الأحزاب السياسية في سورية.. ضرورة الحضور بعد غياب قسري/ عمر الخطيب

09 ابريل 2025
في سورية، ومنذ سقوط النظام، كاد أن يكون المشهد متكاملاً، حيث حضر كل شيء تقريباً من حراك سياسي ونقاشات وخطط إعادة إعمار، ولم تهدأ الوفود العربية والدولية عن زيارة البلاد ولقاء القادة الجدد الذين بدأت تنهال عليهم الأسئلة عن شكل الحكم وخططهم لمستقبل سورية وعن الاقتصاد والمجتمع وموضوع الشريعة الإسلامية والتعليم والعلاقات بين الجنسين وبين المكونات الإثنية. ولكن المشهد بقي مفتقداً لعنصر أساسي وهو الأحزاب السياسية التي يعتبر كثيرون أن غيابها يشكل تهديداً لشكل سورية المستقبلي بل قد يعرقل عملية التحول الديمقراطي المنشودة من قبل السوريين، بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
ومن المعروف أن سورية اليوم بلد منهار بكل معنى الكلمة، فهي تحتاج إلى إعادة بناء شامل، ليس فقط على صعيد البنى التحتية وبناء الاقتصاد، بل أيضاً في النسيج الاجتماعي والسياسي، ولا سيما بظل وجود جروح عميقة تحتاج إلى معالجة وأسئلة ملحّة عن العدالة الانتقالية ومحاسبة الدول التي دعمت النظام السابق. وغياب الأحزاب السياسية الفاعلة يُضعف جهود البناء ويسحب منها تنوع الآراء والرقابة، ويهدد أي مسار ديمقراطي محتمل كما أوضح عدد من المحللين والمثقفين الذين التقاهم “العربي الجديد” للبحث في أهمية عودة الأحزاب إلى سورية ودورها وطبيعتها الفكرية والسياسية، وهل ستكون امتداداً للأحزاب السورية التقليدية أم ستنشأ أحزاب جديدة؟
لا ديمقراطية دون أحزاب
إن غياب الأحزاب يعني غياب الديمقراطية نفسها بحسب الكاتب السوري والمعتقل السابق، جمال سعيد، الذي يرى أن “الديمقراطية في واحد من أهم وجوهها تعبّر عن صراع البرامج السياسية تحت قبة البرلمان وفي وسائل الدعاية والإعلام المختلفة في محاولة لاستقطاب أصوات الناخبين، وبعد أن يعطي الناخبون الحق لحزب أو لتحالف أحزاب لشغل مواقع اتخاذ القرارات تبقى الأحزاب المعارضة موجودة وتمثل نوعاً من الرقابة المجتمعية على أصحاب القرار. تداول السلطة، الذي هو الوجه الآخر للديمقراطية، يتيح أن يبقى الصراع على السلطة سلمياً وتحت قبة البرلمان ووسائل الإعلام”.
ويشدد سعيد على أن “وجود الأحزاب والنقابات يعني وجود قوى منظمة تحمل برامج سياسية واقتصادية محددة. والصراع بين هذه القوى يأخذ وجهاً حوارياً يستلزم مؤسسات كالبرلمان والنقابات المنتخبة على نحو ديمقراطي تبعاً لبرامج الأحزاب”، مشيراً إلى أن “البرلمان والنقابات في عهد الأسد الأب والابن كانت مجرد ديكور”.
ويتفق الباحث عبد الله سكر مع هذا الرأي، معتبراً أن “وجود الأحزاب ضرورة لتحقيق أهداف الثورة السورية في بناء نظام ديمقراطي عادل” ويضيف أن “من المتعارف عليه أن الأحزاب السياسية الحديثة تضم مختلف الاختصاصات، وبذلك يكون لها رأي ومساهمة في طرح الرؤى حول الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويكون ذلك ضمن برنامج عمل ينادي به هذا الحزب ويبرر من خلاله وجوده ويسعى عبره لكسب التأييد والانتشار بين الناس وصولاً للانتخابات، وفي الحالة السورية تعتبر مثل هذه البرامج أكثر من ضرورية ليتم نقاشها وتداولها ولكنها غابت مع غياب الأحزاب”.
الحياة السياسية في سورية بعهد البعث
والحديث عن الأحزاب وضرورتها في المرحلة الجديدة لا بد أن يعيدنا إلى الوراء قليلاً، إذ كانت سورية قد شهدت نشاطاً سياسياً متنوعاً في النصف الأول من القرن العشرين. وبدأت الأحزاب السياسية بالتشكل في البلاد منذ مطلع القرن الماضي متأثرة بطبيعة الحال بالتيارات السياسية في العالم التي غلبت عليها الأيديولوجية في تلك الفترة، ويمكن أن نقول إنها توزعت بين ثلاث فئات رئيسية، هي الشيوعية والقومية والدينية.
وعرفت سورية حياة سياسية نشيطة قبل انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي في مارس/آذار 1963، حيث كانت التيارات السياسية كافة حاضرة في سورية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، واستطاعت حتى في ظل الانقلابات العسكرية المتكررة أن تحافظ على دورها نوعاً ما، واستمر البرلمان السوري رمزاً لنشاط هذه الأحزاب، حتى جاء البعث، ومن ثم سيطرة حافظ الأسد على الحكم، بعد تنفيذه انقلاباً عسكرياً في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، حيث تم القضاء على الأحزاب السياسية بالكامل وتحول بعضها للعمل السري، لكن القمع الشديد لم يسمح لها بالانتشار أو البقاء بشكل حقيقي ملموس.
وأنشأ حافظ الأسد ما سماه بـ “الجبهة الوطنية التقدمية”، وهي واجهة شكلية للديمقراطية، كما يوضح الناشط السياسي والإعلامي في الثورة السورية، أحمد العربي، حيث كانت الجبهة “هيكلاً أجوف، ما أدى إلى انسحاب الأحزاب المعارضة منها. وكان ذلك أول تصرف أدى إلى شق صفوف هذه الأحزاب حيث التحق البعض بالجبهة وأصبحوا ضمن ديكور الديمقراطية الشعبية المزيف للنظام، واستمرت أقسام أخرى بالمعارضة”. وهذا ما حدث مع الشيوعيين والقوميين، حيث حصلت انشقاقات في صفوفهم وجرت ملاحقة المعارضين منهم. وأشار أحمد العربي إلى أن ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية ينص على حصر “النشاط الحزبي في الجيش وبين الطلبة بحزب البعث فقط” وتُرجم ذلك في مواد الدستور عبر اعتبار حزب البعث قائد الدولة والمجتمع.
الحرب التي شنها الأسد الأب على الأحزاب أدت إلى لجوئها إلى العمل السري، ولكن استمرار الملاحقات الأمنية اضطر عدداً من قياداتها وكوادرها إلى مغادرة سورية، فيما أمضى جزء آخر سنوات طويلة في أقبية الاعتقال. وكانت الحرب التي شنها الأسد على جماعة الإخوان المسلمين والمذبحة التي نفذها في مدينة حماة في عام 1982 تتويجاً لحملته الدموية على الحياة السياسية السورية، وتحقق للأسد القضاء على الحياة السياسية التنظيمية في سورية. وبطبيعة الحال، استمرت بعض الكوادر في العمل المعارض بشكال فردي غالباً، واستمر هو بمطاردتها ومحاولة كتم صوتها.
القضاء على الحياة السياسية في سورية
حدّت حرب النظام على الأحزاب السورية من تطورها وحُرمت التفاعل مع التغيرات الدولية الكبرى، مثل انهيار الاتحاد السوفييتي والعولمة الاقتصادية مع ما حملته من ممارسات وتموضعات جديدة، ويقول أحمد العربي إن “تكامل القمع والاعتقال والتنكيل ومنع تجديد بنية الأحزاب بالعناصر الشبابية الجديدة” أدى إلى أن يصبح حضور هذه الأحزاب “رمزياً ومقتصراً على بعض القادة التاريخيين والناشطين الذين بقوا أصحاب قضية ورسالة، واستمروا بنضالهم دون اهتمام بحسابات الربح والخسارة. وعاشوا قابضين على جمرة السياسة والمعارضة، رغم الأثمان الباهظة التي دفعوها واستمروا بدفعها”.
من جهته، يعود الدكتور معاذ الخطيب، المعتقل السياسي السابق، إلى نشاطه السياسي في فترة حكم حافظ الأسد، حيث كانت الأحزاب مجموعة من الأسماء التي يتناقلها الناس سراً، إذ “كانت الأحزاب المعارضة محصورة بثلاثة توجهات: الشيوعية والقومية والإسلامية. من جهتي، تعرفت إليها في مدينتي قطنا من خلال بعض منتسبيها والقراءات الخاصة. الأحزاب بالنسبة إلينا كانت مجموعة من الكتب المستعارة وأشخاص يدخلون السجون، ولكن هذه الأحزاب لم تكن موجودة على أرض الواقع، فلا برامج ولا مشاركة بالانتخابات، وعملها السري فرض عليها الاختباء دوماً، والهاجس الأمني شلّ حركتها”. ويضيف الخطيب أن ما يُعرف في الدول الأخرى ببرامج العمل كانت غائبة عن سورية “حتى حزب البعث (الحاكم) لم يضطر مرة إلى تقديم برنامج سياسي واحد”. ويشير بأسف إلى أن ديكتاتورية الأسد حولت الأحزاب إلى مجرد “شِلل (مجموعات) متفرقة ومغلقة على نفسها”.
وعن دور التشكيلات السياسية الموجودة بسورية في المرحلة الحالية، عقب سقوط نظام بشار الأسد، يرى جمال سعيد أن الأحزاب والقوى السياسية التي كانت ضمن الجبهة الديمقراطية والتي “دجنها نظام الأسدين، الأب والابن” يصعب “إن لم نقل يستحيل أن تقوم بدور مهم في المجتمع”. أما “القوى المعارضة التي شلها القمع المباشر، فقد حاولت رغم قدراتها المحدودة أن تلعب دوراً، سواء في تشكيل جبهات معارضة تنشد التغيير الديمقراطي والتي شاركت في صناعة ربيع دمشق بعد 17 تموز عام 2000. ومع أن القمع المباشر شل قوى ربيع دمشق بعد 21 شباط 2001 فقد بقي لها وجود ضمن حدود الإعلام خارج سورية”.
السياسة في زمن الثورة
جرت عدة محاولات لتشكيل أجسام سياسية وقوى مدنية ذات معنى في فترة الثورة السورية، 2011 – 2024، ولكنها كما يقول جمال سعيد: “عانت من القمع على أيدي النظام وعلى أيدي المعارضة المتشددة”، وأعلت المواجهات العسكرية والحرب التي شنها النظام على السوريين من مكانة السلاح وسيطرة الفصائل المطلقة في ظل استمرار الحوار بالأسلحة وارتكاب المجازر.
ويرى أحمد العربي من جهته أن الحراك السياسي في زمن الثورة لم يكن قادراً على اللحاق بركبها ومخاطبة السوريين رغم تشكيل عدة أجسام سياسية توافق المجتمع الدولي على تمثيلها للثورة، ولذلك تغيب هذه الأجسام عن المشهد الآن، ويشير إلى أن هذه الأجسام ضمت في صفوفها أعضاءً من الأحزاب المعارضة السورية “الكوادر السياسية للعمل السياسي المعارض في المجلس الوطني والائتلاف، وما تفرع عنه كان يضم بعض المعارضين للنظام الذين يرجعون بانتسابهم إلأى الأحزاب المعارضة السابقة. وهكذا أُعيد إحياء دور بعض الأحزاب للقيام بهذا الدور”.
ويضيف أحمد العربي أن نظام بشار الأسد لعب دوراً في إفشال هذه الأجسام السياسية عبر غضّ النظر عمّا سُمّي بـ “معارضة الداخل” لإلغاء “وحدة تمثيل المعارضة السياسية السورية وإغراق هذه الأجسام التي شكلت هيئة التفاوض في مباحثات عديمة الجدوى حول الدستور”، ويضيف أحمد العربي أن كل ذلك تسبب في “تجميد الدور السياسي للمعارضة منذ أقل من عقد”.
سورية بعد الأسد: إعادة بناء أم فوضى سياسية؟
يقدم الدكتور الخطيب رؤية متشائمة نوعاً ما لمستقبل العمل الحزبي في سورية، رغم إشادته ببعض الشخصيات، سواء المنضوية في أحزاب المعارضة القديمة، أو حتى من تلك التي برزت بعد انطلاق الثورة، ويقول: “منذ 2011 فشلت كل المحاولات السورية في تشكيل أي حزب ذي معنى، إذ اعتمدت تلك المحاولات على استخدام مصطلحات مستهلكة في الكتب والتجارب السابقة لتكتب نظامها الداخلي وبرامجها المتخيلة”. ويضيف الخطيب في توضيح وجهة نظره: “ما أراه أمامي هو مجتمع سوري مفكك، لا يوجد في سورية تجمع لقوى ذات معنى، سواء اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية. وبالتالي لا أرى أحزاباً سورية قادمة ذات وزن، بغض النظر عن بعض المحاولات من هنا وهناك لسوريين يبحثون عن دور… لكنهم يعيدون الكلام نفسه الذي نعرفه جميعاً”.
من جهته، يبدي أحمد العربي تفاؤلاً بعكس الخطيب، رغم أنه يجزم بأنه لن يكون هناك حضور “للبنية الحزبية والفكرية التي توالدت قبل سبعة عقود وأكثر في سورية” على شكلها السابق، إلا أنه يرى أن هناك فرصاً لها بالحضور في المشهد إذا ما قامت بـ”مراجعة تجاربها بوحي عقلية النقد الذاتي، وأن تكون الأولوية عند من يتصدى لبناء الأحزاب السورية لقراءة الواقع وما يجب فعله من أجل المستقبل، وأن يكون الهم المجتمعي والسياسي هو الحاضر وليس البعد العقائدي الأيديولوجي الذي تراجع للخلف عالمياً، وليس في سورية فقط”.
ولجهة تأسيس أحزاب جديدة، يعتقد أحمد العربي أنه يجب أن “يكون الهم المجتمعي من تأمين فرص العيش والبناء ودعم العقلية الديمقراطية في الحكم والبنّاءة مجتمعياً” حاضراً في أي مسعى سياسي جديد، وأن “يكون الصالح العام هو الحكم وأن يتم بناء عقلية تقبل الآخر والتعاضد معه لبناء سورية المستقبل”، مشيراً إلى أن “سورية تحتاج عقلاً جديداً يتجاوب مع عقل جيل شبابها الذي صنع الثورة والذي سيصنع مستقبلها الأفضل”.
وبالرغم من سيطرة هيئة تحرير الشام، التي حلت نفسها، على مقاليد الحكم بعد إسقاط الأسد، وتسلُّم أعضائها المفاصل المهمة في الجيش والأجهزة الأمنية، يعتقد جمال سعيد أن “الأفق لا يزال مفتوحاً لتشكل الأحزاب”، معبراً عن خشيته من أن هذا الأفق “يضيق شيئاً فشيئاً”. ويضيف سعيد: “إن توفرت الحريات السياسية، ستستمر بعض القوى الموجودة في المجتمع مثل الأحزاب القومية الكردية، وباعتبار أن الموجة الاسلامية لا تزال قوية، فلا بد من قوى إسلامية ضمن المجتمع تتدرج من الاعتدال إلى التشدد الراديكالي، وقد يقابل ذلك بأحزاب للطوائف بعضها قائم الآن مثل رجال الكرامة، وهي حالة قابلة للتطور في إطار الصراع السياسي”.
“الإسلام السياسي” حاضر بقوة
وتبقى تجربة الأحزاب الإسلامية حاضرة في النقاش السوري حول ماهية الحراك السياسي القادم، ولا سيما بعد بروز عدة تجارب في العالم العربي مختلفة نوعاً ما عن حركة الإخوان المسلمين، التي كانت مهيمنة نوعاً ما على الحراك السياسي الإسلامي في سورية. ويرى معاذ الخطيب أن الإسلام السياسي سيكون له دور كبير في مستقبل الحراك السياسي السوري انطلاقاً من محورية الدين في المجتمع السوري “إذا كان لشيء حقيقي أن يحدث في سورية، فأعتقد أنه سيكون إسلامياً. وأعتقد أنه إذا ترك ليتطور، فسيصل إلى فصل الدين عن الدولة، فالأحزاب الإسلامية تعلمها التجربة وتتطور”.
وعن ماهية الأحزاب الجديدة التي من الممكن تشكلها في سورية أو استمرار تلك المشكلة مسبقاً، يرى جمال سعيد أن حضورها ضروري في مواجهة الأحزاب الدينية والقومية، ويرى أن “حضور الأحزاب الدستورية والديمقراطية ذات الصبغة السورية (بدلاً من الصبغة العروبية) سيمتلك حظاً أوفر من الأحزاب القومية والشيوعية. أعتقد أن ذلك كله لن يلغي وجود أو قيام أحزاب عروبية أو شيوعية تحت مسميات جديدة، مثل حزب الإرادة الشعبية، وقد يستمر الوجود الرمزي لأحزاب (يعتبرها البعض تقليدية الآن) مثل حزب الشعب وحزب العمل الشيوعي”.
وفي ظل “تراجع الأيديولوجيات” في العالم، يرى سعيد أنه بالرغم من أن “الرابط البرنامجي هو الأهم، ثمة رابط أيديولوجي بين أعضاء أي قوة سياسية يرتبط بدين أو بقومية (أو برفض أحدهما أو برفضهما معاً) أو بالعدالة الاجتماعية أو بالعلمانية أو بتوليفة انتقائية من مشارب أيديولوجية مختلفة”، ويضيف أنه يعتقد أن “الأيديولوجيات الأوفر حظاً في هذه الأيام هي الأيديولوجية التي ترتكز على مفهوم الحرية السياسية المقترنة بالمواطنة المتساوية والأيديولوجية الدينية التي تدعو بالعمق إلى نوع من الحاكمية الإسلامية، مضيفة إليها شيئاً من بهارات العصر”.
ويؤكد سعيد أن سورية ستكون في أفضل أحوالها إذا “تشكلت فيها دولة مواطنة على أسس مدنية ديمقراطية علمانية، واحتمال أن يتحقق ذلك سيقتضي جبهة عريضة مكونة من أحزاب عديدة، ترفض الاستبداد الفردي وتؤمن بالتداول السلمي، ولن تقوم قائمة الديمقراطية، كما أعتقد، إلا بتحقق وجود جبهة كهذه”.
هل يمكن بناء ديمقراطية دون أحزاب؟
التجربة العالمية تُظهر أن الديمقراطية تحتاج إلى أحزاب، حتى لو كانت شعبية الأحزاب في تراجع أمام الأفكار الشعبوية التي تطغى على الدول في الآونة الأخيرة مع بروز اليمين، ولا سيما في العالم الغربي الذي يعتبر حصن الديمقراطية. وتقول نانسي روزينبلوم، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، في تقرير في “مجلة المعرفة/ Knowable Magazine” بعنوان “الأحزاب تواجه أزمة ثقة، لكنها تبقى العمود الفقري للديمقراطية” ناقش فرضيات بناء الديمقراطية دون أحزاب: “يحاول الناس في عالم السياسة كثيراً الالتفاف على الأحزاب السياسية ومخاطبة الشعب مباشرةً. لكن في الواقع من دون أحزاب سياسية ستشيع الفوضى”.
وعليه، يبقى السؤال في سورية عن إمكانية بروز جيل جديد من الأحزاب والسياسيين القادرين على الانخراط في تحديات المرحلة الحالية، وهي عديدة وعميقة، أم أن الفراغ السياسي الحالي ستملأه الفوضى والصراعات، ويسود الخطاب الشعبوي المدعوم بقوة من القيادات المحلية، دينية كانت أو عشائرية؟ ومن الواضح أن الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مصير سورية لعقود قادمة.
العربي الجديد