ما هي «الأمانة العامة للشؤون السياسية» السورية؟/ حسام جزماتي

غموض الهيكلية والتبعية، ومسؤوليات بلا ضفاف
08-04-2025
في خطوة فاجأت الكثيرين، أصدرت وزارة الخارجية في دمشق، في السابع والعشرين من آذار(مارس) الفائت، قراراً بإحداث «الأمانة العامة للشؤون السياسية»، كقسم جديد ضمن هيكليتها، يتولى الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية في البلاد، والمشاركة في صياغة ورسم الخطط العامة في الشأن السياسي، والعمل على إعادة توظيف أصول حزب البعث، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وما يتبع لها من منظمات ولجان منحلة بما يخدم المهام والمسؤوليات السياسية والوطنية. كما نص القرار الموقّع من الوزير المسؤول أسعد الشيباني.
يأتي استغراب الخطوة من أن المهام المذكورة ليست من اختصاص وزارة الخارجية. وفي المقابل يرجع تفسيرها إلى أن الجهة المذكورة مرتبطة، منذ تأسيسها، بالشيباني شخصياً حين كان يعمل باسم مستعار هو زيد العطار (أبو عائشة). ومن هنا جاءت تبعيتها لوزارته دون اهتمام بالحدود بين الدبلوماسية الخارجية والسياسة الداخلية.
لكن القرار لم يأتِ بجديد في نظر من يتابعون نشاط هذه الهيئة منذ الأيام الأولى لمعركة «ردع العدوان» وصولاً إلى سقوط النظام صباح الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024. فقد لعبت «إدارة الشؤون السياسية»، وهو اسمها في السنوات الماضية، دوراً مفصلياً في تأمين تغطية خارجية ومحلية للمعركة عبر بياناتها منذ أن واكبت دخول قوات «إدارة العمليات العسكرية» مدينة حلب ووقوفها في مواجهة معطيين سكانيين لهما بُعدان سياسيان، هما المسيحيون والأكراد. ثم أتى دور الشيعة في بعض الريف الحلبي، والإسماعيليين في مدينة سلمية، والعلويين بدءاً من ريف حماة. لكن الأهم كان لقاء الشيباني بالروس في مهمة حاسمة لإقناعهم بالتخلي عن دعم بشار الأسد لأن المعركة لا تستهدفهم ولن تضر مصالحهم في سورية. وتبعه دور مماثل لعبه في دمشق، إثر تحريرها مباشرة، بتطمين السفراء والبعثات الأجنبية إلى أن الحكم الجديد باحثٌ عن السلام مع الجميع والتعاون معهم. جنباً إلى جنب مع إصدار بيانات متلاحقة نحو كل الأطراف؛ بدءاً من دول الجوار، كالعراق ولبنان والأردن، وحتى المجتمع الدولي.
أما داخلياً فقد أتيحت الفرصة، التي لم تكن نتيجتها طيبة على كل حال، لاثنين من قيادات هذه الإدارة هما المتحدث الرسمي السابق باسمها عبيدة الأرناؤوط، ومديرة مكتب المرأة فيها عائشة الدبس؛ أن يخاطبا السوريين في لقاءات مصورة. بينما سارع زملاؤهما إلى شغل مناصبهم المحلية بعد أن أعلنت الإدارة عن تعيين ممثلين لها في محافظات: دمشق وريفها؛ وحلب، واللاذقية وطرطوس، وحمص، وحماة، ودرعا (مع القنيطرة والسويداء)، ودير الزور (مع الرقة والحسكة)، وإدلب.
منذ الأسابيع الأولى لسقوط النظام وضع كل من هؤلاء يده على مبنى فرع حزب البعث في المدينة المكلّف بها وبدأ بتكوين المكاتب. وبالنظر إلى طبيعة التوسع المفاجئ للإدارة، وانشغال رئيسها الشيباني بالسفر، مع محافظته على ميله إلى الإمساك بالقرار؛ شهد تشكيل الفروع قدراً كبيراً من الارتجال والاجتهاد مع الغموض الكبير في حدود مهامها حتى في أذهان ممثليها، والتوظيف السريع لكوادر من طلاب «كلية العلوم السياسية والإعلام» بجامعة إدلب وسواهم. حتى استقرت أخيراً في «أمانة» يقودها مجلس يتكوّن من مدراء الشؤون السياسية في المحافظات.
صورة حديثة لفرع حزب البعث في مدينة درعا بعد تحويله إلى مكتب تابع لإدارة الشؤون السياسية.
وفي كل مديرية نوعان من المكاتب؛ الأول فرعي يمتد إلى المدن الثانوية الكبيرة في المحافظة، والثاني مكاتب مركزية ستة في مقر الإدارة. هي مكتب الشباب الذي يبدو بديلاً عن منظمات الطلائع والشبيبة واتحاد الطلبة المنحلة، ويهدف إلى «تجهيز الشباب للدخول إلى عالم السياسة». ومكتب شؤون المرأة الذي «يعنى بالمجال الحقوقي والاجتماعي والثقافي والسياسي للمرأة السورية». ومكتب التعاون النقابي الذي ينظم عمل النقابات كما اتضح من القرارات المعلنة لنقابة المحامين بحل مجالس الفروع الموروثة عن نظام الأسد وتشكيل مجالس بديلة «بناء على تكليف الإدارة السياسية» وفق ما نصت القرارات. ومكتب الفعاليات الذي يوافق على الأنشطة العامة بعد تحديد مدى توافقها مع «قيم المجتمع» كما يراها. ومكتب التنمية المجتمعية الذي ينظم ندوات حوارية حول القوانين مثلاً، ويرفع توصياته لوزارة العدل. ويعمل على مكافحة العادات السيئة «كالتدخين وشرب الكحول وتهوّر سائقي الدراجات النارية». ومكتب شؤون الطوائف الذي لعب دوراً هاماً في إدارة شؤون المسيحيين والدروز في إدلب أصلاً، وما يزال يتابع مهامه. كما يضم كل فرع مقهى ثقافياً.
أمكن جمع هذه المعلومات من المصادر المفتوحة ومن شهادات من وقعت نشاطاتهم تحت دائرة اشتغال «الأمانة العامة للشؤون السياسية» التي لم تعلن، حتى الآن، هيكلية واضحة، فلم تنشئ موقعاً إلكترونياً ولا حتى قناة على تلغرام.
فضلاً عن الارتداء الدائم الخانق للبدلة الغربية وربطة العنق والابتسامة، يعاني المسؤولون الجدد في «الشؤون السياسية» من مصاعب التأسيس وتداخل المهام. ولا سيما قبل الإعلان عن الحكومة الانتقالية، في 29 آذار(مارس) الفائت، التي حملت أعباء الثقافة والسياحة والرياضة بتكليفها وزراء مختصين بهذه الحقائب، بعد أن كان كثير من هذه النشاطات يدخل ضمن مسؤوليات بلا ضفاف وجد ممثلو «الشؤون السياسية» أنفسهم أمامها حين أُرسِلوا إلى المحافظات، بالتوازي مع تعيين محافظ ومدير للأمن وقائد شرطة في كل منها. وظلت مهام الممثل، الذي يبدو للمراقبين كأنه حل محل أمين الفرع في سلطة البعث، تتراوح بين رعاية المناسبات واستقبال الزوار لملء المساحة بين المجتمع وبين السلطات المحلية بوساطة تشغل مكان المجتمع المدني، وبين ضبط التعبيرات السياسية للسكان والفاعلين بما أن تشكيل الأحزاب ما يزال «مبكراً» كما ترى السلطة الجديدة في العاصمة، والتي منحت نفسها أعواماً خمسة لمرحلة انتقالية.
منذ عدة سنوات ظهرت «إدارة الشؤون السياسية» كجسم هامشي غامض ظل لوقت طويل مرتبطاً بأبي محمد الجولاني (أحمد الشرع) مباشرة كقناة خارجية خاصة دون أن يكون لها موقع رسمي في جماعته «هيئة تحرير الشام». وفي منتصف 2024 أُعلِن عن تأسيسها «المديرية العامة للشؤون السياسية» في «حكومة الإنقاذ السورية» العاملة وقتئذ في إدلب، بهدف «رفع الوعي السياسي والفكري لدى الكوادر الحكومية» ومهام أخرى.
وفي البداية لم يُعرف من موظفيها سوى زيد العطار، الذي كان يكلّف بعض المساعدين الشبان بتأمين إقامة وتنقلات الضيوف الأجانب، من صحافيين وباحثين وسواهم، الذين يصحبهم أو يرسلهم إلى المنطقة. ومع توسع نشاطاتها قليلاً أبرزت هذه الإدارة اسم عبيدة الأرناؤوط، ممثلها الحالي في حمص، كمتحدث رسمي، وسعد نعسان، ممثلها الآن في حلب، لإدارة «دار الثقافة والمعارف» التي فخرت بتنظيم معرض إدلب للكتاب في أيلول (سبتمبر) من عام 2024. وهو أبرز النشاطات التي كان الشيباني يستفيد منها لتقديم صورة مختلفة عن المنطقة، وتسويق «نموذج إدلب» الذي تحاول المجموعة الآن نقل ما يمكنها منه إلى دمشق.
موقع الجمهورية