تقنيةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

خطر يهدد أمن بيانات المجتمع المدني في شمال شرقي سوريا

ربى خدام الجامع

2025.04.10

مع تصاعد التهديدات السيبرانية على مستوى العالم، تواجه منظمات المجتمع المدني السوري مخاطر متزايدة بسبب القيود المالية، والتحديات التقنية، والضغوط السياسية. وللأسف، أدت هذه العوامل إلى ظهور ثغرات أمنية تهدد بيانات ووثائق العاملين في المجتمع المدني.

منذ اندلاع الاحتجاجات في عام 2011، لا تزال الهيئات المدنية والسياسية والعسكرية التي ظهرت في مختلف أنحاء سوريا تعمل ضمن حلقة مفرغة من الاتصالات المخترقة والانتهاكات المتكررة.

فعلى سبيل المثال، اعتمدت مناطق شمال شرقي سوريا خلال الحرب وبعدها على عدة مصادر لتأمين الاتصالات، أولها شبكة الاتصالات التابعة للنظام السوري، والإنترنت الفضائي، فخدمات الإنترنت التركية، وأخيراً شبكة “آرسيل” المحلية. وقد تسبب هذا التحول المتواصل بين الشركات المزودة لخدمة الإنترنت بحدوث فوضى كبيرة طالت أمن البيانات، ما تسبب بخسارتها وتعذر الوصول إليها.

ويؤكد عباس علي موسى، وهو ناشط في “رابطة التآزر” وهي منصة توثق المفقودين في سوريا، على أهمية التعامل بحذر مع هذا النوع من البيانات، لا سيما الشهادات والسجلات الخاصة بالضحايا أو أهاليهم.

ورغم أن الحفاظ على هذه المحفوظات أمر بالغ الأهمية لتوثيق جرائم الحرب والكشف عن مصير المفقودين، فإن منظمات المجتمع المدني في سوريا تفتقر إلى المهارات التقنية والموارد الكافية لحماية هذه البيانات، كما أوضح موسى، وأضاف: “يخصص معظم التمويل المتاح للمشاريع الميدانية والاحتياجات الإنسانية العاجلة، وليس لتطوير البنية التحتية التقنية”. وإلى جانب القيود المالية، تمثل حالة “انعدام الاستقرار على المستوى السياسي والتحديات اللوجستية” عقبات هيكلية تقف في وجه الجهود الساعية لتأمين البيانات الرقمية، على حد وصف موسى.

ونتيجة لذلك، لم يُعتمد الأمن الرقمي حتى الآن كممارسة أساسية بين منظمات المجتمع المدني، وهذا ما أضعف استراتيجيات حماية البيانات.

أمن رقمي يعاني من الإهمال

ذكرت هيليز فاتح عبدالعزيز” من منظمة “Insight”، وهي منظمة غير ربحية تعمل على توثيق جرائم الحرب في سوريا، بأن القيود المفروضة على التمويل تمنع  المنظمة من اعتماد ممارسات حازمة في مجال الأمن الرقمي.

وأضافت عبد العزيز لموقع SMEX بأن المنظمات غالباً تقلل من أهمية تأمين الموارد التقنية، وتعتبرها أولوية ثانوية رغم المخاطر التي تمثلها على سير العمل.

أما عباس موسى فقد ذكر بأن أغلب منظمات المجتمع المدني تتغاضى عن الأمن السيبراني بسبب نقص الكوادر المؤهلة، لاسيما خلال المراحل الأولى من تأسيسها. وكثيراً ما يركز المانحون على الاحتياجات العاجلة، ما يحرم الأمن الرقمي من التمويل الكافي. كما أن الاعتماد على متطوعين لأداء المهام التقنية يزيد من خطر تفاقم المشكلة، ويعرض البيانات والحسابات لمخاطر رقمية جسيمة.

وفي ما يتعلق بالتواصل الرقمي الداخلي، يوضح موسى بأن منظمات المجتمع المدني لا تستخدم البريد الإلكتروني الرسمي أو خدمات التخزين السحابي الآمن، وتعتمد بدلاً من ذلك على أقراص صلبة خارجية تخزن عليها معلومات آلاف المستفيدين ومشاريع كثيرة، وهذه الأقراص الصلبة تعرضت لأعطال متكررة على مدار السنين، ما تسبب بحدوث تلف كبير في البيانات.

وفي هذا السياق أطلقت شيرين إبراهيم من “جمعية دار لضحايا التهجير القسري”، وهي منظمة غير ربحية تُعنى باحتياجات الرجال والنساء المهجرين قسراً، تحذيراً من “الغياب التام لأي حماية مناسبة، لأن ذلك يعرض بيانات المستفيدين والمانحين والعاملين لاحتمال الاختراق أو التسريب”. وفي ظل ظروف الوضع الانتقالي لسوريا، فإن ذلك يمكن أن يشكل خطراً مباشراً على حياة الناس برأيها.

ثم إن فقدان السيطرة على نظم الاتصال يصعب عملية تنسيق جهود الإغاثة والعمل الإنساني ويعقدها، كما يؤدي إلى تشويه البيانات نتيجة الخروقات، مما قد يتسبب بتأخر الخدمات ويضعف من الأداء وكفاءته.

وفي بعض الحالات، يمكن أن تُستخدم البيانات المسروقة لاستهداف مجتمعات المستفيدين أو لتسريب معلومات حساسة تتصل بالناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، كما يمكن تزوير تلك البيانات أو التلاعب بها لتشويه سمعة المنظمة.

صراع رقمي ذو طابع عسكري– سياسي

في خضم التوترات السياسية والعسكرية في شمال شرقي سوريا، واجهت وسائل الإعلام المحلية والناشطون تحديات متزايدة في تأمين منصاتهم الرقمية، بما في ذلك محاولات اختراق وتقارير عن تقييد حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، نسبت في بعض الحالات إلى أطراف إقليمية فاعلة.

ورداً على ذلك، اعتمدت بعض المنظمات إجراءات لحماية بياناتها، إذ يخبرنا عباس موسى عن الإجراءات الوقائية التي صاروا يتخذونها لمنع حدوث أي خرق، فيقول: “لدينا نظم لحماية البيانات الحساسة تستعين ببرامج مدفوعة ومشفّرة لتخزين المعلومات، ولدينا موظف متخصص بإدخال البيانات لضمان عملية التحكم بالوصول إليها”.

إلا أن منظمات أخرى بقيت غير مهيأة لمواجهة التهديدات الرقمية، إذ تقول جيا قهرمان، وهي عضو في مجلس إدارة شركة Frontier Tech المتخصصة في حلول الويب والبرمجيات، بإنه على الرغم من التزام شركتها بمعايير عالية للحماية عند شراء المخدمات، فإن الأمن الرقمي ما يزال يعتبر تهديداً لأمنها الرقمي، وتشرح تلك الفكرة بقولها: “لا يبدي المسؤولون في منظمات المجتمع المدني والإعلام المحلي وأوساط الناشطين كبير اهتمام بالأدوات الوقائية أو برامج الحماية، إذ لم تتواصل معنا أي جهة لطلب استشارات حول تقنيات الحماية أو لتنظيم ورش تدريب معمقة حول هذا الموضوع، ما يعني بأن الأمن الرقمي مايزال يشهد حالة إهمال في أوساط منظمات المجتمع المدني في الداخل السوري”.

أدّت التوترات السياسية إلى تصاعد الانتهاكات الرقمية بين منظمات المجتمع المدني السوري. وتحدث عن ذلك مدير إحدى المنظمات، طالبًا عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، فقال: “خلال عملنا في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، تعاملنا مع جهة مانحة دولية كانت تنشط في كل من شمالي سوريا وشرقيها، كما كانت تعمل في دمشق، ونظراً لحساسية الوضع السياسي بين المنطقتين، اعترضنا على سياسة عدم الكشف عن المشاريع في شمالي سوريا وشرقيها، فأكدوا لنا على سرية المعلومات. لكن مع مرور الوقت، اكتشفنا بأن النظام السوري كان بوسعه الوصول إلى أدق تفاصيل العمل والاطلاع على بيانات أخرى”.

ومايزال العاملون في هذه المنظمات يعيشون في خوف من استمرار تلك التهديدات في سوريا اليوم، إذ تروي مديرة أخرى، فضّلت عدم ذكر اسمها، تجربتها مع أمن البيانات خلال عملها في ظل النظام السابق، فتقول: “عندما تعمل في العاصمة، فإن العمل على حماية البيانات يتحول إلى كابوس جاثم على صدرك على الدوام، إذ لم نكن ننفذ أي مشروع إلا مع جهات مانحة حاصلة على ترخيص للعمل في سوريا، أي أن الأجهزة الأمنية كانت على علم بنشاطات تلك الجهات. ومع ذلك، كنا نخشى من أي تسريب للمعلومات، خاصة تلك التي تتعلق بأسماء المستفيدين الذين يمكن أن يتعرضوا لمضايقات، فقد تعرض بعض المستفيدين بالفعل لمضايقات أمنية، وخضعوا لاستجواب بشأن نوع الدعم الذي تلقوه، وفي ذلك دليل دامغ على أن بياناتنا تعرضت للاختراق”.

أما في شمال غربي سوريا، وضمن المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام البائد، فقد كانت الظروف أشد قسوة. إذ في إدلب، تعرضت 53% من النساء لنوع من أنواع العنف الرقمي، وفقاً لإحصاءات مكتب تمكين المرأة.

دفع ذلك منظمات المجتمع المدني إلى تخصيص ميزانيات كبيرة من أجل تأمين البيانات وحماية الموظفين، ما أدى إلى إطلاق منصة “سلام تك” الرقمية في مطلع عام 2012، والتي قدمت دعمًا تقنياً عاجلاً لنحو 17,172 سورياً وسورية عبر الإنترنت من خلال خط طوارئ خصص لمساعدة الناس.

ورغم المخاطر الكبيرة المرتبطة بالأمن السيبراني التي تواجهها منظمات المجتمع المدني في سوريا، لم تعتمد تلك الجهات بعد إجراءات فعالة لحماية بياناتها من الاختراق والتسريب.

وفي ظل كل التغيرات الحاصلة في البلد، تستمر هذه المنظمات في عملها من دون أن تضع أي خطط أو استراتيجيات متماسكة لتوفير الأمن الرقمي، على الرغم من أن ذلك يمكن أن يُفضي إلى كارثة رقمية في نهاية المطاف.

المصدر: ADVOX

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى