إلى النقطة المتعلقة بـ”تسيّد السماء السورية”، ومنع أي طرف آخر من اللعب فيها.

وكان لافتا فيها أنها استهدفت على نحو خاص ومحدد مطارات عسكرية قيل إن تركيا تريد التموضع فيها على صعيد إنشاء القواعد.

وتعتقد الباحثة أن المشهد الرابط بين إسرائيل وتركيا يبدو معقدا على نحو كبير، بسبب انقطاع التواصل الدبلوماسي، في ظلِّ الأحداث الجارية في قطاع غزة.

وبالتالي، “لا يوجد خطُّ تواصلٍ مباشر بين دمشق وإسرائيل، ولا بين تركيا وإسرائيل. وهذا يجعل الوسيط الأمريكي هو الحل”، وفق كولوريوتيس.

وللرئيس التركي، رجب طيب إردوغان علاقةٌ مميزة مع ترامب، وقد ينعكس ذلك قريبا على رفع بعض العقوبات الأمريكية عن تركيا.

وبناء على تلك العلاقة قد ترى أنقرة أنَّ الحل الأمثل هو التوصل إلى تفاهمات مع واشنطن في الملف السوري، تشمل محاربة داعش والتنسيق مع الحكومة السورية بشأن إدارة السجون في شرق سوريا، التي تضمُّ مقاتلي داعش.

وفي إطار هذه التفاهمات، سيتمُّ التوصل إلى اتفاقٍ يقضي بإنشاء تركيا قواعد جوية في سوريا. “وفي حال قبول الولايات المتحدة بهذه الخطوة، فإن واشنطن ستصبح مسؤولة عن فرض هذه التفاهمات كأمر واقع أمام الحكومة الإسرائيلية”، بحسب كولوريوتيس.

وإذا تصاعدت التوترات بين تركيا وإسرائيل، من المحتمل أن نشهد وساطة أميركية أو أذربيجانية بين الطرفين، باعتبار أن كليهما حليف للولايات المتحدة، يضيف الباحث في الشأن التركي، علي أسمر.

وأما في حال حدث اصطفاف مباشر، فقد يؤدي ذلك إلى أزمات عسكرية ذات أبعاد إقليمية ودولية، نظرا لأن تركيا عضو في حلف “الناتو”، وفي “منظمة الدول الإسلامية”، و”منظمة التعاون الإسلامي”.

ويستبعد أسمر حدوث تصادم مباشر بين تركيا وإسرائيل.

وفي حين يرجح أن نشهد مستقبلا “معاهدة أو اتفاقية سلام” بين سوريا وإسرائيل برعاية تركية-أميركية، يقول إن “التواجد التركي في سوريا أمر لا مفر منه، بسبب تقاطع الأمن القومي التركي مع الأمن القومي السوري، نظرا لتداخلهما الجغرافي”.

ضياء عودة

الحرة

——————————–

سوريا… تركيا وإسرائيل وجها لوجه/ عمر اونهون

مؤشرات التغيير تكشف عن نفسها يوما بعد آخر

05 أبريل 2025

تتألف الحكومة السورية الجديدة، التي أُعلن عنها في 29 مارس/آذار، بشكل رئيس من كوادر “هيئة تحرير الشام”، مع تعيين وزير واحد من كل من الطوائف التالية: مسيحي (للشؤون الاجتماعية)، علوي (للنقل)، درزي (للزراعة)، وكردي (للتعليم).

وتُعد هند قبوات، الوزيرة المسيحية المكلّفة بالشؤون الاجتماعية، المرأة الوحيدة في التشكيلة الحكومية، علما بأن الفريق الحكومي يضم أيضا شخصين شغلا سابقا منصبَي وزيري النقل والاقتصاد خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.

في كل الأحوال، يبدو أن سوريا في المرحلة المقبلة، ستكون فعليا تحت حكم الرئيس أحمد الشرع، الذى يمكن وصفه عموما بأنه إسلامي سياسي ذو خلفية سلفية، إلى جانب “رباعية أمنية” تضم وزراء الدفاع والعدل والداخلية والخارجية، فضلا عن اللجان الاستشارية التابعة لهم، والمكوّنة من النواة الأساسية لكوادر “هيئة تحرير الشام”.

ويبقى الزمن وحده كفيلا بكشف ما إذا كانت فترة الانتقال، الممتدة لخمسة أعوام، ستفضي إلى نظام دكتاتوري جديد، أم إلى منظومة ليبرالية تعددية وشاملة، يُنتخب فيها الحكام بحرية.

ما يجري في سوريا على صعيد المسألة الكردية، يُعدّ محاولة واضحة لإدماج الأكراد كعنصر “مُميّز” داخل بنية النظام القائم. وقد أسهمت التطورات الأخيرة في البلاد، إلى جانب ما يُعرف بعملية “تركيا الخالية من الإرهاب” في إطلاق حركة تفاوض نشطة، شملت المجموعات الكردية المتنازعة داخل سوريا، وتحديدا “وحدات حماية الشعب/حزب الاتحاد الديمقراطي” و”ائتلاف المعارضة الكردية”، فضلا عن تواصلات مع البنى الكردية في دول الجوار، مثل تركيا والعراق.

وتتولى الولايات المتحدة وفرنسا، وإن بدرجة أقل وضوحا المملكة المتحدة، دور الوساطة في هذه المحادثات، التي تسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الأكراد السوريين.

ورغم التصريحات السلبية التي صدرت عن “وحدات حماية الشعب/حزب الاتحاد الديمقراطي” تجاه الحكومة السورية الجديدة، فإن قنوات التفاوض بين الطرفين ما زالت مفتوحة، في إطار الاتفاق الموقع بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي بتاريخ 10 مارس.

وقد انعكس هذا الانخراط في مفاوضات مباشرة على أرض الواقع، حيث باشرت “وحدات الحماية” بالانسحاب من المناطق ذات الغالبية الكردية في مدينة حلب، ومنطقة سد تشرين، تاركة المجال لقوات الأمن السورية لتتسلم مواقعها. كما أشارت تقارير إلى حصول عمليات تبادل أسرى بين الجانبين.

أما مطالب الأكراد السوريين، فيمكن تلخيصها في عدة نقاط أساسية، أبرزها: إنشاء نظام لامركزي، والإبقاء على “وحدات الحماية”، وتخصيص حصة من عائدات النفط للمناطق الكردية، وضمان المساواة في المواطنة، والسماح باستخدام اللغة الكردية، والاعتراف بالحقوق الثقافية، وضمان تثبيت هذه المبادئ في الدستور السوري المستقبلي.

وبعد أيام قليلة من زيارته إلى دمشق في 13 مارس، ولقائه بالرئيس أحمد الشرع، أدلى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بتصريحات عكست موقف أنقرة الحاسم من القضايا المتعلقة بـ”وحدات الحماية”. وقد أكد في تصريحاته أن هذه “الوحدات” تُعامل وفق ما تعتبره تركيا واقعا لا لبس فيه، بوصفها امتدادا مباشرا لـ”حزب العمال الكردستاني”، مشددا على ضرورة تدمير قدراتها العسكرية بالكامل، والعمل على حلّها، بحيث تخضع العناصر المتبقية منها لسلطة الجيش السوري.

وفي سياق التحركات الدبلوماسية المتصلة بهذا الملف، توجّه فيدان لاحقا إلى العاصمة الأميركية واشنطن يومي 25 و26 مارس، حيث التقى نظيره الأميركي في محادثات، احتلت فيها القضية السورية و”وحدات الحماية” موقعا بارزا على جدول الأعمال. غير أن تسريبات إعلامية أفادت بأن الجانب التركي لم يكن راضيا عن نتائج هذه المحادثات، لا سيّما فيما يخص التباين في المواقف تجاه “وحدات الحماية”.

في المقابل، اكتفى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بالإشارة، في منشور عبر “وسائل التواصل الاجتماعي”، إلى استمرار التعاون مع تركيا في سوريا من باب دعمها في مواجهة أنشطة إيران، التي وصفها بالمزعزعة للاستقرار، دون أن يأتي على ذكر “وحدات الحماية”.

وفي ظل هذا السياق، قد تُقدم الولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة على اتخاذ بعض الخطوات الرمزية التي يمكن تأويلها على أنها تصب في مصلحة تركيا، إلا أن حدوث تحول جذري في موقفها أو تخلّيها عن “وحدات الحماية” يبدو مستبعدا، خاصة في ضوء المعادلات الجيوسياسية الراهنة.

تركيا وإسرائيل وجها لوجه في سوريا

في إطار مسعاها المستمر لمنع سوريا من تشكيل أي تهديد محتمل في المستقبل، تبنت إسرائيل استراتيجية تقوم على إضعاف هذا البلد وتقسيمه، بما يضمن تحويله إلى كيان عاجز، وغير مُهدِّد لأمنها القومي. وفي هذا السياق، دعت تل أبيب إلى نزع السلاح من المحافظات الجنوبية السورية، وتحديدا القنيطرة ودرعا والسويداء، بالتزامن مع مواصلة سلاحها الجوي تنفيذ ضربات تستهدف تدمير جميع الأصول العسكرية والاستراتيجية داخل الأراضي السورية.

وتُظهر البيانات أن أكثر من 740 غارة جوية نفذتها إسرائيل خلال الأشهر الأربعة الماضية، لم تأت ردا على أي تهديد أو هجوم سوري، بل كانت كلها عمليات أحادية الجانب، هدفها المباشر هو التدمير دون مبررات فورية.

كما تتدخل إسرائيل في الشأن السوري عبر قنوات تتعلق بالأكراد والدروز، حيث تقدم نفسها كجهة حامية لهذه المكونات. وعلى الأرض، أنشأت القوات الإسرائيلية، التي لا تزال تسيطر على ما تبقى من أراضي الجولان، مواقع عسكرية ثابتة داخل الأراضي السورية خارج حدود تلك المنطقة. وتقوم دوريات من الجيش الإسرائيلي بتفتيش القرى والبلدات في جنوب سوريا، فيما أفادت تقارير بأن مروحيات تابعة للجيش الإسرائيلي، نفذت في إحدى المناسبات غارة في جنوب غربي البلاد، أسفرت عن مقتل مدنيين سوريين.

في المقابل، وفي إطار التعاون الدفاعي الذي جرى الاتفاق عليه بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وأحمد الشرع خلال زيارة الأخير إلى أنقرة في فبراير/شباط، من المتوقع أن تضطلع تركيا بدور محوري في تشكيل الجيش السوري الجديد، وتوفير التدريب اللازم له. كما أشارت تقارير إلى أن أنقرة تستعد لإنشاء قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية، تُخصص لنشر مقاتلات وطائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي، وإن كانت هذه المعلومات لم تُؤكد رسميا حتى اللحظة.

وتوجد بالفعل وحدات من القوات المسلحة التركية داخل سوريا، أساسا في إطار محاربة “وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني”، وقد تُستخدم القواعد المذكورة لأغراض عدة، منها:

تدريب الجيش السوري.

محاربة تنظيم “داعش”. وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا ستنفذ هذه المهام بمفردها بالتعاون مع سوريا، أم ضمن التحالف الدولي، أم بالتنسيق مع الدول الأربع التي شاركت في اجتماع عمّان في مارس.

حماية سوريا من أي تدخل خارجي، وهو ما سيشكل في حال تحققه تحولا كبيرا في الدور التركي، ومهمة جديدة للجيش التركي من المتوقع أن تثير جدلا كبيرا داخليا وخارجيا.

لقد وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تهديدا مباشرا إلى سوريا، خاطب فيه الرئيس السوري المؤقت بالقول: “إذا سمحتَ لقوى معادية– في إشارة واضحة إلى تركيا– بدخول سوريا وتهديد المصالح الأمنية لإسرائيل، فسوف تدفع ثمنا باهظا”.

وفي هذا السياق، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية عددا من القواعد الجوية داخل الأراضي السورية، من بينها قواعد تقع في حمص وحماة، إلى جانب قاعدة “تي فور” (T4) المعروفة. وتفيد مصادر بأن بعض هذه المواقع كانت تُستخدم من قبل القوات التركية.

وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية وأجنبية، استنادا إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين، أن هذه الضربات جاءت في إطار رسالة تحذيرية واضحة إلى أنقرة.

كما طُرحت مزاعم تفيد بمقتل ثلاثة مهندسين أتراك خلال إحدى الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قاعدة جوية في سوريا، دون أن يصدر أي بيان رسمي من الجهات المعنية، لتأكيد أو نفي هذه المعلومات. غير أن صحّة هذه المزاعم، إن ثبتت، تحمل دلالات خطيرة على أكثر من مستوى، وقد تؤدي إلى تصعيد التوترات بين الجانبين.

وتُعدّ الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية خرقا واضحا للقانون الدولي، والأعراف المتعارف عليها بين الدول، إلا أن المجتمع الدولي، وكما هو الحال في الملف الفلسطيني، يكتفي بإصدار بيانات إدانة شكلية، في حين تواصل إسرائيل، بدعم أميركي كامل، تنفيذ ضرباتها غير المبررة ضد دولة ذات سيادة.

في المقابل، ترى تركيا نفسها محاطة بتهديدات إقليمية متشابكة، تمتد من شرق البحر المتوسط وصولا إلى حدودها مع سوريا وإيران، وتشمل إسرائيل، و”وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني”، إضافة إلى الولايات المتحدة، واليونان، وإدارة قبرص اليونانية، وفرنسا، وبعض الدول العربية. وتدفع هذه التهديدات أنقرة إلى اتخاذ خطوات مضادة وتحركات محسوبة لحماية أمنها القومي.

وفي تصريح أدلى به لوكالة “رويترز” أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن بلاده لا تسعى إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل على الأراضي السورية. ومع ذلك، تنظر تركيا إلى إسرائيل بوصفها “كيانا صهيونيا توسعيا” وقد عبّر الرئيس رجب طيب أردوغان عن هذا الموقف بوضوح حين قال، عقب أدائه صلاة الجمعة الأسبوع الماضي: “لعن الله إسرائيل الصهيونية إلى الجحيم”.

في المقابل، ترى إسرائيل في تركيا “قوة توسعية ذات نزعة عثمانية جديدة” وتضعها في خانة التهديد، إلى جانب إيران. وفي حال اندلاع مواجهة مباشرة، حتى وإن كانت محدودة وقصيرة الأمد، فإن الجانبين مرشحان لتكبّد خسائر كبيرة، خصوصا على المستوى الاقتصادي. كما قد تُستخدم هذه المواجهة كذريعة لتبرير فرض إجراءات طوارئ في كلا البلدين، اللذين يواجهان أصلا أزمات سياسية داخلية عميقة.

ومن غير المستبعد أن تتدخل الولايات المتحدة في مرحلة معينة، في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد بين اثنين من أبرز حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، هما تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، وإسرائيل.

المجلة

————————————

في توحش إسرائيل وأبعاده/ ماجد كيالي

تحاول استعادة دورها الإقليمي

04 أبريل 2025

لا يوجد أي مبرر، لا سياسي ولا أمني، للضربات القاسية والمتوالية التي توجهها إسرائيل ضد لبنان وضد سوريا، إذ لا يوجد ما يهددها في هذين البلدين، أقله في المدى المنظور، لشن ما قد تعتبره حربا استباقية، علما أن ذلك ينطبق على حرب الإبادة المهولة التي تصر على مواصلة شنها منذ 18 شهرا، ضد فلسطينيي قطاع غزة، وحتى ضد فلسطينيي الضفة الغربية، بخاصة، مع سعيها في سحق ومحو مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فيها.

القصد أنه لا يمكن إحالة العدوانية الإسرائيلية المتوحشة إلى رغبة بنيامين نتنياهو في التملص من المحاكمة والمحاسبة، أو إطالة عمره السياسي، في الفوز بأية انتخابات قادمة، كما يعتقد بعضهم، كما أنه ليس لذلك علاقة بالضغط لتحرير الرهائن، فهؤلاء لم يعودوا ورقة ضغط منذ أشهر عديدة، لأن كل ذلك استنفذ منذ زمن طويل، بعد أن بات نتنياهو بمثابة الزعيم اللامنازع للإسرائيليين.

أيضا، فإن توحش إسرائيل، ضد الفلسطينيين وضد سوريا ولبنان، لا يمكن تفسيره حتى باعتباره بمثابة رد فعل على عملية “طوفان الأقصى” (أواخر 2023) فقط، إذ إن تلك العملية خلقت الفرصة السانحة لإسرائيل للقيام بما تقوم به، لكن ما فعلته إسرائيل يفوق ردة الفعل على ذلك الحدث، وعلى مختلف الجبهات.

وهذا حصل في مواجهات سابقة، إذ يقول دان شيفنون (رئيس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة حيفا): “ليست (حماس)، ولا غزة، ولا القسام أهداف الحرب ومعيار نجاحها. في غزة نحن نحارب للبت بمصير التطرف في المنطقة وأسطورة المقاومة. هذا ما يعرفونه جيدا في طهران وبيروت ودمشق” (يديعوت أحرونوت- 15/1/2009).

أيضا أورن يفتاحئيل، أستاذ الجغرافيا السياسية، أكد ذلك في بداية الحقبة الثانية لنتنياهو في رئاسة حكومة إسرائيل (2009-2021)، بقوله: “هذه الحرب استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفا متشددا ووحشيا يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد… إسكات التاريخ يشكل أيضا محوا للمكان الفلسطيني، ومعه الحقوق السياسية الكاملة… الغزو الإسرائيلي لغزة ليس فقط عملية لوقف الصواريخ، أو لتلميع شخصيات للانتخابات أو محاولة لترميم الردع. الغزو ليس فقط محاولة لإسقاط حكومة (حماس)، وليس مسعى إمبرياليا (إسرائيليا-أميركيا) للسيطرة، هو كل تلك الأمور” (المشهد الإسرائيلي- 18/1/2009).

على ذلك، فإن تفسير وحشية إسرائيل، وما تقوم به، في ظل حكومة المتطرفين (نتنياهو، سموتريتش، بن غفير)، يكمن في أننا إزاء حكومة أيديولوجية تضم اليمين القومي والديني، أي إن لديها تصورا معينا لإسرائيل، ولمكانتها في محيطها، وهي حكومة متطرفين أيديولوجيين حتى ضد اليهود فيها المختلفين معها.

في الواقع فإن تلك الحكومة وجدت في الظروف الدولية والإقليمية والعربية، الراهنة، فرصة مناسبة لها لإحداث تغييرات جوهرية في طبيعة إسرائيل، وتعزيز مكانتها إزاء محيطها وتموضعها في الإطار الدولي، إن بتغليب طابعها كدولة يهودية/دينية، على حساب طابعها كدولة ديمقراطية/ليبرالية (لمواطنيها اليهود)، مع تقويض، أو تهميش، السلطة القضائية فيها، من جهة، ومن الجهة الثانية، باستعادة مكانتها كقوة إقليمية عظمى في الشرق الأوسط، على حساب إيران وتركيا أيضا، مع شطب الفلسطينيين من المعادلات السياسية.

المهم أن إسرائيل تحاول، عبر تلك العدوانية، استعادة دورها، كقوة إقليمية وحيدة في الشرق الأوسط، وربما أكثر، وهو الدور الذي فرضته بعد حرب 1967، بهزيمتها عدة أنظمة عربية، بعد أن تضاءل هذا الدور، نتيجة التداعيات الناجمة عن حرب الخليج الثانية، وغزو الولايات المتحدة للعراق (2003)، مع صعود دور إيران في المنطقة، وتاليا ازدياد دور تركيا فيها.

ما عزز من ذلك التوجه لدى إسرائيل، حاليا أنها تلقى الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب اليمينية المتطرفة، والتي تحارب العالم، لفرض مصالحها وقيمها عليه، بما يشمل حتى الدول الصديقة لها، لذا حصل هذا التلاقي في الأهواء والمصالح والسياسات، الأمر الذي يشجع نتنياهو على شن كل حروبه وهو في غاية الارتياح.

كل ما تقدم يفيد بأن ما يفعله نتنياهو هو في صلب التفكير الأمني الإسرائيلي، وأنه فقط كان ينتظر الحكومة التي تتبناه، والظرف الذي يساعد عليه. مثلا، إبان مواجهات الانتفاضة الثانية، طرح البروفيسور مارتين فان-كرفيلد، أستاذ الدراسات العسكرية في كلية التاريخ بالجامعة العبرية، وأحد كبار المتخصصين في الاستراتيجية العسكرية، طرح نظرية تدعو إلى توجيه ضربة قاسية للفلسطينيين، مفادها أنه “لا جسور مفتوحة ولا علاقات اقتصادية ولا سياسية. فصل مطلق على مدار جيل أو جيلين، أو وفقا لما يحتاجه الأمر… لإعادة ميزان الردع… هذه الأمور يجب أن ننفذها بسرعة مطلقة وبقوة دون أن نتأسف… أنا في هذه الحالة سأستعمل المدفعية، وليس الطيران، لأنني أريد أن أنظر إليهم في عيونهم إذ لا فائدة من هذه الحملة إن لم تبرهن بأعمالك أنك يمكن أن تفعل كل شيء… علينا أن نضربهم بقسوة بكل ما بوسعنا حتى لا نعود إلى ذلك، وحتى لا يهاجمونا من الخلف عند خروجنا، علينا أن نضرب بكل قوة وقسوة بحيث لا نحتاج إلى ضربة ثانية… من الأفضل جريمة واحدة وثقيلة نخرج بعدها ونغلق الأبواب من خلفنا” (إمتساع حضيرة- 8/3/2002).

هكذا، فإن إسرائيل لا تقوم بحروبها ضد الفلسطينيين، ولبنان وسوريا، فقط على سبيل وأد أية إرادة للمقاومة مستقبلا، مهما كان شكلها أو مستواها، ولا على سبيل حرب وقائية، علما أنه لم يعد ثمة ممكنات لها في المدى المنظور، لا على صعيد دولتي ولا على صعيد ميليشياوي، وإنما تتوخى أيضا فرض مجال حيوي جغرافي في محيطها قدره عشرات الكيلومترات، وضمن ذلك منع وجود أية قوة عسكرية إقليمية وازنة، ليس إيران فقط، وهي باتت تحت التهديد، أميركيا وإسرائيليا داخل حدودها، وإنما ينطبق ذلك أيضا على تركيا، أي عدم إتاحة أي دور لتركيا في سوريا، في ظل النظام الجديد، باعتبار أن إسرائيل هي القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة، في إطار الهندسة الجديدة للشرق الأوسط.

المجلة

————————-

ممر داود” الإسرائيلي.. مشروع حقيقي أم سيناريو قائم على التهويل؟/ سلمان عز الدين

6 أبريل 2025

نفى المكتب الإعلامي لـ”جيش سوريا الحرة” صحة التقارير التي تحدثت عن انتشار قواته في مدينة الضمير بريف دمشق. وقال مسؤول المكتب الإعلامي في التنظيم المدعوم من قاعدة التنف الأميركية، في تصريحات صحيفة، إن “كل ما يُشاع عن جيش سوريا الحرة بخصوص مدينة الضمير ومطارها هو مجرد إشاعات وتأويلات من بعض الصفحات والحسابات التي تهدف إلى نشر الفوضى والأكاذيب”.

وكانت تقارير صحفية قد تحدثت عن دخول عناصر “سوريا الحرة”، أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، إلى مدينة الضمير (35 كم شرق دمشق) وبسط نفوذهم الأمني والعسكري عليها، لا سيما بعد تسلمهم الحواجز المنتشرة فيها.

وقد أنعشت هذه الأخبار (رغم نفيها) الحديث عن سعي إسرائيل لإنشاء ما يسمى بـ”معبر داود”، وعن دور مفترض لقاعدة التنف، وفصائل عسكرية سورية، في هذا المسعى.

ونقلت مواقع إخبارية عن مراقبين رأيهم بأن هذا الدخول إلى مدينة الضمير “هدفه فتح الطريق بين الجنوب السوري الذي صار تحت الوصاية الإسرائيلية، ومناطق سيطرة الدروز في السويداء، باتجاه مناطق سيطرة قسد”.

ورغم أن وجود الممر المزعوم لا يزال محصورًا في تسريبات وتحليلات وتصريحات متناثرة، إلا أن كتّابًا وصحفيين ومحللين عديدين باتوا يعتبرونه “مشروعًا وشيك التنفيذ”، متحدثين عن “طريق إسرائيلي ينطلق من هضبة الجولان المحتلة، مرورًا بمحافظات الجنوب السوري، القنيطرة ودرعا والسويداء، وصولًا إلى منطقة التنف، ثم نحو المناطق الشرقية والشمالية من سوريا، ليتصل بكردستان العراق”.

أما الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل من وراء “مشروعها” هذا فهي، حسب رأيهم، تتمثل في: “أولًا، إضعاف الخصوم الإقليميين وضمان عدم وجود حكومة مركزية قوية في كل من العراق وسوريا. وثانيًا، تفتيت المجتمعات في دول الجوار عبر رعاية كيانات طائفية وإثنية. وثالثًا، الوصول إلى مصادر الطاقة في مناطق الأكراد”.

لكن ما حقيقة “ممر داود”؟ هل هو مسعى إسرائيلي فعلي أم أنه ورقة ضغط سياسية وحسب؟ وفي حال كان المشروع حقيقيًا، فما هي فرص نجاحه على أرض الواقع؟ وما هي القوى المحلية في سوريا المرشحة للانخراط فيه، وهل يوجد مثل هذه القوى أصلًا؟

كيف ستكون ردود الفعل من الدول الإقليمية، الأردن والعراق وتركيا تحديدًا، وما هو موقف الولايات المتحدة؟ والأهم: ما هي الأوراق التي تملكها حكومة دمشق في التعاطي مع هكذا مشروع؟

“مشروع” بلا ملامح

يؤكد الباحث في “مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، أن الطرح المتصل بـ”ممر داود” يفتقد إلى أدنى قدر من الواقعية، وإلى الأدلة الملموسة: “فنحن نتحدث عن السيطرة على جغرافيا ضخمة، لا يوجد أي قوة محلية قادرة على بسط السيطرة عليها وتأمينها”. أما ما يشاع عن دور لـ “جيش سوريا الحرة” فهو غير صحيح، ذلك أن هذا التنظيم “منخرط ضمن وزارة الدفاع السورية، وكان قد حضر مؤتمر النصر، ورغم العلاقة التي تربطه بالبنتاغون، فإنه بعيد تمامًا عن لعب مثل هذا الدور”.

من جانبه، يرى الصحفي والأكاديمي المتخصص بالشأن الإسرائيلي، خالد خليل، أن الحديث عن “ممر داود” يأتي: “في ظل تنامي التنافس التركي الإسرائيلي الذي سيسيطر على المشهد السياسي في المنطقة. وتل أبيب ترفع الآن شماعة التخويف من العثمنة، أو ما تسميها طموحات أردوغان الإمبراطورية، وبالتالي تسعى إلى نوع من إعادة التوازنات بعد سقوط نظام الأسد، حيث باتت المنطقة تشهد تشكل معادلات مختلفة وتتهيأ لرسم خرائط نفوذ جديدة”.

ولكنه يستدرك: “ممر داود لا يزال في إطار التسريبات ولا يوجد تصريحات رسمية، كما لا يوجد ملامح واقعية أو ميدانية له”، مرجحًا أنه ضمن “المعطيات الراهنة فالحديث يدور عن ممر اقتصادي تحاول إسرائيل عبره رسم خارطة نفوذ وليس سيطرة، مستندة إلى ما تسميه حماية الأقليات، وخاصة الدروز والأكراد، في سوريا، وهذا عبر عنه مسؤولون إسرائيليون أكثر من مرة. إنه ممر نفوذ ذو طابع اقتصادي”.

ويلخص خليل أهداف إسرائيل من وراء تحركاتها في سوريا بالقول: “هي ترى أن الساحة السورية مستباحة وان حرية حركتها في الأجواء امتياز لن تتخلى عنه وترى في الوجود التركي تقويضًا لهذه الحرية”.

وفيما يعتقد شعبان أنه لا وجود لقوى محلية قادرة أو راغبة في حماية الممر المزعوم الممتد على جغرافيا واسعة، فإن خليل يشير إلى أن إسرائيل تحاول استمالة بعض الفصائل في السويداء، ولا سيما المقربة من الشيخ حكمت الهجري، بالإضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي يسطر عليها الأكراد، مؤكدًا أن “إسرائيل صار لديها منذ عام 2016 ما تسميه خطة حسن الجوار والتي تهدف إلى استمالة بعض الشرائح في سوريا وفي مقدمتهم الدروز والأكراد، وقد صرح وزير خارجيتها جدعون ساعر، قبل شهرين، بأن إسرائيل تريد سوريا فيدرالية، كل هذا لتحقق مناطق نفوذ بالاعتماد على جماعات غبر متوافقة مع دمشق”.

تغريد خارج سرب الإقليم

وفي حال كان الحديث الإسرائيلي عن “ممر داود” جديًا فإنه، حسب الباحث نوار شعبان، يصطدم بعوائق كبيرة يفرضها الإقليم، متحدثًا عن معارضة أردنية وعراقية: “حيث إن البلدين يهمهما تأمين الحدود مع سوريا وليس خلق أزمة جديدة بسبب هذا الممر، أما الجانب التركي فهو حتمًا سيعارض وبشدة، ذلك أن الممر المزعوم سوف يصل إلى قسد التي تعتبرها تركيا غريمًا أساسيًا، وكذلك الولايات المتحدة التي تملك حسابات كثيرة معقدة سوف تأخذها بعين الاعتبار قبل دعم خطوة كهذه”.

وبدوره يشير الصحفي والأكاديمي خالد خليل إلى الاجتماع الأمني الذي عقد في عمان، يوم 10 آذار/ مارس الماضي، وجمع سوريا إلى دول الجوار: الأردن ولبنان والعراق وتركيا، حيث تمثلت الوفود المشاركة بوزراء الخارجية والدفاع ورؤساء الأركان وقادة الأجهزة الأمنية، وكان الهدف هو تشكيل تحالف أمني إقليمي لمحاربة داعش، معتبرًا أنها “بادرة مهمة” للمنطقة ولسوريا تحديدًا. أما إسرائيل “فهي الوحيدة التي تغرد خارج السرب”، مشيرًا إلى أن ذرائعها المعلنة في أعمالها العدائية اتجاه سوريا “لا تتصل بأمنها القومي بقدر ما تتصل بدوافع سياسية يقودها اليمين المتطرف تهدف الى فرض التفوق الإسرائيلي بالقوة”.

خيارات دمشق

وماهي الخيارات المتاحة أمام الحكومة السورية في التعاطي مع التحديات الإسرائيلية سواء ما يتعلق بـ”ممر داود” المفترض أو سواه من المشاريع والمخططات؟

يتحدث خليل عن عدد من الأوراق في حوزة حكومة دمشق، فهناك “تعزيز الاستقرار الداخلي الذي يعد أولوية قصوى في المرحلة الراهنة. وهناك خلق التوازنات الأمنية الإقليمية، وإذا كانت تركيا دولة مهمة جدًا في المنطقة، فعلى دمشق أن توازن بينها وبين كل من مصر والسعودية وغيرهما، لأن الاستئثار التركي يعطي ذرائع لإسرائيل ويعقد مشكلة قسد”، ويضيف: “يوجد أيضًا الورقة الدبلوماسية حيث بإمكان الحكومة السورية استخدامها بشكل فعال على الساحة الدولية، فيمكن لها أن تضغط عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف الاعتداءات الإسرائيلية”. إضافةً إلى ذلك، هناك “فرصة لبناء علاقات خاصة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل خيبة أمل دول الاتحاد من الولايات المتحدة في الملف الأوكراني وغيره، ما يفتح المجال للتعاون الفعال مع بروكسل”.

ويؤكد شعبان أن الحكومة السورية تمتلك الكثير من الأوراق القوية في هذا الصدد، ومنها “أنها تمتلك السيطرة على جغرافيا واسعة من المنطقة التي يقال أن الممر المزعوم سوف يمر بها، إضافةً إلى علاقاتها الجيدة بالدول الإقليمية المعنية، الأردن وتركيا ودول الخليج”.

غير أنه يعود إلى التأكيد على أن الطرح المتعلق بـ”ممر داود” يفتقر إلى الواقعية و”مستحيل التنفيذ، ما يجعل الدخول في التفاصيل التقنية المتعلقة به أمرًا صعبًا”.

الترا سوريا

———————-

إسرائيل تصعّد في سوريا لفرض واقع استراتيجي جديد/ مصطفى ديب

4 أبريل 2025

في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الانتقالية المشكّلة مؤخرًا فرض الاستقرار في البلاد، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة؛ تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي تصعيدها العسكري ضد سوريا التي تجاوزت ما يُعرف بـ”الضربات الوقائية” المعهودة، إلى إعادة رسم حدود الاشتباك بالقوة، مستغلةً حالة عدم الاستقرار السائدة منذ سقوط نظام الأسد.

وفي أربعة أشهر فقط، نفّذت دولة الاحتلال مئات الغارات والضربات الجوية التي امتدت من دمشق إلى درعا، واستهدفت مطارات ومراكز أبحاث ومنشآت دفاعية بهدف تقويض أي نواة لجيش وطني جديد قادر على بسط سيادة الدولة على كافة الأراضي السورية، وهو هدف لم يعد مخفيًا بالنسبة إلى إسرائيل، بل معلن يتكرر على ألسنة كبار مسؤوليها.

في المقابل، تتعامل الحكومة الانتقالية، كما حكومة تصريف الأعمال من قبلها، مع هذه الضربات بحذر محسوب يُراد منه تثبيت حضور الدولة بعيدًا عن خيار الانجرار إلى مواجهات غير متكافئة على الإطلاق. وقد تبنّى الرئيس السوري، أحمد الشرع، مقاربة مرنة تمزج بين إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية من خلال دمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” فيها، والانفتاح على الدروز، وتهدئة الجبهات الساخنة في الجنوب.

من الردع إلى التثبيت: إسرائيل تغيّر العقيدة

تُشير الضربات الإسرائيلية المتكررة والمتصاعدة على سوريا إلى أن دولة الاحتلال في طور تطبيق عقيدة هجومية أكثر رسوخًا من سابقاتها. ووفقًا للمعطيات الراهنة، تتجاوز هذه العقيدة الردع الموقت نحو تثبيت وقائع ميدانية جديدة تُعيد تعريف مفاهيم الأمن والحدود داخل سوريا. وما توحي به الضربات الإسرائيلية، وطبيعة الأهداف المُستهدفة، هو أن إسرائيل لم تعد تكتفي بسياسة “جزّ العشب”، بل اتخذت من تدمير البنية العسكرية السورية حتى قبل أن تتشكل، وقطع الطريق على أي قدرة جوية قد تهدد حرية طيرانها، هدفًا لها.

وقد تجلّى هذا التحول في عدة توغلات برية محدودة نفّذتها دولة الاحتلال منذ سقوط نظام الأسد، وكذلك في التصريحات المتكررة عن نية البقاء في الجنوب، وطرح أفكار “سياحية” رمزية داخل الأراضي المحتلة.

تركيا في T4: مناورة أم استفزاز؟

في هذا السياق، تسعى تركيا إلى فرض معادلة ردع جديدة في سوريا، إذ تحاول الاستفادة من انسحاب إيران وروسيا التدريجي، بالإضافة إلى الفراغ الأمني الذي خلّفه سقوط نظام الأسد، لتعزيز نفوذها في سوريا والمنطقة عمومًا، الأمر الذي ترى إسرائيل إليه بوصفه تهديدًا مزدوجًا لسببين شديدي الأهمية بالنسبة لها.

السبب الأول هو تقييد حركتها الجوية. أما الثاني، فهو أنه يمنح أنقرة نفوذًا مباشرًا في هندسة المشهد السوري، خاصةً في ظل علاقتها القوية بالإدارة الجديدة. وقد أخذت المخاوف الإسرائيلية من التحركات التركية بُعدًا أشد تعقيدًا وجدية في ظل الحديث عن نية أنقرة نشر منظومة الدفاع الجوي “حصار” في مطار “T4” العسكري في ريف حمص، ما دفع إسرائيل إلى قصف المطار نفسه، بالإضافةً إلى مطار حماة العسكري، بل وحتى تحذير الرئيس الشرع من التمادي في هذا التحالف.

ومن زاوية نظر أخرى، يبدو أن أنقرة تحاول توظيف هذا التموضع لإعادة بناء الثقة مع واشنطن لغايات مختلفة، من بينها العودة إلى برامج تسليح متقدمة مثل “F-35″، من خلال تقديم التزامات أمنية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وتنسيق استخباراتي أوسع يشمل العديد من القضايا الأخرى.

بين الممكن والمطلوب

تُدرك الإدارة السورية الجديدة أن لحظة ما بعد سقوط نظام الأسد لا تحتمل التهور، لكنها أيضًا لا تحتمل بالقدر نفسه ربما الركون إلى الحذر وحده في هذه المرحلة. ولذلك، تتبنى استراتيجية تقوم على أربعة محاور، وهي: تجنّب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وتفكيك ذرائع العدوان من خلال الاحتواء المجتمعي وإعادة الهيكلة الأمنية، واستثمار الحراك الدبلوماسي العربي والدولي، والحفاظ على علاقة متوازنة مع تركيا تضمن الدعم الدفاعي دون الوقوع في فخ الارتهان.

لكن هذه المقاربة، رغم نجاعتها المؤقتة، لا تبدو كافية لردع إسرائيل ووقف هجماتها المتكررة على الأراضي السورية ووأد مشروعها المتعلق بجنوب البلاد، الذي تريد أن يكون منطقة منزوعة السلاح، خارج سيطرة الحكومة السورية. وما لم تُرفد هذه المقارنة بخطوات ردع دبلوماسية وعسكرية محسوبة، فإن إسرائيل ستواصل استغلال هامش المناورة لفرض وقائع قد يصعب التراجع عنها لاحقًا، سيما في ظل الدعم الأميركي الكبير الذي تحظى به في ظل وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض.

نحو ردع جديد دون حرب

أمام ما سبق، تحتاج سوريا إلى مقاربة استباقية جديدة تُعيد تعريف معادلة الردع مع الحذر من الانزلاق إلى مواجهة كارثية لا تستطيع تحمل تكلفتها في الوقت الحالي. تبدأ هذه المقاربة من الساحة الدبلوماسية عبر تفعيل أدوات الضغط في الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وذلك بهدف وضع الغارات الإسرائيلية تحت مساءلة سياسية ودولية واسعة النطاق.

وقد يشكّل التعاون الدفاعي مع تركيا أو حتى الصين مسارًا واقعيًا لتطوير قدرات الردع، وذلك بشرط بناء جيش وطني محترف، وإدارة ميدانية موحدة وقادرة على التعامل مع هذه المسائل وغيرها.

من يحمي سوريا الجديدة؟

إذن، نفهم مما سبق أن هناك استراتيجيتان تتقاطعان في سوريا اليوم، وهما: استراتيجية تركية ترى في ملء الفراغ الأمني فرصة لترسيخ شراكة إقليمية جديدة؛ وأخرى إسرائيلية تسعى إلى تحطيم هذا المسار قبل أن يكتمل. وبين هذين القطبين وما يمثّلانه ويسعيان إليه، تجد الحكومة السورية الجديدة نفسها أمام سؤال وجودي: كيف تحمي سيادة البلاد وهي لم تستقر بعد؟ كيف ترسم خطوط الردع دون أن تنزلق إلى حرب مدمرة؟

في هذا السياق، لم يعد الاكتفاء بالحذر أو الاستثمار في الدعم الدولي وحده كافيًا للتعامل مع هذه التحديات، ذلك أن ما تحتاجه سوريا الجديدة اليوم هو استراتيجية واقعية متعددة المستويات، تضع حدودًا للتدخل الإسرائيلي دون الاصطدام بها، وتبني جيشًا ووحدة قرار دون الوقوع في تحالفات مكلفة أو هشّة. إنها معركة السيادة في طور التكوين، لا في طور التهديد.

الترا سوريا

———————–

قواعد عسكرية وتهديدات متبادلة.. هل يتصاعد التنافس التركي الإسرائيلي في سوريا؟/ أحمد العكلة

5 أبريل 2025

بعد موجة من التهديدات الإسرائيلية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحق الحكم السوري الجديد، وبعد الحديث عن احتمال مواجهة إسرائيلية مع تركيا، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليقول إن قوى (لم يسمها) تحاول زعزعة استقرار سوريا من خلال إثارة النعرات الدينية والعرقية، مؤكدًا أن تركيا لن تسمح بتقسيم المنطقة أو إعادة رسم حدودها.

بدورها، كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست”، نقلًا عن مصدر استخباراتي غربي، أن تركيا تعمل على إعادة تفعيل قاعدة “T4” الجوية الواقعة في وسط سوريا، في خطوة تعكس تنامي التنسيق بين أنقرة ودمشق. ووفقًا للمصدر، فإن تركيا تخطط لتحويل القاعدة إلى منشأة متقدمة للطائرات المسيّرة، مع تجهيزها بمنظومة دفاع جوي حديثة.

وأوضح المصدر أن أنقرة تسعى إلى ترسيخ موقعها كمزود أساسي للدفاع الجوي لدى الحكومة السورية الجديدة، مستفيدةً من وجودها داخل قاعدة “T4″، التي كانت تُستخدم سابقًا من قبل قوات الأسد المخلوع.

وقبل أيام، شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عدة غارات استهدفت المطار نفسه بالإضافة إلى مطار حماة العسكري ومركز البحوث العلمي في حي مساكن برزة بريف دمشق. وكشفت وكالة “رويترز” أن القصف استهدف مواقع أجرت تركيا عمليات استطلاع فيها، تمهيدًا لإنشاء قواعد عسكرية فيها ضمن اتفاق دفاعي مشترك مرتقب مع سوريا.

التصريحات التركية جاءت بعد أسابيع من توالي التصريحات الإسرائيلية حول دعم الدروز والأكراد، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، وتهديد الدولة السورية الجديدة بمنعها من نشر قواتها جنوبًا.

وحذر مصدر أمني إسرائيلي من أن إقامة قاعدة جوية تركية في سوريا قد تمثل “تهديدًا محتملًا” يؤثر على حرية العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة، حسب صحيفة “جيروزاليم بوست”.

وفي إطار ردها على التهديدات المحتملة، استهدفت إسرائيل في نهاية آذار/ مارس قاعدة “T4” العسكرية السورية، في خطوة اعتبرت رسالة واضحة بأن تل أبيب لن تتسامح مع أي تهديدات تؤثر على حرية عملياتها الجوية في المنطقة.

يعتقد الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة ـ وخاصةً في الداخل السوري – “تزامنت مع مشهد إقليمي معقد للغاية، وازداد تعقيدًا بعد سقوط نظام الأسد، وهناك تصاعد حالي من التنافس الجيوسياسي ما بين تركيا وإسرائيل، والتحركات الإسرائيلية، خاصة في جنوب سوريا، تعكس التوجه الإستراتيجي الإسرائيلي في تعزيز النفوذ الأمني والاستخباراتي”.

ويضيف أوغلو في حديث لموقع “الترا سوريا” أن “هذا دفع تركيا للتصعيد بشكل كبير وهذا ما تابعناه من تصريحات وزير الخارجية هاكان فيدان قبل أسابيع خلال لقاء مع لافروف عندما تحدث بأن إسرائيل هي من تعمل على خلق بيئة عدم استقرار، وفي هذا رسالة واضحة للدول الأوروبية التي تدعم الإدارة السورية الجديدة حاليًا، والأهم رسالة للإدارة الأمريكية الجديدة والتي لا تريد أن تفتح هناك جبهة جديدة”.

ويرى أوغلو أن “إسرائيل تستغل الفراغ الجيوسياسي داخل سوريا وتريد أن تخلق منطقة عازلة في الجنوب، وأيضًا تريد تقليص النفوذ التركي، لكن تركيا تملك نقاطًا كثيرة لصالحها: وضعها الإقليمي الحالي والمساعدة التي قدمتها للإدارة السورية الجديدة وعلاقاتها مع دول عربية.. كلها تصبّ في مصلحة تركيا لصدّ أيّ محاولات إسرائيلية لتقليص نفوذها أو لتعكير الأجواء مع واشنطن التي هي أيضًا بحاجة ماسّة إلى تركيا خلال المرحلة القادمة”.

ويعتقد الباحث التركي أن العقدة الأساسية هي دعم إسرائيل للأكراد، وهناك معلومات لدى تركيا تتحدث عن ضغط من قبل إسرائيل على “قسد” لعدم القبول بمبادرة أوجلان، ويقول: “لذا أعتقد أنه خلال المرحلة المقبلة سوف يكون هناك تنافس، وكل طرف سوف يستخدم أوراقه للضغط على الآخر”.

ولا يتوقع أن يؤدي الأمر إلى أزمة دبلوماسية حادة ما بين تركيا وإسرائيل، وخاصةً في ظل وجود إدارة أميركية جديدة تدعم نتنياهو وحكومته بشكل كبير، وأنقرة تعي هذه النقطة وتتحرك وفق سياسة تحاول فيها أن لا تغضب الولايات المتحدة الأميركية أو تؤثر على مسار العلاقات ما بين البلدين”.

وبحسب مصدر عسكري في وزارة الدفاع السورية الجديدة، فإن هناك مباحثات جرت خلال الأسابيع الماضية بين مسؤولين سوريين وأتراك للتنسيق والرد على أي تحرك إسرائيلي في الجنوب، وذلك قد يشمل توقيع اتفاقيات دفاع مشترك بين الطرفين ونشر نقاط دفاع جوي لمنع الهجمات الإسرائيلية.

يعتقد الباحث والصحفي التركي إسماعيل جوكتان أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تبني اتفاقيات فورية في جميع المجالات في سوريا. يقول: “في المرحلة الحالية الدور الأبرز الذي يمكن أن تقوم به تركيا هو مساعدة الحكومة السورية الجديدة في بناء مشروعيتها على المستوى الدولي، وهنا من المؤكد أن إيران وإسرائيل ستقومان لمنع بناء هذه المشروعية للحصول على حرية التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا. وكان هاكان فيدان قد أشار إلى هذا الموضوع حين وجه انتقادات لإيران بسبب تدخلاتها في سوريا”.

وأضاف أن “تركيا تسعى لإنشاء تعاون عسكري واقتصادي مع سوريا لمساعدة دمشق في حماية نفسها. لذلك تأتي تصريحات وخطوات من قبل إسرائيل لمنع الدور التركي”.

ويضيف جوكتان في حديث لـ”الترا سوريا” أن المسؤولين من كلا الطرفين “تحدثوا حول جهود إنشاء التعاون العسكري بين البلدين حيث أشار الطرف السوري في أكثر من مناسبة إلى إمكانية الوجود العسكري التركي في المناطق الجنوبية من سوريا. كما أن تركيا قامت في الماضي أيضًا بدعم الثوار عسكريًا”.

وأضاف أنه “يجب ألّا ننسى أن تركيا هي دولة عضو في الناتو، إضافةً إلى ذلك تملك قدرة دفع المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء تدخلاتها في سوريا، الرئيس أردوغان يمكنه أن يستخدم أوراقًا عدة بما في ذلك جمع الدول الإسلامية لبناء موقف موحد ضد التدخلات الإسرائيلية واستخدام عضويته في الناتو لكبح جموح إسرائيل ووضع حدّ لتدخلاتها”.

وختم حديثه قائلًا: “لا تملك إسرائيل إمكانية تقديم الدعم الكافي إلى قسد، التنظيم الذي يدعي أنه يمثل الأكراد؛ لأنها تبعد عن مناطق الأكراد جغرافيًا وأيضًا قدراتها العسكرية ليست كافية لتقديم دعم طويل الأمد”.

إضافة إلى ذلك، فإن “قسد تعمل تحت غطاء أميركي، وبالتالي فالموضوع يتعلق بتحركات أميركية”، معتبرًا أن هدف إسرائيل من تصريحاتها تجاه الأكراد هو “ابتزاز دمشق وأنقرة والسعي لإفشال المرحلة الانتقالية في سوريا، لذلك يجب على دمشق وأنقرة التهرب من مواجهة إسرائيل عسكريًا لسلامة المرحلة”.

وخلال الأسابيع الماضية أرسلت قولت الجيش التركي آليات عسكرية وأرتال ضخمة إلى شمال سوريا، وقال مراقبون إن الأرتال جاءت لبناء قواعد عسكرية في منطقتي حماة وحمص.

الأستاذ في جامعة كارتكن والباحث التركي د. قتيبة الفرحات يؤكد أن “الدور التركي في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والإيرانية لسوريا هو دور سياسي بامتياز، قد يرقى إلى تثبيت ووضع قواعد عسكرية جديدة في سوريا، ليس دورها المواجهة أو الدفاع المباشر وإنما رسائل عسكرية يُراد بها الحلّ السياسي”.

ويضيف أنه “يمكن أن يكون هناك تحالف عسكري بين البلدين، يقوم على التعاون العسكري وتدريب الجيش السوري الجديد، وربما نقل تقنية صناعة المسيرات”.

ويرى في حديث لـ”الترا سوريا” أن قدرة تركيا في الحد من التدخلات الإسرائيلية هي سياسية، وذلك من خلال خلق واقع وتهيئة مناخ دولي للضغط على إسرائيل.

ويشير إلى أن “الأوراق التي قد تُستعمل لتحقيق ما سبق هي التعاون العسكري بين سوريا وتركيا وزرع المزيد من القواعد العسكرية، ويمكن أيضًا تقديم رسائل تطمين للإسرائيليين من خلال تقديم تركيا نفسها كضامن للدولة السورية الجديدة”.

ويؤكد الفرحات أن “الملف الكردي ليس بيد إسرائيل، والكلام في ذلك لا يعدو أن يكون كلامًا سياسيًا لتحقيق مكاسب عديدة، والقضية الكردية بِرُمَّتها منوطة بتفاهمات أمريكية تركية”.

الترا سوريا

————————-

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى