الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

سوريا اليوم.. دبر راسك/ عدنان علي

2025.04.09

خلال جولة لي في مدينة جرمانا قرب دمشق في إطار الاعداد لمادة صحفية تتعلق بالتجاذبات التي تشهدها المدينة، أبرز ما لفت نظري، ليس ما جاء في اللقاءات مع الناشطين والفاعليات المحلية، بل مناظر القمامة التي تتكدس في الشوارع، ناهيك طبعاً عن تدني الخدمات الأخرى على غرار بقية المناطق في سوريا.

والواقع أن هذا يحيل الى مفارقة لا يفوقها سوى مفارقة انتقالك من منطقة الزاهرة أو الميدان في دمشق بضع مئات من الأمتار لتصل إلى مخيم اليرموك والحجر الأسود، حين تنتقل بين عالمين مختلفين، بين أبنية قائمة وشوارع وحياة طبيعية، ضمن المقاييس السورية، إلى عالم آخر، حيث العمران مهدم والشوارع مغلقة بالردم، وكأن هذه المناطق لم تكن تعج بالحياة قبل أن يحكم عليها نظام الأسد بالدمار وعلى أهلها بالتهجير برغم مرور سبع سنوات على استعادة السيطرة عليها من جانب النظام، و4 أشهر على رحيل ذلك النظام.

الطبقة السياسية والمثقفون وأصحاب المصالح، منشغلون بالنقاشات السياسية، وكيفية توزيع الحصص في المناصب الحكومية، بينما غالبية الناس في واد آخر، لا يشعرون بأن هذه النقاشات تعنيهم كثيراً، ويخوضون صراعهم اليومي لتأمين مقومات الحياة.

أكوام القمامة، وخط سير السرفيس وأجرته المتبدلة، ربطة الخبر من المخبز أم من البائعين على الطريق، وانتظار نزول الراتب، والمشاوير المتكررة لمحاولة سحبه في ظل الازدحام الشديد على الصرافات التي قلة منها فيها أموال، ثم الضبط وإعادة الجدولة المتكررة للراتب لكي يسعفنا حتى آخر الشهر، البحث عن أية فرصة عمل تؤمن دخل ما لإسناد الراتب في حال وجد أصلاً.

هذه بعض هموم الأشخاص المستقرين نسبياً في منازلهم التي يملكونها أو يستأجرونها، بينما العائدون إلى أنقاض بيوتهم على أطراف العاصمة، فلديهم مشاغل أكثر قسوة.

لا يعرفون من أين يبدؤون أمام المهمات المزدحمة الكثيرة. إعادة إغلاق الفتحات في المنزل إذا كان أصلا قابلاً للترميم. ثم وضع باب خارجي للمنزل لحمايته من اللصوص والكلاب الشاردة.

محاولة تأمين ثمن النوافذ الخارجية التي تمنع الغرباء من دخول المنزل، أما الأبواب والنوافذ الداخلية فأمرها مترك لوقت لاحق، وليست من الأولويات التي يسبقها إعادة تمديد أشرطة الكهرباء المسحوبة بفعل عمليات “التعفيش” وكذلك أنابيب المياه، وما يمكن أن يسد مكان المطبخ والتواليت والحمام، والأهم تأمين مصدر للمياه، وإذا أمكن تركيب طاقة لتوفير الضوء وشحن الهواتف المحمولة.

كثير من الناس قالوا إنهم زاروا بيوتهم فور استعادتها من جانب قوات النظام عام 2018، ولم تكن بذلك السوء. لقد حدث التدمير الأكبر بعد السيطرة عليها، حيث شرعت المنطقة أمام المعفشين الذين ترعاهم حواجز قوات النظام، وظلت مستباحة لهم لأشهر قليلة قبل رحيل ذلك النظام إلى أن تأكدوا أنه لم يتبق هناك شيء يمكن سرقته.

ولم لا يقتصر الأمر على عمليات السرقة، بل تعداه إلى التخريب المتعمد وإحراق وتدمير أي شيء لا يمكن سرقته، وفي كثير من الحالات، يتم تهديم سقف المنازل، بغية سرقة الحديد الذي بداخلها، ما يجعل من مسألة إعادة الترميم صعبة ومكلفة للغاية.

هذه سوريا اليوم. تنقسم الى فسطاطين: المنشغلون بتقاسم كعكة الحكم الفاسدة وغير الصالحة للأكل أصلا، واللاهثون وراء مقومات الحياة البسيطة، والذين ليس لديهم ترف متابعة الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى نشرات الأخبار على المحطات التلفزيونية، فتصلهم أخبار البلد متباعدة من مصادر متواترة، وليست دقيقة على الغالب، خاصة في ظل عدم وجود وسائل اعلام رسمية، أو ناطقين باسم الحكومة، ما يجعل من متابعة الاخبار الصحيحة مهمة شاقة حتى على المتخصصين والمتابعين، مثل الصحفيين والمشتغلين بالشأن العام.

وفي ظل توقف عجلة العمل في معظم القطاعات الإنتاجية، تبدو القطاعات الخدمية والهامشية هي التي تشغل معظم الناس، سواء التابعة للدولة، أم الأنشطة الحرة، وأبرزها في دمشق اليوم البسطات في الشوارع والتي باتت مصدر رزق لكثير من العائلات، خاصة بعد عمليات التسريح أو الاستغناء عن الخدمات لكثير من العاملين في الدولة، وفي مقدمتهم العاملون في جيش النظام السابق وأجهزته الأمنية، إضافة لمن وصفوا بالموظفين الفضائيين او الأشباح ممن كانوا يتقاضون رواتب من الدولة، دون أن يذهبوا إلى الوظيفة فعلا.

البعض يرى أن الرواتب الزهيدة لهؤلاء، حتى لو لم يكونوا يمارسون أي عمل، ولا حاجة فعلياً لوجودهم، تسد بعض الرمق، وكان النظام السابق يستخدمها لتسكيتهم فقط، وهي بمثابة “معونات اجتماعية”، إذا قسنا الأمر بالأنظمة السائدة في أوروبا مثلا، حيث تتكفل الدولة بدفع مساعدات مادية لكل عاطل عن العمل، ريثما يجد عملاً.

والخلاصة، هي أن سوريا اليوم يشبه حالها قيادة السيارة في شوارعها، والتي تقوم على قاعدة: دبر راسك. ثمة قوانين وشعارات، ولكن يصعب احترامها وتطبيقها، حتى على من يود فعل ذلك، لأن التيار العام المخالف يجرفك معه.

الدولة تطرح وتريد أشياء كثيرة جميلة ومثالية، والمواطن يتأمل ويطمح، لكن الواقع أقوى منهما، خاصة في ظل ما يثار من مشكلات داخلية، وما هو قائم من عقوبات واعتداءات خارجية.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى