أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

شعبوية مموهة بالوطنية!/ أحمد مولود الطيار

04 ابريل 2025

انتشار ظاهرة الشعبوية عالمياً لم يعد مقصوراً على زعماء وسياسيّي وقادة دول، بل باتت هذه الظاهرة تخترق كل مستويات حياتنا، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، غدا الخطاب الشعبوي سلعةً يوميةً يتوسل منتجوها نجومية خادعة، وحصاد “لايكات” برأي ضحل لا قيمة له. وعندما تواجههم بسطحية رأيهم، يرفعون في وجهك اتهامات جاهزة، وربما أبرزها “النخبوية”، وأنك منفصل عن الواقع وعن “هموم العامة”، منصّبين أنفسهم قادة، وأنهم يكتبون نبض الشارع وينقلون همومه، في تمويه واضح وخلط بين “الشعبوية” و”الشعبي”.

الفرق بين “الشعبي” و”الشعبوي” فرق كبير في المعنى والدلالة، رغم التشابه في الشكل، فـ”الشعبي” صفة تُطلق على ما يتعلق بالشعب من ثقافة أو عادات أو تقاليد أو لغة أو فن، وعموماً للمفردة دلالة إيجابية في الغالب، أو ربما تطلق في وصف حيادي، فالموسيقى الشعبية، مثالاً، موسيقى نابعة من ثقافة الناس وتقاليدهم. وأيضاً لا يخلو الأمر أنّ هناك مَن يستخدم هذا المصطلح وفقاً لـ”تصنيفات” معيارية تنفتح على المزيد من المجالات الإنسانية، مؤطرة بخلفيات اجتماعية وسياسية وثقافية، وحتى نفسية.

أما “الشعبوي”، فهي صفة تُطلق على شخص أو خطاب أو سياسة تستخدم مشاعر الناس البسيطة ومخاوفهم ورغباتهم لكسب التأييد، غالباً عن طريق تبسيط القضايا المعقدة وتقديم وعود خيالية. وهو أسلوب يتبعه الكثير من السياسيين، خاصة في مواسم الانتخابات، من أجل الحشد الجماهيري وكسب أصوات الناس، وربما في عصرنا الحالي، أبرز هؤلاء الشعبويين بوتين وترامب وأردوغان وفيكتور أوربان. والزعيم الشعبوي هو الذي يستغل غضب الناس من النخبة أو الفساد ويعدهم بحلول سحرية، وترامب أفضل مثال على ذلك، إذ يحمّل “الآخرين” (النخبة، المهاجرين، فئات معينة) مسؤولية كل مشاكل أميركا.

لذلك، لو لخصنا المفهومين بكثافة، فيمكننا القول إنّ “الشعبي” من الشعب ويعبّر عن ثقافته وحياته، بينما “الشعبوي” يستخدم مشاعر الناس للوصول إلى سلطة أو غايات معينة، وغالباً بالخداع والتلاعب العاطفي.

مناسبة هذه المقدمة وهذا الشرح هو انتشار ظاهرة الشعبوية على الفيس بوك السوري من أشخاص يعرّفون أنفسهم بأنهم مثقفون ومترجمون، ويطمحون لأن يكونوا قادة رأي عام، لما للفيسبوك والوسائل الأخرى من تأثير. وفي وضع سيّال كالوضع السوري، اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد الناس يميّزون بين الرأي الغثّ والسمين، كما تقول العرب.

آخر تلك الشعبويات، اللغط الذي بات يتردد ويتوسل طارحوه شرعية، هو موضوع المقاتلين الأجانب في “وزارة الدفاع السورية”، وهذا منشور (بوست) من ضمن أمثلة كثيرة تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي؛ يقول:

“تناقض غريب: أتعجب من قوم تركوا بلادهم في زمن الحرب لأسباب كثيرة، على رأسها الخوف وإيثار السلامة، وأقاموا في بلاد الاغتراب، فحصلوا على الجنسيات التركية والأوروبية والكندية والأمريكية، ثم استيقظ لديهم الحسّ الوطني والخوف على الهوية السورية فجأة، فبدأوا حملة رفض منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين تركوا بلادهم الآمنة وجاؤوا للدفاع عنا. أنا أرى أنهم أحق من كثيرين بالجنسية، وبلاد الشام تاريخياً استقبلت المسلمين من كل حدب وصوب، ودمجتهم وصاروا جزءاً منها”.

هذا المنشور يندرج ضمن الخطاب الشعبوي، وليس الشعبي، لأسباب كثيرة:

أولاً؛ التبسيط الشديد لقضية معقدة، فمسألة منح الجنسية لمقاتلين جهاديين أجانب انضووا في تنظيمات إرهابية وساهموا في نزوح الكثير من السوريين، ومدينة الرقة تحت حكم داعش والنصرة أكبر مثال، ومن لم يلتجئ إلى تركيا أو غيرها قُتل، وعلى الهواء مباشرة. صاحب البوست يطرح قضية شديدة الحساسية بعيداً حتى عن جوانبها القانونية والسياسية والديمغرافية، ويتعامل معها كأنها خلاف على منح جائزة ترضية.

ثانياً؛ المقارنة بين حالتَين غير متكافئتين، فهو يقارن بين لاجئين سوريين هربوا من الحرب إلى دول آمنة، وبين مقاتلين أجانب جاؤوا من دول آمنة إلى بلد في حرب، لأهداف خاصة بهم، لا تتعلق بالثورة السورية، وهي مقارنة مضللة تخلط، بشعبوية فاضحة، سياقات أخلاقية وقانونية وسياسية واجتماعية مختلفة تماماً.

ثالثاً؛ المنشور يلعب على تجييش المشاعر في لحظة مضطربة من تاريخ سورية، كما يمارس الاتهام الضمني، وفيه تلميح واضح بأن مَن يعارض تجنيس المقاتلين الأجانب هو “فاقد للهوية” أو “يعيش تناقضاً”، ما يُحرّض على مشاعر الغضب أو الذنب، دون تحليل عقلاني أو حجج جدية.

رابعاً؛ صاحب المنشور، ولكي يبدو أمام جمهوره عارفاً ومثقفاً، يستدعي التاريخ على نحوٍ تعسفي وانتقائي، فهو يستخدم عبارة “بلاد الشام استقبلت المسلمين من كل حدب وصوب” في محاولة لإضفاء شرعية دينية أو تاريخية على موقف سياسي معاصر، وهي سمة شعبوية كلاسيكية: تقديس الماضي لخدمة موقف آني. وطبعاً، هنا لا أظن أنه يخفى على أحد، أنّ هناك غزلاً واضحاً للقيادة الجديدة في سورية ذات الخلفية الجهادية الإسلامية.

في الخلاصة، المنشور نموذج واضح لخطاب شعبوي يتخفّى خلف قناع وطني أو ديني، ويهدف إلى خلق استقطابٍ، السوريون في هذه المرحلة في غنى عنه، بين اللاجئين والمعترضين من جهة، وبين داعمي تجنيس المقاتلين من جهة أخرى، ومثل هذا الخطاب لا يخدم النقاش الصحي، بل يُقصي التفكير العقلاني ويُوظف العاطفة لإلغاء الآخر.

من حقّ أي فرد أن يطرح رأيه في موضوع تجنيس الأجانب، لكن من واجبنا أن نُميز بين الرأي الصادق، والخطاب الذي يُزيّن المواقف الحادة بغلاف الهوية والعواطف، بينما يساهم في تفتيت المجتمع أكثر.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى