عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 08 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
—————————-
الاعتداءات الإسرائيلية على سورية: الأهداف والاحتمالات والسيناريوهات/ رشيد حوراني
08 ابريل 2025
سوّغت إسرائيل استهدافها مواقع حيوية في سورية، في عهد النظام المخلوع، بحسابات أمنية، لكون الأسد فتح البلاد أمام إيران ومليشياتها. لكن زيادة شهية الاحتلال في التدمير والتوغل بدت واضحة في أعقاب سقوط النظام وخروج إيران من البلاد، فألغى نيتنياهو العمل باتفاق فض الاشتباك 1974، وشن عملية “سهم الباشان” التي دمّرت ما تبقى من القدرات العسكرية السورية، وكان الأبرز التصعيد من خلال التوغل والقصف في الأيام الماضية، سيما في محافظة درعا وعمق البلاد، بعد وضوح بوادر على اتفاقات بين الحكومة السورية الجديدة وتركيا، لإنشاء أنقرة قواعد عسكرية، والمشاركة في إعادة بناء الجيش السوري.
بدأت إسرائيل توغّلاتها البرّية جنوبي سورية منذ أواخر العام 2022، بشق طريق بطول مائة متر، سُمي “سوفا 53″، حيث توغلت خلال عمليات إنشائه الجرافات ودبابات الميركافا الإسرائيلية داخل الأراضي الزراعية السورية في القرى الحدودية، منها جباتا الخشب وخان أرنبة وعين التينة وحرش أبو شطبا والحرية، وجملة وعابدين وكودنا، التي تتبع لكل من محافظتي درعا والقنيطرة. وبعد الحرب على غزّة، زادت هذه التوغّلات المؤقتة والمتقطعة، والتي يتم خلالها تنفيذ عمليات حفر وتجريف ورفع سواتر ترابية.
بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر (2024)، بات واضحا أن إنشاء إسرائيل سواتر ومرابط للدبابات والمدفعية هدف إلى أنها كانت تجهز نقطة انطلاق لهجوم لاحق، وأنها لن تنسحب من هذه المنطقة لاحقاً. ووصل تدخلها إلى شمالي كودنا، وشقت ما يشبه الألسن في المنطقة المحاذية للخط الأحمر “برافو” من الجانب السوري، طول كل لسان بحدود 400 – 500م، وبعد ذلك توصلها مع بعضها. وبعملية الوصل هذه تضم المنطقة التي دخلتها. مثلا، في جباتا الخشب تقدمت بحدود 800م، وعملت لسان (طريق) جنوب هذا التقدم باتجاه الحميدية قبل مدينة الحرية، ثم وصلت بين هذين اللسانين، فأصبحت المنطقة بين اللسانين تحت سيطرتها.
اتصفت ت التوغلات البرّية أخيراً، وخاصة تقدمها باتجاه كل من كويا في 25 الشهر الماضي (مارس/ آذار)، ونوى غربي درعا 2 إبريل/ نيسان الجاري، بسعيها إلى استباحة سورية برّياً، بعد أن فسح نظام الأسد البائد لها باستباحتها جويا. كما لجأت إلى اعتماد سياسة جسّ النبض مع السكان المحليين، حيث كانت تتقدّم وتتراجع باتجاه موقع ما عدّة مرات، وإن لم تعترضها محاولاتٌ لصدّها تقوم بالتمركز، كما اعتمدت، في مرحلة تالية، عند محاولات الأهالي التصدّي لها ومنعها من التقدم والسيطرة على الأحياء باستهداف من يحاول ذلك، لترهيب السكان، وبالتالي، فسح المجال لتدخلاتها من دون مقاومة.
في المقابل، اتسمت الغارات الجوية الإسرائيلية قبل سقوط النظام باستهدافها المليشيات الإيرانية، ومصالح حزب الله اللبناني التي تقوم بأعمال الرصد والتنصت ضد إسرائيل، وتنفيذ عمليات ضدها انطلاقاً من الداخل السوري، في حال اندلاع مواجهات بين الطرفين وتجنيد فلسطينيين سوريين لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل، فضلاً عن نقل عناصر وتكنولوجيا إنتاج الطائرات المسيّرة التي يجري إنتاجها بعيداً عن لبنان، وتهريب الأسلحة والذخائر إلى مواقع الحزب في لبنان مباشرة من مستودعات التخزين الموجودة في سورية والتابعة للحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى استهدافها المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية من قادة وتقنيين؛ لكنها تستمرّ في استهداف البنى التحتية العسكرية، على الرغم من زوال التهديد الإيراني لأمنها القومي.
الإدارة السورية الجديدة وفلسطين وإسرائيل
تعاملت “حكومة الإنقاذ” (حكومة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها) مع الفلسطينيين المقيمين في مناطق إدارتها بشكل عالي المستوى. وعملت قيادة العمليات العسكرية، منذ مرحلة التحضير لمعركة ردع العدوان على توظيف الفلسطينيين السوريين ممن هجّروا من حلب ودمشق وحمص في صفوف قواته، ومع الدخول إلى مدينة حلب أرسلت شخصيات فلسطينية من أبناء مخيم النيرب وحملها رسالة إلى قائد “لواء القدس” محمد السعيد ليطلب منه إعلام عناصره بالالتزام في بيوتهم، أو الخروج من المخيم، كي لا تراق دماء الفلسطينيين السوريين بين بعضهم بعضاً، وهو ما دفع “لواء القدس” إلى الخروج من المخيم بدون قتال.
ومع وصول إدارة العمليات العسكرية لمعركة ردع العدوان إلى دمشق في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، اجتمع ممثل عن قائد العمليات العسكرية بممثلين عن الفصائل والقوى الفلسطينية التي ساندت النظام السوري البائد في حربه على السوريين، وكانت إدارة العمليات قد استفادت من الفلسطينيين المنخرطين في صفوفها لتتبع ومعرفة أخبارهم وأماكن تواجدهم سواء في دمشق أو حلب. وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول هنأ رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، خالد مشعل، على الإعلام، الشعب السوري بالإنجاز الذي تحقق بإسقاط النظام، ومذكّراً بدور “سورية العزيزة” في دعم القضية الفلسطينية، وجاء ذلك بعد اتصال له مع قائد العمليات العسكرية، أحمد الشرع، طلب منه ألا ينحدر التعامل مع الفصائل الفلسطينية التي ساندت النظام باتجاه الانتقام والتشفّي.
أوقفت إدارة العمليات العسكرية قرابة 20 شخص من “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”، وترك الأمين العام لها طلال ناجي تحت ما يشبه الإقامة الجبرية. ووضعت يدها على معسكراتها ومكتب سلفه الراحل أحمد جبريل.
وضعت إدارة العمليات العسكرية يدها على معسكر ومقر قيادة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة) في كفرسوسة ومنطقة العباسيين، وتركت المسؤول عن المعسكر محمد قيس تحت ما يشبه الإقامة الجبرية بدمشق. كما وضعت يدها أيضا على مقرّات حركة فتح الانتفاضة، بعد أن تمكن قائدها في دمشق العقيد زياد الصغير من الهروب إلى لبنان.
أما جيش التحرير الفلسطيني الذي يضم ثلاثة ألوية شاركت إلى جانب قوات النظام (حطين – أجنادين – القادسية)، الذي تنطبق عليه ما ينطبق على وحدات النظام البائد من تجنيد إجباري للفلسطينيين ومهام تدريبية، جرى الاتفاق على وقف التجنيد، وإلحاق ثكناته المنتشرة في درعا والسويداء وقطنا بدمشق بالجيش السوري، والاتفاق لاحقا على تفصيلات أخرى باعتبار جيش التحرير تم تشكيله بقرار من جامعة الدول العربية للدفاع عن فلسطين. أما المجموعات والفصائل الفلسطينية التي شكلت بعد العام 2011 مثل “لواء القدس” بقيادة محمد السعيد هناك روايتين حول مصيره الأولى تمكنه من الهروب إلى خارج البلاد بعد دخول قوات “ردع العدوان” إلى مخيم النيرب بحلب، بعد إيصال رسالة لأبناء المخيم – عبر الفلسطينيين من أبناء المخيم نفسه وكانوا مع غرفة عمليات ردع العدوان – بما فيهم عناصر “لواء القدس” أن ادخلوا إلى بيوتكم لتجنب إراقة الدماء، والثانية الإقامة الجبرية بدمشق بأمر من إدارة العمليات. بينما تمكن قائد قوات درع الأقصى سائد عبد العال من الفرار إلى الخارج، لكن تم السيطرة على كامل الأسلحة التي تعود لهم.
يدلّ ما سبق على حضور فعلي للمسألة الفلسطينية بشكل خاص، والاحتلال الإسرائيلي بشكل عام في وعي الإدارة السورية الجديدة التي أعلنت تمسّكها باتفاقية 1974، على الرغم من إعلان إسرائيل سقوط تلك الاتفاقية منذ بدء تقدم إدارة العمليات العسكرية نحو دمشق، وسيطرت قواتها على موقع جبل الشيخ والمنطقة العازلة، وتخوّفها من الإدارة السورية الجديدة على الرغم من تطمينات متكرّرة أصدرتها بعدم نيتها استعداء أحد، والتفاتها إلى مسائل التنمية وتحقيق الاستقرار الداخلي، الأمر الذي لم تأخذه إسرائيل على محمل الجدّ، بسبب الخلفية الإسلامية “الجهادية” المنحدرة منها الإدارة السورية.
دوافع العدوان الإسرائيلي
تقف عدة عوامل وراء العدوان الإسرائيلي على سورية بكل أشكاله، الجوية والبرّية والسياسية، التي تتمثل في التواصل مع الإدارة الأميركية لضبط مخزون الأسلحة الكيماوية، باعتباره الشغل الشاغل لكليهما، لضبط تحرّكات الإدارة الجديدة، وشل قدراتها إن فكرت بتحدّي إسرائيل أو اعتراض مشاريعها التوسعية، موجزها:
بعد سقوط النظام، أعلن وزير الدفاع السوري، اللواء مرهف أبو قصرة، بدء هيكلة الجيش وبناء القوات العسكرية، التي ستعمل على ترميم الفجوة بين القوات المسلحة الوليدة والشعب السوري، بعد أن أوغل جيش النظام المخلوع في دماء السوريين، وأرهقتهم ظواهر الفساد التي تفشت فيه كالتفييش (رواتب شهرية للضباط مقابل تغيب الجنود عن الخدمة) والتعفيش، وصاحب ذلك الإعلان تنفيذ عروض عسكرية بحرية وجوية متواضعة بالسلاح الذي تبقى في الوحدات العسكرية، التي آلت إلى سيطرة الإدارة الجديدة، وهو ما قرأته إسرائيل سعياً من الإدارة السورية إلى بناء قوة عسكرية من مختلف صنوف الأسلحة، واستمرّت في تقويض كل البنى التحتية التي تساعد في ذلك.
كما تتخوّف إسرائيل من التكتيكات العسكرية التي اعتمدتها غرفة عمليات “ردع العدوان”، التي تمكّنت بموجبها من إلغاء الفارق في ميزان القوى بينها وبين النظام البائد وداعميْه، روسيا وإيران. وبالتالي، التحرّك باتجاه إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية بعملية تهدف إلى ردع سرائيل. ولذلك تحاول إسرائيل إبقاء الإدارة السورية في حالة حل المشكلات فقط، إلا أن استمرارها في العدوان قد تنزلق إلى ما تخشاه.
وتلعب روسيا دورا كبير في العدوان الإسرائيلي على سورية، بل يمكن القول أنها شكّلت الأرضية الملائمة له، حيث عملت على إخراج النظام مما سمي محور “وحدة الساحات”، ودفعته إلى ضبط عدم انطلاق العمليات العسكرية انطلاقاً من الأراضي السورية ضد إسرائيل بعد نشوب الحرب العدوانية على غزّة، في سبيل إعادة تأهليه، وأنشأت في سبيل ذلك قرابة 15 نقطة مراقبة عسكرية، تمكّنت إسرائيل بعد سقوط النظام من التقدّم إليها بعد إخلاء القوات الروسية لها، ولإسرائيل مصالح متبادلة من ذلك، فروسيا تسعى إلى استخدام العدوان الإسرائيلي عاملاً ضاغطاً على الإدارة السورية الجديدة، وتقدّم نفسها وسيطاً لتحرّكاته، مقابل منحها نفوذا أوسع في سورية، على حساب الجانب التركي التي لا ترغب إسرائيل بوجوده في سورية.
وتشارك الإدارة السورية الجديدة في الاجتماعات والمشاورات التي تتعلق بأمن المنطقة والعالم، مع دولٍ عديدة، فقد اجتمع في عمّان مطلع شهر مارس/ آذار الفائت وزراء الخارجية والدفاع ومسؤولو الدفاع لكل من الأردن ولبنان والعراق وتركيا بهدف إيجاد آليات لمكافحة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومن شأن هذا الأمر أن يدفع الإدارة الأميركية إلى سحب قواتها من سورية، وهو ما يضعف الموقف الإسرائيلي. كما عقدت قمة بين رؤساء كل من سورية وفرنسا ولبنان وقبرص واليونان، أكّد فيها المجتمعون على ضرورة تحقيق الاستقرار في المنطقة، وبالتالي، تتخوّف إسرائيل أن تقود هذه الاجتماعات إلى محاصرة سلوكها في المنطقة، وخاصة اعتداءاتها المتكرّرة على جوارها.
نجاح الإدارة السورية في دمج الأطراف المعارضة لها بالتدريج سواء في السويداء، التي عينت فيها محافظا للمدينة، ونسّبت فيها عناصر من أبنائها لصالح جهاز الأمن العام، حيث التحق المنشقّون ومن خضع للتسوية للعمل في مراكزهم، أو مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي أبرمت معها اتفاقاً بخصوص حيي الشيخ المقصود والأشرفية في حلب، تُظهر بنوده علو كعب سلطة الحكومة في دمشق على شروط “قسد”. وبالتالي، سحب هذه الورقة من التلاعب بها من إسرائيل، أي ورقة حماية الأقليات التي لوّح بها نتنياهو والتعامل معها حقلاً للتجريب.
القدرات العسكرية السورية
بعد استشهاد تسعة من أبناء مدينة نوى وبعض القرى المحيطة في ريف درعا الغربي في أثناء تصدّيهم لمحاولة تقدّم قوات الاحتلال الإسرائيلي نحو منطقة سد جبيلة، باتت الأطراف المعنيّة فعلاً بالمسألة وبالصراع المحتمل ومتطلباته ونتائجه وتداعياته مهتمة بملامح وإشارات المقاومة المحتمل اندلاعها، وأول هذه الأطراف هي إسرائيل، حيث ذكرت منصاتها ومنابرها العسكرية والسياسية والإعلامية المقاومة وحدوثها فعلا، كونها استوعبت رسالة الواقع بحتمية نشوء المقاومة، وأن عليها الاستعداد لمحاربة شعب مقاوم، ولقد أكد هذه الرسالة بشكل بليغ توافد وحضور جمهور شعبي غفير وغاضب من مناطق مختلفة ويقدر بالآلاف، إن لم يكن بعشرات الآلاف، لتشييع الشهداء، وجرى إيصال الرسالة إلى إسرائيل وشرحها بشعارات وهتافات تلخّص نسغ ومادة الثورة والمقاومة.
وتعتمد المقاومة في حال اندلاعها أولا على العامل المعنوي، الذي تمثل في الزخم الشعبي الكبير خلال التشييع، كما تعتمد على قدرة أبناء سورية على خوض حرب استنزافٍ ضد إسرائيل تشبه إلى حد كبير أساليب القتال التي اتبعت في مواجهة قوات النظام وداعميه، وبالتالي سيسبب حنقا اجتماعيا داخل المجتمع الإسرائيلي، كما أن المواجهة السورية ضد إسرائيل تدعمها العقيدة السياسية لكل من الإدارة السورية الجديدة، برؤيتها إلى إسرائيل كياناً مصطنعاُ، وليست واحدةً من دول المنطقة. كما إن استمرار إسرائيل في عدوانها قد يدفع الإدارة السورية إلى دعم المقاومة الفلسطينية إلى جانب المقاومة السورية، وهو ما يشكل إرباكاً كبيراً لإسرائيل، خاصة أنها تميل إلى الاستقرار والبناء، ولا يمكن المسير في بناء الدولة، مع استمرار إسرائيل بزعزعة الاستقرار، وبالتالي تصبح الإدارة السورية أسيرة قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه.. إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
سيناريوهات محتملة
في ظل استمرار التدخلات الدولية على الساحة السورية، والنظر إليها على أنها ساحة مناسبة للمناكفة فيما بينها، وفي ظل استمرار الأطراف المحلية بمعارضتها لها، التي تذرعت إسرائيل بحمايتها أكثر من مرّة، يتوقع أحد السيناريوهين:
الاستمرار في التصعيد العسكري القائم على جسّ النبض، وتجنب المواجهة العسكرية التي تؤدي إلى سقوط الشهداء من السكان المدنيين، لأن ذلك يصعب عملية تقدمها، ويهيأ لتأسيس مقاومة منظمّة ضدها تقودها إلى الانزلاق في حرب استنزاف طويلة، بعد أن عاينت عن قرب الرفض الشعبي لها، والاستعداد للتضحية ومنع احتلالها للأراضي.
تمكن تركيا من الوصول إلى توقيع اتفاق دفاع مشترك مع القيادة السورية، يكون من شأنه وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية، وقطع شوط كبير في التعاون العسكري معها، ويبدو أن الإدارة السورية ماضية في هذه الشأن، سيما أن أنقرة عينت ملحقاً عسكرياً لها في دمشق، ويبقى أن ترتب كل من أنقرة ودمشق تنسيق الأمر مع الأطراف الأخرى في سورية بشكلٍ يضمن مصالحها، كروسيا الولايات المتحدة، التي تقود التحالف الدولي ضد “داعش”.
العربي الجديد
———————————-
الممانعة كذبة أسدية.. ولكن العدوان الصهيوني حقيقة واقعة/ حسن النيفي
2025.04.08
لعل من أهمّ موبقات الإرث الأسدي في سوريا أنه لا يمكن اختزاله بالخراب المادي الذي طال البلاد، ولا كذلك بعمليات القتل التي طالت مئات الآلاف من السوريين وشرّدت أضعافهم، بل ثمّة في هذا الإرث ما هو أشدّ وباءً وفتكاً في النفوس والعقول على حدّ سواء.
ونعني بذلك العديد من المفاهيم وطرائق التفكير والمقولات التي شكّلت – عبر عقود مضت – وعيَ أجيال متتالية من السوريين، وخاصة في ظل استفراد السلطة واحتكارها للسياسة وتحكّمها ومصادرتها لجميع وسائل الإعلام وأي نشاط آخر يُعنى بالشأن العام، وبسْط سطوتها وهيمنتها على جميع مفاصل الحياة الثقافية والاجتماعية، ما أدّى بالتالي إلى فرض ثقافة نمطية لا تنبثق من السياق الاجتماعي والحياتي لسائر الناس، وإنما من نزوع السلطة الهادف إلى توقير مقولاتها في أذهان المواطنين، باعتبار تلك المقولات او المفاهيم حقائق ترقى إلى درجة البدهيات.
لعل من أبرز تلك المقولات التي استمدّت السلطة الأسدية منها مبرّرات جميع أشكال سلوكها حيال الشعب السوري طيلة عقود من الزمن هي سردية (الممانعة والمقاومة) التي جعلت منها (ساطوراً) تُجهز به على رؤوس من تخوّل لهم أنفسهم الاحتجاج أو الانتقاد لأي سلوك سلطوي، وربما استطاع حافظ الأسد التأسيس لهذه السردية – سياسياً – عبر استراتيجيته القائمة على مفهوم (اللاسلم واللاحرب) منذ عام 1974 ، ثم أضحت منهجاً خارجاً عن سياق المواجهة مع إسرائيل، بل ذو صلة بطبيعة العلاقة بين الشعب والسلطة، أي تحوّلت سردية (الممانعة) إلى مفهوم عام يجب ان يحظى بقناعة وإيمان جميع السوريين، وفحواه أن التصدّي لإسرائيل وأطماعها يقتضي – حكماً – إذلال الشعب السوري والإمعان في التغوّل على حقوقه وانتهاك كرامته، وهكذا بات يُنظَر إلى أي استحقاق يطالب به المواطن سواء أكان استحقاقاً سياسياً أو حياتياً عاماً، باعتباره استحقاقاً نافلاً أمام الاستحقاق الأكبر المتمثّل بالمواجهة الكبرى مع الكيان الصهيوني.
بالطبع لم تكن مقولة (الممانعة والمقاومة) بعيدة الصلة عن جذرها الإيديولوجي المتمثل بالفكر القومي – في شطره التقليدي – الذي كان مهجوساً على الدوام بالشعارات والأهداف القومية الكبرى (الوحدة العربية – تحرير فلسطين)، غيرَ عابىءٍ – في الوقت ذاته – لأي شاغلٍ وطني ذي صلة بمسائل التنمية المجتمعية أو الحريات أو حقوق الإنسان، مع التأكيد على أن ارتباط الدولة الأسدية بالإيديولوجيا القومية لا يعدو كونه استثماراً وظيفياً كان يفضي على الدوام إلى نتائج شديدة التناقض بين ما تفعه من شعارات وبين سلوكها على الأرض . كما كانت النبرة المتصاعدة في رجْم النزعة (القطرية) تجسّد حافزاً إضافياً لاستبعاد أي حالة من البناء الوطني أو التأسيس لنمو مجتمعي قائم على العدالة وسلطة القانون والحفاظ على حقوق المواطنين بوصفهم المالك الحقيقي للدولة وليس بوصفهم قطيعاً بشرياً يجب تسخير جميع طاقاته لخدمة شعارات لا تعود بالنفع سوى على الحاكم ذاته.
مع زوال نظام الأسد، وتزامناً مع الساعات الأولى لهروب رأس النظام ( 8 – 12 – 2024 ) بدأ الكيان الصهيوني بعدوان عسكري واسع النطاق استهدف العديد من المواقع والمنشآت العسكرية في عدد من المدن والبلدات السورية، بذريعة أن تلك المواقع كانت تتموضع بها ميليشيات إيران المتمثلة بحزب الله ومشتقاته الطائفية في سوريا، ثم ما لبث هذا العدوان أن تحوّل إلى تغوّل برّي داخل العمق السوري، متجاوزاً الخطوط التي حددت معالمها اتفاقية فك الاشتباك بين إسرائيل ونظام الأسد عام 1974 ، وبات واضحاً أن زوال نظام الأسد أحدث فراغاً أمنياً أوجب على إسرائيل أن تعيد هندسة أمنية لكيانها ولكن وفقاً لاستراتيجية جديدة تتقوّم على أمرين:
يتجسّد الأول بتجريد الدولة السورية من جميع وسائل القوة الرادعة عسكرياً، عبر استهداف وتدمير جميع أنواع الصواريخ والأسلحة المتوسطة والثقيلة والقواعد العسكرية ومراكز البحوث العلمية والتصنيع الحربي. ويتجلى الثاني بتقسيم الجغرافيا السورية إلى كانتونات، من خلال مغازلة الكورد تارةً والدروز تارةً أخرى، في مسعى تحريضي الهدف منه استباق أي خطوة سورية نحو المصالحة الوطنية وتوطيد سلطة الدولة.
إلى ذلك، استمرّ العدوان الإسرائيلي بالتصاعد إلى أن بلغ حدّ الاستيلاء على بعض القرى والبلدات والاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم، بل و طرْدهم من قراهم ومنعهم من الاقتراب من حقولهم وأماكن عملهم، الأمر الذي أحدث ردّة فعل شديدة من جهة المواطنين الذين اضطر البعض منهم للدفاع عن أُسرهم وممتلكاتهم، ما دفع قوات الاحتلال للتنكيل بهم بارتكابها مجزرة أودت بأرواح تسعة مواطنين وإصابة العشرات من أبناء مدينة درعا.
لا شك أن ما تسعى إليه إسرائيل على المدى البعيد لا يمكن رسم ملامحه بدقة، من جهة عدم محدودية التوسع الصهيوني، وبالتالي لا يمكن الركون إلى أن ثمة نقطة سينتهي عندها الكيان الصهيوني الذي يعتقد أن سلامة وجوده قائمة – حكماً – على إبادة مستمرة للآخرين.
وحيال ذلك، فقد بات العدوان الإسرائيلي يجسّد تحدّياً كبيراً إلى جانب التحدّيات التي تواجهها القيادة السورية الجديدة في الوقت الراهن، ولعله من غير المُستغرب أن نجد ردّة فعل شعبية عارمة تعلن تضامنها مع أهالي درعا، سواءٌ من خلال المظاهرات التي عمّت المدن والبلدات السورية أو من خلال المواقف الرافضة والمندّدة بالعدوان، ولكن اللافت في الأمر أن ردّة الفعل الشعبية المتضامنة مع سكان الجنوب السوري والرافضة للعدوان الصهيوني، قد لاقت من جهة أخرى انتقادات عديدة من جهات سياسية وأفراد وجماعات، بحجة أن ردّة الفعل هذه هي استنساخ آخر لسردية (الممانعة) ذات المنتج الأسدي، ثم يجد أصحاب هذا الاحتجاج أن إشغال الرأي السوري العام بالعدوان الصهيوني جاء لتشتيت الرأي عمّا حدث في الساحل السوري من مجازر بحق مواطنين من الطائفة العلوية، فضلاً عن وجود استحقاقات أخرى تواجه السلطة الحاكمة ولا يجوز إغفالها أو التغاضي عنها تحت غطاء العدوان الإسرائيلي.
وهكذا يجد السوريون أنفسهم مرة أخرى في جدال لا يخلو من العقم أمام إحدى موروثات الوباء الأسدي (مقولة الممانعة) ليس بسبب جهلٍ بمضامينها أو تعدّدٍ في دلالاتها أو اختلاف في تأويلها، ولكن رغبةً من كل طرفٍ بتوظيفها وفقاً للوجهة التي تخدم رأيه وقناعاته، وربما ولاءاته أو انتماءاته، وفي هذا السياق يمكن التأكيد على أن من أكثر مظاهر الشناعة الأخلاقية هي تشويه الحقائق عبر اجتزاء او اختزال المشهد السوري الكبير والمتشعب في بقعة صغيرة لا ترى العين سواها، إذ إن مجازر الساحل السوري لا يمكن إنكارها أو تبريرها، فهي حقيقة واقعة وليست رواية تاريخية، تماماً كما أن وجود فلول النظام واستهدافهم لعدد غير قليل من الأرواح سواء أكانوا من الأمن العام أم مدنيين، حقيقة أيضاً وليست رواية كيدية أو مُلفّقة، والمطالبة بمحاسبة الجناة من الطرفين وإحقاق العدالة هو واجب ومسؤولية السلطة الحاكمة، وهذا ما ينبغي الدفع باتجاهه، ذلك أن انتصار العدالة يتجسّد بمحاسبة الجاني وإعادة اعتبار الضحايا وليس من خلال الترويج والتجييش لانتصار سردية مظلومية على أخرى. ولئن كانت الحكومة تواجه استحقاقات لا ينبغي إغفالها أو تجاوزها، فإن العدوان الإسرائيلي هو أيضاً أحد تلك الاستحقاقات التي تجب مواجهتها أيضاً، وأخيراً إذا كانت مقولة (الممانعة) هي عبارة عن (كذبة أسدية) فإن العدوان الصهيوني الراهن هو حقيقة واقعة.
تلفزيون سوريا
———————————-
سورية التي تخيف إسرائيل/ معن البياري
08 ابريل 2025
لا تزيّد في قول من يقول إن خوفها من سورية هو ما يجعلُ إسرائيل تواظب على الاعتداء شبه اليومي على كل ما تبقّى من مقدّراتٍ عسكريةٍ في الأراضي السورية، وعلى ترويع الشعب في التوغّلات البريّة في الجنوب. أمّا سورية التي تُخيف، والمؤشَّر إليها هنا، فلا حاجة إلى تنويهٍ بأنها ليست التي نرى، ليست الحُطام المستضعَف الذي أورثه نظام الأسد الساقط للحكم الراهن، وإنما سورية التي تعرف إسرائيل، كما الجميع، أن شعبَها يتطلّع إلى قيامتها، عندما تُصبح وطناً مُعافى لكل أبنائه، مسلّحاً بإرادتهم أحراراً، وقد اهتدوا إلى النظام السياسي الذي يريدون، والذي ينهضُ على العدل، وعلى الإجماع الوطني بأن قوّة سورية في قوّتهم، أصحاب قرارٍ يشاركون في صوْغه، عندما يتمثّلون في كل مؤسّسات السلطة والحكم والإدارة والتسيير، وعندما يتوطّن في كل سوريٍّ شعورُه، حقّاً، بأنه ينتسبُ إلى بلدٍ له، لا إلى عائلةٍ أو جماعةٍ أو طبقةٍ أو عصابة.
سورية هذه تُخيف إسرائيل، فمواطنوها يعتنقون عداء دولة القتل والاحتلال، وليس من واحدٍ فيهم على استعدادٍ للتفريط بشيءٍ من أرض الجولان المحتلة، ولا لمغادرة ارتباطِه العضوي والعروبي مع فلسطين قضيةً أولى للأمة. سورية الناهضة، وقد استردّها شعبُها من عائلة الاستبداد والفساد التي احتلّتها طويلاً، وزاولت أطناناً من الدجل في القومية والعروبة، هذه سورية التي تتحسّب منها إسرائيل، ولن تكفّ عن اقتراف كل ما قد يؤخّر وصول الشعب السوري إليها، أو يقطع طريقَه إليها، أو يُشعر هذا الشعب باستحالتِها. والذي صار أن أبناء هذا البلد الذي استحقّ وصفه بلد العروبة النابض هزموا ما كان الظنّ أنه من المستحيلات، عندما أنجزوا فجر 8 ديسمبر (2024) استقلالاً ثالثاً لبلدهم، بعد إعلانها دولةً مستقلّة في 1920، ثم مع جلاء الاحتلال الفرنسي عنها في 1946.
ليس من استعارات المجاز أن يُقال إن نهوض سورية دولةً منيعةً، مستقرّةً، حرّةً، من شروط نهوض الأمة العربية كلها. وليس خيالاً تجود به قريحة شاعرٍ أن يُؤكَّدَ أن العرب ينتظرون سورية التي يُحسَب لها مائة حساب، وهي التي يعدّها المعتدون الباغون في دولة الاحتلال، منذ سنواتٍ، ساحةً مستباحةً لسلاح الطيران الإسرائيلي. وإذا كان هذا المشتهى ليس منظوراً بعد، فلا يعني أنه ليس خياراً في مقدّمة أولويات السوريين، وهم يخوضون، في المقطع المعايَن من انعطافتهم الصعبة، في نقاشٍ عسيرٍ، يبحثون فيه عن كل ما يُسعف بلدهم ويأخُذُه من رثاثة ما هو عليه إلى الأفق الذي ما قامت الثورة إلا نشداناً له. وهذا مطمئنٌ، فتعطّل دواليبُ التاريخ في مفصلٍ ما لن يكون قدراً أبديّاً مسلّماً به.
وإذا رأى من يرى في كل هذا القول رغائبيّة ظاهرةً فله هذا، فأولُ عتبةٍ يوقَف عليها لإنجاز أيِّ مرغوبٍ فيه أن يكون مرغوباً فيه حقّاً. وما يجوس في خواطرنا بشأن سورية المنتظرة، غير البعيدة إن شاء الله، غزير، ليس العبور إليه هيّناً، لكن حماية البلد من الذئب الإسرائيلي لا يجوز أن تُغمَض العيون عنه هدفاً لا تؤخّره أولوياتٌ معلومة، تتعلق بعيش السوري وحقوقه في عدالةٍ اجتماعيةٍ وكرامةٍ في مسكنه ورزقه وتعليمه وطبابته. ولا يجوز أن يُعدّ هذا الهدف نافلاً، وأن يُحسَب الحديث فيه انصرافاً عن ضروراتٍ أشدّ إلحاحاً، فلسنا هنا أمام مفاضلاتٍ تُزاحم واحدةٌ أخرى. إنما الأمر أن إسرائيل لن تجعل السوري يطمئن إلى دعةٍ وأمنٍ وأمانٍ في بلده. ولهذا لا عظة ولا مدرسيّة في التذكير بما لا يحتاج أيّ تذكير، وموجزُه أن السوري الذي تقوى بلدُه به هو الرهان الأول في عملية المواجهة المحتومة مع دولة الاحتلال والعدوان. وبداهةً، بوجود قيادةٍ ذات مخيّلةٍ وقدراتٍ خاصةٍ في الابتكار والإبداع، في مسيرة بحثها عن معادلاتٍ توازي بين وجوب هذه المواجهة وتجنيب السوريين أعباءً ليس في مكنتهم احتمالها، سيما في غضون الثقيل الباهظ من الإكراهات الضاغطة عليهم.
هو قدر سورية الذي سيّجتها به مواريث التاريخ والجغرافيا جعلها في الموقع المتقدّم في معركة المصير مع العدو الإسرائيلي الذي يرتعش من سورية القوية المعافاة، ولهذا لا ينفكّ يضرب فيها بارتجاف الخائف، لا بثقة المطمئن إلى دوام ضعفِها الذي ستُغادره، قريباً إن شاء الله، حماها الله وحمى ناسها.
العربي الجديد
————————
إسرائيل تخشى من “بعث سوريا”/ عبد الله مكسور
2025.04.08
منذ الثامن من ديسمبر 2024، تشهد سماء سوريا غارات إسرائيلية لا تهدأ، وتوغّلاً برياً لا يعرف الخجل. عشرات الطائرات الإسرائيلية تعبر الأجواء، لا تعترضها رادارات ولا تُقلقها خطوط حمراء، دبابات وآليات تابعةٌ للاحتلال تعبر خطوط الهدنة، وكأن الأرض مفتوحةٌ على خيانة الجغرافيا، والسماء مؤجرة بموافقة غامضة.
لكن، هل حقاً هذه الضربات هي مجرد ردع تكتيكي تمارسه إسرائيل من خلال اقتناص لحظة سوريا الضعيفة الغارقة بأزماتها؟. أم أن سوريا كانت – وما تزال – جرحاً مفتوحاً في صدر المشروع الصهيوني، وميداناً رمزياً في خريطة الهوس الإسرائيلي بالسيطرة وإعادة تشكيل الشرق؟
سوريا المفيدة لإسرائيل
“لا نريد سوريا ضعيفة فقط، نريدها ميتة بفعل الزمن”
هذه العبارة قد لا نجدها حرفياً في مذكرات غولدا مائير أو كتابات زئيف جابوتنسكي، لكنها تُستنبط من مواقفهما. رئيسة وزاراء إسرائيل السابقة قالت إنَّ الحدود الإسرائيلية لا تُرسم بالحبر، بل بالنار. أما جابوتنسكي، فقد كان أكثر فجاجة حين قال صراحة في مقالته الشهيرة “الجدار الحديدي” عام 1923م بأن العرب لن يقبلوا المشروع الصهيوني، لقد استخدم عبارة: “لا نريدهم أن يقبلوا، بل أن يُجبروا على قبوله تحت وطأة القوة.”
يمكن طرح السؤال بشكل مباشر: لماذا سوريا تحديداً؟ ولماذا الآن؟ سوريا بالنسبة لإسرائيل ليست جاراً، بل حجراً في رقعة الشطرنج الصهيونية، هذا ما على السوريين والسوريات إدراكه بشكل واضح ولا لبس فيه. فتاريخياً، لم تكن سوريا بالنسبة للمشروع الصهيوني مجرد دولة مجاورة، كياناً عابراً يمكن التعايش معه، بل كانت مركزاً معنوياً واستراتيجياً في تصورات الصهيونية منذ ما قبل إعلان دولة إسرائيل. هذا يظهر بشكل جلي في الخطاب الصهيوني المبكر، فقد كانت سوريا تُصوّر بوصفها جزءاً من “إسرائيل الكبرى”، وهي فكرة لم تُمحَ تماماً من الخيال السياسي لأوساط اليمين واليسار الإسرائيليان.
الوثائق الصهيونية
الوثائق الصهيونية في مطلع القرن العشرين، خصوصاً مراسلات حاييم وايزمن مع البريطانيين، تكشف أن سوريا بجغرافيتها الحالية كانت هدفاً بعيداً واستراتيجياً بذات الوقت، حدث هذا في لحظة مفصلية كانت فيها الخرائط تُرسم على طاولات لندن وباريس بالحبر. الوثائق تكشف أيضاً عن رغبة من الطرف العربي حينها في التعاون مع المشروع اليهودي في فلسطين شريطة قيام دولة عربية واسعة تشمل سوريا والعراق والحجاز، هذه الملاحظة كُتِبت باللغة العربية تحت بنود الاتفاق المشار إليه.
بناء على ما سبق يمكن القول إن الصهيونية المبكرة رأت في سوريا مركز الثقل في الشام، ومفتاح التوازن في الهلال الخصيب. فمن يملك دمشق، يملك مفاتيح النفوذ على تخوم فلسطين ولبنان وأبواب العراق. ومن يُخضع دمشق، يُخضع القاهرة عن بُعد، ويراقب أنقرة من علٍ.
وإن تأخّر هذا المشروع عن الظهور أو التحقق إنما يعود لأسباب كثيرة. مع حضوره بشكل دائم ففي مذكرات موشيه ديان يقول: “من مرتفعات الجولان نسمع صوت دمشق تخفق كقلب”
لم تكن حرب 1967 فقط لحماية “حدود إسرائيل” وفق السردية الإسرائيلية، بل كانت ـ كما دوّن موشيه ديان ـ خطوة استراتيجية لفرض معادلة ردع تُقصي دمشق من معادلة التأثير الإقليمي. وأستحضر هنا ما كتب ديان في مذكراته: “سوريا خطرٌ لأنها لم تتوقف عن الحلم. كانت تدعم الفدائيين، وتبث الدعاية، وتُبقي بندقيتها مشتعلة في الليل. كان لا بد من كسر عنقها من الهضاب.”
واستمر الكسر. فبعد سيطرة إسرائيل على الجولان، تحولت المنطقة إلى قاعدة للمراقبة والتجسس على كامل الجغرافيا السورية. ومنذ عام 2011، ومع اندلاع الثورة السورية، أدركت إسرائيل أن اللحظة التي انتظرتها الصهيونية منذ عقود قد حانت. فالفوضى السورية ليست تهديداً في عين إسرائيل، بل فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الواقع السوري والإقليمي ربما، وفق ما يناسب أمن تل أبيب ونفوذها وهيمنتها.
وفي هذا السياق يمكن اعتبار الضربات الإسرائيلية ليست ردعاً عسكرياً فقط بل هندسة استراتيجية، فمنذ ديسمبر 2024 وحتى اليوم، تجاوزت الغارات الإسرائيلية على سوريا الطابع التقليدي. كسرت كل قواعد الاشتباك التي عُمِل بها لزمن طويل، ووفقاً لتقارير استخبارية منشورة في الصحافة الإسرائيلية فإن الضربات لم تقتصر على شحنات سلاح إيرانية، بل شملت أيضاً مراكز تكنولوجية ومقار قيادية سورية قد تُمكّن البلاد من استعادة قدراتها العسكرية. يمكن الإشارة هنا إلى الإنزال المظلي البري في نواحي مصياف بحماة في الثامن من سبتمبر لعام 2024م أي قبل سقوط نظام الأسد بثلاثة أشهر للدلالة على اتجاه إسرائيل لتغيير قواعد الاشتباك مع السوريين.
بعث سوريا
إذاً لم تعد إسرائيل تخشى من الدولة السورية كما كانت عقب النكبة الفلسطينية وحتى السبعينات، لكنها تخشى من فكرة “بعث سوريا” بعد أن تحرر السوريون من عباءة البعث. أي أن تقوم هناك دولة مستقرة، مستقلة، قوية، متماسكة، ذات جيش وطني، وعقيدة واضحة. تلك الفكرة بحد ذاتها تُخيف وترعب المشروع الصهيوني، لأن سوريا تاريخياً، وعلى الرغم من كل تعثراتها، والإجرام الذي مارسه نظامها، ظلت ترفض التطبيع، وتُبقي على المقاومة متقدة، ولو رمزياً. يمكن في هذا المقام الإطلالة على مذكرات نائب الرئيس السوري ووزير الخارجية السابق فاروق الشرع “الرواية المفقودة” الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيث يُبرِز الكتاب تعقيدات مسار عملية السلام بين سوريا وإسرائيل، ويوضِّح أن المفاوضات لم تكن مجرد لقاءات دبلوماسية، بل كانت ساحة لصراع الإرادات والمصالح. وهذه المذكرات تظلُّ شهادة حية على مرحلة مهمة من تاريخ سوريا والشرق الأوسط، وتوفر فهماً أعمق للمواقف السورية والإسرائيلية تجاه السلام والحرب وفكرة الاشتباك.
المعادلة الصعبة
كيف تريد إسرائيل أن تكون سوريا؟ بوضوح ومباشرة إسرائيل لا تريد سوريا صديقة، ولا عدوة. تريدها شبحاً لدولة، أرضاً بلا سيادة، سلطةً مشلولة، ومجتمعاً متخلفاً منقسماً على ذاته. سوريا قوية تُخيفها، وسوريا متماسكة تُهدد مشروعها التوسعي القائم على الاستيلاء والسطو، وسوريا ذات سيادة تُقلِق الركن الأمني فيها، وسوريا قومية تُعيد تذكيرها بخطابات تشحن الجماهير. وسوريا دينية تستحضر كلّ موروث المواجهة الحتمية.
إسرائيل تريد سوريا مفتتة إلى كيانات بانتماءات ضيِّقة، كي تُصبح إسرائيل “بشكل شرعي” من هوية المنطقة والجغرافيا، متماهيةً مع كلِّ زاويةٍ فيها.
ولهذا فإن الاستراتيجية الإسرائيلية الآن هي هندسة “اللامركزية السورية” وإدارة الهشاشة السورية، أي دعم القوى التي تُبقي على الانقسام، وفي سبيل هذا تضرب نواة الجيش الجديد، وتُجهض أي مشروع نهضوي على كامل التراب السوري. تلوِّح بحماية مكوِّنٍ سوري وتحاول أن تُظهِرَ بخبثٍ تماهيه معها، لذلك يمكن وضع الاعتداءات الإسرائيلية ليس فقط في خانة الغارات الجوية والتوغل البري المجرَّد، بل في سياق إعادة تشكيل لملامح الشرق بالكامل.
هذا التشكيل بدأ منذ وقت مبكر في الذهنية الصهيونية. ففي عام 1949م، وُقّعت اتفاقية الهدنة بين سوريا وإسرائيل في رودوس، والتي حددت خطوط وقف إطلاق النار بين الجانبين. لاحقاً، في 31 مايو 1974م، تم التوصل إلى اتفاقية فض الاشتباك، التي نصت على فصل القوات المتحاربة بوساطة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مع التأكيد على أن هذا الاتفاق الذي أتى عقب حرب تشرين أكتوبر ليس اتفاق سلام، بل خطوة نحو سلام عادل دائم كما تم توصيفه. لاحقاً ومع سقوط نظام الأسد أعلنت إسرائيل انهيار هذه الاتفاقية، وشرعت بشكل مكشوف بتنفيذ استراتيجيتها تجاه سوريا، والتي تمحورت حول إنهاء القدرات العسكرية للدولة الجديدة، ومنعها من تشكيل تهديد مستقبلي. وتجلّى هذا سلوكاً في الغارات الجوية المتكررة التي استهدفت مواقع عسكرية سورية، لم تتدمر في سنوات الثورة، بهدف منع إعادة تأهيلها، أو تعزيز أي نفوذ آخر في المنطقة بما في ذلك النفوذ التركي.
تطرح إسرائيل هنا فلسفة المناطق العازلة بوصفها جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية، حيث سعت إسرائيل إلى إنشاء منطقة عازلة جنوبي سوريا، ليس فقط لإبعاد القوات السورية، بل أيضاً لتوطيد نفوذها في المنطقة ومنع حضور أي نفوذ آخر. يمكن هنا الإشارة لما نشرته يديعوت أحرونوت في مطلع شهر نيسان أبريل الجاري، عمّا وصفته قلق العقل الأمني في إسرائيل من محاولة أنقرة ملء الفراغ الناتج عن سقوط نظام الأسد، وتقديم نفسها قوة بديلة في سوريا.
هل من أفق للمواجهة؟
الإدارة السورية اليوم تقف بين أنقاض الدولة، وتحت مرمى صواريخ إسرائيلية بدعم أميركي، أسلحة دقيقة لا تُخطئ. تحمِّل الماضي نتائج كل الأخطاء والتراخي، لكنّ هامش الفعل السوري لا يزال موجوداً، ولو ببطء. ليس عن طريق تحالفات هشة مؤقتة تحكمها مصالح ضيقة بالطبع، لأن التاريخ علّمنا أن الشعوب لا تموت، وأن الخرائط التي تُرسم بالنار قد تُمحى بالماء، والحل يكمن في أن تمتلك سوريا مشروعاً جامعاً، لا طائفياً، ولا انتقامياً. والخطوة الأولى تبدأ بإعادة بناء مشروع وطني، لا يعتمد على محور بعينه، بل ينفتح على الإقليم ككل، ويعيد الاعتبار إلى الدولة ككيان جامع. سوريا لا تحتاج إلى حلفاء بالمعنى التقليدي الكلاسيكي، بل إلى مساحة فعل مستقلة، تستثمر في الذاكرة وفي الحاضر معاً، وترفض أن تُعامل كـ”جبهة منسية”.
إسرائيل بوصفها كياناً عنصرياً استعمارياً استيطانياً توسعياً عدوانياً، لم تكن هامشاً في الوعي السوري، وسوريا لم تكن أبداً هامشاً في الوعي الصهيوني. لقد كانت دوماً عقدة، ومركز ثقل، وميدان صراع على الرموز والمعاني. واليوم، في لحظة السقوط المؤقت، تعود إسرائيل لتقول لسوريا: “لقد كسرنا سيفك” و”أعدنا معادلة الردع”، لكن ذاكرة التاريخ تقول عكس ذلك. وذاكرة الأرض لا تخون، فمن يعرف السوريين والسوريات، يدرك أنهم حين ينهضون، ينهضون كالعاصفة. والعاصفة، كما يعرف جابوتنسكي، لا تُردّ بالجدار الحديدي، بل تُسقطه!.
ينهضون وفي الذاكرة صورة جدهم – ابن الساحل السوري- عز الدين القسام الذي أدرك مبكِّراً جداً خطر المشروع الصهيوني، فقاد ثورة في فلسطين، واستشهد بأحراش يَعبَد في قضاء جنين.
ينهضون وقد أسقطوا عائلة الأسد، ولا يتذكرون جابوتنسكي وجداره الحديدي، بل يحضر في أذهانهم إبراهيم طوقان -الذي توفي بالقدس بعد استشهاد القسام بست سنوات- صارخاً: هو بالباب واقف/ والردى منه خائفُ/ فاهدئي يا عواصفُ/ خجلاً من جراءته/ صامتٌ لو تكلَّما/ لفظ النار والدما/ قل لمن عابَ صمتَهُ/ خُلِقَ الحزم أبكما.
تلفزيون سوريا
——————————
======================
تحديث 07 نيسان 2025
——————————-
“حماية الاقليات”…استراتيجية إسرائيلية خطرة في سوريا/ مايكل هوروفيتز
استراتيجية اسرائيل قد تتجاوز مجرد التحوط الأمني
آخر تحديث 06 أبريل 2025
للمرة الأولى منذ عقود، سُمح للدروز السوريين بدخول إسرائيل، فشقت الحافلات طريقها إلى ضريح الشيخ أمين طريف، الزعيم الروحي للطائفة بين عامي 1928 و1993. وكان في استقبالهم أفراد من الطائفة الدرزية في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل. وأحيطت الزيارة بحماسة ظاهرة، بينما كانت الرايات الدرزية ترفرف على جانبي الطريق، وقد التقت من جديد جماعتان من طائفة واحدة، فرقت بينهما الحدود والعداوة المقيمة بين البلدين. ولكن في حين أن هذه اللحظة تفتح أمام الطائفة فرصا جديدة، فإنها تحمل في طياتها أيضا مخاطر جمّة للطائفة التي تنتشر في ثلاث دول: إسرائيل، وسوريا، ولبنان. وقد اعترف رئيس الوفد الدرزي الزائر في كلمته بذلك، حين وصف هذه اللحظة بأنها “حساسة”.
كان ذلك أحدث دليل على الجهود الإسرائيلية الملحوظة للتأثير على الدروز السوريين. فمنذ سقوط نظام بشار الأسد، تحاول إسرائيل تنصيب نفسها كمدافع عن الأقليات، سواء كانوا دروزا أو كردا، أو حتى علويين ومسيحيين. ويقع الدروز السوريون في قلب هذه الجهود لأنهم الأقرب إلى إسرائيل جغرافياً من جهة، ولأن بإمكان إسرائيل أن تدعي أنها تقدم الحماية دفاعا عن الطائفة الدرزية في البلاد. وكجزء من هذه الجهود، وزعت إسرائيل مساعدات على المجتمعات الدرزية في جنوب سوريا وتعهدت بمنح الدروز السوريين الحق في العمل في إسرائيل. والأهم من ذلك، تعهد المسؤولون الإسرائيليون بالدفاع عن الدروز: مع اندلاع الاشتباكات بين السكان في مدينة جرمانا التي يقطنها الدروز جنوب دمشق والمقاتلين التابعين للحكومة السورية الجديدة، وأرسلت إسرائيل تحذيرات بأنها لن تسمح للقوات التابعة للحكومة الجديدة بدخول المدينة.
وبالفعل، أمر وزير الدفاع يسرائيل كاتس جيشه بـ”بالاستعداد للدفاع” عن المدينة، مؤكدا أن حكومته “لن تسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإلحاق الأذى بالدروز. وإذا ما فعل، فسوف نضربه نحن”. بل إن الطائرات الإسرائيلية حلقت فوق الكثير من المناطق ذات الأغلبية الدرزية، في استعراض للقوة، على الرغم من أن القوات الحكومية السورية دخلت في نهاية المطاف إلى جرمانا دون عنف أو أي إشارة إلى تدخل إسرائيلي.
دروز سوريا والنظام الجديد
واقع الحال أن دروز سوريا يجدون أنفسهم بين خطرين. فمن جهة، يتحدث بعضهم عن مخاوف من السلطة الجديدة في دمشق بقيادة الرئيس أحمد الشرع. وتتذكر الطائفة الدرزية أن “جبهة النصرة” التي كان يقودها أحمد الشرع نفسه، نفذت بالفعل هجمات ضد الطائفة الدرزية. ولا تنسى أن إحدى أسوأ الهجمات التي تعرضت لها كانت على يد تنظيم “داعش” الذي نفذ مجزرة في مدينة السويداء واحتجز العشرات كرهائن. ولا يخفف من قلقهم حقيقة أن الشرع و”داعش” خصمان لدودان، وأنهما تقاتلا لسنوات. وقد سعى الشرع إلى طمأنة الطائفة الدرزية، إلا أن دروز سوريا لا يزالون يشعرون بالقلق من تهميشهم أو تعرضهم للعنف على الرغم من تعهدات السلطات السورية الجديدة بحماية الأقليات.
وساعدت أعمال العنف التي وقعت خلال الأسابيع الماضية في شمال غربي سوريا هذه المخاوف. وكانت اشتباكات قد اندلعت على يد خلايا موالية للأسد هاجمت القوات الحكومية. وعلى الرغم من تطمينات دمشق، فقد استهدف المتمردون السوريون السابقون الطائفة العلوية في أعمال عنف أدانها الشرع نفسه في وقت لاحق. وقد سعت الخلايا الموالية للأسد على الأرجح إلى إثارة رد فعل طائفي عنيف، لكن بعض الجهات الفاعلة داخل الثوار وجدتها فرصة للتدخل والرد على ذلك، مما يدل على أن الحكومة المركزية الجديدة لا تسيطر على جميع الثوار السابقين.
في هذا السياق، قد توفر تعهدات إسرائيل بـ”حماية الدروز” بعض الطمأنينة لدروز سوريا، إلا أنها تنطوي أيضا على مخاطر كبيرة. فمن خلال تقديم نفسها كحامية للدروز، وضعت إسرائيل المجتمع الدرزي عن غير قصد في دائرة الاستهداف، إذ أثارت شكوكا بأن بعض أفراد هذا المجتمع قد يفضلون الانحياز إلى إسرائيل على حساب الولاء لسوريا.
وقد دفعت سنوات الحرب الأهلية وانهيار السلطة المركزية بالدروز إلى الاعتماد على أنفسهم، ما أدى فعليا إلى نشوء منطقة شبه مستقلة بحكم الأمر الواقع. وعلى الرغم من أن هذا المجتمع لم يُظهر أي رغبة في الاستقلال، فإن هذا الشكل من الحكم الذاتي أثار مخاوف من احتمال سعيهم إلى إقامة كيان منفصل. وقد دحض زعماء الدروز باستمرار مثل هذه المزاعم، مؤكدين رفضهم القاطع لأي محاولات لتقسيم سوريا، وتمسكهم بوحدتها. وعلى امتداد المنطقة– سواء في إسرائيل، أو لبنان، أو سوريا– ظل الدروز مواطنين مخلصين في أوطانهم. حتى الشيخ طريف، الزعيم الروحي البارز لدروز إسرائيل، شدد على دعمه لوحدة سوريا عند استقباله وفد الدروز السوريين الزائر.
يتصاعد الغضب الشعبي في محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سوريا، بسبب استمرار الوجود الإسرائيلي في القرى القريبة من الحدود. فقد شهدت المنطقة مظاهرات احتجاجية، في مؤشر واضح على تبدّل المزاج العام. ومما لا شك فيه أن إسرائيل فقدت جزءا ملموسا من التعاطف الذي كانت قد راكمته خلال سنوات الحرب، عبر ما عُرف بعملية “الجار الطيب”، والتي نقلت بموجبها جرحى سوريين لتلقي العلاج في مستشفياتها.
وبادعائها حماية الطائفة الدرزية، ربطت إسرائيل الطائفة الدرزية بما يعتبره الكثيرون في سوريا مسعى إسرائيليا مستمرا لضم أجزاء جديدة من البلاد. وفي الأسابيع التي أعقبت سقوط الأسد، توغلت إسرائيل في جنوب سوريا وسيطرت على معظم المنطقة العازلة بين البلدين وتوغلت بضعة كيلومترات خارجها. وتقوم إسرائيل بشكل واضح ببناء خطوط دفاعية جديدة لا تبدو مؤقتة على الإطلاق، وقد أكد المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم شكوك السوريين عندما قالوا إن إسرائيل ستبقى إلى أجل غير مسمى في المناطق التي استولت عليها داخل سوريا.
هدف إسرائيل
لا تبين إسرائيل نواياها بوضوح، ويمكن أن يُفسّر بعض من تحركاتها الرامية إلى تحييد التهديدات المحتملة من خلال الذهنية الأمنية المفرطة التي سادت بعد مجزرة 7 أكتوبر/تشرين الأول التي نفذتها حركة “حماس”. فقد أنشأ “حزب الله” منذ فترة طويلة بنية عسكرية على الحدود، أبرزها شبكة خلايا من النخبة تُعرف باسم “ملف الجولان”، وهو ما يشكّل تهديدا حقيقيا، فقد يستغل “الحزب” حالة الفوضى القائمة لتنفيذ هجمات. كما أن المخاوف من وجود عناصر متطرفة ضمن صفوف قوات الرئيس أحمد الشرع تُعطي إسرائيل ذريعة إضافية لتبرير ما تصفه السلطات الإسرائيلية بأنه نهج أمني وقائي.
غير أن استمرار إسرائيل في شن غارات جوية داخل العمق السوري، ورفضها القاطع التعامل مع النظام السوري الجديد– حتى عبر قنوات غير رسمية– وسعيها إلى استقطاب الأقليات السورية، كل ذلك يشير إلى أن استراتيجيتها قد تتجاوز مجرد التحوط الأمني.
وبالفعل، ثمة بين المحللين الإسرائيليين من يرى أن إسرائيل تخشى أن يتحول النظام السوري الجديد إلى تابع فعلي لتركيا، استنادا إلى العلاقات التاريخية التي تربط الشرع بأنقرة. وقد جاءت الضربة الجوية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت قاعدة جوية في ريف حمص، وسط مزاعم تفيد بأن تركيا قد تنشر قريبا منظومات دفاع جوي في القاعدة ذاتها. ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن هذه الضربة حملت “رسالة” مباشرة إلى أنقرة، فيما يبدو كمحاولة أولية لكبح التوغل التركي في سوريا، على غرار ما فعلته إسرائيل في مواجهتها للنفوذ الإيراني.
إلا أن هذا التصور القائل إن سوريا ستتحول حتما إلى “تابع” لتركيا، يبدو تبسيطا مفرطا للواقع المعقّد. فهو يتجاهل التوترات التي كانت قائمة بين الطرفين قبل سقوط الأسد، فضلا عن مساعي الشرع الأخيرة لبناء علاقات أوثق مع الدول العربية بهدف موازنة النفوذ التركي.
ومن المفارقات أن تبنّي إسرائيل نهجا عدائيا تجاه دمشق قد يفضي إلى نتيجة معاكسة لما تسعى إليه، إذ قد يدفع بالشرع إلى الارتماء أكثر في أحضان تركيا، بدافع الحاجة، خاصة في ظل سعيه لإعادة بناء القدرات العسكرية السورية. وبدلا من تقويض النفوذ التركي في سوريا، قد تؤدي سياسات إسرائيل إلى زيادة اعتماد القيادة الجديدة في دمشق على أنقرة.
وقد يكون هدف إسرائيل تأمين نفوذ على الحكومة السورية الجديدة، فمن خلال تصوير نفسها كـ”حامية للأقليات”، يبدو أنها تهدف إلى ضمان قدرتها على التأثير في مستقبل سوريا. وفي بداية الحرب الأهلية السورية، اختارت إسرائيل إلى حد كبير التزام الحياد، وترك الصراع يتطور دون تدخل، رغم الدعوات حينها إلى التدخل، لا سيما عبر تحييد سلاح الجو التابع للأسد الذي اتُّهم بارتكاب جرائم حرب واسعة النطاق. إلا أن هذا الموقف سرعان ما أصبح غير قابل للاستمرار، إذ أدركت إسرائيل أن القرب الجغرافي لا يمكن تجاهله، وأن الفراغ في السلطة لا يمكن أن يدوم طويلا. وقد سارعت إيران و”حزب الله” إلى استغلال الفوضى، فتدخلا لدعم الأسد، وأقاما ممرا بريا يمتد من إيران إلى لبنان. ونتيجة لذلك، اضطرت إسرائيل إلى “اللعب في الوقت الضائع”، فشنت مئات الغارات الجوية داخل سوريا، وانتهجت سياسة رد الفعل وفق مبدأ “الضربات المتنقلة”. كما أطلقت برنامج “الجيرة الحسنة”، الذي هدف إلى بناء علاقات مع فصائل المعارضة في الجولان السورية، في محاولة لردع أي هجمات محتملة على أراضيها.
وربما توصلت إسرائيل، ومن خلال هذه التجربة، إلى قناعة بأن عدم الانخراط لم يعد خيارا ممكنا، وكأنها تراهن اليوم على دعم الأقليات لإضعاف سلطة دمشق المركزية، وإقصاء سوريا كتهديد مستقبلي. ويفسر هذا التوجه أيضا توسيع إسرائيل لما تصفه بـ”الضمانة الأمنية” لتشمل الأقلية الكردية. فقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد، تتمتع بموقع فريد يمكّنها من إقامة منطقة حكم ذاتي خاصة بها، ولا سيما أن الأراضي التي تسيطر عليها في شمال شرقي سوريا تعمل بالفعل ككيان شبه مستقل. وقد تطمح “قسد” إلى إقامة “إقليم كردي سوري”، مشابه للإقليم الكردي المستقل في العراق. وتُعد “قسد” بالنسبة إلى إسرائيل ذات أهمية مزدوجة: فهي شريك محتمل في إضعاف دمشق، كما أنها ثِقل موازن للنفوذ التركي في المنطقة.
منطلقات خيارات إسرائيل ومزالقها
يفترض أن تستخلص إسرائيل العِبر من الحرب الأهلية السورية، إلا أنها تتبنى، كما يبدو، الدروس الخاطئة، بما يكشف عن فهم محدود لواقع سوريا. فبعد أكثر من عقد من النزاع الدامي، لم يعد لدى السوريين رغبة في تجدد العنف. ورغم أن الأقليات قلقة بشأن موقعها في سوريا المستقبل، وهي محقة في ذلك، فإنها لا تبدي أي نية لتأسيس كيانات مستقلة. وهي تدرك تماما أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستؤدي، على الأرجح، إلى إشعال فتيل نزاع جديد. فعلى سبيل المثال، تدرك “قسد” أن السعي نحو الاستقلال قد يستجلب تدخلا عسكريا مباشرا من تركيا– وهو ما يؤكد ما قلناه من أن استراتيجية إسرائيل قد تعود بنتائج عكسية، إذ من شأنها أن تعزز النفوذ التركي في سوريا بدلا من الحد منه.
وفي هذا السياق، تُطرح تساؤلات جدية حول مصداقية ما تصفه إسرائيل بـ”الضمانات الأمنية”. فعلى الرغم من تقديمها نفسها كحامية للأقليات، يبقى السؤال: هل هي مستعدة فعلا لتجاوز حدود الخطاب، والانخراط في صراع عسكري للدفاع عن الدروز أو الأكراد أو العلويين أو المسيحيين؟
حتى الآن، تفتقر تعهدات إسرائيل إلى أي خطوات عملية ذات دلالة. وحتى الآن، لم تُترجم هذه “الضمانات” إلى أفعال ملموسة. فإسرائيل ركزت في تحركاتها على استهداف قواعد عسكرية، دون أن تتخذ أي خطوات حقيقية لحماية الأقليات. وعلى الرغم من وجود تعاطف شعبي داخل إسرائيل مع معاناة تلك الفئات، فإن المؤشرات على استعداد الإسرائيليين لتقديم تضحيات فعلية– خاصة بعد أكثر من عام من خوض حروب متعددة الجبهات– لا تزال شبه معدومة. لذا، فإن أي أقلية تعوّل على إسرائيل لضمان بقائها على المدى البعيد، قد تواجه خيبة أمل محتمة.
لقد دفعت عقلية ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحكومة الإسرائيلية إلى تبني استراتيجية أمنية ضيقة الأفق، همّشت فيها أدوات الدبلوماسية، وأغلقت الباب أمام مقاربات أكثر شمولا كان من الممكن أن تتضمّن انفتاحا حذرا على النظام السوري، أو تنسيقا مع دول عربية أخرى للحؤول دون وقوع دمشق في دائرة النفوذ التركي.
ومن المؤكد أن النهج الدبلوماسي الأوسع قد ينطوي بدوره على خيبات، إلا أن التركيز الأحادي على المقاربة الأمنية يجعل من تلك الخيبات مسألة حتمية، بل وأكثر كلفة على المدى البعيد.
المجلة
—————————-
عن حوران في سابقة سورية جديدة/ سميرة المسالمة
الإثنين 2025/04/07
لا أعرف إذا كنت اليوم ألامس من جديد مشاعر التصنيف المناطقي لي، وخصوصاً عند الحديث عن درعا، فعذراً من المنتقدين، إلا أن ما يدفعني من جديد للخوض في الكتابة عنها هو العبرة من المقاومة البطولية لأهلها، دفاعاً عن أرضهم ومنازلهم، ورداً على الانتهاكات المتكررة للجيش الإسرائيلي للمناطق السورية، تلك التي تسجل لهم كسابقة سورية تاريخية جديدة، بعد الأولى في تمردهم وثورتهم ضد نظام الأسد، وهذا ليس مديحاً في غير محله، أو طلباً من السوريين أن يحذو حذوهم، بل هو توصيف لواقعة، لم يجرؤ نظام الأسد يوماً على السماح بها، أو ترك الخيار فيها للشعب، ما يعني حقيقة أن السوريين باتوا يدركون تحررهم كشعب، من جهة، ومن أن رد العدوان مسؤولية كل فرد منا بما أمكن، وهي ما لم تكن تعبر عن قوة عسكرية قادرة على مواجهة الانفلات الإسرائيلي، فهي على الأقل تعبر عن تمسك الناس بانتماءاتهم إلى وطنهم، ورفضهم الهيمنة الإسرائيلية عليه.
نقر جمعياً بالتفوق الحربي الإسرائيلي، لكن هذا التفوق لن يقودها إلى السلام الذي يتطلع إليه شعبها، وهذا حقهم أن يعيشوا وسط بيئة دولية آمنة، والسلام الذي صار مطلباً لكثير من سوريين وعرب وكأنه وجبة “ديلفري” جاهزة، الحصول عليه أيضاً، يتطلب إحلاله في نفوس الشعوب المجاورة لا اقتلاعه منهم، وتشريدهم والاعتداء على ممتلكاتهم، فهو ليس اتفاقات حكومية تنهي مفاعيل الحرب المستعرة، هو تعايش شعبي، علاقات ندية في الإنسانية وحقوق الحياة، وحق الدفاع عنها، ربما تكون هذه هي الرسالة الثمينة من دم شهداء حوران، الذي سال على أرضها دفاعاً عن تلك الحقوق، فليست الأسلحة هي عامل استقواء من حملها ضد أعتى وأحدث أسلحة الدمار، لقد كان الحق، وهو حق، إن فهمنا، وفهمت معه الشعوب العربية رسالته، كما أنه يغلق من جديد تلك الأبواب التي فتحتها فكرة أن إسرائيل هي صاحبة القرار الفصل في المنطقة وعلى الجميع الخنوع لمطالبها والتعامل مع توسعها الاستعماري كأنه شأن داخلي لها.
التضامن الشعبي الذي حظيت به درعا “حوران” يعيدنا إلى الأيام الأولى للثورة، التي انتصرت بعد 14 عاما من تضحياتها، ربما لم تحقق كل أهدافها، لكنها بدأت من أهمها، وهو اسقاط التنظيم الأسدي الذي أنشأه وعمق هيمنته الأسدين (الأب والأبن)، ما يفترض أن تكون هذه المظاهرات والوقفات الاحتجاجية محفزة لاستعادة التضامن على كل المستويات الداخلية، من مواجهة الفوضى المفتعلة إلى توطيد الأمن والسلم الأهلي، فالمواجهة مع إسرائيل صحيح لا ينفع معها البندقية أمام تكنولوجيا السلاح الأكثر تطوراُ وخبرة في القتل والتدمير، لكن توحيد الرأي تجاه القضايا المصيرية كالسلام والحرب والحريات والدستور والعدالة الانتقالية، هو ضمانة القوة الخارجية النابعة من الشعب.
فالانقسام الحاصل مؤخراً، حول فكرة السلام مع اسرائيل، من قبل مجموعات شعبية، ولأسباب مختلفة، منهم من يرى الدمار المرعب الذي خلفته حربها على غزة قابل للتكرار ويريد تجنبه، ومنهم، من يسلم بأن بقاءها حليفة الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى تبعية القرار الغربي لها، يجعل الحرب محسومة لصالحها، فلا يدخلها خاسراً ومهزوماً، يعني بالمختصر التسليم بقدرة إسرائيل على “التشبيح” وفرض هيمنتها على المنطقة بشريعة الغاب والبلطجة، أي ما يمكن اعتباره كأننا نطلق النار على أنفسنا، لكن هذا المنطق الاستسلامي كأنه يحرض العدوان على الاستفراد بسوريا منطقة تلو الأخرى.
وهذا التصدي لها في درعا، ومساندته شعبياً، على بساطته، بنى لها أول الحواجز في طريق استمرارها في خدعة شعبها الإسرائيلي تحت شعارها: أن توسيع عدوانها على سوريا، وقبلها لبنان بعد غزة، يمكنه أن يوفر السلام المطلوب. وهنا لا يفترض أنني أناصر أو مع نشوب حرب بين السوريين والجيش الإسرائيلي، لكن أعول على أن جمع كلمة السوريين على موقف واحد من إسرائيل بات اليوم من ضمن القضايا المحلية، كما هو الحال في الجهة المقابلة، وهذا ليس قضية سياسية- خارجية تتعلق بموقف السلطة القائمة، أياً كان توجهها، بل يدخل في صميم عملية صيانة أمننا الداخلي قبل حمايته من العدو الخارجي.
ولا يقتضي هذا انتفاء أهمية التفكير الجدي والسعي لإحلال سلام حقيقي معها، على المستويين الحكومي والشعبي، على ألا تشوب هذا السلام فكرة تفوقها علينا، ولا خضوعنا لهيمنتها من باب الاستسلام العجزي الآني، بينما مناصرة الرغبة في السلام حالياً بواقع القوي والضعيف الحالي، يعني الاستغناء عن سيادة الدولة مقابل السلام المشروط بإرادة إسرائيل، ونزعاتها لإحاطة نفسها بحزام الأراضي المحروقة من كل جهة، وعلى حساب سيادة كل الدول لا يستثنى منها واحدة مع اختلاف توقيت الرغبة الاسرائيلية. فأهمية مقاومة الاعتداء لا تأتي من حسابات الربح والخسارة في حوران، بل من معنى الاستعداد للتضحية في سبيل حماية الأرض وقد فعلوها!
رحم الله الشهداء، فلا تزال القدرة على العطاء وتقديم الأرواح طلباً للحرية مستمرة، وهو ما يعني أن الوقت لايزال مبكراً على التفكير بتقديم التنازلات من دون مقابل، فإذا كان الأفراد على بساطة الإمكانيات فعلوها، وأحرجوا إسرائيل التي اعتادت على سياحة القتل من دون مقابل، والتدمير من دون إدانة، فكيف الحال حين يقيم العرب قدراتهم، ويعيدوا فتح دفتر حساباتهم واتفاقاتهم؟
المدن
——————————-
لماذا ترفض إسرائيل أي دور عسكري لتركيا في سوريا؟/ فراس فحام
7/4/2025
صعّدت إسرائيل عدوانها العسكري في سوريا في مطلع أبريل/نيسان الجاري، في سياق أوسع من انتهاكاتها المتواصلة في الأراضي السورية برا وجوا، وبررت ذلك برفضها للتعاون العسكري المتزايد بين أنقرة ودمشق في ظل الإدارة السورية الجديدة.
وقام سلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ هجمات واسعة في سوريا، شملت مطار حماة العسكري، ومطار” تي فور” بريف حمص، إضافة إلى قصف ثكنة عسكرية في منطقة الكسوة بريف دمشق.
ولا يقتصر التحرك الإسرائيلي على الهجمات العسكرية، حيث يسعى رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتأثير على الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ما يتعلق بالملف السوري، وهو أحد الدوافع الرئيسية للقاء المرتقب بينهما في 7 أبريل/نيسان الجاري.
سياق التصعيد الأخير
دأبت إسرائيل على التصعيد في سوريا بعد كل خطوة تتخذها الإدارة الجديدة لتعزيز شرعيتها الداخلية والخارجية، حيث أتت الهجمات الأخيرة بعد أيام قليلة من الإعلان عن حكومة جديدة موسعة ضمت مختلف المكونات السورية ولقيت ترحيبا إقليميا ودوليا.
وسبق أن نفذت إسرائيل حملة قصف على مواقع سورية في أعقاب انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في أواخر فبراير/شباط الماضي، والذي أكد وحدة الأراضي السورية واحتكار الدولة للسلاح، في وقت يطالب فيه المسؤولون الإسرائيليون بعدم تقديم المجتمع الدولي الدعم للحكومة الجديدة وبتعزيز موقف الأقليات.
ووفقا لمصادر عسكرية سورية، فإن الهجمات التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي مؤخرًا على مطار حماة تركزت على مرابض لطائرات حربية سورية كانت لا تزال صالحة للاستخدام. واللافت أن الهجمات أعقبت عودة الطائرات السورية للتحليق في أجواء البلاد، بالتوازي مع العمل على هيكلة سلاح الجو وتكليف ضباط مختصين بهذا الملف، مما يوحي بأن إسرائيل تسعى لإفشال عملية إعادة هيكلة الجيش السوري.
وأفاد تقرير نشرته وكالة رويترز في 4 أبريل/نيسان الحالي بأن الهجمات الإسرائيلية على قواعد جوية سورية استبقت تحركًا تركيًّا لنشر قوات في هذه القواعد، إذ أشار التقرير إلى أن خبراء أتراكًا تفقدوا 3 قواعد جوية على الأقل قد يتم نشر قوات فيها بموجب اتفاق دفاع مشترك من المتوقع إبرامه بين أنقرة ودمشق.
وتحدثت تقارير تركية عديدة خلال شهر مارس/آذار عن استعداد أنقرة لتقديم التدريب للقوات السورية، وإمكانية دعمها بمنتجات الصناعات الدفاعية التركية.
ويبدو أن تل أبيب لا ترفض تأسيس جيش سوري جديد فحسب، بل لا ترغب أيضًا بأن تضطلع أنقرة بدور محوري في هذا الخصوص.
ويظهر التصعيد الإسرائيلي رفض امتداد الوجود العسكري التركي إلى وسط سوريا، وربما تقبله شمال غربي البلاد، حيث تتجنب أي تهديد للنقاط العسكرية التركية في محافظتي إدلب وحلب.
ما أسباب قلق إسرائيل من الدور التركي؟
تتخوف إسرائيل في ما يبدو من نشر الجيش التركي لمنظومات دفاع جوي مزودة بتقنيات إلكترونية وسط سوريا، وعلى بعد لا يزيد على 230 كيلومترًا عن هضبة الجولان المحتلة، فقد تحدثت تقارير أمنية إسرائيلية عن مخاوف تل أبيب من إمكانية أن تؤدي الخطوة التركية إلى تقييد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية.
وتحدثت تقارير تركية في وقت سابق عن احتمالية أن تنشر أنقرة منظومة “حصار” المخصصة للدفاع الجوي ضمن قواعد وسط سوريا، وهي منظومة محلية الصنع قصيرة ومتوسطة المدى يراوح مداها بين 15 و25 كيلومترًا، وتتيح حمل 6 صواريخ في آن واحد، ويتم توجيهها بالأشعة تحت الحمراء، وتستطيع إسقاط 5 أنواع من الأهداف من ضمنها المقاتلات الحربية، والطائرات المروحيات، والطيران المسير، والصواريخ المجنحة، وصواريخ جو-أرض.
وأفادت تقارير أخرى باحتمال أن تلجأ أنقرة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، بعد سحب قواتها من سوريا، إلى نشر منظومة إس 400 الروسية -التي أثار شراؤها من قبل أنقرة استياء واشنطن التي فرضت عقوبات عليها- في سوريا، كجزء من تسوية للخلاف بين الجانبين، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة تركيا إلى برنامج تصنيع طائرات إف 35 والسماح بتمرير صفقات مجمدة لبيعها طائرات إف 16.
من جهة أخرى، تعمل إسرائيل منذ أن تولت الإدارة السورية الجديدة السلطة في البلاد على منع انتشار قوات تتبع لهذه الإدارة في منطقة الجنوب السوري، ولا يخفي الجيش الإسرائيلي هذا الهدف، إلى جانب إبقاء “سماء سوريا نظيفة” حسب وصفه، في إشارة إلى الرغبة بالإبقاء على السيطرة الجوية.
وتشير التسريبات المتكررة التي صدرت عن مصادر تركية وسورية وعربية إلى أن الاتفاقية المرتقبة بين أنقرة ودمشق ستركز على تدريب الجيش السوري الجديد وتسليحه، وهو ما يشكل تحديا مضاعفا لتل أبيب، لعدم ثقتها بالإدارة السورية الجديدة كما تؤكد باستمرار، بالإضافة إلى الخشية من أن تعمل أنقرة على تقوية “جيش سني” موال لها، وتكرار سيناريو هجمات 7 أكتوبر الذي حدث في غلاف غزة، وفقا لما يتم تداوله في الأوساط الأمنية الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، تنظر إسرائيل إلى النشاط التركي في سوريا على أنه قاعدة لدور أوسع في الإقليم، وهو مضمون تقرير أمني نشرته صحيفة إسرائيل هيوم، أشارت فيه أيضًا إلى النفوذ التركي في أذربيجان وليبيا، حيث تعتقد الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن أنقرة تعمل على عرقلة مشاريع إسرائيلية خاصة بنقل الغاز في منطقة البحر المتوسط إلى أوروبا.
واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر خلال مؤتمر صحفي له في باريس أنقرة بأنها تلعب دورًا سلبيا في لبنان وسوريا.
وبينما تصرح إسرائيل بمخاوفها من الدور التركي في سوريا، يعتقد مراقبون أن مخاوفها الحقيقية لا تتعلق في المقام الأول بتركيا بل بسوريا وعودتها مع استكمال المرحلة الانتقالية إلى لعب دور في مواجهة الاحتلال والمطالبة باستعادة الجولان المحتل، لذلك تطلب من واشنطن -كما أفادت تقارير- الإبقاء على سوريا ضعيفة ومفككة.
خيارات تركيا
لا يبدو أن تركيا تسعى للانجرار إلى تصعيد متبادل مع حكومة نتنياهو، فقد سارع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أعقاب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة إلى نفي رغبة أنقرة بالصدام مع إسرائيل في سوريا.
كما أرسل فيدان رسالة طمأنة إلى تل أبيب بأن أنقرة لا تعارض عقد اتفاقية بين الإدارة السورية وإسرائيل، وبالتالي من المحتمل أن تدفع أنقرة باتجاه تفاهمات تسهم في تهدئة المخاوف الإسرائيلية في سوريا بدلا من دعم الصدام، حيث تدعم أنقرة حصول الحكومة السورية الجديدة على شرعية كاملة، على أمل سيطرتها على كامل الأراضي السورية وتجنب سيناريو التقسيم.
بناء على ذلك، من المتوقع أن تدفع تركيا باتجاه الحلول الدبلوماسية لوقف الهجمات الإسرائيلية التي قد تتحول على المدى المتوسط والبعيد إلى تهديد وجودي للإدارة السورية الحالية.
ومن المتوقع أن تلجأ أنقرة إلى تنسيق خطواتها في سوريا مع إدارة ترامب مع التأكيد بأن نشاطها سيكون موجهًا بدرجة أساسية لمنع عودة ظهور تنظيم الدولة، على أمل أن تقوم واشنطن بالضغط على إسرائيل للحد من هجماتها على سوريا، خاصة مع التصريحات الإيجابية التي أدلت بها الخارجية الأميركية في أعقاب تشكيل الحكومة السورية الجديدة.
فقد أكدت واشنطن تأييدها لسيطرة الحكومة السورية على كامل الأراضي السورية، بالإضافة إلى تأكيدات إدارة ترامب رغبتها بالتعاون مع تركيا في سوريا وفقًا لتصريحات وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو التي سبقت الضربات الإسرائيلية الأخيرة.
ومن المحتمل أيضًا أن تسعى أنقرة للاستفادة من الموقف الأوروبي الرافض للتصعيد في سوريا، حيث عبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس عن رفض الضربات الإسرائيلية على سوريا واعتبرتها “غير ضرورية”، خاصة في ظل الحديث عن تقارب بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، واحتمالية مشاركة تركيا في خطة دفاعية للاتحاد.
المصدر : الجزيرة
—————————–
اقتراح من إسرائيل لتركيا حول سوريا.. تقرير يكشف
دبي – العربية.نت
07 أبريل ,2025
بينما كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على سوريا الأسبوع الماضي، بعدما شعرت برغبة تركية في إقامة قواعد عسكرية على الأراضي السورية، عادت أنقرة وأعلنت أنها لا تسعى إلى الصدام.
تعاون من نوع آخر
فيما خفّت حدة التوتر في العلاقات الإسرائيلية التركية، التي بلغت ذروتها الأسبوع الماضي، قليلاً منذ يوم الجمعة عندما صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مؤتمر لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل قائلاً: “لا نريد أن نرى أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا. السوريون وحدهم هم من يقررون الشؤون الأمنية لبلادهم”.
جاء هذا بعدما حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، الرئيس السوري الشرع قائلاً: “إذا سمحتَ لقوات معادية لإسرائيل بدخول سوريا وتهديد المصالح الأمنية الإسرائيلية، فستدفع ثمنًا باهظًا”.
ولتوضيح أن الرسالة لم تكن موجهة فقط إلى الرئيس السوري الحالي، أضاف كاتس: “إن أنشطة سلاح الجو أمس في مطار التيفور بحماة ومنطقة دمشق رسالة واضحة وتحذير للمستقبل. لن نسمح بإلحاق الضرر بأمن إسرائيل”.
رغم ذلك، امتنع كاتس عن ذكر تركيا بالاسم، إذ لا تزال إسرائيل تأمل في تجنب المواجهة المباشرة والتوصل إلى تفاهم مع أنقرة، ربما بوساطة الولايات المتحدة، وربما روسيا، بشأن تقاسم النفوذ والترتيبات الأمنية في سوريا. وهو ما أعرب عنه تصريح الوزير التركي أيضاً.
” تعاون خلف الكواليس”
لكن تقريراً إسرائيلياً جديداً كشف عن تعاون خلف الكواليس. إذ اتضح أن الدولتين تناقشان اتفاقيات بوساطة لتقسيم السيطرة حتى تستقر سوريا، وفقا لصحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية.
وأضاف أن إسرائيل تقترح على تركيا تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ تحت رعاية الولايات المتحدة في الشرق، وروسيا على طول الساحل الغربي.
أما الشمال فاقترحت تل أبيب تركه لتركيا، ولإسرائيل في الجنوب والشرق.
وعن حكومة دمشق، رأى الاقتراح الإسرائيلي أنها إدارة مؤقتة يترك لها المناطق المتبقية على الأقل حتى يتم إنشاء حكومة مستقرة ومنتخبة، ما قد يستغرق سنوات.
يأتي الاقتراح الإسرائيلي المذكور وسط رغبة تل أبيب بوقف التمدد التركي الذي بدأ منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي، خصوصا وأن مجتمع الأمن والاستخبارات الإسرائيلي أصبح يشعر بقلق متزايد إزاء إمكانية استغلال تركيا للفراغ في سوريا لخلق تهديد لإسرائيل، وفق التقرير.
غارات إسرائيلية لمنع التموضع التركي
يشار إلى أن تل أبيب كانت شنّت غاراتٍ قبل أيام على مطار حماة العسكري وقاعدتي T4 وتدمر، ما قد يمنع الجانب التركي من الاستفادة من هذين الموقعين بعدما تضررا كثيراً جرّاء تلك الغارات.
كما رفضت إسرائيل علناً الأسبوع الماضي الرغبة التركية في إنشاء قواعد عسكرية داخل سوريا، حيث كثّفت من غاراتها الجوية على مواقع كانت ترغب أنقرة في إنشاء تلك القواعد فيها.
فقد أكدت أربعة مصادر قبل أيام قليلة أن تركيا تفقدت ثلاث قواعد جوية على الأقل في سوريا قد تنشر قواتها فيها كجزء من اتفاق دفاع مشترك مزمع قبل أن تقصف إسرائيل تلك المواقع بضربات جوية هذا الأسبوع. وجاءت هذه الضربات الإسرائيلية، ومن بينها قصف مكثف مساء الأربعاء الماضي، على 3 مواقع (قاعدة تي4 وقاعدة تدمر الجويتين بمحافظة حمص السورية والمطار الرئيسي في محافظة حماة) على الرغم من جهود أنقرة لطمأنة واشنطن بأن زيادة وجودها العسكري في سوريا لا يستهدف تهديد إسرائيل.
————————-
الشرق الأوسط ساحة لتداعيات الاضطراب الأميركي- الأوروبي/ روبرت فورد
بعد تركيز دول “القارة العجوز” على القوة العسكرية بدلا من “القوة الناعمة”
آخر تحديث 07 أبريل 2025
واشنطن – يُسرّع الاضطراب في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة من وتيرة التغيرات في السياسات العسكرية والاقتصادية الأوروبية، وهي تغيرات من شأنها أن تبدأ بالتأثير على علاقات أوروبا مع جيرانها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتعيد الدول الأوروبية تركيزها على القوة العسكرية بوصفها أداة جيوسياسية تهدف إلى تقليص اعتمادها على الولايات المتحدة، غير أن بناء قاعدة صناعية عسكرية متقدمة، وتصنيع أسلحة عالية الجودة، وتعبئة وتدريب جيوش أكبر حجما، سيحتاج إلى وقت.
وفي مستهل هذه المرحلة من التحول الجيوستراتيجي، تواجه أوروبا صعوبات في تعزيز نفوذها الناعم في الشرق الأوسط، خصوصا في ظل انخفاض ميزانيات المساعدات الاقتصادية. وستحتاج العواصم الأوروبية، أكثر من أي وقت مضى، إلى بناء شراكات جديدة، لا سيما مع دول الخليج، وإلى تحديد أولوياتها الاستراتيجية بشكل واضح ومحدد.
إيران
تتفق واشنطن والدول الأوروبية الرئيسة على ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتعتبر العقوبات أداة ضغط أساسية لتحقيق هذا الهدف. إلا أن تحسن العلاقات بين واشنطن وموسكو، واحتمال أن تضطلع موسكو، التي تُعد تهديدا مباشرا للأمن الأوروبي، بدور الوسيط مع طهران، يثير قلقا لدى عدد من المحللين الأوروبيين. فقد زوّدت إيران روسيا بآلاف الطائرات المسيّرة التي استخدمتها في استهداف الأراضي الأوكرانية، وساهمت في تطوير برنامج الطائرات المسيّرة الروسي، ما يُعمّق الريبة الأوروبية، كما في واشنطن، إزاء أي اتفاقات وسطية قد تُبرم عبر موسكو.
الأوروبية إلى التأثير في أي اتفاق قد يُبرم بين واشنطن وموسكو وطهران. ومن المرجّح أن تنسّق الدول الأوروبية عن كثب مع دول الخليج ذات النفوذ، مثل السعودية والإمارات، التي تشاركها الهدف نفسه بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. ومع ذلك، فإن انخراط أوروبا في أي عمل عسكري أميركي أو إسرائيلي ضد إيران يبدو غير مرجح، إذ لا ترغب العواصم الأوروبية في إثارة مشاكل إضافية مع إدارة ترمب، خاصة في ظل اعتمادها المستمر على دعمه في ملف أوكرانيا. ولهذا، من المرجح أن تكون الانتقادات الأوروبية لأي ضربة أميركية ضد إيران محدودة النبرة والتأثير.
الميزانيات والقوة الناعمة
الأهم من ذلك أن التهديد المتزايد من جانب روسيا يدفع معظم الدول الأوروبية إلى رفع ميزانياتها العسكرية، ما يؤدي في المقابل إلى تقليص ميزانيات المساعدات الاقتصادية الخارجية. وقدرت مؤسسة “بروغل” البحثية الاقتصادية في بروكسل، في فبراير/شباط، أن تحقيق الهدف الذي أعلنته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، برفع الإنفاق العسكري الأوروبي إلى نحو 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، سيتطلب 250 مليار يورو سنويا. (وللمقارنة، من المتوقع أن تبلغ ميزانية الدفاع الفرنسية لعام 2025 نحو 51 مليار يورو، بينما بلغت ميزانية الدفاع الألمانية في عام 2024 ما يقارب 82 مليار يورو، مع خطط لزيادتها بشكل كبير في عام 2025).
وفي موازاة ذلك، شرعت العواصم الأوروبية في تقليص المساعدات التنموية. فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أمام البرلمان في فبراير/شباط، أن حكومته ستخفض المساعدات الخارجية بأكثر من 13 مليار جنيه إسترليني (نحو 16 مليار يورو)، لتمويل زيادة مماثلة في الإنفاق الدفاعي. كما دعا وزير الدفاع الفرنسي، في مارس/آذار، إلى زيادة قدرها 40 مليار يورو في ميزانية الدفاع خلال السنوات المقبلة، في وقت كانت فيه باريس قد خفّضت بالفعل مساعداتها الخارجية بأكثر من الثلث لتصل إلى 3.8 مليار يورو في عام 2025. أما ألمانيا وهولندا، فقد قلصتا أيضا ميزانيات المساعدات الخارجية بشكل حاد خلال العامين الماضيين. وتأتي هذه التخفيضات الأوروبية إضافة إلى التقليصات الكبيرة التي نفذتها الولايات المتحدة في مجال مساعداتها الخارجية.
وسيحد خفض المساعدات الاقتصادية من قدرة أوروبا على تعزيز قوتها الناعمة في الشرق الأوسط، في ظل الانسحاب الأميركي المتزايد من المنطقة، إلا أن هناك مسارات بديلة يمكن لأوروبا من خلالها توسيع حضورها. فقد اعتمدت أوروبا، على مدار العقود الماضية، بشكل كبير على قدراتها المالية لكسب النفوذ. ففي فبراير/شباط 2024، وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع مصر يشمل نحو 7 مليارات يورو من المساعدات والاستثمارات موزعة على مدى ثلاث سنوات. ووفقا للإحصاءات الرسمية، فقد تلقت الأردن نحو 4 مليارات يورو من الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011، كما اتفق الجانبان على حزمة مساعدات واستثمارات جديدة بقيمة 3 مليارات يورو للفترة الممتدة بين 2025 و2027. وبالمثل، حصل لبنان على نحو 3.5 مليار يورو من المساعدات الأوروبية منذ عام 2011.
ومع تصاعد الضغوط على الميزانيات الأوروبية خلال السنوات المقبلة بسبب الإنفاق العسكري المتزايد لردع روسيا، إلى جانب متطلبات البرامج الاجتماعية الداخلية ذات الحساسية السياسية، سيصبح من الصعب تبرير الإبقاء على مستويات مرتفعة من الدعم لدول مثل مصر والأردن ولبنان. ويزداد هذا التحدي تعقيدا في ظل استمرار الدول الأوروبية في تمويل برامج مساعدات تنموية في كل من أفريقيا وآسيا.
ومع انحسار تدفق المساعدات الغربية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المرجح أن تزداد أهمية الدعم القادم من دول الخليج وتركيا وحتى الصين. ومع ذلك، لا تقتصر القوة الناعمة على الدعم المالي فقط؛ ففي ظل تراجع الإقبال على الدراسة في الولايات المتحدة، يمكن لأوروبا أن تواصل استقطاب الطلاب إلى جامعاتها وبناء جسور مع الجيل القادم. وعلاوة على ذلك، ومع تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، ستجد الدول الأوروبية والإقليمية نفسها أمام حاجة متزايدة للتنسيق فيما بينها وإدارة النزاعات الإقليمية. وسيتاح لها هامش أوسع للتحرك في هذا الإطار دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة، لا سيما في النزاعات التي لا ترتبط بإسرائيل بشكل مباشر.
وبشكل مماثل، تحتاج سوريا في السنوات المقبلة إلى مساعدات اقتصادية ضخمة. حيث قدر البنك الدولي في عام 2022 أن تكلفة إعادة الإعمار لا تقل عن 250 مليار دولار (ما يعادل 230 مليار يورو على الأقل)، ومن المرجح أن تكون التكلفة الفعلية اليوم أعلى بكثير. وفي مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين من أجل سوريا، الذي عقد في مارس/آذار 2025، تعهدت الدول الأوروبية بتقديم نحو 5.8 مليار يورو، وهو تقريبا نفس المبلغ الذي جرى التعهد به في مؤتمر مارس/آذار 2024.
ويعكس الحفاظ على هذا المستوى المرتفع من الدعم- رغم التخفيضات العالمية في ميزانيات المساعدات- مدى الأهمية التي توليها أوروبا للملف السوري. وتسعى حكومات أوروبية كبرى، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، إلى تحقيق الاستقرار وإعادة إعمار سوريا، جزئيا لتفادي موجة جديدة من اللاجئين السوريين نحو أراضيها. وفي هذا السياق، قامت وزيرة الخارجية الألمانية بزيارة ثانية إلى دمشق في مارس/آذار، وأعلنت عن حزمة مساعدات جديدة بقيمة 300 مليون يورو لدعم جهود إعادة الإعمار.
وبالتوازي، علق كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في فبراير/شباط العقوبات المفروضة على شركات سورية محددة تعمل في قطاعي الطاقة والنقل، إضافة إلى خمسة مصارف تجارية سورية، وذلك في خطوة تهدف إلى دعم الشركات الحكومية والقطاع الخاص في البلاد.
في المقابل، لا يُبدي الرئيس الأميركي دونالد ترمب اهتماما يُذكر بالملف السوري، إذ غرّد عقب سقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي قائلا إن “سوريا ليست مشكلة أميركا”. ويعتقد عدد كبير من المحللين في واشنطن أن إدارة ترمب ستسحب القوات الأميركية من شرق سوريا خلال السنوات القليلة المقبلة، كجزء من استراتيجية أوسع تركز على مواجهة التهديدات في آسيا.
وعلى خلاف الموقف الأوروبي، لم تُخفف إدارة ترمب العقوبات المفروضة على سوريا، باستثناء بعض الخطوات المحدودة التي اتخذتها إدارة بايدن في منتصف يناير/كانون الثاني. كما امتنعت عن تقديم أي تعهدات جديدة بالمساعدات خلال مؤتمر بروكسل للمانحين. وصرحت مسؤولة أميركية بارزة خلال المؤتمر بأن الإدارة لا تزال تشكك في استعداد الحكومة السورية للتخلي عن “التطرف العنيف” و”انتهاك حقوق الإنسان”، مؤكدة أن “أي قدر من المساعدات الخارجية أو تخفيف العقوبات لن يكون كافيا” لجذب الاستثمارات الضرورية لإعادة الإعمار.
وفي حين أعادت ألمانيا فتح سفارتها في دمشق بطاقم دبلوماسي محدود، لم تُبدِ إدارة ترمب حتى الآن أي استعداد للجلوس مع الحكومة السورية لبحث مستقبل العلاقات الثنائية.
ومن اللافت أن المبعوث الخاص للرئيس ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، صرح في فبراير/شباط أمام منظمة يهودية أميركية بأن سوريا ولبنان قد تُقدمان في نهاية المطاف على توقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل. ووفقا لمصادر مطلعة في واشنطن، قد تربط إدارة ترمب تحسين علاقاتها مع دمشق بموافقة الأخيرة على الانضمام إلى “اتفاقات أبراهام”. ومن المرجح أن تمارس إدارة ترمب ضغوطا على دمشق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل منحها إعفاء كاملا من العقوبات.
أما الدول الأوروبية، فلم تُصدر أي إشارات مماثلة بخصوص تطبيع سوريا مع إسرائيل، وإن كانت لا تعارض هذا المسار في حال قررت دمشق السير فيه.
أوروبا وغزة وإسرائيل
ينصبّ التركيز الأوروبي تجاه إسرائيل حاليا على الحرب في غزة وإعادة إعمار القطاع بعد توقف القتال. وقد رفضت الدول الأوروبية مقترح ترمب الذي يدعو إلى ترحيل الفلسطينيين من غزة وتسليم إدارتها إلى الولايات المتحدة ومستثمرين من القطاع الخاص. كما أكدت حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا أن هذه الفكرة تتجاهل القانون الدولي وتُعيق الوصول إلى حل الدولتين.
وفي أعقاب انتقاداتهم لخطة ترمب في فبراير/شباط، أعلن وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة دعمهم للخطة المصرية التي أقرها القادة العرب في مارس/آذار. وإذا ما جرى تنفيذ هذه الخطة، فمن المتوقع أن تساهم الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي في تمويلها، انسجاما مع السياسة الأوروبية الرامية إلى استقرار غزة وإعادتها إلى السلطة الفلسطينية.
وتُظهر السياسات الأوروبية ميلا واضحا نحو دعم إعادة الإعمار في غزة، إلا أن القيود المتزايدة على الميزانيات ستدفع العواصم الأوروبية إلى إعادة ترتيب أولوياتها بين ملفات عدة، منها سوريا، ومصر، والأردن، ولبنان، وغزة. ومن المرجح أن تضع بعض الدول الأوروبية أولويات خاصة بها، فقد تختار دول معينة توجيه مساعداتها إلى بلدان يمكن أن تُسهم فيها هذه المساعدات في تقليل تدفقات الهجرة من الجنوب إلى الشمال. في المقابل، قد تتبع دول أوروبية أخرى خيارات القوى السياسية المحلية، فتُفضل، على سبيل المثال، دعم الفلسطينيين أو سوريا أو لبنان، بحسب توجهات الرأي العام الداخلي وظروف كل دولة.
في المقابل، من غير المرجح أن تُبدي إدارة ترمب أو الحزب الجمهوري، وحتى جزء كبير من قيادة الحزب الديمقراطي، أي استعداد لتمويل إعادة إعمار غزة. كما سيكون من شبه المستحيل تمرير هذا التمويل سياسيا في واشنطن إذا اعترضت عليه إسرائيل قبل انتخابات عام 2028. ونتيجة لذلك، يُتوقع أن تتحمل دول الخليج القسم الأكبر من تمويل خطة إعادة الإعمار العربية، والتي تُقدّر قيمتها بـ53 مليار دولار.
إسرائيل
لن تتغير المواقف الأوروبية تجاه إسرائيل بشكل مباشر نتيجة التوتر القائم في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة، إلا أن مؤشرات توتر مستقبلي بين أوروبا وتل أبيب باتت واضحة. فلكل دولة أوروبية علاقتها الثنائية الخاصة بإسرائيل، والتي تتأثر بعوامل عدة، منها التاريخ والسياسات الداخلية والأولويات الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال، تُعد إسبانيا وأيرلندا، نظرا لبعدهما الجغرافي عن المشرق، من بين أكثر الدول الأوروبية انتقادا لإسرائيل.
ومن اللافت أن كبار القادة السياسيين في الحزبين الأميركيين بدأوا يبتعدون تدريجيا حتى عن المجاهرة بدعم حل الدولتين. وفي هذا السياق السياسي، يُرجَّح أن تعترف واشنطن بضم إسرائيل لأجزاء من غزة والضفة الغربية، في حين لا تزال العواصم الأوروبية، على الأقل في خطابها العلني، متمسكة بحل الدولتين، وستعمد إلى انتقاد أي عملية ضم تنفذها إسرائيل.
ومن السهل تخيل تصاعد الدعوات داخل بعض الأوساط الأوروبية إلى فرض إجراءات اقتصادية ضد إسرائيل. وإلى جانب ذلك، وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن تسعى أوروبا، مع تزايد إنتاجها من الأسلحة والمعدات العسكرية عالية الجودة، إلى تسويق هذه المنتجات في دول الشرق الأوسط لتحقيق وفورات الحجم في خطوط الإنتاج، على غرار ما تفعله واشنطن من خلال بيع طائرات “إف – 35” لعدد من الدول.
ومن المرجح أن تدفع الضغوط المالية المتزايدة، خصوصا في النصف الثاني من هذا العقد، بعض العواصم الأوروبية إلى التجاوب بشكل أقل مع الاعتراضات التي قد تطرحها إسرائيل أو الولايات المتحدة حيال صفقات بيع الأسلحة إلى الدول العربية، ما قد يشكل بؤرة توتر جديدة في العلاقات بين الجانبين.
المجلة
————————————-
الرحلات السياحية الإسرائيلية المرتقبة إلى سوريا.. أهداف خفية وتداعيات خطيرة/ محمود عبد اللطيف
6 أبريل 2025
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن نيته إقامة رحلات سياحية إلى الداخل السوري لـ”زيارة المناطق الطبيعية”. وفيما تناقلت وسائل الإعلام مجموعة من الأخبار المؤكدة حول هذا الأمر، مع الإشارة إلى أسماء الجهات التي ستُشرف على هذه الرحلات، فإن الحديث عن تنظيم “رحلة سياحية” إلى الأراضي السورية هو الأول من نوعه منذ قيام الكيان.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إن الخطوة غير المسبوقة ستضمن الوصول إلى “مناطق خلابة في الداخل السوري”، ونقلت عن الجيش الإسرائيلي تأكيده بأن الخطوة تأتي بالتنسيق ما بين القيادة الشمالية والفرقة 201 من جيش الاحتلال من جهة، وكل من مركز “كيشت يهوناتان” التعليمي، ومدرسة الجولان الميدانية، والمجلس الإقليمي للجولان، وهيئة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية؛ من جهة أخرى.
ونشر موقع “كيباه” الإسرائيلي وثيقة تؤكد أن جيش الاحتلال سيفتح السياج الحدودي في الجولان السوري المحتل إلى داخل المنطقة العازلة، حيث ستزور الوفود السياحية وادي الرقاد الذي ينبع من هضبة الجولان، ويعتبر أحد روافد نهر اليرموك.
في حين نقلت صحيفة “معاريف” عن قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي قولها إنها “ستفتح السياج الحدودي في مقطعين لتنفيذ الجولات، مؤكدة أنها ستتم في الأراضي المعرّفة على أنها أراض إسرائيلية، في إشارة إلى الأراضي التي احتلتها في الجولان في 1967 وضمتها بشكل أحادي في ثمانينات القرن الماضي”.
يمتد وادي الرقاد من القطاع الأوسط لريف القنيطرة، مرورًا بأطراف حوض اليرموك في ريف درعا الجنوبي الغربي. وكان الاحتلال قد سيطر على عدد من النقاط في الداخل السوري تمتد من القطاع الشمالي لريف القنيطرة وصولًا إلى ثكنة الجزيرة، التي تقع على نقطة الصفر في مثلث الحدود السورية الفلسطينية – الأردنية، بريف درعا الجنوبي الغربي.
ويقول أحد سكان قرية معريا لـ”الترا سوريا”: “الخطوات الاستيطانية التي تتخذها إسرائيل، مثل تحويل وادي اليرموك في الجزء القريب من قريتي معريا وكويا إلى منطقة محظورة عسكريًا، وإعلان منطقة سد المنطرة في ريف القنيطرة منطقة عسكرية ومنع السكان المحليين من دخولها، تشير إلى أن الاحتلال يتخذ خطوات تصعيدية في الداخل السوري”.
وأضاف: “من شأن هذا التصعيد أن يبرهن على أن قيادات تل أبيب تسعى إلى بقاء مستدام لقواتها في سوريا، ربما تكون الرغبة الإسرائيلية الحقيقية هي الوصول إلى حدود 5 حزيران/يونيو 1967، بما يعني الضم المباشر للأراضي السورية إلى خارطة كيان الاحتلال”.
الجولان السوري، وفقًا لتعريفات الأمم المتحدة، هو أرض سورية محتلة من قبل إسرائيل، ولم تعترف أي جهة دولية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان باستثناء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أواخر ولايته السابقة.
ويأتي الإعلان الإسرائيلي عن السماح بدخول رحلات سياحية إلى الداخل السوري بعد أيام قليلة من إيقاف خطة تشغيل السوريين داخل الأراضي المحتلة، وذلك بسبب خلافات حادة بين قيادات الكيان حول عدم القدرة على ضمان عدم دخول “عناصر معادية” لإسرائيل من سورية. ولا يبدو أن قوات الاحتلال تمتلك مخاوف كبيرة في حال دخول المستوطنين للأراضي السورية، إذ من المتوقع أن ترافق الوفود السياحية قوات عسكرية بتعداد كبير.
يقول مصدر من بلدة جباتا الخشب لـ”الترا سوريا” إن الطرق التي من المحتمل أن يستخدمها العدو في مثل هذه الرحلات متعددة. فالكيان يستخدم حاليًا البوابة الحدودية بالقرب من القنيطرة المهدمة، وطريقًا بالقرب من بلدة حضر، إضافة إلى بوابة حدودية كان قد أنشأها في عام 2015 بالقرب من جباتا الخشب.
كما أن الاحتلال عمد مؤخرًا إلى شق طريق عبر المرتفعات الجبلية التي تفصل بين سورية وفلسطين من جهة وادي اليرموك، ليربط “ثكنة الجزيرة” بالأراضي المحتلة. ويعتبر هذا الطريق أحد المسارات التي من المحتمل أن يستخدمها العدو. وبالإضافة إلى ذلك، شق الاحتلال مجموعة من الطرق التي تربط بين النقاط التي ينتشر فيها داخل الأراضي السورية. ومع كثافة تحركات الاحتلال، فمن المتوقع أن ترافق الرحلات قوات مؤلفة من عربات مصفحة وربما مجنزرات.
لا تبدو الرحلات السياحية التي يخطط لها العدو إلى الداخل السوري مجرد فرصة لزيارة مناطق خلابة، وفقًا للإعلان الإسرائيلي، بل يمكن قراءتها في سياق المشهد العام للحراك المعادي في الجنوب السوري على أنها خطوة لترسيخ سلطة الاحتلال على الأراضي التي دخلها، والتي تمتد ما بين محافظتي القنيطرة ودرعا، بعمق يتراوح بين 8 و15 كيلومترًا.
ويشير مصدر من بلدة “تسيل”، خلال حديثه لـ”لترا سوريا”، إلى أن السكان المحليين باتوا يراقبون تحركات العدو في المنطقة الممتدة جنوب مدينة نوى بريف درعا وصولاً إلى تسيل، بما في ذلك منطقة المحمية الوطنية (حرش تسيل)، والسد القريب منها، وذلك لأن نوايا العدو تظهر رغبته بالسيطرة على “تل الجموع”.
وأوضح المصدر أن السيطرة على هذا التل من قِبل قوات الاحتلال ستتيح لها إشرافًا ناريًا على مساحات واسعة من ريف درعا الغربي وريف القنيطرة الجنوبي، مما يعكس أهمية التل في الحسابات العسكرية للمنطقة.
وبناء على ذلك، من المتوقع أن يعود سكان المنطقة للاشتباك مع العدو لمنعه من السيطرة على التل، رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي تعرض لها السكان خلال الاشتباك الذي وقع يوم 2 نيسان/أبريل الحالي، والتي أفضت إلى استشهاد 9 مدنيين وإصابة 23 آخرين.
تبقى مسألة الرحلات السياحية الإسرائيلية إلى الداخل السوري ضمن دائرة التوقعات، رغم الإعلان الرسمي عنها في تل أبيب. فقد تعترض الأجهزة الأمنية على الأمر في اللحظات الأخيرة، كما حدث مع خطة تشغيل السوريين التي كان الجيش الإسرائيلي، ممثلًا بوزير الدفاع يسرائيل كاتس، يدعمها وبقوة. وتسبب غياب التنسيق بين القوى الأمنية والجيش الإسرائيلي إلى وقف الخطة التي تأجل تطبيقها عدة مرات، قبل أن تُلغى بشكل نهائي.
الترا سوريا
——————–
========================