الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 10 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
————————–
هل تسهم التشكيلة الوزارية الجديدة في رفع العقوبات عن سوريا؟/ باسل المحمد
10/4/2025
بعد شهور من المشاورات والتكهنات، أبصرت التشكيلة الوزارية الجديدة في سوريا النور، وسط تحديات سياسية واقتصادية كبيرة، راكمتها عقود طويلة من فساد نظام الأسد (الأب والابن)، لتضم الوزارة 23 وزيرا بينهم امرأة، مثلوا أغلب المكونات الطائفية والعرقية للشعب السوري.
وفي ظل تاريخ طويل من العقوبات التي فرضت على سوريا منذ عهد النظام السابق، تُطرح هذه الخطوة على أنها نقطة تحول محتملة، قد تشكل بداية لتغيير معادلات العلاقات الدولية والاقتصادية مع سوريا.
وبينما تحاول القيادة السورية الجديدة رسم ملامح إصلاحية تجذب الاستثمارات وتفتح أبواب التقارب مع المجتمع الدولي، يبقى السؤال قائما: هل ستسهم هذه التشكيلة الوزارية في كسر الحلقة المفرغة للعقوبات وإعادة بناء الاقتصاد الوطني، والمباشرة بعملية إعادة الإعمار، أم أن الطريق نحو تحقيق ذلك سيظل طويلا ومعقدا، ومشروطا بمتطلبات سياسية وأمنية صارمة ترتبط بمصالح الدول التي فرضت هذه العقوبات؟
الشرع يترأس أول جلسة للحكومة السورية الجديدة (الفرنسية)
ترحيب دولي مشروط
لاقى إعلان تشكيل الحكومة السورية الجديدة أواخر مارس/آذار الماضي، ترحيبا حذرا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث أعربا عن استعدادهما للتعاون مع الحكومة الجديدة، ووصفا هذه الخطوة بأنها “تطور إيجابي” يعكس محاولات واضحة لإعادة هيكلة الدولة على أسس جديدة.
غير أن هذا الترحيب لم يكن تفويضا مفتوحا، بل جاء مشروطا بجملة من المطالب السياسية والحقوقية، عبرت عنها واشنطن وبروكسل بشكل منسق، مما يعكس تطابق رؤية الطرفين في موقفهما من الحكومة الجديدة، مشددين في الوقت نفسه على ضرورة تنفيذ إصلاحيات جوهرية كشرط لتخفيف محتمل للعقوبات.
وكان بيان الاتحاد الأوروبي متقدّما في تجاوزه الترحيب، إذ أكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن الاتحاد مستعد للتعاون مع الحكومة الجديدة لمساعدتها على مواجهة التحديات الهائلة التي تنتظرها.
وأوضحت كالاس أن الاتحاد الأوروبي ينظر بإيجابية إلى المرحلة الانتقالية في سوريا، مشيرة إلى أن أوروبا ستعمل على تقديم الدعم اللازم لعملية إعادة الإعمار، بشرط ضمان التزام الحكومة الجديدة بمبادئ حقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية، وإشراك جميع الأطياف السورية في العملية السياسية.
في المقابل، كان الموقف الأميركي أكثر تشددا، فبعد ترحيبها بتشكيل الحكومة الجديدة، لفتت واشنطن إلى أنها لن تخفف العقوبات حتى تتحقق من إحراز تقدم بشأن “الأولويات” التي حددتها الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس خلال مؤتمر صحفي في 31 مارس/آذار بالقول “ينبغي للسلطات المؤقتة في سوريا أن تنبذ تماما الإرهاب وتقمعه، وتستبعد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من أي أدوار رسمية، وتمنع إيران ووكلاءها من استغلال الأراضي السورية”.
كما طالبت السلطات السورية “باتخاذ خطوات هادفة لتدمير الأسلحة الكيميائية لنظام بشار الأسد بشكل يمكن التحقق منه، والمساعدة في العثور على المواطنين الأميركيين وغيرهم ممن اختفوا في سوريا، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية”.
التكونقراط ورفع العقوبات
إلى جانب ترحيبها بالحكومة الجديدة، أرسلت الولايات المتحدة رسائل تفيد بأنها ترى في التشكيلة الوزارية الجديدة “حكومة تكنوقراط”، وذلك بحسب تصريحات صحفية لجويل رايبورن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية، الذي اعتبر أن “الشعب السوري هو من يقيم الحكومة الجديدة”.
وقد ضمت الحكومة الجديدة عددا كبيرا من الخبراء والفنيين في مختلف القطاعات، وهو ما منحها طابع “التكنوقراط”، وهذا الاتجاه يرى محللون أنه يشكل عنصرا محوريا في تغيير معادلة العلاقة مع الغرب، إذ إن التركيز على إدارة الدولة بكفاءة وخبرة، إلى جانب الابتعاد عن المحاصصة والتحزبات السياسية يجذب دعم وتقدير الجهات الدولية، مما يعزز فرص رفع العقوبات الاقتصادية، ويخلق فرصا لتحقيق إصلاحات شاملة ومستدامة.
وتعليقا على ذلك، يرى منسق فريق “قانون قيصر” في المعارضة السورية عبد المجيد بركات، أن آلية رفع العقوبات أو تخفيفها تحتاج إلى عملية متكاملة تسير بالتوازي مع عدة اتجاهات قد يكون الأداء الوظيفي والإداري والخدمي للدولة السورية جزءا من هذه العملية، وبالتالي فإن جزءا من الأمر متعلق بتشكيل هذه الحكومة وبشخوص الوزراء ومدى تنوعهم ومدى تمثيلهم للمكونات السورية.
ويرى بركات، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه التشكيلة الوزارية تعطي انطباعا إيجابيا للمجتمع الدولي للبدء بعملية رفع العقوبات، خاصة بعد أن رأى إشارات إيجابية في تشكيلها، من ناحية اعتمادها على عناصر “تكنوقراطية” تمتلك خبرة وكفاءة.
وفي كلمة ألقاها عقب أدائه صلاة عيد الفطر في قصر الشعب، قال الرئيس السوري أحمد الشرع “سعينا قدر المستطاع أن نختار الأكفاء.. وراعينا التوسع والانتشار والمحافظات وراعينا أيضا تنوع المجتمع السوري، رفضنا المحاصصة ولكن ذهبنا إلى المشاركة في تشكيل الحكومة واختيار وزرائها”.
من ناحيته، يرى المحامي والناشط الحقوقي غزوان قرنفل أن هذه التشكيلة الحكومية ليست مقنعة بشكل كبير للغرب، لكنه حاليا مضطر لإقناع نفسه إلى حد ما أنها مقبولة، خصوصا أن فيها تمثيلا مقبولا لمكونات الشعب السوري.
ويرى قرنفل، في حديثه للجزيرة نت، أن الغرب له مصلحة كبيرة في استقرار الأوضاع في سوريا، لذا سيلجأ إلى دعم هذه الحكومة لتسوية العديد من الملفات السياسية والإنسانية، على رأسها ملف اللاجئين الذي أصبح يشكل ضغطا كبيرا على الحكومات الغربية.
الحكومة والمطالب الدولية
رغم الإشارات والتصريحات الإيجابية، التي عكست إلى حد كبير حالة الرضا الدولي عن تشكيل أول حكومة سوريا انتقالية، فإن سلوك هذه الدول يشير إلى أن موضوع رفع العقوبات لا يتعلق بتشكيل الحكومة فقط، وإنما يرتبط بشكل أساسي بقدرتها على تنفيذ مطالب هذه الدول في سوريا.
وفي هذا السياق، لا يعتقد مدير وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات سمير العبد الله أن رفع العقوبات المفروضة على سوريا مرتبط بشكل أساسي بتشكيلة الحكومة الانتقالية الجديدة، فالحكومة وفقا للظروف الراهنة التي تمر بها البلاد والتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية القائمة، تُعد مقبولة من حيث تركيبتها، إذ حاولت تمثيل مختلف المكونات السورية، رغم احتفاظ “هيئة تحرير الشام” بالحقائب السيادية، على حد قوله.
ويوضح العبد الله، في حديثه للجزيرة نت، أن رفع العقوبات يرتبط بصورة أعمق وأوسع بسلوك الحكومة وسياساتها تجاه ملفات رئيسية، كقضية الأقليات وحقوق الإنسان، ومكانة سوريا في النظام الإقليمي، والعلاقات مع قوى مؤثرة دوليا وإقليميا، وعلى رأسها إيران وروسيا وإسرائيل، ومسألة مكافحة الإرهاب، ومصير المقاتلين الأجانب في سوريا.
وفي المقابل، يرى رئيس المجلس السوري الأميركي فاروق بلال أن الإدارة السورية الجديدة عملت على تلبية هذه المطالب حتى قبل تشكيل الوزارة الجديدة، وذلك بعد زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف إلى دمشق في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعدد بلال أمثلة على تجاوب دمشق مع هذه المطالب، منها تشكيل لجنة للبحث والتقصي عن مصير الصحفي أوستن تايس والمفقودين الأميركيين معه، ومنها أيضا الترحيب بدخول لجنة الأمم المتحدة الخاصة بأسلحة الدمار الشامل إلى سوريا، إلى جانب استعداد الإدارة الجديدة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
وقد لاقت هذه الإجراءات صدى مؤثرا في الدول الأوروبية التي قامت بتخفيف العقوبات، واستعدادها لدعم هذه الحكومة، إلى جانب فتح علاقات دبلوماسية وفتح بعض القنصليات والسفارات في سوريا، بحسب بلال.
معضلة التصنيف
إلى جانب الشروط الأميركية والأوروبية، تبرز عقبة أخرى في مسألة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، تتمثل بتصنيف هيئة تحرير الشام (تم حلها) وقائدها الرئيس السوري الحالي على قوائم الإرهاب الأميركية والأوروبية.
ومما يزيد المشهد تعقيدا أيضا -بحسب خبراء- هو وجود شخصيات ضمن التشكيلة الوزارية الجديدة مصنفين على هذه القوائم، مثل وزير الداخلية أنس خطاب (أبو أحمد حدود).
وبناء عليه، يرى المحامي قرنفل أن رفع العقوبات سيتأخر نسبيا بسبب استمرار تصنيف هيئة “تحرير الشام” وكوادرها على لوائح الإرهاب، رغم إعلان الرئيس الشرع حلها، فإن الغرب ما زال يرى أن هذا الحل “صوري” فقط.
ورغم ذلك، يتابع قرنفل، فإن الغرب يتعامل مع الإدارة السورية الجديدة دون التقيد كثيرا بموضوع التصنيف، مما يشير إلى وجود توجه أميركي أوروبي لرفع العقوبات مستقبلا، لكن على طريقة تنفيذ سياسة “خطوة مقابل خطوة” مع القيادة السورية في دمشق.
ويتوقع العبد الله أن حل هذه المعضلة والإسراع في رفع العقوبات، إلى جانب معالجة الكثير من المسائل، سيناقش خلال اللقاء المتوقع عقده بين ترامب والشرع في الرياض برعاية سعودية.
وكانت مصادر إعلامية كشفت عن ترتيبات جارية لعقد لقاء قريب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع، وذلك على هامش الزيارة المرتقبة لترامب إلى السعودية منتصف مايو/أيار المقبل.
عقوبات اقتصادية أم سياسية؟
أمام تمسك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشروط الاعتراف بالحكومة السورية، يبدو أن رفع هذه العقوبات بشكل كامل لا يزال بعيد المنال، إلا أن هذه التشكيلة الوزارية تمهد بحسب مراقبين إلى تخفيف تدريجي لهذه العقوبات، خصوصا المرتبط منها بالقطاعات الإنسانية والخدمية.
وكانت الإدارة الأميركية اتخذت سلسلة من هذه الخطوات تجاه دمشق، أبرزها القرار الصادر عن وزارة الخزانة في يناير/كانون الثاني الماضي برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية عن سوريا لمدة 6 أشهر، بهدف تمكين الحكومة السورية من تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.
وفي 27 يناير/كانون الثاني الماضي، اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على “خريطة طريق” لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا في عهد النظام السابق وعدة قطاعات اقتصادية خلال الحرب السورية. وشمل التخفيف قطاعات حيوية مثل الطاقة والنقل والمؤسسات المالية.
إلى جانب ذلك، أقرت الخارجية البريطانية تخفيفا للعقوبات المفروضة على سوريا في السادس من مارس/ آذار الماضي تضمن حذف 24 كيانا سوريا، بينها البنك المركزي وبنوك أخرى وشركات نفط، من قائمة العقوبات، وأوقفت تجميد أصولها.
وفي هذا السياق، يوضح السياسي عبد المجيد بركات إلى أن هذه التشكيلة الوزارية تشكل خطوة باتجاه عملية الانتقال السياسي الذي طالما دعت إليه الدول الإقليمية والغربية، مما سيسهم كثيرا في تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا.
ويستدرك بركات بالقول صحيح أن هذه العقوبات ذات طابع اقتصادي، ولكن جوهرها مرتبط بالسلوكيات السياسية والقانونية والأمنية والعسكرية للدولة السورية الجديدة، وبالتالي فإن هذه السلوكيات هي التي تحدد ما إذا كانت العقوبات سترفع بشكل نهائي، أم أن الدول الغربية ستكتفي بتخفيفها تدريجيا.
المصدر : الجزيرة
————————–
هل غيرت الولايات المتحدة موقفها من الحكومة السورية؟/ طارق الشامي
لا تأكيد رسمياً لكن تغيير تصنيف بعثة دمشق في الأمم المتحدة ربما يكون ورقة ضغط
الخميس 10 أبريل 2025
قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركي تامي بروس يوم الثلاثاء الثامن من أبريل (نيسان) الجاري إن تشكيل الحكومة السورية، أو ما وصفته بـ”الهيئة الاستشارية”، شمل مجموعات إضافية في سوريا، لكنها اعتبرت أن هناك كثيراً مما كان يجب القيام به ولم يجر إنجازه بعد.
وفي ما بدا كنوع من الانتقاد وعدم الرضا، أشارت المتحدثة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تنتظر اتخاذ مزيد من الإجراءات لأن هناك توقعات لم تتحقق بعد.
على مدار أسبوع، امتد الجدل في الدوائر السياسية والإعلامية حول ما إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترمب غيرت موقفها من الحكومة الانتقالية في سوريا، بعدما خفضت الوضع القانوني للبعثة السورية لدى الأمم المتحدة في نيويورك من بعثة دائمة لدولة عضو إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من الولايات المتحدة، فما حقيقة هذا الإجراء الأميركي ودلالاته في هذا التوقيت، ولماذا لم يرافقه إعلان رسمي واضح من الخارجية الأميركية يشير إلى هذا التغيير؟
إجراء إداري أم سياسي؟
منذ الخميس الماضي نشرت مواقع صحافية وإعلامية عربية إخطاراً أرسلته الخارجية الأميركية إلى الوفد السوري في الأمم المتحدة يفيد بإلغاء واشنطن تأشيرات “جي 1” التي تمنحها عادة للدبلوماسيين الذين يمثلون حكومات معترف بها، واستبدلتها بتأشيرات “جي 3″، التي تمنحها للمواطنين الأجانب المعتمدين لدى المنظمة الدولية، ولكن حكوماتهم غير معترف بها من الولايات المتحدة، وفسرت بعض وسائل الإعلام العربية هذا الإجراء باعتباره دليلاً على تراجع الإدارة الأميركية عن الاعتراف بالحكومة السورية الموقتة.
وسائل الإعلام الأميركية لم تتطرق إلى الخبر ولم يرافقه أيضاً إعلان أو بيان رسمي صريح من السلطات الأميركية أو وزارة الخارجية يقول إن الإجراء يحمل هذا المغزى، ومع ذلك قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركي تامي بروس يوم الثلاثاء الثامن أبريل (نيسان) الجاري إن تشكيل الحكومة السورية أو ما وصفته بـ”الهيئة الاستشارية”، شمل مجموعات إضافية في سوريا، لكنها اعتبرت أن هناك كثيراً مما كان يجب القيام به ولم يجر إنجازه بعد.
وفي ما بدا كنوع من الانتقاد وعدم الرضا، أشارت المتحدثة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تنتظر اتخاذ مزيد من الإجراءات لأن هناك توقعات لم تتحقق بعد، ولذلك ستنتظر الإدارة الأميركية ما ستفعله الحكومة السورية، مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية تتوقع أن تلتزم دمشق بقانون حقوق الإنسان، والالتزام بالقوانين العامة لما يجب أن تكون عليه الحكومة اللائقة.
ورقة ضغط
وفيما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية قوله إن خطوة تغيير الوضع القانوني للبعثة السورية في نيويورك هي “خطوة فنية وإدارية بحتة، ولا تعكس أي تغيير في الموقف تجاه الحكومة الجديدة”، بدا الإجراء الأميركي كورقة ضغط على الحكومة السورية التي ترى الإدارة الأميركي أنها تأخرت كثيراً في تلبية طلباتها، على رغم أن واشنطن لم تذكر صراحة أنها تغير موقفها أو تعدله نتيجة هذا الاستياء.
وتأتي هذه الخطوة في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة من قبل أنها ستواصل مراقبة تصرفات السلطات الموقتة وتحديد خطوات أميركا المستقبلية بناء على تقييماتها، لا سيما في ما يتعلق بالعقوبات، في إشارة إلى أن أي تغيير في السياسة الأميركية يعتمد على سلسلة من الإجراءات، تشمل أيضاً نبذ الإرهاب وقمعه بصورة كاملة، واستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب الرسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية. وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستواصل مراقبة تصرفات السلطات الموقتة وتحديد الخطوات المستقبلية بناء على تقييماتها، لا سيما في ما يتعلق بالعقوبات.
كما تطالب الولايات المتحدة النظام السوري الجديد باتخاذ خطوات قابلة للتحقق لتفكيك أسلحة بشار الأسد الكيماوية، والمساعدة في استعادة المواطنين الأميركيين وغيرهم ممن اختفوا في سوريا، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية.
قلق مستمر
وتظهر كلمة سفيرة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية دوروثي كاميل شيا، قبل هذا الإجراء بأسبوع واحد، مدى قلق واشنطن تجاه عملية الانتقال السياسي المتأرجحة في سوريا، إذ أكدت أمام مجلس الأمن في الـ25 من مارس (آذار) الماضي دعمها “لعملية انتقال سياسي تثبت أن الحكم الرشيد غير الطائفي هو السبيل الأمثل لتجنب مزيد من الصراع”. وأعربت بوضوح في ذلك الوقت عن قلق الولايات المتحدة من أن إطار مسودة الدستور لا يسير في الاتجاه الصحيح، وأن واشنطن تراقب الاختيارات الخاصة بالمناصب الوزارية.
كما رحبت دوروثي شيا باتفاق الـ10 من مارس مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لدمج الشمال الشرقي في “سوريا موحدة”، ووصفت هذا الاتفاق بأنه “خطوة أولى متواضعة في السعي نحو سوريا مستقرة ومستقلة”، لكنها لم تخف التوجس من أنه لكي يكون هذا الاتفاق ذا معنى، يجب استكماله بتفاصيل تتضمن هيكلاً أمنياً موحداً للدولة يضمن ألا تشكل سوريا تهديداً خارجياً للدول المجاورة، وأن تكون قادرة على هزيمة تنظيم “داعش” المتمركز في سوريا أو غيره من الجماعات المتطرفة العنيفة، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق السلام والأمن في المنطقة، وإلى سوريا مستقرة، خالية من النفوذ الخارجي، تحترم حقوق جميع السوريين، وتمنع الإرهابيين من استخدام ذلك البلد منصة لهم.
وخلال عطلة عيد الفطر، حذرت وزارة الخارجية الأميركية مواطنيها من تزايد احتمال وقوع هجمات والتي قد تستهدف السفارات والمنظمات الدولية والمؤسسات العامة السورية في دمشق عبر هجمات أفراد مسلحين أو باستخدام عبوات ناسفة، كما أصدرت وزارة الخارجية الأميركية أيضاً تحذيراً في شأن السفر إلى سوريا من المستوى الرابع الذي يحظر السفر، بسبب ما وصفته بالأخطار الكبيرة المتمثلة في الإرهاب، والاضطرابات المدنية والاختطاف واحتجاز الرهائن والصراع المسلح والاحتجاز غير العادل.
تدخل مطلوب
وعلى رغم ذلك يبدو أن الولايات المتحدة لا تكتفي بدور الناصح الأمين وإنما تتدخل احياناً وتقدم مطالبها أو شروطها للحكومة السورية مثلما قدمت مجموعة من الشروط كي تخفف العقوبات جزئياً، بما في ذلك مطلبها بعدم تولي أي مواطن أجنبي مناصب عليا في الحكومة، وهو ما نقلته ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد المشرق وسوريا، إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال اجتماع على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في الـ18 من مارس الماضي، مما شكل أول تواصل مباشر رفيع المستوى بين واشنطن ودمشق منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025. ولهذا ربما تشهد العلاقة تحولاً من الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على تواصل مباشر مع القيادة السورية للتأثير في قراراتها المتعلقة بحماية الأقليات، والتنمية الاقتصادية والقضايا الأمنية، لأن تجاهل المجتمع الدولي للقيادة السورية الجديدة بصورة تامة من شأنه أن يسمح للقوى الإقليمية بفرض مستقبل البلاد وفق شروطها الخاصة.
وإذا كان الرئيس ترمب أبدى انتقاداً مبطناً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض يوم الإثنين الماضي، معتبراً أنه لا يستخدم أسلوباً عقلانياً في تصرفاته حيال سوريا، ربما يكون من المناسب الآن أن تعمل الولايات المتحدة على الاستعداد لتحول سوريا إلى دولة فاشلة عبر تجنب أسوأ الاحتمالات، إذ تترنح سوريا على أرض مجزأة تفتقر إلى حكومة فعالة وتخضع لسيطرة مصالح أجنبية، ولهذا يجب على واشنطن رفض الخيار الزائف بين الاعتراف الكامل بالحكومة السورية الموقتة أو الانسحاب الكامل، وبدلاً من ذلك يتطلب الأمر أن تنخرط بانتقائية، فتمارس الضغط عند الضرورة، وتقدم الحوافز عند الحاجة.
ملامح تحول
وبينما يبدو التحرك الأميركي محدوداً وبطيئاً ومتردداً، فإن ملامح تحول قليلة بدأت تظهر خلال الأسابيع الأخيرة وفقاً لتقرير نشرته لجنة خدمات الكونغرس الأميركي في الـ13 من مارس الماضي كتبه المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، كريستوفر بلانشارد، الذي أشار إلى أن الجيش الأميركي الذي حذر في عام 2024 من احتمال عودة ظهور فلول “داعش” في سوريا، استهدف عشرات الأهداف التابعة لـ”داعش” والقاعدة في سوريا منذ ديسمبر (كانون الأول) 2024، كما تواصل مسؤولون أميركيون مع قادة سوريا الموقتين لمناقشة خطط الأمن والتعافي والانتقال، على رغم ما صرح به الرئيس ترمب بأن المصالح الأميركية في سوريا محدودة، وأنه سيقرر مستقبل الوجود العسكري الأميركي هناك.
ومن علامات التحول أيضاً ما أفادت به وكالات الأمم المتحدة وشركاء التنفيذ الأميركيين من إعفاءات أميركية للمساعدات المنقذة للحياة، والتراخيص العامة للسماح ببعض المعاملات في سوريا بموجب العقوبات الأميركية بعد أن تسببت التغييرات الأخيرة في سياسة المساعدات الخارجية الأميركية في اضطرابات كبيرة في المبادرات التي تمولها الولايات المتحدة في سوريا، بما في ذلك دعم مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والبرامج الإنسانية.
لا تغيير في الأمم المتحدة
وفي حين توحي الإجراءات الأميركية الأخيرة في شأن خفض الوضع القانوني للبعثة السورية في نيويورك، بأنها ورقة ضغط إضافية على الحكومة السورية، إلا أن هذا الإجراء لم يغير من وضع الجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة بحسب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الذي أوضح أن مسألة العضوية تخضع للميثاق، ومسألة الاعتراف من اختصاص الحكومات.
ووفقاً للمتحدث الأممي، فإن قرار الدولة المضيفة بتغيير تأشيرات أعضاء البعثة الدائمة للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة لا يؤثر في مكانة سوريا داخل الأمم المتحدة، كما أنه لا يؤثر في مشاركة الأعضاء الدائمين في أعمال الأمم المتحدة ويسمح لهم باستمرار القيام بمهماتهم المتعلقة بعملهم مع الأمم المتحدة.
——————————————–
======================