تشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعنقد ومقالات

السيد وزير الثقافة السورية… تحية طيبة وبعد/ أحمد جاسم الحسين

2025.04.07

أوجّه إليكم هذه الرسالة، لأن معظم السوريين يعدّون الثقافة مجالهم الذي من حقهم أن يبدوا رأيهم فيه، وكذلك ينتظرون منها كثيراً. ليست الثقافة نظرية اقتصادية أو أمراً تقنياً، حتى يقولوا لا أعرف! على صعوبة أن يقول سوريّ: لا أعرف!

أمي كذلك تعدّ نفسها معنية بالثقافة السورية، وهي في المئة من عمرها حفظها الله، تنتظر وزير ثقافة سوري، ابن بلد، يشكل لجاناً لجمع التراث السوري اللامادي، قبل أن ترحل فترحل حكاياتها الشعبية معها. وما تلك الحكايات الشعبية إلا ذاكرتنا وألمنا وفرحنا منذ ولدت سوريا إلى يومنا هذا، ولها الحق في مثل هذا الأمل فقد أكلتْنا ثقافة الصمود والتصدي التي أصابها الصدأ، عبر أكثر من نصف قرن، لأنها كانت في معظمها كذباً وادعاء، وتزجية وقت للنظام الاستبدادي.

تبدأ حكايات أمي منذ أن دقوا لها الوشم (الدگ) على وجهها بسبع إبر مختلفة القياسات، من دون تخدير، حيث مُزج الحليب بالكحل لتشكيل اللون الأزرق، حين كانت طفلة، لتغدو برأي مجتمعها أجمل. مع أنني أقول لها دائماً، كذلك فعلت في زيارتي الأخيرة قبل أيام: أنت أجمل امرأة في الكون يا يُمّه! كما تعلم، يا سيادة الوزير، الأمهات أجمل النساء في عيون أبنائهن، ولسن بحاجة للفلير والبوتوكس والشفط والنحت، يكفي أنها أمٌّ فما بالك إن كانت أمّ وجدّة سورية عظيمة!

لا تنتهي حكايات أمي بنزوحها القسري غير مرة، بعد أن فقدت بيتها، بل تقول: هذه هي الحياة!

 ليتنا بحكمة الأمهات لاستطعنا تقبل الواقع أكثر وخففنا من المظلوميات وثقافة الثأر على الصعيد الشخصي والعام!

الأمهات في المخيمات السورية وبلدان اللجوء لكل منهن حكاية، أمهات المعتقلين والمغيبين، يا سيادة الوزير، باتت كل منهن تعلل وقتها بالحكاية، وتبدأ نهارها بها، إذ كما تعلم، لا يحلو الصباح في سوريا من دون حكايات، لدى كل سوري اليوم حكاية، بل حكايات تختلف عن حكايات الآخرين بقدر ما تتشابه، صار السوريون كتاباً اسمه: ألف ليلة وليلة لا تنتهي!

من حسن حظك، وليس من سوئه، أنَّ كل سوري يتقاطع مع وزارة الثقافة، وها هو الأمل ينعقد عليك في إحداث التغيير المطلوب ضمن قطاعاتك: من المسرح إلى الموسيقا إلى التراث إلى الكِتاب إلى السينما إلى الطفل إلى الفن التشكيلي إلى الأمسيات والمحاضرات والترجمة، إلى صورة الثقافة السورية في الخارج من خلال المراكز الثقافية خارج سوريا، وصولاً إلى اتحاد الكتاب العرب بكل خيباته وخرابه وفساده وما فعله بالمثقفين السوريين، هذا الاتحاد كتبتُ عنه قبل عشر سنوات مقالاً بعنوان: “من اتحاد الكتاب العرب إلى اتحاد مداحي البوط العسكري” فصلوني بعدها أو قبلها لا أعرف!

الأميون السوريون، وما أكثرهم، نتيجة ما حدث في سوريا العريقة،  يعدون وزارة الثقافة هي الوزارة الوحيدة المعنية بتعليمهم، فوزارة التربية غالباً تنهي علاقتها بالسوريين بعد بلوغ الثامنة عشرة. وكم من بالغ سوري وبالغة سورية لا يعرفون القراءة والكتابة اليوم، عشرات الآلاف!

وكما تعلم يا سيادة الوزير فإن ما حدث في سوريا في السنوات الأخيرة هو مسألة ثقافية في أحد جوانبه، لذلك يأمل كثيرون أن تكون الثقافة هي أحد أبرز مداخل الحلول!

شخصياً، أنا أحد المثقفين السوريين المتفائلين بالمرحلة الجديدة في سوريا، تفاؤل لمَّا تسمح لي الشهور القليلة من عهد الإدارة الجديدة أن أبني عليه، بقدر ما هو قائم على الرجاء والأمل الذي أدخل من خلاله الحياة كل صباح سوري.

تفاؤلي بالشخص والمرحلة هو الذي يجعلني أتوجه إلى المسؤول الرئيس عن مؤسسات الثقافة في بلدي العريق في المرحلة القادمة، ومردُّ تفاؤلي يعود إلى عدة أمور أقرب ما تكون إلى مسار حياتي.

حسن الظن؛ فالدول والمؤسسات والعوائل لا تبنى إلّا بأبنائها وتاريخهم، وقيادة هذا البلد هم جزء من ناسه، فلا يمكن أن أقابل عملكم بالتشاؤم أو أبحث عن مثلبة هنا أو هناك، أو أنبش في جانب شخصي، لأبني عليه. لسبب بسيط جداً: ذلك لا يمكن أن يكون مدخلاً للعمل، أو قناة للتواصل لمن يهمه البناء.

ومثلما نعتُّ نفسي بالمثقف كوني قد أصدرت كتباً إضافة إلى كوني أستاذاً جامعياً، فإنه من السهل أن ينبش أيّ سوري في عثرة هنا أو هناك لسوري آخر، فينتقل إلى جانب الشك الهدام، وبالتالي ينقطع الحوار بين المواطن المثقف والأمي والوزير المثقف المكلف!

وليس البناء على الجانب الشخصي أو كلمة هنا أو هناك، أو بيت شعري، لمن يقوم بمهمة وزير مدخلاً ملائماً، إلا لمن يريد أن يتصيد العثرات، أو يغلب علبه التشاؤم.

فمتابعة الورزاء من الشعب تقوم على قراءة الخطط التي يقدمونها أمام الهيئات السورية المعنية أو أمام رئيس الجمهورية أو الإعلام؛ حيث يقدمون تصوراتهم عما يمكن أن يقوموا به خلال فترة زمنية ما، بعد أن يأخذو وقتهم في التعرف إلى واقع وزاراتهم وأنظمتها الداخلية ومهامها وكوادرها.

مع الوزير الجديد، أي وزير، لا نستطيع إلا أن ننظر إلى المستقبل، فما بالك إن كان الوزير جزءاً من سلطة جديدة لم نعرفها من قبل، وكذلك وزير شاعر وإعلامي له اسمه!

هناك فهم ملتبس لدى كثير من السوريين لمهمة الوزير ناجمٌ عن النظام الشمولي، الذي ولدوا هم وأولادهم، الذين صاروا شباباً في ظله، كحالتي أنا.

لا ينتبهون إلى فكرة أن الوزير هو الذي يشرف على السياسات العامة للوزارة ويوجهها وينفذ السياسات الحكومية، ويحيط نفسه بفريق من الخبراء، ويشارك في صياغة السياسات العامة في مجاله، فالوزير قائدٌ في مجاله يكفيه الإشراف على الاستراتيجات وإدارتها.

تعلمتُ في تجربة هنا في هولندا عبر عقد من الزمان ونيف، أن العجلة لا يمكن أن تترافق مع الإتقان، صحيحٌ أن تجربة بلد مستقر ليست كتجربة بلد يبنى على شرعية ثورية، ووضعه مختلف كلياً، إلا أننا نحن السوريين نحب بلدنا كثيراً لذلك نقارنها على الفور بأكثر البلدان استقراراً!

وزارة الثقافة في سوريا وزارة مركبة المهام، وهي من أعقد الوزارات، فهي من جهة ليست وزارة خدمية يلمس أثرها السوريين في حاجاتهم اليومية كما يلامسون الماء والكهرباء والخدمات البلدية.

 إلا أنها من جهة أخرى، من أكثر الوزارات استراتيجية، حيث يعول عليه في بناء الإنسان السوري الجديد، ابن ماضيه العريق الثقافي والمعرفي والديني من جهة وكذلك السوري الذي يتواصل مع جمهوره وناسه وأهله وحاضره ومستقبله والعالم المحيط به بعد أن تعلم من تجارب الهجرة واللجوء!

يرى مراقبون كثيرون أن من حسن حظ وزير الثقافة في سوريا الجديدة أنه يدير وزارة باردة كما يسمى في أحد المصطلحات السياسية، أي أن الناس لا تنتظر منها حالة خدمية مستعجلة، وربما كثيرون لا يتلفتون إليها كونها لاتمس حاجاتهم اليومية، مما يتيح لفريق العمل فيها الاشتغال بتأن حول الاستراتيجيات، التي ينتظر أثرها في المستقبل وليس في الحاضر المستعجل.

بالتأكيد لا يمكن أن نحاجج جائعاً: هل الكتاب أهم أم الخبز؟ لكن تلك مقارنة لا تفيد ولا تجوز فالحاجات تقوم على التوازي وليس على المقارنة والتنافر.

سبق أن حدثنا مثقفون عرب بفخر عن إصدارات وزارة الثقافة في سوريا، عن ترجماتها، مجلاتها، عن نشرها المعرفة، بل إن مثقفين عديدين يرون أن إصداراتها هي من أفضل وزارات الثقافة العربية.

تمَّ تغييب السوريين عن المشهد الثقافي العربي في السنوات الأخيرة، نتيجة لغباء النظام المخلوع وخياراته السلبية، اليوم نأمل أن يستعيد المثقف السوري دوره العربي والعالمي. لدينا اليوم عدد من الدور الثقافية السورية في دمشق وغيرها، لم لا نجعلها بيتاً للمثقفين العالميين والعرب، نستضيفهم بها فترة من الزمن يكتبون عن بلدنا وناسه وأهله وحضارته؟ سوريا اليوم مادة للكتابة من الصعب أن يوجد مثلها، وهي مادة مغرية لكثير من كتاب العالم، لنخلد ذكرها من خلالهم!

سعدتُ، كما سعد كثير من السوريين، بما قلته في أثناء أداءك القسم أمام السيد رئيس الجمهورية، حول أن من أهداف وزارتك تفتيت ثقافة الاستبداد والإجرام التي تبناها النظام السابق، وبدلاً منها تعميم ثقافة الإخاء، والإخاء يعني حقوق الإنسان والعدالة والحرية والمساواة.

المتابعون لقصص التنمية البشرية وقصص النجاح يعدون تكليف مقدم برامج متميز في قناة الجزيرة، متابع لشؤون التراث العربي قصة نجاح، مللنا من الناجحين بسير ذاتية متخمة، ليس الأمر دعوة للشعبوية، بل ترحيب بقصة نجاح شخصية، لمن هم في عمرك أو أكثر أو أقل!

وقصة النجاح هذه يرتفع معها منسوب “العَشَم” من باب الحبّ وحسن الظن! وباب حسن الظن في موروثنا باب كبير، مما ورد فيه أن طلحة بن عبدالرحمن بن عوف، وهو من التابعين وأحد رواة الحديث النبوي، كان أجودَ قريش في زمانه، قالت له امرأته يوماً: ما رأيت قوماً أشدّ لؤماً من إخوانك!

قال : ولِمَ؟

قالت: أراهم إذا اغتنيتَ لزِموك، وإذا افتقرتَ تركوك!

قال: هذا والله من كرم أخلاقهم؛ يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال العجز عن ذلك!

اليوم، ينظر المثقفون والمبدعون والفنانون السوريون إليك بصفتك صاحب قرار وقدرة على إكرامهم في شؤونهم الثقافية، لذلك ينتظرون أن تستمع إليهم وإلى شجونهم وشؤونهم، وكلهم أمل، من باب حسن الظن، أن تُنسيهم جماليات المرحلة الحالية والقادمة في عهد الثورة والانتصار والأمل، بؤس المرحلة السابقة وعثراتها ولؤمها وقبحها!

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى