أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

سوريا الجديدة : خيوط اللعبة الإقليمية تتشابك خلف الكواليس/ سعد فنصة

ليس الهدف من هذه المقالة استعراضًا عابرًا لمقتطفات  سبق أن نشرتها على منصات التواصل الاجتماعي ، أو تلك التي تطرقت إليها في أحاديثي مع الأصدقاء والمعنيين. أو مجرد إعادة تدوير لما يُقال هنا وهناك.

هذه محاولة لكشف الواقع المرير الذي يعيشه المشهد السوري بعد سقوط النظام البائد، حيث يواصل الجميع بيع الشعارات والوعود، تمامًا كما كانت تُباع الأوهام سابقًا للشعب السوري باسم الثورة والتغيير.

الجار الاسرائيلي ،  الذي يملك مفاتيح الشرعية في المنطقة، لن يمنح  صك البراءة للنظام الجديد في دمشق. فهي ترى فيه كيانًا هشًا، لا يستحق الاعتراف أو الشراكة، لأنه لا يمثل حكومة منتخبة أو قابلة للحياة على المدى الطويل.

أما الولايات المتحدة، فهي تمضي في لعبتها الكبرى ضد إيران، مستخدمة سوريا كأداة ضغط إضافية في معادلة أكبر تشمل الملفات النووية، الإرهاب، وحتى النفوذ الروسي والصيني.

هذه القراءة ليست ترفًا فكريًا أو محاولة لملء الفراغ بالنقاش، بل هي محاولة جادة لفهم ما يدور خلف الكواليس.

سوريا اليوم ليست سوى جزء من لوحة إقليمية معقدة، أُعيد رسمها بمزيج من العنف والتواطؤ الدولي، وما زال المستقبل يلوح بأفق مليء بالمفاجآت، بعضها قد يأتي – إذا صحت توقعاتي – بحلاقة لحية خامنئي، او تشذيبها .. مع لحى أخرى سبقته  ، أو ما هو أكثر من ذلك بكثير. …!!

سوريا بين مطرقة التحرير وسندان القوى الخارجية

في هذه المقدمة، أستعرض واقع سوريا المعقد بعد تحريرها من قبضة النظام البائد. ورغم هذا التحرير، لم يصبح القرار السوري بيد أبنائه، بل وجدت البلاد نفسها عالقة بين مطرقة التحرير وسندان القوى الإقليمية والدولية التي تضاعف من معاناة الشعب السوري المنهك.

مع انهيار النظام البائد ، ظهر مشهد سياسي متشابك حيث تتصارع مصالح القوى الخارجية، مما يضيف أبعادًا جديدة من عدم الاستقرار.

تحاول الحكومة الجديدة في دمشق بشكل محموم تعزيز شرعيتها وترسيخ سلطتها، لكن هذه الجهود غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية تُضعف استقرارها وتخيب آمال أولئك الذين ظنوا أن هذا العهد سيكون خلاصًا حقيقيًا.

وفي هذا السياق، تتصاعد أهمية إسرائيل كلاعب مؤثر في تشكيل مصير النظام الجديد، بينما تستمر الضغوط الأمريكية المتزايدة على إيران. بذلك تصبح الأزمة السورية جزءًا صغيرًا من لوحة إقليمية أوسع تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات غير المتوقعة.

إسرائيل: الحاكم الفعلي لشرعية دمشق

في خضم التحولات السياسية العاصفة التي تمر بها سوريا، تبرز إسرائيل كلاعب محوري في تقرير مصير شرعية النظام الجديد في دمشق.

من وجهة نظر تل أبيب، النظام الجديد يفتقر إلى الشرعية المطلوبة للبقاء على المدى الطويل، لعدم انتخابه ديمقراطيًا، ولغياب الثقة في قدرته على تحقيق الاستقرار الدائم. يتضح هذا الموقف بشكل جليّ في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين أشاروا خلالها إلى خطط للسيطرة العسكرية والاستخباراتية على منطقة تمتد إلى عمق 60 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، وذلك لمنع أي تهديدات محتملة، وفق ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 10 يناير 2025. إسرائيل، التي نفذت مئات الغارات على الأراضي السورية منذ سقوط النظام البائد، تنظر بريبة إلى النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبو محمد الجولاني). وعلى الرغم من لهجته المعتدلة الحالية، ترى إسرائيل في هذا النظام تهديدًا طويل الأمد.

تعكس هذه النظرة استراتيجية إسرائيلية تتجنب إبرام أي اتفاقية سلام مع دمشق، إذ تعتبر أن أي استقرار مؤقت قد يتحول إلى عداء في المستقبل.

ووفقًا لتحديث إعلامي حديث نشرته الجزيرة نت بتاريخ 6 أبريل/ نيسان  2025، نقلت “وول ستريت جورنال” -عن مسؤول عسكري إسرائيلي- قوله إن الجيش ينفذ عمليات لضمان الأمن بالمنطقة العازلة في سوريا.

الضغوط الأمريكية على إيران: المشروع النووي كورقة تفاوض

في سياق متوازٍ مع التحولات الإقليمية، تتصاعد الحملة العسكرية والدبلوماسية الأمريكية ضد نظام الملالي في إيران بهدف الضغط على طهران لتفكيك مشروعها النووي العسكري.

وبينما يظهر التصعيد العسكري على السطح، تُجرى خلف الكواليس مفاوضات شاقة تهدف إلى صياغة معاهدة جديدة مع واشنطن، تتضمن شروطًا صارمة قد تؤدي إلى إنهاء الطموحات النووية الإيرانية بالكامل.

هذا المسار يبدو الأكثر احتمالًا مقارنة باللجوء إلى ضربات عسكرية استراتيجية على المنشآت النووية، والتي قد تُسفر عن كارثة بيئية ذات تداعيات تمتد إقليميًا وعالميًا.

تؤكد تحديثات إعلامية حديثة هذا النهج. فقد أفادت وكالة رويترز بتاريخ 25 مارس/ آذار 2025 أن مسؤولًا أمريكيًا رفيع المستوى التقى وزير الخارجية السوري “أسعد الشيباني ”  لمناقشة تخفيف العقوبات، مشيرًا إلى أن واشنطن تهدف إلى ضمان مغادرة المقاتلين الأجانب ومنع إعادة النفوذ الإيراني في سوريا.

كما أوضحت نيويورك تايمز في 3 أبريل/نيسان  2025 أن الإدارة الأمريكية تعتبر استقرار سوريا الجديدة أداة فعالة لتقويض النفوذ الإيراني، مع التحذير من أن أي تصعيد قد يعيد إيران إلى الساحة السورية بقوة.

واشنطن ودمشق: بيع الأوهام أم سياسة واقعية؟

من جانب آخر، تروج بعض الأطراف في واشنطن، بدعم من حلفاء إقليميين كقطر وتركيا، لرواية مفادها أن العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على سوريا قد تُخفف أو تُرفع، بل وأن الرئيس الأمريكي قد يلتقي أحمد الشرع.

هذه الرواية تعيد إلى الأذهان أوهام المرتزقة السياسيين في الائتلاف السوري المعارض السابق، الذين باعوا الشعب السوري وعودًا كاذبة خلال سنوات الحرب على الشعب السوري.

لكن الواقع يشير إلى أن الجهود الدبلوماسية السابقة والمستمرة لم تُثمر عن أي تحول ملموس في الأوضاع السورية، نتيجة تداخل المصالح المتضاربة. في هذا السياق، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية في تصريحات لتلفزيون سوريا بتاريخ 1 أبريل/ نيسان 2025، أنها تدعم سيطرة السلطات الجديدة على كامل الأراضي السورية، مع مراجعة العقوبات المفروضة على النظام البائد، واستبعاد النفوذ الإيراني والمقاتلين الأجانب.

ومع ذلك، تبقى هذه التصريحات مجرد خطاب سياسي يفتقر إلى ضمانات عملية، خاصة في ظل هيمنة إسرائيل على القرار السوري.

سوريا تحت المجهر ومستقبل مفتوح

تظل سوريا جزءًا من لوحة إقليمية معقدة تتشابك فيها مصالح إسرائيل، الولايات المتحدة، وإيران. إسرائيل ترفض الاعتراف بالنظام الجديد كشريك موثوق، بينما تسعى واشنطن لاستخدام استقرار سوريا كورقة ضد إيران. داخليًا، يعتمد نجاح النظام على قدرته على توحيد الفصائل وإعادة بناء الاقتصاد، وهي مهام تبدو بعيدة المنال حاليًا.

من بين السيناريوهات المحتملة:

    تسوية نووية مع إيران: قد تؤدي إلى انسحاب تدريجي لنفوذها من سوريا، مما يعزز استقرار النظام الجديد بشرط دعم دولي.

    تصعيد إسرائيلي: استمرار الغارات والسيطرة على المناطق العازلة قد يُبقي سوريا في حالة ضعف دائم.

    انهيار داخلي: فشل النظام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي قد يُعيد الفوضى إلى البلاد.

    مستقبل سوريا يبقى مفتوحًا، لكن نجاح أي مسار يتطلب توازنًا دقيقًا بين الضغوط الخارجية والإصلاحات الداخلية.

وسط هذه الديناميات المضطربة، يبقى مستقبل سوريا مفتوحًا على جميع الاحتمالات، بما في ذلك مفاجآت قد تغيّر موازين القوى الإقليمية. من بين تلك الاحتمالات، تفكيك المشروع النووي الإيراني بشكل رمزي يعكس “حلاقة لحية خامنئي”، أو التحول نحو تسويات سياسية غير متوقعة تُعيد صياغة المشهد الإقليمي.

بلا رتوش

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى