عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 06 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
———————————–
هل يمتلك الشرع ما يقدّمه لإسرائيل؟/ عمر قدور
السبت 2025/04/05
كانت الغارات الإسرائيلية ليل الأربعاء على مطار حماة، وعلى مطار وقاعدة T4، هي الأعنف مؤخراً، وكما هو معلوم توغلت قوات إسرائيلية في اليوم نفسه في الريف الغربي لمحافظة درعا، واشتبك معها الأهالي، ما أدى إلى مقتل تسعة من الذين قاوموا القوات الإسرائيلية المعتدية. المقاومة الشعبية في درعا هي سابقة تُسجَّل لأول مرة على هذا النحو، أما الاعتداءات الإسرائيلية فهي متواصلة منذ سنوات، مع تغيّر في الإيقاع والأهداف، فقد كانت قبل سقوط الأسد تستهدف المواقع الإيرانية في سوريا، بينما راحت تستهدف بعد سقوطه مواقع عسكرية سورية أضعف من أن تكون مصدراً للتهديد.
الجديد أيضاً هو التوغلات الإسرائيلية التي تتجاوز خط الهدنة لعام 1974، من دون أن تكون هناك تهديدات منطلقة من أماكن التوغل، ومن دون الإفصاح عن طلبات إسرائيلية واضحة تتعدى الأقوال التقليدية عن وجود تهديدات لأمن إسرائيل. على هذا الصعيد، الجديد الذي برز في الأيام الأخيرة هي الأقوال الإسرائيلية الخاصة بالنفوذ التركي، تحديداً تلك المعارِضة لوجود قواعد عسكرية تركية في سوريا، ويُشاع أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع قد اتفق عليها مع نظيره التركي أردوغان.
من شبه المؤكد أن المصالح التركية والإسرائيلية كانت متوافقة وقت انطلقت عملية ردع العدوان التي انتهت بإسقاط الأسد، لأن الهدف المشترك آنذاك هو التخلص من الأسد وإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا. ومن شبه المؤكد، والمعتاد في هذه الحالات، أن تكون أنقرة طامعة في وراثة النفوذ الإيراني كاملاً، وكذلك في وراثة النفوذ الروسي الذي لا يُعرف بعدُ مصيره التام، لكن في كل الأحوال من المستبعد أن يعود على النحو السابق. ولعل فرضية الصراع الإسرائيلي-التركي تستمد سبباً وجيهاً آخر، فيما لو نُفّذت التهديدات العسكرية الموجّه لطهران، والتي يؤذن مجملها بانهيار ما تبقى من النفوذ الإيراني الإقليمي واشتداد الصراع على وراثته.
بدورها، ردود فعل دمشق على الانتهاكات الإسرائيلية التي لا تتوقف هي في الحد الأدنى، وحتى لغة الاستنكار والتنديد في بيانات وزارة الخارجية كانت خافتة بالمقارنة مع بيانات عربية متضامنة صادرة عن وزارات للخارجية. ردّ الفعل لم يصل إلى ما هو (روتيني) في مثل هذه الأحوال، كأن تُقدَّم شكوى عاجلة ويُطالَب مجلس الأمن بالانعقاد للبت فيها. والتبرير المحتمل بأن إسرائيل لن تكترث بالشكوى، وبأي بيان شجبٍ يصدر عن المجلس فيما لو لم تستخدم واشنطن الفيتو، هذا التبرير لا يعفي السلطة من بذل جهودها في المضمار الدولي، مهما كانت الحصيلة المتوقّعة متدنية.
أصدرت وزارة الخارجية التركية يوم الخميس بياناً يدين العدوان الإسرائيلي، وبلهجة تُعدّ حادة بالمعايير الدبلوماسية. وكانت صحيفة “تركيا” المقرّبة من الحكومة قد نشرت أخباراً، قبل يوم من الهجوم الإسرائيلي، عن تعزيزات تركية ذاهبة إلى قاعدة T4 التي ستُعطى لتركيا، من أجل تعزيز جهودها في مكافحة داعش حسب الصحيفة. وزير الخارجية التركي استخدم أيضاً خطر داعش، إذ قال أن الهجمات الإسرائيلية “تعرقل جهود سوريا في مهاجمة داعش”، وفي تصريح لرويترز يوم الجمعة قال هاكان فيدان ما يُفهم منه أن بلاده لا تمانع في التوصل إلى “تفاهمات ما” بين الإدارة الجديدة في سوريا وإسرائيل.
داخلياً، يمكن القول أن أنصار السلطة لا يمانعون في أن تبرم اتفاقاً مع تل أبيب، ولو بوصفه شراً لا بدّ منه أمام غطرسة القوة الإسرائيلية. الفكرة الشائعة في أوساط هؤلاء أن القيادة الجديدة قادرة على عقد صفقة سلام واقعية، وعلى أن تل أبيب تريد السلام وتقبل به على القاعدة القديمة: الأرض مقابل السلام. أي أن الشرع، وفق هذا التصور، يملك أن يقدّم السلام لإسرائيل مقابل استعادة الجولان المحتل.
كثُرٌ من أنصار السلام حالياً كانوا إلى ما قبل شهور يسخرون من صمت الأسد على الاعتداءات الإسرائيلية، ويبنون عليها اتهامات العمالة، وفي المقابل كان أنصاره يردّون بأنه يقاوم إسرائيل باستهداف “عملائها” في الداخل، بل إن اعتداءاتها هي ردّ فعل على هزائم عملائها في الداخل. هناك بين موالي اليوم من يكرر أقوال موالي الأمس، وهناك قلّة تهزأ من عدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل، بينما توالي الفصائل انتهاكاتها في الساحل. لكن رغم هذا الجدل السوري المتواصل، بمناسبة أو من دونها، تبقى فكرة السلام جديرة بقليل من التفكير.
لا يلحظ أنصار السلام الجدد أن قاعدة الأرض مقابل السلام قد انتهت إسرائيلياً منذ ربع قرن تقريباً، وما طرحته الحكومات الإسرائيلية خلال هذه الفترة هو: السلام مقابل السلام. إعادة الجولان ليست مطروحة على طاولة المفاوضات إذن، لكن الشروط الإسرائيلية لا تتوقف عند مقايضة السلام بالسلام، فهناك العديد من المطالب القديمة والمستجدة. من تلك القديمة أن إسرائيل تريد منطقة عازلة منزوعة السلاح، والمستجد في المطلب نفسه أنها الآن تطالب بها من جنوب دمشق حتى حدود اتفاقية الهدنة المعروفة. ومن المطالب المعلنة مؤخراً ابتعاد الحكم في دمشق عن أنقرة، بحيث لا تلعب تركيا دوراًَ “سُنّيّاً” مشابهاً لدور إيران “الشيعي”، وقد أعلنت تل أبيب مخاوفها من نفوذ تركي في لبنان.
في الواقع، لا يحتاج نباهةً القولُ إن الطرف الضعيف المُستضعف في الحرب لن يكون قادراً على الإتيان بسلام منصف أو مفيد، لأن ما يُشترط عليه في السلام مطابق لوزنه. الانهيار السوري أكبر من أن يترك وزناً في المفاوضات مع إسرائيل لأية سلطة تحكم البلد. وإذا كانت الحرب متعذّرة بسبب الضعف، فالسلام متعذّر تالياً للسبب نفسه. وهذه الحالة تستدعي الخروج بأقل قدر من الخسائر، من دون التورط في قرار مصيري حرباً أو سلماً.
قد يكون الاستحقاق الأكثر إلحاحاً حتى إشعار آخر هو سحب الفتيل الإسرائيلي من التداول الداخلي، بحيث لا يبقى مادة للمزايدة أو المناكفة بين السوريين، وبحيث لا تدخل إسرائيل من الشقوق التي بينهم. هذا يصحّ من حيث المبدأ على الخارج عموماً؛ الخارج الذي يقوى حضوره ونفوذه بقدر ما يتصدّع الداخل. إن واحداً من الأوجه المعتادة للحروب الداخلية هو أن يصبح لكل طرف من أطراف الصراع حلفاء وأعداء خارجيون، وأن يصبح لكل طرف سياسة وتطلعات خارجية مغايرة للآخر؛ هذا أيضاً واحد من معاني انهيار المشترَك الوطني.
التعافي من الانقسام هو أول خطوة تخطوها سوريا نحو أن تكون بلداً طبيعياً، إذ من دونه لن تكون هناك إمكانية للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار. وفي الأجل المنظور ستكون الأولوية لتشافي المجتمع السوري المنهك، لذا يفترض ألا تكون العسكرة مرة أخرى على حساب التنمية، ثم سبيلاً لتمزيق المجتمع وإفقاره بذريعة أولوية التصدي للعدو الخارجي؛ هذا وصفة أسدية نرى حتى اليوم عواقبها. قوة سوريا بذاتها، ولذاتها أولاً، هي الوصفة المضادة التي تجعلها أقوى تالياً في مواجهة الخارج؛ سلماً أو حرباً. على السلطة مسؤولية أكبر من المعتاد، بسبب الأحوال الاستثنائية وغياب العملية الديموقراطية، واستقواؤها بالداخل السوري (بلا تمييز أو إقصاء) لن يجعلها فوراً قوية أمام آلة الحرب الإسرائيلية، لكنه سينتشلها من الضعف الذي يمنعها حتى من الشكوى لمجلس الأمن.
المدن
————————–
العدوان الإسرائيلي.. التحدي الأخطر في سوريا/ أحمد مظهر سعدو
2025.04.05
كانت إسرائيل وما زالت تشكل الخطر الأكبر، ليس على سوريا فحسب، بل على المنطقة العربية والإسلامية برمتها.
ولعل ما تشهده سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد من عدوان متواصل لاينقطع على مجمل الجغرافيا السورية، يمثل استطالات للمشروع الصهيوني في المنطقة، بعد أن ظن البعض واهمين أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية للأمة، وأن وجود إسرائيل كدولة احتلال على أرض فلسطين، وأراضي عربية محتلة أخرى ومجاورة، لم يعد مهمًا، لكن واقع الحال الممارس إسرائيليًا أمام نظر العالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع يشير وبوضوح إلى استمرار هذا الخطر الكبير، إن لم يكن الأكبر بالتوازي مع الخطر الآخر الإيراني على سوريا والمنطقة، بما يمتلكان من مشروع احتلالي استيطاني إحلالي يهدد وحدة سوريا، ويساهم فيما لو تمكن، من الاستمرار في تشظي سوريا، والمنطقة، وسط رؤيا إسرائيلية تقول: إن وحدة سوريا وتماسك تنوعات شعبها، وسيادة الوعي السوري المطابق للهم والشعور العام التحرري السوري، سوف يشكل خطرًا وجوديًا على بقاء كيان إسرائيل وتمددها في المنطقة.
وعلى هذا الأساس وضمن سياسات (نتنياهو) الانتفاخية، بعد خروجه من حرب غزة منتصرًا، وكذلك الأمر من حرب جنوبي لبنان، وفي ظل وجود إدارة أميركية (دونالد ترامب) متنمرة على العالم أجمع، وداعمة بقوة لسياسات التطرف الإسرائيلي اليميني، حيث تقف إدارة (ترامب) إلى جانب كل سياسات (نتنياهو) العسكرية والأمنية التوسعية، وصولًا إلى مايسمى في إسرائيل قيام وتطبيق فكرة دولة (إسرائيل العظمى) التي يمكنها الهيمنة على المنطقة العربية لعقود قادمة، في ظل وجود نظام عربي رسمي متهالك، وغياب أي مشروع رسمي عربي، يمكن أن يجمع العرب لمواجهة التحديات الكبرى، ومنها بل وأهمها التحدي الخطر للمشروع الصهيوني، ومثله التحدي الآخر الموازي له في خطره في المنطقة العربية، وهو تحدي مواجهة جدية للمشروع الإيراني الفارسي الطائفي.
وإذا كان المشروع الإيراني المشار إليه اليوم، قد أصبح في أسوأ حالاته، بعد هزيمته الكبرى المدوية والمجلجلة في الساحة السورية، وانقطاع حبل التواصل لهذا المشروع في الجغرافيا السورية، وانسحابه القسري إلى ماهو داخل كيان الجغرافيا السياسية الإيرانية حاليًا وإلى أمد مستقبلي بعيد، فإن إسرائيل والمشروع الصهيوني، الذي تحمله، مازال منتشيًا، ويعيش أهم حالاته وانتصاراته بعد حربه المجنونة الحاقدة والمستمرة على أهل غزة والضفة الغربية والشعب الفلسطيني برمته، وتحديه المتواصل للنظام الرسمي العربي، وضربه عرض الحائط
بكل المواثيق الدولية، وكل الاتفاقات، المدعاة أنها اتفاقات سلام، الموقعة مع العرب وسواهم، واستمرار فرجة (المجتمع الدولي)، أو مايسمى خطأ ووهمًا بالمجتمع الدولي، على مايجري، كل ذلك يسهم في استمرار وتمدد الخطر الإسرائيلي، نحو سوريا الجديدة، الخارجة من مرحلة تاريخية، هي الأهم في تاريخ سوريا الحديث، بعد كنس نظام بشار الأسد الفاشيستي وطرد الإيرانيبن من سوريا. هذا الخطر الصهيوني ما زال مستمرًا، ولن يألو جهدًا في إنجاز مايريده، إن استطاع إلى ذلك سبيلًا، وخاصة مايتعلق بمسألتين مهمتين بالنسبة لإسرائيل أولهما تفتيت الدولة السورية وتشظي وحدتها، إلى كيانات ودول صغيرة، لو استطاع، وكذلك اللعب على الوتر الطائفي والإثني، وصولًا إلى ذلك، وإلا فإن الخيار الآخر أمام إسرأئيل سيكون ضغطًا متواصلًا بقوة السلاح والتقنيات العسكرية الحديثة التي تمتلكها إسرائيل، وهو أن تضطر سوريا الجديدة مثلًا، إلى التوقيع على تفاهمات أو اتفاقات جديدة، تنهي حالة الحرب المفترضة بين الجهتين، وتؤسس إلى أجواء تطبيع غير صحي وغير صحيح، ينتج عن واقع ضعيف للحالة السورية، ومن ثم فإن مثل هذه الاتفاقات المفترضة، فيما لو حصلت، ستكون على حساب السورىيين، كل السوريين، وليس لصالحهم.
لكن يبقى سؤال السوريين المنطقي والعقلاني: ما الحل؟ وكيف يمكن الخروج من عنق الزجاجة؟ وإفساح المجال حقيقة للتصدي لتحديات سوريا داخلية أخرى، ليست أقل خطرًا في الداخل السوري، ومنها مسائل تتعلق بالعدالة الانتقالية ووحدة الأراضي السورية، وإنجاز كل متطلبات مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته، والوصول إلى نهايات مرحلة انتقالية، تنجز وتصوغ الدستور السوري المرتقب، والعقد الاجتماعي السوري الجامع، وتشكيل المجلس التشريعي، وأيضًا تأمين جل الخدمات الضرورية المتبخرة منذ أيام نظام بشار الأسد، كي يتم جذب السوريين المتواجدين في الخارج، المنتظرين والمتريثين ، إضافة إلى إنجاز الكثير من المهام الوطنية، التي تنتظر إنجازها في قادم الأيام.
إن الحديث اليوم عن ضرورة الإسراع في عقد اتفاقية دفاع مشترك مع الدولة التركية، تقوم على الاحترام المتبادل لكلا الدولتين السورية والتركية، باعتبار أن تركيا منتمية إلى حلف الناتو، هذا الموضوع إن تم، من الممكن أن يساهم في إنجاز أوضاع جديدة في سوريا، ويلجم تلك التعديات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ويمكن أن يساهم في إعادة إنفاذ وتطبيق اتفاق (فض الاشتباك) الموقع بين حافظ الأسد وإسرائيل عام 1974، الذي جاء بعد حرب 6 تشرين/ أكتوبر عام 1973، أو على الأقل إجراء تعديلات طفيفة عليه، تساهم في تأخير حدوث حرب كبرى بين سوريا وإسرائيل، غير مستعدة لها الإدارة الجديدة، ولا تريدها حاليًا، وهي واقعيًا غير قادرة عليها.
مع ذلك يبقى الخطر الإسرائيلي يشكل التحدي الكبير جديًا للسوريين وللإدارة الجديدة، ويهدد تهديدًا حقيقيًا حالة النصر التي تحققت من قبل نضال السوريين ضد نظام بشار الأسد وفلوله، حيث سيبقى دائمًا مايمكن قوله، من أن هذا الخطر سوف يهدد وحدة سوريا بكليتها، وكذلك
وحدة جل الكيانات القطرية العربية برمتها، إن لم تتنبه إلى ذلك قوى وأركان النظام العربي الرسمي ثم تعد العدة له، على الأرض وليي ضمن الشعارات فقط.
تلفزيون سوريا
——————————
سوريا: قصف المطارات الحربية رسائل تل أبيب إلى أنقرة/ منهل باريش
تحديث 06 نيسان 2025
تأتي الهجمات العدوانية كرد فعل على الحديث القائل بعزم أنقرة بناء قاعدة عسكرية في ريف حمص الشرقي، بعد جولة استطلاع تركية في قاعدتي تدمر ومطار التيفور الجوية.
في أعنف قصف ضد مواقع عسكرية منذ سقوط النظام السوري، ارتفعت شدة القصف الإسرائيلي ضد أهداف في عمق الأراضي السورية. وفي التفاصيل، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي بعدة غارات الخميس الماضي نقاطا ومراكز عسكرية بريف دمشق، وطال القصف مقر «اللواء 75» في بلدة المقيلبية، كما استهدفت عدة غارات «الفوج 165» والفرقة الأولى في محيط مدينة الكسوة بالريف الغربي لدمشق، من دون توثيق أي ضحايا بحسب ما أفادت به مصادر محلية.
كما ألقى طيران الاحتلال الإسرائيلي صباح الخميس، مناشير ورقية تحذيرية على قرية كويا وعدد من القرى المحيطة بها في حوض اليرموك الغربي بريف محافظة درعا، وجاء في نص المنشورات «إلى سكان قرية الكويا والمنطقة، نود أن نعلمكم بعد ما حدث في قريتكم، أنه ممنوع عليكم التجول مسلحين في منطقة القرية وما حولها، وممنوع عبور طريق الوادي-الشريعة باتجاه حوض اليرموك»، وأرفقت المنشورات بخريطة للمنطقة ومشار فيها إلى المناطق التي حذرت من التجول فيها أو عبورها.
الجدير بالذكر، أن قوة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي توغلت في 25 آذار (مارس) الماضي داخل قرية كويا، وتصدى لها مجموعة من شبان المنطقة ما تسبب بمقتل ستة منهم بنيران جيش الاحتلال.
وتأتي التطورات الأخيرة بعد أقل من يوم على استهداف الطيران الإسرائيلي لعدة مواقع عسكرية سورية منها مطار حماة العسكري الواقع جنوب المدينة، بالقرب من طريق حماة – مصياف، وبعد عملية توغل بري للقوات الإسرائيلية على منطقة حرش سد الجبيلية بين مدينة نوى وبلدة تسيل بريف درعا الغربي، ومقتل تسعة أشخاص وإصابة آخرين.
وفي هذا السياق، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي ليل الأربعاء الفائت مطار حماة العسكري، وقاعدة التيفور الجوية «مطار تياس الحربي» شرقي حمص، ومبنى البحوث العلمية في منطقة مساكن برزة في مدينة دمشق، وحسب ما أفاد مصدر محلي يقيم بالقرب من المطار لـ «القدس العربي» فقد «استهدف طيران الاحتلال مطار حماة العسكري بأكثر من 15 غارة»، ما تسبب في مقتل أربعة أشخاص تابعين لوزارة الدفاع السورية، وأضاف «دمر مدرجي المطار واحترقت طائرتين داخله بالإضافة لمستودعات المطار وبرج المراقبة».
وقالت وكالة الأنباء السورية «سانا» إن طيران الاحتلال الإسرائيلي استهدف بغارة جوية محيط مبنى البحوث العلمية بحي مساكن برزة بدمشق، وغارة استهدفت محيط مدينة حماة.
وتزامنت الغارات الجوية مع عملية توغل بري لقوات الاحتلال باتجاه حرش تسيل «محمية تسيل»، وحسب ما أفاد به ناشط محلي في بلدة تسيل لـ «القدس العربي»، فقد توغل رتل عسكري إسرائيلي ليل الأربعاء باتجاه حرش تسيل في حوض اليرموك بريف درعا الغربي، مع تحليق طيران مروحي إسرائيلي، لتتصدى للرتل من «تل جموع» قوات محلية من مدينة نوى، الأمر الذي ردت عليه قوات الاحتلال بالقصف المدفعي المركز، وتبعه تحليق للطيران المروحي فوق التل واستهداف المقاتلين المحليين بنيران الرشاشات، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الفور وإصابة 28 آخرين، خمسة منهم إصاباتهم حرجة.
وأضاف المصدر، أن قوات الاحتلال دفعت برتلين عسكريين كانا يتمركزان بريف القنيطرة باتجاه منطقة الاشتباكات، مترافقين مع ست مروحيات، ساهمت بتأمين الرتل الأول وحمايته حتى أنهى مهامه داخل حرش تسيل وانسحاب كافة الأرتال بعد أن نفذت مهمتها، وذكر المرصد أن مروحية تابعة لقوات الاحتلال هبطت داخل الحرش ونقلت عددا من جنود الاحتلال المصابين خلال الاشتباكات.
ومن القنيطرة، أكد الناشط شادي أبو زيد أن الرتل العسكري الإسرائيلي دخل باتجاه قرى الحيران ثم غدير ومن هناك إلى الجبيلية، وحول حقيقة مشاركة الطيران الحربي الإسرائيلي قال أبو زيد لـ «القدس العربي»: «شاركت ست حوامات بالهجوم وكانت على علو منخفض وصوتها قريب للغاية، كما شارك الطيران المسير بعمليات المسح والتصوير الجوي وهي من حددت مواقع الشبان الذين تقدموا لاعتراض الرتل ومنعه من التقدم باتجاه مدينة نوى».
وبخلاف المتداول، نفى الناشط المحلي في نوى استهداف الطيران المروحي من قبل الشبان القتلى أو مجموعات أخرى قريبة على اعتبار ان إطلاق النار سيحدد مصدره من قبل المروحيات ليلا، ونوه إلى امكانية انه جرى إطلاق نار في السماء من داخل المدينة بهدف إبعاد الطائرات، ورجح أن يكون القصف من المدفعية الإسرائيلية المتمركزة داخل أراضي الجولان المحتل.
وشدد على أن قوات الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية السورية وقوات وزارة الدفاع السورية، نبهت المجموعات المحلية من خطورة مواجهة القوات الإسرائيلية مشيرة إلى أن امكانيات وزارة الدفاع السورية ضعيفة وليس بمقدورها مواجهة القوات الإسرائيلية.
وأشار الناشط إلى أن المجموعات المحلية المقاومة لأرتال الاحتلال الإسرائيلي كانت مجموعة «أحرار نوى» التابعة للجيش الحر خلال حكم نظام الأسد، والتي يتزعمها عيسى الصقر شقيق عطا الله الصقر القائد السابق للمجموعة والذي اغتيل على يد النظام عام 2022، ومما تجدر الإشارة إليه أن المنطقة التي توغلت داخلها قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت منطقة نشاط وتمركز لخلايا حزب الله اللبناني خلال حكم بشار الأسد.
وفي هذا الصدد، ذكرت تقارير سابقة أن حوض اليرموك بشكل عام كان منطقة عسكرية ونقطة تمركز كبيرة للقوات الإيرانية وحزب الله سابقا، وكانت تتمركز بشكل رئيسي في سرية عسكرية بالقرب من قرية معربة بالإضافة لنقاط عسكرية في عابدين وجملة، وشكلت هذه النقاط العسكرية مقرا للقيادة الإيرانية في حوض اليرموك بالكامل.
وخرج الآلاف من سكان محافظة درعا ومدينة نوى ظهر الخميس، في مظاهرة تشييع الضحايا التسع الذين قضوا بنيران قوات الاحتلال، وحضر التشييع محافظ درعا أنور الزعبي وعدد من الأعيان وممثلون عن الأمن العام والدفاع المدني، وردد المتظاهرون هتافات تشيد بمقاومة الأهالي لرتل الاحتلال، وتشيد بالشهداء، كما طالب المتظاهرون المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها وانتهاكاتها المتكررة على سوريا، وأقيمت بعد التشييع خيمة عزاء مركزية في مركز إنعاش الريف في مدينة نوى التي أغلقت محلاتها كافة يوم الخميس حدادا على ضحايا العدوان الإسرائيلي.
بدورها دانت وزارة الخارجية السورية الاعتداءات الأخيرة على سوريا، وقالت إن هذه الاعتداءات من شأنها أن «تزعزع استقرار سوريا»، وجاء في بيان الخارجية أن إسرائيل «شنت غارات جوية على مناطق مختلفة من سوريا خلال ثلاثين دقيقة، ما أسفر عن تدمير مطار حماة العسكري وإصابة العشرات من المدنيين»، وأشار البيان إلى أن هذا التصعيد «غير المبرر محاولة لزعزعة استقرار سوريا».
من جهة أخرى، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له، أنه خلال العملية العسكرية في حوض اليرموك «أطلق عدد من المسلحين النار على قواتنا التي ردت بإطلاق النار عليهم وقضت على عدد من الإرهابيين المسلحين».
وأضاف البيان، أن سلاح الجو الإسرائيلي استهدف قدرات عسكرية في قاعدتي «التيفور» وقاعدة حماة العسكرية بالإضافة لبنى تحتية عسكرية، وأشار البيان إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمل على «إزالة أي تهديد محتمل على مواطني دولة إسرائيل».
وتأتي الهجمات العدوانية كرد فعل على الحديث القائل بعزم أنقرة بناء قاعدة عسكرية في ريف حمص الشرقي، بعد جولة استطلاع تركية في قاعدتي تدمر ومطار التيفور الجوية «مطار تياس الحربي»، ويعتقد الكثيرون أن دولا عربية ستكون مستاءة للغاية في حال توسع النفوذ التركي في سوريا إلى وسط البلاد بعد أن كانت تراجعت إلى الشمال السوري منذ ربيع 2020.
وفي الجدال القائم حول تلك المسألة، وصف الباحث السوري بمركز الحوار للأبحاث والدراسات بواشنطن، عمار جلو دوافع تركيا بإنشاء قواعد عسكرية في سوريا بأنها «جدية» وتأتي ضمن مساعي أنقرة لـ «توسيع فضائها الجيوسياسي، وضبط الطموحات الكردية في سوريا، وضمان استقرار سوريا، باعتباره عاملا مهما لأمن تركيا القومي، وبهدف الحلول محل قوات التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب في سوريا».
إضافة للقواعد، أشار الباحث لـ«القدس العربي» أن لدى أنقرة رغبة في أن تكون «المسؤولة عن تدريب وتأسيس الجيش السوري الوليد، والنقطة الأخيرة كانت سابقا نقطة تباين مع دمشق، لما يمثله ذلك من إمكانية تحكم تركي نهائي بالقرار السوري».
وفي تفاصيل الموقف العربي، لفت جلو إلى أن السعودية وقطر يسعيان إلى استقرار سوريا ومنع التغول الإسرائيلي وعودة إيران، وخفف من الخشية السعودية على اعتبار أنها «تتقاسم النفوذ مع تركيا في سوريا»، معتبرا أن نفوذ الرياض كبير جدا من النواحي الاقتصادية والاستثمارية والسياسية والدبلوماسية، بما فيه الضغط لرفع العقوبات، وهذا «يجعلها صاحبة النفوذ الأقوى في سوريا، رغم النفوذ العسكري والأمني التركي» حسب تفسيره.
القدس العربي
————————–
تركيا وإسرائيل… محرّكات الاشتباك السوري ومآلاته/ محمود علوش
06 ابريل 2025
مع مرور أربعة أشهر على إطاحة نظام بشّار الأسد، بدأت الارتدادات الإقليمية للتحوّل السوري تظهر بوضوح أكبرَ وأكثرَ خطورة، من خلال ملامح الاشتباك الجيوسياسي التركي الإسرائيلي في سورية. المُحركات الدافعة لهذا الاشتباك مُتعددة. من جانب، يظهر التناقض الصارخ في الرؤية التركية والإسرائيلية لسورية الجديدة، بينما تُريد أنقرة إنجاح التحوّل والحفاظ على وحدة سورية، وتُظهر تلّ أبيب صراحة رغبتها في تقويضه، وحتى تفكيك الكيان السوري، لاعتبارات تستمدّ قوّتها أولاً، من الهاجس من ارتدادات انهيار نظام أقلّوي اعتادت عليه إسرائيل نحو ستّة عقود، وتركَ مكانه وضعاً جديداً لا يُمكن التنبّؤ بآثاره فيها، وثانياً من القلق من الخلفية الجهادية السابقة للرئيس أحمد الشرع، ومن حكم الأكثرية السُّنية عموماً، وثالثاً، من محاولة تقويض التداعيات الجيوسياسية لهذا التحوّل على صعيد منع تركيا من تحقيق أكبر قدر من الفوائد المُتصوَّرة منه.
أمّا تركيا، فهي تُقارب سورية الجديدة من منظور حاجتها إلى إنجاح عملية التحوّل، وتجنّب كارثة جيوسياسية يُمكن أن يجلبه لها فشل التحوّل أولاً، وثانياً من منظور الميزة الجيوسياسية التي منحها لها التحوّل على صعيد تعزيز نفوذها الأمني والسياسي والاقتصادي في سورية، وعلى صعيد استثمار هذا النفوذ لتعميق دورها في الشرق الأوسط قوّةً فاعلة. وثالثاً، من منظور إصلاح الخلل الكبير الذي طرأ على توازن النظام الإقليمي بعد حرب 7 أكتوبر (2023)، الذي يتجسّد في النزعة التوسّعية الإسرائيلية في المنطقة، والفراغ الذي تركه الانكفاء الإيراني، وميول إدارة الرئيس ترامب إلى الانسحاب من سورية، وتقليص انخراطها في الشرق الأوسط. إن هذا التصادم، في المقاربتين الإسرائيلية والتركية للتحوّل السوري، يرفع من مخاطر تطوّره اشتباكاً سيكون له ارتدادات كبيرة، ليس على تركيا وإسرائيل وسورية فقط، بل على النظام الإقليمي بأسره.
مع ذلك، لا يبدو صراع التوازنات الإقليمية الحالي في سورية جديداً، بقدر ما هو امتداد لحقبة الحرب خلال 13 سنة مضت، مع تحوّلات في أدوار القوى الفاعلة فيه. فمن جهة، ضاعف التحوّل السوري من أدوار بعض القوى مثل تركيا وإسرائيل ودول الخليج، في حين أضعف على نحو كبير حضور إيران فيه، بينما تستعدّ الولايات المتحدة لمغادرة سورية. وحتى في الوقت الذي تستطيع فيه أنقرة وتلّ أبيب إدارة الاشتباك الجيوسياسي، تبدو مخاطره مرتفعةً، لأن إسرائيل بعد “7 أكتوبر” مُختلفةٌ عمّا كانت قبلها، من حيث جشعها التوسّعي في الإقليم، ولأن تركيا تختلف عن إيران من جهة توازن القوى وطبيعة علاقاتها بإسرائيل وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ولأن سورية اليوم ليست سورية في الأمس، إذ فيها الحكم الجديد، وما يُمثّله من تحوّل مُجتمعي وسياسي كبير في تركيبة السلطة الداخلية.
رغم ذلك، لا تحظى فكرة إدارةٍ مرتفعةِ المخاطر للصدام التركي الإسرائيلي بقبول البلدَين. وقد قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة مع وكالة رويترز (4/4/2025)، إن بلاده لا تُريد مواجهةً مع إسرائيل في سورية. ومع أن هذا القول لا يبدو مفاجئاً، لكنه يُعطي ثلاثة مؤشّرات مُهمّة. الأول، أن الصدام العسكري مرفوض بالمطلق في مقاربة تركيا، لاعتبارات عديدة، أكثرها أهميةً أنه يجلب تكاليف تفوق بكثير الفوائد، وتُهدّد أولويات أنقرة الرئيسة في سورية، والممثّلة بتعزيز حكم أحمد الشرع الذي يُشكّل بوابةً لتعزيز الحضور التركي في المدى البعيد. وثانيها، أن رفض خيار المواجهة يعني بالضرورة الانفتاح على تفاهم ما، لأنه السبيل الوحيد لمنعها. وقد مهّد فيدان على ما يبدو لهذا المسار بالقول إن دمشق إذا كانت تُريد “تفاهمات مُعينة” مع إسرائيل فهذا شأنها الخاص. وثالثها، أن أنقرة تأخذ باهتمام خاصّ علاقتها بإدارة ترامب في مقاربة الموقف مع إسرائيل، ولا تُريد أيّ تصعيد مع إسرائيل يُهدّد هذه العلاقة، ومسار التفاهمات الثنائية في سورية.
تعزّز حقيقة إدراك أنقرة وتلّ أبيب مخاطر التصادم فرضية أن المسار التفاوضي بينها بدأ في وقت مُبكّر من إطاحة نظام الأسد. كما أن الولايات المتحدة مُنخرطة في هذا المسار في محاولة للتوصل إلى ترتيب يُدير هذا الاشتباك الجيوسياسي، لأن خروجه عن السيطرة يضغط أولاً على رغبة ترامب في مغادرة سورية، ويقوّض ثانياً جهوده لجمع تركيا وإسرائيل في نظام جديد يُدير الشرق الأوسط، بانخراط أميركي أقلّ.
تواجه فرص التفاهم بين تركيا وإسرائيل في سورية تعقيدات كبيرة، لكنّه الخير الوحيد المطروح على الطاولة، ويبدو الرئيس الشرع جزءاً من هذا المسار التفاوضي، الذي تنخرط فيه قوىً أخرى كالسعودية. وبمعزل عن مآلات هذا المسار، ستُختبر سورية في جانب حدود إسرائيل في إعادة تصميم الشرق الأوسط، ودورها فيه قوّةً مهيمنةً في تشكيل السلطة، وفي جانب آخر، حدود تركيا في تحدّي هذا التصميم، الذي يهدف إلى رسم حدود لحضورها الإقليمي. ونتائج هذا الاشتباك الجيوسياسي ستشكّل الجانب الأكبر (والأكثر أهمية) من النظام الإقليمي بعد “7 أكتوبر”.
العربي الجديد
—————————-
كل هذه الاعتداءات الإسرائيلية على سورية/ فاطمة ياسين
06 ابريل 2025
موجة جديدة من الاعتداءات البرّية والجوية ارتكبتها إسرائيل قبل أيام، استهدفت أماكن حيوية في أنحاء سورية، منها مطاران عسكريان كانا قد هوجما سابقاً في أثناء وجود بشّار الأسد في السلطة. وأظهرت صور جوية تخريب مدرّجات مطار حماة العسكري وبعض أبنيته الأخرى، بالإضافة إلى حظائر الطائرات، فلم يعد صالحاً للاستعمال. وقصفت إسرائيل مطار التيفور العسكري قرب حمص، وهاجمت منشأةً كان النظام السابق يستخدمها لتطوير أسلحة كيماوية وبحوث عسكرية في دمشق. أمّا الهجوم الأكثر خطورةً فكان التقدّم في محور الطريق 119، الواصل بين نوى والرفيد في الجنوب، وقد وُصف بأنه التقدّم الأكثر عمقاً للقوات الإسرائيلية في الداخل السوري، بمسافة نحو عشرة كيلومترات من حدود المنطقة العازلة، ولم يمرّ الهجوم بسلام، فقد تصدّت له مجموعة من شباب المنطقة فقُتل عشرة منهم.
نفّذ هجوم درعا في الصباح الباكر، وفي عشية اليوم نفسه، نفّذت الطائرات الإسرائيلية طلعاتٍ جوّية هاجمت فيها نقاطاً عسكرية في منطقة الكسوة، التي كانت مقرّاً لبعض فرق النظام السابق. ورغم انشغال إسرائيل في جبهتَين مجاورتَين، في غزّة وفي جنوبي لبنان حيث وسّعت هجومهاً ليشمل مواقعَ في الضاحية الجنوبية، تجد إسرائيل وقتاً وقوّاتٍ لتهاجم سورية بهذا المستوى من العنف، بمعنى أن سورية هدفٌ ثابتٌ تركّز عليه بعين مفتوحة وجبهة مرشّحة للانفجار على الدوام، وعلى هذا الأساس تُبقي قواتها بالقرب من الحدود، مع اختراقات مختلفة المهام في العمق السوري.
لم يجفّ الحبر الذي وقّع به أحمد الشرع مرسومَ تشكيل الحكومة الجديدة، وقد لاقت تلك الحكومة أصداءً طيبةً في الأوساط الدولية، واعترفت الولايات المتحدة بأنها حكومة تكنوقراط، ليأتي هذا الهجوم ويسقط عديداً من الضحايا. مارست إسرائيل عنفها الكبير قبل سقوط نظام بشّار الأسد وبعده، وكأنّها تريد أن توصل رسائل إلى الشرع، وإلى الشعب السوري كلّه، أن ساعة التنمية قد تجمّدت عند هذه اللحظة، وممنوع على هذه الحكومة الجديدة أن تعيد بناء قواتها العسكرية، أمّا الهجوم على مطارَين عسكريَين، ومسحهما من الوجود، فيعكس نيّةً إسرائيليةً بمنع وجود قوة عسكرية جوّية تابعة للحكومة الجديدة، والتقدّم العميق في درعا رسالة أخرى بشأن النيّة في إقامة منطقة عازلة خالية من أيّ نوع من السلاح، حتى لو كان خفيفاً، وإعادة الهجوم على الكسوة تأكيد على الرسالة الأولى، وعلى مدى العمق الذي ترغب إسرائيل في وضع الوصاية الجوّية عليه.
أرادت جهات إسرائيلية (خاصّة صحفها اليومية) الإيحاء بأن الهجوم موجّه إلى تركيا التي تَسرَّب قبل أيام أنها تنوي إنشاء قواعد عسكرية في سورية، وهوجم المطاران المقترحان ليكونا قاعدتين تركيتين، لكن أيّاً من حكومتَي البلدَين (تركيا وسورية) صرحت بما يوحي بحقيقة هذه النيّة، وقد زار الشرع أنقرة قبل أسابيع. وفي مناسبة كهذه قد يكون طرح تلك المواضيع متاحاً، لكن لم تصدُر أيّ معلومة من الطرفَين بوجود مثل هذه الخطة، وكان الطرفان قد أبديا الرغبة في التعاون العسكري، وهو الأمر الذي تشعر سورية بحاجةٍ ماسّة إليه، فقد ورثت الحكومة الجديدة دماراً عسكرياً هائلاً، واعتمدت في بنيتها العسكرية على مجموعات قليلة التدريب، وأرادت أن تتّكل على تركيا في تقديم عون إعادة هيكلة وزارة الدفاع على أسس وطنية، وتأهيل الكوادر العسكرية المناسبة لقيادة هذه المؤسّسة الهامة. وسبق لتركيا أن نفت المعلومات عن سعيها إلى إنشاء قواعد عسكرية، ولم تُبدِ أيّ نياتٍ عدوانية تجاه إسرائيل، وبهذا لم يبقَ إلا أن إسرائيل ترغب في تشكيل دائرة حماية حولها حتى من أعداء غير معروفين في سورية.
العربي الجديد
————————————–
الرئيس الشرع بين جني مكاسب النجاحات السياسية ومواجهة مخاطر الاستقطاب الإقليمي/ د. عبد المنعم حلبي
2025.04.05
بالتوازي مع ارتفاع وتيرة الأنباء التي تتحدث عن تعاون عسكري تركي سوري وعَقدِ اتفاقات مزمعة، واستمرار تلقي الرئيس أحمد الشرع وحكومته الانتقالية برقيات وبيانات الترحيب الإقليمي والدولي، بعد الإخراج الذي بدا مقنعاً للتشكيلة الحكومية.
وخلال تمرير إدارته اتفاقاً تفصيلياً مهماً مع قسد لحلحلة الأوضاع العالقة في حلب وعفرين، والذي أشاع ارتياحاً شعبياً، وجَّهت إسرائيل الأربعاء الماضي الثاني من نيسان عشرات من الضربات العسكرية على مطارين عسكريين في حماة وحمص متضمنةً رسالةً سياسية خطيرة، أربكت المشهد في سوريا ووضعته أمام مخاطر مقلقة.
فمع أجواء الترحيب الدولية، الأوروبية والأميركية، التي اعتبرت الحكومة الانتقالية خطوة مهمة باتجاه المزيد من المشاركة السياسية، وبالتالي المزيد من رفع العقوبات، بما يُمكن أن يؤدي ذلك من انتقال بالاقتصاد السوري إلى طريق التعافي وإعادة التأهيل، فوجئ السوريون مساء الأربعاء الثاني من نيسان بتوغل إسرائيلي بري كبير وعبر أربعة أرتال عسكرية غربي محافظة درعا، ما لبث أن تلقَّى مقاومة شعبية، ليُستتبع بعشرات الغارات الإسرائيلية، والتي تُعد الأكبر منذ هجماتها التاريخية عشية سقوط النظام، واستهدفت فيها مطار حماه العسكري ومطار T4 شرقي حمص، في رسالة سياسية واضحة إلى السلطة السورية الجديدة، قد تشير لاستراتيجية جديد لمنع تمرير تحالفها مع تركيا، الذي يهدد أمن إسرائيل بحسب زعمها، الأمر الذي أعاد السوريين من جديد إلى دائرة الخوف من مخاطر تهديد استقرار البلاد، التي كانت فيه تستعد للشروع بجني مكاسب نجاحات سياسية مشهودة.
فعلى الرغم من التحذيرات الواضحة والصريحة من قبل العديد من المراقبين، وكذلك بعض الأطراف القريبة من مراكز القرار الإقليمي، من وقوع السلطة الجديدة في سوريا في أتون أي استقطاب سياسي وعسكري إقليمي حاد، يُعرقل المكاسب السياسية الكبيرة التي تحققت للشعب السوري منذ سقوط النظام، استمرت الأنباء عن السير باتجاه توقيع اتفاقات عسكرية مع تركيا، تتناول القيام بالعمل على إقامة قواعد عسكرية، بدءاً من مطار منغ العسكري شمالي حلب، وصولاً لإعادة تأهيل مطار T4 العسكري وسط سوريا، بداعي مواجهة التمدد الذي يتم تداوله والتحذير منه لتنظيم الدولة “داعش” بتنسيق إقليمي، وتقديم الدعم العسكري الاستشاري والتدريبي لقوات الجيش السوري الناشئ، والتي يؤيدها -على ما يبدو- قطاع واسع من السوريين.
تلك الأنباء كانت متداولة ويتم نقاشها في الدوائر الرسمية السياسية والإعلامية الإسرائيلية التي عبَّر مسؤولوها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علناً عن رفض القبول بها، وعدم السماح لتركيا بالتمدد إلى سوريا، وحلول النفوذ التركي بدل النفوذ الإيراني.
وفعلاً أخذت إسرائيل بزمام المبادرة بتنفيذ تلك الهجمات، الأمر الذي زاد من احتمالية تحويل سوريا مجدداً إلى ميدان للصراع غير المباشر بين تركيا وإسرائيل، والذي باتت تتخذه إسرائيل ذريعة وغطاءً توجد مؤشرات على إمكانية استمراره بما قد يؤدي إلى القضاء على تطلعات السوريين باستعادة أمن بلادهم واستقرارها.
ومع صدور بيان وزارة الخارجية والمغتربين السورية المُندد بالهجمات الصهيونية المخالفة للقانون الدولي، دعت فيه لتدخل دولي لمنع إعادة تدوير العنف وتطبيعه في البلاد من جديد عبر العدوان الإسرائيلي غير المبرر، قامت العديد من الدول العربية التي سبق أن رحبت بتشكيل الحكومة الانتقالية إلى إصدار بيانات التنديد بهذه الهجمات، وفق صيغ متناسبة مع مضمون بيان الخارجية السورية، وذلك بالتزامن مع تشييع شهداء نوى التسعة في أجواء تشبه مشاهد التشييع الفلسطينية، في ظل التوجس والترقب الذي اعترى الشارع السوري، ودعوات أهلية في مختلف مدن وبلدات سهل حوران للرد على العدوان الصهيوني، ولا سيما البري.
الصمت التركي الرسمي تجاه الرسالة الإسرائيلية الواضحة لم يدم طويلاً، فبعد تحذير وزير الدفاع الصهيوني دمشق من دخول قوات معادية لإسرائيل إلى سوريا، ووصول حدة التهديدات الإسرائيلية إلى التلويح للرئيس الشرع بدفع ثمن باهظ، فيما يشبه ما هدد به بنيامين نتنياهو بشار الأسد قبل أسبوعين من سقوطه، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً نددت فيه بالهجمات الإسرائيلية باعتبارها تهديداً لاستقرار سوريا وتغذية للصراع والإرهاب.
هذا المستوى من التعقيد أصبح يستدعي -على ما يبدو- أن يقوم الرئيس أحمد الشرع وحكومته الانتقالية بتوضيح استراتيجيتهم التي يرتكزون إليها في إدارة العلاقات الخارجية الإقليمية، على أساس السيادة الوطنية الكاملة تجاه جميع الأطراف بلا استثناء، والموقف من السلام الإقليمي، والعلاقة المستقبلية مع كل من تركيا وإسرائيل، ضمن توازن يحفظ أمن وسلامة سوريا ومصالح شعبها.
إن اتساع نطاق التأييد والدعم للرئيس الشرع وحكومته المُلاحظ داخلياً وخارجياً، يمكن أن يُعوَّل عليه بالفعل لطرح مثل هكذا استراتيجية على العلن، بل والسير بها قُدماً وفق المسارات الثنائية المتاحة دبلوماسياً، أو عبر مجموعة الاتصال العربية، وعبر المؤسسات الإقليمية كالجامعة العربية والدولية المختلفة، وبما يمكن أن يؤدي إلى نوع من التحييد الإيجابي لسوريا على مستوى الإقليم، والذي يبدو ضرورياً للغاية في هذه المرحلة، وذلك ببساطة للتفرغ بصورة أكثر تركيزاً، وبالتالي أكثر فعاليةً، في الذهاب بعيداً نحو تقوية الصف الداخلي وتحويل النجاحات السياسية إلى مكاسب، سواء عبر التعامل بهامشٍ أكثر أريحية في ملفي قسد والسويداء، أو تبريد الوضع في الساحل في إطار عملية واضحة لتطبيق العدالة الانتقالية، والاستمرار بالعمل الجاد والحثيث في الميدان الاقتصادي والخدمي، لتجديد النسيج الاجتماعي ومصادر الكسب المعيشي، واستجلاب الدعم والمنافع الاقتصادية الخارجية، بما يؤدي إلى المزيد من التعافي وترسيخ الأمن والاستقرار، واستعادة الحياة الطبيعية التي ينشدها جميع السوريين بسلام في وطنهم مجدداً، وطن آمن ومسالم وقابل للتطور.
تلفزيون سوريا
—————————
هل التقى فيدان وساعر في باريس؟/ سمير صالحة
2025.04.06
التقت مصالح تركيا وإسرائيل حتى يوم الثامن من كانون الأول المنصرم في الساحة السورية. إضعاف إيران وإخراجها من هناك، واكبه تجاهل تل أبيب لهدف إزاحة نظام بشار الأسد الذي كان يعطيها أكثر مما تريد. واشنطن كانت العرّاب بين الطرفين، وموسكو قررت في اللحظة الأخيرة ركوب الحافلة المتجهة نحو التغيير في سوريا.
بعد هذا التاريخ، تضاربت مصالح أنقرة وتل أبيب وتباعدت في سوريا لأكثر من سبب. قررت إسرائيل وضع تركيا وإيران على مسافة واحدة في سوريا، بعد التقارب والتنسيق الواسع بين أنقرة والسلطة السياسية الجديدة في سوريا. لكن أن تلتقي مصالح البعض مع ما تقوله وتريده تل أبيب حول ضرورة قطع الطريق على التمدد التركي هناك عبر الجهود الإسرائيلية لتحييد أنقرة في سوريا، هو المحيّر حقًا. “الأتراك ماضون قدما في استراتيجية وضع اليد على سوريا”، هذا ليس ما تقوله تل أبيب وحدها، بل هو رأي بعض وسائل الإعلام الصديقة لتركيا.
لم تنتظر إسرائيل إعلان أنقرة ودمشق عن حجم التفاهمات والعقود العسكرية المحتملة. كما تجاهلت ما تقوله وزارة الدفاع التركية، التي أعلنت أنها ما زالت تدرس طلب دمشق في توسيع رقعة التنسيق والتعاون العسكري، وإنشاء قاعدة تدريب مشتركة في سوريا بما يتماشى مع متطلبات الحكومة الجديدة هناك. فقررت توسيع رقعة التوغّل والانتشار واستهداف العمق السوري.
هل ما تقوم به يهدف فقط إلى حماية مصالح إسرائيل في المنطقة، أم أنها تتحرّك باتجاه تقديم خدمات لبعض المنزعجين من اتساع رقعة التفاهمات بين أنقرة ودمشق؟
مشكلة تركيا هي تجاهلها لرغبة البعض في الاستقواء بالتصعيد الإسرائيلي لإخراجها من سوريا، وتبرير ما تقوم به إسرائيل، “المتخوّفة من سيطرة أنقرة على دمشق”، عبر اللجوء إلى الاستيلاء على أراضٍ في جنوب غربي البلاد، وإعلان استعداد تل أبيب لحماية الأقلية الدرزية، واستهداف ما تبقى من بنية عسكرية تحتية من الأسلحة والعتاد العسكري السوري الثقيل في الأيام التي تلت سقوط الأسد.
ذهبت تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قبل يومين، “لا رغبة لنا بالدخول في مواجهة مع إسرائيل في سوريا”، باتجاه مغاير لما كان يتضمّنه بيان الخارجية التركية حول الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا: “ممارسات إسرائيل أكبر تهديد لأمن المنطقة”.
لكن ما أعقبها من موقف إسرائيلي جديد، يتحدّث عن عدم رغبة تل أبيب في الدخول في مواجهة عسكرية مع أنقرة، عزّز سيناريو دخول وسطاء غربيين على خط التهدئة بين البلدين.
تزامن وجود وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في باريس مع زيارة نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر يوم الأربعاء المنصرم، يرفع أسهم دخول الخارجية الفرنسية على خط الوساطة بين الطرفين.
تصريحات فيدان من بروكسل، ولقاءاته المكثفة مع أكثر من وزير خارجية غربي على هامش اجتماعات دول حلف شمال الأطلسي، تعزّز دعم أكثر من عاصمة غربية لجهود التهدئة بين تركيا وإسرائيل أيضًا.
خيّبت هذه الرسائل الجديدة آمال البعض باقتراب موعد المواجهة العسكرية بين البلدين، لكنها لم تُسقِط احتمال التوتر والتصعيد من الحسابات.
تركيا ما زالت تتمسّك بأن ما تفعله إسرائيل يعرّض الأمن الإقليمي للخطر، وإسرائيل لا تريد أن ترى القوات التركية على مقربة من حدودها مع سوريا.
تُجري أنقرة منذ كانون الأول سلسلة من الاتصالات مع العواصم العربية والغربية، مُبدية استعدادها للتوسّط باتجاه التقريب بين السلطة السياسية الجديدة في دمشق وهذه العواصم.
وهذا ما يُقلق تل أبيب ويدفعها للغضب، لأنه سيقوّي موقف سوريا الجديدة على مستوى الإقليم، خصوصًا وأن التنسيق يتم مع الجانب التركي.
ما يغضب نتنياهو أكثر هو أن أنقرة تتحرك في سوريا بالتنسيق مع العواصم العربية الفاعلة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تعمل على إعادة سوريا إلى الحضن العربي.
إسرائيل خارج هذا الحراك، الذي سيكون على حساب مصالحها، لأن واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية تدعمه، وترى فيه فرصة للتهدئة الإقليمية.
الاحتمال الأكبر أن إسرائيل غاضبة أيضًا نتيجة تفاهم هذه العواصم على بقاء سوريا موحّدة، بعكس المشروع الإسرائيلي الذي يسعى للعب ورقة الأقليات وفرض نظام كونفدرالي، يوصلها إلى شمال شرقي سوريا، حيث المكوّن الكردي، ما يقرّبها من تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية التي تطمح إليها منذ عقود: الطاقة، والمياه، والتربة، والجغرافيا، والأجواء الواسعة، على مقربة من الحدود التركية.
بقدر ما تقلق تركيا من المخطط الإسرائيلي الهادف إلى الاقتراب من حدودها الجنوبية، حيث دجلة والفرات والثروات الطبيعية ومجاورة شمالي العراق، تقلق إسرائيل من احتمال اقتراب تركيا من حدودها الشمالية، والتي قد تتحوّل إلى ورقة ضغط على إسرائيل للالتزام بإعادة الأراضي السورية المحتلة في الجولان، وتسحب من يدها محاولة التلاعب بالورقة الدرزية والكردية والعلوية في سوريا.
تقول إسرائيل إنها تدافع عن مصالحها ومصالح حليفها الأميركي في الشرق الأوسط، وأن من حقها أن تكون شريكة في تقاسم “الكعكة” بعد إخراج إيران من سوريا.
لكن التحوّلات الأخيرة بعد منتصف كانون الأول المنصرم، خصوصًا “صدمة” التفاهمات بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، تدفعها إلى تبديل قواعد وأسس “الكتاب الأحمر” في شقّه السوري، مع الاحتفاظ بحق أن تبقى “ترمانتور” واشنطن في الإقليم.
إضعاف الموقف التركي في سوريا لن يقوّي الموقف العربي أو الأوروبي هناك، بل سيزيد من الغطرسة الإسرائيلية التي توفّر لها واشنطن الحصانة والحماية.
لن يتخلى وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن تصريحاته التهديدية: “الغارات الجوية رسالة واضحة وتحذير للمستقبل، لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل، والحكومة السورية ستدفع ثمنًا باهظًا إذا سمحت لقوات معادية لإسرائيل بالدخول إلى سوريا”.
ولن يتوقف فيدان عن تحذير تل أبيب بأنها ستتحمّل أعباء ما تصنعه في المنطقة. كذلك، لن يُجدي كثيرًا رمي الكرة في الملعبين التركي والإسرائيلي وتحميلهما وحدهما مسؤولية التوتر في سوريا.
المطلوب هو المزيد من الضغوطات العربية على إسرائيل إقليميًا ودوليًا عبر الحلفاء والشركاء.
فالذي سيساعد على إخراج سوريا من أزماتها واتّضاح الرؤية، هو تحوّل في مواقف العواصم العربية في مواجهة تل أبيب وممارساتها في المنطقة.
تلفزيون سوريا
—————————–
“رسالة مفتوحة” من مشايخ ووجهاء السويداء إلى الرئيس السوري.. ماذا تضمنت؟
2025.04.05
وجّه عدد من مشايخ ووجهاء وقيادات سياسية وعسكرية في محافظة السويداء، رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، أكدوا فيها على وحدة كامل التراب السوري والدفاع عن البلاد ضد أي عدوان خارجي، وطالبوا بـ “إعادة النظر” في بنود الإعلان الدستوري.
الرسالة الموقعة من ممثلين عن مختلف “الفعاليات الدينية والاجتماعية والسياسية والنقابات على ساحة المحافظة”، والمؤرخة في الـ26 من آذار الفائت (قبيل تشكيل الحكومة الانتقالية)؛ أكدت على أن انتصار الثورة السورية والانتقال إلى مرحلة بناء الدولة، يحتاج إلى جهود ومشاركة جميع السوريين في الحياة السياسية والاقتصادية والدفاع عن سوريا ضد أي اعتداء خارجي.
456546
وقال الموقعون في رسالتهم: “انطلاقا من مبادئنا التي نحملها وانتمائنا النهائي لهذه الأرض وتأكيداً على شعار الدين لله والوطن للجميع كما صاغها أجدادنا السوريون، اجتمعنا اليوم واتفقنا على ما يلي:
نؤكد على وحدة التراب السوري والحفاظ على تنوعه الثقافي والإثني والعرقي وضرورة توحدنا جميعاً للدود عنه والحفاظ عليه من أي اعتداء ورأينا في مؤتمر الحوار الوطني البداية الحقيقية لمعالجة العقد الاجتماعي الذي يجمعنا ونؤكد على مخرجاته ونطالب بتفعيل البند 18 منه الذي يدعو لاستمرار الحوار وبتشكيل لجان تمثيلية لكل الفعاليات السياسية والاقتصادية والخدمية.
الإعلان الدستوري بصيغته التي صدر بها لم يأت ملبياً لطموحات مكونات هامة من الشعب السوري وأهداف ثورتهم لذلك نطالب بإعادة النظر به من خلال حوار حقيقي جامع بما يضمن فصل السلطات ويحقق العدالة والمواطنة ويفعل أسس المحاسبة ويؤسس لمجلس شعب منتخب من السوريين مباشرة ليكون لهذا المجلس الصفة التمثيلية الحقيقية لأنه سيكون صمام الأمان في صياغة الدستور الدائم وقانون الانتخابات العادل والقيام بالرقابة على عمل السلطة التنفيذية.
ضرورة تفعيل الضابطة العدلية وإعادة تفعيل المحاكم وعودة جميع مؤسسات الدولة للعمل وإصلاحها إدارياً ومالياً لتقديم خدماتها للمواطنين، ونؤكد على ضرورة وقف التسريح للموظفين وإعادتهم إلى مراكز عملهم واستيعاب الجميع منهم إلا من يثبت فساده أو استغلاله لعمله الوظيفي أو ارتكابه أفعالاً يجرمها القانون.
الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة لكل أطياف الشعب السوري من الشخصيات ذات الكفاءة والانتماء الوطني وإشراك المعارضين الوطنيين لجذب كل المكونات الوطنية رداً على دعوات الانقسام من الداخل والخارج وتكون مسؤولة أمام الشعب عن عملها.
إن تكرار التحريض الطائفي عبر المنابر أو وسائل التواصل يصب في إعاقة بناء العقد الاجتماعي. نطالب الدولة بالإسراع في إطلاق القنوات التلفزيونية السورية الرسمية لتبيان الحقائق ودحض الشائعات ومحاسبة المتورطين فيها كما نؤكد على ضرورة رصد الجرائم الإلكترونية التي تحمل دعوات تفرقة على أسس طائفية أو عرقية كما ندعو إلى تشكيل هيئة وطنية لمراقبة ومتابعة ورصد تلك الجرائم في الداخل والخارج وتقديم مرتكبيها للعدالة.
رفض أي تعامل فردي مع جهات خارجية خارج القنوات الرسمية للدولة لأنه لا يمثلنا ويسهم في إضعاف الوحدة الوطنية ويبث دعوات التقسيم والتجزئة، ونؤكد على رفع العلم السوري الذي يجمعنا ويحقق أحلامنا في وحدتنا ومستقبل أجيالنا.
إن الإرهاب والتعدي على المواطنين وعلى الأملاك العامة والخاصة بالقوة أيّاً كان مصدره يضر بمشروع بناء الدولة، نطالب بكشف المتورطين به ومحاسبتهم من خلال محاكم علنية لطمأنة الجميع أن الدولة قادرة على لجم التجاوزات.
ضرورة إشراك الضباط والعناصر المنشقين عن الجيش وقواه الأمنية وكذلك عن العناصر التي لم يثبت تورطها في جرائم النظام السابق بدعوتهم للعودة إلى صفوف الجيش والقوى الأمنية والشرطية وتكريمهم بما يسهم في الاستفادة من خبراتهم ودمجهم مع الحالة الوطنية ليؤدوا دورهم في الدفاع عن بلادنا ويكونوا سنداً لبناء الدولة الجديدة.
ضرورة تشكيل لجنة حوار اقتصادية تمثل النقابات والصناعيين والتجار ورجال الأعمال ليكونوا عوناً في رسم خطة اقتصادية للمرحلة الانتقالية بما يضمن بدء ورشة إعادة الإعمار وتحسين الوضع الاقتصادي وتهيئة المناخ لجلب الاستثمارات الخارجية.
تشكيل لجنة حوار من المعلمين وأساتذة الجامعات وملاك الجامعات والمدارس للقيام بوضع خطة شاملة لتحسين ورفع جودة التعليم خلال المرحلة الانتقالية بما يسهم في رفع كفاءة مخرجات التعليم كي تتوافق مع متطلبات سوق العمل”.
وذيّلت الرسالة بتوقيع كلّ من شيخيّ عقل طائفة الموحدين الدروز يوسف جربوع وحمود الحناوي، بالإضافة إلى الأمير حسن الأطرش، وعاطف هنيدي، والشيخ سعود النمر والشيخ سليمان المرشود من العشائر، والمطران جورجي قرقشيان، وقوى عسكرية من بينها “حركة رجال الكرامة”، وتيارات سياسية ومدنية عدة.
تلفزيون سوريا
—————————-
وزير الخارجية يرحب بقرار مجلس حقوق الإنسان الأول بشأن سوريا الجديدة
2025.04.04
رحب وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، اليوم الجمعة، بأول قرار لمجلس حقوق الإنسان بعد سقوط النظام المخلوع، والذي تضمن الترحيب بسقوط نظام الأسد وركز على إجرامه، ورحب بإنشاء الحكومة الجديدة، وتناول العقوبات الاقتصادية والانتهاكات الإسرائيلية.
وقال الشيباني، في تدوينة نشرها عبر حسابه على منصة “إكس”، أرحب بأول قرار لمجلس حقوق الإنسان بعد سقوط النظام، والذي رحب بسقوطه وركز على إجرامه، ورحب بإنشاء الحكومة الجديدة، وتناول العقوبات الاقتصادية والانتهاكات الإسرائيلية.
وأشاد وزير الخارجية السوري بالقرار الأممي، الأول من نوعه، قائلاً: إن القرار ألم بجهودنا المحلية والدولية لحماية حقوق الإنسان رغم التحديات والصعوبات وتركة النظام البائد.
أرحب بأول قرار لمجلس حقوق الإنسان بعد سقوط النظام، و الذي رحب بسقوطه و ركز على إجرامه، ورحب بإنشاء الحكومة الجديدة، و تناول العقوبات الإقتصادية و الانتهاكات الإسرائيلية، و ألم بجهودنا المحلية و الدولية لحماية حقوق الإنسان رغم التحديات و الصعوبات و تركة النظام البائد.
1/2
— أسعد حسن الشيباني (@AssadAlshaibani)
April 4, 2025
وفي وقت سابق اليوم، أصدار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أول قرار أممي، في دورته الثامنة والخمسين تحت عنوان حالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية.
وقال المجلس إن القرار حصل على الإجماع وهي سابقة تاريخية في مجلس حقوق الإنسان، رحب فيه بتشكيل الحكومة وتوصيات مؤتمر الحوار الوطني في سوريا.
الخارجية: القرار خطوة إيجابية ومتوازنة
كما رحبت وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان نشرته عبر قناتها على “تلغرام”، بالقرار مؤكدة التزامها الثابت بتعزيز وحماية حقوق الإنسان واستعدادها مواصلة التعاون الإيجابي بما يخدم مصالح الشعب السوري ويحفظ سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
وقالت الخارجية السورية، نرحب بقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المعنون بـ “حالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية”، والذي يُعدّ أول قرار أممي بعد سقوط النظام السابق.
وأضافت الوزارة، يعكس هذا القرار نهجاً جديداً وفصلاً جديداً في تاريخ سوريا، حيث رحب بسقوط نظام الأسد وتشكيل الحكومة الجديدة المتنوعة في سوريا.
كما يتناول قضايا تتعلق بضرورة رفع العقوبات الاقتصادية والانتهاكات الإسرائيلية على الأراضي السورية، فكلاهما يشكلان خطراً على استقرار الوضع في سوريا ويقوضان الجهود المبذولة نحو خفض التصعيد وتحقيق انتقال سياسي مستدام، وهما ما تطالب الجمهورية العربية السورية بوقفهما الفوري.
ويرحب القرار كذلك بجهودنا الوطنية والدولية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان على الرغم من التحديات والصعوبات المستمرة.
ووفقاً للوزارة، فإن سوريا تنظر إلى هذا القرار بإيجابية وتعتبره خطوة متوازنة تعكس الجهود الإيجابية التي قامت بها الحكومة السورية لأول مرة، رغم التركة الثقيلة للنظام البائد، كما يأخذ القرار بعين الاعتبار التعقيدات التي تواجه البلاد في ظل الوضع المتطور.
التعاون بين سوريا ومجلس حقوق الإنسان
وأوضحت وزارة الخارجية أن القرار جاء بعد عملية مشاورات مكثفة خلال دورة مجلس حقوق الإنسان الحالية في جنيف، وأنه في إطار النهج الجديد لسوريا على المستوى الدولي، انخرطت الوزارة بشكل بناء وفاعل، سواء خلال الاجتماعات المتعددة الأطراف بمشاركة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أو على المستوى الثنائي مع الدول الأساسية الراعية لمشروع القرار والمتمثلة في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وهولندا وقطر وتركيا.
وبينت الوزارة أن سوريا تثمن النهج البناء والتعاون الإيجابي الذي أبدته الدول الأعضاء والمجموعة الأساسية خلال عملية صياغة واعتماد القرار، وتُشيد بدور بريطانيا كدولة القلم.
وأعربت الوزارة عن تقديرها العميق لجهود الدول ومنظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا والناجين، الذين عملوا بلا كلل على مدى السنوات للحفاظ على حقوق السوريين والسوريات على أجندة المجتمع الدولي في مجلس حقوق الإنسان.
وقالت الوزارة: إن سوريا تؤكد التزامها الثابت بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعب السوري، وفقاً لالتزاماتها الدولية ذات الصلة، وهي على استعداد لمواصلة الحوار والتعاون الإيجابي والبناء بما يخدم مصالح الشعب السوري ويحفظ سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ويعزز أمنها واستقرارها وازدهارها.
—————————
لا تعبثوا بالفالق الزلزالي في سوريا!/ د. فيصل القاسم
4 – أبريل – 2025
يكثر الحديث هذه الأيام عن مشاريع التقسيم والتفتيت في المنطقة العربية وخاصة في سوريا، حيث تعمل بعض القوى وعلى رأسها إسرائيل بشكل علني على تقسيم المُقسّم وتجزئة المجزّأ كي يسهل عليها التهام المنطقة أو تطويعها، وفقاً للمخططات، والمشاريع الإسرائيلية، وغيرها. ويرى البعض أن خرائط سايكس-بيكو قد استنفدت أغراضها بعد مرور مئة عام عليها، ولا بد من خرائط جديدة تناسب المرحلة القادمة. وهذا لم يعد سراً، بل يتداوله الإعلام منذ عشرات السنين. ولعلنا نتذكر وثيقة «كيفونيم» الإسرائيلية الصادرة عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين، وهي تتحدث جهاراً نهاراً عن تقسيم العديد من البلدان العربية ومنها سوريا إلى دويلات ضعيفة لا تقوى على مواجهة إسرائيل في المستقبل. ومعظمنا سمع عن خرائط الدم الأمريكية التي تسير على نفس النهج الإسرائيلي. وقد نشر رالف بيترز العقيد في الجيش الأمريكي كتاباً بعنوان «حدود الدم» يتمحور حول مشروع التقسيم الذي وضعه برنارد لويس. وقد عادت النوايا الإسرائيلية إلى الأضواء مجدداً بعد سقوط النظام السوري وتحرير سوريا، فراح الجيش الإسرائيلي يدمر كل المواقع العسكرية السورية ويستولي على مساحات جديدة من الأرض السورية بينما يهدد نتنياهو القيادة الجديدة في دمشق بالويل والثبور وعظائم الأمور فيما لو أرسلت قواتها إلى الجنوب السوري، فهو يريد الجنوب منزوع السلاح، لا بل راح يزعم بالصوت العالي أنه يريد حماية الدروز في الجنوب ولن يسمح لأحد أن يهاجمهم. ولا شك أن الجميع يعلم أن إسرائيل لم تكن يوماً جمعية خيرية، بل لديها مشاريع قديمة تريد أن تنفذها اليوم، وهي تستخدم مزاعم واهية لتمرير تلك المخططات لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون. وقد وصف أحد المحللين من قلب القدس المشروع الإسرائيلي في الجنوب السوري بأنه أشبه بحضن الدب، وكلنا يعلم أن الدب إذا حضن أحداً فهو بالتأكيد سيكسر أضلاعه. وهذا ما ينتظر أي جهة في سوريا من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها تصدّق المزاعم والوعود الإسرائيلية. لكن السؤال اليوم على ضوء مخططات التقسيم والتفتيت المعلنة: هل التقسيم يخدم تل أبيب فعلاً وخاصة في بلد ذي حساسية كبرى كسوريا مثلاً؟ ألم يقل ثعلب السياسة الأمريكية الشهير هنري كسنجر ذات يوم إن سوريا بمثابة «المختبر» للمنطقة كلها، وإن النتائج التي تتمخض عن التجربة السورية قد تنسحب على الشرق الأوسط كله؟ وبما أن ما يحدث في سوريا قد ينعكس سلباً أو إيجاباً على المنطقة برمتها، فهل يا ترى من صالح أحد بمن فيهم إسرائيل أن تتقسم سوريا؟ أم إن كل من يفكر بتفتيت سوريا كمن يطلق النار على قدميه؟ لقد أدرك حتى رأس النظام السوري الهارب إلى موسكو تلك الحقيقة في بداية الثورة السورية عام ألفين وأحد عشر حين قال وقتها كلاماً في غاية الأهمية، ونحن هنا نعمل بالمثل القائل «خذ الحكمة من أفواه المهابيل».
قال بشار يومها في وصفه لجغرافية بلاده وديمغرافيتها: «إن سوريا تقع على فالق زلزالي محذراً من أن أي تغيير في سوريا، سيُغرق المنطقة في «أفغانستانات» عديدة…وأي تقسيم لبلاده، سيفضي حكماً إلى تقسيم المنطقة برمتها». صحيح إنه قال ذلك بهدف تخويف الداخل والخارج كي يحافظوا على نظامه، وصحيح أن كلامه قد يندرج في إطار سياسة الترهيب من «حرب المئة عام» بين المذاهب والطوائف والأقوام، وهي الفزّاعة ذاتها التي طالما أشهرتها أنظمة الفساد والاستبداد في وجه رياح التغيير وقوى الإصلاح في المنطقة، إلا أننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن ننكر أن كلام الرئيس المخلوع الهارب فيها الكثير من الصحة وأن أي تلاعب بالخارطة السورية قد يؤدي إلى تفكيك المنطقة كلها، بما فيها تركيا وإيران وبقية الدول العربية المهددة. ولا ننسى إذا تفكك السودان وهو هدف إسرائيلي قديم فستكون مصر الهدف القادم. بعبارة أخرى، فإن التقسيم في أي جزء من الشرق الأوسط ستكون لها تبعاته المرعبة على باقي الأجزاء، وفي الحالة السورية فإن المتضررين كثر بمن فيهم إسرائيل نفسها صاحبة المشروع. وإذا تقسمت سوريا فسيكون ذلك كما وصفه بشار نفسه بمثابة الصدع الزلزالي الذي سيصيب القريب والبعيد في المنطقة. ولا نعتقد أن بلداً أشبه بقارة مثل تركيا سيسمح بنجاح المخطط الإسرائيلي. ولو تركنا بقية دول المنطقة المهددة بالفالق السوري، سنجد أن سوريا موحدة أفضل للأمن الإسرائيلي بكثير من سوريا مفككة، ومتحاربة، ومتناحرة، ومتقاتلة. وقد عاشت إسرائيل أكثر من نصف قرن في ظل القبضة الحديدية للنظام الساقط، ولا شك أنها كانت منزعجة جداً لسقوطه لأنه كان يؤمّن لها حماية لم تحلم بها ذات يوم من خلال ضبطه الصارم للجغرافيا السورية ومنع الداخل والخارج من الوصول إلى حدود إسرائيل. واليوم لو نجح مخطط التقسيم لا سمح الله، فهل ستكون إسرائيل بمنأى عن عواقبه الأمنية الوخيمة؟ ألن تصبح سوريا الوجهة المفضلة لكل من يريد أن يصفي حساباته مع إسرائيل؟ الجميع سيأتي إلى سوريا ليقتص من تل أبيب، ولا شك أن الاستراتيجيين الإسرائيليين لا يغيب عن أذهانهم مثل هذا السيناريو الكارثي وهم يفكرون بتقسيم سوريا ونشر الفوضى في أرجائها، وبالتالي فإن الحفاظ على الجغرافيا السورية بشكلها الحالي أو بتطويرها إدارياً بشرط ألا تتقسم، سيكون الخيار الأمثل بشرط ألا تتأثر الجغرافيا السورية وبشرط أن يبقى زمام القيادة على الصعيدين العسكري، والأمني، والخارجي بيد واحدة. ولعل إسرائيل بدأت تعيد حساباتها فيما يخص سوريا، خاصة وأنها تراجعت فجأة عن السماح لعمال سوريين من الجنوب بالعمل داخل أراضيها، وإذا كانت تل أبيب لا تأمن الجانب الأمني للعمالة السورية داخل مستوطناتها، فهل ستشجع مشاريع التشظي والتقسيم والفوضى داخل سوريا وآثارها الكارثية على الأمن الإسرائيلي؟
أم إن السيناريو لا يناسب إسرائيل قبل غيرها، وليس من مصلحة أحد في الإقليم العبث بوحدة التراب السوري، وأن من سيلعب بالنار السورية سيحرق أصابعه؟ بكل الأحوال تبقى هذه الأسئلة مجرد فرضيات، فلا أحد يعرف بالضبط ما يدور في الغرف السوداء التي لها حساباتها الخاصة. ولا ننسى أن حسابات القرايا ليست كحسابات السرايا.
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
——————–
مثلّث القتل الإسرائيلي: غزة ـ سوريا ـ لبنان!
4 – أبريل – 2025
رأي القدس
وسّعت إسرائيل، أمس الجمعة، نطاق عملياتها البرية في شمال غزة، في تكثيف متغوّل لحملة الإبادة ضد الفلسطينيين والتي كان آخرها مجزرة للطواقم الطبية في بلدة تل السلطان، وقصفا لعيادة أونروا في جباليا، واستهدافا لمدرسة تؤوي نازحين، في استئناف للحرب افتتحته بضربة قتلت 436 مدنيا، بينهم 183 طفلا و94 امرأة.
كثّفت إسرائيل هجماتها على سوريا أيضا، فتوغّلت، أول أمس الخميس، في محافظة درعا واشتبكت مع شبان في المنطقة فقتلت تسعة منهم، وأغارت على مطار حماه العسكري مما أسفر عن تدمير كامل له، وكذلك على مطار حمص مما أدى لمقتل 4 من الجنود السوريين، وعلى مركز بحوث في دمشق، وعلى موقع عسكري في منطقة الكسوة القريبة من العاصمة، وأسفرت الهجمات عن عشرات الإصابات والجرحى.
شهد لبنان، أيضا، متابعة لمسلسل الغارات والاغتيالات والهجمات الإسرائيلية في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، وكان آخر عمليات جيش الاحتلال، أمس الجمعة، اغتيال حسن فرحات، أحد قادة حركة «حماس» في غارة جوية إسرائيلية على شقته في مدينة صيدا، جنوب البلاد، قتلته مع ابنه وابنته.
أظهر تحقيق صحافي حول الطريقة التي تمت فيها مذبحة الطواقم الطبية التالي: 15 جثة لعناصر من الدفاع المدني والمسعفين، بينها شخص كبّلت قدماه، وجثة أطلقت عليها 20 رصاصة. جرى إعدام هؤلاء بعد اعتقالهم وهم يحاولون تقديم المساعدة لمصابين بسبب القصف الإسرائيلي. علّق جدعون ليفي، الصحافي التقدّمي في صحيفة «هآرتس» على المقتلة الأخيرة بمقارنة اختلاف التداعيات عليها مقارنة بمذبحة كفر قانا، التي أنهت عملية «عناقيد الغضب» في لبنان، وكذلك بمذبحة ماي لاي الأمريكية التي بشّرت ببدء انعطاف الرأي العام الأمريكي ضد الحرب في فيتنام.
الفارق، أن مذابح إسرائيل لم تبشّر انعطاف الرأي العام أو وقف الحرب بل أعطت تشجيعا على ارتكاب مذابح أخرى. هذه، كما يقول، «مذبحة لا نهائية». هل تتم هذه المذابح بموافقة أمريكية؟ حسب تحليل آخر فإن استئناف الحرب وعمليات الإبادة الجارية هما «بأمر من واشنطن»، ودليل ذلك هي تصريحات وزير الحرب يسرائيل كاتس عن «زيادة الضغط على حماس كي تتنازل في المفاوضات»، واختفاء ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، المشرف على المفاوضات عن المشهد، وكذلك الأنباء عن توفير واشنطن الأسلحة المطلوبة لإسرائيل. إلى الدعم الأمريكي للإبادة الإجرامية الجارية ضد الفلسطينيين لا تنسى منظمة «بتسيلم» لحقوق الإنسان التذكير بـ«التواطؤ الأوروبي»، وهو ما نراه بأشكال متنوعة، من هجوم للسفارة الإسرائيلية في بريطانيا على صادق خان، عمدة لندن بسبب رسالة للمسلمين في العيد لمجرد ذكره «المعاناة المروعة والقتل المستمر في السودان وفلسطين»، وإشارته لعدد القتلى في غزة؛ إلى طرد السلطات الألمانية لطلاب تعاطفوا مع غزة، إلى انسحاب المجر من محكمة الجنايات الدولية احتفالا باستقبال نتنياهو.
يمثّل ما يحصل في غزة سابقة كبرى تؤسسها إسرائيل، لأنه يجمع بين ارتكاب أعمال الإبادة علنا، وغياب ردود فعل يمكن احتسابها للجرائم ضد الإنسانية والجرائم الحربية (رغم مواقف الأمم المتحدة ومحكمتي الجنايات والعدل الدوليتين) لدى الجمهور العام في إسرائيل أو في أمريكا أو في أوروبا، كما في انعدام أي رد فعل عربي وازن.
واضح أن ما يحصل في غزة أولا، يرتبط بموجة التطرّف العنصريّ الذي تمثّله حكومة نتنياهو التي أفلتت عن عقالها باطمئنانها إلى دعم من إدارة ترامب، التي أخذت على عاتقها جزءا من الحرب الإسرائيلية على الحوثيين في اليمن، وأخذت تهدد بحرب مع إيران.
تغيّرت الظروف السياسية في سوريا (بعد سقوط نظام بشار الأسد) وفي لبنان (بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون وتشكيل نواف سلام لحكومته) لكن ذلك لا يغيّر من طبيعة إسرائيل التي تستمر في إرهاب الدولة التي تزعزع المنطقة وتزرع الموت والخراب والدمار فيها.
القدس العربي
————————–
في جنوب سوريا هناك سيد جديد يأمر ويتنمّر ويسرق الأراضي: إسرائيل
إبراهيم درويش
تحديث 06 نيسان 2025
لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرًا أعدّه سودرسان راغفان قال فيه إن جنوب سوريا لديه “سيّد” جديد يأمر وينهى، يسرق الأراضي، ويقيم القواعد العسكرية: إسرائيل.
وجاء في تقريره من قرية الحميدية، الواقعة في القنيطرة السورية: “هناك زعيم جديد في هذه القرية الواقعة على خط المواجهة، وهو ليس رئيس مجموعة المتمردين السابقين الذين أطاحوا بنصف قرن من حكم عائلة الأسد قبل أربعة أشهر، ونصّبوا أنفسهم حكّامًا لسوريا، ولا زعيم إحدى الميليشيات المسلحة جنوب العاصمة دمشق، على بُعد حوالي 45 ميلًا إلى الشمال الشرقي”.
ويجيب الكاتب: “إنها إسرائيل”، التي استولت- بهدف عزل نفسها عن الهجمات عبر الحدود- على المنطقة العازلة السابقة التابعة للأمم المتحدة في الأراضي السورية، والتي تشمل الحميدية إلى جانب المرتفعات الإستراتيجية القريبة.
وأشار التقرير إلى موقع عسكري إسرائيلي حديث البناء يراقب القرية، حيث تتوهّج أنواره حتى في النهار، وكذلك إلى دبابة ميركافا متمركزة خلف ساتر ترابي.
ويحرس جنود مراهقون نقاط التفتيش، وينتشرون كل يوم في دوريات، يتحققون من الهويات، ويقيّدون حركة القرويين ليلًا، أي يمارسون منع التجوّل عليهم.
وعلى الحافة الغربية للقرية، على بُعد حوالي ميل واحد خارج السياج الحدودي الإسرائيلي، تحفر الجرافات حاجزًا عاليًا من التربة المضغوطة. بعض هذا الحاجز يمر عبر ممتلكات عيد العلي، الذي كان يراقب بحذر ماعزه ترعى حول السور الترابي، وهي منطقة يحظرها الجنود الإسرائيليون.
ونقلت الصحيفة عن علي، البالغ من العمر 49 عامًا، قوله: “أشعر وكأنني أُسرق من أرضي”.
وبعد دقائق قليلة، توقّفت مجموعة من الجنود الإسرائيليين على الطريق بسيارة جيب، فاستدار علي وصاح على زوجته: “أحضري الماعز بسرعة”.
إنهم لا يحبوننا
وخرج بعض الجنود الشباب من المركبة العسكرية، فهم جنود احتياط يقضون خدمتهم العسكرية، وكانوا في غزة وجنوب لبنان. وقال أحدهم إنهم يمنعون القرويين من اجتياز الحاجز، وحتى رعي مواشيهم، لأسباب أمنية حسب قوله. وأضاف الجندي: “إنهم لا يحبوننا”، في إشارة إلى سكان القرى السورية، و”هذا مفهوم”.
وكشفت رحلة امتدت لأربعة أيام في جنوب سوريا عن مدى التوسع الذي وصلت إليه إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي، والتحدي الذي تخلقه ليس فقط لسكان القرى السورية، بل أيضًا للحكومة الجديدة التي تحاول توحيد البلاد المتشرذمة بعد سنوات من الحرب الأهلية.
فمع انهيار نظام بشار الأسد، في كانون الأول/ديسمبر، لم تُضِع إسرائيل وقتها، وانتهزت الفرصة لتفكيك عدو قديم، وعرقلة ما قد يكون عدوًا جديدًا، وهو فرع “القاعدة” السابق الذي استقر في دمشق.
وقد شنت القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية مئات الغارات التي دمرت ما تبقى من جيش الأسد، بينما استولت القوات البرية على مناطق خاضعة للسيطرة السورية في مرتفعات الجولان ضمن منطقة منزوعة السلاح خاضعة لمراقبة الأمم المتحدة، والموجودة منذ نصف قرن.
وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سوريا بنزع سلاح الجنوب، وحذر قوات النظام الجديد من مغبة دخوله. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إن قواته ستبقى في سوريا إلى أجل غير مسمى.
ومنذ 10 شباط/فبراير، شنت إسرائيل 89 عملية توغل بري، و29 غارة جوية، وقامت بقصف مدفعي في جنوبي سوريا، إلى جانب 35 غارة جوية في مناطق مختلفة من سوريا، حسب البيانات التي جمعها تشارلز ليستر، الخبير في الشأن السوري في معهد الشرق الأوسط، ومدير نشرة “سيريا ويكلي” (سوريا الأسبوعية).
وقام آلاف من سكان المدن السورية بالتظاهر احتجاجًا على نشاطات الجيش الإسرائيلي في مدينة درعا بالجنوب، حيث شنت إسرائيل مداهمات وواجهت السكان المسلحين.
وبعد يوم واحد من سقوط الأسد، دخلت الدبابات الإسرائيلية، وأمر الجنود الذين يتحدثون العربية السكان بمغادرة بيوتهم لعدة أيام وتسليم أسلحتهم، حيث قاموا بتفتيش البيوت والمباني. وعندما عاد السكان وجدوا بيوتهم مدمرة ومنهوبة، وقد كُتبت على بعضها كلمات بالعبرية.
وتم إغلاق الطريق الرئيسي إلى الحميدية، وأُجبر السكان على البحث عن طرق التفافية للوصول إلى بيوتهم. وتمركز الجنود على الجسر الضيق الذي يقود إلى القرية، وصوّروا هويات السكان. ولا يُسمح لهم بمغادرة أو دخول القرية ليلًا، وإن كان بإمكانهم التحرك داخلها. وخلال شهر رمضان، لم تتمكن العائلات من زيارة أقاربها في القرى الأخرى.
وتدخل كبار القرية، بالتنسيق مع القوات العسكرية، للسماح للسكان بالذهاب إلى قسم الطوارئ في أقرب مستشفى، حسب قول تركي المصطفى.
كما حدد الجنود الإسرائيليون عدد المشاركين في الجنازات وأيام العزاء، التي عادةً ما تمتد لثلاثة أيام ويشارك فيها المئات من سكان القرى المجاورة.
وفي محاولة لتحسين صورته، وفّر الجيش رزم طعام لمساعدة السكان، وقد قبل البعض المساعدة، لكن الكثيرين رفضوها. وقالت امرأة من رسم الوادي، كانت واقفة أمام بيتها المدمر: “لقد دمّروا بيتنا، فلماذا أقبل الطعام منهم؟”.
تحوّل إستراتيجي
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي إن الجنود ينفذون عمليات ليلية ونهارية لضمان الأمن. وأضاف أن أنشطة مثل الدفن داخل المنطقة العازلة، أو أي مكان آخر تعمل فيه القوات الإسرائيلية تتطلب تنسيقًا.
وأشار إلى أنه لا يوجد حظر تجول رسمي في الحميدية، لكن الحركة مراقبة ومسيطر عليها.
وفي محاولة لإلقاء اللوم على سنوات الحرب الأهلية، قال المسؤول إن معظم الدمار في المحافظة يعود لتلك الحرب، وليس لعمليات الجيش الإسرائيلي.
وفي الحميدية، يخشى الكثير من السكان الذين شُرّدوا بعد حرب عام 1967 من الجولان المحتل أن يُعاد التاريخ نفسه عبر الاحتلال الإسرائيلي الحالي.
وفي قرية حضر، أقام الجيش قاعدة عسكرية تُطلّ على القرية الدرزية، حيث يحاول إقامة علاقات ودّية مع السكان. وكذلك في رسم الوادي، أقام الجيش قاعدة عسكرية.
وقال المسؤول العسكري: “لا نريد التسبب في ضرر للسكان”.
وتقول الصحيفة إن الوجود الإسرائيلي ينكأ جراحًا قديمة، فقد كان العديد من كبار السن من بين عشرات الآلاف من السوريين الذين أُجبروا على ترك منازلهم في مرتفعات الجولان، عندما احتلت إسرائيل المنطقة عام 1967.
وبعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974، الذي أنهى حربًا أخرى، عاد ثلث الجولان إلى السيطرة السورية. وهي المنطقة التي تحتلها الآن إسرائيل.
وفي كانون الثاني/يناير، أطلق جنود إسرائيليون النار وأصابوا متظاهرين في مسيرة مناهضة لإسرائيل في قرية سويسة، جنوب شرق الحميدية. كما اعتقلت القوات الإسرائيلية بعض الشباب السوريين، بمن فيهم رعاة، في محافظتي القنيطرة ودرعا، ولا يزال بعضهم رهن الاحتجاز الإسرائيلي، حسب ضرار البشير، محافظ القنيطرة السابق.
وقال بشير: “إذا استمرت إسرائيل في احتلالها، واستمرت في التنمّر على الناس ومضايقتهم، فستصبح هذه المنطقة منطقة صراع. سيأتي جميع متطرفي العالم إلى هنا لشن الجهاد”.
وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي إن إسرائيل اعتقلت فقط الأشخاص المشتبه بقيامهم بنشاطات إرهابية.
وتقول الصحيفة إن احتلال إسرائيل لمناطق في جنوب سوريا يعكس تحولًا إستراتيجيًا بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 التي أشعلت شرارة حرب استمرت عامًا ونصف.
فلم تعد إسرائيل مستعدة فقط للدفاع عن حدودها، بل قامت بإنشاء مناطق عازلة حول غزة، وفي لبنان، والآن في سوريا، كعازل ضد مزيد من الهجمات.
—————————-
سوريا بين عدوانية إسرائيل وطموحات تركيا/ بسام مقداد
السبت 2025/04/05
في ظل الهدوء الذي ساد الجبهة السورية الإسرائيلية طيلة عهد آل الأسد، لم يكن من المستغرب أن تناصب إسرائيل العداء السلطة الجديدة في دمشق. وفي حين يحاول الغرب تجاوز ماضي القيادة السورية لتطبيع العلاقات معها، تصر إسرائيل على استحضار هذا الماضي، ويبقى أحمد الشرع في إعلامها أبو محمد الجولاني. واعتبرت تل أبيب منذ البداية أن السلطة السورية الجديدة هي صنيعة تركيا كلياً، وأخذ إعلامها يتحدث عن بلوغ تركيا الحدود الإسرائيلية، وحتمية المجابهة المباشرة بين الدولتين. وفي إطار هذه المقاربة تبرر إسرائيل فرض سيطرتها على المنطقة المحايدة بين البلدين وصولاً إلى قمم جبل الشيخ واعتداءتها اليومية على قرى وبلدات الجنوب السوري، وكذلك الغارات الجوية على المواقع العسكرية السورية، بما فيها الغارات الأخيرة.
لكن عضو حلف الأطلسي، تركيا، ليست إيران، ومن الصعب على تل أبيب أن تبرر عدوانيتها حيال سلطة دمشق بالطموحات الإمبراطورية التركية، حتى إن تأكدت.
موقع وكالة الأنباء الإسرائيلية الناطقة بالروسية أيضاً Cursorinfo نشر في 3 الجاري نصاً تساءل فيه ما إن كان بوسع إسرائيل مجابهة تركيا.
استهل الموقع نصه بالقول إن إسرائيل، وعلى خلفية سلسلة الغارات على الأراضي السورية، تصطدم بتحد إستراتيجي جديد: احتمال المجابهة مع تركيا. ونقل عن جيروزاليم بوست قولها إن الغارت لم تكن موجهة فقط ضد ما تبقى من بنية تحتية عسكرية سورية، بل انطوت أيضاً على إشارة مضمرة إلى تركيا. وحسب المصادر، فإن إسرائيل قد تكون تسعى إلى تحذير تركيا من محاولة الحصول على موطئ قدم في المجال الجوي السوري، وخصوصاً في قاعدة Т-4 ، وهي المنشأة الاستراتيجية المهمة التي استخدمتها في السابق القوات الإيرانية والجماعات المتحالفة معها.
يتساءل الموقع ما إن كانت إسرائيل قادرة على فتح جبهة أخرى في سوريا، وهي المنخرطة في حرب مع حماس في غزة، وتوجيه ضربات إلى حزب الله في لبنان، وخوض مواجهة مع إيران. وعلى مدى السنوات الأخيرة، كان التهديد الرئيسي لإسرائيل في سوريا هو إيران، التي استخدمت أراضي البلاد لإنشاء ممر إمداد لأسلحة حزب الله. لكن بعد انهيار نظام الأسد وانسحاب الوحدات الإيرانية، تغير الوضع، وأصبحت تركيا في المقدمة الآن.
ويقول الموقع إن المحللين يرون أن تركيا قد تسعى إلى تحديث القواعد العسكرية السورية وتوسيع نفوذها في المنطقة. وهذا يثير القلق في تل أبيب. إذ أن تعزيز تركيا لوجودها بالقرب من الحدود الإسرائيلية من شأنه أن يؤدي إلى خلق منطقة جديدة من عدم الاستقرار. وتواجه إسرائيل خطر التورط في مواجهة طويلة الأمد من شأنها أن تتسبب ليس فقط في توترات دبلوماسية مع أنقرة، بل قد تؤدي أيضاً إلى اشتباكات مباشرة مع القوات السورية. ويرى الموقع أنه في الظروف الحالية، ومع تموضع جزء كبير من الجيش الإسرائيلي في غزة، وتولي الباقي أمن الحدود في الشمال وضرب حزب الله، فإن فتح جبهة أخرى يشكل خطوة عالية المخاطر.
يشير الموقع إلى أنه بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر غيرت إسرائيل تكتيكها من استراتيجية “إدارة الصراع” و”الردع” إلى العمليات الاستباقية. وتكشف الضربات الجوية في سوريا في الأسابيع الأخيرة رغبة في تعطيل التهديدات المحتملة قبل أن يكتمل تشكيلها. لكن السؤال هو، إلى أي مدى سيكون هذا النهج مستداماً في ظل الوضع الذي تخوض فيه البلاد بالفعل حرباً على عدة جبهات؟
موقع الخدمة الروسية في وكالة agenzianova الإيطالية نشر في 3 الجاري نصاً رأى فيه أن سوريا تخاطر بأنها قد تصبح ميدان المعركة بين تركيا وإسرائيل. ويشير الموقع إلى أن تركيا، وبعد سقوط نظام الأسد، اتخذت موقفاً مميزاً في دعم السلطة الجديدة. أما إسرائيل فقد استغلت الفراغ المؤقت في السلطة الذي نشأ بعد انهيار النظام السابق، ونشرت قواتها خلف حدود المنطقة العازلة في الجولان، وأخذت توجه الضربات للمواقع العسكرية السورية التي تعتبرها تهديداً لأمنها. ورأى أن كلاً من تركيا وإسرائيل تعتبران من أكبر الدول العسكرية في العالم.
نقل الموقع عن الجيروزاليم بوست إشارتها إلى تصريح مسؤول إسرائيلي بأن الهجمات الأخيرة كانت تهدف إلى “إرسال إشارة إلى تركيا” بعدم إنشاء قواعد عسكرية في سوريا أو التدخل في العمليات العسكرية للدولة اليهودية. وبحسب الشائعات التي نشرتها وسائل إعلام تركية ودولية، فإن الطرفين ناقشا خلال اللقاء بين أردوغان والشرع في أنقرة في شباط/ فبراير الماضي عقد اتفاقية دفاعية تتعلق بإمكانية إنشاء قواعد تركية في الصحراء السورية الوسطى، وتدريب جيش سوري جديد من قبل أنقرة.
وكما جميع مواقع الإعلام، نقل الموقع الإيطالي عن وزير الدفاع الإسرائيلي تصريحه بأن الغارات الإسرائيلية على الأهداف العسكرية في سوريا هي بمثابة تحذير للشرع: “إذا سمحتم لقوات معادية لإسرائيل بدخول سوريا، فستدفعون ثمناً باهظاً جداً”. وأضاف بالقول “لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل”.
صحيفة NG الروسية الاتحادية نشرت في 2 الجاري نصاً بعنوان “تركيا تُعد فخًا لسلاح الجو الإسرائيلي في سوريا”، وألحقته بآخر ثانوي “أنقرة تدرس نقل منظومة S-400 إلى قاعدة قرب حمص”.
قال كاتب النص Igor Subbotin بأن المسؤولين الأتراك يتحدثون عن نقل أنظمة الصواريخ المضادة للطيران S-400 كجزء من اتفاقية بين أنقرة ودمشق. ويفترضون أن مثل هذا السيناريو قد يلبي شروط الولايات المتحدة التي تطالب بصيغة الإنذار حليفتها في حلف الناتو بالتخلي عن أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع. وإضافة إلى ذلك، من شأن هذه الخطوة من جانب تركيا أن تحد من إمكانيات الطيران الحربي الإسرائيلي في سوريا.
ينقل الكاتب عن الصحيفة التركية Daily Sabah المقربة من الحكومة قولها إن نقل الصواريخ المذكورة قد يشكل بنداً في اتفاقية الدفاع المشترك التي يجري إعدادها في الأشهر الأخيرة من قبل أنقرة ودمشق. وتضيف الصحيفة بالقول إن استمرار إسرائيل بقصف الأراضي السورية يعزز احتمال عقد مثل هذه الاتفاقية. كما ترى الصحيفة أن نشر الصواريخ هذه خارج تركيا من شأنه الحفاظ على استقرار العلاقات مع روسيا في “هذه الفترة الحرجة”. كما أنها تستجيب لمطالب إدراة الرئيس الأميركي التي حاولت في فترة المساومة مع أنقرة حول مصير هذه الصواريخ.
وبشأن رد فعل إسرائيل على احتمال نشر صواريخ S-400 التركية في سوريا، قال الكاتب إن سلطات الحكومة اليهودية تدق في هذه الأيام ناقوس الخطر بشأن مصلحة أنقرة في نقل وسائل الدفاع الجوي إلى سوريا. وينقل عن مصدر رفيع المستوى في جهاز الأمن الإسرائيلي تصريحه للإعلام العبري بأن “أي قاعدة جوية تركية في سوريا قد تقوض حرية إسرائيل العملياتية”. وأضاف المصدر الأمني الإسرائيلي بالقول أن الخطوة التركية هي “تهديد محتمل ونحن مصممون على التصدي له”.
ويشير الكاتب إلى أن أجهزة الأمن في إسرائيل تناقش احتمال اندلاع صراع مباشر بين إسرائيل وتركيا في وقت ما بشأن سوريا. وفي تركيا، يرتفع مستوى عدم الاستقرار السياسي في أعقاب اعتقال المعارض التركي أكرم إمام أوغلو، وترغب أنقرة في تحويل انتباه الجمهور المحلي إلى الأزمات الخارجية.
المدن
———————-
إسرائيل تسعى لتقسيم سوريا إلى “مناطق تأثير“!
الأحد 2025/04/06
تهدف إسرائيل من خلال غاراتها على سوريا، إلى “تقسيم” البلاد إلى “مناطق تأثير” مع كل من تركيا والولايات المتحدة وروسيا، بينما تبرر احتلالها لمناطق سورية جديدة، عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، “بمنع تواجد مسلحين جهاديين سُنة” على علاقة مع أنقرة، عند مستوطنات الجولان المحتل، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.
“مناطق تأثير”
وقالت “يديعوت أحرونوت” إن إسرائيل تهدف من خلال الغارات التي شنتها على سوريا بما في ذلك تدمير المطارات العسكرية، إلى “تقسيم سوريا إلى مناطق تأثير”، بحيث تكون الولايات المتحدة صاحبة التأثير في الشرق، وروسيا في مناطق الساحل، وتركيا في الشمال، وإسرائيل في الجنوب، والإدارة السورية الجديدة في باقي المناطق.
والأسبوع الماضي، هدّد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الرئيس السوري أحمد الشرع بشكل مباشر قائلاً: “إذا سمحت لقوى معادية لإسرائيل بالدخول إلى سوريا وتشكيل خطر على مصالح أمنية إسرائيلية، فإنك ستدفع ثمناً باهظاً للغاية”. وأضاف أن الغارات الجوية الأخيرة على دمشق ومطاري حماة و”تي-4″ في حمص، “هي رسالة واضحة وتحذير للمستقبل. لن نسمح باستهداف أمن دولة إسرائيل”.
وقالت الصحيفة إن كاتس لم يذكر تركيا في تهديده لأن “إسرائيل ما زالت تأمل بالامتناع عن مواجهة مباشرة والتوصل مع تركيا، بوساطة أميركية وربما روسية أيضاً، إلى تقاسم مناطق تأثير وتسويات أمنية في الأراضي السورية”.
لكنها رأت أن قصف أربعة مطارات عسكرية كبيرة في سوريا، في الليلة نفسها، “كانت رسالة إلى السلطان في تركيا” في إشارة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان.
“الجهاديون السُنة”
ووفقاً للصحيفة، فإن المخاوف تتزايد داخل مؤسستي الجيش والاستخبارات في إسرائيل، من إمكانية أن تستغل تركيا الفراغ في الحكم في سوريا “بحيث تشكل تهديداً على إسرائيل، بسبب علاقة تركيا مع تنظيمات المتمردين الجهاديين”.
وزعمت أن احتلال الجيش الإسرائيلي لأراضٍ سورية جديدة، كان بهدف “منع وضع محتمل يتواجد فيه مسلحون جهاديون سُنة في مسافة تبعد مئات معدودة من الأمتار عن بلدات (مستوطنات) هضبة الجولان”.
وتبرّر إسرائيل احتلالها للأراضي السورية والغارات على جميع أنحاء البلاد وتدمير أسلحة الجيش السوري والمطارات العسكرية، بادعاء أن تركيا تعتزم “التموضع في سوريا عسكرياً واقتصادياً، بواسطة تأثيرها على المتمردين السُنة”، بحسب الصحيفة.
وادعت “يديعوت أحرونوت”، أن اردوغان يحاول حالياً توسيع وترسيخ التأثير والتموضع العسكري والاقتصادي لبلاده في جميع أنحاء سوريا كجزء من الاستراتيجية “النيو عثمانية”، كي تكون تركيا “دولة عظمى إقليمية مركزية في الشرق الأوسط ومؤثرة في الحلبة الدولية”.
وقالت إن لدى إسرائيل قلقاً بعيد بشأن تركيا، يتمثّل بـ”نشوء محور إسلامي- سُني يحمل فكر الإخوان المسلمين، تقوده تركيا ويمر في سوريا، وفي أوساط الإخوان المسلمين في الأردن، وبين مؤيدي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية وانتهاء في غزة، وأن يحل مكان المحور الشيعي بقيادة إيران”.
لكن الصحيفة أضافت أنه بخلاف إيران، فإن تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وحليفة قريبة للولايات المتحدة وتقيم علاقات وثيقة مع روسيا.
إضافة لذلك، فإن “أن أجهزة الأمن والاقتصاد الإسرائيلية والتركية تقيم علاقات دائمة، ورغم أن تركيا تمنح اليوم رعاية علنية تقريباً من أراضيها لنشاط حماس في الضفة الغربية، فإن لدى إسرائيل القدرة على التحدث مع الأتراك، ونقل رسائل إليهم بشكل مباشر والتأثير عليهم أيضاً”.
وكشفت “يديعوت أحرنوت” عن أن “مخاوف إسرائيل من محاولات تركيا للسيطرة على سوريا، إلى جانب مواضيع مشتعلة أخرى مثل المخطوفين وإيران، ستكون موضوعاً مركزياً في اللقاء المتوقع الأسبوع الحالي” في البيت الأبيض، بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
منطقة عازلة
في غضون ذلك، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية إن الجيش الإسرائيلي توغل خارج المنطقة العازلة، واحتل أراضٍ سورية جديدة. ونقلت عن أحد سكان قرية الحميدية في ريف القنيطرة قوله إن إسرائيل “أنشأت منطقة عازلة على أراضينا ومنعتنا من دخولها”.
وأقامت الجرافات حاجزاً ترابياً خارج الحميدية باتجاه الداخل السوري. وهناك، ترجل بعض الجنود الإسرائيليين وقال أحدهم للصحيفة إنهم يمنعون القرويين من عبور المنطقة، حتى لرعي ماشيتهم، لأسباب أمنية.
ونقلت عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن “الجيش ينفذ عمليات لضمان الأمن في المنطقة العازلة في سوريا”. وزعم أن قوات الاحتلال “لم تحظر التجوال في قرية الحميدية لكنها تتحكم في الحركة فيها”. وادعى أن عمليات الاعتقال لأشخاص من المنطقة، تتعلق بـ”مشتبه في قيامهم بأنشطة إرهابية”.
المدن
—————————
ريف دمشق: تهديد بـ”7 أكتوبر” انطلاقاً من الجولان..نصرةً لغزة
السبت 2025/04/05
توعّد مسلحون سوريون في ريف دمشق الجنوبي الغربي، بعملية عسكرية ضد إسرائيل، شبيهة بعملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، في حال لم تتوقف المجازر الإسرائيلية ضد قطاع غزة في فلسطين.
“7 أكتوبر” جديد
وقال المسلحون في مقطع مصوّر، إنهم من أبناء بلدة كناكر التي لا تبعد سوى 40 كيلومتراً عن الحدود من الجولان، مشيرين إلى أن بيانهم هو نصرة لأهل غزة، ولدب الرعب في قلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “ومن والاه”.
وتوعّد المسلحون بـ”7 أكتوبر” جديد انطلاقاً من حدود الجولان المحتل، في حال لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن مجازره بحق المدنيين في قطاع غزة. وقالوا إن الشعب السوري قدّم أكثر من “مليون شهيد” على مدى 14 عاماً، “ولن يبخل في تقديم المزيد” في سبيل فلسطين “وسبيل الله وأرض أجدادنا”.
نصرتاً لغزة و و رعباً لابن اليهودية”
فيديو بيان أبناء بلدة كناكر الثوار الأحرار يتوعدون الكيان الصهيوني بـ7 اكتوبر جديد.#أخبار_الأمة_الإسلامية #غزة #غزة_تُباد #درعا #سوريا_الان #إسرائيل #احرار pic.twitter.com/iHHmqokbyp
— sory (@mary69mk) April 5, 2025
وتقع بلدة كناكر على خط نظري يبعد أقل من 40 كيلومتراً عن الحدود مع الجولان السوري المحتل، إذ تتصل مع بلدة سعسع التي كانت قبل الثورة السورية، ممنوع على السوريين، من غير سكانها، الدخول إليها وما بعدها من قرى جبل الشيخ، إلا بموجب تصريح صادر عن “فرع سعسع”، بسبب قربهم من حدود الجولان، بناءً اتفاقية فض الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974.
غضب شعبي
ويأتي البيان بالتزامن مع زيادة الغضب والاحتقان الشعبيين من التوغلات الإسرائيلية المستمرة داخل جنوب وغرب البلاد، لا سيما في ريف درعا الغربي، بعد استشهاد عدد من الشبان برصاص وقصف قوات الاحتلال، أثناء محاولتهم التصدي للتوغلات.
واستشهد 9 أشخاص، وأصيب 23 آخرين، ليل الأربعاء/الخميس، إثر محاولة مجموعة من الشبّان التصدي لتوغل القوات الإسرائيلية نحو حرش سد الجبيلية الواقع بين مدينة نوى وبلدة تسيل في ريف درعا الغربي.
وهي المرة الأولى التي تتوغل فيها قوات الاحتلال إلى ذلك العمق داخل الأراضي السورية، منذ احتلالها مرتفعات جبل الشيخ وقرى المنطقة العازلة مع الجولان المحتل، عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وليست هي المرة الأولى التي تتعرض قوات الاحتلال إلى “مقاومة شعبية” خلال محاولتها التوغل داخل الأراضي السورية في ريف درعا، إذ سبق أن تعرضت لمقاومة مماثلة في بلدة كويا غربي درعا، ردت على إثرها بقصف عنيف على القرية، ما أدى لاستشهاد 6 أشخاص، بينهم مدنيون.
المدن
——————————-
إسرائيل وتركيا في سوريا.. بين معادلتي التنافس و”الأمر الواقع“
ضياء عودة – إسطنبول
04 أبريل 2025
لم يعد خفيا أن التصعيد الإسرائيلي الحاصل في سوريا يرتبط بالجزء الأكبر منه بتركيا، وهذا ما تشير إليه تصريحات المسؤولين في إسرائيل على مستوى الخارجية والدفاع، ولم يعد خفيا أيضا أن كل من إسرائيل وتركيا تحاولان إرساء معادلات عسكرية جديدة في البلاد كأمر واقع، فلمن ستكون الكلمة العليا؟ وما السيناريوهات التي يطرحها الخبراء والمراقبون؟
تقول إسرائيل إن الضربات التي نفذتها، خلال اليومين الماضيين، في سوريا واستهدفت بها مواقع عسكرية ومطارات تهدف إلى إيصال “رسالة واضحة وتحذير للمستقبل”: لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل، في إشارة لتركيا، التي تواردت أنباء عن نيتها إنشاء قواعد عسكرية في وسط سوريا.
وقالت أيضا على لسان وزير خارجيتها، جدعون ساعر، الخميس، إن “نية أنقرة هي أن تكون سوريا محمية تركية”، مضيفا: “تركيا تلعب أيضا دورا سلبيا في سوريا ولبنان ومناطق أخرى”. وهذه اللهجة هي الأولى من نوعها على صعيد توجيه التحذيرات بشكل مباشر، وباتجاه اللاعب الإقليمي الأبرز في سوريا، وهو تركيا.
ولا يبدو أن أنقرة وبناء على المواقف التي عبّرت عنها، في الساعات الماضية، تنوي أو تفضل المسار العسكري كخيار لإرساء المعادلة الخاصة بها في سوريا، وعلى العكس أعطى نص البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية التركية، ليلة الجمعة، مؤشرا على التمسك بالنبرة السياسية والدبلوماسية.
والجمعة صرح وزير الخارجية التركي حقان فيدان لرويترز بأن تركيا لا تريد أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا، لكنه أوضح أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية تقوض قدرة الحكومة السورية الجديدة على ردع التهديدات.
وجاء في بيان الخارجية التركية الخميس أن الضربات الإسرائيلية في سوريا يتم تنفيذها دون أي “استفزاز”، وأضاف أن “ليس لها تفسير آخر سوى نهج السياسة الخارجية الإسرائيلية، الذي يتغذى على الصراع”.
الخارجية التركية لم تتطرق إلى الأنباء التي تواردت عن نية أنقرة إنشاء قواعد في سوريا، وخاصة في المطارات العسكرية، واعتبرت في المقابل أن “إسرائيل أصبحت تشكل التهديد الأكبر لأمن المنطقة بهجماتها على السلام الإقليمي والوحدة الوطنية لدول المنطقة، ما يتسبب في الفوضى ويعزز الإرهاب”.
ويقول كبير الخبراء الأميركيين في “المجلس الأطلسي”، ريتش أوتزن إنه لدى إسرائيل ثلاثة أسباب محتملة للقيام بأعمال عسكرية في سوريا، الأول هو تدمير المعدات المتطورة التي ورثتها الحكومة الانتقالية من نظام الأسد، والثاني هو الضغط على الحكومة- وخاصة أحمد الشرع – “لكبح جماح المتشددين الداعمين لها وحماية الأقليات”.
ويذهب السبب الثالث باتجاه “إرسال رسالة إلى أنقرة مفادها أن إسرائيل لا تنوي تقييد حرية تحركها في سوريا أو فوقها، وأن أي إجراءات لتقييدها قد تؤدي إلى مواجهة”، وفق حديث أوتزن لموقع “الحرة”.
“التنافس الإقليمي هو نتاج تباين المصالح وانخفاض مستويات الثقة.. ولن يهدأ بسهولة”، يضيف الخبير في “المجلس الأطلسي”، لكنه يشرح في المقابل أن “هذا التنافس يمكن إدارته من خلال مزيج”.
أولى خيارات إدارة التنافس تقوم على “دبلوماسية هادئة ورصينة من كلا البلدين”، ويتعلق ثاني الخيارات بدور الولايات المتحدة في إيجاد “تسوية مؤقتة”.
كما أن “موازنة التنافس بين تركيا وإسرائيل بالتعاون في التجارة والشؤون الإقليمية قد يكون خيارا أيضا، كما فعلت تركيا مع دول الخليج ومصر، بحسب الخبير الأميركي.
“هدفان لنتانياهو”
تركيا هي واحدة من الدول القليلة ذات الأغلبية المسلمة التي تعترف بإسرائيل.
لكن في المقابل تركيا فرضت في أبريل 2024، قيودا على صادرات إلى إسرائيل، شملت 54 منتجا من الحديد والصلب إلى وقود الطائرات.
وقبل حرب غزة كانت العلاقة بين تركيا وإسرائيل تسير على مسار إيجابي.
وبعد اندلاع الحرب توترت العلاقة إلى مستوى وصل إلى حد إيقاف التجارة من جانب تركيا، والانخراط في مسارات مناهضة لإسرائيل في الأروقة الدبلوماسية.
وتشير الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس إلى أن حملة الغارات الإسرائيلية التي حصلت، خلال اليومين الماضيين، والتي دمّرت مطاري التيفور وحماة العسكريين بالكامل جاءت بعد تحركات عسكرية تركية ووصول مستشارين عسكريين إلى المطارين، “على ما يبدو لتجهيزهما ليصبحا قواعد جوية تركية”.
وتوضح كولوريوتيس لموقع “الحرة” أنه ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإن تلك التحركات “تشكل تهديدا ليس فقط للوضع الأمني في شمال إسرائيل، بل أيضا للخطط السياسية للحكومة الإسرائيلية المتعلقة بالملف السوري”.
ولدى حكومة بنيامين نتانياهو حاليا هدفان تسعى لتحقيقهما في الوقت الحالي بسوريا: الأول منع أي وجود عسكري متوسط وثقيل في جنوب البلاد، والثاني ضمان حرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية. و”هنا يُصبح إنشاء قواعد جوية تركية في سوريا محفوفا بالمخاطر”، تضيف الباحثة.
وتتابع: “وإذا أُنشئت هذه القواعد (التركية)، فسيعني ذلك أن على إسرائيل إنشاء خط اتصال مباشر مع الجيش التركي لمنع أي حوادث جوية بين الجانبين، وهو ما لا تريده إسرائيل، على الأقل في الوقت الحالي”.
“تركيا جزء”
ولا تعتبر تركيا وتحركاتها في سوريا هي السبب الوحيد الذي تضعه إسرائيل مقابل تصعيد غاراتها الجوية في البلاد. فما إن أعلنت فصائل المعارضة السورية إسقاط نظام الأسد في دمشق، في الثامن من ديسمبر 2024، حتى أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ “أكبر سلسلة غارات في تاريخه” بسوريا.
وبعد تلك الغارات بدأ الجيش الإسرائيلي سلسلة عمليات توغل داخل الأراضي السورية، في محافظتي القنيطرة ودرعا، وأعلن مؤخرا إنشاء قواعد هناك وعلى قمة جبل “الشيخ” للتأسيس لوجود طويل المدى.
“ضمان حماية الدروز” في سوريا كانت هدفا كشفت عنه إسرائيل أيضا. وفي حين أضيف إليها من قبل الهدف المتعلق بنزع السلاح من مناطق جنوب سوريا، كشف مسؤولون إسرائيليون، مؤخرا، عن نوايا تتعلق بضرورة “إنشاء الفيدراليات في سوريا”.
وعلاوة على ذلك كان الجيش الإسرائيلي قد اصطدم بسكان محليين في ريف درعا في أثناء محاولاته التوغل في عدة قرى هناك، مما أسفر عن مقتل مدنيين، آخرهم في مدينة نوى، وبالتزامن مع حملة الغارات الأخيرة التي ربطها المسؤولون في تل أبيب بتحركات تركيا.
وتوضح الباحثة كولوريوتيس أن “تضخيم الإعلام الإسرائيلي للوجود التركي في سوريا بدأ قبل أيام قليلة، بقرار سياسي من حكومة نتانياهو”.
عمليا، تتواجد تركيا في الأراضي السورية منذ عام 2016 خلال عملية “درع الفرات”، وازداد تواجدها استقرارا بعد اتفاق سوتشي في مارس 2020.
ولم تُبدِ الحكومة الإسرائيلية في السابق (أي قبل سقوط نظام الأسد) أي اعتراض على هذا الوجود التركي. وبالتالي فإن التصعيد الحالي “له أبعاد سياسية أكثر من عسكرية”، بحسب وجهة نظر الباحثة، التي تردف بالقول: “الواقع يقول إن إسرائيل تعمل على إرساء معادلة عسكرية جديدة في سوريا كأمر واقع”.
وتشرح كولوريوتيس أن “الهدف من إرساء تلك المعادلة هو الحصول على تنازلات سياسية من الإدارة السورية الجديدة في سياق أي مفاوضات بين الجانبين، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء”.
وقد يكون المطلب الإسرائيلي الأهم هو “التنازل السوري الكامل عن مرتفعات الجولان”، و”الثاني هو فتح الطريق للتطبيع”، وفق حديث الباحثة.
“التفاهمات ما تزال نظرية”
ولم توجه الإدارة السورية الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام الأسد أي تهديدات باتجاه إسرائيل.
على العكس أكدت على لسان قائدها أحمد الشرع لأكثر من مرة أن سوريا لن تشكل أي عامل تهديد لدول المنطقة.
في المقابل، وبينما انتشرت عدة تقارير صحفية عن نية تركيا إنشاء قواعد عسكرية في وسط سوريا إلا أن المستوى الرسمي لم يؤكدها حتى الآن، مما يشير إلى أن ما يجري ما يزال يدور في إطار تبادل الرسائل وردود الفعل بين تركيا وإسرائيل، قبل إرساء المعادلات الجديدة كأمر واقع.
ويقول الباحث في الشأن التركي، علي أسمر إنه توجد تفاهمات تركية-سورية نظرية حول اتفاقية دفاع مشترك تشمل العديد من الجوانب، منها تدريب الجيش السوري الجديد، وتسليحه، وإنشاء مراكز عسكرية تركية في سوريا.
هذه التفاهمات النظرية سبق وأشار إليها مسؤولون في وزارة الدفاع التركية لأكثر من مرة بعد سقوط نظام الأسد، لكنها بقيت في إطار ضبابي على صعيد عملية التطبيق والوقت اللازم للشروع بذلك.
ويبدو أن إسرائيل شعرت بأن هذه التفاهمات النظرية باتت قريبة التطبيق على أرض الواقع، ولذلك تسعى لعرقلة هذا التعاون العسكري التركي-السوري، كما يضيف أسمر لموقع “الحرة”.
“المعادلة واضحة: تركيا ستملأ الفراغ الأميركي في سوريا بعد الانسحاب، سواء أرادت إسرائيل ذلك أم لا، لأنه لا توجد قوة أخرى غير تركيا قادرة على ملء هذا الفراغ”، وفق رؤية الباحث.
ويتابع حديثه: “فإيران تم طردها من سوريا، وروسيا منشغلة بالحرب مع أوكرانيا، وإدارة دونالد ترامب تريد الانسحاب، أما إسرائيل فلا تستطيع أن تملأ هذا الفراغ، لأن الشعب السوري ينظر إلى إسرائيل كعدو، لا كحليف كما هو الحال مع تركيا”.
“الوسيط الأميركي هو الحل”
وتعتبر تركيا في الوقت الحالي أبرز حلفاء الإدارة السورية الجديدة، التي يرأسها أحمد الشرع.
وكانت أنقرة قد أسست لهذه الحالة، منذ سنوات طويلة، على صعيد القواعد التي أسستها في شمال سوريا والدعم اللوجستي والعسكري، الذي قدمته لفصائل المعارضة المسلحة قبل دخولها إلى دمشق.
وترى كولوريوتيس أن الخطة الإسرائيلية في سوريا قد تواجه عقبات “إذا عززت تركيا وجودها العسكري والجوي في سوريا، مما سيحد من حرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي في المجال الجوي السوري”.
وفي غضون ذلك، سيضع الوجود العسكري التركي في سوريا إدارة الشرع في دمشق في موقف تفاوضي أفضل في مواجهة الشروط الإسرائيلية، وفق الباحثة.
واللافت في الغارات الإسرائيلية التي حصلت، خلال اليومين الماضيين، أنها كشفت عن أهداف جديدة لإسرائيل تتجاوز إبعاد التهديدات على الأرض لتصل إلى النقطة المتعلقة بـ”تسيّد السماء السورية”، ومنع أي طرف آخر من اللعب فيها.
وكان لافتا فيها أنها استهدفت على نحو خاص ومحدد مطارات عسكرية قيل إن تركيا تريد التموضع فيها على صعيد إنشاء القواعد.
وتعتقد الباحثة أن المشهد الرابط بين إسرائيل وتركيا يبدو معقدا على نحو كبير، بسبب انقطاع التواصل الدبلوماسي، في ظلِّ الأحداث الجارية في قطاع غزة.
وبالتالي، “لا يوجد خطُّ تواصلٍ مباشر بين دمشق وإسرائيل، ولا بين تركيا وإسرائيل. وهذا يجعل الوسيط الأمريكي هو الحل”، وفق كولوريوتيس.
وللرئيس التركي، رجب طيب إردوغان علاقةٌ مميزة مع ترامب، وقد ينعكس ذلك قريبا على رفع بعض العقوبات الأمريكية عن تركيا.
وبناء على تلك العلاقة قد ترى أنقرة أنَّ الحل الأمثل هو التوصل إلى تفاهمات مع واشنطن في الملف السوري، تشمل محاربة داعش والتنسيق مع الحكومة السورية بشأن إدارة السجون في شرق سوريا، التي تضمُّ مقاتلي داعش.
وفي إطار هذه التفاهمات، سيتمُّ التوصل إلى اتفاقٍ يقضي بإنشاء تركيا قواعد جوية في سوريا. “وفي حال قبول الولايات المتحدة بهذه الخطوة، فإن واشنطن ستصبح مسؤولة عن فرض هذه التفاهمات كأمر واقع أمام الحكومة الإسرائيلية”، بحسب كولوريوتيس.
وإذا تصاعدت التوترات بين تركيا وإسرائيل، من المحتمل أن نشهد وساطة أميركية أو أذربيجانية بين الطرفين، باعتبار أن كليهما حليف للولايات المتحدة، يضيف الباحث في الشأن التركي، علي أسمر.
وأما في حال حدث اصطفاف مباشر، فقد يؤدي ذلك إلى أزمات عسكرية ذات أبعاد إقليمية ودولية، نظرا لأن تركيا عضو في حلف “الناتو”، وفي “منظمة الدول الإسلامية”، و”منظمة التعاون الإسلامي”.
ويستبعد أسمر حدوث تصادم مباشر بين تركيا وإسرائيل.
وفي حين يرجح أن نشهد مستقبلا “معاهدة أو اتفاقية سلام” بين سوريا وإسرائيل برعاية تركية-أميركية، يقول إن “التواجد التركي في سوريا أمر لا مفر منه، بسبب تقاطع الأمن القومي التركي مع الأمن القومي السوري، نظرا لتداخلهما الجغرافي”.
ضياء عودة
الحرة
——————————–
سوريا… تركيا وإسرائيل وجها لوجه/ عمر اونهون
مؤشرات التغيير تكشف عن نفسها يوما بعد آخر
05 أبريل 2025
تتألف الحكومة السورية الجديدة، التي أُعلن عنها في 29 مارس/آذار، بشكل رئيس من كوادر “هيئة تحرير الشام”، مع تعيين وزير واحد من كل من الطوائف التالية: مسيحي (للشؤون الاجتماعية)، علوي (للنقل)، درزي (للزراعة)، وكردي (للتعليم).
وتُعد هند قبوات، الوزيرة المسيحية المكلّفة بالشؤون الاجتماعية، المرأة الوحيدة في التشكيلة الحكومية، علما بأن الفريق الحكومي يضم أيضا شخصين شغلا سابقا منصبَي وزيري النقل والاقتصاد خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.
في كل الأحوال، يبدو أن سوريا في المرحلة المقبلة، ستكون فعليا تحت حكم الرئيس أحمد الشرع، الذى يمكن وصفه عموما بأنه إسلامي سياسي ذو خلفية سلفية، إلى جانب “رباعية أمنية” تضم وزراء الدفاع والعدل والداخلية والخارجية، فضلا عن اللجان الاستشارية التابعة لهم، والمكوّنة من النواة الأساسية لكوادر “هيئة تحرير الشام”.
ويبقى الزمن وحده كفيلا بكشف ما إذا كانت فترة الانتقال، الممتدة لخمسة أعوام، ستفضي إلى نظام دكتاتوري جديد، أم إلى منظومة ليبرالية تعددية وشاملة، يُنتخب فيها الحكام بحرية.
ما يجري في سوريا على صعيد المسألة الكردية، يُعدّ محاولة واضحة لإدماج الأكراد كعنصر “مُميّز” داخل بنية النظام القائم. وقد أسهمت التطورات الأخيرة في البلاد، إلى جانب ما يُعرف بعملية “تركيا الخالية من الإرهاب” في إطلاق حركة تفاوض نشطة، شملت المجموعات الكردية المتنازعة داخل سوريا، وتحديدا “وحدات حماية الشعب/حزب الاتحاد الديمقراطي” و”ائتلاف المعارضة الكردية”، فضلا عن تواصلات مع البنى الكردية في دول الجوار، مثل تركيا والعراق.
وتتولى الولايات المتحدة وفرنسا، وإن بدرجة أقل وضوحا المملكة المتحدة، دور الوساطة في هذه المحادثات، التي تسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الأكراد السوريين.
ورغم التصريحات السلبية التي صدرت عن “وحدات حماية الشعب/حزب الاتحاد الديمقراطي” تجاه الحكومة السورية الجديدة، فإن قنوات التفاوض بين الطرفين ما زالت مفتوحة، في إطار الاتفاق الموقع بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي بتاريخ 10 مارس.
وقد انعكس هذا الانخراط في مفاوضات مباشرة على أرض الواقع، حيث باشرت “وحدات الحماية” بالانسحاب من المناطق ذات الغالبية الكردية في مدينة حلب، ومنطقة سد تشرين، تاركة المجال لقوات الأمن السورية لتتسلم مواقعها. كما أشارت تقارير إلى حصول عمليات تبادل أسرى بين الجانبين.
أما مطالب الأكراد السوريين، فيمكن تلخيصها في عدة نقاط أساسية، أبرزها: إنشاء نظام لامركزي، والإبقاء على “وحدات الحماية”، وتخصيص حصة من عائدات النفط للمناطق الكردية، وضمان المساواة في المواطنة، والسماح باستخدام اللغة الكردية، والاعتراف بالحقوق الثقافية، وضمان تثبيت هذه المبادئ في الدستور السوري المستقبلي.
وبعد أيام قليلة من زيارته إلى دمشق في 13 مارس، ولقائه بالرئيس أحمد الشرع، أدلى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بتصريحات عكست موقف أنقرة الحاسم من القضايا المتعلقة بـ”وحدات الحماية”. وقد أكد في تصريحاته أن هذه “الوحدات” تُعامل وفق ما تعتبره تركيا واقعا لا لبس فيه، بوصفها امتدادا مباشرا لـ”حزب العمال الكردستاني”، مشددا على ضرورة تدمير قدراتها العسكرية بالكامل، والعمل على حلّها، بحيث تخضع العناصر المتبقية منها لسلطة الجيش السوري.
وفي سياق التحركات الدبلوماسية المتصلة بهذا الملف، توجّه فيدان لاحقا إلى العاصمة الأميركية واشنطن يومي 25 و26 مارس، حيث التقى نظيره الأميركي في محادثات، احتلت فيها القضية السورية و”وحدات الحماية” موقعا بارزا على جدول الأعمال. غير أن تسريبات إعلامية أفادت بأن الجانب التركي لم يكن راضيا عن نتائج هذه المحادثات، لا سيّما فيما يخص التباين في المواقف تجاه “وحدات الحماية”.
في المقابل، اكتفى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بالإشارة، في منشور عبر “وسائل التواصل الاجتماعي”، إلى استمرار التعاون مع تركيا في سوريا من باب دعمها في مواجهة أنشطة إيران، التي وصفها بالمزعزعة للاستقرار، دون أن يأتي على ذكر “وحدات الحماية”.
وفي ظل هذا السياق، قد تُقدم الولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة على اتخاذ بعض الخطوات الرمزية التي يمكن تأويلها على أنها تصب في مصلحة تركيا، إلا أن حدوث تحول جذري في موقفها أو تخلّيها عن “وحدات الحماية” يبدو مستبعدا، خاصة في ضوء المعادلات الجيوسياسية الراهنة.
تركيا وإسرائيل وجها لوجه في سوريا
في إطار مسعاها المستمر لمنع سوريا من تشكيل أي تهديد محتمل في المستقبل، تبنت إسرائيل استراتيجية تقوم على إضعاف هذا البلد وتقسيمه، بما يضمن تحويله إلى كيان عاجز، وغير مُهدِّد لأمنها القومي. وفي هذا السياق، دعت تل أبيب إلى نزع السلاح من المحافظات الجنوبية السورية، وتحديدا القنيطرة ودرعا والسويداء، بالتزامن مع مواصلة سلاحها الجوي تنفيذ ضربات تستهدف تدمير جميع الأصول العسكرية والاستراتيجية داخل الأراضي السورية.
وتُظهر البيانات أن أكثر من 740 غارة جوية نفذتها إسرائيل خلال الأشهر الأربعة الماضية، لم تأت ردا على أي تهديد أو هجوم سوري، بل كانت كلها عمليات أحادية الجانب، هدفها المباشر هو التدمير دون مبررات فورية.
كما تتدخل إسرائيل في الشأن السوري عبر قنوات تتعلق بالأكراد والدروز، حيث تقدم نفسها كجهة حامية لهذه المكونات. وعلى الأرض، أنشأت القوات الإسرائيلية، التي لا تزال تسيطر على ما تبقى من أراضي الجولان، مواقع عسكرية ثابتة داخل الأراضي السورية خارج حدود تلك المنطقة. وتقوم دوريات من الجيش الإسرائيلي بتفتيش القرى والبلدات في جنوب سوريا، فيما أفادت تقارير بأن مروحيات تابعة للجيش الإسرائيلي، نفذت في إحدى المناسبات غارة في جنوب غربي البلاد، أسفرت عن مقتل مدنيين سوريين.
في المقابل، وفي إطار التعاون الدفاعي الذي جرى الاتفاق عليه بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وأحمد الشرع خلال زيارة الأخير إلى أنقرة في فبراير/شباط، من المتوقع أن تضطلع تركيا بدور محوري في تشكيل الجيش السوري الجديد، وتوفير التدريب اللازم له. كما أشارت تقارير إلى أن أنقرة تستعد لإنشاء قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية، تُخصص لنشر مقاتلات وطائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي، وإن كانت هذه المعلومات لم تُؤكد رسميا حتى اللحظة.
وتوجد بالفعل وحدات من القوات المسلحة التركية داخل سوريا، أساسا في إطار محاربة “وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني”، وقد تُستخدم القواعد المذكورة لأغراض عدة، منها:
تدريب الجيش السوري.
محاربة تنظيم “داعش”. وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا ستنفذ هذه المهام بمفردها بالتعاون مع سوريا، أم ضمن التحالف الدولي، أم بالتنسيق مع الدول الأربع التي شاركت في اجتماع عمّان في مارس.
حماية سوريا من أي تدخل خارجي، وهو ما سيشكل في حال تحققه تحولا كبيرا في الدور التركي، ومهمة جديدة للجيش التركي من المتوقع أن تثير جدلا كبيرا داخليا وخارجيا.
لقد وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تهديدا مباشرا إلى سوريا، خاطب فيه الرئيس السوري المؤقت بالقول: “إذا سمحتَ لقوى معادية– في إشارة واضحة إلى تركيا– بدخول سوريا وتهديد المصالح الأمنية لإسرائيل، فسوف تدفع ثمنا باهظا”.
وفي هذا السياق، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية عددا من القواعد الجوية داخل الأراضي السورية، من بينها قواعد تقع في حمص وحماة، إلى جانب قاعدة “تي فور” (T4) المعروفة. وتفيد مصادر بأن بعض هذه المواقع كانت تُستخدم من قبل القوات التركية.
وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية وأجنبية، استنادا إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين، أن هذه الضربات جاءت في إطار رسالة تحذيرية واضحة إلى أنقرة.
كما طُرحت مزاعم تفيد بمقتل ثلاثة مهندسين أتراك خلال إحدى الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قاعدة جوية في سوريا، دون أن يصدر أي بيان رسمي من الجهات المعنية، لتأكيد أو نفي هذه المعلومات. غير أن صحّة هذه المزاعم، إن ثبتت، تحمل دلالات خطيرة على أكثر من مستوى، وقد تؤدي إلى تصعيد التوترات بين الجانبين.
وتُعدّ الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية خرقا واضحا للقانون الدولي، والأعراف المتعارف عليها بين الدول، إلا أن المجتمع الدولي، وكما هو الحال في الملف الفلسطيني، يكتفي بإصدار بيانات إدانة شكلية، في حين تواصل إسرائيل، بدعم أميركي كامل، تنفيذ ضرباتها غير المبررة ضد دولة ذات سيادة.
في المقابل، ترى تركيا نفسها محاطة بتهديدات إقليمية متشابكة، تمتد من شرق البحر المتوسط وصولا إلى حدودها مع سوريا وإيران، وتشمل إسرائيل، و”وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني”، إضافة إلى الولايات المتحدة، واليونان، وإدارة قبرص اليونانية، وفرنسا، وبعض الدول العربية. وتدفع هذه التهديدات أنقرة إلى اتخاذ خطوات مضادة وتحركات محسوبة لحماية أمنها القومي.
وفي تصريح أدلى به لوكالة “رويترز” أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن بلاده لا تسعى إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل على الأراضي السورية. ومع ذلك، تنظر تركيا إلى إسرائيل بوصفها “كيانا صهيونيا توسعيا” وقد عبّر الرئيس رجب طيب أردوغان عن هذا الموقف بوضوح حين قال، عقب أدائه صلاة الجمعة الأسبوع الماضي: “لعن الله إسرائيل الصهيونية إلى الجحيم”.
في المقابل، ترى إسرائيل في تركيا “قوة توسعية ذات نزعة عثمانية جديدة” وتضعها في خانة التهديد، إلى جانب إيران. وفي حال اندلاع مواجهة مباشرة، حتى وإن كانت محدودة وقصيرة الأمد، فإن الجانبين مرشحان لتكبّد خسائر كبيرة، خصوصا على المستوى الاقتصادي. كما قد تُستخدم هذه المواجهة كذريعة لتبرير فرض إجراءات طوارئ في كلا البلدين، اللذين يواجهان أصلا أزمات سياسية داخلية عميقة.
ومن غير المستبعد أن تتدخل الولايات المتحدة في مرحلة معينة، في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد بين اثنين من أبرز حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، هما تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، وإسرائيل.
المجلة
————————————
في توحش إسرائيل وأبعاده/ ماجد كيالي
تحاول استعادة دورها الإقليمي
04 أبريل 2025
لا يوجد أي مبرر، لا سياسي ولا أمني، للضربات القاسية والمتوالية التي توجهها إسرائيل ضد لبنان وضد سوريا، إذ لا يوجد ما يهددها في هذين البلدين، أقله في المدى المنظور، لشن ما قد تعتبره حربا استباقية، علما أن ذلك ينطبق على حرب الإبادة المهولة التي تصر على مواصلة شنها منذ 18 شهرا، ضد فلسطينيي قطاع غزة، وحتى ضد فلسطينيي الضفة الغربية، بخاصة، مع سعيها في سحق ومحو مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فيها.
القصد أنه لا يمكن إحالة العدوانية الإسرائيلية المتوحشة إلى رغبة بنيامين نتنياهو في التملص من المحاكمة والمحاسبة، أو إطالة عمره السياسي، في الفوز بأية انتخابات قادمة، كما يعتقد بعضهم، كما أنه ليس لذلك علاقة بالضغط لتحرير الرهائن، فهؤلاء لم يعودوا ورقة ضغط منذ أشهر عديدة، لأن كل ذلك استنفذ منذ زمن طويل، بعد أن بات نتنياهو بمثابة الزعيم اللامنازع للإسرائيليين.
أيضا، فإن توحش إسرائيل، ضد الفلسطينيين وضد سوريا ولبنان، لا يمكن تفسيره حتى باعتباره بمثابة رد فعل على عملية “طوفان الأقصى” (أواخر 2023) فقط، إذ إن تلك العملية خلقت الفرصة السانحة لإسرائيل للقيام بما تقوم به، لكن ما فعلته إسرائيل يفوق ردة الفعل على ذلك الحدث، وعلى مختلف الجبهات.
وهذا حصل في مواجهات سابقة، إذ يقول دان شيفنون (رئيس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة حيفا): “ليست (حماس)، ولا غزة، ولا القسام أهداف الحرب ومعيار نجاحها. في غزة نحن نحارب للبت بمصير التطرف في المنطقة وأسطورة المقاومة. هذا ما يعرفونه جيدا في طهران وبيروت ودمشق” (يديعوت أحرونوت- 15/1/2009).
أيضا أورن يفتاحئيل، أستاذ الجغرافيا السياسية، أكد ذلك في بداية الحقبة الثانية لنتنياهو في رئاسة حكومة إسرائيل (2009-2021)، بقوله: “هذه الحرب استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفا متشددا ووحشيا يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد… إسكات التاريخ يشكل أيضا محوا للمكان الفلسطيني، ومعه الحقوق السياسية الكاملة… الغزو الإسرائيلي لغزة ليس فقط عملية لوقف الصواريخ، أو لتلميع شخصيات للانتخابات أو محاولة لترميم الردع. الغزو ليس فقط محاولة لإسقاط حكومة (حماس)، وليس مسعى إمبرياليا (إسرائيليا-أميركيا) للسيطرة، هو كل تلك الأمور” (المشهد الإسرائيلي- 18/1/2009).
على ذلك، فإن تفسير وحشية إسرائيل، وما تقوم به، في ظل حكومة المتطرفين (نتنياهو، سموتريتش، بن غفير)، يكمن في أننا إزاء حكومة أيديولوجية تضم اليمين القومي والديني، أي إن لديها تصورا معينا لإسرائيل، ولمكانتها في محيطها، وهي حكومة متطرفين أيديولوجيين حتى ضد اليهود فيها المختلفين معها.
في الواقع فإن تلك الحكومة وجدت في الظروف الدولية والإقليمية والعربية، الراهنة، فرصة مناسبة لها لإحداث تغييرات جوهرية في طبيعة إسرائيل، وتعزيز مكانتها إزاء محيطها وتموضعها في الإطار الدولي، إن بتغليب طابعها كدولة يهودية/دينية، على حساب طابعها كدولة ديمقراطية/ليبرالية (لمواطنيها اليهود)، مع تقويض، أو تهميش، السلطة القضائية فيها، من جهة، ومن الجهة الثانية، باستعادة مكانتها كقوة إقليمية عظمى في الشرق الأوسط، على حساب إيران وتركيا أيضا، مع شطب الفلسطينيين من المعادلات السياسية.
المهم أن إسرائيل تحاول، عبر تلك العدوانية، استعادة دورها، كقوة إقليمية وحيدة في الشرق الأوسط، وربما أكثر، وهو الدور الذي فرضته بعد حرب 1967، بهزيمتها عدة أنظمة عربية، بعد أن تضاءل هذا الدور، نتيجة التداعيات الناجمة عن حرب الخليج الثانية، وغزو الولايات المتحدة للعراق (2003)، مع صعود دور إيران في المنطقة، وتاليا ازدياد دور تركيا فيها.
ما عزز من ذلك التوجه لدى إسرائيل، حاليا أنها تلقى الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب اليمينية المتطرفة، والتي تحارب العالم، لفرض مصالحها وقيمها عليه، بما يشمل حتى الدول الصديقة لها، لذا حصل هذا التلاقي في الأهواء والمصالح والسياسات، الأمر الذي يشجع نتنياهو على شن كل حروبه وهو في غاية الارتياح.
كل ما تقدم يفيد بأن ما يفعله نتنياهو هو في صلب التفكير الأمني الإسرائيلي، وأنه فقط كان ينتظر الحكومة التي تتبناه، والظرف الذي يساعد عليه. مثلا، إبان مواجهات الانتفاضة الثانية، طرح البروفيسور مارتين فان-كرفيلد، أستاذ الدراسات العسكرية في كلية التاريخ بالجامعة العبرية، وأحد كبار المتخصصين في الاستراتيجية العسكرية، طرح نظرية تدعو إلى توجيه ضربة قاسية للفلسطينيين، مفادها أنه “لا جسور مفتوحة ولا علاقات اقتصادية ولا سياسية. فصل مطلق على مدار جيل أو جيلين، أو وفقا لما يحتاجه الأمر… لإعادة ميزان الردع… هذه الأمور يجب أن ننفذها بسرعة مطلقة وبقوة دون أن نتأسف… أنا في هذه الحالة سأستعمل المدفعية، وليس الطيران، لأنني أريد أن أنظر إليهم في عيونهم إذ لا فائدة من هذه الحملة إن لم تبرهن بأعمالك أنك يمكن أن تفعل كل شيء… علينا أن نضربهم بقسوة بكل ما بوسعنا حتى لا نعود إلى ذلك، وحتى لا يهاجمونا من الخلف عند خروجنا، علينا أن نضرب بكل قوة وقسوة بحيث لا نحتاج إلى ضربة ثانية… من الأفضل جريمة واحدة وثقيلة نخرج بعدها ونغلق الأبواب من خلفنا” (إمتساع حضيرة- 8/3/2002).
هكذا، فإن إسرائيل لا تقوم بحروبها ضد الفلسطينيين، ولبنان وسوريا، فقط على سبيل وأد أية إرادة للمقاومة مستقبلا، مهما كان شكلها أو مستواها، ولا على سبيل حرب وقائية، علما أنه لم يعد ثمة ممكنات لها في المدى المنظور، لا على صعيد دولتي ولا على صعيد ميليشياوي، وإنما تتوخى أيضا فرض مجال حيوي جغرافي في محيطها قدره عشرات الكيلومترات، وضمن ذلك منع وجود أية قوة عسكرية إقليمية وازنة، ليس إيران فقط، وهي باتت تحت التهديد، أميركيا وإسرائيليا داخل حدودها، وإنما ينطبق ذلك أيضا على تركيا، أي عدم إتاحة أي دور لتركيا في سوريا، في ظل النظام الجديد، باعتبار أن إسرائيل هي القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة، في إطار الهندسة الجديدة للشرق الأوسط.
المجلة
————————-
“ممر داود” الإسرائيلي.. مشروع حقيقي أم سيناريو قائم على التهويل؟/ سلمان عز الدين
6 أبريل 2025
نفى المكتب الإعلامي لـ”جيش سوريا الحرة” صحة التقارير التي تحدثت عن انتشار قواته في مدينة الضمير بريف دمشق. وقال مسؤول المكتب الإعلامي في التنظيم المدعوم من قاعدة التنف الأميركية، في تصريحات صحيفة، إن “كل ما يُشاع عن جيش سوريا الحرة بخصوص مدينة الضمير ومطارها هو مجرد إشاعات وتأويلات من بعض الصفحات والحسابات التي تهدف إلى نشر الفوضى والأكاذيب”.
وكانت تقارير صحفية قد تحدثت عن دخول عناصر “سوريا الحرة”، أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، إلى مدينة الضمير (35 كم شرق دمشق) وبسط نفوذهم الأمني والعسكري عليها، لا سيما بعد تسلمهم الحواجز المنتشرة فيها.
وقد أنعشت هذه الأخبار (رغم نفيها) الحديث عن سعي إسرائيل لإنشاء ما يسمى بـ”معبر داود”، وعن دور مفترض لقاعدة التنف، وفصائل عسكرية سورية، في هذا المسعى.
ونقلت مواقع إخبارية عن مراقبين رأيهم بأن هذا الدخول إلى مدينة الضمير “هدفه فتح الطريق بين الجنوب السوري الذي صار تحت الوصاية الإسرائيلية، ومناطق سيطرة الدروز في السويداء، باتجاه مناطق سيطرة قسد”.
ورغم أن وجود الممر المزعوم لا يزال محصورًا في تسريبات وتحليلات وتصريحات متناثرة، إلا أن كتّابًا وصحفيين ومحللين عديدين باتوا يعتبرونه “مشروعًا وشيك التنفيذ”، متحدثين عن “طريق إسرائيلي ينطلق من هضبة الجولان المحتلة، مرورًا بمحافظات الجنوب السوري، القنيطرة ودرعا والسويداء، وصولًا إلى منطقة التنف، ثم نحو المناطق الشرقية والشمالية من سوريا، ليتصل بكردستان العراق”.
أما الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل من وراء “مشروعها” هذا فهي، حسب رأيهم، تتمثل في: “أولًا، إضعاف الخصوم الإقليميين وضمان عدم وجود حكومة مركزية قوية في كل من العراق وسوريا. وثانيًا، تفتيت المجتمعات في دول الجوار عبر رعاية كيانات طائفية وإثنية. وثالثًا، الوصول إلى مصادر الطاقة في مناطق الأكراد”.
لكن ما حقيقة “ممر داود”؟ هل هو مسعى إسرائيلي فعلي أم أنه ورقة ضغط سياسية وحسب؟ وفي حال كان المشروع حقيقيًا، فما هي فرص نجاحه على أرض الواقع؟ وما هي القوى المحلية في سوريا المرشحة للانخراط فيه، وهل يوجد مثل هذه القوى أصلًا؟
كيف ستكون ردود الفعل من الدول الإقليمية، الأردن والعراق وتركيا تحديدًا، وما هو موقف الولايات المتحدة؟ والأهم: ما هي الأوراق التي تملكها حكومة دمشق في التعاطي مع هكذا مشروع؟
“مشروع” بلا ملامح
يؤكد الباحث في “مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، أن الطرح المتصل بـ”ممر داود” يفتقد إلى أدنى قدر من الواقعية، وإلى الأدلة الملموسة: “فنحن نتحدث عن السيطرة على جغرافيا ضخمة، لا يوجد أي قوة محلية قادرة على بسط السيطرة عليها وتأمينها”. أما ما يشاع عن دور لـ “جيش سوريا الحرة” فهو غير صحيح، ذلك أن هذا التنظيم “منخرط ضمن وزارة الدفاع السورية، وكان قد حضر مؤتمر النصر، ورغم العلاقة التي تربطه بالبنتاغون، فإنه بعيد تمامًا عن لعب مثل هذا الدور”.
من جانبه، يرى الصحفي والأكاديمي المتخصص بالشأن الإسرائيلي، خالد خليل، أن الحديث عن “ممر داود” يأتي: “في ظل تنامي التنافس التركي الإسرائيلي الذي سيسيطر على المشهد السياسي في المنطقة. وتل أبيب ترفع الآن شماعة التخويف من العثمنة، أو ما تسميها طموحات أردوغان الإمبراطورية، وبالتالي تسعى إلى نوع من إعادة التوازنات بعد سقوط نظام الأسد، حيث باتت المنطقة تشهد تشكل معادلات مختلفة وتتهيأ لرسم خرائط نفوذ جديدة”.
ولكنه يستدرك: “ممر داود لا يزال في إطار التسريبات ولا يوجد تصريحات رسمية، كما لا يوجد ملامح واقعية أو ميدانية له”، مرجحًا أنه ضمن “المعطيات الراهنة فالحديث يدور عن ممر اقتصادي تحاول إسرائيل عبره رسم خارطة نفوذ وليس سيطرة، مستندة إلى ما تسميه حماية الأقليات، وخاصة الدروز والأكراد، في سوريا، وهذا عبر عنه مسؤولون إسرائيليون أكثر من مرة. إنه ممر نفوذ ذو طابع اقتصادي”.
ويلخص خليل أهداف إسرائيل من وراء تحركاتها في سوريا بالقول: “هي ترى أن الساحة السورية مستباحة وان حرية حركتها في الأجواء امتياز لن تتخلى عنه وترى في الوجود التركي تقويضًا لهذه الحرية”.
وفيما يعتقد شعبان أنه لا وجود لقوى محلية قادرة أو راغبة في حماية الممر المزعوم الممتد على جغرافيا واسعة، فإن خليل يشير إلى أن إسرائيل تحاول استمالة بعض الفصائل في السويداء، ولا سيما المقربة من الشيخ حكمت الهجري، بالإضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي يسطر عليها الأكراد، مؤكدًا أن “إسرائيل صار لديها منذ عام 2016 ما تسميه خطة حسن الجوار والتي تهدف إلى استمالة بعض الشرائح في سوريا وفي مقدمتهم الدروز والأكراد، وقد صرح وزير خارجيتها جدعون ساعر، قبل شهرين، بأن إسرائيل تريد سوريا فيدرالية، كل هذا لتحقق مناطق نفوذ بالاعتماد على جماعات غبر متوافقة مع دمشق”.
تغريد خارج سرب الإقليم
وفي حال كان الحديث الإسرائيلي عن “ممر داود” جديًا فإنه، حسب الباحث نوار شعبان، يصطدم بعوائق كبيرة يفرضها الإقليم، متحدثًا عن معارضة أردنية وعراقية: “حيث إن البلدين يهمهما تأمين الحدود مع سوريا وليس خلق أزمة جديدة بسبب هذا الممر، أما الجانب التركي فهو حتمًا سيعارض وبشدة، ذلك أن الممر المزعوم سوف يصل إلى قسد التي تعتبرها تركيا غريمًا أساسيًا، وكذلك الولايات المتحدة التي تملك حسابات كثيرة معقدة سوف تأخذها بعين الاعتبار قبل دعم خطوة كهذه”.
وبدوره يشير الصحفي والأكاديمي خالد خليل إلى الاجتماع الأمني الذي عقد في عمان، يوم 10 آذار/ مارس الماضي، وجمع سوريا إلى دول الجوار: الأردن ولبنان والعراق وتركيا، حيث تمثلت الوفود المشاركة بوزراء الخارجية والدفاع ورؤساء الأركان وقادة الأجهزة الأمنية، وكان الهدف هو تشكيل تحالف أمني إقليمي لمحاربة داعش، معتبرًا أنها “بادرة مهمة” للمنطقة ولسوريا تحديدًا. أما إسرائيل “فهي الوحيدة التي تغرد خارج السرب”، مشيرًا إلى أن ذرائعها المعلنة في أعمالها العدائية اتجاه سوريا “لا تتصل بأمنها القومي بقدر ما تتصل بدوافع سياسية يقودها اليمين المتطرف تهدف الى فرض التفوق الإسرائيلي بالقوة”.
خيارات دمشق
وماهي الخيارات المتاحة أمام الحكومة السورية في التعاطي مع التحديات الإسرائيلية سواء ما يتعلق بـ”ممر داود” المفترض أو سواه من المشاريع والمخططات؟
يتحدث خليل عن عدد من الأوراق في حوزة حكومة دمشق، فهناك “تعزيز الاستقرار الداخلي الذي يعد أولوية قصوى في المرحلة الراهنة. وهناك خلق التوازنات الأمنية الإقليمية، وإذا كانت تركيا دولة مهمة جدًا في المنطقة، فعلى دمشق أن توازن بينها وبين كل من مصر والسعودية وغيرهما، لأن الاستئثار التركي يعطي ذرائع لإسرائيل ويعقد مشكلة قسد”، ويضيف: “يوجد أيضًا الورقة الدبلوماسية حيث بإمكان الحكومة السورية استخدامها بشكل فعال على الساحة الدولية، فيمكن لها أن تضغط عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف الاعتداءات الإسرائيلية”. إضافةً إلى ذلك، هناك “فرصة لبناء علاقات خاصة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل خيبة أمل دول الاتحاد من الولايات المتحدة في الملف الأوكراني وغيره، ما يفتح المجال للتعاون الفعال مع بروكسل”.
ويؤكد شعبان أن الحكومة السورية تمتلك الكثير من الأوراق القوية في هذا الصدد، ومنها “أنها تمتلك السيطرة على جغرافيا واسعة من المنطقة التي يقال أن الممر المزعوم سوف يمر بها، إضافةً إلى علاقاتها الجيدة بالدول الإقليمية المعنية، الأردن وتركيا ودول الخليج”.
غير أنه يعود إلى التأكيد على أن الطرح المتعلق بـ”ممر داود” يفتقر إلى الواقعية و”مستحيل التنفيذ، ما يجعل الدخول في التفاصيل التقنية المتعلقة به أمرًا صعبًا”.
الترا سوريا
———————-
إسرائيل تصعّد في سوريا لفرض واقع استراتيجي جديد/ مصطفى ديب
4 أبريل 2025
في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الانتقالية المشكّلة مؤخرًا فرض الاستقرار في البلاد، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة؛ تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي تصعيدها العسكري ضد سوريا التي تجاوزت ما يُعرف بـ”الضربات الوقائية” المعهودة، إلى إعادة رسم حدود الاشتباك بالقوة، مستغلةً حالة عدم الاستقرار السائدة منذ سقوط نظام الأسد.
وفي أربعة أشهر فقط، نفّذت دولة الاحتلال مئات الغارات والضربات الجوية التي امتدت من دمشق إلى درعا، واستهدفت مطارات ومراكز أبحاث ومنشآت دفاعية بهدف تقويض أي نواة لجيش وطني جديد قادر على بسط سيادة الدولة على كافة الأراضي السورية، وهو هدف لم يعد مخفيًا بالنسبة إلى إسرائيل، بل معلن يتكرر على ألسنة كبار مسؤوليها.
في المقابل، تتعامل الحكومة الانتقالية، كما حكومة تصريف الأعمال من قبلها، مع هذه الضربات بحذر محسوب يُراد منه تثبيت حضور الدولة بعيدًا عن خيار الانجرار إلى مواجهات غير متكافئة على الإطلاق. وقد تبنّى الرئيس السوري، أحمد الشرع، مقاربة مرنة تمزج بين إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية من خلال دمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” فيها، والانفتاح على الدروز، وتهدئة الجبهات الساخنة في الجنوب.
من الردع إلى التثبيت: إسرائيل تغيّر العقيدة
تُشير الضربات الإسرائيلية المتكررة والمتصاعدة على سوريا إلى أن دولة الاحتلال في طور تطبيق عقيدة هجومية أكثر رسوخًا من سابقاتها. ووفقًا للمعطيات الراهنة، تتجاوز هذه العقيدة الردع الموقت نحو تثبيت وقائع ميدانية جديدة تُعيد تعريف مفاهيم الأمن والحدود داخل سوريا. وما توحي به الضربات الإسرائيلية، وطبيعة الأهداف المُستهدفة، هو أن إسرائيل لم تعد تكتفي بسياسة “جزّ العشب”، بل اتخذت من تدمير البنية العسكرية السورية حتى قبل أن تتشكل، وقطع الطريق على أي قدرة جوية قد تهدد حرية طيرانها، هدفًا لها.
وقد تجلّى هذا التحول في عدة توغلات برية محدودة نفّذتها دولة الاحتلال منذ سقوط نظام الأسد، وكذلك في التصريحات المتكررة عن نية البقاء في الجنوب، وطرح أفكار “سياحية” رمزية داخل الأراضي المحتلة.
تركيا في T4: مناورة أم استفزاز؟
في هذا السياق، تسعى تركيا إلى فرض معادلة ردع جديدة في سوريا، إذ تحاول الاستفادة من انسحاب إيران وروسيا التدريجي، بالإضافة إلى الفراغ الأمني الذي خلّفه سقوط نظام الأسد، لتعزيز نفوذها في سوريا والمنطقة عمومًا، الأمر الذي ترى إسرائيل إليه بوصفه تهديدًا مزدوجًا لسببين شديدي الأهمية بالنسبة لها.
السبب الأول هو تقييد حركتها الجوية. أما الثاني، فهو أنه يمنح أنقرة نفوذًا مباشرًا في هندسة المشهد السوري، خاصةً في ظل علاقتها القوية بالإدارة الجديدة. وقد أخذت المخاوف الإسرائيلية من التحركات التركية بُعدًا أشد تعقيدًا وجدية في ظل الحديث عن نية أنقرة نشر منظومة الدفاع الجوي “حصار” في مطار “T4” العسكري في ريف حمص، ما دفع إسرائيل إلى قصف المطار نفسه، بالإضافةً إلى مطار حماة العسكري، بل وحتى تحذير الرئيس الشرع من التمادي في هذا التحالف.
ومن زاوية نظر أخرى، يبدو أن أنقرة تحاول توظيف هذا التموضع لإعادة بناء الثقة مع واشنطن لغايات مختلفة، من بينها العودة إلى برامج تسليح متقدمة مثل “F-35″، من خلال تقديم التزامات أمنية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وتنسيق استخباراتي أوسع يشمل العديد من القضايا الأخرى.
بين الممكن والمطلوب
تُدرك الإدارة السورية الجديدة أن لحظة ما بعد سقوط نظام الأسد لا تحتمل التهور، لكنها أيضًا لا تحتمل بالقدر نفسه ربما الركون إلى الحذر وحده في هذه المرحلة. ولذلك، تتبنى استراتيجية تقوم على أربعة محاور، وهي: تجنّب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وتفكيك ذرائع العدوان من خلال الاحتواء المجتمعي وإعادة الهيكلة الأمنية، واستثمار الحراك الدبلوماسي العربي والدولي، والحفاظ على علاقة متوازنة مع تركيا تضمن الدعم الدفاعي دون الوقوع في فخ الارتهان.
لكن هذه المقاربة، رغم نجاعتها المؤقتة، لا تبدو كافية لردع إسرائيل ووقف هجماتها المتكررة على الأراضي السورية ووأد مشروعها المتعلق بجنوب البلاد، الذي تريد أن يكون منطقة منزوعة السلاح، خارج سيطرة الحكومة السورية. وما لم تُرفد هذه المقارنة بخطوات ردع دبلوماسية وعسكرية محسوبة، فإن إسرائيل ستواصل استغلال هامش المناورة لفرض وقائع قد يصعب التراجع عنها لاحقًا، سيما في ظل الدعم الأميركي الكبير الذي تحظى به في ظل وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض.
نحو ردع جديد دون حرب
أمام ما سبق، تحتاج سوريا إلى مقاربة استباقية جديدة تُعيد تعريف معادلة الردع مع الحذر من الانزلاق إلى مواجهة كارثية لا تستطيع تحمل تكلفتها في الوقت الحالي. تبدأ هذه المقاربة من الساحة الدبلوماسية عبر تفعيل أدوات الضغط في الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وذلك بهدف وضع الغارات الإسرائيلية تحت مساءلة سياسية ودولية واسعة النطاق.
وقد يشكّل التعاون الدفاعي مع تركيا أو حتى الصين مسارًا واقعيًا لتطوير قدرات الردع، وذلك بشرط بناء جيش وطني محترف، وإدارة ميدانية موحدة وقادرة على التعامل مع هذه المسائل وغيرها.
من يحمي سوريا الجديدة؟
إذن، نفهم مما سبق أن هناك استراتيجيتان تتقاطعان في سوريا اليوم، وهما: استراتيجية تركية ترى في ملء الفراغ الأمني فرصة لترسيخ شراكة إقليمية جديدة؛ وأخرى إسرائيلية تسعى إلى تحطيم هذا المسار قبل أن يكتمل. وبين هذين القطبين وما يمثّلانه ويسعيان إليه، تجد الحكومة السورية الجديدة نفسها أمام سؤال وجودي: كيف تحمي سيادة البلاد وهي لم تستقر بعد؟ كيف ترسم خطوط الردع دون أن تنزلق إلى حرب مدمرة؟
في هذا السياق، لم يعد الاكتفاء بالحذر أو الاستثمار في الدعم الدولي وحده كافيًا للتعامل مع هذه التحديات، ذلك أن ما تحتاجه سوريا الجديدة اليوم هو استراتيجية واقعية متعددة المستويات، تضع حدودًا للتدخل الإسرائيلي دون الاصطدام بها، وتبني جيشًا ووحدة قرار دون الوقوع في تحالفات مكلفة أو هشّة. إنها معركة السيادة في طور التكوين، لا في طور التهديد.
الترا سوريا
———————–
قواعد عسكرية وتهديدات متبادلة.. هل يتصاعد التنافس التركي الإسرائيلي في سوريا؟/ أحمد العكلة
5 أبريل 2025
بعد موجة من التهديدات الإسرائيلية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحق الحكم السوري الجديد، وبعد الحديث عن احتمال مواجهة إسرائيلية مع تركيا، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليقول إن قوى (لم يسمها) تحاول زعزعة استقرار سوريا من خلال إثارة النعرات الدينية والعرقية، مؤكدًا أن تركيا لن تسمح بتقسيم المنطقة أو إعادة رسم حدودها.
بدورها، كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست”، نقلًا عن مصدر استخباراتي غربي، أن تركيا تعمل على إعادة تفعيل قاعدة “T4” الجوية الواقعة في وسط سوريا، في خطوة تعكس تنامي التنسيق بين أنقرة ودمشق. ووفقًا للمصدر، فإن تركيا تخطط لتحويل القاعدة إلى منشأة متقدمة للطائرات المسيّرة، مع تجهيزها بمنظومة دفاع جوي حديثة.
وأوضح المصدر أن أنقرة تسعى إلى ترسيخ موقعها كمزود أساسي للدفاع الجوي لدى الحكومة السورية الجديدة، مستفيدةً من وجودها داخل قاعدة “T4″، التي كانت تُستخدم سابقًا من قبل قوات الأسد المخلوع.
وقبل أيام، شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عدة غارات استهدفت المطار نفسه بالإضافة إلى مطار حماة العسكري ومركز البحوث العلمي في حي مساكن برزة بريف دمشق. وكشفت وكالة “رويترز” أن القصف استهدف مواقع أجرت تركيا عمليات استطلاع فيها، تمهيدًا لإنشاء قواعد عسكرية فيها ضمن اتفاق دفاعي مشترك مرتقب مع سوريا.
التصريحات التركية جاءت بعد أسابيع من توالي التصريحات الإسرائيلية حول دعم الدروز والأكراد، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، وتهديد الدولة السورية الجديدة بمنعها من نشر قواتها جنوبًا.
وحذر مصدر أمني إسرائيلي من أن إقامة قاعدة جوية تركية في سوريا قد تمثل “تهديدًا محتملًا” يؤثر على حرية العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة، حسب صحيفة “جيروزاليم بوست”.
وفي إطار ردها على التهديدات المحتملة، استهدفت إسرائيل في نهاية آذار/ مارس قاعدة “T4” العسكرية السورية، في خطوة اعتبرت رسالة واضحة بأن تل أبيب لن تتسامح مع أي تهديدات تؤثر على حرية عملياتها الجوية في المنطقة.
يعتقد الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة ـ وخاصةً في الداخل السوري – “تزامنت مع مشهد إقليمي معقد للغاية، وازداد تعقيدًا بعد سقوط نظام الأسد، وهناك تصاعد حالي من التنافس الجيوسياسي ما بين تركيا وإسرائيل، والتحركات الإسرائيلية، خاصة في جنوب سوريا، تعكس التوجه الإستراتيجي الإسرائيلي في تعزيز النفوذ الأمني والاستخباراتي”.
ويضيف أوغلو في حديث لموقع “الترا سوريا” أن “هذا دفع تركيا للتصعيد بشكل كبير وهذا ما تابعناه من تصريحات وزير الخارجية هاكان فيدان قبل أسابيع خلال لقاء مع لافروف عندما تحدث بأن إسرائيل هي من تعمل على خلق بيئة عدم استقرار، وفي هذا رسالة واضحة للدول الأوروبية التي تدعم الإدارة السورية الجديدة حاليًا، والأهم رسالة للإدارة الأمريكية الجديدة والتي لا تريد أن تفتح هناك جبهة جديدة”.
ويرى أوغلو أن “إسرائيل تستغل الفراغ الجيوسياسي داخل سوريا وتريد أن تخلق منطقة عازلة في الجنوب، وأيضًا تريد تقليص النفوذ التركي، لكن تركيا تملك نقاطًا كثيرة لصالحها: وضعها الإقليمي الحالي والمساعدة التي قدمتها للإدارة السورية الجديدة وعلاقاتها مع دول عربية.. كلها تصبّ في مصلحة تركيا لصدّ أيّ محاولات إسرائيلية لتقليص نفوذها أو لتعكير الأجواء مع واشنطن التي هي أيضًا بحاجة ماسّة إلى تركيا خلال المرحلة القادمة”.
ويعتقد الباحث التركي أن العقدة الأساسية هي دعم إسرائيل للأكراد، وهناك معلومات لدى تركيا تتحدث عن ضغط من قبل إسرائيل على “قسد” لعدم القبول بمبادرة أوجلان، ويقول: “لذا أعتقد أنه خلال المرحلة المقبلة سوف يكون هناك تنافس، وكل طرف سوف يستخدم أوراقه للضغط على الآخر”.
ولا يتوقع أن يؤدي الأمر إلى أزمة دبلوماسية حادة ما بين تركيا وإسرائيل، وخاصةً في ظل وجود إدارة أميركية جديدة تدعم نتنياهو وحكومته بشكل كبير، وأنقرة تعي هذه النقطة وتتحرك وفق سياسة تحاول فيها أن لا تغضب الولايات المتحدة الأميركية أو تؤثر على مسار العلاقات ما بين البلدين”.
وبحسب مصدر عسكري في وزارة الدفاع السورية الجديدة، فإن هناك مباحثات جرت خلال الأسابيع الماضية بين مسؤولين سوريين وأتراك للتنسيق والرد على أي تحرك إسرائيلي في الجنوب، وذلك قد يشمل توقيع اتفاقيات دفاع مشترك بين الطرفين ونشر نقاط دفاع جوي لمنع الهجمات الإسرائيلية.
يعتقد الباحث والصحفي التركي إسماعيل جوكتان أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تبني اتفاقيات فورية في جميع المجالات في سوريا. يقول: “في المرحلة الحالية الدور الأبرز الذي يمكن أن تقوم به تركيا هو مساعدة الحكومة السورية الجديدة في بناء مشروعيتها على المستوى الدولي، وهنا من المؤكد أن إيران وإسرائيل ستقومان لمنع بناء هذه المشروعية للحصول على حرية التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا. وكان هاكان فيدان قد أشار إلى هذا الموضوع حين وجه انتقادات لإيران بسبب تدخلاتها في سوريا”.
وأضاف أن “تركيا تسعى لإنشاء تعاون عسكري واقتصادي مع سوريا لمساعدة دمشق في حماية نفسها. لذلك تأتي تصريحات وخطوات من قبل إسرائيل لمنع الدور التركي”.
ويضيف جوكتان في حديث لـ”الترا سوريا” أن المسؤولين من كلا الطرفين “تحدثوا حول جهود إنشاء التعاون العسكري بين البلدين حيث أشار الطرف السوري في أكثر من مناسبة إلى إمكانية الوجود العسكري التركي في المناطق الجنوبية من سوريا. كما أن تركيا قامت في الماضي أيضًا بدعم الثوار عسكريًا”.
وأضاف أنه “يجب ألّا ننسى أن تركيا هي دولة عضو في الناتو، إضافةً إلى ذلك تملك قدرة دفع المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء تدخلاتها في سوريا، الرئيس أردوغان يمكنه أن يستخدم أوراقًا عدة بما في ذلك جمع الدول الإسلامية لبناء موقف موحد ضد التدخلات الإسرائيلية واستخدام عضويته في الناتو لكبح جموح إسرائيل ووضع حدّ لتدخلاتها”.
وختم حديثه قائلًا: “لا تملك إسرائيل إمكانية تقديم الدعم الكافي إلى قسد، التنظيم الذي يدعي أنه يمثل الأكراد؛ لأنها تبعد عن مناطق الأكراد جغرافيًا وأيضًا قدراتها العسكرية ليست كافية لتقديم دعم طويل الأمد”.
إضافة إلى ذلك، فإن “قسد تعمل تحت غطاء أميركي، وبالتالي فالموضوع يتعلق بتحركات أميركية”، معتبرًا أن هدف إسرائيل من تصريحاتها تجاه الأكراد هو “ابتزاز دمشق وأنقرة والسعي لإفشال المرحلة الانتقالية في سوريا، لذلك يجب على دمشق وأنقرة التهرب من مواجهة إسرائيل عسكريًا لسلامة المرحلة”.
وخلال الأسابيع الماضية أرسلت قولت الجيش التركي آليات عسكرية وأرتال ضخمة إلى شمال سوريا، وقال مراقبون إن الأرتال جاءت لبناء قواعد عسكرية في منطقتي حماة وحمص.
الأستاذ في جامعة كارتكن والباحث التركي د. قتيبة الفرحات يؤكد أن “الدور التركي في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والإيرانية لسوريا هو دور سياسي بامتياز، قد يرقى إلى تثبيت ووضع قواعد عسكرية جديدة في سوريا، ليس دورها المواجهة أو الدفاع المباشر وإنما رسائل عسكرية يُراد بها الحلّ السياسي”.
ويضيف أنه “يمكن أن يكون هناك تحالف عسكري بين البلدين، يقوم على التعاون العسكري وتدريب الجيش السوري الجديد، وربما نقل تقنية صناعة المسيرات”.
ويرى في حديث لـ”الترا سوريا” أن قدرة تركيا في الحد من التدخلات الإسرائيلية هي سياسية، وذلك من خلال خلق واقع وتهيئة مناخ دولي للضغط على إسرائيل.
ويشير إلى أن “الأوراق التي قد تُستعمل لتحقيق ما سبق هي التعاون العسكري بين سوريا وتركيا وزرع المزيد من القواعد العسكرية، ويمكن أيضًا تقديم رسائل تطمين للإسرائيليين من خلال تقديم تركيا نفسها كضامن للدولة السورية الجديدة”.
ويؤكد الفرحات أن “الملف الكردي ليس بيد إسرائيل، والكلام في ذلك لا يعدو أن يكون كلامًا سياسيًا لتحقيق مكاسب عديدة، والقضية الكردية بِرُمَّتها منوطة بتفاهمات أمريكية تركية”.
الترا سوريا
————————-
======================