سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعمنوعات

سقوط الأسد يكسر صمت النص: تأثير متوقع للسياسة في مستقبل دراما سوريا/ حسام الملحم

2025.04.08

لم يخلُ الموسم الدرامي لرمضان 2025، من تأثر بالتغيير السياسي والتطورات التي حصلت في سوريا نهاية العام الماضي وتجلّت بسقوط نظام بشار الأسد.

هذا التغيير السياسي الذي انتظره السوريون 14 عاماً حصل بالتزامن مع مواصلة العديد من المسلسلات أعمال التصوير، لينتقل التأثير من الميادين التي جمعت السوريين فرحاً بسقوط الأسد، إلى “لوكيشن” التصوير، فاستغلت بعض الأعمال الموقف، وأقحمت السياسة بالدراما بصورة غير مدروسة طالما أنها لم تكن جزءاً من حكاية العمل الأصلية، وهي مسألة يمكن للمشاهد السوري التقاطها.

العديد من الأعمال السورية عرضتها الشاشة العربية خلال الموسم الدرامي الرمضاني، لكن أعمالاً قليلة تصدرت المشهد وحظيت باهتمام الجمهور، ومنها مسلسل “تحت سابع أرض” لكاتبه عمر أبو سعدة ومخرجه سامر البرقاوي، وبطله تيم حسن، بالإضافة إلى مسلسل “البطل” المأخوذ عن مسرحية “زيارة الملكة” للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان، والنص فيها لرامي كوسا والإخراج لليث حجو.

كما عرض أيضاً مسلسل “نسمات أيلول” ودارت أحداثه في إحدى القرى السورية، وهو من تأليف علي معن صالح وإخراج رشا شربتجي، وجرى عرضه عبر منصة “شاهد” كالعملين السابقين أيضاً.

السياسية حاضرة في الدراما

ما يجمع بين هذه الأعمال تطرق مباشر أو غير مباشر لمواقف أو حالة سياسية معاصرة سبقت سقوط الأسد، ففي “نسمات أيلول” و”تحت سابع أرض” مُررت جمل وعبارات ذات بعد سياسي لم تتناول سقوط الأسد والتغيير السياسي بشكل مجرد، فالمقدم موسى في “تحت سابع أرض” اقتبس بتصرّف عن سهيل الحسن، الضابط السابق في نظام الأسد والمتورط بانتهاكات بحق سوريا وشعبها.

واستعار أحد ممثلي مسلسل “نسمات أيلول” عبارة درجت على لسان مواطن سوري قبل سنوات تعكس مرارة الاعتقال ومخاوف السوريين من زنازين الأسد.

أما مسلسل “البطل” فقدّم نهاية تعكس انهيار نظام الأسد وتصور إخراج فصائل المعارضة المشاركة في عملية “ردع العدوان” للمعتقلين في السجون السورية، لكن دون أي تمهيد وتبرير درامي يمنح الخاتمة شيئاً من موضوعية غائبة، طالما أن الأحداث التي تدور في إحدى قرى الساحل كانت تحصل في السنوات الأولى من الثورة حين كانت العمليات العسكرية على أشدها في مناطق متفرقة، ليقفز العمل بالزمن والمنطق إلى مشهد النهاية.

التأثر بالحالة السياسية لم ينحصر بما هو أمام الكاميرا، ووصل إلى الكواليس، فالمقابلات التي أجراها ممثلون وممثلات بعد سقوط النظام، ومنهم من تشبث بموقفه الداعم للأسد حتى بعد صور معتقلات صيدنايا والفضائح وانتهاكات حقوق الإنسان التي عرّت ذلك النظام أمام العالم، ما دفع مثلاً لاستبعاد سلاف فواخرجي من مسلسل “حبق” الذي كان يفترض أن يشارك في الموسم الرمضاني قبل إعلان الشركة المنتجة انسحابها من المنافسة في الأيام الأخيرة التي سبقت العرض.

ولا يمكن اعتبار الموسم الدرامي لرمضان الماضي مؤشراً على ثبات حضور بعض الممثلين من عدمه، طالما أن التغيير السياسي في سوريا حصل في الوقت الذي كانت به شركات الإنتاج نفّذت جزءاً من أعمالها، وتتجه لاستكمالها فقط، ما يضع الموسم المقبل أمام إعادة ترتيب محتملة لأدوار البطولة وحضور الممثلين بعد استبعاد كثير منهم وتحويلهم للاجئين، وتقريب غيرهم بناءً على مواقفهم السياسية.

تحرر درامي بعد سقوط الأسد

كثيراً ما تتأثر الدراما بالسياسة، وقد تكون انعكاساً لها أو وسيلة للتعبير عنها، أو للتأثير على الرأي العام، ضمن مجموعة عوامل، منها حالة الرقابة والتوجيه، إذ تفرض بعض الدول رقابة على الأعمال الدرامية بما يتماشى مع توجهات النظام  السياسي، كما تعمل على توجيهها لتمرير رسائل محددة أو تثبيت صورة ذهنية معينة، وهو ما كان يفعله النظام السابق الذي فتح الباب لإنتاج أعمال درامية تعكس رؤيته للحدث في سوريا، رغم هبوط هذه الأعمال الفنية وضعفها على مستوى النص والبطولة والإخراج وفجاجة الطرح وعدم القدرة على الإقناع.

ويمكن القول إن سقوط الأسد حرر الدراما السورية من الرقابة الأيديولوجية المحكمة منذ عقود والتي كانت تضع خطوطاً حمراء لا يسمح بتجاوزها، ما يبشّر بانفتاح غير مسبوق على قضايا مغيبة، كالفساد داخل مؤسسات الدولة ونسبه لأًصحابه فعلاً، وجرائم الحرب والانتهاكات، مع إمكانية تقديم “الرواية المحرّمة” سابقاً، وهي وجهة نظر الثورة السورية والمعارضة، فيما جرى، وكيف جرى، مع التأثر بالسياق السياسي الحالي، وإمكانية الوصول إلى تمويل مستقل أو عربي أو دولي، لإنتاجات درامية سورية تعكس الواقع وتعيد للدراما السورية بهاءها الذي أطفأته هيمنة المخابرات عليها خلال سنوات الثورة.

واستطاعت الدراما السورية قبل عامين، الاستفادة من عنصر الرمزية والإسقاط، حين قدّمت للمشاهد مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” في رمضان 2023، وعرضه تلفزيون سوريا والتلفزيون “العربي 2” لأكثر من مرة، وحينها قدّم العمل رسائل سياسية من خلال رموز وأحداث تاريخية أو قصص يمكن إسقاطها على الواقع، وبعد سقوط الأسد، اتجهت بعض المنصات والمحطات العربية لعرض المسلسل لأول مرة.

كما أن الحكم الطويل الممتد لأكثر من ستة عقود، لعائلة الأسد، راكم الموضوعات التي جرى التعتيم عليها، ومنها مثلاً، مجازر حماة في ثمانينيات القرن الماضي، ودور الأجهزة الأمنية والعسكرية فيها، وهي موضوعات يمكن إعادة تقديمها درامياً بصورة كاشفة قد تكذّب رواية السلطة السابقة وتوثق الجريمة وتعلي صوت الضحايا والناجين، وهذا ما يسهم عملياً في إعادة كتابة تاريخ البلاد بصورة صادقة.

لا داعي للعجلة أو الاستسهال

أوضح الممثل السوري، نوار بلبل، لموقع تلفزيون سوريا، أن بعض المسلسلات السورية في رمضان 2025 غيّرت نهايتها تماشياً مع التغيير السياسي، معتبراً أن هذا التغيير “لا ينم عن أمانة فنية”، بل يشير إلى انتهازية ومجاراة لـ”التريند”، مع إمكانية التنويه لتطورات الأحداث على الأرض، لكن دون تغيير في مسار العمل ككل.

وحول مسألة حضور أو استبعاد الممثلين الذين تعاملوا بسلبية مع التغيير في سوريا، يرى نوار بلبل أن استمرارية عمل هؤلاء لا ترتبط بشركات الإنتاج فقط، إذا كان الشارع لا يتقبل الممثل، مع الإشارة إلى أن ممثلين كثراً لم يقدموا أي موقف سياسي أو تمجيد لنظام الأسد أو تلاعب بأوجاع الناس، وهؤلاء يتعامل معهم المشاهد السوري بتفهم.

والمشاهد السوري اليوم هو الحكم وسيلفظ الممثلين المصفقين للنظام السابق بصرف النظر عن سويتهم الفنية، لأن المواقف السياسية لها ثمن، وكل ممثل عارض النظام السابق خلال الثورة كان على علم مسبق بأن عمله سيتوقف وهي حالة متوقعة، مع أن شركات الإنتاج لن تفضل المغامرة ومنح مساحات وفرص لأسماء لا يتقبّلها الشارع سياسياً، والجمهور لا ينسى ويدرك رغبة بعض الممثلين بتسيّد المشهد في ظل أي نظام سياسي، وهو ما دفع لانعطافات حادة في المواقف السياسية لبعض الممثلين.

وتعمل بعض الجهات الإنتاجية حالياً ضمن توجه غير معلن، نحو عدم تعميق التعاطي الدرامي مع الحالة السياسية في سوريا والتغيير الإيجابي برحيل الأسد، لأسباب سياسية، وهي مسألة تتعارض مع رغبة السوريين بنقل حكايتهم وقصتهم إلى العالم، على اعتبار أن الثورات لا تقاس بموازين شركات الإنتاج، بحسب نوار بلبل.

من جهته، أوضح الكاتب السوري فؤاد حسين (من أعماله مسلسل نقطة انتهى ووصايا الصبار، في رمضان 2024) لموقع تلفزيون سوريا، أن سقفاً عالياً من الحرية بات متاحاً أمام موضوعات دسمة درامياً كانت ممنوعة، وأصبح لزاماً على كل كاتب سوري تقديم هذه الموضوعات التي كانت ممنوعة، بشرط ألا يكون هناك استسهال، مشيراً إلى العمل على مسلسل حول قضية المعتقلين بشكل مسترع.

وعلى الكاتب تقديم حكايته بطريقة غير مباشرة أو فجة أو سخيفة أو تجرح المشاهد ولا تقدم الغرض الدرامي، كما أن الإدارة السورية الجديدة لن تمنع الموضوعات التي كانت ممنوعة، فطرحها يخدم الإدارة أصلاً، لكن تصوير مسلسل عن سقوط الأسد يتطلب الفهم وكشف الحقائق، وعدم الاستعجال.

وكان الكاتب الدرامي على مدار عقود مضطراً لمراوغة الرقابة عند محاولة طرح الهم السوري، ومن المستبعد وجود مشكلات مماثلة من هذا النوع مع الإدارة الجديدة، إذ أوضح حسين أنه يعمل حالياً على مسلسل يتطرق إلى مجازر حماة تحت اسم “نزيف داخلي”، وهو موضوع كان ممنوع الطرح في وقت سابق.

ولم يعد هناك حاجة لمراوغة الرقابة حالياً مع وجود هامش واسع من الحرية، وهذا هو الأمر الصعب، فمع كل هذه الحرية الإبداعية في طرح الموضوعات على الكاتب العناية بطريقة طرح الموضوع، وعدم تقديم المسائل بإطار إخباري، والتقاط الموضوع والبناء عليه وتحميله ما كان يعجز عن قوله في عهد النظام البائد، بحسب حسين.

عودة مأمولة وسقف حرية عالٍ

الدراما السورية عائدة بقوة، فقوتها سابقاً كانت مستمدة من واقعيتها والتصاقها بالشارع، وجرى تغييبها في الفترة الماضية لأنها كانت كاذبة وتجميلية لصورة النظام أو تحاول تمرير الرسائل من تحت طاولة النظام وتعجز عن إيصال الرسالة للجمهور، بحسب فؤاد حسين.

ويرى أنه يمكن للكاتب اليوم أن يقول ما يريد بشرط ألا يؤذي العقد الاجتماعي في سوريا، وأن يحافظ على السلم الأهلي، وهناك أمانة تاريخية وإنسانية وأخلاقية لقول الحقيقة والموضوعات الحساسة، مع الحاجة للجنة تقييم فكري تبت في هذه المسائل، فالدراما تعلو الواقع بشبر، ومهمتها نقل الحكاية وإيصال الرسالة دون فجاجة.

وبين عامي 2011 و2018 على وجه التحديد، كانت الدراما السورية غائبة الفعالية تماماً حتى ظهور مسلسل “غداً نلتقي” ومسلسل “عندما تشيخ الذئاب” وكان تمرير هذه الأعمال نتيجة تغيير في جهاز الرقابة لدى السلطة، والنتيجة كانت استعادة السلطة السابقة لجهاز الرقابة السابق مع وضع شروط صارمة أمام تمرير النص الدرامي.

“الدراما السورية مؤثرة، والممثل السوري لديه شعبية جارفة في الوطن العربي لا يقاسمه بها إلا الممثل المصري” أضاف فؤاد حسين، مع الإشارة إلى ضرورة الوصول لاستقرار أمني يجذب إلى التصوير في سوريا، فالمشاهد سئم الأعمال البلاستيكية أو الأعمال المعرّبة التي لا تلامس الواقع.

ومن الضروري التعامل مع الدراما على أنها صناعة وطنية ستقدم دخلاً مهماً وتمنح فرص عمل لآلاف الأشخاص، وهي جزء من اقتصاد البلاد، كونها مورداً مالياً مهماً بحاجة إلى تسهيلات، مع الإشارة إلى تسهيلات لوجستية قدمتها الإدارة السورية الجديدة للعاملين على مسلسلات رمضان الماضي في سبيل متابعة تصوير أعمالهم لتكون جاهزة وفق مواعيد العرض.

وتعليقاً على المقابلات التي أجراها فنانون بعد سقوط الأسد وأبدوا خلالها تعاطفاً مع نظامه، اعتبر الكاتب أن مهمة الفنان تتلخص بالوقوف أمام الكاميرا، ثم العودة إلى الكواليس، دون تقديم وجهات نظر سياسية، لأن شرعية الفن مستمدة من العمل على الإصلاح.

والفنان الذي سلك موقفاً سلبياً من التغيير السياسي في سوريا وبالغ في الدفاع عن نظام دمّر سوريا، سيتحمل العاقبة بمفرده، ومن المستبعد تصديره درامياً لأن هذه المواقف تعمّق الهوة بين الفنان والشارع الذي يضم بين مكوناته من فقد فرداً من عائلته غرق في البحر، أو قضى في المعتقل، أو جرى السطو على أرزاقه، وفي هذا إهانة للشعب السوري.

أسهم سقوط نظام الأسد، في كسر حالة “التقديس” التي عملت أجهزة الأمن والمخابرات على تكريسها في ذهن المواطن، عبر تصوير عائلة الأسد كـ”أرباب” أو “آلهة” للشعب، وصار ممكناً تفكيك هذه الشخصيات وقراءة عدوانيتها وطغيانها وجرائمها، بالإضافة إلى تناول المرحلة التاريخية السابقة من حياة السوريين بصورة متعدد السرديات يسمع فيها الجمهور لأول مرة صوت الثورة والمنشقين والمكونات الاجتماعية والإثنية السورية، دون تكميم أفواه.

ويمكن الاستفادة في هذا الإطار من تجارب سابقة عاشها العالم بعد سقوط الدكتاتوريات في أميركا اللاتينية، وسقوط “الأبارتايد” في جنوب إفريقيا، وسقوط النازية في ألمانيا، حين جرى تقديم مسلسلات ودراما وثائقية حاكمت الماضي ونادت بتكريس العدالة الانتقالية، وفقا لما يراه ، بحسب ما يراه الكاتب فؤاد حسين.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى