الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 08 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
——————————-
ما هي «الأمانة العامة للشؤون السياسية» السورية؟/ حسام جزماتي
غموض الهيكلية والتبعية، ومسؤوليات بلا ضفاف
08-04-2025
في خطوة فاجأت الكثيرين، أصدرت وزارة الخارجية في دمشق، في السابع والعشرين من آذار(مارس) الفائت، قراراً بإحداث «الأمانة العامة للشؤون السياسية»، كقسم جديد ضمن هيكليتها، يتولى الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية في البلاد، والمشاركة في صياغة ورسم الخطط العامة في الشأن السياسي، والعمل على إعادة توظيف أصول حزب البعث، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ولجان منحلة بما يخدم المهام والمسؤوليات السياسية والوطنية. كما نص القرار الموقّع من الوزير المسؤول أسعد الشيباني.
يأتي استغراب الخطوة من أن المهام المذكورة ليست من اختصاص وزارة الخارجية. وفي المقابل يرجع تفسيرها إلى أن الجهة المذكورة مرتبطة، منذ تأسيسها، بالشيباني شخصياً حين كان يعمل باسم مستعار هو زيد العطار (أبو عائشة). ومن هنا جاءت تبعيتها لوزارته دون اهتمام بالحدود بين الدبلوماسية الخارجية والسياسة الداخلية.
لكن القرار لم يأتِ بجديد في نظر من يتابعون نشاط هذه الهيئة منذ الأيام الأولى لمعركة «ردع العدوان» وصولاً إلى سقوط النظام صباح الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024. فقد لعبت «إدارة الشؤون السياسية»، وهو اسمها في السنوات الماضية، دوراً مفصلياً في تأمين تغطية خارجية ومحلية للمعركة عبر بياناتها منذ أن واكبت دخول قوات «إدارة العمليات العسكرية» مدينة حلب ووقوفها في مواجهة معطيين سكانيين لهما بُعدان سياسيان، هما المسيحيون والأكراد. ثم أتى دور الشيعة في بعض الريف الحلبي، والإسماعيليين في مدينة سلمية، والعلويين بدءاً من ريف حماة. لكن الأهم كان لقاء الشيباني بالروس في مهمة حاسمة لإقناعهم بالتخلي عن دعم بشار الأسد لأن المعركة لا تستهدفهم ولن تضر مصالحهم في سورية. وتبعه دور مماثل لعبه في دمشق، إثر تحريرها مباشرة، بتطمين السفراء والبعثات الأجنبية إلى أن الحكم الجديد باحثٌ عن السلام مع الجميع والتعاون معهم. جنباً إلى جنب مع إصدار بيانات متلاحقة نحو كل الأطراف؛ بدءاً من دول الجوار، كالعراق ولبنان والأردن، وحتى المجتمع الدولي.
أما داخلياً فقد أتيحت الفرصة، التي لم تكن نتيجتها طيبة على كل حال، لاثنين من قيادات هذه الإدارة هما المتحدث الرسمي السابق باسمها عبيدة الأرناؤوط، ومديرة مكتب المرأة فيها عائشة الدبس؛ أن يخاطبا السوريين في لقاءات مصورة. بينما سارع زملاؤهما إلى شغل مناصبهم المحلية بعد أن أعلنت الإدارة عن تعيين ممثلين لها في محافظات: دمشق وريفها؛ وحلب، واللاذقية وطرطوس، وحمص، وحماة، ودرعا (مع القنيطرة والسويداء)، ودير الزور (مع الرقة والحسكة)، وإدلب.
منذ الأسابيع الأولى لسقوط النظام وضع كل من هؤلاء يده على مبنى فرع حزب البعث في المدينة المكلّف بها وبدأ بتكوين المكاتب. وبالنظر إلى طبيعة التوسع المفاجئ للإدارة، وانشغال رئيسها الشيباني بالسفر، مع محافظته على ميله إلى الإمساك بالقرار؛ شهد تشكيل الفروع قدراً كبيراً من الارتجال والاجتهاد مع الغموض الكبير في حدود مهامها حتى في أذهان ممثليها، والتوظيف السريع لكوادر من طلاب «كلية العلوم السياسية والإعلام» بجامعة إدلب وسواهم. حتى استقرت أخيراً في «أمانة» يقودها مجلس يتكوّن من مدراء الشؤون السياسية في المحافظات.
صورة حديثة لفرع حزب البعث في مدينة درعا بعد تحويله إلى مكتب تابع لإدارة الشؤون السياسية.
وفي كل مديرية نوعان من المكاتب؛ الأول فرعي يمتد إلى المدن الثانوية الكبيرة في المحافظة، والثاني مكاتب مركزية ستة في مقر الإدارة. هي مكتب الشباب الذي يبدو بديلاً عن منظمات الطلائع والشبيبة واتحاد الطلبة المنحلة، ويهدف إلى «تجهيز الشباب للدخول إلى عالم السياسة». ومكتب شؤون المرأة الذي «يعنى بالمجال الحقوقي والاجتماعي والثقافي والسياسي للمرأة السورية». ومكتب التعاون النقابي الذي ينظم عمل النقابات كما اتضح من القرارات المعلنة لنقابة المحامين بحل مجالس الفروع الموروثة عن نظام الأسد وتشكيل مجالس بديلة «بناء على تكليف الإدارة السياسية» وفق ما نصت القرارات. ومكتب الفعاليات الذي يوافق على الأنشطة العامة بعد تحديد مدى توافقها مع «قيم المجتمع» كما يراها. ومكتب التنمية المجتمعية الذي ينظم ندوات حوارية حول القوانين مثلاً، ويرفع توصياته لوزارة العدل. ويعمل على مكافحة العادات السيئة «كالتدخين وشرب الكحول وتهوّر سائقي الدراجات النارية». ومكتب شؤون الطوائف الذي لعب دوراً هاماً في إدارة شؤون المسيحيين والدروز في إدلب أصلاً، وما يزال يتابع مهامه. كما يضم كل فرع مقهى ثقافياً.
أمكن جمع هذه المعلومات من المصادر المفتوحة ومن شهادات من وقعت نشاطاتهم تحت دائرة اشتغال «الأمانة العامة للشؤون السياسية» التي لم تعلن، حتى الآن، هيكلية واضحة، فلم تنشئ موقعاً إلكترونياً ولا حتى قناة على تلغرام.
فضلاً عن الارتداء الدائم الخانق للبدلة الغربية وربطة العنق والابتسامة، يعاني المسؤولون الجدد في «الشؤون السياسية» من مصاعب التأسيس وتداخل المهام. ولا سيما قبل الإعلان عن الحكومة الانتقالية، في 29 آذار(مارس) الفائت، التي حملت أعباء الثقافة والسياحة والرياضة بتكليفها وزراء مختصين بهذه الحقائب، بعد أن كان كثير من هذه النشاطات يدخل ضمن مسؤوليات بلا ضفاف وجد ممثلو «الشؤون السياسية» أنفسهم أمامها حين أُرسِلوا إلى المحافظات، بالتوازي مع تعيين محافظ ومدير للأمن وقائد شرطة في كل منها. وظلت مهام الممثل، الذي يبدو للمراقبين كأنه حل محل أمين الفرع في سلطة البعث، تتراوح بين رعاية المناسبات واستقبال الزوار لملء المساحة بين المجتمع وبين السلطات المحلية بوساطة تشغل مكان المجتمع المدني، وبين ضبط التعبيرات السياسية للسكان والفاعلين بما أن تشكيل الأحزاب ما يزال «مبكراً» كما ترى السلطة الجديدة في العاصمة، والتي منحت نفسها أعواماً خمسة لمرحلة انتقالية.
منذ عدة سنوات ظهرت «إدارة الشؤون السياسية» كجسم هامشي غامض ظل لوقت طويل مرتبطاً بأبي محمد الجولاني (أحمد الشرع) مباشرة كقناة خارجية خاصة دون أن يكون لها موقع رسمي في جماعته «هيئة تحرير الشام». وفي منتصف 2024 أُعلِن عن تأسيسها «المديرية العامة للشؤون السياسية» في «حكومة الإنقاذ السورية» العاملة وقتئذ في إدلب، بهدف «رفع الوعي السياسي والفكري لدى الكوادر الحكومية» ومهام أخرى.
وفي البداية لم يُعرف من موظفيها سوى زيد العطار، الذي كان يكلّف بعض المساعدين الشبان بتأمين إقامة وتنقلات الضيوف الأجانب، من صحافيين وباحثين وسواهم، الذين يصحبهم أو يرسلهم إلى المنطقة. ومع توسع نشاطاتها قليلاً أبرزت هذه الإدارة اسم عبيدة الأرناؤوط، ممثلها الحالي في حمص، كمتحدث رسمي، وسعد نعسان، ممثلها الآن في حلب، لإدارة «دار الثقافة والمعارف» التي فخرت بتنظيم معرض إدلب للكتاب في أيلول (سبتمبر) من عام 2024. وهو أبرز النشاطات التي كان الشيباني يستفيد منها لتقديم صورة مختلفة عن المنطقة، وتسويق «نموذج إدلب» الذي تحاول المجموعة الآن نقل ما يمكنها منه إلى دمشق.
موقع الجمهورية
—————————-
ثلاثة تحديات تواجه الدولة السورية/ بشير البكر
الإثنين 2025/04/07
مرت أربعة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، وسيطرة الفصائل العسكرية بقيادة “هيئة تحرير الشام” على السلطة في العاصمة، وعدة مدن سورية أخرى، ولم تتمكن من استعادة أجزاء مهمة من التراب السوري، في الشرق والجنوب، في محافظات الجزيرة (الرقة، دير الزور، الحسكة) ودرعا والسويداء. وتبين خلال الحقبة الماضية أن هذه المهمة ليست سهلة، بل هي معقدة، وذات كلفة مختلفة من مكان لآخر.
أربعة أشهر ليست مهلة كافية للحكم على أداء القيادة السورية الجديدة، التي تولت السلطة استنادا إلى مقولتي “الشرعية الثورية”، و”من يحرر يقرر”، وظل التريث سيد الموقف إلى حين إعلان تشكيلة الحكومة السورية في نهاية الشهر الماضي. ومن هذا التاريخ وصاعدا بات الباب مفتوحا أمام الذين صمتوا طيلة المدّة الماضية، كي يمنحوا للسلطة فرصة كافية كي ترتب وضعها، وتعلن عن خططها وتوجهاتها.
صار واضحا شكل نظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية، التي يبدو أن الرأي استقر على أن تكون مدتها خمسة أعوام، وتكفي قراءة سيرة وزراء الحكومة، لتشكيل صورة شبه وافيه حول الطريقة التي ستدار بها سوريا، حتى نهاية المرحلة الانتقالية على الأقل، وربما لبعدها، طالما أن الذي يقرر هو، الطرف الذي يمتلك القوة العسكرية على الأرض.
تشكيل الحكومة هو الخطوة الأولى نحو تفعيل الدولة، التي تعطلت بسقوط النظام، وكانت مدّة الشهور الأربعة الماضية بمثابة تصريف أعمال، ومحاولة لبناء جسر نحو المرحلة الانتقالية، التي من المقرر أن تشهد إعادة بناء مؤسسات الدولة، التي بقيت لما يزيد عن نصف قرن دولة عائلة الأسد، بمواصفات سياسية وأمنية واقتصادية، تضمن للعائلة الحكم إلى الأبد. والأمر المنشود اليوم هو، أن يتم تأسيس الدولة من جديد، على غير الأسس والوظائف والعلاقات بين الحاكمين، في زمن عائلة الأسد، وعلى نحو خاص جهاز الحكومة، وأنظمة عمل السلطات الإدارية والتنفيذية والقانونية.
تواجه هذه المهمة ثلاثة تحديات رئيسية. الأول هو السيادة، أن تكون سيادة القانون، وليس سيادة الحكام، وتصبح الدولة صاحبة الحق الحصري في ممارسة السلطة على الأرض والسكان داخل حدود ترابية، ويتجلى ذلك في حقها الحصري في التشريع واحتكار الممارسة الشرعية للعنف. ومن يمارس ذلك مؤسسات ليس من طرف واحد، بل على أساس العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. ولا يقتصر الأمر على سيادة القانون فقط، بل يتعداه إلى استقلال الدولة نحو الخارج، أي عدم وجود سلطة أخرى غيرها فوق الإقليم الترابي، بالإضافة إلى التكامل الترابي وتحقيق عملية التجانس الثقافي بين السكان، وردع العدوان الخارجي، وفي حال بلادنا تشكل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وعمليات قضم الأراضي، أبرز التحديات، وما لم تتمكن السلطة من ردع العدوان، فإن مشروع إعادة الدولة مهدد، أو انها سوف تكون دولة ضعيفة فاشلة.
التحدي الثاني هو المواطنة، التي هي رديف الحرية، وهذا يتطلب المساواة التي تقوم على فصل السلطات، ولا سيما سلطة القضاء، والفصل بين الدين والدولة، ومشاركة المواطنين في الشأن العام. وكي لا يبدو الأمر نظريا، فإن الأحداث الطائفية التي شهدها الساحل السوري قبل شهر تصلح لأن تكون درسا حقيقيا، لأنها كانت امتحانا فعليا لمسؤولية الدولة تجاه مواطنيها، ليس فقط تأمين الحماية الجسدية لأرواح الأهالي وممتلكاتهم، وإنما للسلم الأهلي، بوصفه أساس التعايش بين المكونات المختلفة. فالمصلحة العامة في نهاية المطاف هي مجموع المصالح الخاصة. كما أن المواطنة تعني العضوية في الدولة، وليس في طائفة، أو جماعة دينية أو مناطقية، وهذا يتطلب المساواة في جميع الحقوق، السياسية والمدنية والاجتماعية، وعلى مر التاريخ لم تستحق الكيانات تسمية دول، إلا حينما جمعت بين الحاكمين والمحكومين، والمواطنون محكومون بوصفهم رعايا في دولة هم أعضاء فيها، وليسوا رعايا حاكم.
والتحدي الثالث هو، الفصل بين نظام الحكم، وبين الدولة التي تتشكل من مجموعة من المؤسسات، تعمل على تنظيم العلاقة بين السلطة والمجتمع. وبغض النظر عن طبيعة نظام الحكم سواء كان جمهوريا أم ملكيا، اشتراكيا أو رأسماليا، فالدولة كيان جامع بين مؤسسات الحكم والمواطنين، لا تختلف ولا تتأثر بذلك، وهذا أمر معمول به من خلال جملة من الثوابت في الدول الحديثة كافة، الجمهورية مثل فرنسا، والملكية مثل بريطانيا. وحينما يحصل تغيير وزاري في بلد من هذه البلدان، فإن الذين يغادرون هم الوزراء، وليس الحكومة، وهذا يتطلب في الحالة السورية مغادرة منطق من “يحرر يقرر”، الذي قد يصلح لفترة قصيرة، تفرضها ظروف عاجلة، وهذا يتطلب الفصل بين شرعية نظام الحكم، وشرعية الدولة، التي تقوم على بناء جهاز حكم ومؤسسات، تعمل بموجب أنظمة وقوانين، وهذا الذي يضمن استمرارية الدولة، على الرغم من تغيير الأنظمة السياسية، ما يفرض على السلطات السورية إعادة بعض أجهزة الدولة القديمة إلى العمل، ولا سيما ذات الطابع التقني كالشرطة، التي تحافظ على الأمن العام.
المدن
——————————-
الحكومة الانتقالية في سوريا… خطوة إلى الأمام أم أزمة جديدة؟/ حايد حايد
جهات سياسية أساسية لا تزال تعارض التشكيلة الجديدة
آخر تحديث 07 أبريل 2025
بعد ترقب طويل، أعلن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، عن تشكيل حكومة انتقالية جديدة، وذلك بعد نحو أربعة أشهر على الإطاحة بنظام بشار الأسد. ويُعد تعيين وزراء شباب وضم عدد كبير من التكنوقراط والمستقلين من أصحاب الكفاءات تحولا ملحوظا مقارنة بالحكومة المؤقتة السابقة التي كانت خاضعة لـ”هيئة تحرير الشام”. ورغم أن تشكيل الحكومة لاقى ترحيبا من قبل الكثير، إلا أنه أثار في الوقت ذاته مخاوف، لا سيما فيما يتعلق بضعف تمثيل النساء والخلفيات المثيرة للجدل لبعض الوزراء.
وعلى الرغم من القبول الواسع نسبيا داخل سوريا وخارجها، فإن جهات سياسية أساسية لا تزال تعارض التشكيلة الجديدة. فقد رفضت القوى السياسية الكردية في الشمال الشرقي، إلى جانب المجلس العسكري في السويداء وجهات محلية أخرى في المحافظة، الحكومة بشكل قاطع، مشيرة إلى أنها خاضعة لسيطرة الدائرة المقربة من الشرع ولا تعكس تنوع سوريا أو تعدديتها السياسية. ويشكل هذا الرفض نكسة كبيرة للشرع، إذ يقوض التقدم الذي أحرزه مؤخرا في مساعي إدماج هذه المناطق ضمن إدارته. ومن دون التوصل إلى تسويات، ستتلقى جهود توحيد البلاد سلميا ضربة كبيرة، مما يزيد الانقسامات ويضاعف خطر الاضطرابات في المستقبل.
تفاؤل حذر
في يوم السبت الموافق 29 مارس/آذار الماضي، كُشف النقاب عن الحكومة الانتقالية المؤلفة من 23 وزيرا خلال حفل أُقيم في دمشق. وبينما احتفظت “هيئة تحرير الشام” وحلفاؤها بتسع وزارات، شغل بقية المناصب تكنوقراط مستقلون وشخصيات من المجتمع المدني، مما أضفى على التشكيلة مزيجا من الخبرة المهنية والتمثيل المجتمعي. ومن بين الأسماء البارزة، رائد الصالح، قائد منظمة “الخوذ البيضاء”، الذي عُين وزيرا لشؤون الطوارئ والكوارث، وهند قبوات، الناشطة المعارضة والمدافعة عن قضايا المجتمع المدني، التي تولت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وفي ظل الضغوط الدولية المتزايدة لتحقيق انتقال سياسي شامل، ضمّت الحكومة الجديدة أربعة وزراء من الأقليات السورية: مسيحي، درزي، كردي، وعلوي، من بينهم امرأة واحدة. وعلى الرغم من استمرار بعض المخاوف، قوبل هذا الإعلان بترحيب حذر من قبل المراقبين الدوليين والسوريين، فضلا عن المحللين والمواطنين، الذين اعتبروه خطوة ذات مغزى في مسار التحول السياسي في سوريا.
ورغم الإعلان عن الحكومة الانتقالية، سارعت جهات فاعلة رئيسة في السويداء وشمال شرقي سوريا، وهما المنطقتان الأساسيتان اللتان لا تزالان خارج نطاق إدارة الشرع، إلى رفض التشكيلة الجديدة فورا. فقد أعلنت الإدارة الذاتية بقيادة الأكراد في الشمال الشرقي، إلى جانب المجلس الوطني الكردي، وهما أبرز كتلتين سياسيتين كرديتين، أنهما لا تعترفان بشرعية أو صلاحية هذه الحكومة. وفي السويداء، عبّر مجلسها العسكري عن الرفض من خلال بيان رسمي، ويُقال إن هذا المجلس يضم عددا من الفصائل المسلحة ويتماشى مع موقف الزعيم الديني الدرزي البارز، حكمت الهجري.
ورغم أن هذه الجهات أعلنت معارضتها بصورة منفصلة، فإن المبررات التي استندت إليها جاءت متطابقة إلى حد كبير. إذ تكشف أحاديث خاصة مع مصادر قريبة من هذه الجماعات أن أبرز ما يثير استياءها هو عدم التشاور معها قبل تشكيل الحكومة. وترى هذه الأطراف أن غياب الحوار المسبق حول المشاركة والتمثيل يجعل من الحكومة الانتقالية كيانا لا يعكس حقيقة التنوع السوري ولا التعددية السياسية.
غياب التشاور
شددت المصادر على أن إدراج مسيحي ودرزي وكردي وعلوي في التشكيلة الحكومية يعكس، في نظرها، نهجا سطحيا يشبه ممارسات النظام السابق في تمثيل المكونات الدينية والإثنية. وأوضحت أن مجرد تعيين أفراد من هذه الجماعات لا يرقى إلى مستوى التمثيل الحقيقي، إذ لا توجد ضمانات بأن هؤلاء الوزراء سيمثلون مصالح وحقوق وتطلعات مجتمعاتهم استنادا إلى خلفيتهم فقط.
وفي استباق لهذه الانتقادات، تطرق الشرع إلى هذه المخاوف في خطاب ألقاه بمناسبة عيد الفطر، مؤكدا أن الحكومة صُممت لتعكس تنوع المجتمع السوري، مع رفض صريح لفكرة المحاصصة الطائفية أو الإثنية. وأشار إلى أن اختيار الوزراء جرى بناء على الكفاءة والخبرة، دون اعتبار للانتماءات الأيديولوجية أو السياسية، وأن الهدف الأساسي من التشكيل هو إعادة بناء الدولة. كما أقر بأن عملية التشكيل خضعت لمراجعة دقيقة، لكنه اعترف بأن من الصعب إرضاء الجميع.
مخاوف مشتركة
رغم أن الانتقادات المتعلقة بغياب التشاور لم تلقَ صدى واسعا خارج الأوساط المعارضة في السويداء وشمال شرقي سوريا، فإن بعض المخاوف الأخرى التي طرحتها تلك الجهات تتقاطع مع هواجس سكان مناطق مختلفة من البلاد. من أبرز هذه القضايا ضعف تمثيل النساء في الحكومة الانتقالية، وهو ما لا يعكس تطلعات شريحة واسعة من السوريين، رجالا ونساء على حد سواء. إذ لم تضم الحكومة سوى وزيرة واحدة، ما يسلّط الضوء على فجوة واضحة في التمثيل الجندري.
وتبرز أيضا مخاوف أساسية بشأن هيمنة “هيئة تحرير الشام” وحكومتها (الإنقاذ)، التي تسيطر على تسع وزارات، من ضمنها وزارات سيادية بالغة الأهمية مثل الدفاع والخارجية والداخلية والعدل. كما أثارت خلفيات بعض الوزراء المعينين قلقا بالغا، وعلى رأسهم وزير العدل مظهر الويس، الذي لا يحمل مؤهلا قانونيا رسميا، ويُعرف بانتمائه الأيديولوجي “السلفي”، ما أثار مخاوف من احتمال تغليب الفقه الديني على مبادئ الحقوق القانونية.
كما أثار تعيين أنس خطّاب وزيرا للداخلية موجة عارمة من الانتقادات، بسبب توليه سابقا رئاسة جهاز الأمن العام التابع لـ”هيئة تحرير الشام” في إدلب، وهو الجهاز الذي وُجهت إليه اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتزداد حدة الانتقادات نظرا لكون خطّاب مدرجا على قوائم الإرهاب الأميركية منذ عام 2012، وعلى قوائم الأمم المتحدة منذ عام 2014، ما من شأنه أن يعقّد بشكل بالغ جهود الحكومة في المجال الدبلوماسي ويقيّد قدرة وزارة الداخلية على التعاون مع الشركاء الدوليين.
وتأتي حدة الخطاب المتصاعد ضد الحكومة الجديدة في توقيت بالغ الحساسية، تزامنا مع توقيع اتفاقيات واعدة مع جهات فاعلة رئيسة في شمال شرقي سوريا والسويداء، كانت قد بعثت الأمل بإمكانية السير في مسار سلمي نحو تحقيق الوحدة الوطنية.
ففي 10 مارس/آذار، وقّع الشرع اتفاقا مع الإدارة الذاتية يقضي بدمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إطار إدارة الدولة السورية. كما أُعلن عن اتفاق مماثل مع ممثلين عن الطائفة الدرزية في السويداء، بهدف إدماج المحافظة في مؤسسات الدولة.
غير أن نجاح هذين الاتفاقين مرهون بحل قضايا أساسية، في مقدمتها مطلب الإبقاء على الاستقلال العسكري والإداري في تلك المناطق، وهو ما ترفضه دمشق بشدة. ويُرجَّح أن يؤدي رفض الحكومة الجديدة وما أثاره من توتر إلى تعقيد مسار التفاوض بشكل إضافي. ومع تعاظم هذه التحديات، قد يصبح التوصل إلى اتفاق نهائي مشروطا بإجراء تعديل وزاري، أو حتى تشكيل حكومة جديدة بالكامل، وهو ما سيسعى الشرع على الأرجح لتجنّبه.
ولا يمكن التقليل من خطورة الموقف. فـ”قوات سوريا الديمقراطية” تسيطر على ما يُقدّر بنحو 100 ألف مقاتل مدرّب ومجهز جيدا، ما يجعلها القوة العسكرية الأكبر خارج سيطرة الدولة. كما أن سيطرتها على أغنى المناطق السورية بالموارد تشكّل فرصة حيوية لإنعاش الاقتصاد المنهك، إذا ما نجحت جهود إعادة الدمج. أما في حال فشل التسوية السياسية، فقد تنزلق البلاد مجددا إلى صراع مسلح، وهو سيناريو ستكون تبعاته كارثية على جميع الأطراف.
ورغم أن السويداء تفتقر إلى القوة العسكرية التي تتمتع بها “قوات سوريا الديمقراطية،” فإن العوامل الخارجية تُضفي على المشهد بُعدا إضافيا من التقلبات. فإسرائيل، التي لها مصلحة واضحة في إبقاء سوريا مقسّمة وحكومتها ضعيفة، قد تبادر، في حال اندلاع مواجهة، إلى تقديم الحماية للسويداء، سواء طلب سكانها ذلك أم لا. ومثل هذا السيناريو لن يؤدي فقط إلى زعزعة استقرار البلاد، بل قد يعيد رسم خارطة التحالفات الإقليمية ويُطلق شرارة تحولات جيوسياسية يصعب التنبؤ بها.
في لحظة مفصلية كهذه، حيث يتحدد مصير سوريا، فإن المضي قدما يتطلّب قدرا كبيرا من الصبر، والدبلوماسية، وتقديم التنازلات المتبادلة. أما البديل، وهو مزيد من الانقسام، وعدم الاستقرار، أو حتى اندلاع حرب مفتوحة، فمن شأنه أن يُبدد كل ما تحقق من خطوات نحو سوريا موحدة وذات سيادة. لقد آن أوان القيادة الواقعية، لا المغامرات المتهورة.
المجلة
—————————–
اختراع سوريا الجديدة/ مصطفى إبراهيم المصطفى
2025.04.07
يشير مفهوم الوطن إلى وجود ارتباط جماعي بإقليم معين، وما يتراكم على ذلك من عنصر ضميري يتمثل في أن هذا الإقليم دار الآباء والأجداد، فالجماعات الإنسانية حينما راحت تتجه إلى الاستقرار في بقاع معينة من الأرض ارتبطت بأقاليم جغرافية محددة ارتباطاً شديدا تبعا لما تقدمه هذه الأقاليم من موارد طبيعية تمكنها من الاستقرار. من هنا، لاحظ بعض الدارسين أن الأقاليم أو البلدان التي تحل بها الكوارث، أو ينعدم فيها الأمان، أو تصبح مواردها شحيحة لا تعود محببة لساكنيها. بمعنى أن مستوى الوطنية ينخفض لدى سكان بعض البلدان.
الوطنية والاستبداد
رغم أن الشعوب اعتادت – بالعموم – أن تراكم في ثقافاتها عبارات وشعارات توحي بحب الوطن والوطنية، إلا أن ذلك قد يكون اعتيادا أو تلقينا لا يعكس الواقع في بعض الأحيان. وفي أحيان أخرى يستخدم مفهوم الوطنية (من حب الوطن) كأسلوب للمزاودة أو القهر، ففي الأنظمة الاستبدادية – على سبيل المثال – تحتكر سلطة الاستبداد التي تحرق الوطن جهارا نهارا صفة الوطنية وتقوم بتوزيع نياشين الوطنية للأكثر ولاء لها. أي، لأولئك الذين يشاركونها وليمة نهش جثمان الوطن، ويجعلون من تعاملها مع الوطن كغنيمة أو كمزرعة سلوكا طبيعيا من خلال تلك المشاركة. وعلى المقلب الآخر تجد المواطن يشتم البلد كلما صادفه موقف مزعج، ففي شوارع المدن السورية – قبل الثورة – يكاد لا يمر يوم لا تسمع فيه شتيمة للبلد تأتي على لسان شخص غاضب. أما بعد الثورة وما تسببت به الأحداث الدامية من هجرة كثير من السوريين، نجد أن كثيراً من هؤلاء المهاجرين يعبر عن عدم رغبته بالعودة إلى أرض الوطن رغم سقوط النظام الذي تسبب بهجرتهم، ورغم أن الوطن في مفرداتهم جنة الله في الأرض.
سوريا ليست كما نتصور
إن سوريا على حقيقتها ليست كما نتصور، لكنها تماما كما صورها “رايموند هينبوش” بقوله: “لقد قرر الموقع الجغرافي لسوريا قدرها التاريخي. إن كونها جسرا بريا بين قارات ثلاث ووقوعها وسط الصحراء والسهوب قد عرضها لتحركات أعراق متعددة ولغزوات القبائل البدوية، والتي ولدت (التنقلات والغزوات) تعددية ثقافية اجتماعية. إن التركيبة الجغرافية المعقدة لسوريا شكلت أساسا بيئيا لتعددية اقتصادية اجتماعية عززت بدورها الاختلاف الثقافي. هذه التعددية، والاختراق القبلي المتواصل للمجتمع (بما في ذلك عادات الزواج من الجماعة نفسها)، والإنتاج المحلي القائم على الملكيات الصغيرة، وكذلك بدائية وسائل النقل والتواصل، هذه العوامل مجتمعة ولدت وحافظت على بنية مجتمعية مجزأة وذات انقسامات عميقة، ولم تولد نظاما شاملا موحدا ينتج قوى مكافئة تشاركية. كما أن سوريا، التي كانت جائزة تنازعتها الإمبراطوريات المتنافسة، وربما بسبب موقعها المكشوف، لم تشهد عبر التاريخ قيام دولة متأصلة قادرة على توحيد مجتمع كهذا ينزع إلى الابتعاد عن المركز.
تاريخ سياسي مزور
وليس الواقع الاجتماعي والثقافي وحده ما يحاول السوريون غض الطرف عنه أو تجاهله، إنما يمتد الأمر إلى التاريخ السياسي المعاصر لهذا البلد حديث النشأة، إذ لطالما تغنى السوريون بالمرحلة التي تلت الاستقلال، فمن المعروف أن النظام السياسي الذي ساد في سوريا منذ أوائل الأربعينيات أنه نظام برلماني ديمقراطي، لكن الواقع يشير إلى أن الصورة لم تكن وردية كما يحاول بعضهم تصويرها من خلال استحضار بعض الصور التي تعكس بيئة حضارية في بعض المدن الكبيرة، أو استحضار بعض التصريحات أو بعض المواقف لساسة ذلك الزمان، إذ تشير الحقائق والوقائع إلى أن الفئات التي وقفت وراء ذلك النظام ودعمته كانت من الفئات البرجوازية المطعمة ببقايا الإقطاع والملاكين العقاريين، وهؤلاء على حد تعبير المناضل الكبير عبد البر عيون السود نظروا إلى تحقيق الاستقلال وكأنه نهاية المطاف، فانصرفوا إلى قطف الثمار متناسين نضال الشعب السوري من أجله طوال ربع قرن. وهكذا، لم تكن هذه الطبقة السياسية قادرة على تحمل أعباء المرحلة الجديدة المضطربة، وهو ما أدى إلى النقمة عليها، والإطاحة بها فيما بعد دونما اعتراض شعبي يذكر.
سوريا المستقبل
ما سبق مجرد ادعاء أن الوزير الدكتور نضال الشعار أحد أعضاء الوزارة السورية الجديدة أراد أن يقوله تلميحا، ففي لقاء مع إحدى المحطات التلفزيونية اعترض الوزير الشعار على مصطلحات اعتبرها كلاسيكية مثل: إعادة إعمار سوريا، وإعادة إنتاج سوريا مرة أخرى، وقال تعقيبا على ذلك: نحن أمام فرصة “اختراع سوريا جديدة”. نحن الآن نفكر بسوريا جديدة من دون العناصر التي كانت تتحكم بها في السابق، فإعادة إنتاج سوريا تعني إنتاج شيء قديم متعب ومنهك، ولكن يجب التفكير مرة أخرى بأن سوريا هي دولة وليدة حاليا، ونحن أمام فرصة تاريخية بأن نرتب هذه الدولة كما نراه مناسبا للشعب السوري. وبالتالي، أنا أتمنى من السوريين أن يبدؤوا باستخدام تعبير “اختراع سوريا الجديدة” التي ستكون مختلفة عن سوريا الماضي. إنها سوريا الدولة المسالمة الصديقة المتطورة التكنولوجية. سوريا التي تزهو بأبنائها وبخبرات أبنائها. هذه سوريا التي نحلم بها. هذا ما قاله الوزير، وذاك ما ظننا أنه يرمي إليه، إذ لا يوجد في سوريا ما نحبذ العودة إليه، أو ما نفضل الإبقاء عليه.
إن ما جاء في كلام الوزير الشعار دعوة لبناء بلد. دعوة لانخراط الجميع في ورشة عمل مهمتها بناء علاقات اجتماعية جديدة، واقتصاد جديد، وثقافة جديدة، وباختصار شديد: هي دعوة لممارسة الوطنية والإحساس بحب الوطن كما يجب أن يكون، لا كما كان مجرد شعارات مفرغة من أي محتوى حسي أو روحي.
تلفزيون سوريا
———————————
وزارة العدل السورية تثير الجدل: من شادي الويسي إلى مظهر الويس/ أحمد زكريّا
8 أبريل 2025
ما إن أعلن الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع عن تشكيلته الوزارية الجديدة، حتى فُتح الباب أمام نقاش حاد وجدل واسع في الأوساط السياسية والحقوقية.
التشكيلة التي تضمنت وزيرة امرأة واحدة، وحرصت على توزيع الحقائب الوزارية على ممثلي الطوائف والأقليات من دروز وأكراد ومسيحيين وعلويين، جاءت بلا منصب رئيس وزراء، مع استحداث وزارات جديدة. لكن الضوء الأكبر سلط على منصب وزير العدل، الذي انتقل من شادي الويسي إلى مظهر الويس، في خطوة أثارت تباينًا كبيرًا في الآراء، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات حول مستقبل العدالة في سوريا، وحول قدرة الحكومة على بناء قضاء مستقل يلبي متطلبات مرحلة ما بعد الصراع.
تتزامن هذه التشكيلة مع زيارات متلاحقة لموفدين دوليين إلى العاصمة السورية دمشق، يحملون رسائل واضحة تؤكد ضرورة أن تكون العملية السياسية في سوريا شاملة، وتضمن احترام الحقوق المدنية والحريات الأساسية.
ورغم أن الشرع حاول تقديم صورة للتوازن عبر توزيع الحقائب، إلا أن تعيين مظهر الويس، الشرعي البارز في “هيئة تحرير الشام”، خلفًا لشادي الويسي، أثار موجة من الانتقادات. ففي وقت تحتاج فيه سوريا إلى مؤسسات قوية تحظى بثقة المجتمع المحلي والدولي، يرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تعكس استمرارًا لسيطرة الفصائل على المشهد، بدلًا من الانتقال نحو عدالة حقيقية.
مظهر الويس: من الطب إلى القضاء الشرعي
مظهر الويس، الذي يمتلك خلفية أكاديمية في الطب البشري من جامعة دمشق، تحول لاحقًا إلى دراسة الفقه المقارن في معهد الفتح الإسلامي، ليبدأ مسيرة مختلفة تمامًا عن تخصصه الأصلي.
وفي عام 2008، اعتقلته الأجهزة الأمنية السورية، فرع فلسطين 235، ليقضي سنوات في سجن صيدنايا، حيث شارك في ثلاث استعصاءات نفذها سجناء إسلاميون، في تجربة عززت من صورته كشخصية مقاومة.
أُطلق سراحه في نيسان/أبريل 2013، ليتولى بعدها رئاسة الهيئة الشرعية في المنطقة الشرقية، حيث عمل على تنشيط مكاتبها عقب انفصال “جبهة النصرة” عن “داعش” في حزيران/يونيو 2013، ولاحقًا، انضم إلى مجلس شورى أهل العلم في الشام كعضو مؤسس، وبرز كأحد الشرعيين الرئيسيين في “هيئة تحرير الشام” منذ تأسيسها في كانون الثاني/يناير 2017.
وظهر الويس في مقاطع مصورة إلى جانب شخصيات بارزة مثل مصلح العلياني وعبد الله المحيسني، كما تولى مناصب عليا في وزارة العدل بحكومة “الإنقاذ” المدعومة من الهيئة، أبرزها رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، مما جعله شخصية مؤثرة في الأوساط الشرعية، لكن غير قانونية بالمعنى التقليدي.
شادي الويسي: من التعليم إلى الإعدامات المثيرة للجدل
في المقابل، يتمتع شادي الويسي، المولود في حلب عام 1985، بخلفية أكاديمية شرعية، حيث حصل على إجازة في الشريعة الإسلامية ودبلوم تأهيل تربوي، ويعكف حاليًا على إعداد رسالة ماجستير في الدراسات القضائية.
بدأ مسيرته مدرسًا للتربية الإسلامية وإمامًا في حلب لسبع سنوات، قبل أن يتحول إلى القضاء الشرعي مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وشارك في تأسيس الهيئة الشرعية في حي ضهرة عواد بحلب، وتدرج في مناصب مثل قاضي جزاء عسكري، ثم قاضي استئناف، وصولًا إلى النائب العام في الهيئة الشرعية الرباعية التي أُسست في تشرين الثاني/نوفمبر 2012.
ترأس محاكم شرعية عدة، مثل “سلقين” و”حريتان”، وفي حكومة “الإنقاذ” بإدلب، شغل مناصب بارزة، منها رئيس محكمة الاستئناف وعضو المجلس الأعلى للقضاء، قبل أن يتولى وزارة العدل في دورتها السادسة عام 2023.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2024، كُلف بحقيبة العدل في حكومة تصريف الأعمال، لكنه سرعان ما واجه عاصفة من الانتقادات بعد انتشار فيديوهات تظهره أثناء إشرافه على إعدام سيدتين عام 2015، ما أدى إلى مطالبات بإقالته في كانون الثاني/يناير 2025.
ردود الفعل الحقوقية: مخاوف من تراجع العدالة
وأثارت هذه التعيينات موجة من ردود الفعل الحقوقية، حيث يرى المحامون والناشطون أن اختيار شخصيات مثل الويس والويسي قد يعكس استمرارًا للنهج الفصائلي، بدلًا من الانتقال نحو قضاء مستقل يحقق المصالحة الوطنية، إذ لم يقتصر الجدل على خلفيات الوزراء الأكاديمية، بل امتد إلى تاريخهما السياسي والقضائي، ومدى تأثيره على ثقة السوريين في المؤسسات الجديدة.
المحامي المعتصم الكيلاني، المحامي المتخصص في القانون الدولي، قال في تصريحات لـ”الترا سوريا”، إن “إثارة الجدل حول وزارة العدل ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة عوامل متراكمة: أولًا، الخلفيات المهنية للوزراء، مثل شادي الويسي ومظهر الويس، تفتقر إلى التخصص القانوني الذي يؤهلهما لإدارة منظومة عدلية تواجه تحديات معقدة كالمحاسبة على جرائم الحرب، إذ إن الويس، كطبيب تحول إلى شرعي، لا يملك الخبرة القانونية الرسمية، بينما الويسي، رغم دراسته الشرعية، ارتبط بممارسات مثيرة للجدل كالإعدامات”.
وأضاف: “ثانيًا، ارتباطهما السابق بفصائل مثل هيئة تحرير الشام يثير مخاوف من تحويل الوزارة إلى أداة لتصفية الحسابات، بدلًا من بناء جسور المصالحة. وثالثًا، التأثير السياسي والهيمنة الفصائلية على التعيينات يوحي بأن القرار جاء نتيجة توازنات القوى، وليس استنادًا إلى الكفاءة، وهو ما يضرب مصداقية الوزارة في وقت تحتاج فيه سوريا إلى ثقة واسعة لإعادة بناء مؤسساتها”.
من جهته، يقدم المستشار القانوني المحامي علي رشيد الحسن، رؤية مقارنة قائلًا في تصريحات لـ”الترا سوريا”: “في دول مثل ألمانيا أو فرنسا، قد يُعين وزراء عدل بلا خلفية قانونية، لكن هذا ينجح بفضل قوة المؤسسات واستقلالية القضاء. في سوريا، حيث يعاني القضاء من ضعف هيكلي وتاريخ من الهيمنة التنفيذية، يصبح تعيين شخصيات مثل مظهر الويس، ذات الخلفية الشرعية والفصائلية، مخاطرة كبيرة، والمشكلة ليست فقط في غياب التخصص القانوني، بل في السؤال الأعمق: هل يلتزم هؤلاء الوزراء بمبادئ العدالة وسيادة القانون؟ إذا كان الوزير محسوبًا على فصيل معين، فكيف يمكن أن يضمن حيادية القضاء في بلد مزقته الطائفية والصراعات؟”.
تحديات العدالة الانتقالية: هل تلبي التعيينات المتطلبات؟
في ظل الحاجة إلى عدالة انتقالية تضمن المحاسبة والمصالحة، يرى الحقوقيون أن تعيين مظهر الويس قد يكون خطوة إلى الوراء. وفي هذا الجانب، يوضح الكيلاني: “المرحلة الانتقالية تتطلب استقلالية قضائية ومهنية عالية لضمان حقوق الإنسان، وهو ما قد لا يتحقق مع الويس كونه طبيبًا وليس قانونيًا، يفتقر إلى الخلفية التي تمكنه من التعامل مع ملفات معقدة كجرائم الحرب، وعلاقاته السابقة بفصائل مسلحة تضع علامات استفهام حوله، وقد يُنظر إليه كممثل لأجندة فصائلية بدلًا من صوت لجميع السوريين، خاصة وأن العدالة الانتقالية تحتاج إلى شخصية تمتلك رؤية قانونية شاملة، بعيدة عن التحيزات، وهو ما يبدو غائبًا في هذا التعيين”.
من جهته، يرى الحسن أن: “سوريا تحتاج إلى وزير عدل يفهم القانون الدولي والدستوري، لا مجرد معرفة شرعية جزئية، إذ إن مظهر الويس، بغياب الخبرة القانونية وارتباطه بهيئة تحرير الشام، قد يعزز الانطباع بأن الوزارة ستظل أداة سياسية. العدالة الانتقالية عملية دقيقة تتطلب بناء ثقة المواطنين والمجتمع الدولي، وهذا يحتاج إلى شخصية ذات تاريخ نظيف من التحيزات الفصائلية، قادرة على وضع أسس لمصالحة وطنية حقيقية”.
التاريخ القضائي والسياسي: عائق أمام الثقة
يشكل تاريخ الوزيرين محورًا رئيسيًا في الجدل، وفي هذه النقطة يحذر الكيلاني قائلا: “شادي الويسي أثار جدلًا بسبب دوره في إعدامات 2015، وهي حادثة تكشف عن نهج قد يتعارض مع معايير العدالة الحديثة، وخلفيته الشرعية لا تعوض غياب التخصص القانوني، وتعيينه كان خطوة تراجعت عنها الحكومة تحت ضغط الرأي العام، أما مظهر الويس، فكونه طبيبًا ومرتبطًا بجماعات شرعية، يفاقم أزمة الثقة في القضاء، وبالتالي هذان الشخصان قد يعيقان بناء مؤسسة عدلية قوية، ويزيدان من المخاوف الحقوقية حول مستقبل المساءلة، خاصة في ظل الحاجة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات”.
ويتفق الحسن مع هذا التحليل، ويضيف: “تاريخ شادي الويسي في القضاء الشرعي وحادثة الإعدامات يثير تساؤلات عن التزامه بحقوق الإنسان، بينما مظهر الويس، بغياب الخلفية القانونية وارتباطه بفصائل، يعكس استمرارًا لنهج يهدد استقلال القضاء. هذا التاريخ قد يضعف المؤسساتية، ويؤخر إصلاح القضاء، ويثير قلق المجتمع الدولي من عودة دوامة الانتقام بدلًا من تحقيق العدالة الحقيقية”.
وبعد انتشار فيديوهات إعدامات 2015 التي تظهر شادي الويسي، دعت منظمات حقوقية إلى تحقيق عاجل، فيما أكد مسؤول رفيع في الإدارة السورية الجديدة لمنصة “تأكد” أن تلك الإجراءات كانت قانونية في سياقها الزمني، لكنها “تعكس مرحلة تجاوزتها سوريا”، حيث أعلنت الإدارة التزامها بمراجعة الأحكام السابقة لضمان توافقها مع معايير العدالة، مؤكدة سعيها لبناء دولة حديثة تحقق تطلعات السوريين.
رهان العدالة في زمن الانتقال
ومع تصاعد الجدل حول وزارة العدل، يبقى المستقبل غامضًا، فبينما يحذر حقوقيون من أن تعيين شخصيات مثل الويس والويسي قد يعيق بناء قضاء مستقل، يرى آخرون أن الفرصة لا تزال قائمة إذا صححت الحكومة مسارها باختيار كفاءات قانونية بعيدة عن التحيزات.
وفي بلد يسعى للخروج من أتون الصراع، تبقى العدالة الرهان الأكبر، والخطوات القادمة ستحدد ما إذا كانت هذه التعيينات بداية لإصلاح حقيقي أم استمرار للصراعات القديمة بثوب جديد.
—————————–
السيد وزير الثقافة السورية… تحية طيبة وبعد/ أحمد جاسم الحسين
2025.04.07
أوجّه إليكم هذه الرسالة، لأن معظم السوريين يعدّون الثقافة مجالهم الذي من حقهم أن يبدوا رأيهم فيه، وكذلك ينتظرون منها كثيراً. ليست الثقافة نظرية اقتصادية أو أمراً تقنياً، حتى يقولوا لا أعرف! على صعوبة أن يقول سوريّ: لا أعرف!
أمي كذلك تعدّ نفسها معنية بالثقافة السورية، وهي في المئة من عمرها حفظها الله، تنتظر وزير ثقافة سوري، ابن بلد، يشكل لجاناً لجمع التراث السوري اللامادي، قبل أن ترحل فترحل حكاياتها الشعبية معها. وما تلك الحكايات الشعبية إلا ذاكرتنا وألمنا وفرحنا منذ ولدت سوريا إلى يومنا هذا، ولها الحق في مثل هذا الأمل فقد أكلتْنا ثقافة الصمود والتصدي التي أصابها الصدأ، عبر أكثر من نصف قرن، لأنها كانت في معظمها كذباً وادعاء، وتزجية وقت للنظام الاستبدادي.
تبدأ حكايات أمي منذ أن دقوا لها الوشم (الدگ) على وجهها بسبع إبر مختلفة القياسات، من دون تخدير، حيث مُزج الحليب بالكحل لتشكيل اللون الأزرق، حين كانت طفلة، لتغدو برأي مجتمعها أجمل. مع أنني أقول لها دائماً، كذلك فعلت في زيارتي الأخيرة قبل أيام: أنت أجمل امرأة في الكون يا يُمّه! كما تعلم، يا سيادة الوزير، الأمهات أجمل النساء في عيون أبنائهن، ولسن بحاجة للفلير والبوتوكس والشفط والنحت، يكفي أنها أمٌّ فما بالك إن كانت أمّ وجدّة سورية عظيمة!
لا تنتهي حكايات أمي بنزوحها القسري غير مرة، بعد أن فقدت بيتها، بل تقول: هذه هي الحياة!
ليتنا بحكمة الأمهات لاستطعنا تقبل الواقع أكثر وخففنا من المظلوميات وثقافة الثأر على الصعيد الشخصي والعام!
الأمهات في المخيمات السورية وبلدان اللجوء لكل منهن حكاية، أمهات المعتقلين والمغيبين، يا سيادة الوزير، باتت كل منهن تعلل وقتها بالحكاية، وتبدأ نهارها بها، إذ كما تعلم، لا يحلو الصباح في سوريا من دون حكايات، لدى كل سوري اليوم حكاية، بل حكايات تختلف عن حكايات الآخرين بقدر ما تتشابه، صار السوريون كتاباً اسمه: ألف ليلة وليلة لا تنتهي!
من حسن حظك، وليس من سوئه، أنَّ كل سوري يتقاطع مع وزارة الثقافة، وها هو الأمل ينعقد عليك في إحداث التغيير المطلوب ضمن قطاعاتك: من المسرح إلى الموسيقا إلى التراث إلى الكِتاب إلى السينما إلى الطفل إلى الفن التشكيلي إلى الأمسيات والمحاضرات والترجمة، إلى صورة الثقافة السورية في الخارج من خلال المراكز الثقافية خارج سوريا، وصولاً إلى اتحاد الكتاب العرب بكل خيباته وخرابه وفساده وما فعله بالمثقفين السوريين، هذا الاتحاد كتبتُ عنه قبل عشر سنوات مقالاً بعنوان: “من اتحاد الكتاب العرب إلى اتحاد مداحي البوط العسكري” فصلوني بعدها أو قبلها لا أعرف!
الأميون السوريون، وما أكثرهم، نتيجة ما حدث في سوريا العريقة، يعدون وزارة الثقافة هي الوزارة الوحيدة المعنية بتعليمهم، فوزارة التربية غالباً تنهي علاقتها بالسوريين بعد بلوغ الثامنة عشرة. وكم من بالغ سوري وبالغة سورية لا يعرفون القراءة والكتابة اليوم، عشرات الآلاف!
وكما تعلم يا سيادة الوزير فإن ما حدث في سوريا في السنوات الأخيرة هو مسألة ثقافية في أحد جوانبه، لذلك يأمل كثيرون أن تكون الثقافة هي أحد أبرز مداخل الحلول!
شخصياً، أنا أحد المثقفين السوريين المتفائلين بالمرحلة الجديدة في سوريا، تفاؤل لمَّا تسمح لي الشهور القليلة من عهد الإدارة الجديدة أن أبني عليه، بقدر ما هو قائم على الرجاء والأمل الذي أدخل من خلاله الحياة كل صباح سوري.
تفاؤلي بالشخص والمرحلة هو الذي يجعلني أتوجه إلى المسؤول الرئيس عن مؤسسات الثقافة في بلدي العريق في المرحلة القادمة، ومردُّ تفاؤلي يعود إلى عدة أمور أقرب ما تكون إلى مسار حياتي.
حسن الظن؛ فالدول والمؤسسات والعوائل لا تبنى إلّا بأبنائها وتاريخهم، وقيادة هذا البلد هم جزء من ناسه، فلا يمكن أن أقابل عملكم بالتشاؤم أو أبحث عن مثلبة هنا أو هناك، أو أنبش في جانب شخصي، لأبني عليه. لسبب بسيط جداً: ذلك لا يمكن أن يكون مدخلاً للعمل، أو قناة للتواصل لمن يهمه البناء.
ومثلما نعتُّ نفسي بالمثقف كوني قد أصدرت كتباً إضافة إلى كوني أستاذاً جامعياً، فإنه من السهل أن ينبش أيّ سوري في عثرة هنا أو هناك لسوري آخر، فينتقل إلى جانب الشك الهدام، وبالتالي ينقطع الحوار بين المواطن المثقف والأمي والوزير المثقف المكلف!
وليس البناء على الجانب الشخصي أو كلمة هنا أو هناك، أو بيت شعري، لمن يقوم بمهمة وزير مدخلاً ملائماً، إلا لمن يريد أن يتصيد العثرات، أو يغلب علبه التشاؤم.
فمتابعة الورزاء من الشعب تقوم على قراءة الخطط التي يقدمونها أمام الهيئات السورية المعنية أو أمام رئيس الجمهورية أو الإعلام؛ حيث يقدمون تصوراتهم عما يمكن أن يقوموا به خلال فترة زمنية ما، بعد أن يأخذو وقتهم في التعرف إلى واقع وزاراتهم وأنظمتها الداخلية ومهامها وكوادرها.
مع الوزير الجديد، أي وزير، لا نستطيع إلا أن ننظر إلى المستقبل، فما بالك إن كان الوزير جزءاً من سلطة جديدة لم نعرفها من قبل، وكذلك وزير شاعر وإعلامي له اسمه!
هناك فهم ملتبس لدى كثير من السوريين لمهمة الوزير ناجمٌ عن النظام الشمولي، الذي ولدوا هم وأولادهم، الذين صاروا شباباً في ظله، كحالتي أنا.
لا ينتبهون إلى فكرة أن الوزير هو الذي يشرف على السياسات العامة للوزارة ويوجهها وينفذ السياسات الحكومية، ويحيط نفسه بفريق من الخبراء، ويشارك في صياغة السياسات العامة في مجاله، فالوزير قائدٌ في مجاله يكفيه الإشراف على الاستراتيجات وإدارتها.
تعلمتُ في تجربة هنا في هولندا عبر عقد من الزمان ونيف، أن العجلة لا يمكن أن تترافق مع الإتقان، صحيحٌ أن تجربة بلد مستقر ليست كتجربة بلد يبنى على شرعية ثورية، ووضعه مختلف كلياً، إلا أننا نحن السوريين نحب بلدنا كثيراً لذلك نقارنها على الفور بأكثر البلدان استقراراً!
وزارة الثقافة في سوريا وزارة مركبة المهام، وهي من أعقد الوزارات، فهي من جهة ليست وزارة خدمية يلمس أثرها السوريين في حاجاتهم اليومية كما يلامسون الماء والكهرباء والخدمات البلدية.
إلا أنها من جهة أخرى، من أكثر الوزارات استراتيجية، حيث يعول عليه في بناء الإنسان السوري الجديد، ابن ماضيه العريق الثقافي والمعرفي والديني من جهة وكذلك السوري الذي يتواصل مع جمهوره وناسه وأهله وحاضره ومستقبله والعالم المحيط به بعد أن تعلم من تجارب الهجرة واللجوء!
يرى مراقبون كثيرون أن من حسن حظ وزير الثقافة في سوريا الجديدة أنه يدير وزارة باردة كما يسمى في أحد المصطلحات السياسية، أي أن الناس لا تنتظر منها حالة خدمية مستعجلة، وربما كثيرون لا يتلفتون إليها كونها لاتمس حاجاتهم اليومية، مما يتيح لفريق العمل فيها الاشتغال بتأن حول الاستراتيجيات، التي ينتظر أثرها في المستقبل وليس في الحاضر المستعجل.
بالتأكيد لا يمكن أن نحاجج جائعاً: هل الكتاب أهم أم الخبز؟ لكن تلك مقارنة لا تفيد ولا تجوز فالحاجات تقوم على التوازي وليس على المقارنة والتنافر.
سبق أن حدثنا مثقفون عرب بفخر عن إصدارات وزارة الثقافة في سوريا، عن ترجماتها، مجلاتها، عن نشرها المعرفة، بل إن مثقفين عديدين يرون أن إصداراتها هي من أفضل وزارات الثقافة العربية.
تمَّ تغييب السوريين عن المشهد الثقافي العربي في السنوات الأخيرة، نتيجة لغباء النظام المخلوع وخياراته السلبية، اليوم نأمل أن يستعيد المثقف السوري دوره العربي والعالمي. لدينا اليوم عدد من الدور الثقافية السورية في دمشق وغيرها، لم لا نجعلها بيتاً للمثقفين العالميين والعرب، نستضيفهم بها فترة من الزمن يكتبون عن بلدنا وناسه وأهله وحضارته؟ سوريا اليوم مادة للكتابة من الصعب أن يوجد مثلها، وهي مادة مغرية لكثير من كتاب العالم، لنخلد ذكرها من خلالهم!
سعدتُ، كما سعد كثير من السوريين، بما قلته في أثناء أداءك القسم أمام السيد رئيس الجمهورية، حول أن من أهداف وزارتك تفتيت ثقافة الاستبداد والإجرام التي تبناها النظام السابق، وبدلاً منها تعميم ثقافة الإخاء، والإخاء يعني حقوق الإنسان والعدالة والحرية والمساواة.
المتابعون لقصص التنمية البشرية وقصص النجاح يعدون تكليف مقدم برامج متميز في قناة الجزيرة، متابع لشؤون التراث العربي قصة نجاح، مللنا من الناجحين بسير ذاتية متخمة، ليس الأمر دعوة للشعبوية، بل ترحيب بقصة نجاح شخصية، لمن هم في عمرك أو أكثر أو أقل!
وقصة النجاح هذه يرتفع معها منسوب “العَشَم” من باب الحبّ وحسن الظن! وباب حسن الظن في موروثنا باب كبير، مما ورد فيه أن طلحة بن عبدالرحمن بن عوف، وهو من التابعين وأحد رواة الحديث النبوي، كان أجودَ قريش في زمانه، قالت له امرأته يوماً: ما رأيت قوماً أشدّ لؤماً من إخوانك!
قال : ولِمَ؟
قالت: أراهم إذا اغتنيتَ لزِموك، وإذا افتقرتَ تركوك!
قال: هذا والله من كرم أخلاقهم؛ يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال العجز عن ذلك!
اليوم، ينظر المثقفون والمبدعون والفنانون السوريون إليك بصفتك صاحب قرار وقدرة على إكرامهم في شؤونهم الثقافية، لذلك ينتظرون أن تستمع إليهم وإلى شجونهم وشؤونهم، وكلهم أمل، من باب حسن الظن، أن تُنسيهم جماليات المرحلة الحالية والقادمة في عهد الثورة والانتصار والأمل، بؤس المرحلة السابقة وعثراتها ولؤمها وقبحها!
تلفزيون سوريا
—————————-
========================