
حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
————————–
أيمن الأصفري وجردة أربعة شهور سورية/ عمار ديوب
10 ابريل 2025
أجرى تلفزيون سوريا مقابلة مع رجل الأعمال السوري العالمي، أيمن الأصفري، بثها الأسبوع الجاري، برّر فيها الرجل إطلالته على الإعلام بأن سورية قد تتقسّم، وأنها في أخطر مرحلة في تاريخها. لم يرفض حكم الرئيس أحمد الشرع، ولكنّه خالفه في سياساته كلّها منذ وصوله إلى دمشق واستلامه الرئاسة عبر “مؤتمر النصر”. وانتقد المجلس التشريعي الذي كُلّف الشرع تشكيله (لم يتشكّل بعد)، بمنحه حقَّ اختيار الثلث، وتعيين لجنة تكون مسؤولة عن تكليف الثلثَين الآخرَين.
تأتي أهمية الأصفري من أنه أصدر بياناً في نهاية فبراير/ شباط الماضي (بعد أن أُشيع أنه قد يكون رئيساً لحكومة انتقالية مقبلة)، فُهم منه أنّه رفض الخضوع لمتطلّبات إدارة الشرع، وإصراره على الاستقلالية في رئاسة الحكومة، ووضع سياسات مستقلّة للنهوض العام بالدولة السورية. يُعتبر الرجل من أنجح رجال الأعمال في سورية، ولديه إسهامات في دعم المجالس السياسية والمدنية منذ 2011. وبالتالي، لا يسعى إلى رئاسة مجلس الوزراء ليغتني أو لمكاسب وامتيازات شخصية، فالرجل عالميّ بكلّ معنى الكلمة.
أعلن الأصفري مخاطرَ كُبرى تحيق بسورية، وليس بحكم الشرع فقط، في حال استمرار سياسات إدارة الأخير، والتفرّد والاستئثار، وهيمنة الديني على السياسي، وتحكيم بعض القادة العسكريين والأمنيين الأجانب في الجيش والأمن العام، وفي مختلف أجهزة الدولة السورية. وبرأيه، هناك أوساط أميركية فاعلة ترى أن هيئة تحرير الشام كلّها أقرب إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأن أميركا شكّلت تحالفاً دولياً لمحاربة “داعش” في 2014، والتقى مبعوث أميركي كبير في بروكسل، في 18 من الشهر الماضي (مارس/ آذار)، وزيرَ الخارجية السوري، أسعد الشيباني، وسلّمه دفتر شروط لشرعنة إدارة الشرع لسورية، وفي مقدمتها إخراج الأجانب من سورية، وليس من المناصب السيادية في الدولة السورية فقط، وأن هذا أحد الشروط للبدء برفع العقوبات الأميركية، التي لا يمكن لدولةٍ في العالم تخطّيها. ومن هنا، لا تستطيع الدول الداعمة لإدارة دمشق (تركيا وقطر بشكل خاص) الالتفاف على تلك العقوبات، وإلا تعرّضت هي لخطر العقوبات. قال الأصفري هذا الكلام بدبلوماسية، وبرغبةٍ كبيرة ألّا تفشل المرحلة الانتقالية، وبإيقاف هدر الوقت؛ فسورية، على زعمه لا تحتمل استبداداً جديداً، ولا هدر 50 سنة إضافية كما في مرحلة الأسدين المتوحّشة، ولا تحتمل مزيداً من التجريب.
كان الرجل واضحاً في تبنّيه أغلبية طروحات المعارضة السورية منذ 2011، وأن هذا البلد لا يُحكم إلا بنظامٍ ديمقراطيٍّ، وبمواطنة وبفصل للسلطات وعدم تحكم الدين بالسياسة، بتمثيل المدن السورية كافّة في السلطة، وبشعور أغلبية السوريين أن الدولة دولتهم، وأصرَّ على أن إعادة تشكيل الجيش تتمُّ عبر الضبّاط المنشقّين، وأن خطأً كبيراً جرى في حل مؤسّسة الشرطة وبطرد أكثر من 500 ألف عامل من وظائفهم، وأن هذه الخطوة غير قانونية نظراً إلى الشرعية المنقوصة للإدارة، إذ هي غير منتخبة. وعدا أن تلك الاطروحات قديمة، فقد أصرَّ عليها الفاعلون السياسيون كلهم منذ رحيل النظام السابق. وبالتالي، هناك رؤيتان سياسيتان للنهوض بسورية، واحدة استئثارية لهيئة تحرير الشام، وأخرى تشاركية تُوقف التمييز والتجييش الطائفيين وابتعاد الأقلّيات عن الحكم، وتنطلق من المساواة بين السوريين، ومن مبادئ المواطنة، والاتجاه نحو نظام ديمقراطيّ.
أشار الأصفري إلى إشادة وزير الخارجية، أسعد الشيباني، بالتجربة السنغافورية، فقال إن في هذا البلد أقلّيات دينية كثيرة، ولكن نظامه ديمقراطي وينطلق من المواطنة، والدخل فيه من أعلى الدخول في العالم، وبالتالي، على السوريين تبنّي ذلك النظام، وهذا هو المدخل للنهوض ببلدهم، وليس هناك من سواه. كما تعجّب الرجل من غياب مفهوم الديمقراطية وبشكل حاسم من المفردات السياسية للإدارة. وحينما قالت له محاورته (نور الهدى حدّاد) إن الإدارة تعتمد الشورى بديلاً، رفضها رفضاً حاسماً، واستفاض في أن الفقه ليس مصدراً للاقتصاد أو للسياسة أو للتعليم أو للثقافة، والدولة الحديثة تحتاج منظومةً فكريةً واقتصاديةً وثقافيةً وسياسيةً مختلفةً، وذكر بأنه سيتعرّض لهجماتٍ إعلاميةٍ مركّزةٍ على قوله ذاك، وأشار إلى أنّه مسلم سُنّي، وأنه يطرح رؤيته انطلاقاً من ذلك.
هناك مشكلة كبيرة ترتبط بالدولة الصهيونية، التي تُعادي إدارة الشرع بشكل واسع، وتعمل على تقطيع سورية، ومنع أيّ إمكانية للنهوض، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بصيغة ما، عبر تقاسم الدولة الصهيونية وتركيا هذا البلد. المقصد هنا أن هناك سياسات عالمية وإقليمية، ترفض إدارة دمشق بشكلها الحالي، وعلى الأغلب، حتى لو تبنّت سياسات تشاركية مع الشعب، ولكن حجم التحدّيات الخارجية يفترض ألا يترافق مع تعميق الانقسامات الداخلية، وشهدناها مع تفجّر أحداث الساحل والمجازر فيه، ومع رفض كرديّ ودرزيّ للإعلان الدستوري من ناحية أخرى، وشعورهم بأنهم مقصيون عن المشاركة السياسية. هناك شعورٌ كبيرٌ لدى نشطاء ثورة 2011، والمعارضة بأن إدارة دمشق تُقصيهم، وتقرّب إليها من يدور في فلكها، ويتبنّى رؤيتها، وهذا هو التقييم للحكومة الانتقالية وللأشهر السابقة. يتّفق ما قاله الأصفري مع هذه الرؤية، وبالتالي، لا يكفي الإدارة الاستناد إلى شرعية ثورية آتية من قوّة الفصائل، التي قد تتقاتل في مرحلة لاحقة، فتذهب البلاد إلى حرب أهلية، تدفع إليها الدولة الصهيونية بكل قوتها. ولا يأتي رفض الاكتفاء هذا من عدائية للإدارة، بل من رغبة في ألا تفشل المرحلة الانتقالية، وتفشل سورية معها.
كانت حصيلة الأشهر السابقة تأزيماً للأوضاع الداخلية، وزيادة المخاطر الخارجية، وجرى تجاهل دفتر الشروط الأميركية، أو هناك محاولة للالتفاف عليه بشكل خاطئ. إن حساسية المرحلة الانتقالية، والانهيار شبه الكامل لأوجه الدولة والمجتمع السوري، يستدعيان الانطلاق من حاجيات هذا الداخل، وتبنّي سياسات تتوافق مع “شروط” الخارج، الإقليمي والدولي، الداعم، والاتجاه نحو سياسات وطنية بامتياز في قضايا النهوض بالدولة، والتراجع عن سياسات الاقتصاد الحرّ العشوائية، أو طرد مئات آلاف العمّال، الذين يتحوّلون قنبلةً أمنيةً قابلة للتفجّر في حال استمروا بلا مداخيل أو عيش كريم، وبلا حرّيات حقيقية.
لقد ثبُت فشل نهج الإدارة في الاستئثار والتفرّد في العلاقة مع الساحل، ومع الأكراد والدروز، والآن هناك خطر الانفجار المذهبي بين السلفيّين والأشاعرة، بين السُّنة أنفسهم. إن الابتعاد عن تحكّم الدين بالسلطة، وتبنّي سياسات وطنية (غير معادية للدين طبعاً)، وتبنّي النظام الديمقراطي والمواطنة، والعودة إلى عقد مؤتمر وطني عام، ويكون مصدراً لشرعية الأشكال السياسية كافّة للمرحلة الانتقالية، الحكومة والمجلس التشريعي وتأسيس الجيش والتوجّه الاقتصادي للدولة وكتابة الدستور… سيكون المؤتمر اللبنة الأولى لتخطّي التحدّيات الخارجية، ولإغلاق النوافذ التي تدخُل منها الشروط الخارجية، وتستقطب أطرافاً داخليةً راحت تشعر بأن سلطة دمشق تعاديها.
العربي الجديد
—————————-
ماذا تريد إدارة ترامب من دمشق؟/ غازي دحمان
10 ابريل 2025
في إثر قرار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تغيير وضعية الدبلوماسيين السوريين في بعثة الأمم المتحدة، الذي انطوى على عدم اعتراف أميركي بالإدارة السورية الجديدة، يتبادر إلى الذهن السؤال: ماذا تريد إدارة ترامب من دمشق، وهل تحوّل عدم الاعتراف ورقةً لملاعبة دمشق، وربّما داعميها الإقليميين والدوليين؟
يمكن وصف قرار الإدارة الأميركية بأنه تقني إلى حدّ بعيد، بمعنى أنه ذو طبيعة بيروقراطية، وليست سياسية. فمثلاً، قرار تغيير نوع التأشيرة يستند إلى تقييم داخلي صنّف الحكومة الانتقالية المؤقّتة في سورية امتداداً لهياكلَ غير مقبولة أميركياً، وتحديداً من جهة علاقتها المفترضة بفصائلٍ مصنّفةٍ في لوائح الإرهاب، وما يؤكّد الطابع التقني أنها تصدر عن مؤسّسات ذات طبيعة تقنية، وليست سياسية، مثل وزارة الأمن الداخلي (التي أصدرت القرار). ولكنّ ذلك لا يعني أن ليس للقرار مُفرَزات سياسية، فهو مؤشّر على أن عملية رفع العقوبات لم توضع في جدول أعمال إدارة ترامب، وثمّة احتمال أن تعيد إدارة ترامب النظر في قرار وزارة الخزانة الأميركية في عهد إدارة بايدن، الذي قضى بتخفيف العقوبات ستّة أشهر قابلةٍ للتمديد، ما يعني أن الطريق إلى خروج سورية من أزمتها الاقتصادية ما زال طويلاً، إذا علمنا أن الدور الأميركي في هذا المجال مفصلي وليس تفصيليّاً، وأن هذه السياسات قد تدفع دولاً عديدة إلى تغيير مقاربتها للعلاقة مع دمشق خوفاً من تأثّرها بالعقوبات الأميركية.
لكنّ اللافت في السياسة الأميركية أنها، حتى في عزّ صراعها مع إيران وروسيا ونظام الأسد، وقيادتها تحالفاً دولياً عبر غرف “الموك”، في تركيا والأردن، لم تصل إلى حدّ سحب الاعتراف بنظام بشّار الأسد، ولم تتأثّر أوضاع الدبلوماسيين السوريين، ولا امتيازاتهم، في بعثة الأمم المتحدة في نيويورك، كما أن السلطة الجديدة في دمشق تحظى بشرعية الأمر الواقع، وهي الشرعية التي استطاعت على أساسها أغلب دول الجنوب إدماج نفسها في منظومة العلاقات الدولية بسلاسةٍ من دون أي إشكالات أو تعقيدات، كما أن إزاحة نظام الأسد انطوت على تغييرات جيوسياسية جاءت في مصلحة واشنطن، في سياق مساعيها إلى إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.
ما تطرحه التقديرات والتحليلات المختلفة للموقف الأميركي أن واشنطن ما زالت في طور التقييم للإدارة الجديدة في دمشق، للوصول إلى نمطٍ للتعاطي مع هذه الإدارة التي تتكوّن، في الأصل، من جماعات إسلامية تقودها هيئة تحرير الشام، التي تصنّفها واشنطن بـ”التنظيم الإرهابي”. لكنّ هذه الإدارة السورية الجديدة تحاول صياغة نظام حكم وسطي على غرار نظم ذات طبيعة إسلامية، مثل تركيا وماليزيا، لتحظى برضا العالم الخارجي. لكنّ السلوك السياسي الأميركي لا يزال حذراً في التعاطي مع هذا النظام الجديد، وتتراوح استجاباته تجاهه ما بين، وضعه تحت المراقبة، أو اختباره عبر قائمة شروط قدّمتها نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون بلاد الشام وسورية، ناتاشا فرانشيسكي، لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، على هامش مؤتمر المانحين. بالإضافة إلى ذلك، تشهد إدارة ترامب اختلافاً في وجهات النظر حول طبيعة التعامل مع دمشق، بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض، ويبدو أن البيت الأبيض (الذي يوجد فيه أنصار إسرائيل بكثرة) لا يزال هو الأكثر فاعليةً في تقرير شكل السياسات الواجب اتباعها تجاه دمشق.
ورغم ذلك، ما زالت سياسة إدارة ترامب غيرَ واضحةٍ وضبابيّةً إلى حدّ بعيد، فلا يوجد موقفٌ سلبيٌّ واضح تجاه سياسات الإدارة السورية الجديدة، التي أبدت استعدادها للتعاون في القضايا التي تهمّ واشنطن، ولا سيّما محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومسألة الأسلحة الكيميائية، ولا يبدو أن الإدارة الأميركية مهتمّة بالأصل بقضية الأقلّيات، سيّما أن إدارة الرئيس أحمد الشرع تعمل بكلّ جدّ على مراعاة المسيحيين، الذين هم في الواقع أكثر ما يهمّ إدارة ترامب. أمّا بقيّة المكوّنات فهي تحصيل حاصل بالنسبة إلى واشنطن، وقد لمحت إدارة ترامب إلى رضاها النسبي على إجراءات إدارة الشرع بشأن الإعلان الدستوري وتشكيل الحكومة، أو على الأقلّ، لم تُبدِ اعتراضاً صريحاً على هذه الإجراءات.
يعني ذلك أن إدارة ترامب ليست مهتمّةً بالتفاصيل السورية في حدّ ذاتها، ولا بنمط السياسات التي تتّبعها إدارة الشرع، وذلك انعكاساً لعدم أهمية سورية في منظور إدارة ترامب، ولا سيّما بعد خروج إيران وضعف روسيا. وتبعاً لذلك، تراجعت المكانة الإستراتيجية (المنخفضة أصلاً في تقدير إدارة ترامب) إلى حدود دنيا، ما يجعل سورية خارج نطاق أولويات إدارة ترامب، وبالتالي ركنها ملفّاً مهملاً، وربّما توكيل شؤونها لفاعلين إقليميين ودوليين في المرحلة المقبلة، في ظلّ بروز مؤشّرات انسحابٍ أميركي من سورية لم يعد في طور المحتمل، بل دخل مرحلةَ التنفيذ عبر الانسحابات التدريجية المتواترة للقوات الأميركية من شرق سورية.
على الأرجح، أن إدارة ترامب لن يكون لها سياسة خاصّة في سورية في المرحلة المقبلة، ولن تستثمر دبلوماسياً في سورية، والمرجّح أن تتّبع سياسة إدارة الوضع عبر مستويات دبلوماسية متدنّية، لإدارة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، وفي أحسن الأحوال، تجعل من سورية ورقةً لمساومة الأطراف الإقليمية التي تريد الاستفادة من المتغيّر السوري، ولا سيّما أنها تمتلك الأدوات القادرة على شلّ سورية؛ العقوبات الأميركية التي من شأن بقائها تعطيل أيّ فعّالية (أو قدرة) على الخروج من الهشاشة والخطر.
العربي الجديد
————————-
سوريا اليوم.. دبر راسك/ عدنان علي
2025.04.09
خلال جولة لي في مدينة جرمانا قرب دمشق في إطار الاعداد لمادة صحفية تتعلق بالتجاذبات التي تشهدها المدينة، أبرز ما لفت نظري، ليس ما جاء في اللقاءات مع الناشطين والفاعليات المحلية، بل مناظر القمامة التي تتكدس في الشوارع، ناهيك طبعاً عن تدني الخدمات الأخرى على غرار بقية المناطق في سوريا.
والواقع أن هذا يحيل الى مفارقة لا يفوقها سوى مفارقة انتقالك من منطقة الزاهرة أو الميدان في دمشق بضع مئات من الأمتار لتصل إلى مخيم اليرموك والحجر الأسود، حين تنتقل بين عالمين مختلفين، بين أبنية قائمة وشوارع وحياة طبيعية، ضمن المقاييس السورية، إلى عالم آخر، حيث العمران مهدم والشوارع مغلقة بالردم، وكأن هذه المناطق لم تكن تعج بالحياة قبل أن يحكم عليها نظام الأسد بالدمار وعلى أهلها بالتهجير برغم مرور سبع سنوات على استعادة السيطرة عليها من جانب النظام، و4 أشهر على رحيل ذلك النظام.
الطبقة السياسية والمثقفون وأصحاب المصالح، منشغلون بالنقاشات السياسية، وكيفية توزيع الحصص في المناصب الحكومية، بينما غالبية الناس في واد آخر، لا يشعرون بأن هذه النقاشات تعنيهم كثيراً، ويخوضون صراعهم اليومي لتأمين مقومات الحياة.
أكوام القمامة، وخط سير السرفيس وأجرته المتبدلة، ربطة الخبر من المخبز أم من البائعين على الطريق، وانتظار نزول الراتب، والمشاوير المتكررة لمحاولة سحبه في ظل الازدحام الشديد على الصرافات التي قلة منها فيها أموال، ثم الضبط وإعادة الجدولة المتكررة للراتب لكي يسعفنا حتى آخر الشهر، البحث عن أية فرصة عمل تؤمن دخل ما لإسناد الراتب في حال وجد أصلاً.
هذه بعض هموم الأشخاص المستقرين نسبياً في منازلهم التي يملكونها أو يستأجرونها، بينما العائدون إلى أنقاض بيوتهم على أطراف العاصمة، فلديهم مشاغل أكثر قسوة.
لا يعرفون من أين يبدؤون أمام المهمات المزدحمة الكثيرة. إعادة إغلاق الفتحات في المنزل إذا كان أصلا قابلاً للترميم. ثم وضع باب خارجي للمنزل لحمايته من اللصوص والكلاب الشاردة.
محاولة تأمين ثمن النوافذ الخارجية التي تمنع الغرباء من دخول المنزل، أما الأبواب والنوافذ الداخلية فأمرها مترك لوقت لاحق، وليست من الأولويات التي يسبقها إعادة تمديد أشرطة الكهرباء المسحوبة بفعل عمليات “التعفيش” وكذلك أنابيب المياه، وما يمكن أن يسد مكان المطبخ والتواليت والحمام، والأهم تأمين مصدر للمياه، وإذا أمكن تركيب طاقة لتوفير الضوء وشحن الهواتف المحمولة.
كثير من الناس قالوا إنهم زاروا بيوتهم فور استعادتها من جانب قوات النظام عام 2018، ولم تكن بذلك السوء. لقد حدث التدمير الأكبر بعد السيطرة عليها، حيث شرعت المنطقة أمام المعفشين الذين ترعاهم حواجز قوات النظام، وظلت مستباحة لهم لأشهر قليلة قبل رحيل ذلك النظام إلى أن تأكدوا أنه لم يتبق هناك شيء يمكن سرقته.
ولم لا يقتصر الأمر على عمليات السرقة، بل تعداه إلى التخريب المتعمد وإحراق وتدمير أي شيء لا يمكن سرقته، وفي كثير من الحالات، يتم تهديم سقف المنازل، بغية سرقة الحديد الذي بداخلها، ما يجعل من مسألة إعادة الترميم صعبة ومكلفة للغاية.
هذه سوريا اليوم. تنقسم الى فسطاطين: المنشغلون بتقاسم كعكة الحكم الفاسدة وغير الصالحة للأكل أصلا، واللاهثون وراء مقومات الحياة البسيطة، والذين ليس لديهم ترف متابعة الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى نشرات الأخبار على المحطات التلفزيونية، فتصلهم أخبار البلد متباعدة من مصادر متواترة، وليست دقيقة على الغالب، خاصة في ظل عدم وجود وسائل اعلام رسمية، أو ناطقين باسم الحكومة، ما يجعل من متابعة الاخبار الصحيحة مهمة شاقة حتى على المتخصصين والمتابعين، مثل الصحفيين والمشتغلين بالشأن العام.
وفي ظل توقف عجلة العمل في معظم القطاعات الإنتاجية، تبدو القطاعات الخدمية والهامشية هي التي تشغل معظم الناس، سواء التابعة للدولة، أم الأنشطة الحرة، وأبرزها في دمشق اليوم البسطات في الشوارع والتي باتت مصدر رزق لكثير من العائلات، خاصة بعد عمليات التسريح أو الاستغناء عن الخدمات لكثير من العاملين في الدولة، وفي مقدمتهم العاملون في جيش النظام السابق وأجهزته الأمنية، إضافة لمن وصفوا بالموظفين الفضائيين او الأشباح ممن كانوا يتقاضون رواتب من الدولة، دون أن يذهبوا إلى الوظيفة فعلا.
البعض يرى أن الرواتب الزهيدة لهؤلاء، حتى لو لم يكونوا يمارسون أي عمل، ولا حاجة فعلياً لوجودهم، تسد بعض الرمق، وكان النظام السابق يستخدمها لتسكيتهم فقط، وهي بمثابة “معونات اجتماعية”، إذا قسنا الأمر بالأنظمة السائدة في أوروبا مثلا، حيث تتكفل الدولة بدفع مساعدات مادية لكل عاطل عن العمل، ريثما يجد عملاً.
والخلاصة، هي أن سوريا اليوم يشبه حالها قيادة السيارة في شوارعها، والتي تقوم على قاعدة: دبر راسك. ثمة قوانين وشعارات، ولكن يصعب احترامها وتطبيقها، حتى على من يود فعل ذلك، لأن التيار العام المخالف يجرفك معه.
الدولة تطرح وتريد أشياء كثيرة جميلة ومثالية، والمواطن يتأمل ويطمح، لكن الواقع أقوى منهما، خاصة في ظل ما يثار من مشكلات داخلية، وما هو قائم من عقوبات واعتداءات خارجية.
تلفزيون سوريا
——————————
الأحزاب السياسية في سورية.. ضرورة الحضور بعد غياب قسري/ عمر الخطيب
09 ابريل 2025
في سورية، ومنذ سقوط النظام، كاد أن يكون المشهد متكاملاً، حيث حضر كل شيء تقريباً من حراك سياسي ونقاشات وخطط إعادة إعمار، ولم تهدأ الوفود العربية والدولية عن زيارة البلاد ولقاء القادة الجدد الذين بدأت تنهال عليهم الأسئلة عن شكل الحكم وخططهم لمستقبل سورية وعن الاقتصاد والمجتمع وموضوع الشريعة الإسلامية والتعليم والعلاقات بين الجنسين وبين المكونات الإثنية. ولكن المشهد بقي مفتقداً لعنصر أساسي وهو الأحزاب السياسية التي يعتبر كثيرون أن غيابها يشكل تهديداً لشكل سورية المستقبلي بل قد يعرقل عملية التحول الديمقراطي المنشودة من قبل السوريين، بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
ومن المعروف أن سورية اليوم بلد منهار بكل معنى الكلمة، فهي تحتاج إلى إعادة بناء شامل، ليس فقط على صعيد البنى التحتية وبناء الاقتصاد، بل أيضاً في النسيج الاجتماعي والسياسي، ولا سيما بظل وجود جروح عميقة تحتاج إلى معالجة وأسئلة ملحّة عن العدالة الانتقالية ومحاسبة الدول التي دعمت النظام السابق. وغياب الأحزاب السياسية الفاعلة يُضعف جهود البناء ويسحب منها تنوع الآراء والرقابة، ويهدد أي مسار ديمقراطي محتمل كما أوضح عدد من المحللين والمثقفين الذين التقاهم “العربي الجديد” للبحث في أهمية عودة الأحزاب إلى سورية ودورها وطبيعتها الفكرية والسياسية، وهل ستكون امتداداً للأحزاب السورية التقليدية أم ستنشأ أحزاب جديدة؟
لا ديمقراطية دون أحزاب
إن غياب الأحزاب يعني غياب الديمقراطية نفسها بحسب الكاتب السوري والمعتقل السابق، جمال سعيد، الذي يرى أن “الديمقراطية في واحد من أهم وجوهها تعبّر عن صراع البرامج السياسية تحت قبة البرلمان وفي وسائل الدعاية والإعلام المختلفة في محاولة لاستقطاب أصوات الناخبين، وبعد أن يعطي الناخبون الحق لحزب أو لتحالف أحزاب لشغل مواقع اتخاذ القرارات تبقى الأحزاب المعارضة موجودة وتمثل نوعاً من الرقابة المجتمعية على أصحاب القرار. تداول السلطة، الذي هو الوجه الآخر للديمقراطية، يتيح أن يبقى الصراع على السلطة سلمياً وتحت قبة البرلمان ووسائل الإعلام”.
ويشدد سعيد على أن “وجود الأحزاب والنقابات يعني وجود قوى منظمة تحمل برامج سياسية واقتصادية محددة. والصراع بين هذه القوى يأخذ وجهاً حوارياً يستلزم مؤسسات كالبرلمان والنقابات المنتخبة على نحو ديمقراطي تبعاً لبرامج الأحزاب”، مشيراً إلى أن “البرلمان والنقابات في عهد الأسد الأب والابن كانت مجرد ديكور”.
ويتفق الباحث عبد الله سكر مع هذا الرأي، معتبراً أن “وجود الأحزاب ضرورة لتحقيق أهداف الثورة السورية في بناء نظام ديمقراطي عادل” ويضيف أن “من المتعارف عليه أن الأحزاب السياسية الحديثة تضم مختلف الاختصاصات، وبذلك يكون لها رأي ومساهمة في طرح الرؤى حول الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويكون ذلك ضمن برنامج عمل ينادي به هذا الحزب ويبرر من خلاله وجوده ويسعى عبره لكسب التأييد والانتشار بين الناس وصولاً للانتخابات، وفي الحالة السورية تعتبر مثل هذه البرامج أكثر من ضرورية ليتم نقاشها وتداولها ولكنها غابت مع غياب الأحزاب”.
الحياة السياسية في سورية بعهد البعث
والحديث عن الأحزاب وضرورتها في المرحلة الجديدة لا بد أن يعيدنا إلى الوراء قليلاً، إذ كانت سورية قد شهدت نشاطاً سياسياً متنوعاً في النصف الأول من القرن العشرين. وبدأت الأحزاب السياسية بالتشكل في البلاد منذ مطلع القرن الماضي متأثرة بطبيعة الحال بالتيارات السياسية في العالم التي غلبت عليها الأيديولوجية في تلك الفترة، ويمكن أن نقول إنها توزعت بين ثلاث فئات رئيسية، هي الشيوعية والقومية والدينية.
وعرفت سورية حياة سياسية نشيطة قبل انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي في مارس/آذار 1963، حيث كانت التيارات السياسية كافة حاضرة في سورية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، واستطاعت حتى في ظل الانقلابات العسكرية المتكررة أن تحافظ على دورها نوعاً ما، واستمر البرلمان السوري رمزاً لنشاط هذه الأحزاب، حتى جاء البعث، ومن ثم سيطرة حافظ الأسد على الحكم، بعد تنفيذه انقلاباً عسكرياً في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، حيث تم القضاء على الأحزاب السياسية بالكامل وتحول بعضها للعمل السري، لكن القمع الشديد لم يسمح لها بالانتشار أو البقاء بشكل حقيقي ملموس.
وأنشأ حافظ الأسد ما سماه بـ “الجبهة الوطنية التقدمية”، وهي واجهة شكلية للديمقراطية، كما يوضح الناشط السياسي والإعلامي في الثورة السورية، أحمد العربي، حيث كانت الجبهة “هيكلاً أجوف، ما أدى إلى انسحاب الأحزاب المعارضة منها. وكان ذلك أول تصرف أدى إلى شق صفوف هذه الأحزاب حيث التحق البعض بالجبهة وأصبحوا ضمن ديكور الديمقراطية الشعبية المزيف للنظام، واستمرت أقسام أخرى بالمعارضة”. وهذا ما حدث مع الشيوعيين والقوميين، حيث حصلت انشقاقات في صفوفهم وجرت ملاحقة المعارضين منهم. وأشار أحمد العربي إلى أن ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية ينص على حصر “النشاط الحزبي في الجيش وبين الطلبة بحزب البعث فقط” وتُرجم ذلك في مواد الدستور عبر اعتبار حزب البعث قائد الدولة والمجتمع.
الحرب التي شنها الأسد الأب على الأحزاب أدت إلى لجوئها إلى العمل السري، ولكن استمرار الملاحقات الأمنية اضطر عدداً من قياداتها وكوادرها إلى مغادرة سورية، فيما أمضى جزء آخر سنوات طويلة في أقبية الاعتقال. وكانت الحرب التي شنها الأسد على جماعة الإخوان المسلمين والمذبحة التي نفذها في مدينة حماة في عام 1982 تتويجاً لحملته الدموية على الحياة السياسية السورية، وتحقق للأسد القضاء على الحياة السياسية التنظيمية في سورية. وبطبيعة الحال، استمرت بعض الكوادر في العمل المعارض بشكال فردي غالباً، واستمر هو بمطاردتها ومحاولة كتم صوتها.
القضاء على الحياة السياسية في سورية
حدّت حرب النظام على الأحزاب السورية من تطورها وحُرمت التفاعل مع التغيرات الدولية الكبرى، مثل انهيار الاتحاد السوفييتي والعولمة الاقتصادية مع ما حملته من ممارسات وتموضعات جديدة، ويقول أحمد العربي إن “تكامل القمع والاعتقال والتنكيل ومنع تجديد بنية الأحزاب بالعناصر الشبابية الجديدة” أدى إلى أن يصبح حضور هذه الأحزاب “رمزياً ومقتصراً على بعض القادة التاريخيين والناشطين الذين بقوا أصحاب قضية ورسالة، واستمروا بنضالهم دون اهتمام بحسابات الربح والخسارة. وعاشوا قابضين على جمرة السياسة والمعارضة، رغم الأثمان الباهظة التي دفعوها واستمروا بدفعها”.
من جهته، يعود الدكتور معاذ الخطيب، المعتقل السياسي السابق، إلى نشاطه السياسي في فترة حكم حافظ الأسد، حيث كانت الأحزاب مجموعة من الأسماء التي يتناقلها الناس سراً، إذ “كانت الأحزاب المعارضة محصورة بثلاثة توجهات: الشيوعية والقومية والإسلامية. من جهتي، تعرفت إليها في مدينتي قطنا من خلال بعض منتسبيها والقراءات الخاصة. الأحزاب بالنسبة إلينا كانت مجموعة من الكتب المستعارة وأشخاص يدخلون السجون، ولكن هذه الأحزاب لم تكن موجودة على أرض الواقع، فلا برامج ولا مشاركة بالانتخابات، وعملها السري فرض عليها الاختباء دوماً، والهاجس الأمني شلّ حركتها”. ويضيف الخطيب أن ما يُعرف في الدول الأخرى ببرامج العمل كانت غائبة عن سورية “حتى حزب البعث (الحاكم) لم يضطر مرة إلى تقديم برنامج سياسي واحد”. ويشير بأسف إلى أن ديكتاتورية الأسد حولت الأحزاب إلى مجرد “شِلل (مجموعات) متفرقة ومغلقة على نفسها”.
وعن دور التشكيلات السياسية الموجودة بسورية في المرحلة الحالية، عقب سقوط نظام بشار الأسد، يرى جمال سعيد أن الأحزاب والقوى السياسية التي كانت ضمن الجبهة الديمقراطية والتي “دجنها نظام الأسدين، الأب والابن” يصعب “إن لم نقل يستحيل أن تقوم بدور مهم في المجتمع”. أما “القوى المعارضة التي شلها القمع المباشر، فقد حاولت رغم قدراتها المحدودة أن تلعب دوراً، سواء في تشكيل جبهات معارضة تنشد التغيير الديمقراطي والتي شاركت في صناعة ربيع دمشق بعد 17 تموز عام 2000. ومع أن القمع المباشر شل قوى ربيع دمشق بعد 21 شباط 2001 فقد بقي لها وجود ضمن حدود الإعلام خارج سورية”.
السياسة في زمن الثورة
جرت عدة محاولات لتشكيل أجسام سياسية وقوى مدنية ذات معنى في فترة الثورة السورية، 2011 – 2024، ولكنها كما يقول جمال سعيد: “عانت من القمع على أيدي النظام وعلى أيدي المعارضة المتشددة”، وأعلت المواجهات العسكرية والحرب التي شنها النظام على السوريين من مكانة السلاح وسيطرة الفصائل المطلقة في ظل استمرار الحوار بالأسلحة وارتكاب المجازر.
ويرى أحمد العربي من جهته أن الحراك السياسي في زمن الثورة لم يكن قادراً على اللحاق بركبها ومخاطبة السوريين رغم تشكيل عدة أجسام سياسية توافق المجتمع الدولي على تمثيلها للثورة، ولذلك تغيب هذه الأجسام عن المشهد الآن، ويشير إلى أن هذه الأجسام ضمت في صفوفها أعضاءً من الأحزاب المعارضة السورية “الكوادر السياسية للعمل السياسي المعارض في المجلس الوطني والائتلاف، وما تفرع عنه كان يضم بعض المعارضين للنظام الذين يرجعون بانتسابهم إلأى الأحزاب المعارضة السابقة. وهكذا أُعيد إحياء دور بعض الأحزاب للقيام بهذا الدور”.
ويضيف أحمد العربي أن نظام بشار الأسد لعب دوراً في إفشال هذه الأجسام السياسية عبر غضّ النظر عمّا سُمّي بـ “معارضة الداخل” لإلغاء “وحدة تمثيل المعارضة السياسية السورية وإغراق هذه الأجسام التي شكلت هيئة التفاوض في مباحثات عديمة الجدوى حول الدستور”، ويضيف أحمد العربي أن كل ذلك تسبب في “تجميد الدور السياسي للمعارضة منذ أقل من عقد”.
سورية بعد الأسد: إعادة بناء أم فوضى سياسية؟
يقدم الدكتور الخطيب رؤية متشائمة نوعاً ما لمستقبل العمل الحزبي في سورية، رغم إشادته ببعض الشخصيات، سواء المنضوية في أحزاب المعارضة القديمة، أو حتى من تلك التي برزت بعد انطلاق الثورة، ويقول: “منذ 2011 فشلت كل المحاولات السورية في تشكيل أي حزب ذي معنى، إذ اعتمدت تلك المحاولات على استخدام مصطلحات مستهلكة في الكتب والتجارب السابقة لتكتب نظامها الداخلي وبرامجها المتخيلة”. ويضيف الخطيب في توضيح وجهة نظره: “ما أراه أمامي هو مجتمع سوري مفكك، لا يوجد في سورية تجمع لقوى ذات معنى، سواء اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية. وبالتالي لا أرى أحزاباً سورية قادمة ذات وزن، بغض النظر عن بعض المحاولات من هنا وهناك لسوريين يبحثون عن دور… لكنهم يعيدون الكلام نفسه الذي نعرفه جميعاً”.
من جهته، يبدي أحمد العربي تفاؤلاً بعكس الخطيب، رغم أنه يجزم بأنه لن يكون هناك حضور “للبنية الحزبية والفكرية التي توالدت قبل سبعة عقود وأكثر في سورية” على شكلها السابق، إلا أنه يرى أن هناك فرصاً لها بالحضور في المشهد إذا ما قامت بـ”مراجعة تجاربها بوحي عقلية النقد الذاتي، وأن تكون الأولوية عند من يتصدى لبناء الأحزاب السورية لقراءة الواقع وما يجب فعله من أجل المستقبل، وأن يكون الهم المجتمعي والسياسي هو الحاضر وليس البعد العقائدي الأيديولوجي الذي تراجع للخلف عالمياً، وليس في سورية فقط”.
ولجهة تأسيس أحزاب جديدة، يعتقد أحمد العربي أنه يجب أن “يكون الهم المجتمعي من تأمين فرص العيش والبناء ودعم العقلية الديمقراطية في الحكم والبنّاءة مجتمعياً” حاضراً في أي مسعى سياسي جديد، وأن “يكون الصالح العام هو الحكم وأن يتم بناء عقلية تقبل الآخر والتعاضد معه لبناء سورية المستقبل”، مشيراً إلى أن “سورية تحتاج عقلاً جديداً يتجاوب مع عقل جيل شبابها الذي صنع الثورة والذي سيصنع مستقبلها الأفضل”.
وبالرغم من سيطرة هيئة تحرير الشام، التي حلت نفسها، على مقاليد الحكم بعد إسقاط الأسد، وتسلُّم أعضائها المفاصل المهمة في الجيش والأجهزة الأمنية، يعتقد جمال سعيد أن “الأفق لا يزال مفتوحاً لتشكل الأحزاب”، معبراً عن خشيته من أن هذا الأفق “يضيق شيئاً فشيئاً”. ويضيف سعيد: “إن توفرت الحريات السياسية، ستستمر بعض القوى الموجودة في المجتمع مثل الأحزاب القومية الكردية، وباعتبار أن الموجة الاسلامية لا تزال قوية، فلا بد من قوى إسلامية ضمن المجتمع تتدرج من الاعتدال إلى التشدد الراديكالي، وقد يقابل ذلك بأحزاب للطوائف بعضها قائم الآن مثل رجال الكرامة، وهي حالة قابلة للتطور في إطار الصراع السياسي”.
“الإسلام السياسي” حاضر بقوة
وتبقى تجربة الأحزاب الإسلامية حاضرة في النقاش السوري حول ماهية الحراك السياسي القادم، ولا سيما بعد بروز عدة تجارب في العالم العربي مختلفة نوعاً ما عن حركة الإخوان المسلمين، التي كانت مهيمنة نوعاً ما على الحراك السياسي الإسلامي في سورية. ويرى معاذ الخطيب أن الإسلام السياسي سيكون له دور كبير في مستقبل الحراك السياسي السوري انطلاقاً من محورية الدين في المجتمع السوري “إذا كان لشيء حقيقي أن يحدث في سورية، فأعتقد أنه سيكون إسلامياً. وأعتقد أنه إذا ترك ليتطور، فسيصل إلى فصل الدين عن الدولة، فالأحزاب الإسلامية تعلمها التجربة وتتطور”.
وعن ماهية الأحزاب الجديدة التي من الممكن تشكلها في سورية أو استمرار تلك المشكلة مسبقاً، يرى جمال سعيد أن حضورها ضروري في مواجهة الأحزاب الدينية والقومية، ويرى أن “حضور الأحزاب الدستورية والديمقراطية ذات الصبغة السورية (بدلاً من الصبغة العروبية) سيمتلك حظاً أوفر من الأحزاب القومية والشيوعية. أعتقد أن ذلك كله لن يلغي وجود أو قيام أحزاب عروبية أو شيوعية تحت مسميات جديدة، مثل حزب الإرادة الشعبية، وقد يستمر الوجود الرمزي لأحزاب (يعتبرها البعض تقليدية الآن) مثل حزب الشعب وحزب العمل الشيوعي”.
وفي ظل “تراجع الأيديولوجيات” في العالم، يرى سعيد أنه بالرغم من أن “الرابط البرنامجي هو الأهم، ثمة رابط أيديولوجي بين أعضاء أي قوة سياسية يرتبط بدين أو بقومية (أو برفض أحدهما أو برفضهما معاً) أو بالعدالة الاجتماعية أو بالعلمانية أو بتوليفة انتقائية من مشارب أيديولوجية مختلفة”، ويضيف أنه يعتقد أن “الأيديولوجيات الأوفر حظاً في هذه الأيام هي الأيديولوجية التي ترتكز على مفهوم الحرية السياسية المقترنة بالمواطنة المتساوية والأيديولوجية الدينية التي تدعو بالعمق إلى نوع من الحاكمية الإسلامية، مضيفة إليها شيئاً من بهارات العصر”.
ويؤكد سعيد أن سورية ستكون في أفضل أحوالها إذا “تشكلت فيها دولة مواطنة على أسس مدنية ديمقراطية علمانية، واحتمال أن يتحقق ذلك سيقتضي جبهة عريضة مكونة من أحزاب عديدة، ترفض الاستبداد الفردي وتؤمن بالتداول السلمي، ولن تقوم قائمة الديمقراطية، كما أعتقد، إلا بتحقق وجود جبهة كهذه”.
هل يمكن بناء ديمقراطية دون أحزاب؟
التجربة العالمية تُظهر أن الديمقراطية تحتاج إلى أحزاب، حتى لو كانت شعبية الأحزاب في تراجع أمام الأفكار الشعبوية التي تطغى على الدول في الآونة الأخيرة مع بروز اليمين، ولا سيما في العالم الغربي الذي يعتبر حصن الديمقراطية. وتقول نانسي روزينبلوم، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، في تقرير في “مجلة المعرفة/ Knowable Magazine” بعنوان “الأحزاب تواجه أزمة ثقة، لكنها تبقى العمود الفقري للديمقراطية” ناقش فرضيات بناء الديمقراطية دون أحزاب: “يحاول الناس في عالم السياسة كثيراً الالتفاف على الأحزاب السياسية ومخاطبة الشعب مباشرةً. لكن في الواقع من دون أحزاب سياسية ستشيع الفوضى”.
وعليه، يبقى السؤال في سورية عن إمكانية بروز جيل جديد من الأحزاب والسياسيين القادرين على الانخراط في تحديات المرحلة الحالية، وهي عديدة وعميقة، أم أن الفراغ السياسي الحالي ستملأه الفوضى والصراعات، ويسود الخطاب الشعبوي المدعوم بقوة من القيادات المحلية، دينية كانت أو عشائرية؟ ومن الواضح أن الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مصير سورية لعقود قادمة.
العربي الجديد
————————–
مقاربة هوبزية في مواجهة الفوضى.. الدولة السورية بين الأنقاض والتأسيس/ عدي محمد الضاهر
2025.04.09
بعد عقد وأكثر من الثورة السورية وبعد عدة أشهر من سقوط النظام البائد كان الدمار يشمل أجزاء واسعة من البلاد، حيث تقف سوريا اليوم على مفترق طرق حاسم.
بلد محطم، منهك، مجزأ، تتناهشه الأطراف الإقليمية والدولية، ويتنافس فيه بعض أطراف الداخل على السلطة والنفوذ. وإلى الآن لا وجود لسلطة مركزية جامعة، ولا عقد اجتماعي موحّد، ولا مؤسسة تمتلك الاعتراف والسيطرة الكاملة على كافة الأراضي السورية حتى تاريخ كتابة هذا المقال. ماهو الحل؟
في هذا المشهد المعقد، تبدو الحاجة إلى نظرية سياسية تؤطّر وتؤسس لفهم الضرورة القصوى لقيام الدولة واضحة وملحّة. وهنا تُستدعى نظرية توماس هوبز، الفيلسوف الإنجليزي، الذي صاغ في كتابه الشهير “اللفياثان” أساسًا فلسفيًا لقيام الدولة بوصفها الخلاص من الفوضى، ومن “حرب الجميع ضد الجميع”.
هوبز والدولة كخلاص من الوحشية
يُنظر هوبز أن الإنسان في حالته الطبيعية (ما قبل الدولة) يعيش في فوضى مطلقة، حيث لا قوانين ولا سلطة، بل فقط صراع دائم من أجل البقاء. في هذه الحالة، يُصبح الإنسان ذئبًا لأخيه الإنسان، ويُحكم المجتمع بقانون الغاب: “القوي يأكل الضعيف”.
من هذه الحالة تنشأ الحاجة إلى كيان قادر على ضبط السلوك البشري وفرض النظام، وهو ما يسميه هوبز بـ “الليفياثان” أي الدولة القوية، التي تحتكر العنف، وتضمن الأمن، وتُنهي حالة الصراع.
وبحسب هوبز، فإن الناس حفاظًا على حياتهم وأمنهم يضحّون بجزء من حريتهم ويمنحون السلطة لهيئة حاكمة (الدولة)، تكون مسؤولة عن حفظ النظام ومنع الفوضى وهذا ما يحتاجه السوريون اليوم.
النظرية وفق الواقع السوري
إذا أسقطنا هذا النموذج الفلسفي على الواقع السوري بعد سقوط النظام، فإن ملامح “الحالة الطبيعية” التي وصفها هوبز تتجلى بوضوح:
• غياب السلطة المركزية التي تشمل كل الأراضي السورية
• انتشار المليشيات والفصائل المسلحة في عدة مناطق متفرقة
• تدخلات خارجية ذات مصالح متضاربة
• تقسيم جغرافي على أساس السيطرة لا على أساس السيادة
• تهديد دائم للأمن الفردي والجماعي
• فقدان الثقة بين المكونات الاجتماعية
كل هذا أنتج بيئة مبنية على حقيقة يتسلط فيها الأقوى، وتُنفى فيها الحقوق، ويُستباح فيها الإنسان باسم الانتماء أو السلاح أو النفوذ. أي وبكل بساطة إنها، حرفيًا، “حرب الجميع ضد الجميع”.
الضرورة الأخلاقية والسياسية لبناء الدولة
في مثل هذا الواقع، لا يمكن للسوريين النجاة بكل مكوناتهم من جحيم الفوضى إلا بتشكيل الدولة أو في الثقة في الدولة واعطائها فرصة ضمان الاستقرار والقانون النافذ على الجميع، ليس كونها أداة سلطة فقط، بل كضامن للعدالة والأمن المشترك.
فإن ما تحتاجه سوريا اليوم هو ثقة في الدولة و“عقد اجتماعي جديد” يُشبه الارتكاز النظري الذي رمى إليه هوبز، حيث تقوم مفاهيمه على المبادئ التالية:
· القبول بسلطة شرعية واحدة، تنشأ من الشعب وتُعبّر عن تطلعاته، لا عن مصالح الخارج.
· احتكار القوة والسلاح بيد الدولة فقط، مع تفكيك الفصائل والميليشيات.
· فصل السلطات وضمان الحقوق والحريات، بما يضمن ألا تتحول الدولة إلى أداة قمع كما كان الحال في عهد النظام البائد.
· العدالة الانتقالية والمحاسبة، بحيث يُفتح الباب للمصالحة دون التستر على المجرمين بطابع القبيلة أو الطائفة أو العرق. توزيع عادل للموارد والسلطة، بحيث يشعر كل مكوّن بأنه شريك حقيقي في الوطن.
دور الشعب السوري في التأسيس
وفقًا لهوبز، لا تقوم الدولة من تلقاء نفسها، بل تحتاج إلى أن يمنحها الناس الثقة والشرعية والتنازل الضروري عن حق حماية النفس بالقوة أو التكتل والصراع أو في العصبية، إلى حماية النفس من خلال القانون وسلطة مؤسسات الدولة. وبالتالي، فإن الشعب السوري اليوم هو المعني الأول بإحياء هذا المشروع من خلال :
· رفض حكم الميليشيات والفصائل مهما كانت شعاراتها.
· المطالبة بقيادة مدنية جامعة، تمتلك مشروعًا وطنيًا لا فئويًا.
· المشاركة الفاعلة في تشكيل مؤسسات شرعية، بعيدًا عن التبعية السياسية أو الطائفية.
· ومن الضروري تقبل إن الدولة ليست جهازًا أمنيًا ولا علمًا يُرفع فوق مبنى، بل هي إرادة جمعية تتجسد في مؤسسات تحمي الجميع دون استثناء.
إن الرهان على مشروع دولة سورية وطنية جامعة هو الفعل الثوري الحقيقي الذي يعطي تضحيات السوريين على مدى أربعة عشر عاماً القيمة الحقيقية.
دور الحكومة السورية في التأسيس
انعدام الثقة بين المواطن والدولة يؤخر عملية البناء أو التعافي ،وفي هذا المرحلة يكمُن دور الحكومة الأساسي بإرجاع ثقة المواطن من خلال:
· تأهيل الجهاز الأمني على أساس هوية وطنية بحتة من خلال اعداد برامج تدريب أمنية وقانونية تجبر العنصر على التعامل وفق ضوابط قانونية وأخلاقية محددة.
· نشر نقاط أمنية في الأحياء مهامها الأساسية حماية الممتلكات والسكان.
· الإسراع في عملية العدالة الانتقالية وإنشاء المحاكم المختصة.
· تحديد يوم من كل شهر تخرج فيه الحكومة ممثلة بوزرائها على التلفزيون السوري الرئيسي توضح من خلاله الخطط والبرامج لطمأنة المواطن.
· إيقاف الحالة الإعلامية الغير محترفة والغير رسمية عن تمثيل مؤسسات الدولة أي الابتعاد عن السيناريو والمنهج الذي كان يتبعه النظام البائد، وهذا من شأنه أن يزيد من احترام هيبة الدولة في المحافل المحلية والدولية.
· حكر الالتقاء مع الأصدقاء الدوليين فقط من قبل مسؤولين حكوميين وبعض منظمات المجتمع المدني الحقوقية والإغاثية الخدمية.
· إبعاد العسكر عن المشاركة في الحياة السياسية مع منحهم كافة الخدمات اللوجستية والتأكيد دوماً على دورهم في حماية الوطن وأبنائه.
· توحيد وضم منظمات المجتمع المدنية والإغاثية ضمن إطار تنسيقي فقط، لضمان توزيع البرامج بشكل فعال ومؤثر يضمن تعميم المصلحة وشموليتها.
· تحويل سجون النظام البائد إلى أماكن مهمة من تاريخ الشعب السوري وضمها لوزارة الشؤون الثقافية لصون صوت المعتقلين الذين ضحوا بحياتهم لأجل قضية الشعب السوري وهذا من شأنه أن يجلب التسليط الإعلامي الإيجابي الذي يمكن أن يجذب المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية للأشخاص المعتقلين سابقاً وذويهم ويمنح في نفس الوقت الاعتزاز بالنفس للمواطن السوري من خلال رفع قيمة التضحيات التي قدمها الشعب السوري البطل.
الدولة أو الفوضى
بعد أشهر من سقوط النظام المجرم في سوريا وبعد محاولات عديدة من النظام الجديد في إرساء دعائم الاستقرار وبعد الكثير من الانتهاكات الجسيمة التي وقعت ضد العديد من أبناء سوريا نتيجة تناحرات سياسية وطائفية لابد أن يستفيق السوريون نخبًا وشعبًا وأن يخلصوا إلى أن الدولة هي الخلاص الوحيد من دوامة الدم والخراب، أو أن يستمروا أسرى للتشتت والتبعية والاقتتال ،بطبيعة وحقيقة أنه لا وجود لخيار ثالث.
وأن بعد بناء الدولة تأتي الحكومات وتذهب ويعقبها آخرى ولكن لابد من بناء دولة ذو سيادة تحمي المواطنين كونهم “أبناء هوية سورية” ففي زمن أصبح فيه السلاح هو المعيار، والأجندة الخارجية هي المحدد، والأعداء من كل حدب وصوب فإن الرهان على مشروع دولة سورية وطنية جامعة هو الفعل الثوري الحقيقي الذي يعطي تضحيات السوريين على مدى أربعة عشر عاماً القيمة الحقيقية.
وتمامًا كما قال هوبز:
“في غياب الدولة، لا أمن ولا راحة بل فقط خوف دائم، وحياة بائسة قصيرة”.
فلنؤسس دولتنا الواحدة والغير مجزئة جميعاً والزمن كفيل بإصلاح الأمور بعد دوران عجلة الدولة ، أو لنتهيأ للغرق أكثر وسنُذكر حينها في التاريخ كشعب فشل بالحفاظ على وحدته الوطنية والتاريخية.
تلفزيون سوريا
—————————
لماذا يجب على سوريا استعادة مقعدها في “الاتحاد من أجل المتوسط”؟/ علي وانلي
2025.04.09
يعدُ الاتحاد من أجل المتوسط المنصة “الأكثر حميمية” التي يلتقي فيها العرب والأوروبيون بشكل دوري ضمن صيغة تعددية وعلى قدم التساوي، وعلى جيل دبلوماسيي سوريا الجديد أن ينخرط ضمن هذه البيئة الأورومتوسطية للتعاون والتكامل والتنمية.
بعد سقوط نظام الأسد، سعت الإدارة السورية الجديدة إلى طيّ صفحة العزلة، فبادرت بإرسال رسائل طمأنة إلى دول الجوار والمنطقة، وعملت على إعادة تنشيط علاقاتها مع جامعة الدول العربية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، وبسبب تحديات داخلية وخارجية، من بينها إعادة هيكلة الكوادر الدبلوماسية وتنظيم الشؤون القنصلية، لم تتمكن دمشق بعد من توسيع حضورها في المنظمات الدولية التي كانت جزءًا منها سابقًا. لكن استمرار عزلة الشعب السوري ومكوناته عن المحيط الدولي وحرمانه من فرص التعاون والتنمية يفرض اليوم ضرورة الإسراع في استعادة العلاقات، ليس فقط على المستوى الثنائي، بل ضمن الأطر متعددة الأطراف أيضًا.
الاتحاد من أجل المتوسط، أو الشراكة الأورومتوسطية – عملية برشلونة، التي تضم اليوم 43 دولة من الاتحاد الأوروبي والدول المطلة على المتوسط، انطلقت في عام 1995 بهدف تعزيز التعاون الإقليمي في مجالات متنوعة تشمل الاقتصاد والتنمية والتعليم والبيئة والثقافة. ومنذ تأسيسها، شكّلت إطارًا دوريًا ومنظمًا يلتقي فيه المسؤولون والخبراء من الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط.
يعمل الاتحاد أيضًا كشبكة متكاملة مع منظمات ومؤسسات رديفة، مثل مؤسسة آنا ليند في الإسكندرية والجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، ويتمتع بشراكات قوية مع مؤسسات مالية ووكالات تنموية دولية في عموم المنطقة، قادرة على رعاية وتنفيذ مشاريع إقليمية كبرى. من أبرز الأمثلة على ذلك شراكته مع بنك الاستثمار الأوروبي من خلال “الشراكة الزرقاء”، التي خُصصت لها استثمارات بقيمة مليار يورو لصالح دول عربية مثل الأردن ومصر والمغرب.
كانت سوريا عضوًا مؤسسًا في الشراكة الأورومتوسطية منذ انطلاقها عام 1995، حين شارك وزير خارجيتها آنذاك فاروق الشرع في مؤتمر برشلونة وصياغة الإعلان الختامي الذي أكّد على التكامل الإقليمي وتعزيز السلام والتعاون.
ومع تأخر تحقيق الأهداف الأولية لهذه المبادرة، قام الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ببث روح الأمل مجددًا حين دعى عام 2008 لقمة رئاسية في باريس، حضرها أغلب القادة الأوروبيين والزعماء العرب من الضفة الجنوبية والشرقية للمتوسط، بمن فيهم الرئيس (المخلوع) بشار الأسد، نتجت عن قرار إنشاء الأمانة العامة للاتحاد التي باشرت عملها بعد عامين في برشلونة مع اتفاقية المقر مع الحكومة الإسبانية.
ومع اندلاع احتجاجات الثورة السورية عام 2011، علّقت سوريا عضويتها في أمانة الاتحاد الناشئة آنذاك، وذلك في 1 كانون الأول من العام نفسه، احتجاجًا على العقوبات الأوروبية، وفق ما “أوردته وكالة الأنباء السورية “سانا، دون أن يصدر عن الاتحاد أي قرار رسمي بتعليق مشاركتها. هذا ما يمنح دمشق اليوم فرصة العودة دون عوائق قانونية، عبر التواصل المباشر مع الأمانة العامة للاتحاد، التي يتولى إدارتها حاليًا منصب أمينها العام الدبلوماسي المصري ناصر كامل.
بدورها، ترفع الأمانة طلب سوريا إلى الرئاسة المشتركة الأردنية-الأوروبية لتحديد المسار المناسب، وفتح باب التشاور مع الدول الأعضاء إذا اقتضت الحاجة، سواء عبر اجتماعات كبار المسؤولين، أو خلال منتدى وزراء خارجية الاتحاد السنوي، المقرر انعقاده هذا العام في برشلونة يومي 27 و28 تشرين الثاني.
يتطلب نجاح هذه الخطوة تنسيقًا دبلوماسيًا فعّالًا مع العواصم ذات الثقل داخل الاتحاد، وفي طليعتها عمّان التي تتولى الرئاسة المشتركة للاتحاد منذ عام 2012، والقاهرة التي تقود المجموعة العربية، إلى جانب أنقرة، حليف دمشق الشمالي، التي تُولي الاتحاد أولوية واضحة ضمن سياستها المتوسطية.
وعلى الضفة الأوروبية، تبرز الحاجة إلى تفعيل قنوات التواصل مع المفوضية الأوروبية بصفتها المحرك الرئيسي للسياسات داخل الاتحاد، وكذلك مع مدريد، الدولة المضيفة لمقر الأمانة العامة في برشلونة، وباريس عبر مفوضها لشؤون المتوسط، إضافة إلى ليوبليانا، عاصمة سلوفينيا، التي تترأس حاليًا مجموعة الدول الأوروبية المتوسطية التسعة (Med9)، وهي تكتل يزداد تأثيره في دوائر الاتحاد، خاصة فيما يتعلّق بمسار الإصلاح المؤسسي الداخلي.
ورغم احتمال مواجهة معارضة إسرائيلية محتملة لعودة سوريا، فإن العمل الدبلوماسي المنسق بين الدول العربية والشركاء الأوروبيين قادر على تليين هذا الموقف.
تتيح عودة سوريا إلى الاتحاد فرصة لتعزيز حضورها السياسي، وتفتح المجال للتعاون مع تسع منصات قطاعية رئيسية في مجالات حيوية مثل المياه والطاقة والتنمية المستدامة والتعليم العالي وتمكين المرأة والشباب. كما توفر فرصة للدبلوماسيين والمسؤولين السوريين للتفاعل المباشر مع نظرائهم إقليميًا، والمشاركة في مبادرات ثقافية هامة مثل تسمية إحدى المدن السورية عاصمة متوسطية للحوار والثقافة عام 2027، والمشاركة في فعاليات يوم المتوسط السنوية.
على الصعيد التنموي والاقتصادي، تسمح العضوية لسوريا بالمشاركة في مشاريع تمويل إقليمية كبرى، مما يُسهم في دعم جهود إعادة الإعمار على المدى الطويل ويعزز مكانة الاتحاد كشريك فاعل في استقرار وتنمية المنطقة.
سوريا اليوم أمام فرصة تاريخية لاستعادة دورها وحضورها في الاتحاد من أجل المتوسط، وهو قرار بيد دمشق، ينتظره السوريون وتحتاجه بلادهم في المرحلة المقبلة.
—————————-
مجلة أميركية تتحاور مع «أولي البأس».. مقاومة سورية أم إعادة تدوير إيرانية؟
ربى خدام الجامع
2025.04.10
نشرت مجلة نيوزويك الأميركية تقريراً موسعاً تناول ما وصفاه بظهور جماعة مسلحة جديدة في سوريا تُطلق على نفسها اسم “أولي البأس”، وذلك في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد. وبحسب التقرير، فإن هذه الجماعة “تقدم نفسها بوصفها امتداداً لمحور المقاومة” وتقول إنها “تقف في وجه ما تصفه بمحور الشر العالمي” الذي ترى أن الولايات المتحدة تمثّل مركزه.
وفقاً لما ورد في التقرير، ترى جماعة “أولي البأس” أن “الوجود الإسرائيلي والتركي في سوريا يخدم المصالح الأميركية”، وتعتبر أن “الولايات المتحدة هي من ترعى الفوضى والإرهاب في المنطقة”. كما تقول الجماعة إنها “تُميز بين الحكومة الأميركية والشعب الأميركي”، وإنها “ترفض توجيه أي رسالة إلى الإدارة الأميركية لأنها لا تمثل إرادة الشعب الأميركي”، بحسب ما ورد في تصريحات نقلها التقرير عن مكتبها السياسي.
يرصد التقرير أن الجماعة أعلنت عن نفسها في كانون الثاني الماضي، بعد أسابيع من إنهاء حكم الأسد، و”باشرت عمليات ضد القوات الإسرائيلية في جنوب سوريا”. ويشير محللون استند إليهم التقرير إلى أن “ظهور الجماعة يأتي ضمن محاولات إيرانية للحفاظ على نفوذها في سوريا بعد خسارة حليفها الأبرز”. كما لفت التقرير إلى أن شعار الجماعة وصورتها البصرية “تشبه في تصميمها شعارات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني”، مما يثير تساؤلات عن طبيعة ارتباطاتها الإقليمية المحتملة.
ترجمة التقرير:
كان سقوط بشار الأسد ضربة قوية لمحور المقاومة التابع لإيران، إلا أن هنالك جماعة جديدة تقدم نفسها بالصيغة نفسها تشكلت لتقف في وجه المصالح الأميركية وأهم حلفائها المتناحرين فيما بينهم ضمن منطقة الشرق الأوسط.
غدت سوريا اليوم محوراً لصراع إقليمي على النفوذ بين دولتين تجاورانها، وهما إسرائيل وتركيا، ولهذا ترى الميليشيا التي أطلقت على نفسها اسم “أولي البأس”، بأنها “تقف في صف محور المقاومة ضد محور الشر العالمي” الذي تعتبر واشنطن جزءاً منه، وذلك بسبب الدعم الذي يقدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لكل من إسرائيل وتركيا.
وفي تصريح لمجلة نيوزويك، أعلن المكتب السياسي لحركة “أولي البأس” والمعروف رسمياً باسم: “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس”، بأنه: “بالنسبة للثناء على دور الكيان الصهيوني والاحتلال التركي، فإن ذلك أمر طبيعي، لأن أميركا هي من يرعى الفوضى والإرهاب والشر في مختلف بقاع العالم”.
غير أن تلك الجماعة أكدت بأنها تميز ما بين الحكومة الأميركية والشعب الأميركي، ولهذا عندما طُلب منها توجيه رسالة للرئيس الأميركي كما سبق أن فعلت فصائل عديدة من محور المقاومة، قوبل هذا الطلب بالرفض من قبل جماعة “أولي البأس”، وعللوا ذلك بالفجوة ما بين سكان البيت الأبيض ومن ينتخبونهم، وعلقت الجماعة على ذلك بقولها: “إننا نرى بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة لا تمثل الشعب الأميركي، ولا تعبر عن هوية التعايش السليم مع الشعوب المتنوعة التي يتمتع بها الشعب الأميركي، ولذلك، لن نوجه أي رسالة لهؤلاء الذين لا يمثلون شعبهم، بل يمثلون طموحات دولة عالمية تسعى لسحق البشرية من أجل تحقيق مكاسب كبيرة في مختلف أنحاء العالم”.
أصول جماعة “أولي البأس”
مايزال الغموض يكتنف جماعة “أولي البأس” منذ أن ظهرت ضمن مشهد سوري متقلقل في شهر كانون الثاني من هذا العام، أي بعد أسابيع قليلة من انتهاء حكم الأسد الذي امتد لربع قرن وذلك على يد تحالف من الثوار الإسلاميين في الثامن من كانون الأول الماضي. وفي أول بيان لها، أعلنت الجماعة عن شن حملة مسلحة ضد القوات الإسرائيلية التي احتلت مزيداً من الأراضي في الجنوب السوري خارج مرتفعات الجولان المحتلة.
وبحسب تقديرات المراقبين، وعلى رأسهم من يعملون لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ومركز ألما للأبحاث والتعليم في إسرائيل، فإن مرد هذه الجماعة يعود إلى الجهود التي تبذلها إيران لتحافظ على نفوذها في هذا البلد الذي لطالما اعتبرته أهم حليف عربي لها في ظل حكم آل الأسد.
سوق في إدلب ـ رويترز
صعود الجهاديين المهاجرين إلى سوريا وأفولهم
تعود بدايات الشراكة الاستراتيجية بين دمشق وطهران إلى عقود خلت، فقد كانت سوريا عضواً مهماً في محور المقاومة الذي تشكل في العشرية الأولى من الألفية الثالثة رداً على “محور الشر” الذي ابتدعه الرئيس السابق جورج دبليو بوش وألصق تلك التسمية بإيران والعراق وكوريا الشمالية، ثم توسع ذلك المحور ليشمل كوبا وليبيا وسوريا على يد وكيل وزارة الخارجية السابق، جون بولتون، ثم تدهورت العلاقات السورية-الأميركية عقب قيام الحرب في سوريا في عام 2011، فقد رعت الولايات المتحدة عدة جماعات ثورية وذلك قبل أن تغير مسار دعمها وتخصصه لقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية.
وعندما شنت قسد حملة منفصلة ضد تنظيم الدولة، استعاد الأسد، بدعم من إيران وروسيا، مساحات شاسعة من الأراضي التي خسرها لصالح الثوار والمجاهدين. وبحلول عام 2019، وبعد إلحاق هزيمة منكرة بتنظيم الدولة، جُمّد النزاع عملياً وبقي كذلك حتى قيام الهجوم المفاجئ الذي شنته جماعات الثوار التي ترأستها هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري.
يذكر أن بعض الجماعات التي حاربت إلى جانب الحكومة السابقة، وعلى رأسها الحزب السوري القومي الاجتماعي، بقيت نشطة في الميدان، وصارت تزعم بأن عملياتها ما هي إلا رد على توسع الاحتلال الإسرائيلي.
يناصر هذا الحزب رسمياً فكرة إقامة “سوريا الكبرى” التي تشمل مساحات شاسعة من بلاد الشام والمناطق المحيطة بها، ومن بينها إسرائيل، ولهذا طالب الحزب في 17 كانون الأول بـ”إقامة جبهة سورية للتصدي للاعتداء السافر” الذي نفذته القوات الإسرائيلية المحتلة، وفي التاسع مع كانون الثاني، لبت جماعة “أولي البأس” هذا النداء، عندما ظهرت تحت اسم “جبهة تحرير الجنوب” قبل أن تغير اسمها في 11 كانون الثاني ليصبح بالاسم والشكل الذي تعتمده اليوم.
ثم إن الصورة التي اعتمدتها جماعة “أولي البأس”، والمتمثلة برفع بندقية تشبه بندقية الكلاشينكوف، تماثل في أسلوبها الصورة التي قدمها الحرس الثوري الإيراني، ثم أدخلت على شعارات وصور حزب الله اللبناني، المعروف رسمياً بالمقاومة الإسلامية في لبنان، وغيره من العناصر المتحالفة مع محور المقاومة، ويشمل ذلك عدداً من الميليشيات التي تمثل المقاومة الإسلامية في العراق.
ومصطلح “أولي البأس” الذي ظهر مرات عديدة في القرآن، استخدمه الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، لوصف حالة المواجهة التي يقوم بها حزبه مع إسرائيل عقب اغتيال سلفه، حسن نصر الله. فقد كان حزب الله أحد الفصائل الكثيرة التي تنتمي إلى محور المقاومة والتي تدخلت لصالح حركة حماس الفلسطينية بعد الهجوم الذي شنته في 7 تشرين الأول 2023 ضد إسرائيل، وأسفر عن الحرب التي ماتزال مستعرة في قطاع غزة.
ولكن على الرغم من اعتراف جماعة “أولي البأس” بمشاركتها في محور المقاومة، أكدت عدم تبعيتها لأي حزب أو أي دولة في المنطقة، كما لم تعلن عن وجود أي صلة تربطها بغيرها من الجماعات الموجودة في سوريا، بل صرحت بأن: “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا، “أولي البأس، حركة دينية ثورية قومية تتمتع ببعد قومي عربي، ولا تتبع لأي تنظيم موجود في سوريا، ولديها مشروع المقاومة السياسي الخاص بها والذي يضمن إقامة دولة قوية لديها إمكانات مهمة، وتدعم الحرية”، أما هدفها فيتمثل: “بقيادة عملية بناء الدولة القائمة على المواطنة والثبات على الأرض والانتماء الحقيقي” ولا تعتبر فكرة إعادة الأسد إلى السلطة بعد أن فر إلى روسيا في أثناء تقدم الثوار نحو دمشق في كانون الأول فكرة قائمة على الواقعية السياسية، كما أنها لا توافق على وجود خلفه، أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام والذي تحول إلى رئيس مؤقت لسوريا.
وبما أن حركة “أولي البأس” ماتزال تروج لرفع العلم السوري الذي كان يُرفع أيام الأسد، فإنها تعلل ذلك بالقول: “إننا لا نؤيد الأشخاص، بل نؤمن بأن الشعب السوري هو صانع القرار”.
ولقد تواصلت مجلة نيوزويك مع وزارة الإعلام السورية للتعليق على الموضوع.
بعد خمسين عاماً.. الجبهة تشتعل من جديد!
لا تعتبر حركة “أولي البأس” عملية طرد القوات الإسرائيلية من الجنوب السوري جزءاً من مهمتها، لأن هذا التوغل يعتبر العدوان الأول من نوعه الذي تقوم من خلاله إسرائيل بالتحرك على نطاق واسع خارج خط الهدنة الذي حُدد خلال الحرب الأخيرة التي قامت بين سوريا وإسرائيل في عام 1973. وترافق احتلال تلك الأراضي مع غارات إسرائيلية كانت الأكبر من نوعها واستهدفت مواقع تعود لجيش النظام البائد ضمت مستودعات للأسلحة الكيماوية.
والآن، ومع تواصل الغارات الجوية الإسرائيلية، وتلميح الجيش الإسرائيلي بعدم وجود نية لديه بالرحيل عن الأراضي التي توسع فيها في الداخل السوري، صرحت حركة “أولي البأس” بأن مهمتها بوصفها تمثل: “شريحة من الشعب، أن نكون في موقع يمكننا من إلحاق الهزيمة بالاحتلال”.
ويبدو بأن الحركة خرجت بهذا التصريح خلال الشهر الماضي، بعد أن أعلنت مسؤوليتها عن سلسلة من الاشتباكات التي وقعت مع القوات الإسرائيلية في محافظة درعا الواقعة جنوبي البلاد.
إثر ذلك، اعترف مسؤول عسكري إسرائيلي بوقوع: “حوادث قليلة في الجنوب السوري مؤخراً، حيث وقعت حوادث تكتيكية لكنها مهمة حصلت خلالها اشتباكات مع قواتنا”، وأضاف المسؤول نفسه: “إننا عازمون على ضمان عدم وجود أي قوات على حدودنا يمكن أن تمثل أي خطر يهدد المدنيين لدينا، وبأن تبقى تلك القوات بعيدة عن مستوطناتنا، ولقد شهدنا بعض الأمور التي حدثت في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وعلينا أن نبقى يقظين على الحدود لنضمن وجودنا هناك بهدف الذود عن شعبنا، ولنكون على يقين من عدم وجود أي تهديد على أبوابنا”.
في تلك الأثناء، استمرت الغارات الجوية الإسرائيلية في دك مناطق مختلفة من سوريا، تركز معظمها بالقرب من مدينة تدمر وسط البلاد، وذلك يوم الأحد الماضي، كما استهدفت الغارات قاعدة عسكرية في محافظة حماة يوم الأربعاء، وأعلن الجيش الإسرائيلي عن عزمه على: “مواصلة العمل على تبديد أي خطر يهدد المدنيين الإسرائيليين”.
من جانبه، وصف نائب القنصل العام الإسرائيلي في نيويورك، تساتش ساعر، العمليات الإسرائيلية في سوريا بأنها دفاع عن النفس، إذ قال: “إن إسرائيل لا تهاجم النظام ولا الشعب السوري، ولو حدثت عمليات بين الفينة والأخرى، فإن ذلك يحدث بهدف التأكد من عدم استخدام الأسلحة الاستراتيجية ضد إسرائيل”.
وفي خضم التأكيدات العلنية التي قدمها الشرع بأن حكومته لن تمثل أي تهديد لإسرائيل، يشكك ساعر بالقيادة السورية الجديدة نظراً لارتباطاتها السابقة بتنظيمات جهادية، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وهذا ما دفعه للقول: “إن النظام جديد، ومانزال نحاول تقييم توجهاته، لكننا لن ننس بأن الجولاني وصحبه كانوا جهاديين، إذ قد يقول قائل: “من كان جهادياً ولو لمرة فسيبقى أبد الدهر جهادياً”، حتى ولو ارتدى بزة رسمية، ولهذا علينا أن نراقب إلى أين تتجه الأمور”.
وأضاف ساعر: “يجب علينا ضمان سلامة حدودنا الشمالية وتأمينها، وهذا أمر لن نتنازل عنه البتة، وفي الوقت ذاته، لا نرغب بخوض حرب مع سوريا، ولهذا أعتقد بأنه من الضروري تفكيك بعض الإمكانات الإشكالية والخطرة للغاية والتي بقيت في سوريا، خلال مرحلة الاضطرابات التي تشهدها المنطقة حالياً، كما علينا أن نضمن عدم توجيه تلك الإمكانيات ضدنا في يوم من الأيام”.
في الوقت الذي دانت إدارة الشرع الغارات الإسرائيلية، اتهمت حركة “أولي البأس” الحكومة المؤقتة بالتواطئ بسبب عدم ردها على إسرائيل، إذ أصدرت الحركة بياناً خلال الشهر الماضي تحدثت فيه عن عملياتها ضد الجنود الإسرائيليين، وشددت على: “ثورة الشعب السوري الحر ضد طغيان الاحتلال والإعلان الواضح الذي خرجت به الثورة ضد حكومة الأمر الواقع التي تمهد السبيل أمام هذا المحتل لتقسيم البلد”.
سوريا في مرمى النار
ذكر ترامب بأنه لا مصلحة لديه بتوريط إدارته في النزاع السوري المعقد الذي تعددت الجهات المتورطة فيه، بيد أن الولايات المتحدة مايزال لديها نحو ألفي جندي في سوريا، معظمهم يعمل إلى جانب قسد في شمال شرقي سوريا، وكذلك في الحامية الموجودة في منطقة البادية جنوباً حيث يتعاون الجنود الأميركيون مع الجيش السوري الحر الذي يمثل العرب عماده.
بعد مرور أشهر على اندلاع الحرب في غزة، تعرضت القوات الأميركية لغارات شبه يومية شنتها ميليشيات محلية تعمل تحت راية المقاومة الإسلامية في العراق، وتشجع فكرة شن غارات جوية انتقامية. بيد أن تلك الجماعات أوقفت تلك الحملة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عن خطة للبدء بسحب القوات من العراق مع بداية شهر أيلول من هذا العام.
هذا ولقد أصبح وضع القوات الأميركية في كل من سوريا والعراق اليوم محل تشكيك ومساءلة في ظل إدارة ترامب التي تؤيد فكرة الحد من الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، كما أشرفت تلك الإدارة على عقد اتفاق تاريخي وافقت من خلاله قسد على دمج إدارتها الذاتية ضمن حكومة الشرع.
وبعد أن أضحت الولايات المتحدة في مواجهة مع مصدر خطر جديد إثر ظهور حركة “أولي البأس”، أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة ستواصل سعيها لنشر الاستقرار والحكم العادل في سوريا، إلى جانب ضمان عدم قدرة التنظيمات المصنفة إرهابية على العمل في ذلك البلد.
وفي تصريح لمجلة نيوزويك، قال الناطق باسم الخارجية الأميركية: “مستمرون بالمطالبة بتشكيل حكومة جامعة يترأسها مدنيون، تكفل عمل مؤسسات الدولة بطريقة فعالة وإسعافية وتمثيلية، وذلك لأن وجود استقرار وازدهار لدى الشعب السوري على المدى البعيد يتطلب وجود حكومة تحمي جميع السوريين سواسية… ثم إن ما تريده الولايات المتحدة في نهاية المطاف من سوريا هو أن تعيش بسلام مع جيرانها، وتحترم حقوق الإنسان، وتحظر الإرهابيين وتمنعهم من استخدام أراضيها كملاذ آمن لهم”.
ماتزال الولايات المتحدة تعتبر هيئة تحرير الشام تنظيماً إرهابياً حتى بعد أن أعلن الشرع عن تخليه عن الفكر الجهادي خلال السنوات القليلة الماضية، إلى جانب حله للهيئة بمجرد أن تولى زمام الأمور في كانون الأول الماضي. ثم إن الولايات المتحدة استنكرت العنف الذي استهدف أقليات في سوريا، كان من بينهم أفراد من الطائفة العلوية التي ينتمي الأسد إليها، بعد أن ارتكبت قوى الأمن السوري الجديدة وميليشيات متحالفة معها تلك المجازر، بحجة أنها تقارع فلول النظام البائد.
في تلك الأثناء، قد تطرأ مزيد من التعقيدات على السياسة الأميركية المعنية بالملف السوري بسبب عودة التوتر مؤخراً بين واشنطن وطهران، إذ بينما كانت هاتان الدولتان المتناحرتان منذ أمد بعيد تبحثان عن عودة ممكنة للدبلوماسية بينهما عقب القرار الذي خرج به ترامب وتخلى من خلاله عن الاتفاق النووي الموقع بين الطرفين خلال فترة ولايته الأولى، وتحديداً عام 2018، أخذ الرئيس الأميركي يهدد إيران بشكل مباشر بسبب تصرفات حلفائها، وخاصة حركة أنصار الله في اليمن، والمعروفة بحركة الحوثيين.
يذكر أن حركة “أولي البأس” ترى بأن إيران تتعرض لضغط كبير بسبب وقوفها ضد المحاولات الأميركية لنشر نفوذها على مستوى العالم ولشد أزر إسرائيل في المنطقة، وقد أعلنت عن ذلك عبر تصريحها بأنه: “بالنسبة للتهديد المستمر الذي تتعرض له الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن مرد ذلك يعود لاحتفاظها بهوية مستقلة ورفضها الخضوع، كما فعلت فنزويلا وغيرها من الدول التي تخلت عن الهيمنة الأميركية، ولكن الحقيقة تكمن في أن إيران تهدد تلك الدولة المتقدمة الواقعة في غربي آسيا، أي الكيان الصهيوني”.
المصدر: The Newsweek
تلفزيون سوريا
———————————-
خطر يهدد أمن بيانات المجتمع المدني في شمال شرقي سوريا
ربى خدام الجامع
2025.04.10
مع تصاعد التهديدات السيبرانية على مستوى العالم، تواجه منظمات المجتمع المدني السوري مخاطر متزايدة بسبب القيود المالية، والتحديات التقنية، والضغوط السياسية. وللأسف، أدت هذه العوامل إلى ظهور ثغرات أمنية تهدد بيانات ووثائق العاملين في المجتمع المدني.
منذ اندلاع الاحتجاجات في عام 2011، لا تزال الهيئات المدنية والسياسية والعسكرية التي ظهرت في مختلف أنحاء سوريا تعمل ضمن حلقة مفرغة من الاتصالات المخترقة والانتهاكات المتكررة.
فعلى سبيل المثال، اعتمدت مناطق شمال شرقي سوريا خلال الحرب وبعدها على عدة مصادر لتأمين الاتصالات، أولها شبكة الاتصالات التابعة للنظام السوري، والإنترنت الفضائي، فخدمات الإنترنت التركية، وأخيراً شبكة “آرسيل” المحلية. وقد تسبب هذا التحول المتواصل بين الشركات المزودة لخدمة الإنترنت بحدوث فوضى كبيرة طالت أمن البيانات، ما تسبب بخسارتها وتعذر الوصول إليها.
ويؤكد عباس علي موسى، وهو ناشط في “رابطة التآزر” وهي منصة توثق المفقودين في سوريا، على أهمية التعامل بحذر مع هذا النوع من البيانات، لا سيما الشهادات والسجلات الخاصة بالضحايا أو أهاليهم.
ورغم أن الحفاظ على هذه المحفوظات أمر بالغ الأهمية لتوثيق جرائم الحرب والكشف عن مصير المفقودين، فإن منظمات المجتمع المدني في سوريا تفتقر إلى المهارات التقنية والموارد الكافية لحماية هذه البيانات، كما أوضح موسى، وأضاف: “يخصص معظم التمويل المتاح للمشاريع الميدانية والاحتياجات الإنسانية العاجلة، وليس لتطوير البنية التحتية التقنية”. وإلى جانب القيود المالية، تمثل حالة “انعدام الاستقرار على المستوى السياسي والتحديات اللوجستية” عقبات هيكلية تقف في وجه الجهود الساعية لتأمين البيانات الرقمية، على حد وصف موسى.
ونتيجة لذلك، لم يُعتمد الأمن الرقمي حتى الآن كممارسة أساسية بين منظمات المجتمع المدني، وهذا ما أضعف استراتيجيات حماية البيانات.
أمن رقمي يعاني من الإهمال
ذكرت هيليز فاتح عبدالعزيز” من منظمة “Insight”، وهي منظمة غير ربحية تعمل على توثيق جرائم الحرب في سوريا، بأن القيود المفروضة على التمويل تمنع المنظمة من اعتماد ممارسات حازمة في مجال الأمن الرقمي.
وأضافت عبد العزيز لموقع SMEX بأن المنظمات غالباً تقلل من أهمية تأمين الموارد التقنية، وتعتبرها أولوية ثانوية رغم المخاطر التي تمثلها على سير العمل.
أما عباس موسى فقد ذكر بأن أغلب منظمات المجتمع المدني تتغاضى عن الأمن السيبراني بسبب نقص الكوادر المؤهلة، لاسيما خلال المراحل الأولى من تأسيسها. وكثيراً ما يركز المانحون على الاحتياجات العاجلة، ما يحرم الأمن الرقمي من التمويل الكافي. كما أن الاعتماد على متطوعين لأداء المهام التقنية يزيد من خطر تفاقم المشكلة، ويعرض البيانات والحسابات لمخاطر رقمية جسيمة.
وفي ما يتعلق بالتواصل الرقمي الداخلي، يوضح موسى بأن منظمات المجتمع المدني لا تستخدم البريد الإلكتروني الرسمي أو خدمات التخزين السحابي الآمن، وتعتمد بدلاً من ذلك على أقراص صلبة خارجية تخزن عليها معلومات آلاف المستفيدين ومشاريع كثيرة، وهذه الأقراص الصلبة تعرضت لأعطال متكررة على مدار السنين، ما تسبب بحدوث تلف كبير في البيانات.
وفي هذا السياق أطلقت شيرين إبراهيم من “جمعية دار لضحايا التهجير القسري”، وهي منظمة غير ربحية تُعنى باحتياجات الرجال والنساء المهجرين قسراً، تحذيراً من “الغياب التام لأي حماية مناسبة، لأن ذلك يعرض بيانات المستفيدين والمانحين والعاملين لاحتمال الاختراق أو التسريب”. وفي ظل ظروف الوضع الانتقالي لسوريا، فإن ذلك يمكن أن يشكل خطراً مباشراً على حياة الناس برأيها.
ثم إن فقدان السيطرة على نظم الاتصال يصعب عملية تنسيق جهود الإغاثة والعمل الإنساني ويعقدها، كما يؤدي إلى تشويه البيانات نتيجة الخروقات، مما قد يتسبب بتأخر الخدمات ويضعف من الأداء وكفاءته.
وفي بعض الحالات، يمكن أن تُستخدم البيانات المسروقة لاستهداف مجتمعات المستفيدين أو لتسريب معلومات حساسة تتصل بالناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، كما يمكن تزوير تلك البيانات أو التلاعب بها لتشويه سمعة المنظمة.
صراع رقمي ذو طابع عسكري– سياسي
في خضم التوترات السياسية والعسكرية في شمال شرقي سوريا، واجهت وسائل الإعلام المحلية والناشطون تحديات متزايدة في تأمين منصاتهم الرقمية، بما في ذلك محاولات اختراق وتقارير عن تقييد حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، نسبت في بعض الحالات إلى أطراف إقليمية فاعلة.
ورداً على ذلك، اعتمدت بعض المنظمات إجراءات لحماية بياناتها، إذ يخبرنا عباس موسى عن الإجراءات الوقائية التي صاروا يتخذونها لمنع حدوث أي خرق، فيقول: “لدينا نظم لحماية البيانات الحساسة تستعين ببرامج مدفوعة ومشفّرة لتخزين المعلومات، ولدينا موظف متخصص بإدخال البيانات لضمان عملية التحكم بالوصول إليها”.
إلا أن منظمات أخرى بقيت غير مهيأة لمواجهة التهديدات الرقمية، إذ تقول جيا قهرمان، وهي عضو في مجلس إدارة شركة Frontier Tech المتخصصة في حلول الويب والبرمجيات، بإنه على الرغم من التزام شركتها بمعايير عالية للحماية عند شراء المخدمات، فإن الأمن الرقمي ما يزال يعتبر تهديداً لأمنها الرقمي، وتشرح تلك الفكرة بقولها: “لا يبدي المسؤولون في منظمات المجتمع المدني والإعلام المحلي وأوساط الناشطين كبير اهتمام بالأدوات الوقائية أو برامج الحماية، إذ لم تتواصل معنا أي جهة لطلب استشارات حول تقنيات الحماية أو لتنظيم ورش تدريب معمقة حول هذا الموضوع، ما يعني بأن الأمن الرقمي مايزال يشهد حالة إهمال في أوساط منظمات المجتمع المدني في الداخل السوري”.
أدّت التوترات السياسية إلى تصاعد الانتهاكات الرقمية بين منظمات المجتمع المدني السوري. وتحدث عن ذلك مدير إحدى المنظمات، طالبًا عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، فقال: “خلال عملنا في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، تعاملنا مع جهة مانحة دولية كانت تنشط في كل من شمالي سوريا وشرقيها، كما كانت تعمل في دمشق، ونظراً لحساسية الوضع السياسي بين المنطقتين، اعترضنا على سياسة عدم الكشف عن المشاريع في شمالي سوريا وشرقيها، فأكدوا لنا على سرية المعلومات. لكن مع مرور الوقت، اكتشفنا بأن النظام السوري كان بوسعه الوصول إلى أدق تفاصيل العمل والاطلاع على بيانات أخرى”.
ومايزال العاملون في هذه المنظمات يعيشون في خوف من استمرار تلك التهديدات في سوريا اليوم، إذ تروي مديرة أخرى، فضّلت عدم ذكر اسمها، تجربتها مع أمن البيانات خلال عملها في ظل النظام السابق، فتقول: “عندما تعمل في العاصمة، فإن العمل على حماية البيانات يتحول إلى كابوس جاثم على صدرك على الدوام، إذ لم نكن ننفذ أي مشروع إلا مع جهات مانحة حاصلة على ترخيص للعمل في سوريا، أي أن الأجهزة الأمنية كانت على علم بنشاطات تلك الجهات. ومع ذلك، كنا نخشى من أي تسريب للمعلومات، خاصة تلك التي تتعلق بأسماء المستفيدين الذين يمكن أن يتعرضوا لمضايقات، فقد تعرض بعض المستفيدين بالفعل لمضايقات أمنية، وخضعوا لاستجواب بشأن نوع الدعم الذي تلقوه، وفي ذلك دليل دامغ على أن بياناتنا تعرضت للاختراق”.
أما في شمال غربي سوريا، وضمن المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام البائد، فقد كانت الظروف أشد قسوة. إذ في إدلب، تعرضت 53% من النساء لنوع من أنواع العنف الرقمي، وفقاً لإحصاءات مكتب تمكين المرأة.
دفع ذلك منظمات المجتمع المدني إلى تخصيص ميزانيات كبيرة من أجل تأمين البيانات وحماية الموظفين، ما أدى إلى إطلاق منصة “سلام تك” الرقمية في مطلع عام 2012، والتي قدمت دعمًا تقنياً عاجلاً لنحو 17,172 سورياً وسورية عبر الإنترنت من خلال خط طوارئ خصص لمساعدة الناس.
ورغم المخاطر الكبيرة المرتبطة بالأمن السيبراني التي تواجهها منظمات المجتمع المدني في سوريا، لم تعتمد تلك الجهات بعد إجراءات فعالة لحماية بياناتها من الاختراق والتسريب.
وفي ظل كل التغيرات الحاصلة في البلد، تستمر هذه المنظمات في عملها من دون أن تضع أي خطط أو استراتيجيات متماسكة لتوفير الأمن الرقمي، على الرغم من أن ذلك يمكن أن يُفضي إلى كارثة رقمية في نهاية المطاف.
المصدر: ADVOX
تلفزيون سوريا
———————————
إلى ياسر مخلوف مع تحيات رجال (سوريا الحرَّة)/ مالك داغستاني
2025.04.10
اعتُقل في شهر شباط/فبراير 1982، وأُطلق سراحه في شهر آذار/مارس عام 1997. خمسة عشر عاماً وبضعة أيام، قضاها بين سجني تدمر وصيدنايا. إنه صديقي “ياسر مخلوف”. أعرف، في هذه اللحظة بعد قراءة الاسم أن الكنية لفتت نظركم.
نعم هو ابن عائلة مخلوف، التي يعرفها السوريون، من قرية بستان الباشا على الساحل السوري. بعد عام ونصف من السجن، حظي ياسر بزيارة في سجن تدمر، عبر وساطة من خارج العائلة. حينها طلب من والديه ألا يحرجا نفسيهما بأي وساطة من أحد، مضيفاً أنه سيخرج من السجن عندما يخرج رفاقه جميعاً. وكان معتقلاً للانتماء إلى حزب العمل الشيوعي. التزم الأهل بطلب ابنهما طيلة فترة سجنه.
عام 1984، قبل ذكرى (الحركة التصحيحية) بأيام قليلة، تم تحويل ياسر من سجن تدمر إلى فرع التحقيق العسكري بدمشق بقصد الإفراج عنه. لينضم هناك إلى معتقلين اثنين، أحدهما ابن شقيقة زوجة محمد مخلوف، مع ابن عمّه، والاثنان أبناء عائلة علوية شهيرة. يبدو أن اسم ياسر أضيف إليهما باعتباره الأقرب للعائلة الحاكمة، فهو الابن الأكبر لابنة شقيقة زوجة الأسد الأب.
قابله العميد كمال يوسف رئيس الفرع في مكتبه، وطلب منه أن يتعهد أمامه شفهياً، بألا يعود للعمل السياسي المعارض، وسوف يطلق سراحه على الفور. كان جواب ياسر صادماً للعميد، وفيما بعد لحافظ الأسد (وهذا تقديري الشخصي). قال الرجل: أنا اليوم سجين ولست في التنظيم. لا أعلم ما هو الوضع في الخارج. إن أطلقتم سراحي سأرى الوضع وأعود لأخبركم إن كنت سأمارس العمل السياسي أم لا.
نهاية المقابلة، فهم العميد يوسف أن ياسر لن يتعهد بأي شيء. وبينما أُطلق سراح الآخَرَين، فقد تمت إعادة ياسر إلى سجن تدمر، ليقضي سنواته الطويلة هناك، قبل أن ينقل إلى صيدنايا، ويُقدَّم بعد عشر سنوات من التوقيف العرفي إلى محكمة أمن الدولة العليا. أصدر عليه القاضي فايز النوري حكماً بالسجن خمسة عشر عاماً، مع كثيرين من رفاقه. الأمر الذي يمكنني تفسيره بحقد شخصي من الأسد، فكيف لأحد أن يرفض (مَكرُمةً) كهذه منه! في حين لا يمكن لأي معتقل سوري أن يحلم بها في تلك الفترة، حيث بقي قفل السجن السوري مغلقاً بإحكام لسنوات طويلة.
كان ياسر في سنته الدراسية الثالثة في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حين اعتقاله. سيكمل دراسته ويتخرج منها بعد خروجه من السجن. وأكثر من ذلك سيدرس الترجمة ويحصل على شهادة جامعية أخرى فيما بعد، وسيحترف العمل في الترجمة من اللغة الإنكليزية التي أتقنها جيداً خلال سنوات السجن. لم يلجأ الرجل إلى أبناء العمومة لطلب أية مساعدة، كما يمكن أن يخطر
في البال. وكان معظمهم متحرجاً من إقامة علاقة مع ابن العم المعارض. أما ياسر فبدا متفهماً للأمر، وأبقى معهم على علاقات المجاملات العائلية وحسب.
التقينا هو وأنا قليلاً بعد السجن وعلى فترات متباعدة، لكن خلال زيارتي لسوريا بعد سقوط الأسد، زرته في بستانهم في القرية، وهو إرث له ولإخوته من والديهما. جلسنا في بيوت الإخوة التي ستحترق فيما بعد. قضيت هناك ساعات قليلة معه ومع أصدقاء آخرين. بدا ياسر خلالها أشدّنا فرحاً بسقوط الأسد، وأكثرنا تفاؤلاً عن المستقبل وعن سوريا الجديدة، رغم عدم التوافق الفكري والسياسي مع من يحكمون البلد. بل وسخرنا معاً من المخاوف غير المبررة للعلويين المدنيين!
قبل أيام، فاجأني مقطع مصور بكاميرا ياسر نشره أحد الأصدقاء. بدا البيت الذي تناولنا الفطور فيه محروقاً بالكامل. وعلى الجدار ظهرت كتابة خلّفها الفاعلون، سيقرأها ياسر بصوته: “ذكرى عبد الله عبد القادر عبد الله. 6 شهر رمضان” مع توقيع شخصي وتوقيع عام سيقرأه ياسر بمرارة “رجال سوريا الحرّة”، فيتساءل بعدها باستغراب: “رجال سوريا الحرة؟! يا شباب، هذا البيت لناس أحرار من سوريا الحرة”. في منزل شقيقته ردينة، مهندسة معمارية، استخدم أحدهم ألوانها ورسم (خربش) خطوطاً على الجدار، ثم وقع باسم “أبو تراب الحلبي”.
باتصال مع العائلة بعد مشاهدة الصور، سأعلم أن أخوَي ياسر، اللذَين كانا يشعران بالطمأنينة خلال ما سُمّي (النفير العام)، لم يغادرا البستان. بقيت سحر هناك، وهي مهندسة زراعية، تدير العمل مع أخيها أحمد. خلال ساعات، حضرت إلى بستان الحمضيات الذي يقع على الطريق العام، طرطوس اللاذقية، عدة مجموعات مسلحة على التوالي. سرقوا سيارتي الأخوين، وحملوا بهما المؤونة العائلية من الزيت. سيخبرني ياسر على سبيل الطرافة المريرة، أن الأمر بدا وكأنه اختصاصات لناحية (التعفيش).
هناك مجموعة أخرى نهبت الأجهزة الكهربائية فقط، ثم تلتها أخرى سرقت خلايا النحل. لكن الثابت خلال كل ما جرى أن أمر إعدامهما قد نوقش من قبل كل المجموعات. مجموعة تجنبت قتل أحمد لأنه كهل. لكن واحداً من عناصر جماعة أخرى أخذ أحمد جانباً وقرر إعدامه، فقفزت الأخت أمامه وطلبت أن يقتلوها قبله. أنجتهما مصادفة طيبة، حين دخل القائد في ذات اللحظة وسأل مستنكراً عن إعدام امرأة! فجاءه الجواب من مرؤوسه بأنها “هي من طلبت ذلك”. فما كان من قائد مجموعة اللصوص إلا أن أصدر أمره بمنتهى الشهامة “اتركهم، فنحن لا نقتل النساء”!
خلال لحظة انشغال المجموعة السادسة التي دخلت البستان، خلا المكان من أي عنصر قريب، وبينما سمع الأخوان إطلاق رصاص في البستان المجاور، قررا الهرب. انطلقا وتسلقا السور،
راكضين بين البساتين المتلاصقة ساعات طويلة، ملتجئين إلى بعض المزارع التي خاف أصحابها من استقبالهم بها، فوصلا مدينة اللاذقية في اليوم التالي. سيعلمان فيما بعد أن إطلاق النار الغزير أفضى إلى مقتل محمد منير مخلوف.
للمصادفة، من بين أفراد عائلة مخلوف الكبيرة والثرية، لم يُقتل سوى محمد منير مخلوف الذي يقيم في البستان المجاور. يدير الرجل عملاً خاصاً بعيداً عن الأعمال غير الشرعية، ويعرف عنه المحيطون أنه كان شهماً يندفع لتقديم المساعدات لمن يحتاجها. ربما لصفاته تلك، كان ممن اختيرو في وفدٍ قابل الرئيس الشرع عند زيارته اللاذقية. سيخبرني ياسر أنه كان من بين أصدقائه القلائل في العائلة، وأقربهم إليه. أما باقي أفراد العائلة المؤيدين فقد نجوا لأنهم لم يشعروا بالأمان مع السلطة الجديدة، ففروا من سوريا، أو احتموا بأمكنة حيث لا تطولهم يد العدالة.
في البستان احترق بيتان وتم تحطيم الثالث، وسرقت مضخات البئر، وألواح الطاقة الشمسية والأدوات الكهربائية والمناحل. فعل المهاجمون كل ما كان يفعله “شبيحة الأسد” خصوصاً من جنود الفرقة الرابعة وتوابعها. بدا الأمر لي وأنا أصغي لما جرى، وكأننا ما زلنا نعيش في “بلاد الفرقة الرابعة”، التي شكّلت كابوساً للسوريين على مدى سنوات.
توفيت والدة ياسر قبل أربع سنوات، بيني وبين نفسي قلت حسناً أنها لم تشهد هذا اليوم. هناك الكثير من المآثر لأمهات معتقلي صيدنايا، وهناك عدّة أمهات شهيرات. لكن أم ياسر كانت أشهر أمهات صيدنايا على الإطلاق، بما قدمته للسجناء وعائلاتهم من خدمات، بمن فيهم معتقلون إسلاميون، حيث كانت تحضر لهم حاجياتهم، وتدور على بيوت عائلاتهم في أكثر من مدينة، لأنهم ممنوعون من الزيارة. حين توفيت نهايات عام 2020، نعاها ونشر صورها المئات من الأشخاص على وسائل التواصل. أحد الأصدقاء سألني من تكون تلك المرأة حتى ينعاها كل هؤلاء البشر؟ أجبت: ألا تعلم! إنها أنجيلا. كان اسمها نجلا ولكن السجناء أطلقوا عليها لقب أنجيلا، تيمناً بمناضلة حقوق الإنسان الأميركية الشهيرة أنجيلا ديفيس.
هل أكتب عن ياسر لأنه صديق شخصي؟ نعم، على الأرجح أن هذا واحد من الدوافع، فمعرفتي الدقيقة بسيرة حياته الكاملة، تدفعني للكتابة عن أمر أعرفه بدقة وبكامل تفاصيله. لكن هذا لا يلغي الدافع الأكبر، وهو إدانة كل تلك الاعتدءات التي تحولت إلى مجازر في كثير من بلدات وقرى الساحل وذهب ضحيتها أبرياء، أودى بأكثرهم شعورهم بالأمان وبأنهم لم يفعلوا شيئاً يستحقون أن يتعرضوا بسببه لأي اعتداء ولا حتى إهانة، لذا لم يهربوا كما فعل المجرمون.
قصة ياسر هي مثال متطرف، ليس فقط عن الوحشية التي مورست في الساحل، بل هي دليل براءة أغلب الضحايا، لدرجة أن تلك الوحشية طالت من دفع ربع عمره في سجون الأسد.
بالتأكيد، ليس الأمر بالنسبة لي أنها بيوت ياسر الذي أعرفه وإخوته، فكل الاعتداءات وقتل وحرق وسرقة بيوت المدنيين الأبرياء أعمال إجرامية لا تقوم بها لا دولة ولا ثوار.
هذه أعمال عصابات تحسب أنها مُغطّاة أمنياً، ولن تنالها المحاسبة، وإلا ما معنى أن يشعر المجرم بما يشبه الأمان المطلق، فيوثّق فعلته ويوقِّع باسمه الثلاثي على الجدار. اليوم، للمفارقة المريرة، يلحُّ علي السؤال: بأية حكمةٍ تحملها تقادير الحياة، سارت الأقدار على نحوٍ جعلت من مجرم كحافظ الأسد يضيع شباب رجل مثل ياسر في السجن، ثم ليأتي بعده مجرمون لصوص رعاع، يماثلون الأسد بدونيتهم، فيحرقون بيته وبيوت إخوته، وربما لو تصادف له أن كان هناك لقتلوه؟
الكثير مما يجري في سوريا اليوم، ويعتقده كثيرون نوعاً من البطولة والانتصار، إنما هو الوصفة الناجحة لإعاقة بناء الدولة الجديدة، بل والمساهمة في تحطيمها قبل ولادتها. مع شيء من الحسرة قال لي ياسر “الكارثة أن الأسد الابن، لم ينهب موارد سوريا إلى ما دون الصفر خلال حاضرنا وحسب، بل أكل ونهب من مستقبلنا ومستقبل سوريا والسوريين”.
لكن ألم يكن بإمكان السلطات الجديدة تلافي ما حدث في الساحل أو على الأقل التخفيف منه؟ هل حقاً لم تمتلك المقدرة على ضبط الفصائل والأفراد الذين انضووا تحت مظلة وزارة دفاعها؟ أم أنها لا تمتلك الإرادة لذلك؟ مهما كان الجواب فالأمر سيّان، وهو لا يعنى سوى أننا لم ولن نصل قريباً لنكون دولة.
يوم 8 كانون أول/ديسمبر الماضي، ذهب ياسر رفقة شقيقته سحر إلى قبري والديهما، وضعا وردة فوق كل قبر. أخبرهما ياسر أن نظام الأسد قد سقط. اليوم، المفارقة التي لم تفاجئني كثيراً وأنا أتحدّث إليه، لأنني أعرف روح الرجل جيداً، مازال ياسر، رغم كل ما جرى له على الصعيد الشخصي، متفائلاً بسوريا القادمة!
تلفزيون سوريا
——————————–
نادي السينما السوري… حين تُغلق الصالات وتُفتح أبواب دمشق/ ختام غبش
10 ابريل 2025
أدركت الأنظمة مبكراً أهمية السينما بوصفها أداة للدعاية والترويج؛ إذ رُصدت أولى تدخلات السلطة في السينما المصرية في 17 مايو/أيار 1926، عندما شنت مجلّة المسرح هجمة شرسة على الممثل يوسف بك وهبي، وذلك لقبوله أداء شخصية النبي محمد. حينها، ثار الشعب المصري دعماً للأزهر، ما استدعى الملك فؤاد التدخل مهدّداً الممثل بالنفي وسحب الجنسية، لتشهد السينما أول تداخل مع رقابة السلطة. وفي سورية، تكاد تكون الصورة أشد قتامة، وذلك لاستفحال سلطة العسكر وتحكّمها في جميع مفاصل الحياة لفترات طويلة. إلا أن هذا التحكّم بلغ ذروته مع بداية الثورة السورية. فمنذ 2011 دأب نظام الأسد على صياغة خطاب سينمائي مستنسخ من عقليّة العسكر وأدوات هيمنته على الأفراد والمؤسسات، حتى باتت المؤسسة العامة للسينما جبهة مواجهة ترفع “جاهزية الشعب” في حربه ضد “العصابات المسلحة” و”الإرهابيين”. واستثمرت أدواتها، بكل تطرّف وقبح، لتوغل في قتل كل صوت وصورة حاولَا تجسيد الوقائع بمصداقية وأمانة، لتقتصر سرديّة سينما نظام الأسد على “شيطنة الآخر”، وعزّزها بعض المخرجين الذين قادوا حرباً دعائية تضليلية ضد الحقيقة والإنسان.
في ظل هذا الواقع القبيح الذي سُحقت فيه الكلمة والصوت والصورة، حاول بعضهم مواجهة خطاب النظام، بخطاب آخر قائم على الأدوات نفسها ولكن في سعي إلى كسر خطاب الكراهية بين أبناء الشعب. ولد هذا الخطاب في إحدى ضواحي العاصمة دمشق، في مدينة جرمانا، وذلك حين قرّر المدرّس ناصر منذر، مع أصدقاء قلائل، تأسيس ناد للسينما. “بدأت عروض النادي عام 2019، واستمرّ من دون الحصول على ترخيص أو موافقة أمنية من سلطات نظام الأسد، وكان في هذا مخاطرة كبيرة. لكننا قبلنا بها، وأصررنا على الاستمرار في النشاط العلني، وعدم التعاون مع مؤسسات وزارة الثقافة السورية، فرفضنا سابقاً إقامة عروض في المركز الثقافي في جرمانا”، يتحدث منذر لـ”العربي الجديد” عن بدايات النادي وتحديات العرض في ظروف حُرّم فيها وجود أكثر من ثلاثة أشخاص في مكان واحد.
أغلق نظام الأسد صالات السينما والمسرح خوفاً من التجمعات. الأمر الذي سبّب عدم نجاة الفنون التي تحمل في واحدة من تعريفاتها الأساسية عنصراً بالغ الخطورة، لا ينضج إلا عند احتشاد القاعة بالمشاهدين. والسينما في جوهرها العميق فن شعبي انطلقت بداياته من الكافيهات والشوارع، وارتادته العائلات حتى بات هذا النشاط تقليداً حيوياً يحرّك حياتهم ليلةَ كل خميس وجمعة. يقول منذر: “رحّبنا بالجميع كي لا يكون نادي السينما نخبوياً، أو أن يتوجّه إلى فئة محدّدة. إن جمهور النادي لدينا يضم شرائح عمرية مختلفة، واختصاصات أكاديمية ومهنية متنوّعة، وطيفاً من المثقّفين والمهتمين. يجمع ما بينهم حبُّ السينما والرغبة في الحوار وسماع الآخر. أصبح لدينا موعد دائم، مساء كل سبت، مع عشرات الأصدقاء، بعضهم يأتون من مناطق بعيدة. وأصبح النادي فسحة للتعارف والتلاقي”. يتابع: “الأهم من عرض الفيلم، هو تنظيم جلسة نقاش حوله، بهدف تعزيز ثقافة الحوار ونشر الثقافة السينمائية بطريقة تفاعلية بعيدة عن التلقين، مع إتاحة الفرصة أمام الجميع للتعبير عن آرائهم وامتلاك أصواتهم واحترام حقهم في الاختلاف. فالسينما، كما نفهمها، كانت وستبقى فناً شعبياً جماهيرياً، خلافاً لفنون أخرى”.
تأكيداً للفكرة المطروحة أعلاه، عرض النادي في 5 إبريل/نيسان الحالي فيلم “لسّه عم تسجل” الذي يوثق حصار الغوطة الشرقية ومجزرة الكيماوي في دوما، وهو من إخراج غياث أيوب وسعيد البطل. حضر العرض المخرج الأول، ولم يستطع أن يخفي فرحه، لرؤيته الفيلم للمرة الأولى في دمشق. تهافتت الأسئلة على غياث أيوب بكثافة، والمراقب الذي يتابعه من قرب يراه متعطشاً إلى السرد. يجيب عن التساؤلات وكأنه يريد أن يفضح ويصرخ ويملأ الكون ضجيجاً لرؤيته أحداثاً لا يمكن للعقل تصورها. انتهى النقاش بشكر أحد الحضور لأيوب والقائمين على الفيلم، كونه وثّق مأساة لم يتعرف أبناء جيله إليها من كثب. عمره الصغير حينما قامت الثورة لم يسمح له برؤية الحدث كما قدمه له الفيلم.
في سورية ما قبل الثورة، لم يكن هناك سينما مستقلة تتوجه إلى الجمهور وتجتهد في اختيار سوية الفيلم بمحتواه الفكري أو الجمالي. ويشمل ذلك السينما الخاصة التي كانت تحتكم إلى الأيديولوجيا الحاكمة أو إلى المعايير التجارية. ومن ثَمّ، لم تنجُ السينما من اللوثة المسيطرة ومن موجات التسطيح المنفلتة. هُمّش هذا الفن وبات ذكرى موجعة في قلوب محبيه، وهُدمت دور السينما الخالدة وحُرقت ثم حوّلت إلى مبانٍ تجارية وكراجات. حتى اللحظة، يستعيد أهالينا ذاكرة وجودهم مع أحبائهم في هذه الصالات، يرثونها وكأنها أطلالهم المنسية. أدرك العديد من المهتمين بالسينما هذه الحقيقة، فسعوا جاهدين إلى استعادة ألق هذا الفن وردّه إلى الشعب معتمدين على نشر سينما حقيقية تمسّ واقعهم وتحاكي ذائقتهم. وهي النقطة الأساسية التي يؤكدها منذر في كلامه: “أكثر ما جهدنا خلال مسيرة النادي على إنجازه، هو قدرتنا بأن ننتقي أفلاماً متنوّعة تراكم وعياً مختلفاً يساهم في إعادة صياغة علاقة المُشاهد مع السينما”.
بلغ عدد الأفلام المعروضة في النادي منذ تأسيسه 275 فيلماً، من 71 دولة، تراوح سنوات إنتاجها بين عامي 1902 و2024. وكان كثير منها شارك في تظاهرات سينمائية مختلفة، مثل: تظاهرة السينما الأفريقية، والآسيوية، واللاتينية، والسورية، والمصرية، إضافة إلى السوريالية، والأنثروبولوجية، وتلك المقتبسة عن أعمال أدبية (روايات وقصص ومسرحيات)، والفيلم القصير، والخيال العلمي، والفن التشكيلي في السينما، والمرأة، وسينما الأطفال واليافعين، والسينما البيئية والكوميدية. يقول منذر: “خصصنا عروضاً لمناسبات مختلفة، مثل اليوم العالمي لكوكب الأرض بمشاركة أصدقاء من جمعية روّاد البيئة في جرمانا، واليوم العالمي لأمراض القلب بمشاركة طبيب مختص، وعروضاً لتكريم بعض الفنانين الراحلين، مثل المخرج السوري عمر أميرالاي، والمخرج السوري رياض شيّا، والممثل السوري خالد تاجا، والمخرج اللبناني برهان علوية، والمخرج الفرنسي جان-لوك غودار”. يضيف: “استضفنا العديد من صنّاع السينما مثل: المخرج محمد ملص، والفنان يوسف عبدلكي، والمخرج غطفان غنوم، والمخرجة ماريا ظريف، والمخرج إياس المقداد، والمخرج غياث المحيثاوي، والروائي خالد خليفة، والروائي ممدوح عزام، والممثلة مريم علي، والفنانة أمل حويجة، والفنان سميح شقير، والممثل ينال منصور والممثل جان دحدوح، إضافة إلى الحضور الدائم للفنانتين سمر سامي وحنان شقير، صديقتا النادي منذ تأسيسه”.
سقط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، فما كان من النادي إلا أن احتفى بهذا الحدث الأهم في حياة السوريين، ليسارع إلى عرض أفلام توثق تجارب الحصار والمجازر، حُرم من عرضها سابقاً. خلال سنوات الثورة، حمل العديدون مهمة نقل المأساة السورية إلى الخارج. ولأهمية هذا الحدث يتحدث منذر شارحاً: “عرضنا في تظاهرة ‘سينما الحرية’ أفلاماً عن الثورة السورية، بهدف التعرّف إلى المآسي التي عاشها السوريون والسوريات خلال السنوات السابقة، والتأمّل بهذه التجارب القاسية، ومناقشة سُبُل الخلاص والتعافي الفردي والجمعي، في جلسات النقاش والحوار التي ننظمها بعد العرض. عرضنا ضمن هذه التظاهرة 18 فيلماً حتى اليوم”. يضيف: “عرضنا في أحدها فيلمين عن حصار مخيّم اليرموك: “ميغ” (2013) للمخرج ثائر السهلي، و”رسائل من اليرموك” (2015) للمخرج رشيد مشهراوي والمصوّر الشهيد نراز سعيد، ودعونا أربعة أصدقاء (امرأتان ورجلان) من أبناء المخيم الذين عاشوا تجربة الحصار القاسية التي مات خلالها 181 شخصاً من أبناء المخيّم نتيجة نقص الغذاء والدواء. كانت جلسة النقاش بعد العرض استثنائية للأصدقاء الفلسطينيين وهم يتحدثون عَلناً، لأول مرة عن ذكرياتهم القاسية وتفاصيل الحياة اليومية تحت الحصار، فيبكون مرّات ويضحكون مرّات أخرى، وكذلك فعل العديد من الحضور، بكاءً وضحكاً، كما تشجّع أحد الأصدقاء، أيضاً للمرة الأولى، ليتحدث بحرقة عن الإذلال الذي خبره وعاشه مع عائلته خلال حصار مدينة دير الزور”.
عاش السوريون سنوات الحرب وهم محاصرون في عزلتهم. يطلّون خارج الحيّز الضيّق لحياتهم عبر شاشات الحواسيب والهواتف المحمولة، وحيدين. لذلك، بات ضرورياً تنظيم نشاطات تقوم على التفاعل والمشاركة ومحاولة سماع بعضهم الآخر. وهنا يأتي دور السينما، فليس هناك من بابٍ أو سُلَّمٍ يُفضي إلى عزلة الآخرين أفضل من السينما. وهو الأمر الذي اتضح جلياً بعد حضور فيلم “السنونو” للمخرج الكردي مانو خليل الذي عُرض احتفالاً بأعياد النوروز. تم التواصل مع المخرج الذي تعاون مع القائمين على النادي بكل ود وحب، وعبّر عن فرحه باعتبار فيلمه أول فيلم كردي يُعرض في دمشق.
والجدير ذكره هنا، آلية السرد والطرح التي عُني الفيلم في تقديمها، إذ جهد على تناول تفصيل صغير مؤثر من كومة من التفاصيل التي توثق معاناة طويلة عاشها الكرد، وللأسف ما زالوا يعيشونها.
وعلى العكس مما هو متوقّع بابتعاد الناس عن الفنون في أوقات الحرب، نشطت السينما واستمرت وانتشرت أيضاً وذلك لقدرتها على تلبية حاجة الناس إلى الحياة، إلى اللقاء، إلى الحديث والضحك والبكاء، وإلى تكوين صداقات ومعارف جديدة. “من الأمور اللطيفة التي حصلت، توجه عدّة أصدقاء للنادي إلى دراسة السينما أكاديمياً في سورية مستفيدين من عروض النادي ونقاشاته وتشجيع أصدقائه. كذلك لا أنسى تفاعل الأطفال واليافعين في العروض التي نظّمناها لهم. فالكثير منهم أبناء المناطق المنكوبة، كانوا للمرة الأولى يتعرّفون إلى السينما، ويشاهدون فيلماً على شاشة كبيرة مع العشرات من أقرانهم، ما زلت أذكر ضحكاتهم وزقزقاتهم، وعيونهم المسمّرة بدهشة على الشاشة الكبيرة وأفواههم المفتوحة بدهشة وكأنهم يلتهمون الضوء في عتمة الصالة. وبعد انتهاء العرض يحاول بعضهم دفع الأجرة، فنقول لهم الحضور مجاني، فيستغرب أحدهم ويتساءل: عنجد؟ يعني بتعرضوا أفلام للناس وبدون مصاري؟ كتير حلوين إنتو”، يتحدث منذرعن أقرب التفاصيل التي أثرت به خلال مسيرة النادي.
نقلاً عن منذر، يخطّط النادي حالياً لتنفيذ مشروع “سينما متنقّلة” في الأماكن المتضررة في دمشق وريفها “نعرض فيها أفلاماً سينمائية عن الثورة السورية وتصوّر ما عاشه السوريون خلال السنوات الماضية، وننظم جلسات للنقاش مع أبناء هذه البيئات الذين عانوا الحصار والقصف والتهجير، في سبيل التعافي الفردي والجمعي. كما نخطط لعرض أفلامٍ مخصّصة للأطفال واليافعين من أبناء هذه المناطق، أفلام مدبلجة أو مترجمة للعربية حول مواضيع الحياة والأمل والفرح والصداقة والتعلّم والحقوق وغيره، كتعويضٍ صغيرٍ عن كل أيام الحرمان التي عاشها هؤلاء الأطفال”.
العربي الجديد
————————
سوريا الجديدة : خيوط اللعبة الإقليمية تتشابك خلف الكواليس/ سعد فنصة
سعد فنصة
ليس الهدف من هذه المقالة استعراضًا عابرًا لمقتطفات سبق أن نشرتها على منصات التواصل الاجتماعي ، أو تلك التي تطرقت إليها في أحاديثي مع الأصدقاء والمعنيين. أو مجرد إعادة تدوير لما يُقال هنا وهناك.
هذه محاولة لكشف الواقع المرير الذي يعيشه المشهد السوري بعد سقوط النظام البائد، حيث يواصل الجميع بيع الشعارات والوعود، تمامًا كما كانت تُباع الأوهام سابقًا للشعب السوري باسم الثورة والتغيير.
الجار الاسرائيلي ، الذي يملك مفاتيح الشرعية في المنطقة، لن يمنح صك البراءة للنظام الجديد في دمشق. فهي ترى فيه كيانًا هشًا، لا يستحق الاعتراف أو الشراكة، لأنه لا يمثل حكومة منتخبة أو قابلة للحياة على المدى الطويل.
أما الولايات المتحدة، فهي تمضي في لعبتها الكبرى ضد إيران، مستخدمة سوريا كأداة ضغط إضافية في معادلة أكبر تشمل الملفات النووية، الإرهاب، وحتى النفوذ الروسي والصيني.
هذه القراءة ليست ترفًا فكريًا أو محاولة لملء الفراغ بالنقاش، بل هي محاولة جادة لفهم ما يدور خلف الكواليس.
سوريا اليوم ليست سوى جزء من لوحة إقليمية معقدة، أُعيد رسمها بمزيج من العنف والتواطؤ الدولي، وما زال المستقبل يلوح بأفق مليء بالمفاجآت، بعضها قد يأتي – إذا صحت توقعاتي – بحلاقة لحية خامنئي، او تشذيبها .. مع لحى أخرى سبقته ، أو ما هو أكثر من ذلك بكثير. …!!
سوريا بين مطرقة التحرير وسندان القوى الخارجية
في هذه المقدمة، أستعرض واقع سوريا المعقد بعد تحريرها من قبضة النظام البائد. ورغم هذا التحرير، لم يصبح القرار السوري بيد أبنائه، بل وجدت البلاد نفسها عالقة بين مطرقة التحرير وسندان القوى الإقليمية والدولية التي تضاعف من معاناة الشعب السوري المنهك.
مع انهيار النظام البائد ، ظهر مشهد سياسي متشابك حيث تتصارع مصالح القوى الخارجية، مما يضيف أبعادًا جديدة من عدم الاستقرار.
تحاول الحكومة الجديدة في دمشق بشكل محموم تعزيز شرعيتها وترسيخ سلطتها، لكن هذه الجهود غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية تُضعف استقرارها وتخيب آمال أولئك الذين ظنوا أن هذا العهد سيكون خلاصًا حقيقيًا.
وفي هذا السياق، تتصاعد أهمية إسرائيل كلاعب مؤثر في تشكيل مصير النظام الجديد، بينما تستمر الضغوط الأمريكية المتزايدة على إيران. بذلك تصبح الأزمة السورية جزءًا صغيرًا من لوحة إقليمية أوسع تحمل في طياتها الكثير من الاحتمالات غير المتوقعة.
إسرائيل: الحاكم الفعلي لشرعية دمشق
في خضم التحولات السياسية العاصفة التي تمر بها سوريا، تبرز إسرائيل كلاعب محوري في تقرير مصير شرعية النظام الجديد في دمشق.
من وجهة نظر تل أبيب، النظام الجديد يفتقر إلى الشرعية المطلوبة للبقاء على المدى الطويل، لعدم انتخابه ديمقراطيًا، ولغياب الثقة في قدرته على تحقيق الاستقرار الدائم. يتضح هذا الموقف بشكل جليّ في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين أشاروا خلالها إلى خطط للسيطرة العسكرية والاستخباراتية على منطقة تمتد إلى عمق 60 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، وذلك لمنع أي تهديدات محتملة، وفق ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 10 يناير 2025. إسرائيل، التي نفذت مئات الغارات على الأراضي السورية منذ سقوط النظام البائد، تنظر بريبة إلى النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبو محمد الجولاني). وعلى الرغم من لهجته المعتدلة الحالية، ترى إسرائيل في هذا النظام تهديدًا طويل الأمد.
تعكس هذه النظرة استراتيجية إسرائيلية تتجنب إبرام أي اتفاقية سلام مع دمشق، إذ تعتبر أن أي استقرار مؤقت قد يتحول إلى عداء في المستقبل.
ووفقًا لتحديث إعلامي حديث نشرته الجزيرة نت بتاريخ 6 أبريل/ نيسان 2025، نقلت “وول ستريت جورنال” -عن مسؤول عسكري إسرائيلي- قوله إن الجيش ينفذ عمليات لضمان الأمن بالمنطقة العازلة في سوريا.
الضغوط الأمريكية على إيران: المشروع النووي كورقة تفاوض
في سياق متوازٍ مع التحولات الإقليمية، تتصاعد الحملة العسكرية والدبلوماسية الأمريكية ضد نظام الملالي في إيران بهدف الضغط على طهران لتفكيك مشروعها النووي العسكري.
وبينما يظهر التصعيد العسكري على السطح، تُجرى خلف الكواليس مفاوضات شاقة تهدف إلى صياغة معاهدة جديدة مع واشنطن، تتضمن شروطًا صارمة قد تؤدي إلى إنهاء الطموحات النووية الإيرانية بالكامل.
هذا المسار يبدو الأكثر احتمالًا مقارنة باللجوء إلى ضربات عسكرية استراتيجية على المنشآت النووية، والتي قد تُسفر عن كارثة بيئية ذات تداعيات تمتد إقليميًا وعالميًا.
تؤكد تحديثات إعلامية حديثة هذا النهج. فقد أفادت وكالة رويترز بتاريخ 25 مارس/ آذار 2025 أن مسؤولًا أمريكيًا رفيع المستوى التقى وزير الخارجية السوري “أسعد الشيباني ” لمناقشة تخفيف العقوبات، مشيرًا إلى أن واشنطن تهدف إلى ضمان مغادرة المقاتلين الأجانب ومنع إعادة النفوذ الإيراني في سوريا.
كما أوضحت نيويورك تايمز في 3 أبريل/نيسان 2025 أن الإدارة الأمريكية تعتبر استقرار سوريا الجديدة أداة فعالة لتقويض النفوذ الإيراني، مع التحذير من أن أي تصعيد قد يعيد إيران إلى الساحة السورية بقوة.
واشنطن ودمشق: بيع الأوهام أم سياسة واقعية؟
من جانب آخر، تروج بعض الأطراف في واشنطن، بدعم من حلفاء إقليميين كقطر وتركيا، لرواية مفادها أن العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على سوريا قد تُخفف أو تُرفع، بل وأن الرئيس الأمريكي قد يلتقي أحمد الشرع.
هذه الرواية تعيد إلى الأذهان أوهام المرتزقة السياسيين في الائتلاف السوري المعارض السابق، الذين باعوا الشعب السوري وعودًا كاذبة خلال سنوات الحرب على الشعب السوري.
لكن الواقع يشير إلى أن الجهود الدبلوماسية السابقة والمستمرة لم تُثمر عن أي تحول ملموس في الأوضاع السورية، نتيجة تداخل المصالح المتضاربة. في هذا السياق، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية في تصريحات لتلفزيون سوريا بتاريخ 1 أبريل/ نيسان 2025، أنها تدعم سيطرة السلطات الجديدة على كامل الأراضي السورية، مع مراجعة العقوبات المفروضة على النظام البائد، واستبعاد النفوذ الإيراني والمقاتلين الأجانب.
ومع ذلك، تبقى هذه التصريحات مجرد خطاب سياسي يفتقر إلى ضمانات عملية، خاصة في ظل هيمنة إسرائيل على القرار السوري.
سوريا تحت المجهر ومستقبل مفتوح
تظل سوريا جزءًا من لوحة إقليمية معقدة تتشابك فيها مصالح إسرائيل، الولايات المتحدة، وإيران. إسرائيل ترفض الاعتراف بالنظام الجديد كشريك موثوق، بينما تسعى واشنطن لاستخدام استقرار سوريا كورقة ضد إيران. داخليًا، يعتمد نجاح النظام على قدرته على توحيد الفصائل وإعادة بناء الاقتصاد، وهي مهام تبدو بعيدة المنال حاليًا.
من بين السيناريوهات المحتملة:
تسوية نووية مع إيران: قد تؤدي إلى انسحاب تدريجي لنفوذها من سوريا، مما يعزز استقرار النظام الجديد بشرط دعم دولي.
تصعيد إسرائيلي: استمرار الغارات والسيطرة على المناطق العازلة قد يُبقي سوريا في حالة ضعف دائم.
انهيار داخلي: فشل النظام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي قد يُعيد الفوضى إلى البلاد.
مستقبل سوريا يبقى مفتوحًا، لكن نجاح أي مسار يتطلب توازنًا دقيقًا بين الضغوط الخارجية والإصلاحات الداخلية.
وسط هذه الديناميات المضطربة، يبقى مستقبل سوريا مفتوحًا على جميع الاحتمالات، بما في ذلك مفاجآت قد تغيّر موازين القوى الإقليمية. من بين تلك الاحتمالات، تفكيك المشروع النووي الإيراني بشكل رمزي يعكس “حلاقة لحية خامنئي”، أو التحول نحو تسويات سياسية غير متوقعة تُعيد صياغة المشهد الإقليمي.
بلا رتوش
—————————–
مركزية الداخل في مواجهة التحدّيات السورية/ مروان قبلان
09 ابريل 2025
تُجمع مدارس السياسة الدولية اليوم على أن السياسة الخارجية تعد، من الناحيتين الواقعية والمعيارية، التعبير الأمثل عن احتياجات الدولة المحلية. بمعنى أن الدول تدير، أو يجب أن تدير، علاقاتها الخارجية خدمة لمصالح مواطنيها الاقتصادية والأمنية. لا علاقة لهذا الأمر بطبيعة النظام السياسي للبلد (ديمقراطي أو خلافه)، فكل الدول تتماثل في هذا السلوك، وتسعى إلى تحقيق المصالح نفسها. مع ذلك، تصبح السياسة الخارجية نشاطًا أكثر أهمية لدى الدول التي لا تستمد مصادر قوتها من الداخل، لأنها إما هشة اقتصاديًا، تعتمد على المعونات الخارجية، وتغدو، من ثم، سياستها الخارجية تعبيرًا عن تبعية وارتهان، ومن الأمثلة مصر والسودان، أو أنها هشّة أمنيًا، بمعنى أنها قد تمتلك موارد اقتصادية كبيرة، لكنها تفتقر إلى أدوات الدفاع عنها، فتخصّص جزءًا من مواردها الاقتصادية لشراء الحماية الخارجية (outsourcing). وتعد دول الخليج العربي أبرز مثال على ذلك. هناك نوعية ثالثة من الدول تفتقد إلى الاثنين معًا: أي أنها هشّة اقتصاديًا، وفوق ذلك لا تملك الدفاع عن نفسها من الاعتداءات الخارجية. وتعد سورية، بوضعها الراهن، أبرز مثال على ذلك.
خرجت سورية (أو ربما لم تخرُج بعد) من صراع مدمر استمر 14 عاماً أتى على مواردها الاقتصادية المحدودة أصلًا، ودمر الجزء الأكبر من قدراتها العسكرية، فيما تكفّلت إسرائيل بحرق ما تبقى بعد سقوط نظام الأسد. ولأنها منهكة اقتصاديًا وعاجزة عن حماية نفسها أمام الاعتداءات الإسرائيلية، خصوصًا، صرفت الإدارة السورية الجديدة جل اهتمامها، إن لم يكن كله، للسياسة الخارجية، على اعتبار أن حل مشكلاتها يقبع هناك في الخارج، بدءاً بمسألة الاعتراف، مروراً برفع العقوبات، وانتهاء بالضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرّة على الأراضي السورية. وبناء عليه، انشغلت دمشق منذ سقوط نظام الأسد، بتطمين العالم، حواره والتفاوض معه، وتسطير الرسائل له حول رغبتها في صنع السلام مع دول العالم أجمع، بما فيها التي لا تعرفنا ولا نعرفها.
لا شك أن جزءًا معتبرًا من مشكلات سورية يرتبط بالخارج، ويتطلب التواصل معه لتحسين أوضاع البلد الاقتصادية والأمنية، الخشية أن تكون الإدارة الجديدة تستنسخ مقاربة النظام السابق (قبل اندلاع الثورة) عندما تعتقد أن ترتيب علاقاتها مع الغرب وإسرائيل يحلّ الجزء الأكبر من مشكلاتها، يكرّس حكمها، ويعفيها من أي استحقاقاتٍ داخلية. بعد أربعة أشهر من المحاولة، يبدو أن هذه المقاربة وصلت إلى طريق مسدود، فالعالم لا يبدو مستعدًّا لأن يذهب أبعد مما ذهبت إليه الإدارة السورية، يقابل الكلام بكلام والوعود بوعود. دفتر الشروط الذي سلمته واشنطن لدمشق في مؤتمر بروكسل في 18 الشهر الماضي (مارس/آذار)، وتصريحات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن بلاده “لا تنوي الدخول في مواجهة مع إسرائيل في سورية” يعني أن لا أميركا في وارد رفع العقوبات، ولا تركيا في وارد الدفاع عن دمشق.
منذ سقوط نظام الأسد، صرفت الإدارة السورية الجديدة وقتًا في الحديث مع حكومات العالم ومحاورتها أكثر مما صرفته في الحوار مع الشعب السوري. حتى عندما قرّرت ترتيب حوارات داخلية، نظّمتها بطريقة توحي وكأن هدفها إرضاء الخارج والاستجابة لضغوطه. لا تحتاج الإدارة الجديدة من يذكرها أن شرعية أي حكومة، وقوتها، تنبع من الداخل، وبمقدار ما تكون تمثيلية بمقدار ما تمتلك من مصداقية في بناء علاقاتها الدولية وإدارتها، وتحسين شروطها التفاوضية. لهذا، ينبغي على حكومة دمشق الجديدة ترتيب أوضاع بيتها الداخلي قبل أن تنطلق في أي حوار جدّي مع الخارج. لهذا نكرّر، وسنبقى نكرّر، القول إن السبيل للانتقال من حالة الفوضى إلى حالة النظام ومن سلوك الفصيل، والجماعة، وإمارة الحرب، إلى سلوك الدولة العصرية هو تبنّي خطاب وطني، ذي صدقية، لا يهمش أحداً ولا يترك باباً للتدخلات الخارجية، وترجمة ذلك تكون بإعادة النظر في كل الخطوات التي اتُّخذت منذ سقوط النظام، بما في ذلك عقد مؤتمر وطني جامع، تنبثق منه هيئة تشريعية، وحكومة وحدة وطنية، ولجنة لكتابة دستور دائم، وصولًا إلى إجراء انتخابات عامة، تؤسّس لشرعية قانونية، تحل محل شرعيّة المتغلب التي تحكم اليوم. ما نريد قوله هنا إن الجزء الأكبر من مشكلات سورية ربما يكون حلّه في الداخل وليس في الخارج.
العربي الجديد
———————————–
استدعاء الجعفري وسوسان: وزارة الخارجية مرآة الدولة وإقالة السفراء تحت بند الاستثناء/ أحمد شحادة جابر
كانت وزارة الخارجية في الماضي منبراً للمبدعين والمثقفين ورجالات سوريا الكبار
9 أبريل، 2025
استأثر قرار وزير الخارجية أسعد الشيباني استدعاء السفيرين بشار الجعفري وأيمن سوسان إلى الإدارة المركزية وسحبهما من سفارتي سوريا من موسكو والرياض، بالكثير من الجدل والاهتمام، وخلافاً لرأي البعض في أنه لا يجوز ذلك وأن عودتهما يجب أن تكون من خلال مرسوم جمهوري.. فأعتقد أنه ينطبق عليهما وعلى من سيلحق بهما مستقبلاً، حالة الاستثناء التي تمر بها سوريا.. لأن الوضع في سوريا ليس وضعاً عادياً ليتم التعامل معهما بالإجراءات القانونية والدبلوماسية العادية المتبعة.. سيما وأنهما متورطان بسفك الدم السوري من خلال الكذب والتحريض وتبني جرائم النظام البائد بشكل وقح وتضليل العدالة، كما نذكر في مرافعات السفير بشار الجعفري حين كان مندوب سوريا في الأمم المتحدة، التي أنكر فيها مجازر الكيماوي، واعتبر حصار مضايا وتجويع الناس حتى الموت ادعاءات باطلة… وسوى ذلك من المرافعات المحفوظة في سجل العار الإنساني والديبلوماسي.
واجهة الدولة ومرآتها
إن كثرة الجدل حول حال سفاراتنا في الخارج اليوم، واهتمام الناس بتنقلات السفراء الذين عينهم نظام الأسد البائد ولازالوا على رأس عملهم، يقودنا للحديث عن أهمية وزارة الخارجية ودورها…. فوازرة الخارجية والمغتربين هي الوزارة المسؤولة عن علاقات سوريا الخارجية والتعبير عن السياسة الخارجية السورية وحماية مصالح الدولة السورية ومصالح المواطنين السوريين بالخارج، فضلاً عن تمثيل الدولة السورية لدى الدول الأخرى والمنظمات الدولية.
وتعتبر وزارة الخارجية من الوزارات السيادية؛ ففي كل الدول والوزارات السيادية هي الخارجية والداخلية والدفاع والاعلام والمالية .و تعتبر وزارة الخارجية ايضاً واجهة الدولة ومرآتها لذلك يكون امتحان القبول فيها من أصعب الامتحانات على الإطلاق .. ويندب للعمل فيها من يكون على درجة عالية جداً من العلم والثقافة والشكل .
ولا تمتلك وزارة الخارجية مديريات كباقي وزارات الدولة، حيث تعتبر السفارات والقنصليات في الخارج بمثابة مديريات … وقد بلغ عدد السفارات والقنصليات السورية في الخارج حوالي 65 بعثة عدا عن القناصل الفخريين.
السفارات والقنصليات والقناصل الفخريون
السفارة دائماً تكون في عاصمة البلد، أما القنصلية فتفتح في مدن كبرى يكون فيها جالية كبيرة ونشاط تجاري كبير بين سوريا وتلك الدولة مثال (استنبول ـ دبي ـ جدة) ويختلف عدد الموظفين في كل سفارة وقنصلية تبعاً لنشاط البعثة .حيث تتكون البعثة أحياناً من :
ـ السفير وتكون مدة خدمته بالبعثة 5 سنوات تقصر وتمدد بالتشاور بين رئيس الدولة و وزير الخارجية طبقاً لمقتضيات المصلحة العامة.
ـ الدبلوماسي وتكون مدة خدمته بالبعثة 5 سنوات ويكلف بملفات العلاقات الثنائية أو الاقتصادية أو القنصلية .
ـ المحاسب وتكون مدة خدمته في البعثة 3 سنوات ويكلف بتنظيم محاسبة البعثة بشكل كامل .
ـ ملحق إداري وتكون مدة خدمته في البعثة 3 سنوات ويكلف بمساعدة موظفي السفارة في أعمالهم .
ويمكن أن يرتفع عدد الموظفين إلى خمسة او ستة ..وإذا لم يكن هناك سفير في البعثة فيترأس الموظف الأعلى رتبة البعثة ويسمى القائم بالأعمال ,
السفير لا ينتدب للعمل في أي بلد إلا بعد ان يرسل اسمه للدولة المراد إرساله إليها للاستمزاج، وبعد موافقة قيادة تلك الدولة عليه يصدر مرسوم جمهوري بتسميته سفيراً، ويقابل رئيس الجمهورية ليزوده بتعليماته ويسافر ويقدم أوراق اعتماده أمام رئيس تلك الدولة . أما القنصل والقائم بالأعمال فيسميان بقرار من وزير الخارجية .
ويمكن لرئيس البعثة (سفير أو قائم بالأعمال او قنصل) أن يُعين موظفين من جنسية غير سورية أو من السوريين المجنسين في ذلك البلد ويطلق عليهم المستخدمين المحليين، أما القناصل الفخريون فهم في الغالب تجار يقيمون في دول لا يوجد تمثيل دبلوماسي لسوريا فيها يحصلون على تصريح من وزارة الخارجية بممارسة المهام القنصلية .
أما الملحقيات العسكرية فينتدب موظفوها بالكامل كتابعين لوزارة الدفاع والاجهزة الأمنية وحرس القصر الجمهوري .. ويكون مقرهم طابق أو جناح في مبنى السفارة السورية.. وجل عملهم هو مراقبة موظفي السفارة والمواطنين السوريين في الخارج، وقد عمد النظام البائد في الفترة الأخيرة على ندب ملحق أمني إلى بعض السفارات من أجل الارتقاء بالعمل الأمني في الخارج، ويمكن أيضاً في حالات نادرة إرسال ملحق ثقافي .
وزارة الخارجية بين الماضي والحاضر
يعتبر عوني عبد الهادي أول وزير للخارجية في فترة المملكة السورية العربية عام 1920، وفاروق الشرع صاحب أطول فترة في المنصب 1984 ـ 2005 ، وفترة وليد المعلم الأسوأ سياسياً وداخلياً حيث تضاعف الفساد بشكل وقح .
كانت وزارة الخارجية في الماضي منبراً للمبدعين والمثقفين ورجالات سوريا الكبار من أمثال سعد الله الجابري وجميل مردم بيك وخالد العظم وصلاح الدين البيطار وعبد السلام العجيلي ومن الأدباء والشعراء الذين عملوا في الديبلوماسية السورية كديبلوماسيين وسفراء نزار قباني وعمر ابو ريشة وبديع حقي ود. صباح قباني… أما في زمن الاسدين فقد تفاقم الفساد والمحسوبيات فيها، وأصبحت مرتعاً لأبناء المسؤولين والضباط، وأصبح الشغل الشاغل لأي موظف هو متى سيأتي دوره للعمل في السفارة وما هو المبلغ الذي سيوفره هناك.
ملف نزار قباني
في عام 2007 كلفت مع بعض الزملاء في الوزارة بتنظيم الملفات الشخصية للموظفين وإدخالها إلى الحاسوب.. وكانت الصدمة عندما نزلت الى الارشيف فقد كان عبارة عن غرفتين من الصفيح القديم والرطوبة قد أكلت الكثير من الملفات .
وخلال العمل صادفت ملف الشاعر الكبير نزار قباني فقلبت فيه فوجدت رسالة بخط يده إلى محاسب الوزارة يطلب منه اقتطاع 10 ليرات من راتبه في الشهر التالي لأن المحاسب احتسب له بالخطأ فترة إجازة رسمية على أنها إجازة مرضية. هكذا كانت أخلاقيات موظفي الخارجية قبل اغتصاب حزب البعث للسلطة في انقلاب الثامن من آذار 1963.
ولا يستثنى غالبية سفراء وممثلي النظام البائد الحاليين من تلك المنظومة الفاسدة حيث أصبح دينهم الكذب وتلميع صورة النظام وإنكار جرائمه، لأنه رأس مالهم في استمرارهم في العمل والارتقاء في السلم الوظيفي، وديدنهم الرواتب الضخمة التي كانوا يتقاضونها مقابل ذلك الكذب.
____________________________________
*موظف سابق في وزارة الخارجية السورية
العربي القديم
——————————-
إيقاف اليانصيب في سوريا: “الدولة” الجديدة ضد الحظ؟/ جبران خزعل – عمّار المأمون
09.04.2025
“كنا نشتري بطاقات على حسابنا الشخصي، ونبيعها مقابل ربح متواضع، لكن المشكلة أن السحوبات توقفت منذ سقوط النظام، كل ما نريده الآن هو استعادة ثمن البطاقات الذي دفعناه من جيوبنا الشخصيّة، وحين راجعنا البريد، قالوا لنا لحين صدور قرار”.
يجلس بهيج خزعل (70 عاماً)، لبيع اليانصيب وعلب السجائر على طاولة صغيرة قبالة مقهى الهافانا الشهير أمام ساحة المحافظة في مدينة دمشق منذ أكثر من 30 عاماً. بهيج الأصم والأبكم، دفع قبل أيام قليلة من سقوط نظام بشار الأسد مبلغاً بالليرة السورية يبلغ نحو600 دولار لأحد موزعي اليانصيب الذين يتعاملون مع المديرية العامة لليانصيب من أجل السحب الذي كان مقرراً إجراؤه في 10 كانون الأول/ ديسمبر من عام 2024، لكن سقوط النظام المفاجئ والمفرح أوقف السحب، وترك بهيج والمئات غيره من باعة اليانصيب في حيرة بخصوص استمرار عملهم.
المفارقة الأولى التي تخص اليانصيب في سوريا بعد سقوط النظام بأيام، هي نشر فيديو يكشف عن وجود أوراق يانصيب تطبع في مبنى إدارة المخابرات العامة في دمشق، ما زاد من توجّس الباعة الذين مع مضي الأيام، اكتشفوا إيقاف الإدارة الجديدة في دمشق اليانصيب الأسبوعي، والسحوبات السنويّة، ما تركهم معلّقين، يواجهون خسارتين، الأولى تتمثل بفقدانهم لعملهم، والثانية ثمن ما دفعوه مقابل الحصول على البطاقات.
يانصيب معرض دمشق: مؤسسة عمرها أكثر من نصف قرن
يعود تاريخ يانصيب معرض دمشق الدولي إلى عام 1954 بالتزامن مع الدورة الأولى من معرض دمشق الدولي، الذي توقف عام 2011 مع اشتعال الثورة السوريّة، وعاد للعمل عام 2017، إذ أعلنت وزارة الاقتصاد عن إصدار رأس السنة الذي بلغ عدد بطاقاته 500 ألف بطاقة، ثمن الواحدة منها، ألف ليرة سوريّة، بمجموع جوائز 125 مليون ليرة سورية.
وصلت قيمة الجوائز عام 2020 إلى 100 مليون ل.س، وعام 2021 بلغ سعر البطاقة إلى 5 آلاف ليرة سوريّة، وأشار موقع “سيريا ريبوت” الى أنه في حال بيعت كل البطاقات عام 2020 سيُولد ربح بمقدار بـ11 مليار ل.س، مقارنة بـ4.5 مليار عام 2019، و 3.9 مليار عام 2018، لكن عام 2016، أعلن المدير العام للمؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية فارس الكرتلي أن إيرادات الإصدار الأول ليانصيب معرض دمشق الدولي لعام 2016 بلغت 300 مليون ليرة سورية، حينها تذبذب سعر الدولار الواحد بين 400 إلى 600 ليرة سورية، وإن افترضنا أنه كان 500، فالربح العائد لخزينة الدولة حسب تصريح الكرتلي نحو 600 ألف دولار، وعام 2015 حسب التصريح ذاته، فأرباح سحوبات العام بكامله تصل إلى 6 ملايين دولار.
يذكر أيضاً أنه عام 2021 وبالتعاون مع شركتي مخدم الهاتف الخلوي، تم تفعيل خدمات اليانصيب الإلكترونيّ بمجموع جوائز يصل إلى 15 مليون ليرة عبر شركة “ديجيتال هورايزون” التي تأسست عام 2019، وعام 2022 وصلت قيمة الجوائز إلى 2.4 مليار ل.س، وعام 2023 بلغ مجموع جوائز إصداري اليانصيب لرأس السنة /2.862/ مليار ليرة.
نذكر كل هذه الأرقام عن اليانصيب وقيمة الجوائز والأسعار لأننا أمام قطاع رابح، ويرفد خزينة الدولة بالملايين، لكن بعد سقوط النظام، بدأ التخبط خصوصاً لدى الفئة الأكثر تضرراً، ولا نقصد المشترين، بل باعة اليانصيب، كحالة أحد الباعة الذي اعتاد العمل في البرامكة في دمشق، والذي قال لـ”درج”: “كنا نشتري بطاقات على حسابنا الشخصي، ونبيعها مقابل ربح متواضع، لكن المشكلة أن السحوبات توقفت منذ سقوط النظام، كل ما نريده الآن هو استعادة ثمن البطاقات الذي دفعناه من جيوبنا الشخصيّة، وحين راجعنا البريد، قالوا لنا لحين صدور قرار”.
“سرت أقاويل عن أن الوزير أخبرهم بأن اليانصيب قد ألغي لأنه يخالف الشريعة الإسلامية ويعتبر محرّماً!”.
هل ألغي اليانصيب؟
عدم وجود قنوات إعلامية رسمية تابعة لحكومة السلطة الجديدة في سوريا يمكن استقاء الأخبار منها، حرك الأسئلة بين باعة اليانصيب عن أسباب إيقاف السحوب، واحتمالية استئنافها لاحقاً، إذ دفع الباعة للحصول على أوراق السحب الملغي مبالغ تعتبر كبيرة مقارنة بمدخولهم، في حين دفع الموزعون لمؤسسة اليانصيب مبالغ أكبر بكثير، أحد الموزعين قال لـ”درج” أنه دفع نحو 70 مليون ل.س، أي نحو 7000 دولار حسب سعر صرف الليرة الحالي في السوق السوداء.
بعض الأخبار التي يتناقلها الباعة حسب بهيج تقول إن مجموعة من الموزعين رتبوا لقاء مع وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة باسل عبد الحنان في شهر كانون الثاني/ يناير لفهم أسباب إيقاف اليانصيب، ويقول موزّع آخر لـ”درج”: “سرت أقاويل عن أن الوزير أخبرهم بأن اليانصيب قد ألغي لأنه يخالف الشريعة الإسلامية ويعتبر محرّماً!”.
لكن، ومع تشكيل الحكومة الجديدة وانتظار قرارات أكثر وضوحاً حول هذه المسألة، بات تركيز الباعة ينصب على استعادة الأموال التي دفعت لمؤسسة اليانصيب قبل سقوط النظام، إذ ثمة تأكيدات بأن المبالغ التي دفعها الباعة ستسترد بالكامل من قبلهم، من دون أن يعني ذلك استئناف اليانصيب.
موظف في شبكة المسجلات في مؤسسة البريد، حيث توزع أوراق اليانصيب، قال لـ”درج” إن إيقاف اليانصيب مرتبط بالدرجة الأولى، حسب الأقاويل، بتحقيقات تُجرى مع مدير عام مؤسسة اليانصيب، والتي يبدو أنها تتعلق بقضية فساد مالي. من ناحية أخرى، لم يعبّر الموظف عن تفاؤل كبير حول استئناف اليانصيب، وذكر أنه في أفضل الأحوال قد يعود، “ضمن إطار شرعي”، ومن دون أن تكون قيمة الجائزة كبيرة، وسيذهب ريعها إلى مؤسسات خيرية، كما هي الحال في الأردن مع اليانصيب الخيري. ويرى أنه وفي أسوأ الأحوال، اليانصيب لن يستأنف، والسبب سيكون “دينياً وشرعياً” نظراً إلى الخلفية الأيديولوجية للسلطة الحالية في دمشق.
قال مصدر من وزارة المالية لـ”درج” أن اليانصيب أوقف بعد سقوط نظام الأسد، مشيراً إلى أنه لا سياسة واضحة إلى الآن بخصوص استمرار العمل به، لكن “تم إلغاؤه، ولا يوجد طباعة أوراق جديدة أو سحوبات جديدة”.
استثمار رابح
قبل انطلاق الثورة السورية وبدء سلسلة التضخم التي شهدها الاقتصاد السوري، كان يانصيب معرض دمشق الدولي، التقليد القديم في سوريا، يعد استثماراً رابحاً للدولة السورية، إذ كانت قيمة الجائزة الكبرى لسحب رأس السنة الأول عام 2010، الذي كان يقام مع حفل فني ساهر يعرض على التلفزيون مباشرة، 60 مليون ليرة سورية، أي نحو مليون و200 ألف دولار أميركي، وهو مبلغ فلكي بالنسبة الى المواطن السوري العادي، أو حتى لأي مواطن في العالم. لكن ربح الدولة كان يأتي من قيمة البطاقات المباعة، خصوصاً أن قانون تنظيم اليانصيب في سوريا يشير إلى أن مجموع الجوائز يجب ألا يتجاوز الـ45 في المئة من ثمن البطاقات بكاملها، مثلاً كانت المؤسسة العامة لليانصيب في سنة 2010 تطبع 900 ألف بطاقة، كانت توزع جميعها في الأسواق، وتباع بـ600 ليرة سورية للمشتري.
وبعملية حسابية بسيطة يمكن اكتشاف أن اليانصيب كان يدر مبالغ محترمة، على أقل تقدير، لمؤسسة اليانصيب ووزارة الاقتصاد. فلو احتسبنا أن الموزع كان يشتري البطاقة من مؤسسة اليانصيب بسعر يقارب لـ 450 ليرة، ليبيعها بـ 540 ليرة لباعة اليانصيب حسب بهيج خزعل الذي كان يبيع البطاقة بـ600 ليرة، يتضح أن المبلغ الذي كان يدخل خزينة الدولة يفوق الـ400 مليون ليرة في تلك الآونة، أي ما يزيد عن 8 ملايين دولار.
بالطبع لم يكن هذا المبلغ بكامله ربحاً للدولة، فمجموع الجوائز الكبرى والصغرى وجوائز الترضية المرتبطة بها، كان يفوق الـ 220 مليون ليرة، أي ما يزيد على 4 ملايين دولار. ومع احتساب أن دخل الموظف كان قرابة الـ 400 دولار في 2010، وأن مؤسسة اليانصيب مع مؤسسة البريد كانتا تضمان نحو 1000 موظف، فسيذهب نحو 400 ألف دولار كرواتب للموظفين.
وأخيراً تبقى تكاليف طباعة أوراق اليانصيب والتي يصعب تحديدها بدقة، لكن المؤكد أن ورقة اليانصيب تصنع من ورق أقل جودة من جودة الأوراق النقدية المالية.
مؤسسة رابحة… لكن إشكالية
يتماشى إيقاف الإدارة الجديدة لليانصيب مع حالة إدلب حين كانت تابعة لحكومة الإنقاذ، واجهة هيئة تحرير الشام السياسيّة، إذ لم يكن هناك يانصيب بالمعنى المؤسساتي، بل مسابقات صغيرة وجوائز على شكل قسائم من بعض المراكز التجارية لأهداف ترويجيّة.
هذا الإيقاف والاستغناء عن ربح مؤسسة اليانصيب يشير إليهما الخبير الاقتصادي، ومؤسس ورئيس تحرير نشرة “سيريا ريبورت” جهاد يازجي الذي قال لـ”درج” :”مؤسسة اليانصيب، حتى لو لم نمتلك الأرقام المنشورة من الدولة، سواء في سوريا، أو في أي دولة في العالم، فهي مؤسسة رابحة، إذ لا منطق لوجودها إن لم تكن رابحة”.
ويضيف: “تختلف مؤسسة اليانصيب عن المؤسسات الحكوميّة الأخرى، التي عادة ما تكون خاسرة كونها تقدم خدمات ضرورية، كالمؤسسات الطبية الحكوميّة ومؤسسات الشرطة والجيش، وفي حالة سوريا، وغالبية الدول الاشتراكيّة، توصف مؤسسات الدولة بالخاسرة أيضاً بسبب توظيفها لكمية كبيرة من المواطنين، ما يخلق بطالة مقنّعة، لكن مؤسسة اليانصيب، لا تقدم خدمات، ولا توظف كمية كبيرة من المواطنين، ما يجعلها مؤسسة رابحة”.
ويرى يازجي أن “إغلاق المؤسسة في سوريا لا علاقة له بوضعها المالي، إذ لا منطق اقتصادي في إغلاق هذه المؤسسة، خصوصاً في الوضع الحالي، حيث الدولة السورية بحاجة الى أي مصدر للنقود، لكن على الأرجح، الإغلاق من منطق ديني -عقائدي، وله جذور عقائدية في هيئة تحرير الشام، التي تشكل جزءاً أساسياً من الإدارة الجديدة لسوريا”.
يختم يازجي حديثه معنا في محاولة لتفسير إيقاف السحوبات ومسابقات اليانصيب قائلاً: “أعتقد أن مؤسسة اليانصيب في سوريا دفعت الثمن من جهة لسبب عقائدي، كونها لعبة حظ وهي محرمة، ومن جهة آخرى بسبب حجمها الاقتصادي الصغير، فهي لا تدر ربحاً كبيراً على خزينة الدولة، ولو كانت كميات ربحها أكبر كمؤسسة النفط، لكانوا وجدوا تبريراً لوجودها، لكن بسبب ربحها الصغير، والتساؤلات الدينية حولها، لم يُخلق صراع داخلي ضمن الإدارة الجديدة لتبرير استمرارها كحالة مؤسسات أخرى، وبالتالي، التيارات الأقل تشدداً ضمن الإدارة السورية الجديدة، لم تجد أن ربح هذه المؤسسة يستحق النضال من أجلها، مؤسسة اليانصيب في سوريا دفعت الثمن مرتين، بسبب إشكاليتها الدينية وحجمها الاقتصادي الصغير”.
شارك في إعداد هذا التقرير فراس دالاتي وأحمد إبراهيم.
درج
————————————-
سوريا: هزيمة أخرى؟/ غياث الجندي
سوريا
09.04.2025
رغم كل محاولات التضليل، وتطوّر قدرة السوريين على التمييز بين الحقيقة والخداع، ما زالت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في نشر هذه الهزيمة. ويبدو أن التجربة القاسية التي مرّ بها الشعب السوري خلال السنوات الأربع عشرة الماضية لم تجعله أكثر وعياً بمن يبيع الأمل الكاذب.
حين سقط النظام البائد في سوريا في كانون الأول/ ديسمبر 2024، كان منسوب الأمل لدي أعلى من الجبال التي تربيت فيها في سوريا. لم أكن أريد أن أتحدث أو أسمع عن أية عوائق أو مطبات أو مخاوف. كنت، كما كثيرين وكثيرات، بحاجة إلى جرعة من الأمل التي سرعان ما تحوّلت إلى وجبة من الوهم.
منذ البداية، طالب الكثير منا بتطبيق كامل للعدالة الانتقالية ومحاسبة عملاء النظام الذين اقترفوا جرائم بحق السوريين. العدالة الانتقالية تملك السلطة لردّ حقوق الناس التي انتُهكت، والحماية أيضاً من الحملات الانتقامية والخلط بين أفراد المجتمع، المدنيين منهم والمذنبين.
لسوء الحظ، بدأنا نرى ونسمع عن أشخاص معروفين من النظام السابق يتجولون في قلب دمشق، أو رجال أعمال سابقين دعموا نظام الأسد يدخلون ويخرجون من البلاد بدون أدنى مستوى من المحاسبة. أين هي العدالة الانتقالية إذاً؟
حالات فرديّة
بعد “الانتصار” بوقت قصير، بدأت الحالات الانتقامية الطائفية تأخذ منحىً أوسع فأوسع. هجمات في المناطق العلوية على قرى متعددة في ريف حماة وريف حمص ومصياف، قتل ثلاثة قضاة من الطائفة العلوية في منطقة مصياف أثناء عودتهم إلى بيوتهم في كانون الأول/ ديسمبر 2024، والتعدي على أهالي قرية فاحل في كانون الثاني/ يناير 2025. وحتى هذه اللحظة، يعتبر مؤيدو السلطة أن مثل هذه الحالات “فردية”. وأكبر مبرر لمروّجي قصة “الحالات الفردية” هو أنه لو أرادت السلطة الجديدة الانتقام، لفعلت ذلك أثناء دخولها المدن الساحلية.
الغرباء
في السادس من آذار/ مارس 2025، قامت قوات مسلحة، قيل إنها تتبع لفصائل متعددة، من بينها “الأمن العام”، بعملية تطهير طائفي راح ضحيتها آلاف المدنيين، بمن فيهم أطفال ونساء، على أساس طائفي، وفقاً لشهادات ومقابلات أجريتها مع ناجين وناجيات في مدينة بانياس الساحلية، وذلك ردّاً على هجوم مساندي النظام البائد على قوى الأمن العام.
قوبلت الهجمات في البداية بالإنكار التام، ثم تحول الإنكار إلى تبرير بأن فلول النظام هي من قتلت المدنيين العلويين لأنهم “رفضوا الانضمام للقتال ضد السلطات الجديدة”، ثم عادت المزاعم إلى قصة “حالات فردية”، وكانت النسخة النهائية للرواية أن المهاجمين كانوا من “الفصائل الأجنبية المتطرفة” التي لا تملك السلطة الجديدة السيطرة عليها.
انقسام السوريين
منذ عام 2011، شهدت سورية تحولات سياسية واجتماعية عميقة، وانقسم السوريون بكل الاتجاهات. ومع بروز ما يسمى “النظام الجديد” في سوريا، ظهر تيار واسع من المدافعين عنه، سواء لأسباب سياسية، اقتصادية، أمنية، أو حتى اجتماعية. لكن لماذا يصر الكثيرون على الوقوف في صف النظام الجديد على رغم كل ما يحدث في البلاد؟
يعتقد كثيرون أن سقوط النظام الجديد أو تغييره بشكل جذري قد يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، كما حدث في دول أخرى شهدت انتفاضات وثورات، مثل ليبيا واليمن. وبالنسبة الى هؤلاء، فإن بقاء النظام، على رغم كل عيوبه، يظل خياراً أكثر أماناً من المجهول، بخاصة في ظل غياب قوى معارضة منظمة وموحدة يمكن أن تقدم بديلاً واضحاً ومقنعاً.
نجح النظام الجديد في سوريا في فرض سرديته الخاصة من خلال مؤثرين على الساحة الإعلامية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وبدأ كثيرون بتصديق رواية تغيير القادة الجدد نمط تفكيرهم وطريقة حكمهم، وأنهم بالفعل آتون “لبناء سوريا الموحدة”.
لاقت هذه السردية تجاوباً كبيراً من شريحة واسعة من المواطنين داخل سوريا وخارجها، وأصبح أي انتقاد لهذه السلطات “بمثابة هجوم شرس على جو الإيجابية” الذي يحتاجه الجميع. في سوريا، هناك حالة من العطش الشديد للأمل بعد 14 عاماً من القتل، والقمع، والتهجير، واليأس. لكن يبدو أن هذا العطش تحوّل إلى حالة من الوهم المسيطر، وإنكار كل ما يشوب هذا الوهم، بما فيها الجرائم الطائفية التي تحدث بوتيرة صادمة.
في بلد متعدد الطوائف مثل سوريا، لعبت الانتماءات الدينية والطائفية دوراً مهماً في تحديد مواقف الأفراد من النظام. بعض الفئات ترى في النظام الجديد حامياً لمصالحها في وجه قوى أخرى قد تهدد وجودها، ما يجعلها تقف إلى جانبه، حتى وإن لم تكن مقتنعة بكل سياساته.
درج
—————————
لماذا حطت طائرة الشرع للمرة الثانية على الأرضية التركية؟!/ صالحة علام
10/4/2025
للمرة الثانية خلال مدة وجيزة تحط طائرة أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية بسوريا على الأراضي التركية، هذه المرة في مدينة أنطاليا الواقعة على ساحل البحر المتوسط، للمشاركة في منتداها الدبلوماسي، وفق ما تم الإعلان عنه من الجانبين.
الزيارة التي تأتي على وقع اختراقات إسرائيلية متكررة للعديد من المواقع السورية، خاصة العسكرية بها، التي أصبحت تهدد بشكل مباشر العاصمة دمشق، تشير إلى أن الهدف الحقيقي غير المعلن من توجه الشرع إلى تركيا في هذا التوقيت تحديدا، هو التشاور مع القيادة السياسية التركية حول سبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية، ووضع حد لهذه التجاوزات والخروقات التي تهدد الأمن القومي الدولة السورية، وتعرقل مسيرتها باتجاه بناء الجمهورية الجديدة، ووضع اللمسات النهائية لبنود اتفاقية الدفاع المشترك التي سيتم التوقيع عليها بين البلدين، الأمر الذي من شأنه توفير غطاء جوي شامل يؤمن لدمشق دفاعات جوية متطورة قادرة على التصدي للخروقات الإسرائيلية، ووقف هجماتها المستمرة..
خاصة أن هذه الخروقات العدائية الإسرائيلية، التي استخدم فيها العدو الصهيوني سلاحي الجو والمدفعية إلى جانب عمليات التوغل البري، لم تكتف باستهداف مواقع عسكرية، ومعسكرات تدريب، ومخازن عتاد وذخيرة، إنما طالت في طريقها المدنيين، مما أدى إلى مقتل 9 وإصابة 15 آخرين بإصابات متباينة مؤخرا، بمناطق درعا، وحمص، وحماة، والقنيطرة، ودمشق وريفها، إلى جانب الدمار الشامل الذي خلفته بالعديد من المنشآت العسكرية ومُلحقاتها من أبنية ودفاعات، أبرزها مطار حماة العسكري.
تدرك القيادة السياسية التركية جيدا أن العمليات التي يقوم بها جيش الكيان الإسرائيلي لتدمير المواقع العسكرية السورية، وجعلها غير صالحة للاستخدام، تهدف إلى تحقيق أمرين لا ثالث لهما.
أولهما: تحذير أنقرة من خطورة المضي قدما في خططها الرامية إلى إنشاء قواعد عسكرية لها بسوريا، وتحديدا في كل من حمص وحماة التي تم استهدافهما مؤخرا، في إطار التحضيرات الجارية حاليا لوضع البنود الأساسية لمعاهدة الدفاع المشترك المقرر توقيعها بين البلدين، وفق ما صرح به الرئيس أردوغان شخصيا.
وثانيهما: إضعاف القدرات العسكرية عموما للدولة السورية بما يضمن عدم تعرض إسرائيل لأية تهديدات مستقبلية محتملة من جانب دمشق، في ظل وجود قيادة إسلامية جهادية على رأس السلطة بها، لديها قناعاتها الأيديولوجية حول الوجود الصهيوني بالمنطقة.
وبناء على ما تم تسريبه من نصوص تحويها معاهدة الدفاع المشترك بين أنقرة ودمشق، والمزمع الإعلان عنها قريبا، يوجد نص يقضي بتولي تركيا مهمة توفير غطاء جوي وحماية عسكرية، يتم بمقتضاه حفظ أمن وسلامة المجال الجوي لسوريا من أي خروقات مستقبلية، وهو ما تفتقر إليه حاليا الحكومة الجديدة، التي لا تملك نظام دفاع جوي فعال لديه القدرة على التصدي للهجمات التي تتعرض لها من جانب دولة الاحتلال.
تل أبيب لا ترد استبدال الخطر الإيراني الذي طالما سبب لها تهديدا، وأرق مضاجع قياداتها السياسية والعسكرية خلال تمركز الحرس الثوري الإيراني بالعديد من المناطق بسوريا أثناء حكم بشار الأسد، بآخر جهادي، يمتلك من القدرات العسكرية الحربية والبشرية، ما يمكن أن يمثل تهديدا مباشرا على وجودها في المديين المتوسط والبعيد..
خاصة أن القلق لديها زاد بعد ما تم تداوله إعلاميا على لسان مصادر عسكرية تركية مطلعة -لم يتم الكشف عن هويتها- حول نية أنقرة إنشاء قاعدة عسكرية لها في سوريا، بهدف تدريب عناصر الجيش السوري الجديد الذي يتم إنشاؤه تحت إشراف كامل من جانب وزارة الدفاع التركية، وتجهيزه بما يحتاج إليه من معدات عسكرية استراتيجية، وأنظمة دفاع جوي، تلبية لرغبة الحكومة السورية.
لذا جاءت الضربات العسكرية الإسرائيلية لتدمر بعنف 3 مواقع عسكرية سورية عقب زيارة فرق عسكرية واستخباراتية تركية لها، بهدف رصد حالة مدارج الطائرات، وحظائرها، والبنى التحتية بهم، وهي قاعدة تي4، وتدمر الجويتين بحمص، والمطار العسكري بحماة، بالرغم من إعلان أنقرة رسميا أكثر من مرة، وإيصالها رسائل متعددة لطمأنة واشنطن عبر القنوات الدبلوماسية، أن وجودها العسكري وتعاونها مع دمشق في هذا المجال لا يستهدف ولا يمثل تهديدا لأي دولة بالمنطقة بمن فيهم إسرائيل.
وفي أعقاب هذا التحرك، أعرب جدعون ساعر وزير خارجية الكيان الإسرائيلي عن قلق حكومته من التحركات التركية في المنطقة، واصفا ما تقوم به من اتصالات مع كل من لبنان وسوريا والعراق والأردن بـ “الدور السلبي” الذي يستهدف النيل من بلاده.
ليرد عمر شاليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم على اتهامات ساعر بالقول:”أن تحركات بلاده لا تستهدف أي طرف، وأنها تأتي في إطار السعي لتعزيز السلام الإقليمي، مؤكدا أن الاعتداءات الإسرائيلية على كل من سوريا ولبنان هي التي تهدد السلام الإقليمي، وتزعزع استقرار المنطقة برمتها..
بينما فضلت الخارجية التركية الرد على اتهامات ساعر ببيان شديد اللهجة أوضحت فيه أن “إسرائيل أصبحت تمثل أكبر تهديد لدول المنطقة، ومصدر دائم لعدم الاستقرار بها، وإحداث الفوضى والإرهاب بخططها التوسعية، وتبنيها للتنظيمات الإرهابية الانفصالية”، مطالبة تل أبيب بالانسحاب الفوري من الأراضي السورية واللبنانية، والتوقف عن سياسة إعاقة الجهود الدولية لإحلال الاستقرار بالمنطقة.
يخطئ من يعتقد أن عمليات إسرائيل العسكرية، وخروقاتها الدائمة للأراضي السورية، وتدميرها للقواعد العسكرية بها، وتمركز عدد من قواتها في القرى الحدودية السورية، واستمالة بعض طوائفها للخروج على السلطة المركزية بدمشق عوامل يمكن أن تجبر تركيا على التراجع عن مواقفها، أو إثنائها عن المضي قدما في تحقيق أهدافها.
ففي ظل التوافق التركي الأمريكي الحالي بشأن التحركات التركية تجاه سوريا، وعزم واشنطن على سحب قواتها من الأراضي السورية، قررت تركيا المضي قدما في تنفيذ أهدافها، وفي تسريع خطواتها باتجاه زيادة حجم وجودها العسكري بسوريا استثمارا للظروف الراهنة.
فما لم يتم الإعلان عنه حتى الآن هو أن وتيرة عمل أنقرة في هذا الملف تزايدت سرعتها، فعناصرها العسكرية والاستخباراتية تعمل بكل جدية لفرض سيطرتها الكاملة على قاعدة “تي4” التي تم تدميرها من جانب الطيران الإسرائيلي، وأنها بدأت فعلا في وضع خطط إصلاحها تمهيدا لتجهيزها بأنظمة دفاع جوي حديث من نوع “حصار”، وأن الخطط التركية التي سيتم تنفيذها قريبا تقضي بتوسيع حجم القاعدة، لإضافة منشآت جديدة لها، حتى يمكن نشر طائرات مسيرة بها، بعضها للمراقبة، وأخرى مسلحة لديها القدرة على تأدية مهمات هجومية طويلة المدى.
وفي تصريحات لمصدر عسكري تركي وفق ما نشره موقع “ميدل إيست آي” أوضح أن بلاده تهدف إلى إقامة نظام دفاع جوي متعدد المهام داخل القاعدة وفي المناطق المحيطة بها، يتمتع بقدرات دفاعية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، بهدف التصدي للتهديدات المتعددة التي يمكن أن تتعرض لها الأراضي السورية، سواء من جانب الطائرات المقاتلة أو من الطائرات المسيرة، أو الصواريخ الموجهة.
إضافة إلى معلومات غير مؤكدة تفيد رغبة أنقرة في نشر صواريخ أس -400 الروسية التي يصل مداها إلى 400 كيلومتر، داخل إحدى القواعد الثلاث التي تزمع السيطرة عليها، وأنها تتفاوض حاليا مع روسيا حول هذا الأمر، وهو ما سُيعد في حال حدوثه تهديدا عسكريا مباشرا لدولة الاحتلال.
وهي الخطط التي ستؤمن لتركيا فرض سيطرتها الجوية على المنطقة، ودعم جهودها الرامية لمحاربة فلول عناصر تنظيم الدولة، لإنهاء الحجج التي يسوقها داعمي وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلى جانب ردع دولة الاحتلال، وجعلها تفكر مرات عدة قبل اتخاذ أي قرار بشن هجمات جوية على هذه المنطقة، وهو ما تخشاه تل أبيب وتسعى لعرقلته.
المصدر : الجزبرة مباشر
كاتبة وصحفية مصرية مقيمة في تركيا
حاصلة على الماجستير في الاقتصاد.عملت مراسلة للعديد من الصحف والإذاعات والفضائيات العربية من تركيا
—————————
حرستا الزيتون: “بالحب بدنا نعمرّها”/ سمر شمة
9 أبريل 2025
كلما دخلت إلى مدينة من المدن الثائرة في ريف دمشق أصاب بالصدمة والفجيعة، فرغم معرفتنا جميعًا بجرائم النظام المخلوع في كل أنحاء سورية إلا أن من يرى ويلمُس بيديه ركام المنازل ومعالم الدمار ليس كمن يتابع عبر الشاشات والصور ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها هذا الخراب المرعب.
البلدات والمدن تحولت إلى مدن للأشباح، وربما لا يستطيع أبرز الشعراء العرب الذين بكوا على أطلال بلادهم وأحبتهم وأهلهم أن يصفوها، لأن الحقيقة والواقع أكبر من كل الكلمات.
حرستا هي على رأس تلك المدن وهي الواقعة شرق دمشق على الجهة الشرقية للطريق الرئيسي المنطلق من العاصمة السورية في اتجاه حمص. أحياء كاملة سُويت بالأرض، والدمار الشامل في كل ركن من أركانها، واللون الأسود يسيطر على بقايا المنازل التي احترقت وقُصفت فوق رؤوس ساكنيها صغارًا وكبارًا، لا توجد خدمات والبنية التحتية مدمرة ورائحة الفقد وملامح الموت تسيطر على المكان بعد اعتقال واستشهاد الآلاف من أهالي حرستا وثوارها.
مدينة منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، تعرضت حوالي 80 بالمئة من بنيتها التحتية للدمار الكامل ومع ذلك يعود إليها سكانها بعد سقوط النظام يبحثون بين الردم والحفر وتلال من بقايا المنازل عن خبر هنا وأثر هناك، فرحين رغم المآسي والتضحيات الجسام بانتصار الثورة السورية وسقوط المجرمين، يحاولون ترميم ما بقي من منازلهم أو يحاولون بناء خيمة على أطلال حنّوا إليها ولم يبقَ منها إلا الرمال.
أما مشفى حرستا العسكري الذي عرفوه جيدًا والذي شهد تعذيبًا للمعتقلين في أروقته وعنايته المشددة وجرائم قتل بحقهم، فقد توافد السوريون إليه بحثًا عن ذويهم ومعتقليهم بعد العثور على أكثر من 40 جثة تعود لمعتقلين من سجن صيدنايا المسمى بالمسلخ البشري وآثار التعذيب واضحة عليها وأوضح الأطباء بأنها تعود لمعتقلين قُتلوا قبل سقوط النظام بأيام قليلة وكانت هذه الجثث بحالة هُزال شديدة ومكدسة بطريقة غير آدمية وعليها أشرطة لاصقة كُتب عليها بعض الرموز والأرقام والتواريخ من دون أسماء، وهذا المشفى كان قد تعرض للدمار وسُرقت أجهزته عام 2012 ودُمرت البنية الإنسانية والمعمارية والكهربائية والميكانيكية له وقامت اليابان عام 2019 بتقديم منحة لترميمه وتجهيزه عن طريق منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتمّ افتتاحه بعد تأهيله نتيجة المعارك في كانون الأول/ ديسمبر 2022.
شاركت مدينة حرستا في الثورة السورية منذ انطلاقتها، وأول الذين خرجوا بها شاركوا بمظاهرة دوما الأولى التي خرجت من الجامع الكبير وصلى المتظاهرون العصر والمغرب والعشاء في ساحة السرايا باعتصامها وكان من بينهم رجال دين وشباب سلميون من هذه المدينة. ثم بدأت المظاهرات الليلية والنهارية السلمية فيها وترافقت مع مظاهرات ببيلا وقارة ورنكوس وكناكر وداريا ومضايا وغيرها، وهتف المتظاهرون بنصرة الثورة والسوريين وإسقاط النظام، وقامت أجهزة الأمن على الفور بحملة اعتقالات واسعة طاولت المئات من المشاركين ومنهم: أطباء وشيوخ ومدرسون ومهندسون وطلاب جامعات، وتشكلت لجان للتنسيق وتوحيد الجهود وتنظيم الاحتجاجات والعمل الإعلامي الحقوقي والإغاثي والسياسي ولتوثيق انتهاكات النظام وأسماء الشهداء والمعتقلين رجالًا ونساء. وقد قامت الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد بتطويق ضاحية حرستا في العام الأول من الثورة وقطعت عنها الماء والكهرباء والاتصالات.
خاضت حرستا معارك عنيفة مع قوات النظام وشبيحته منذ عام 2012 واستُشهد المئات من المدنيين ، ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وحده من هذا العام استُشهد أكثر من 225 شهيدًا في أقسى وأشد وأعنف حملة قصف مدفعي وصاروخي وجوي شهدتها المدينة منذ بدايات الثورة.
وبعد سنوات جرت أهم المعارك وهي “معركة حرستا” التي أطلقتها المعارضة المسلحة ضد جيش النظام وحلفائه في هذه المدينة التي كانت قاعدة للمركبات المدرعة للنظام المخلوع، وتُعتبر إحدى آخر المعارك الفعلية والجدية، وجرت على مرحلتين الأولى من 4-25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 واستمرت 15 يومًا، والثانية من 29 كانون الأول/ ديسمبر 2017 حتى 17 كانون الثاني/ يناير 2018 ، واستمرت عشرين يومًا، حاصرت المعارضة المسلحة خلالها قاعدة المركبات بمشاركة الجيش السوري الحر وعدد من الفصائل العسكرية، بينما شارك فيها من النظام: الحرس الجمهوري – الفرقة المدرعة الرابعة – إدارة المخابرات العامة – قوات المهام الخاصة، واستُشهد فيها مئات المدنيين وتعرض النظام خلالها لخسائر فادحة بالأرواح والمعدات.
وكانت روسيا قد أعلنت عام 2017 أنها وقّعت اتفاقًا لوقف التصعيد في الغوطة الشرقية، واتفاقًا آخر في 16 آب/ أغسطس من العام نفسه مع فيلق الرحمن التابع للجيش الحر، غير أن الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش أعلنتا أن عمليات القصف استُأنفت بعد هذا الاتفاق في الغوطة الشرقية وحرستا.
استخدم النظام السوري وحلفاؤه على مدى سنوات القصف الجوي والمدفعي بالبراميل المتفجرة والقنابل الفراغية والأسلحة المحرمة دوليًا والكيماوي في حرستا وغيرها من مدن الغوطة كما هو معروف، وحاصر هذه المدينة حصارًا خانقًا ومنع عن أهلها الدواء والكهرباء والمياه والاتصالات، وقام بحملات عسكرية وأمنية وحشية لكسر الحصار المفروض على القاعدة العسكرية للمركبات المدرعة من المعارضة المسلحة وخاصة بعد استيلائه على مبنى المطاحن المتاخم للقاعدة.
دارت المعارك الضارية والبحث عن الخصم في حرستا فوق الأرض وتحت الأرض في الأنفاق التي قامت بحفرها المعارضة السورية للتنقل بين مدن الغوطة الشرقية وإيصال الدواء والغذاء للأهالي ونقل الجرحى، والأنفاق التي قام بحفرها جيش النظام وقواته. وكانت أنفاق المعارضة تمتد إلى دوما – عربين – زملكا وإلى دمشق. والمعركة الشهيرة التي دارت في حرستا عام 2017 كان هدفها الانطلاق إلى القابون وجوبر ثم إلى قلب العاصمة دمشق، لكن النظام قابل ذلك كله بقصف وحشي مستخدمًا السلاح الكيماوي أيضًا.
في عام 2018 وبعد اتفاقيات عديدة مع الروس وحصار المدينة وتدميرها أخرجت الباصات الخضر العائدة لنظام الأسد الأهالي والثوار إلى إدلب بأعداد كبيرة والباقي نزح باتجاه دمشق.
الجدير ذكره أن المعارضة السورية في حرستا استطاعت السيطرة مرات عديدة على مواقع النظام هناك وعلى قاعدة المركبات المدرعة، وحاصرت أكثر من مئتي جندي للنظام داخلها ولكنه استطاع بعد القصف الوحشي بطائراته والطائرات الروسية أن يسيطر على الوضع بعد أن وصلت المعارضة المسلحة إلى كراجات العباسيين القريبة من قلب العاصمة السورية.
حاول السكان المحليون العودة إلى مدينتهم بعد توقف القتال ولكن النظام عرقل هذه العودة وحاول ابتزازهم ونهبهم واعتقالهم.
وصفها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان بأنها: “منطقة كبيرة عامرة وسط بساتين دمشق على طريق حمص. بينها وبين دمشق أكثر من فرسخ. منها شيخنا القاضي عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني. إمام فاضل مدرس على مذهب الشافعي. ولّي القضاء بدمشق في كهولته. ويُنسب إليها من المتقدمين حماد بن مالك بن بسطام بن درهم وأبو مالك الأشجعي الحرستاني”.
اسم حرستا يعني باللغة الآرامية “الأرض الخشنة” وقد يكون هذا التعبير صحيحًا جزئيًا، إذ يغلب على تربتها في المناطق الشمالية الغربية وفرة الحصى والأحجار وبعض الصخور في بساتينها القريبة من سفوح السلسلة الشرقية لجبال القلمون.
وقال بعض المؤرخين إن اسمها القديم كان “حرستا الزيتون” وهو الأصح لوفرة زراعة هذه الشجرة المباركة في البساتين المحيطة بها، ويُعد زيتها من أنقى وأصفى وألذ أنواع الزيت في الدول العربية.
والمعروف أن معظم سكان الحواضر في بلاد الشام كانوا يعتنقون المسيحية قبل ظهور الإسلام ومنها حرستا، ولكن عندما عمّ الإسلام الشام بدأت أعداد المسلمين تزداد تدريجيًا سواء من السكان الأصليين أو من الذين وفدوا مع الفتح الإسلامي وخاصة في العهد الأموي، حيث اتُخذت هذه المدينة مركز استجمام لوفرة رياضها ومياهها.
اشتُهرت بزراعة الأشجار المثمرة مثل المشمش والتين والزيتون، وهي موجودة في منطقة إدارية اسمها منطقة دوما. بُنيت فيها بعض القصور الأموية والمنتزهات مثل: البلاطة – الحدائق. وكان فيها أقدم معصرة زيتون بدمشق وريفها قبل تدميرها بعد انطلاق الثورة السورية. وفيها العديد من الأحياء المعروفة: حي العجمي – البستان – السيل – البيدر – التعلة – مروش التربة – وحي صمصم. وفيها المسجد العمري الذي بُني بأمر من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ومساجد أخرى دمر النظام أكثر من عشرين مسجدًا منها دمارًا كاملًا.
ورغم هذا الدمار الكبير هناك جهود تطوعية جبارة لإعادة الإعمار والبناء في حرستا بعد هروب الأسد ونظامه. والناس يقولون: “الوضع صعب ومؤلم ولكن المهم أن النظام قد سقط، ونحن أهل حرستا سنعمرها ونبنيها وأطلقنا مبادرة لإعمارها عنوانها: بالحب بدنا نعمرّها”.
مراجع:
– ياقوت الحموي: معجم البلدان.
– بوابة سورية.
ضفة ثالثة
————————
هل سلطة دمشق منفصلة عن الواقع كما سابقتها؟/ بكر صدقي
تحديث 10 نيسان 2025
من بديهيات السياسة، بالنسبة لأي حاكم، هي إدراك المسافة بين ما يريد وما يستطيع، أي بين الأحلام والرغبات والشروط التي يفرضها الواقع. لهذا يمتلئ التاريخ بالأمثلة عن التغييرات الكبيرة التي تطرأ على من يصلون إلى السلطة بالقياس إلى ما أعلنوها من برامج عمل ووعود قبل ذلك، بصرف النظر عن طريقة وصولهم إلى السلطة، سواء كان ذلك عبر صناديق الاقتراع أو انقلاب عسكري أو تمرد ثوري…
ما لاحظناه على السلطة الجديدة في دمشق أنها عموماً تقول ما يريد الآخرون سماعه وتعمل كما تريد هي. هذه الازدواجية بين الخطاب والممارسة مردها أنها ضعيفة بجميع المعاني، تريد أن تحكم بمعايير إيديولوجية تتسق مع عقيدتها مع محاولة إرضاء الآخرين بالكلام. والآخرون هنا هم، بالدرجة الأولى، الدول النافذة، الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وتركيا ودول الخليج العربي وإسرائيل، التي تمارس ضغوطاً متفاوتة عليها للإيفاء بالتزامات تظنها السلطة لفظية أي يمكن إرضاءها بالوعود والكلام. ويبدو أنه ليس ثمة «آخرون داخليون» بالدرجة الثانية أو الثالثة حتى. فالسلطة تصم أذنيها عن كل الشكاوى المتصاعدة من الداخل على ما لا يمكن القبول به من تصرفات الأدوات الأمنية، وعلى سلسلة الإجراءات المؤسسية التي إما لم تغير شيئاً من منظومة الحكم الأسدية أو غيرت نحو الأسوأ في بعض الميادين.
من المحتمل أن هذه السلطة «تغش» من أنظمة الحكم السابقة عليها في تاريخ سوريا، وبخاصة نظام الأسد إبان عهد مؤسسه حافظ الأسد الذي كان حريصاً على شرعيته الخارجية لدى المجتمع الدولي، فيما يحكم الداخل بالحديد والنار. لكنها تغض النظر عن الظروف التي قام فيها الأسد بالاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري. ففضلاً عن الاستقرار الداخلي واستثمار الاستياء الشعبي من حكم مجموعة 23 شباط، كان في سوريا جيش قوي واقتصاد مستقر وإن كان ضعيفاً، ولم يلق انقلاب الأسد مقاومة تذكر، فكان هذا يلائم المجتمع الدولي والإقليمي، بخاصة بعد ابتعاده عن راديكالية الحكم السابق تجاه الغرب ودول الخليج، فطور علاقاته مع كل منهما وأعطاهما التطمينات التي يريدانها بالقول والفعل معاً، في حين اقتصرت ازدواجيته على الداخل بين شعارات قومية واشتراكية وواقع فساد ومحسوبية وإفقار واسع للطبقات الدنيا.
واضح أن ما يمكن تسميته بشهر العسل قد انتهى بالنسبة للسلطة الجديدة في علاقاتها مع المجتمع الدولي كما في علاقتها مع المجتمع السوري. يمكن اعتبار المجازر التي ارتكبتها فصائل منضوية تحت وزارة الدفاع في مناطق الساحل على أساس طائفي صريح حداً فاصلاً بين فرحة السوريين بسقوط نظام الأسد الإجرامي وانكشاف دعاوى السلطة الجديدة عن برنامج سلطوي لا يأبه بتعدد المجتمع أو شروط المجتمع الدولي التي تظن أنه يمكنها التحايل عليها. كان ابتهاج السوريين بسقوط نظام الأسد قد دفعهم، في الفترة الأولى، إلى غض النظر عن خلفية هيئة تحرير الشام الإيديولوجية وتجربتها السلطوية في منطقة إدلب، على أمل أن تدرك «الهيئة» متطلبات حكم مجتمع متعدد في شروط داخلية وخارجية بالغة القسوة. وشمل غض النظر هذا الظروف الإقليمية التي سمحت بسقوط نظام الأسد واستيلاء «الهيئة» على السلطة. أعني العدوانية الإسرائيلية المدعومة غربياً التي أنهت الوجود الإيراني في سوريا وأنهكت حزب الله في لبنان ودمرت قطاع غزة. فلولا الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية في ضرب النفوذ الإقليمي لإيران، بما في ذلك السماح بسقوط نظام الأسد، لما تمكنت هيئة تحرير الشام من الاستيلاء على السلطة في دمشق. ويمكننا القول الآن إن القوى النافذة نفسها لن تسمح للسلطة الجديدة في دمشق من التمدد إلى خارج المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد سابقاً، ولا أن تكرس سلطتها وتمكنها ما لم تخضع لـ«دفتر الشروط» الذي قدمت لها في مناسبات عديدة، بدءاً من مؤتمر عمان الدولي الإقليمي بعيد سقوط نظام الأسد مباشرةً، وصولاً إلى مؤتمر بروكسل، مروراً بكل الوفود الدبلوماسية التي زارت دمشق للتعرف على حكام سوريا الجدد، وليس لمنحه شرعية بالمجان.
كان يمكن لمؤتمر الحوار الوطني المزعوم أو الإعلان الدستوري أو تنصيب الشرع رئيساً للجمهورية أو حتى تشكيل الحكومة أن تمر ويغض النظر عنها من قبل الدول النافذة، وإن ببعض التحفظات، لولا مجازر الساحل ولولا استمرار وقوع انتهاكات مماثلة إلى اليوم على رغم تشكيل لجنة تقصي الحقائق. هذا فضلاً عن التنازع التركي ـ الإسرائيلي الذي ينبئ بتقاسم النفوذ العسكري بينهما في سوريا برعاية واشنطن ترامب، ما من شأنه أن يشل أي إمكانية لاستقلالية القرار لدى السلطة الجديدة.
المدهش أن هذه السلطة التي تبدي استعداداً للتعايش مع كل الضغوط الخارجية لا تبدي أي مرونة بشأن برنامجها الإيديولوجي غير المعلن المتمثل في نظام سلطوي شديد المركزية مع أسلمة متشددة للحياة العامة وتدخل رجال الدين في إقرار «شرعية» القرارات الوزارية والقضائية من خلال «مجلس الإفتاء الأعلى» وهندسة الحياة السياسية بأداة غير دستورية هي «الأمانة العامة للشؤون السياسية» برئاسة وزير الخارجية! وفي الممارسة اليومية تظهر أخبار كل يوم، عن التدخل الفظ للأمن العام في شؤون السكان بطريقة تذكر بحكم المخابرات أيام نظام الأسد.
هامش الوقت يضيق باطراد أمام السلطة، وباتت التكهنات بشأن اقتراب نهاية السلطة الجديدة أو مخططات تقسيم الجغرافية السورية وفقاً للطوائف والإثنيات ومناطق النفوذ شائعة، في حين لم يطرأ أي تغير نحو الأفضل بالنسبة لعموم السكان، وتدهورت لدى بعض الفئات.
كاتب سوري
القدس العربي
————————-
بعد أربعة أشهر… سوريا من هنا إلى أين؟/ ياسين الحاج صالح
تحديث 10 نيسان 2025
سقط الحكم الأسدي في سوريا على أيدي ائتلاف من قوى سُنّية مسلحة، في القلب منها «هيئة تحرير الشام» التي تدير الدولة السورية حالياً. هناك شيئان مختلفان هنا: إسقاط النظام الذي حكم 54 عاماً، وخاض حربين أهليتين للبقاء في الحكم؛ ثم الإمساك الخاص بالدولة وإدارتها. النجاح في العملية الأولى لا يضمن بحال النجاح في العملية الثانية، بل إن ظواهر الأمور خلال ما ينوف على أربعة أشهر تقول إن مشكلات إدارة الدولة اليوم متولدة عن افتراض أن الأمرين واحد، وأن «من يحرر يقرر»، وعلى من «يقبل النصر أن يقبل طرائقه»، أي طرائق المنتصرين، على ما أفاد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. فليس للناس أن يسألوا من حرروهم من خاطفيهم إلى أين يأخذونهم، بعبارة أسعد الشيباني وزير الخارجية. ما يجمع بين هذه العبارات الثلاث هو صفتها غير التعاقدية، أو «الثورية» إن شئت بالنظر إلى أنه ليس ثمة ثورات بالتعاقد. وخلافاً لما قال الشرع نفسه بخصوص انتهاء الثورة وبدء الدولة، فإن ما جرى خلال شهور هو استئثار «ثوري» بالدولة دون تشاور جدي مع أحد، ودون حوار وطني جدي (كان ما سمي بالحوار الوطني والمؤتمر الذي أعقبه مهزلة قياساً إلى ما يعيش البلد من أوضاع مأساوية وما يواجه من تحديات مهولة).
هناك تعارض جلي بين مفهوم الدولة التي هي ملكية عامة للمحكومين بوصفهم مواطنين، وبين تكوين الفريق الحاكم اليوم ذي اللون الواحد. وهو ما يذكر في واقع الأمر بالحكم الأسدي الذي تحايل بصور مختلفة لتمويه هذا التعارض، منها «الجبهة الوطنية التقدمية»، ومنها نظام حصص ضمنية في مجلس الشعب والحكومة، ولكن هذا لم يُخفِ يوماً أين كانت ترتكز السلطة الفعلية، أو حقيقة أن الدولة كانت في واقع الأمر مخصخصة، على ما ظهر عياناً بياناً وقت توريث السلطة من الأب إلى الابن عام 2000. هذا للقول إن إشراك وزراء من خلفيات أهلية متنوعة لا يعني بحال مشاركة في السلطة، مثلما يفضل الشرع الاعتقاد. هناك ثلاث مشكلات في «المشاركة» الراهنة المزعومة في الحكومة. أولها إنه ليس مضمونا أن الوزراء غير المنتمين إلى الهيئة أو المقربين منا يحوزون سلطة تقرير حتى في نطاقات عملهم الخاصة: التعليم، التعليم العالي، الإعلام، الشؤون الاجتماعية والعمل إلخ (تفيد بعض المعلومات أن من بعض من اشترطوا الاستقلالية في عملهم بعد أن فوتحوا في شأن الانضمام للحكومة جرى استبعادهم عند تشكيلها)؛ وثانيها أنه لا نفاذ لهم إلى مركز التقرير الفعلي، السياسي الأمني، المحصور بيد «المحررين»، وهم إسلاميون سنيون؛ وثالثها أنه نظر إلى الوزراء بدلالة خلفياتهم الأهلية، على نحو يستبعد نسقياً المشتغلين في الشؤون العامة طوال سنوات وعقود ممن لا يُعرِّفون أنفسهم بدلالة هذه الخلفيات، وهم قطاع متنوع وواسع من السوريين. إلى ذلك فإن وزيراً واحداً من منبت علوي وواحداً من منبت كردي قليل جداً حتى لو قبلنا بالمنطق الكامن وراء هذه التعيينات. من 22 وزيراً، النسبة الديمغرافية لكل من الجماعتين تقتضي وزيرين على الأقل لكل منهما. ومن المثير للغضب وجود وزيرة واحدة، حُسبت فوق ذلك تمثيلاً للمسيحيين. وبعد هذا كله، لا يبدو أن للوزراء من غير الإسلاميين نفوذا فعليا في جماعاتهم الأهلية ذاتها. وهو ما يعني أننا لسنا حتى حيال «سياسة أعيان» أو «وجهاء» مثلما تصور كاتب هذه السطور في تقديرات سابقة، بل سياسة واجهات إن جاز التعبير، من الصنف الذي نعرفه جيداً، والذي جعل من سوريا في الحقبة الأسدية مجتمعاً مفخخاً بالطائفية وعدم الثقة والضغائن.
فإذا كان منطق المحاصصة مرفوضاً بحق، فإن نقيضه ليس مناصب واجهية لا تمس في شيء احتكار السلطة، بل إشراكاً فعلياً في القرار وهياكل السلطة لقطاعات السوريين المتحفظة. ماذا يعني ذلك؟ يعني إشغال مواقع مقررة في الحكم من قبل سوريين أكفاء في مجالاتهم، يعلون من وطنيتهم السورية فوق روابطهم الأهلية. الوطنية هي أرضية المشاركة، وليس المنبت الأهلي. هذا الأخير هو أرضية المحاصصة، أو شكل خفيف وواجهي منها. في البال أسماء قديرة مختلفة المنابت، الاقتصاد والخارجية والدفاع والثقافة والتعليم…، وليس مصادفة أن الأقدر هم بالضبط ممن لا يعرفون أنفسهم تعريفات أهلية.
ربما يقال إن هناك حاجة في هذا الطور المبكر من سوريا ما بعد الأسدية إلى فريق متجانس متفاهم. لماذا؟ ليس هذا بديهياً. الحكم حرفة صعبة، واستسهالها في البدايات يُعّوِّد على الاستسهال، وربما يغري بالحلول السهلة للمشكلات. وأسهل الحلول هو العنف، سحق الخصوم، مثلما ألف الحكم الأسدي أن يفعل. ثم إنه لو صح التقدير الخاص بفريق متجانس، فقد كان يوجب تجزئة السنوات الخمس للمرحلة الانتقالية إلى مراحل فرعية، تنتهي أولاها مثلا بعد عام من سقوط النظام، وربما تمتد كل من الثانية والثالثة عامين (أو خمس مراحل فرعية كل منها عام واحد) ويتغير في كل منها تشكيل الحكومة على ضوء التجربة، والنجاحات والتعثرات المحتملة، ومستوى الثقة الوطنية أو «التجانس الوطني» الذي تم بلوغه.
أخطر المشكلات التي توجه سوريا اليوم هي أخطر المشكلات التي واجهتها في الحقبة الأسدية: الطائفية، النفاذ الامتيازي لجماعة أهلية خاصة إلى سلطة الدولة العامة. هذا النفاذ محقق اليوم لمصلحة سُنّيين، بعد أن كان من قبل لمصلحة علويين. مذابح العلويين في الساحل قبل شهر نذر خطر تطال فرص سوريا في البقاء. وقد نكون على مسافة أزمة كبيرة واحدة من انهيار وطني واسع النطاق. ويبدو أن التكوين المتوتر والاستفزازي لقطاعات من «المحررين» كفيل بوضع البلد في حالة انتظار دائمة للأزمة الكبيرة التالية. مع هذا التكوين، قد لا يكون السؤال الصحيح: هل سيقع انفجار اجتماعي وانهيار وطني، بل متى يقع. مذابح العلويين كانت وثيقة الصلة بهذا التكوين العصابي غير المتوافق لا مع منطق الدولة العامة، ولا مع قيام أي سلطة مستقرة، ولو دكتاتورية، ولا مع أدنى حد من الثقة الوطنية.
لقد أهدرت فرص متعددة من أجل قدر أكبر من الجدية في التحول نحو سوريا ما بعد أسدية تستوعب سكانها ولا تستبعدهم، وتُقرِّبهم منها ولا تُغرِّب قطاعات متنوعة منهم من السلطة العمومية. والصحيح اليوم هو إجراء الانعطاف الواجب نحو مشاركة فعلية، لا سياسة واجهات، وتقديم المستقلين الأكفاء لا الموالين الأتباع، فالتاريخ لا يعطي فرصاً بلا نهاية. والوقت لم يفت نهائياً حسب ما يشهد استطلاع لمجلة إيكونومست البريطانية نشر قبل أيام.
تقول المجلة إن «70في المئة من السوريين من جميع أنحاء البلاد ومن مختلف الطوائف العرقية والدينية [عبروا] عن تفاؤلهم بالمستقبل. ويشعر حوالي 80في المئة منهم بحرية أكبر مما كانوا عليه في عهد الأسد. كما أن نسبة مماثلة لديها نظرة إيجابية للشرع. ويقول ثلثهم إن الوضع الأمني قد تحسن رغم الاشتباكات»، في إشارة للعنف الدموي في الساحل بين 6 و10 آذار. وحتى بين العلويين لا تتجاوز نسبة المتشائمين بالمستقبل 40في المئة (ولا ريب أنها مرشحة للنقصان لو خرج تقرير لجنة التحقيق في تلك المجازر بما يكفل العدالة للضحايا ويعاقب المجرمين). تسوق المجلة تقديراتها الإيجابية بحذر وتشرطها بـ«منح الوزراء سلطة حقيقية في مناصبهم»، وتدعو إلى رفع العقوبات الغربية للحد من معاناة السوريين، كما للحيلولة دون تحول سوريا إلى دولة فاشلة.
الانعطاف ضروري، الآن، ولا يجب أن يحول دونه غرور السلطة أو صعوبة الاعتراف بالخطأ. إن ما حدث إلى اليوم يوجه رسالة عدم احترام لأكثرية السوريين. ونحن نعرف أن غرور السلطة وقلة الاحترام هما نهج الحكم الأسدي، النهج الذي دفع وجوده بالذات ثمناً له بعد 54 عاماً أبدية. لكن ربما يلزم استدراك واحد: التكوين المتوتر ذو الألف رأس لقاعدة النظام الجديد، الممتلئة بشعور ذاتي بالحق، هو تكوين عاصف، ولا يمتنع أن يعصف بنفسه وبالبلد خلال زمن قياسي.
كاتب سوري
القدس العربي
————————–
النظرة الدولية لسوريا تتغير: العودة إلى البنك الإسلامي للتنمية/ محمد كساح
الخميس 2025/04/10
تعكس عودة تفعيل عضوية سوريا ضمن “البنك الإسلامي للتنمية” دلالات إيجابية تتعلق بتسريع إخراج سوريا من نظام العقوبات المفروض عليها، كما يمكن أن تعزز انفتاح البلاد على الشبكة المصرفية الإسلامية، في حين يتطلب نجاح هذه الخطوة نجاحاً مماثلاً من طرف السلطة الجديدة في توفير بيئة تشريعية ملائمة.
وكان مجلس المديرين التنفيذيين لـ”لبنك الإسلامي للتنمية” وافق على إعادة تفعيل عضوية الجمهورية العربية السورية في مجموعة البنك، ويأتي هذا القرار عقب استعادة سوريا لعضويتها في منظمة التعاون الإسلامي، بعد انقطاع دام ثلاثة عشر عاماً.
وانضمت سوريا إلى عضوية “البنك الإسلامي للتنمية” في أيلول/سبتمبر 1975م، وبلغ إجمالي تدخلات مجموعة البنك في سوريا حتى نهاية العام 2024 نحو 632 مليون دولار أميركي، كما بلغت قيمة عمليات التأمين التي قدمتها المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات 277.5 مليون دولار أميركي، بحسب بيانات رسمية أوردها البنك.
الاستفادة من النظم الإسلامية
ومن شأن إعادة تفعيل عضوية سوريا في المجموعة البنكية دعم الاقتصاد السوري عبر مستويات عدة منها تعزيز انفتاح الاقتصاد السوري على الاقتصاد العالمي، وفقاً لحديث الخبير في الاقتصاد الإسلامي يحيى السيد عمر ل”المدن”.
ويضيف بأن هذا الإجراء “يحفز النظام المصرفي السوري على الاستفادة من النظم الإسلامية المتطورة، مثل تركيا ودول الخليج العربي وماليزيا، والتي قطعت أشواطاً هامة في هذا المجال”، لافتاً إلى أنه قد “يكون مدخلاً لاستقطاب استثمارات أجنبية إلى الدولة”.
وعلى صعيد التنمية والانتعاش الاقتصادي، يرجح السيد عمر بأن هذه الخطوة يمكن أن تحقق النماء الاقتصادي، خاصة وأن هذا النماء يرتبط بشكل مباشر بكفاءة العمل المصرفي الذي سيتطور جراء انفتاح سوريا على الدول الإسلامية. لكن وبالرغم من أهمية هذه الخطوة، إلا أن “نجاحها يرتبط برفع العقوبات خاصة رفع حظر نظام سويفت، كون هذا النظام هو عصب العمل المصرفي الحكومي والخاص”.
دلالات هامة
ويقرأ الأكاديمي والباحث الاقتصادي رفعت عامر إعادة تفعيل العضوية باعتبارها تحمل دلالات مهمة مثل تغير النظرة الإقليمية والدولية تدريجياً نحو سوريا بعد أن شهدت عزلة طويلة في سنوات الصراع، ما يسهل انخراطها مجدداً في المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف، وتعزيز الشراكات مع الدول الأعضاء.
ويضيف في حديث ل”المدن” أن إعادة العضوية “يتيح إمكانية حصول سوريا على تمويل ومساعدات فنية واستشارات في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، فضلاً عن الاستفادة من المشاركة في برامج تقودها دول الخليج العربي ويمكن لسوريا تنفيذها تحت إشراف البنك الإسلامي”.
ويوضح عامر أن “تحقيق هذه المتطلبات يفترض وجود بيئة داخلية تشريعية وقانونية ملائمة ونظام للشفافية والحوكمة، علاوة على تطوير البنية المصرفية السورية المتردية والمعزولة عن النظام المالي العالمي”.
كما يلفت إلى أن كل هذه الإجراءات، “لا يمكن تنفيذها قبل أن تزيل أميركا العقوبات عن البنك المركزي السوري وتعيد السماح باستخدام نظام سوفيت الذي يمنع تحويل الأموال من البنوك العالمية للبنك المركزي السوري وبالتالي عدم قدرة المؤسسات والشركات من الاستثمار في سوريا”.
ما أبرز العقبات؟
ويتفق الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي مع القراءتين السابقتين، خاصة مع تزامن عودة تفعيل عضوية سوريا مع مساعي الحكومة لتوفير مشروعات متعلقة بإعادة الإعمار وجذب المستثمرين الدوليين.
ويوضح قضيماتي لـ”المدن” أن من إيجابيات هذه الخطوة “تعزيز الثقة بالشبكة المصرفية السورية وبالتالي تشجيع المؤسسات الدولية على التعامل مع الحكومة، لكن ضمن الأطر المتاحة مثل التعليم والصحة والقطاعات البعيدة عن العقوبات”.
ومن أبرز الإيجابيات التي يوردها قضيماتي، عودة سوريا الى النظام المصرفي العالمي (السويفت)، وتعزيز تشغيل المزيد من الأيدي العاملة ونقل التكنولوجيا الحديثة المتعلقة بالبنوك الإسلامية وأحكامها من خلال البرامج التي يمكن أن تنفذ بشكل عام.
وفي المقابل، يلفت إلى “وجود معوقات تتعلق بالعقوبات الغربية التي تتسبب بعزل البلاد عن التحويلات المباشرة المتعلقة بالمشاريع الدولية بشكل أو بآخر”، ملمحا إلى “الرمزية السياسية” لهذه الخطوة التي لن تفتح الباب أمام التعاون المطلق إلا إذا جرت تحولات جذرية في البيئة الدولية تجاه السلطة الجديدة.
المدن
————————–
الإجراء الدبلوماسي الأميركي: رسالة مبطنة للشرع يمكن استيعاب أضرارها/ منصور حسين
الخميس 2025/04/10
تدرك السلطات السورية أهمية الموقف الأميركي وتأثيره على شرعيتها الخارجية، ليأتي قرار واشنطن بتغيير وضع البعثة السورية لدى الأمم المتحدة، وما يحمله من إعلان واضح بعدم اعترافها بالنظام السوري الجديد، ليزيد الضغوط على دمشق، ويضعها أمام تحدٍ سياسي هو الأشد من سقوط نظام الأسد المخلوع.
والأسبوع الماضي، أبلغت واشنطن البعثة الدبلوماسية السورية قرار تغيير وضعها من بعثة دائمة لعضو لدى الأمم المتحدة، إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة، وذلك ضمن سياق مراجعتها الأمنية لجميع التأشيرات الخاصة بدول النزاعات والتي تضم “جماعات إرهابية”.
وتعليقاً على القرار الأميركي، أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين في الحكومة الانتقالية السورية، يوم الاثنين الماضي، بياناً أكدت فيه أن تعديل الوضع القانوني للبعثة السورية لدى الأمم المتحدة، يعد إجراءً تقنياً وإدارياً.
واشنطن غير مقتنعة
وبحسب سياسيين سوريين في الولايات المتحدة تواصلت معهم “المدن”، فإن صفة التمثيل السوري لدى الأمم المتحدة لم تتغير، إذ أن القرار يعتبر قانونياً يتماشى مع اللوائح الأمنية المتعلقة بمنح التأشيرات الأميركية لدول النزاع، وقد جرى مناقشته مع الإدارة الأميركية قبل نحو شهرين، لضمان شرعية وجود الدبلوماسيين السوريين وسهولة عملهم وتنقلاتهم على أراضيها.
ومع ذلك، لم تخفِ جهات سورية عدة دهشتها من توقيت القرار، الذي جاء مخالفاً لمسار التطورات الإيجابية بين سوريا والإدارة الأميركية، والحديث عن لقاء مرتقب يجمع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، وتلقي وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني دعوة لزيارة واشنطن.
ويعتقد السفير السوري السابق في السويد بسام العمادي، أن الإدارة الأميركية كانت تنتظر تشكيل الحكومة الانتقالية لتتخذ قراراها بشأن الاعتراف من عدمه، وقد ذكرت ذلك في عدة مناسبات، خصوصاً أن تشكيل حكومة جامعة على مستوى الطوائف والأطراف السياسية، أحد أهم الشروط التي وضعتها.
ويقول لــ”المدن”: “الموقف الأميركي يؤكد على عدم اعترافه بشرعية الإدارة السورية الجديدة حتى في المستقبل القريب على الأقل، وهو ما يفسر انتظارها التشكيلة الحكومية والإعلان الدستوري وغيرها من إجراءات لا يبدو أنها استطاعت تغيير رأي البيت الأبيض، وهو ما يفسر أيضاً رفضها تعليق بعض العقوبات التي تمكن سوريا من النهوض وتنتشلها من وضعها الصعب”.
لا تأثير على الشرعية
بينما اعتبر الكاتب والسياسي السوري درويش خليفة، أن ضبابية سياسة سوريا الخارجية، وعدم تقديمها الضمانات الكافية لدول الجوار القلقة من القادة الجدد المحسوبين على التيار الإسلامي، قد دفع بالإدارة الأميركية للضغط عليها دبلوماسياً.
ويستند خليفة في رأيه، على حراك تجمعات الضغط (لوبيات) في واشنطن، خلال الأسابيع الماضية، ومطالبتها إدارة الرئيس ترامب اتخاذ موقف حازم اتجاه الحكومة السورية، وتوضيح موقف إدارته وسياساتها اتجاه سوريا.
ويقول لـ”المدن”: “تمتلك إدارة ترامب طرقاً وأساليب أكثر صرامة وسطوة من الإجراء الإداري المبني على موقف سابق برفض الاعتراف بالسلطة السورية، وبالتالي فإن تأثير هذا القرار يعتمد على طريقة تلقي دمشق للرسالة، وتعاطيها مع المطالب والشروط التي تضعها واشنطن وحلفائها الأوربيين لتقديم الشرعية”.
خطوات للحل
ويضيف أن “المتوقع من الدولة السورية إعادة ترتيب أولوياتها وتبيان توجهاتها وسياساتها الخارجية، خصوصاً مع دول المنطقة، والعمل على تعزيز قنوات التواصل والزيارات لتبديد المخاوف القائمة، إضافة إلى توضيح نوع العلاقات مع الدول الغربية، بما يضمن تحصيل اعتراف رسمي يحقق انفراجة يلمسها السوريين، وما يتبعها من معالجة الأمور القانونية وتعيين سفراء وممثلين جدد”.
ويتفق السياسي فراس علاوي مع الشهادة السابقة، مشيراً إلى ضرورة فتح قنوات تواصل دبلوماسية مباشرة مع الإدارة الأميركية، والعمل على تعزيز التواصل عبر الوسطاء لتخفيف العقوبات الاقتصادية ورفع مستوى العلاقات بين البلدين.
ويقول علاوي لـ”المدن”، إن “القرار الأميركي يحمل وجهتي نظر، أولى متشددة تشير إلى استمرار رفض الاعتراف الأميركي وبالتالي المزيد من الضغط على السلطة السورية، بالنظر إلى ما قد يتبعه من عدم اعتراف أوروبي، وأخرى متفائلة تعتمد على التوصيف القانوني الذي اعتمدته الإدارة الأميركية”.
ومع ذلك، يؤكد علاوي على ضرورة تواصل الحكومة السورية مع حلفائها للضغط الدبلوماسي على واشنطن، لتخفيف موقفها السياسي وتقريب وجهات النظر، ومحاولة تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على السوريين، على أن تقترن هذه الخطوات بعمل فاعل لإيجاد صيغة توافقية بين المطالب الأميركية وما يمكن أن قدمه الحكومة الانتقالية.
وبحسب ما يجري تداوله، فإن ضمان الحريات وتوسيع مشاركة الأطراف السورية في العملية السياسية ومحاربة الإرهاب وتعزيز الأمن، من أبرز مطالب الإدارة الأميركية من سلطات دمشق لتطبيع العلاقات معها.
————————–
توقيت حساس وملفات معقدة.. ماذا تحمل زيارة الشرع الثانية لتركيا؟/ زيد اسليم
10/4/2025
أنقرةـ بعد أشهر قليلة من سقوط نظام بشار الأسد وصعود قيادة سورية جديدة، تتسارع خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق، بالتوازي مع تطورات إقليمية متسارعة، أبرزها التصعيد الإسرائيلي ضد الأراضي السورية.
ويزور الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، غدا الجمعة، تركيا للمشاركة في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، في زيارة هي الثانية له منذ توليه السلطة، وتندرج ضمن جولة إقليمية تهدف إلى تعزيز الدعم السياسي والاقتصادي لحكومته وسط ضغوط دولية متزايدة.
وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة نظرًا لتوقيتها الحساس وارتباطها بملفات أمنية وسياسية معقدة، في مقدمتها مستقبل شمال سوريا والتنسيق مع أنقرة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.
ملفات النقاش
ووفقًا لوسائل إعلام تركية، تتركز الزيارة على تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين الجانبين، إلى جانب دفع عجلة التعاون الاقتصادي. كذلك ستتطرق المباحثات إلى ترتيبات أمنية جديدة، من بينها احتمال إنشاء نقاط انتشار تركية داخل الأراضي السورية ضمن تفاهمات مشتركة قيد الدراسة.
ومن المتوقع مناقشة مصير قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ظل تقارير تفيد بنيّتها حلّ نفسها والاندماج ضمن الجيش السوري، في خطوة تمثل تحولا إستراتيجيا في خريطة النفوذ بشمالي وشمال شرقي سوريا.
وتأتي زيارة الرئيس السوري إلى أنقرة في وقت تشهد فيه الجبهة السورية تصعيدا ملحوظا، بعد سلسلة غارات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع في دمشق وحمص وحماة مطلع أبريل/نيسان الجاري.
ومن المرجح أن تتصدر هذه التطورات جدول مباحثات الشرع في أنقرة، وسط مساع سورية تركية لتنسيق المواقف في مواجهة التصعيد الإسرائيلي المتجدد.
ويحضر ملف اللاجئين السوريين بقوة على طاولة النقاش، فمع انتهاء حقبة الأسد وبدء عهد الشرع شهدت الأشهر الماضية عودة طوعية لنحو 145,639 لاجئا سوريا من تركيا إلى بلادهم، بحسب ما أعلن جودت يلماز نائب الرئيس التركي في مارس/آذار الماضي.
وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من مليون لاجئ سوري عادوا منذ مطلع عام 2025، في أكبر موجة عودة منذ اندلاع الحرب، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 3.5 ملايين خلال العام الحالي.
وهو ما يفرض تحديات مشتركة على أنقرة ودمشق، أبرزها تأمين الخدمات، وإعادة الإعمار في مناطق العودة، وضمان استقرارها الأمني لمنع حدوث فراغ.
وتشمل الملفات الأخرى مكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود، وقضية تقاسم مياه نهري دجلة والفرات، التي لطالما شكلت محورًا في العلاقات بين الجارتين.
واقع جديد
يرى الباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش أن زيارة الرئيس السوري إلى تركيا لا تُعد مجرد لقاء سياسي روتيني، بل تحمل أبعادًا إستراتيجية تعكس تحولا عميقا في العلاقات السورية التركية في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة.
ويُفسر علوش في حديثه للجزيرة نت أهمية الزيارة على 3 مستويات مترابطة:
تجسّد هذه الزيارة واقعًا جديدًا في العلاقة بين أنقرة ودمشق، بعد قطيعة دامت أكثر من عقد بسبب الأزمة السورية.
ترتبط الزيارة بأهمية بناء علاقة متينة بين الشرع وأنقرة، إذ يدرك الرئيس السوري الانتقالي حاجة بلاده لتحالفات إقليمية قوية تضمن لها الاستقرار والدعم.
تعكس الزيارة إدراك تركيا المتزايد لأهمية الانخراط المباشر في صياغة مستقبل سوريا، إذ باتت تعتبر نجاح المرحلة الانتقالية فيها مسألة أمن قومي.
وعلى الصعيد الدولي، يرى علوش أن تركيا لعبت دورا مؤثرا في تعزيز القبول الدولي بالإدارة السورية الجديدة، لكنه يشير إلى أن هذا الدور لا يزال محدود التأثير في ما يتعلق بملف العقوبات الغربية، مضيفا أن “أنقرة تحاول إقناع القوى الغربية برفع أو تخفيف العقوبات، لكن الأمر أكثر تعقيدًا مما يبدو”.
أما إقليميا، فيؤكد علوش أن أهمية التقارب السوري التركي تتعدى العلاقة الثنائية، لتصل إلى التأثير في موازين القوى الإقليمية، في ظل تراجع نسبي للدورين الإيراني والروسي، وتحضيرات أميركية للانسحاب من الساحة السورية.
ويخلص إلى أن العامل الإقليمي بات أحد أبرز المؤثرات في مسار التحول السوري، وأن مستقبل هذا التحول سيتوقف بدرجة كبيرة على قدرة الفاعلين الإقليميين على تحويل التنافس إلى شراكة، بدلًا من الانزلاق إلى صدامات تعمّق أزمات المنطقة.
تفاهمات محتملة
من جهته، يرى المحلل السياسي طه عودة أوغلو أن زيارة الشرع تأتي في توقيت بالغ الحساسية، في ظل التصعيد الإقليمي المتسارع، لا سيما بعد التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، والتصعيد اللافت في الخطاب التركي تجاه تل أبيب.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير عودة أوغلو إلى أن اللقاء المرتقب بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وأحمد الشرع قد يُفضي إلى تفاهمات جديدة بشأن خطوات مشتركة، سواء على صعيد الأمن الإقليمي، أو في إعادة صياغة الدور التركي في سوريا، مشددًا على أن نتائج اللقاء ستكون لها تداعيات مهمة على التحركات الإقليمية خلال المرحلة المقبلة.
كذلك يلفت إلى ما وصفه “بوضوح الموقف التركي” تجاه السياسات الإسرائيلية، مشيرًا إلى تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي أكد أن العلاقات مع إسرائيل ستبقى مجمدة، ولا مجال للتطبيع في ظل استمرار تل أبيب في زعزعة استقرار المنطقة.
ويشدد عودة أوغلو على أن أنقرة ترى في استقرار سوريا جزءًا من أمنها القومي، مضيفًا أن “نجاح الإدارة السورية الجديدة لا يُعد انتصارا لدمشق فقط، بل لأنقرة أيضًا. وسقوط الأسد أتاح فرصة حقيقية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي والدولي، في وقت تسعى فيه إسرائيل للإبقاء على الفوضى”.
ويختم بالقول إن احتمالات التصادم التركي الإسرائيلي في سوريا ستظل قائمة، خاصة مع استمرار الطموح الإسرائيلي بالتوسع الإقليمي، في مقابل رغبة تركية واضحة في ضبط الأوضاع وفرض التهدئة وتحقيق استقرار سياسي دائم في سوريا.
المصدر : الجزيرة
—————————–
هل غيرت الولايات المتحدة موقفها من الحكومة السورية؟/ طارق الشامي
لا تأكيد رسمياً لكن تغيير تصنيف بعثة دمشق في الأمم المتحدة ربما يكون ورقة ضغط
الخميس 10 أبريل 2025
قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركي تامي بروس يوم الثلاثاء الثامن من أبريل (نيسان) الجاري إن تشكيل الحكومة السورية، أو ما وصفته بـ”الهيئة الاستشارية”، شمل مجموعات إضافية في سوريا، لكنها اعتبرت أن هناك كثيراً مما كان يجب القيام به ولم يجر إنجازه بعد.
وفي ما بدا كنوع من الانتقاد وعدم الرضا، أشارت المتحدثة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تنتظر اتخاذ مزيد من الإجراءات لأن هناك توقعات لم تتحقق بعد.
على مدار أسبوع، امتد الجدل في الدوائر السياسية والإعلامية حول ما إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترمب غيرت موقفها من الحكومة الانتقالية في سوريا، بعدما خفضت الوضع القانوني للبعثة السورية لدى الأمم المتحدة في نيويورك من بعثة دائمة لدولة عضو إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من الولايات المتحدة، فما حقيقة هذا الإجراء الأميركي ودلالاته في هذا التوقيت، ولماذا لم يرافقه إعلان رسمي واضح من الخارجية الأميركية يشير إلى هذا التغيير؟
إجراء إداري أم سياسي؟
منذ الخميس الماضي نشرت مواقع صحافية وإعلامية عربية إخطاراً أرسلته الخارجية الأميركية إلى الوفد السوري في الأمم المتحدة يفيد بإلغاء واشنطن تأشيرات “جي 1” التي تمنحها عادة للدبلوماسيين الذين يمثلون حكومات معترف بها، واستبدلتها بتأشيرات “جي 3″، التي تمنحها للمواطنين الأجانب المعتمدين لدى المنظمة الدولية، ولكن حكوماتهم غير معترف بها من الولايات المتحدة، وفسرت بعض وسائل الإعلام العربية هذا الإجراء باعتباره دليلاً على تراجع الإدارة الأميركية عن الاعتراف بالحكومة السورية الموقتة.
وسائل الإعلام الأميركية لم تتطرق إلى الخبر ولم يرافقه أيضاً إعلان أو بيان رسمي صريح من السلطات الأميركية أو وزارة الخارجية يقول إن الإجراء يحمل هذا المغزى، ومع ذلك قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركي تامي بروس يوم الثلاثاء الثامن أبريل (نيسان) الجاري إن تشكيل الحكومة السورية أو ما وصفته بـ”الهيئة الاستشارية”، شمل مجموعات إضافية في سوريا، لكنها اعتبرت أن هناك كثيراً مما كان يجب القيام به ولم يجر إنجازه بعد.
وفي ما بدا كنوع من الانتقاد وعدم الرضا، أشارت المتحدثة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تنتظر اتخاذ مزيد من الإجراءات لأن هناك توقعات لم تتحقق بعد، ولذلك ستنتظر الإدارة الأميركية ما ستفعله الحكومة السورية، مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية تتوقع أن تلتزم دمشق بقانون حقوق الإنسان، والالتزام بالقوانين العامة لما يجب أن تكون عليه الحكومة اللائقة.
ورقة ضغط
وفيما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية قوله إن خطوة تغيير الوضع القانوني للبعثة السورية في نيويورك هي “خطوة فنية وإدارية بحتة، ولا تعكس أي تغيير في الموقف تجاه الحكومة الجديدة”، بدا الإجراء الأميركي كورقة ضغط على الحكومة السورية التي ترى الإدارة الأميركي أنها تأخرت كثيراً في تلبية طلباتها، على رغم أن واشنطن لم تذكر صراحة أنها تغير موقفها أو تعدله نتيجة هذا الاستياء.
وتأتي هذه الخطوة في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة من قبل أنها ستواصل مراقبة تصرفات السلطات الموقتة وتحديد خطوات أميركا المستقبلية بناء على تقييماتها، لا سيما في ما يتعلق بالعقوبات، في إشارة إلى أن أي تغيير في السياسة الأميركية يعتمد على سلسلة من الإجراءات، تشمل أيضاً نبذ الإرهاب وقمعه بصورة كاملة، واستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب الرسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية. وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستواصل مراقبة تصرفات السلطات الموقتة وتحديد الخطوات المستقبلية بناء على تقييماتها، لا سيما في ما يتعلق بالعقوبات.
كما تطالب الولايات المتحدة النظام السوري الجديد باتخاذ خطوات قابلة للتحقق لتفكيك أسلحة بشار الأسد الكيماوية، والمساعدة في استعادة المواطنين الأميركيين وغيرهم ممن اختفوا في سوريا، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية.
قلق مستمر
وتظهر كلمة سفيرة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية دوروثي كاميل شيا، قبل هذا الإجراء بأسبوع واحد، مدى قلق واشنطن تجاه عملية الانتقال السياسي المتأرجحة في سوريا، إذ أكدت أمام مجلس الأمن في الـ25 من مارس (آذار) الماضي دعمها “لعملية انتقال سياسي تثبت أن الحكم الرشيد غير الطائفي هو السبيل الأمثل لتجنب مزيد من الصراع”. وأعربت بوضوح في ذلك الوقت عن قلق الولايات المتحدة من أن إطار مسودة الدستور لا يسير في الاتجاه الصحيح، وأن واشنطن تراقب الاختيارات الخاصة بالمناصب الوزارية.
كما رحبت دوروثي شيا باتفاق الـ10 من مارس مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لدمج الشمال الشرقي في “سوريا موحدة”، ووصفت هذا الاتفاق بأنه “خطوة أولى متواضعة في السعي نحو سوريا مستقرة ومستقلة”، لكنها لم تخف التوجس من أنه لكي يكون هذا الاتفاق ذا معنى، يجب استكماله بتفاصيل تتضمن هيكلاً أمنياً موحداً للدولة يضمن ألا تشكل سوريا تهديداً خارجياً للدول المجاورة، وأن تكون قادرة على هزيمة تنظيم “داعش” المتمركز في سوريا أو غيره من الجماعات المتطرفة العنيفة، بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق السلام والأمن في المنطقة، وإلى سوريا مستقرة، خالية من النفوذ الخارجي، تحترم حقوق جميع السوريين، وتمنع الإرهابيين من استخدام ذلك البلد منصة لهم.
وخلال عطلة عيد الفطر، حذرت وزارة الخارجية الأميركية مواطنيها من تزايد احتمال وقوع هجمات والتي قد تستهدف السفارات والمنظمات الدولية والمؤسسات العامة السورية في دمشق عبر هجمات أفراد مسلحين أو باستخدام عبوات ناسفة، كما أصدرت وزارة الخارجية الأميركية أيضاً تحذيراً في شأن السفر إلى سوريا من المستوى الرابع الذي يحظر السفر، بسبب ما وصفته بالأخطار الكبيرة المتمثلة في الإرهاب، والاضطرابات المدنية والاختطاف واحتجاز الرهائن والصراع المسلح والاحتجاز غير العادل.
تدخل مطلوب
وعلى رغم ذلك يبدو أن الولايات المتحدة لا تكتفي بدور الناصح الأمين وإنما تتدخل احياناً وتقدم مطالبها أو شروطها للحكومة السورية مثلما قدمت مجموعة من الشروط كي تخفف العقوبات جزئياً، بما في ذلك مطلبها بعدم تولي أي مواطن أجنبي مناصب عليا في الحكومة، وهو ما نقلته ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد المشرق وسوريا، إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال اجتماع على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في الـ18 من مارس الماضي، مما شكل أول تواصل مباشر رفيع المستوى بين واشنطن ودمشق منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025. ولهذا ربما تشهد العلاقة تحولاً من الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على تواصل مباشر مع القيادة السورية للتأثير في قراراتها المتعلقة بحماية الأقليات، والتنمية الاقتصادية والقضايا الأمنية، لأن تجاهل المجتمع الدولي للقيادة السورية الجديدة بصورة تامة من شأنه أن يسمح للقوى الإقليمية بفرض مستقبل البلاد وفق شروطها الخاصة.
وإذا كان الرئيس ترمب أبدى انتقاداً مبطناً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما في البيت الأبيض يوم الإثنين الماضي، معتبراً أنه لا يستخدم أسلوباً عقلانياً في تصرفاته حيال سوريا، ربما يكون من المناسب الآن أن تعمل الولايات المتحدة على الاستعداد لتحول سوريا إلى دولة فاشلة عبر تجنب أسوأ الاحتمالات، إذ تترنح سوريا على أرض مجزأة تفتقر إلى حكومة فعالة وتخضع لسيطرة مصالح أجنبية، ولهذا يجب على واشنطن رفض الخيار الزائف بين الاعتراف الكامل بالحكومة السورية الموقتة أو الانسحاب الكامل، وبدلاً من ذلك يتطلب الأمر أن تنخرط بانتقائية، فتمارس الضغط عند الضرورة، وتقدم الحوافز عند الحاجة.
ملامح تحول
وبينما يبدو التحرك الأميركي محدوداً وبطيئاً ومتردداً، فإن ملامح تحول قليلة بدأت تظهر خلال الأسابيع الأخيرة وفقاً لتقرير نشرته لجنة خدمات الكونغرس الأميركي في الـ13 من مارس الماضي كتبه المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، كريستوفر بلانشارد، الذي أشار إلى أن الجيش الأميركي الذي حذر في عام 2024 من احتمال عودة ظهور فلول “داعش” في سوريا، استهدف عشرات الأهداف التابعة لـ”داعش” والقاعدة في سوريا منذ ديسمبر (كانون الأول) 2024، كما تواصل مسؤولون أميركيون مع قادة سوريا الموقتين لمناقشة خطط الأمن والتعافي والانتقال، على رغم ما صرح به الرئيس ترمب بأن المصالح الأميركية في سوريا محدودة، وأنه سيقرر مستقبل الوجود العسكري الأميركي هناك.
ومن علامات التحول أيضاً ما أفادت به وكالات الأمم المتحدة وشركاء التنفيذ الأميركيين من إعفاءات أميركية للمساعدات المنقذة للحياة، والتراخيص العامة للسماح ببعض المعاملات في سوريا بموجب العقوبات الأميركية بعد أن تسببت التغييرات الأخيرة في سياسة المساعدات الخارجية الأميركية في اضطرابات كبيرة في المبادرات التي تمولها الولايات المتحدة في سوريا، بما في ذلك دعم مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والبرامج الإنسانية.
لا تغيير في الأمم المتحدة
وفي حين توحي الإجراءات الأميركية الأخيرة في شأن خفض الوضع القانوني للبعثة السورية في نيويورك، بأنها ورقة ضغط إضافية على الحكومة السورية، إلا أن هذا الإجراء لم يغير من وضع الجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة بحسب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الذي أوضح أن مسألة العضوية تخضع للميثاق، ومسألة الاعتراف من اختصاص الحكومات.
ووفقاً للمتحدث الأممي، فإن قرار الدولة المضيفة بتغيير تأشيرات أعضاء البعثة الدائمة للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة لا يؤثر في مكانة سوريا داخل الأمم المتحدة، كما أنه لا يؤثر في مشاركة الأعضاء الدائمين في أعمال الأمم المتحدة ويسمح لهم باستمرار القيام بمهماتهم المتعلقة بعملهم مع الأمم المتحدة.
——————————————–
غزّة على خريطة الحلّ السوري… كيف تحوّلت سوريا إلى رقعة شطرنج إقليمية؟/ سركيس قصارجيان
تحوّلت سوريا بسبب الحرب الطويلة إلى ساحة للتنافس الإقليمي بين القوى الكبرى والفاعلين المحليين، وقد أطلق سقوط بشار الأسد سباقاً محموماً بين تركيا وإسرائيل لتعزيز نفوذهما في البلاد وفق رؤى استراتيجية متضاربة.
تحوّلت سوريا بسبب الحرب الطويلة إلى ساحة للتنافس الإقليمي بين القوى الكبرى والفاعلين المحليين، وقد أطلق سقوط بشار الأسد سباقاً محموماً بين تركيا وإسرائيل لتعزيز نفوذهما في البلاد وفق رؤى استراتيجية متضاربة.
وتسعى أنقرة إلى فرض هيمنة سياسية وعسكرية وأداء دور محوري في إعادة الإعمار، فيما تعتبر تل أبيب تمدّد تركيا تهديداً لأمنها، محذّرة من خطورة وصول النشاط العسكري التركي إلى قرب حدودها.
وفي خضم هذا الصراع، تبرز جهود أميركية للوساطة، ومبادرات لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، وترحيل سكان غزة إليها كحل توافقي بين الأطراف المتنازعة ربما.
اختلاف الأولويات لدى الحليفين
كشفت الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على قاعدة T-4 قرب تدمر عن استراتيجية إسرائيلية جديدة باتت تركز على ردع القوات التركية من التمركز في قلب البلاد، في ظل اختلاف في الأولويات مع الولايات المتحدة التي تركز على التعاون مع تركيا، ما يعرقل التنسيق الثنائي ويدفع بتل أبيب إلى رسم خطوط حمراء أحادية الجانب لردع تهديدات أنقرة المحتملة.
ويضع الإصرار التركي على إنشاء قواعد دائمة في سوريا قدرة ترامب على الموازنة بين دعم الحليفين أمام اختبار حقيقي، في ظل احتمالات التصعيد العسكري العلني أو السري من قبل تل أبيب.
وتسعى واشنطن للحفاظ على تركيا كحليف ضمن “الناتو” ومنع تقاربها مع روسيا، لكن مع ضمان أمن إسرائيل. وتفضل أنقرة لاحتواء النفوذ الإيراني دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، في ظل توافق روسي ضمني على تحركات تركيا في سوريا، بما في ذلك نشر منظومةS-400، ما يدل على استراتيجيتها في استغلال التنافس الإقليمي لتحقيق مكاسب جيوسياسية.
وتقف أميركا في موقع متوسط بين انهيار دراماتيكي في سوريا وصراع مفتوح بين تركيا الحليف في “الناتو”، وإسرائيل الشريك الاستراتيجي. وفيما تتفق مع تل أبيب على ضرورة تقليص الدور الإيراني في سوريا، تختلف مع أنقرة بشأن كيفية تحقيق ذلك.
مفاوضات تركية – إسرائيلية
تتضمّن خطط أنقرة بشأن قاعدة T-4 ومطار حماه نشر طائرات مسيّرة مسلّحة للعمليات الاستخبارية والهجومية، وتركيب نظام الدفاع الجوي “حصار” المطوّر محلياً، ونقل نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 ضمن استراتيجية ترسيخ وجودها العسكري في شمال سوريا، وفي الوقت ذاته التخلّص من عبء اقتناء المنظومة الروسية التي أدّت إلى إقصائها من برنامج تطوير وامتلاك مقاتلات “إف-35” الأميركية الأحدث.
وتشكّل سوريا بالنسبة إلى الأتراك بوابة رئيسية نحو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يدفعها لتبنّي استراتيجية مزيج بين الخطوات العسكرية من خلال نشر المزيد من القوات والقدرات العسكرية في الجغرافيا السورية والتمدد جنوباً، بالتزامن مع دمج الميليشيات الموالية لها، مثل “الجيش الوطني السوري”، في هيكل الدولة السورية الجديدة، والسياسة القائمة على دعم الشرعية والدفع باتجاه سلطة مركزية تعزز هيمنتها وشراكتها الرئيسية في إعادة الإعمار، مستغلةً علاقاتها مع الفصائل المحلية لضمان عقود إعمار مربحة.
في المقابل، ترى إسرائيل في التوسع التركي خطراً مزدوجاً، يهدد تفوّقها الجوي ويقيّد قدرتها على ضرب الأهداف داخل سوريا، وفي الوقت ذاته يؤسس لاستبدال تهديد الميليشيات الإيرانية لأمنها بخطر الجماعات الإسلامية المدعومة تركياً، وتحويل جنوب سوريا إلى منطقة نفوذ تركية، ما يهدد أمن حدودها.
على وقع هذه المخاطر، انخرطت كل من إسرائيل وتركيا في مفاوضات مباشرة لتفادي صدام عسكري محتمل، وذلك عقب الضربات الجوية الإسرائيلية التي تزامنت مع الخطط التركية لإرسال فرق فنية لتقييم حالة بعض القواعد وإعادة تأهيلها.
وأفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحكومته بأن أمام إسرائيل إطاراً زمنياً محدوداً لضرب هذه القواعد قبل نشر الأصول العسكرية التركية، إذ إنه بمجرد أن تنشر تركيا معدات عسكرية مثل الطائرات المسيّرة أو أنظمة الدفاع الجوي، ستتجنب إسرائيل تنفيذ أي هجمات لتفادي المواجهة المباشرة.
وأصدرت الدولتان تصريحات متزامنة تؤكد رغبتهما في تجنب التصعيد، في استمرار للتنسيق غير المعلن خلف الكواليس. وفيما شددت أنقرة على سعيها لـ”الاستقرار” في سوريا، كررت إسرائيل تمسكها بحقها في الدفاع ضد التمركز الإيراني، دون توجيه انتقادات مباشرة لتركيا، ما يعكس نجاح الوساطة الأميركية في إرساء تفاهم ضمني لتحقيق استقرار نسبي رغم تضارب المصالح.
4 مناطق نفوذ وتوطين للغزيين
وتتضمن الخطة الأميركية لنزع فتيل صدام مستقبلي بين الحليفين إنشاء خط اتصال عسكري مباشر، وتقسيماً غير رسمي للنفوذ في سوريا، يقبل بتوسيع تركيا لوجودها العسكري في شمال البلاد وصولاً إلى حماه مقابل حفاظ إسرائيل على منطقة عازلة تمتد إلى حدود ريف العاصمة السورية دمشق الجنوبية، بالتزامن مع استمرار الوجود الأميركي في الشرق من خلال “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) والفصائل السورية في التنف التي توسّعت وصولاً إلى مطار الضمير العسكري، والإبقاء على القواعد الروسية في الساحل غرباً.
وبذلك، تتحول القوات العسكرية التابعة للجيش السوري الجديد إلى ما يشبه قوات مكافحة الإرهاب بمعدّات بسيطة دون امتلاكها لأسلحة نوعية أو قادرة على تغيير التوازنات الميدانية.
وتداولت حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي خططاً غير مؤكدة رسمياً لترحيل مئات الآلاف من سكان قطاع غزة إلى سوريا كحل “إنساني” و”سياسي”، بدعم من تل أبيب التي ترى في ذلك فرصة لتخفيف الضغط الديموغرافي والأمني، وأنقرة التي تساوم على موافقتها مقابل ضمانات بزيادة نفوذها في سوريا، ودمشق التي قد تستخدم اللاجئين الغزيين كورقة ضغط دولية للتخلص من العقوبات الخانقة لاقتصادها والحصول على اعتراف أميركي وبالتالي دولي بشرعيتها.
ويبدو تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ احتمالاً قائماً، وإن كان محفوفاً بالمخاطر، فيما تظهر فكرة ترحيل الغزيين إلى سوريا كأداة ضغط سياسي أكثر منها حلاً عملياً. وفي كلتا الحالتين، فإن تحقيق استقرار في سوريا بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بإعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية برمتها
النهار العربي
——————————-
السفراء على قائمة الانتظار.. لماذا لم تغير الإدارة السورية ممثليها في الخارج؟/ أحمد العكلة
10 أبريل 2025
رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على تولي الإدارة الجديدة زمام السلطة في سوريا، لا تزال التمثيليات الدبلوماسية في الخارج تحتفظ بمعظم سفرائها المعينين في عهد النظام السابق.
هذا الجمود في ملف التغييرات الدبلوماسية يثير تساؤلات متزايدة حول مدى قدرة الحكومة الجديدة على فرض إرادتها في مؤسسات الدولة، وحول طبيعة التوازنات السياسية التي تحكم المشهد السوري في مرحلة ما بعد الأسد.
لقد بقي عدد كبير من السفراء في مواقعهم، بل واستمروا في ممارسة مهامهم دون تغييرات جوهرية في الخطاب أو التوجه، ما دفع البعض إلى التساؤل: هل تعجز الحكومة فعلًا عن استبدالهم؟ أم أنها لا تريد فتح هذا الملف في الوقت الحالي؟
بدوره، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إنه “بتوجيهات من الرئيس أحمد الشرع، شرعنا في إعادة هيكلة سفاراتنا وبعثاتنا الدبلوماسية بما يضمن تمثيلًا مشرفًا للجمهورية العربية السورية وتقديم خدمات متميزة للمواطنين السوريين في الخارج”.
إرث النظام وأجهزة الدولة العميقة
يُنظر إلى السلك الدبلوماسي السوري على أنه من أكثر القطاعات التي كانت تخضع للرقابة والتوجيه السياسي في عهد النظام السابق، حيث لم يكن السفير مجرد موظف دولة، بل في كثير من الأحيان ممثلًا أمنيًا وسياسيًا للنظام في الخارج. من هنا، كان من المتوقع أن تسارع الحكومة الجديدة إلى إجراء تغييرات واسعة ضمن هذا الجسم، بما يعكس التحول السياسي الذي تشهده البلاد، ويبعث رسائل واضحة إلى المجتمع الدولي.
كشف السفير السوري الأسبق في السويد، بسام العمادي، في حديث لـ”الترا سوريا”، عن الخلل القانوني والإداري الذي يحيط بملف السفراء والدبلوماسيين السوريين في الخارج، مؤكدًا أن معظمهم ما زالوا يشغلون مناصبهم رغم انتهاء ولايتهم القانونية، بسبب تقاعس القيادة السياسية عن اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد سقوط النظام السابق.
وقال العمادي إن “الإجراء القانوني المتبع لتغيير السفراء يتم عبر إصدار مرسوم من رئيس الجمهورية يُرسل من القصر الجمهوري إلى وزارة الخارجية، وذلك بناءً على اقتراح من الوزارة بعد انتهاء ولاية السفير التي تكون عادةً لمدة خمس سنوات”. وأضاف: “الوزارة تقوم بإبلاغ السفارة بانتهاء مهام السفير من خلال برقية سرية مشفرة، ويُطلب من السفير ترتيب موعد وداعي مع رئيس الدولة المضيفة قبل عودته إلى سوريا”.
وتابع السفير الأسبق: “في الحالة السورية الراهنة، كان من المفترض أن يطلب وزير الخارجية من السفراء العودة إلى دمشق للتشاور، لكن هذا لم يحدث. من المفارقات أن الوزير نفسه لا يملك صلاحية إصدار قرار بعودة السفير بشكل مباشر”.
وأشار العمادي إلى أن “أوراق اعتماد السفراء المعينين من قبل النظام السابق تنص على انتهاء ولايتهم بسقوطه، ما يعني أن وجودهم الحالي غير قانوني، ومع ذلك لم يُطلب منهم العودة، دون تفسير واضح لهذا الإبقاء المتعمد”.
وأوضح أن “معظم هؤلاء السفراء والدبلوماسيين ينتمون إلى عائلات رؤساء الأجهزة الأمنية في النظام السابق، وكانوا من أشد المعادين للثورة، واصفين الثوار بالإرهابيين، ويقومون حتى الآن بأعمال تضر بالسوريين في الخارج”.
وساق العمادي مثالًا على ذلك بسفارة سوريا في مسقط، حيث قال إن “الجوازات هناك تتأخر لأشهر بشكل متعمد، لإرباك السوريين والادعاء بأن القيادة الجديدة غير مؤهلة، علمًا بأن جميع الدبلوماسيين العاملين في السفارة من أقرباء ضباط النظام السابق”. كما أشار إلى “تورط عدد من الدبلوماسيين في تنظيم مظاهرات ضد القيادة الجديدة في أوروبا، بحسب ما ورد في تقارير صحفية موثوقة”.
واعتبر العمادي أن “إعادة هيكلة السلك الدبلوماسي لا تحتاج لتدخل أي جهة خارجية، فهي من صلاحيات وزارة الخارجية، التي يمكنها ببساطة إصدار برقيات تطلب من السفراء العودة إلى دمشق، وتكليف دبلوماسيين محايدين بمهام قائم بالأعمال مؤقتًا”.
وحذر العمادي من أن “وزارة الخارجية تتجه نحو تهميش وإقصاء الدبلوماسيين المنشقين وذوي الكفاءات، الذين يمكن أن يشكلوا ركيزة أساسية في إصلاح الوزارة وتدريب الكوادر الجديدة”، مضيفًا: “العديد من القائمين اليوم على العمل في الوزارة يحملون شهادات في العلاقات الدولية، لكنهم يفتقرون إلى الخبرة المهنية والدبلوماسية العملية، وهذا يهدد مستقبل العمل الخارجي السوري”.
وختم السفير السابق بالقول: “المطلوب اليوم هو الاستعانة بخبراء حقيقيين في العمل الدبلوماسي، لتأهيل دبلوماسيين جدد قادرين على تمثيل سوريا الجديدة بمهنية واقتدار”.
حسابات داخلية وتوازنات دقيقة
في المقابل، يرى مراقبون أن المسألة لا تقتصر على الصعوبات الإدارية أو القانونية، بل تتعداها إلى حسابات سياسية دقيقة داخل الائتلاف الحاكم نفسه. فبعض السفراء، رغم ارتباطهم بالنظام السابق، لديهم علاقات واسعة مع أطراف دولية مؤثرة، وقد يشكل استبدالهم مخاطرة في مرحلة يسعى فيها الشرع إلى تثبيت الاعتراف الدولي بحكومته.
في حديث لـ “الترا سوريا”، يوضح الدكتور طالب الدغيم، الباحث السوري المتخصص في التاريخ العربي والمهتم بالقضايا السياسية والاجتماعية، مجموعة من النقاط القانونية والسياسية المتعلقة بملف تغيير السفراء السوريين بعد التغيرات الأخيرة في بنية السلطة.
يؤكد الدغيم أن “عملية التغيير داخل السفارات والبعثات الدبلوماسية السورية بدأت من خلال أوامر تصدرها رئاسة الجمهورية إلى وزارة الخارجية، ويتم عادة تعيين السفراء أو إعفاؤهم بموجب مرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، وذلك وفقًا للدستور أو الإعلان الدستوري المعمول به”.
ويتابع: “بعد إصدار القرار، تُبلغ وزارة الخارجية السورية الدولة المضيفة عبر مذكرة دبلوماسية رسمية، ويتم طلب موافقتها على السفير الجديد. وهذا ما يُعرف بمبدأ الاعتماد الدبلوماسي، إذ لا يمكن لأي سفير ممارسة مهامه دون موافقة الدولة المستقبلة، والتي قد ترفض أحيانًا منح الاعتماد لأسباب سياسية أو قانونية”.
أسباب التأخير
وفيما يخص تأخير تبديل عدد من السفراء رغم ارتباطهم بالنظام السابق، يوضح الدغيم أن “أحد أبرز الأسباب هو التأخر في تشكيل الحكومة الانتقالية، بالإضافة إلى عدم وجود اعتراف دولي شامل بالسلطة البديلة، ما خلق تخوفًا من حدوث فراغ دبلوماسي قد يضر بالخدمات القنصلية المقدمة للمواطنين السوريين في الخارج”.
ويضيف: “هناك أيضًا تحدٍ يتعلق بتوفير كوادر دبلوماسية بديلة مؤهلة وقادرة على تمثيل الدولة الجديدة بشكل فعال ومنظم”.
ويؤكد الدغيم أن “تغيير السفراء يتطلب تنسيقًا قانونيًا مع الدول المضيفة، وفقًا للأعراف الدبلوماسية الدولية واتفاقية فيينا”، مشيرًا إلى أن “العقوبات الأميركية والأوروبية قد تُشكل عائقًا إضافيًا، إذ قد تُدرج بعض الشخصيات المقترحة ضمن قوائم العقوبات، ما يدفع بعض الدول إلى رفض منحها الاعتماد”.
وفيما يتعلق بالسفراء الذين وُجهت إليهم اتهامات بابتزاز سوريين في الخارج، يشدد الدغيم على أن “الحكومة الانتقالية، ممثلة بوزارة الخارجية، مطالبة بتوثيق هذه الانتهاكات قانونيًا، وإصدار قرارات رسمية بسحب صلاحيات السفراء المتورطين، حتى وإن استمر اعتمادهم مؤقتًا في الدول المضيفة”.
ويتابع: “يجب أيضًا تقديم أدلة واضحة على الانتهاكات، والمطالبة بتجميد نشاطاتهم أو طردهم، وفقًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. كما أن من الضروري فضح ممارساتهم إعلاميًا، وطلب تحقيقات من قبل منظمات دولية وحقوقية، بما يتيح للضحايا تقديم شهاداتهم وحماية حقوقهم، وملاحقة المتورطين في الفساد لاحقًا”.
بين التكتيك والتردد
ثمة من يرى أن إدارة الشرع تتبع تكتيك “التريث المرحلي”، أي تأجيل التغييرات إلى حين استكمال ملفات أكثر إلحاحًا على المستوى الداخلي، كإعادة هيكلة الجيش والأمن، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وفرض السيطرة على مراكز القرار في العاصمة. ووفق هذا الطرح، فإن ملف السفراء سيُفتح في لحظة سياسية مناسبة، بعد ضمان تماسك الجبهة الداخلية واستكمال شروط الاعتراف الخارجي الكامل.
لكن هذا التريث لا يخلو من مخاطرة. فالإبقاء على وجوه دبلوماسية ارتبطت بمرحلة القمع والعزلة الدولية، قد يُضعف من مصداقية الحكومة الجديدة، ويعزز من الانطباع بأنها غير قادرة على كسر إرث النظام السابق.
الترا سوريا
—————————————
البلد لا يُشبهنا؟ حسنًا فلنشبهه نحن/ رائد وحش
10 أبريل 2025
حدث هذا من قبل. كثيرون فعلوه. وفي كل مرة يعود فيها إلى الواجهة، يُصرّ على أن يبدو جديدًا بالكامل.
مؤخرًا، صبّ كثيرون سخطهم على سوريا إثر ما تشهده من مذابح طائفية يقابلها احتفاء وتبرير من شرائح ليست قليلة من السوريين. وفي غمرة هذا المشهد اللامعقول، وجد البعض لحظة مناسبة للتخلي عن سوريا، فثمة من أعلن البراءة منها، وثمة من قال إنه لن يعود إليها، وكل ذلك ردّ فعل على ما فيها من خراب نفسي وإنساني. ولم يكن هذا الشعور ليوجد، ولا ليُعلن حتى، لو أنّ مسألة الانتقال السياسي/الديمقراطي تمت في البلاد بسلاسة ودون دم.
ولأنّ هذا تعبير عن نمط يتكرر في سلوك كثير من المثقفين عندما يتعلق الأمر بالانتماء، تغدو الوقفة ضروريّة أمام جر الانتماء إلى أن يصبح انتقائيًا، حيث يُمنح في لحظة الشرف ويُسحب في لحظة العار.
في الحالة السورية، لم يتغيّر البلد جغرافيًا، فلا تزال الجبال والسواحل والأنهار في مكانها، ولا تزال ذكرى المنازل المهدمة والأحياء المزالة من الوجود ثابتةً في أفئدة أصحابها، وما تغيّر هو المعنى الذي تمثله سوريا، حيث وصلنا إلى بلد الطائفية والتشظي والانقسام، ولم نعد في بلد الثورة والحرية والدفاع عن الكرامة، وهو مآل منطقي في الحقيقة في بلد خارج من دكتاتورية تُعد بين الأفظع في العصر الحديث.
لا يُشترط في الانتماء إلى بلد أن يكون مريحًا أو مشرّفًا دائمًا. فهناك بلدان تمر بكوارث سياسية أو حروب أهلية، وفي كل الظروف يكون الانتماء راسخًا رغم مرارته عند شعوبها، أو كلفته الباهظة في حياتهم، سواء عاشوا في دولهم أو في المنافي.
من هؤلاء نتعلّم أنّ الانتماء ليس جائزة يمنحها الفرد لنفسه عندما تكون ظروف البلد ملائمة، وعقابًا ينزله على نفسه عندما تظلم الآفاق، لكنه مسؤولية تجاه التاريخ والمبادئ.
لا يقيس الفلسطينيون انتماءهم بوجود “فتح” أو “حماس”، أو بانقسامات الصفة الغربية وقطاع غزة. ولا يتخلى الأميركيون التقدميون عن التزاماتهم لمجرد أن ترامب وصحبه العنصريين سيطروا على مقاليد الأمور في الولايات المتحدة. جميع هؤلاء يدركون أن الانتماء يكمن في مواجهة ما لا يُعجبنا، وليس مجرد أخذ سلبي لما يعجبنا.
يعيد هؤلاء إنتاج منطق الخصخصة النيوليبرالية، لا للثروة فقط، بل للهوية نفسها، حين يحولونها إلى سلعة فردية تُقتنى أو تُستبعد، بحسب الراحة النفسية أو الانسجام المزاجيّ.
كان سهلًا على كثير من أصحاب التخلي اليوم أن ينتموا إلى سوريا في لحظة الثورة، بسبب الهالة السحرية للتحدي والرفض، وبسبب الطاقة الأخلاقية لوضوح المشهد: شعب مقابل طاغية. وكذلك لوضوح المفاهيم: حرية في مواجهة استبداد.
ومع تكشّف التناقضات، وانقلاب الضحية إلى موقع البطش، وانفلات الهويات القاتلة، يصبح الانتماء أصعب وأشق. وهنا تحديدًا نجد صلابة مبادئنا أمام اختبار حقيقي. فمن يتخلى في مثل هذه اللحظة ينتمي إلى وهم لا أفكار، إلى لحظة لا قضية، إلى صورة لا واقع.
من حق أي أحد أن يصاب باليأس، لكنّ العمل من واجب الجميع، لأننا لا نطالب بالانتماء العاطفي لأوطان تُذلنا، لكن بالانتماء الواعي والنقدي الذي لا يُبرّر ولا يُجمّل، بل يواجه ويعترض. انتماء يقوم على الاعتراف لا الافتخار، على العمل لا الراحة.
من حقنا اليأس والابتعاد والغضب. من حقنا الصمت مدة من الزمن. لكن ليس من حقنا تحويل ذلك إلى قطيعة كاملة، أو اشتراطًا ليُعاد تشكيل الانتماء على مقاس مزاجنا الشخصي.
لن نحاكم من تألم، ولا نُزايد على من انهار، لكن من واجبنا أن نتذكر أن مهمة المثقف لا تنتهي عندما يصبح الوطن قبيحًا، بل هذه بالتحديد فرصة لها كي تبدأ، لأنّ التحدي والصعوبة هما من يجعلان من الانتماء فعلًا واعيًا لا شعورًا طارئًا.
ليس علينا أن نُحب بلادنا كما هي، بل أن نكون مستعدين دومًا لأجل العمل على أن تتقدم وتصبح ما نشتهي، لأن الانتماء الحر والواعي في جوهره قائم على علاقة تحويلية، أساسها التفاعل لا الانصياع، وما يعطينا قيمة أمام انتماءاتنا هو قدرتنا على المساهمة في إعادة تشكيل هوياتنا كسرديات مفتوحة على كل الاحتمالات، وليس بوصفه حتمية قدرية.
————————
نيويورك تايمز: ضعف السيطرة على السجون يعيد شبح داعش إلى الواجهة في سوريا
9 أبريل 2025
حذّرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، في تقرير جديد، من تصاعد خطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، في ظل التقارير التي تتحدث عن ارتفاع عدد الهجمات التي تبنى تنفيذها العام الماضي، وسط مخاوف أميركية ودولية من تمكّن التنظيم من تحرير آلاف المقاتلين الذي يقبعون في السجون في شمال شرق سوريا.
وفقًا لـ”نيويورك تايمز”، أكد مسؤولون في الأمم المتحدة والإدارة الأميركية أن تنظيم “داعش” أظهر مؤشرات متجددة على استعادة نشاطه في سوريا، من خلال استقطاب مقاتلين جدد وزيادة عدد هجماته خلال العام الماضي، مما يرفع من مستوى التهديد بعد سقوط الرئيس بشار الأسد في بلد يشهد أصلًا حالة من عدم الاستقرار.
وأضافت الصحيفة في تقرير لها، اليوم الأربعاء، أنه رغم أن التنظيم لا يزال بعيدًا جدًا عن قوته التي بلغها قبل عقد من الزمن، عندما كان يسيطر على شرق سوريا ومساحات واسعة من شمال العراق، إلا أن الخبراء حذّروا من احتمال تمكنه من تحرير آلاف من مقاتليه القدامى المحتجزين في سجون تُشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة.
مخاوف دولية من عودة قوية لـ”داعش”
وتدور تحذيرات المحللين والخبراء، وفقًا للصحيفة الأميركية، حول المخاوف من أن عودة قوية لـ”داعش” قد تقوّض لحظة نادرة تبدو فيها سوريا وكأنها على أعتاب الخروج من حقبة الديكتاتورية الوحشية، وقد تمتد تداعيات هذا التهديد إلى نطاق أوسع، ناشرًا مزيدًا من الاضطراب في أنحاء الشرق الأوسط، إذ سبق للتنظيم أن استخدم سوريا قاعدة لتخطيط وتنفيذ هجمات ضد دول الجوار، وحتى في أوروبا.
وتشير الأرقام إلى أنه يقبع بين تسعة وعشرة آلاف مقاتل من تنظيم الدولة، إضافة إلى نحو 40 ألفًا من أفراد عائلاتهم، في معتقلات شمال شرق سوريا، وترى “نيويورك تايمز” أن في حال حصلت عملية هروب جماعي، فلن يقتصر الأمر على تعزيز أعداد مقاتلي التنظيم، بل سيشكل أيضًا نصرًا دعائيًا كبيرًا.
وتعليقًا على ذلك، يصف رئيس قسم الأبحاث في مجموعة “صوفان” الاستخبارية الدولية، كولين كلارك، هذه السجون والمخيمات بأنها “جوهرة التاج التي يسعى إليها تنظيم الدولة”، لافتًا إلى أن “هناك يوجد المقاتلون المخضرمون، ذوو الخبرة القتالية. وإذا فُتحت تلك السجون، فإن القيمة الدعائية وحدها ستكون كافية لدعم حملات التجنيد لأشهر”.
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أن كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركية قدموا الشهر الماضي إلى الكونغرس تقييمهم السنوي للتهديدات العالمية، والذي خلص إلى أن “داعش” سيحاول استغلال انهيار نظام الأسد لتحرير السجناء واستعادة قدرته على التخطيط والتنفيذ لعمليات جديدة.
واشنطن تسعى إلى شراكة متبادلة مع الحكومة السورية
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أواخر العام الماضي عن مضاعفة عدد قواتها في سوريا ليصل إلى نحو 2,000 جندي، في الوقت الذي ساعدت ضرباتها المتكررة خلال الأشهر الأخيرة على معاقل التنظيم في الصحراء السورية على احتواء التهديد الفوري.
ونوهت “نيويورك تايمز” في تقريرها إلى أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عبّر سابقًا عن شكوكه بشأن الإبقاء على القوات الأميركية في سوريا، فيما تُثير سلسلة تطورات أخرى في البلاد قلق الخبراء، وهو ما يُنظر إليه على أنه قد يُسهل على التنظيم إعادة تجمّع مقاتليه.
وتأمل الولايات المتحدة أن تصبح الحكومة السورية الجديدة، التي تقودها جماعة “هيئة تحرير الشام”، شريكًا في مواجهة عودة “داعش”، بحسب الصحيفة الأميركية، مضيفة أن مؤشرات أولية أظهرت تعاون إيجابي بين الطرفين.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن مصادر عسكرية أميركية رفيعة المستوى، تحدّثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن “تحرير الشام” أحبطت ثمانية مخططات لـ”داعش” في دمشق بناء على معلومات استخباراتية أميركية.
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن أعمال العنف ذات الطابع الطائفي التي اندلعت الشهر الماضي، وأسفرت عن مقتل مئات المدنيين، أظهرت أن الحكومة تفتقر إلى السيطرة الكاملة على بعض القوى التي يُفترض أنها تحت قيادتها، وأضافت أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت تملك القدرة الكافية لمواجهة “داعش”.
التنظيم لا يزال ينشر الأيديولوجيا المتطرفة
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإنه رغم فقدان “داعش” لمعظم الأراضي التي كان يسيطر عليها، إلا أن التنظيم لا يزال ينشر الأيديولوجيا المتطرفة عبر خلايا سرية وفروع إقليمية خارج سوريا، وكذلك عبر الإنترنت، حيثُ كان وراء عدد من الهجمات التي استهدفت إيران وروسيا وباكستان خلال العام الماضي.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، تحدّث دون كشف هويته عن معلومات لم تُنشر بعد، إن “داعش” تبنى 294 هجومًا خلال عام 2024، مقارنة بـ121 في عام 2023. أما لجنة مراقبة “داعش” التابعة للأمم المتحدة، فقد قدّرت عدد الهجمات بنحو 400، في حين أشار مراقبون حقوقيون سوريون إلى أن العدد قد يكون أعلى من ذلك، وفقًا لـ”نيويورك تايمز”.
كما تشير تقارير من جماعات حقوقية ومسؤولين عسكريين أميركيين إلى أن وتيرة الهجمات خلال العام الحالي تبدو أبطأ حتى الآن، وأرجعت ذلك جزئيًا إلى حملة القصف الأميركية الأخيرة التي استهدفت مقاتلي “داعش”، لكن لا يزال الوقت مبكرًا، والوضع يُوصف بأنه “على حافة الهاوية”.
وقال الزميل في معهد واشنطن، هارون زيلين، إن أبرز التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة حاليًا تتمثل في بقايا النظام السابق وتوغلات تركيا داخل الأراضي السورية، محذرًا في الوقت ذاته من أن “داعش” يُشكل تهديدًا إضافيًا، وأشار إلى أن “هجوم كبير واحد في دمشق يستهدف أجانب أو مغتربين كفيل بتغيير نظرة الجميع، لذا علينا أن نكون حذرين”.
تتزايد المخاوف من احتمال هروب جماعي
بالإضافة إلى ذلك، تتزايد المخاوف بشأن احتمال عملية هروب جماعي لمعتقلي “داعش” بسبب العنف المستمر في شمال شرق سوريا، حيثُ تخضع مراكز الاحتجاز هناك لحراسة “قسد”، وهي أيضًا المسؤولة عن حراسة مخيمات تضم أفراد عائلات مقاتلي “داعش”، لكن هذه القوات باتت منشغلة بالتصدي لهجمات الفصائل المدعومة من تركيا.
وتعيد “نيويورك تايمز” التذكير بأن هذه السجون قد أثارت القلق في 2022، بعدما تمكّن قرابة 400 سجين على صلة بـ”داعش” من الفرار خلال هجوم شنّه التنظيم على سجن في مدينة الحسكة، مما دفع بقوات العمليات الخاصة الأميركية إلى التدخل لمساعدة “قسد” على استعادة السيطرة على الموقف.
ومنذ ذلك الحين، ساعدت المعلومات الاستخباراتية الأميركية في إحباط مخططات أخرى لتحرير السجناء قبل تنفيذها، بحسب أحد المسؤولين الأميركيين الذين تحدثوا لـ”نيويورك تايمز”. كما يؤكد المحلل العراقي والزميل غير المقيم في مركز ستيمسون بواشنطن، كاوا حسن، أنه “إذا ضعفت القوات الكردية في سوريا، فلا شك أن فراغًا سيحدث”، مضيفًا: “وهذا النوع من الفراغ لا يزدهر فيه سوى تنظيم الدولة”
وتختتم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أنه في مخيم الهول، وهو الأكبر من نوعه ويضم نساء وأطفال منتمين لـ”داعش” منذ سنوات، استمر التنظيم في اختبار الحدود الأمنية، حيثُ أفاد تقرير حديث للجنة تابعة للأمم المتحدة بأن الفوضى التي رافقت سقوط الأسد أفسحت المجال أمام بعض مقاتلي “داعش” للفرار من المخيم، رغم أن عددهم لا يزال غير واضح.
—————————–
الشبكة المصرفية السورية.. أي مستقبل في ظل العقوبات وتخبط السياسة النقدية؟/ محمد كساح
9 أبريل 2025
تتعدد السيناريوهات التي يتحدث عنها خبراء اقتصاديون حول مصير الشبكة المصرفية الحكومية والخاصة في سوريا، بين الدمج والإلغاء والتوسع، في حين تقف عوائق كبيرة أمام تطبيق أي من هذه السيناريوهات وعلى رأسها العقوبات الغربية، وضعف القدرة الشرائية، وعدم ثقة الفاعلين الاقتصاديين بقدرة الشبكة المصرفية على توفير عوامل النجاح لاستثماراتهم داخل البلاد.
وفي السياق، يبدو أن خطة توسيع الخدمات المصرفية الإسلامية بمنح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية خيار افتتاح فروع مصرفية إسلامية لن تحقق النجاح المطلوب، في ظل تدهور الشبكة المصرفية السورية وخطة تجميد السيولة التي يتبعها البنك المركزي، وبعض التضارب الذي يشوب تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع.
ويتكون القطاع المصرفي الحكومي في سوريا من 6 مصارف وهي المصرف الزراعي التعاوني والتجاري والصناعي والعقاري والتوفير والتسليف الشعبي، بينما تتألف الشبكة المصرفية الخاصة من 11 مصرفا تقليديا و4 مصارف إسلامية.
ما السيناريوهات المتوقعة؟
ويرى الباحث ومدير منصة “اقتصادي”، يونس الكريم، أن “المصارف الحكومية الآن على مفترق طرق يتعلق بمصيرها”، مضيفًا لـ”الترا سوريا” أن هنالك سيناريوهات عدة حول الشبكة المصرفية الحكومية، يتضمن السيناريو الأول إعادة وضع الخطة السابقة التي وضعت في العام 2010 قيد التنفيذ، وهي خطة تنص على دمج المصارف لزيادة قدراتها المالية بالموازاة مع فتح المجال أكبر للمصارف الخاصة.
وتنص الخطة على دمج مصرفي التوفير والتسليف الشعبي في كتلة واحدة، ودمج المصرفين الصناعي والزراعي في كتلة ثانية، مع بقاء المصرف التجاري دون دمج، ما ينتج 3 مصارف حكومية كبيرة بقدرات أكبر.
أما السيناريو الثاني الذي يتحدث عنه الكريم، فيتضمن زيادة رأسمال المصارف الحكومية عبر افتتاح الباب أمام الاكتتاب فيها، وهذا السيناريو وارد جدًا وتم طرحه في العام 2008، لكن لم يتم تنفيذه بالرغم من إعادة طرحه في العام 2013.
ويشمل السيناريو الثالث إلغاء المصارف الحكومية التي تعاني من تعثر، مثل المصرف الصناعي وبنكي التوفير والتسليف الشعبي، والإبقاء على المصرفين العقاري والتجاري.
ماذا عن المصارف الإسلامية؟
وفيما يتعلق بالمصارف الإسلامية وتوسيع هذا القطاع، يلفت الكريم إلى أن حكومة تسيير الأعمال السابقة فتحت المجال للتوسع من خلال إحداث نوافذ إسلامية ضمن المصارف التقليدية، لكن نتيجة تضارب كل منهما فإن هذا الخيار غير قابل للتطبيق لارتفاع كلفته ولتوفيره مساحة كبيرة للاحتيال على البنك المركزي.
ويضيف أن “محاولة دمج مصرف تقليدي مع مصرف إسلامي ستكون لها ارتدادات كبيرة على الشبكة المصرفية كونها توجه رسالة سلبية للمستثمرين الذين يفضلون بيئة استثمارية وفق نموذج الاقتصاد الحر الذي أعلنت السلطة الجديدة تبنيه، دون خطة واضحة للتطبيق حتى الآن”.
بينما يلفت الخبير في الاقتصاد الإسلامي، يحيى السيد عمر، في حديث لـ”الترا سوريا”، إلى أنه “لا بد من التأكيد على أن المشكلة التي تواجهها المصارف السورية حاليًا، لا تتعلق بطبيعة النظام المصرفي، بل بمشكلة السيولة والقوانين والتشريعات المتقادمة والعقوبات الغربية، لذلك عمليًا لن تستطيع المصارف الإسلامية تحقيق أثر حقيقي ما لم يتم معالجة هذه التحديات”.
ما أبرز العوائق؟
وحول أبرز العوائق التي تواجه تطوير الشبكة المصرفية الحكومية والخاصة، يوضح يونس الكريم أنها تشمل انهيار القدرة الشرائية للمواطن السوري، وعدم وضوح السياسة المالية التي يتبعها البنك المركزي، يضاف إلى ذلك، وفقًا للكريم، عدم وجود دستور وتنفيذ فعلي للقوانين وعدم توفر استقرار أمني واقتصادي لجذب الفاعلين الاقتصاديين، وأخيرًا وجود العقوبات الغربية التي تمنع الشبكة المصرفية من التواصل مع العالم الخارجي.
بدوره، يؤكد يحيى السيد عمر أن “القطاع المصرفي السوري يعاني من تحديات عدة بعضها داخلي والآخر خارجي، وأبرز التحديات الداخلية أزمة السيولة وضعف البنية التكنولوجية المالية وغياب الثقة بالمصارف السورية، والقوانين والتشريعات القديمة التي تنظم العمل المصرفي، أما على المستوى الخارجي، فأهم التحديات هي العقوبات والعزل عن نظام سويفت للتبادل المالي”.
ويرى أن القطاع المصرفي بشكل عام يعد عصب الحياة الاقتصادية، وهو المسؤول عن تجميع المدخرات من الأفراد والشركات وإعادة ضخها في السوق الاستهلاكي والإنتاجي، لذلك غالبية الدول المتقدمة لديها أنظمة مصرفية متطورة، بينما في سوريا لا يمكن الحديث عن انتعاش اقتصادي قبل إصلاح النظام المصرفي ومعالجة التحديات التي يواجهها، مرجحًا أنه “في حال عدم وجود حلول فعالة سيتأخر الإنعاش الاقتصادي وقد لا يكون هناك تحسن في المؤشرات الاقتصادية”.
وما يزيد من حدة هذه العقبات، وفقا للسيد عمر، أنها “تتداخل ما بين السياسة والاقتصاد، لأن الانفتاح المالي التام على سوريا ورفع حظر نظام سويفت، يرتبطان بشكل مباشر بالاعتراف الدولي الرسمي بالحكومة السورية، وحاليا تم قطع أشواط هامة في هذا المجال، لكن لم نصل إلى مرحلة الاعتراف التام”.
—————————-
التلاعب بالحقائق : جروح لا تُمحى/ ماهر حمصي
مؤسس ومدير بلا رتوش
في عالم تتطاير فيه الأفكار كالشرر في ليلة عاصفة، يظل السؤال يتردد كصدى لا يهدأ: هل الحقيقة شيء ملموس يمكن أن نتشبث به، أم مجرد ظل يتشكل بين أنفاس من يرويها؟
عندما تُرفع الأيدي المرتجفة تحت الأنقاض، أو تُسمع صرخة أم فقدت ابنها، يصبح من الصعب تصديق أن “الواقع” يمكن أن يُرى بعيون صافية. المنظورات تُحيط بنا، تُشكلها أحلام مكسورة ومخاوف دفينة، فتتركنا نتساءل: هل نحن حقًا نملك الحقيقة، أم أنها تُسرق منا في كل لحظة؟
هذه ليست مجرد تأملات، بل جرح ينبض في قلب التاريخ، ذلك السجل الذي يُفترض أنه يعكسنا، لكنه غالبًا يُكتب بحبر السلطة، ويُشوه بهمس الشائعات، ويُحرف بأيدٍ تتقن التلاعب.
في قلب الثورة السورية، تلك الانتفاضة التي تحررت من قبضة نظام عائلة أسد ، تتجلى هذه المعركة على الحقيقة بكل وضوحها المؤلم.
لم تكن الحقيقة كلمة تُقال أو فكرة تُدون، بل صرخة شعب أراد أن يُسمع، لكنها اصطدمت بجدار من التضليل.
في تلك الأرض الممزقة، لم يكن التاريخ مجرد حكاية تُروى، بل ساحة صراع حيث تُدفن الحقائق تحت ركام التعذيب في السجون، ووحشية المسالخ البشرية، ودخان السلاح الكيميائي الذي خنق أنفاس الأبرياء.
كل ذلك بينما كان النظام ينسج روايته بخيوط الشائعات، يحيكها بعناية ليُعمي العالم عن دماء لم تجف، وعن أرواح ما زالت تُطالب بالعدالة من تحت التراب.
منظورات متصارعة وشائعات تُعمي
يقول بيرتراند راسل :” إن الحقيقة ليست شيئًا ثابتًا، بل تتكون من خلال الرؤى المختلفة” ، وفي سوريا تتجسد هذه الفكرة بمرارة لا تُطاق.
لم تُكتب الأحداث كما وقعت، بل كما أرادها نظام الطاغية : سرد مشوه يغطيه ضباب الشائعات. في الغوطة، عام 2013، اخترق السلاح الكيميائي صمت الليل، تاركًا أجساد الأطفال تتلوى بلا حياة.
العالم توقف مذهولًا، لكن النظام أطلق شائعاته كالسهام: “مؤامرة خارجية”، “فبركة من المعارضة“. تلك الشائعات لم تكن مجرد كلمات تائهة، بل سلاح حاد يُطعن به الحق، محاولة لإخفاء جريمة لا يمكن لعين أن تتجاهلها.
الشائعات لم تتوقف عند حدود الهمس، بل تحولت إلى أداة حرب تُشكل الرواية وتُبدل الأدوار. كانت جسورًا يعبرها النظام ليحول ثورة شعب إلى “فوضى إرهابية”، بينما كانت السجون تئن بأنين المعذبين.
إريك هوبزباوم كان محقًا عندما قال :إن التاريخ لا يُكتب ببراءة، بل يُعاد صياغته بيد من يملك القدرة على فرض صوته.
في سوريا، كان هذا الصوت مشبعًا بالدماء والأكاذيب، يحاول أن يُطمس الحقيقة تحت طبقات من التضليل.
التلاعب بالحقائق: جروح لا تُمحى
في الثورة السورية التي تحررت من نظام عائلة أسد الفار ، لم يكن التلاعب بالحقائق مجرد خدعة عابرة، بل وحشًا يلتهم كل ما هو حقيقي. شهادات الناجين من صيدنايا تروي قصصًا تُدمي الضمير: سياط تمزق الجلود، نار تكوى الأجساد، إعدامات تُنفذ في ظلام دامس. تلك الأصوات المكسورة تحمل ألمًا يفوق الوصف، لكن النظام ردد دائمًا: “كذب”، “افتراءات”. ثم جاءت صور قيصر المسربة، أجساد هزيلة تحمل آثار التعذيب، شاهدة صامتة تتحدى كل محاولات الإنكار.
وفي خان شيخون، 2017، خنق غاز السارين أنفاس الأطفال وهم في أحضان أمهاتهم.
المشهد كان كابوسًا يمزق الروح، لكن النظام لم يتردد في إطلاق روايته المزيفة: “مسرحية”، “فبركة”. كانوا يحاولون إقناع العالم أن تلك الأرواح التي سُلبت لم تكن سوى جزء من لعبة، بينما كانت دموع الثكالى تروي أرضًا لم تجف من دمائها.
التاريخ هنا لم يكن سجلاً للأحداث، بل معركة يومية بين من يتشبث بالحقيقة ومن يريد دفنها. نظام الطاغية استخدم الشائعات كدرع، والتضليل كسيف، لكن الثورة كانت أقوى من أن تُكسر.
التاريخ: مرآة أم سلاح؟
التاريخ يمكن أن يكون مرآة تعكس ما نحن عليه، لكنه في أحيان كثيرة يتحول إلى سلاح بيد من يملك السلطة.
في سوريا، حول النظام التاريخ إلى أداة لتبرير جرائمه. كانوا يرددون “نحارب الإرهاب”، ينشرون شائعات عن “مسلحين أجانب”، بينما كانت المدن تُقصف والأطفال يموتون تحت الأنقاض. كانوا يحاولون إعادة كتابة الذاكرة، ليجعلوا من الضحية عدوًا ومن الجلاد حاميًا.
لكن الثورة السورية، التي تحررت من نظام عائلة أسد ، كانت صوتًا لا يُسكت. كل صرخة من تحت الأنقاض، كل دمعة من عين أم، كانت دليلاً على أن الحقيقة لا تُدفن إلى الأبد. كانت تذكيرًا بأن التاريخ ليس مجرد حكاية، بل جرح ينبض، ومسؤولية تُلقى على عاتق من يبحث عن الحق. الحقيقة ليست هدية تُمنح، بل نسيج دقيق تتداخل فيه المنظورات والشائعات، وتحتاج إلى من ينتزعها من بين أنياب التلاعب.
عيون دامعة تبحث عن الحق
الثورة السورية ليست مجرد فصل في كتاب، بل نداء يتردد في الضمائر: لا تقبلوا الحقيقة كما تُروى، ابحثوا عنها. السجون التي فُتحت، المسالخ التي كُشفت، الأسلحة الكيميائية التي شهد عليها العالم، كلها تصرخ: “لا تنسونا”.
من كتب هذه القصة؟
ولماذا اختار أن يُخفي دموع الأمهات وأنفاس الأطفال؟
وأي أصوات سُرقت تحت ضجيج الشائعات؟
هذه الأسئلة ليست تأملات عابرة، بل دعوة للنظر إلى الماضي بعيون دامعة، عيون ترفض الأكاذيب وتتوق إلى الحقيقة التي تستحقها أرواح الشهداء.
الثورة السورية علمت أن الحقيقة كنز يُنتزع من بين أنياب الظلم، وأن السكوت ليس خيارًا. فهل هناك من يملك الشجاعة ليستمع، ليبحث، ليكون جديرًا بهذا النداء؟
الجواب يكمن في كل قلب ينبض بالعدالة، وفي كل يد ترتجف من الأمل والمسؤولية.
—————————————-
======================
الإعلان الدستوري لسوريا 2025-مقالات وتحليلات- تحديث 10 نيسان 2025
لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
————————–
الإعلان الدّستوري السّوري: اللّغة في خدمة السّلطة!/ محمّد حلّاق الجرف
10 أبريل 2025
سنحاول في هذه المقالة مقاربة الإعلان الدّستوري السوريّ مقاربةً تعتمد التحليل السوسيو ــ لساني، من زاوية الألسنية القانونية/ Jurilinguistique La، والتي تُعنى بدراسة القانون لا بوصفه مجموع قواعد ملزمة فقط، بل بوصفه نظام علاماتٍ يتألف من مفردات وملفوظات، وفق ما كان يقترحه الفرنسي جيرار كورنو/ Gérard Cornu (1927 ــ 2007) من ملاحظة تأثير اللّغة في إنشاء القوانين. وقد أثار الإعلان الدّستوري السّوري جدلًا كبيرًا بين السّوريين والسّوريات منذ لحظة إشهاره في الثالث عشر من آذار/ مارس، ومردّ هذا الجدل يعود إلى الشّكل الذي جاء به الإعلان، وإلى بنيته، ولغته.
فمن ناحية الشّكل، تكوّن من 53 مادةً توزّعت على مقدمةٍ وأربعة أبواب، وهو بهذا كان أقرب إلى الدّستور المؤقّت منه إلى الإعلان الدّستوري، وهذا ما خلق بعض الهواجس لدى كثير من السّوريين. ومع طول الفترة الانتقالية التي حدّدها المشرّع والممتدّة إلى خمس سنوات، فإنّ السوريين يخشون أنْ يتحوّل الإعلان إلى دستورٍ دائم، خصوصًا وأنّ عددًا من تجارب البلدان التّي مرّت بمرحلة انتقالية تُرجّح هذا الاحتمال.
يبدأ الإعلان الدّستوري بمقدمةٍ طويلة نسبيًا، وهي بمثابة التوطئة، أو الدّيباجة، صيغت بلغة إنشائية غلبت عليها الشّحنة الأيديولوجية، وكانت مفعمةً بالآمال على حساب لغة القانون، وهي قد بُنيت على محاور عدّة، أكّدت مشروعية الإعلان الدّستوري في سعيه لإعادة الاعتبار للنّصوص القانونية والدّستورية التي أفرغها النّظام البائد من مضمونها. ووفقًا للمشرّع، فإنّ هذا الإعلان يكتسب مشروعيته من مرجعتين أساسيتين هما: مؤتمر النّصر الذي توّج أحمد الشّرع رئيسًا للجمهورية، ومؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد على عجل وأُعلن في نهايته عن ضرورة البدء بالعدالة الانتقالية وتحقيق السّلم الأهلي، وتتسم هاتان المرجعيتان بأنّهما كرّستا السّلطة القائمة بقيادة السّيد الشّرع وفقًا لمبدأ الشّرعية الثّورية.
عُني محور المقدّمة الثّاني بتعداد تضحيات السّوريين وإصرارهم على الصّمود والمقاومة خلال سنوات الثّورة، وصولًا إلى “فجر اليوم المشهود” الذي “تنفّس صبْح النّصر”، بحسب تعبير المشرّع في المقدّمة. من دون أنْ تُغفل هذه التوطئة في محورها الثّالث الأُسس القيمية التي قام الإعلان الدّستوري على إبرازها بحرصٍ بالغ، وأهمها الحرص على وحدة البلاد وسلامتها أرضًا وشعبًا، وتحقيق العدالة الانتقالية، وبناء دولة المواطنة والكرامة والحرية وسيادة القانون، وتنظيم شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية وفق مبادئ الحكم الرّشيد، لكنّه عاد ليربط هذه القيم بأساسٍ متين هو “مؤتمر النّصر” في التاسع والعشرين من يناير/ كانون الثّاني 2025، أي عاد ليربط هذه القيم بسلطة الأمر الواقع التي أعلنت انتصارها. والغريب هنا الخطأ الذي وقعت فيه صياغة المقدّمة، إذْ قالت بأنّ إعلان انتصار الثورة قد تمّ في التّاسع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأوّل 2025! وهذا الخطأ، إضافةً إلى أخطاء وتناقضاتٍ أخرى حفل بها نصّ الإعلان، إنّما تعكس مقدار التّوتر والضغوط التي عاشتها لجنة الصّياغة. وفي رأينا، فإنّ همّ المشرّع الأوّل كان جمع كلّ هذه المحاور وتوجيهها باتجاه المحور الأهمّ في المقدّمة، وهو بناء نظامٍ رئاسيّ فُصّل تفصيلًا على مقاس السّيد أحمد الشّرع، من دون أي ربط بمدنية الدّولة وديمقراطيتها، وهاتان الكلمتان، المدنية والدّيمقراطية، غابتا عن الإعلان الدّستوري، كما غابتا عن أي خطابٍ رسميٍّ سوري حتّى الآن. وفي نهاية المقدّمة، فإنّ رئيس الجمهورية يُصدر الإعلان الدّستوري، فنشأ لدينا نصٌّ رسميّ له نفاذ قانوني في الواقع، ومنسوب إلى شخصٍ أصدره، وتبعًا لذلك فإنّه وحده من يتحمّل مسؤولية الصياغة.
في باب الأحكام العامّة، جاء في المادّة الثّالثة أنّ “الفقه الإسلامي هو المصدر الرّئيس للتّشريع”، وهذا أثار مخاوف كثيرة لدى السّوريين والسّوريات، أولًا بسبب إدخال “أل التعريف”، ممّا أعطى الفقه الإسلامي سموًّا على باقي مصادر التّشريع، وأيضًا بسبب أنّ مدارس الفقه الإسلامي تتراوح بين التّشدّد والاعتدال، ولكنّ السبب الأهم في رأينا هو أنّ هذا الإعلان اعتُمد في سياقٍ زمني كانت فيه المجازر والانتهاكات التي شهدها السّاحل السّوري ما زالت حارّة حاضرة، وهي جرائم ارتدت لبوسًا طائفيًا من دون محاسبةٍ جدّية من السّلطة التي جاء هذا الإعلان الدّستوري ليشرعنها، لذا فإنّ استعمال المصطلحات ذات المعنى الدّيني زاد من هذه المخاوف، وكان الأفضل في رأينا أن يتمّ تأجيل الإعلان ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات محاسبة جدّية قبل الإعلان الدّستوري، وذلك بغية شدّ زمن كتابة النّص إلى معنى السّلم الأهلي والمحاسبة الشّاملة عوضًا عن معاني التّطرف وخطاب الكراهية.
اللغة القانونية هي في المقام الأوّل أداة توصيل لا أداة تواصل، ذلك أنّ وظيفة القانون تقوم على ضبط السّلوك وفق معايير واضحة. ولأنّنا نفترض أنّ المشرّع لا ينطق عن عبث فلا يجب أنْ نغفل عن الآليات التي استعملها في صياغة نصّه القانوني. وأهمها من وجهة نظرنا هي آلية “التبئير”، والتبئير هو ظاهرة لغوية تعني التقديم والتأخير للوصول إلى المعنى الأهم والأدق. وعلى هذا، فإنّ اختيار كلّ لفظٍ في أيّ مستوى من مستويات اللّغة من المفترض أنّه ناتجٌ عن اختيار واعٍ ومقصود، وإلّا أصبح القول عبثًا. كما أنّ كلّ تغييرٍ في اللّفظ سيُنتج تغييرًا في المعنى، وذلك بحكم العلاقات السّياقية بين الوحدات اللّغوية داخل النص، والتي تجعل أهمية ومعنى اللّفظ يتغيّران جزئيًا، أو كليًّا، بتغيّر موقعه من النّص. اعتمادًا على هذه القواعد اللّغوية، فإنّنا لا يمكن أن ننظر ببراءة إلى غياب الدّيمقراطية عن الإعلان الدّستوري، والقول إنّها مضمنّة في المادة 12، التي نصّت على اعتبار المعاهدات الدّولية جزءًا لا يتجزأ من الإعلان الدّستوري لا يعني الكثير، ذلك أنّ المادة 12 جاءت متأخرة في ترتيبها النّصّي، ممّا لا يجعلها مرجعية يعتمد عليها النصّ الدّستوري، فمن المعروف في لغة القانون بأنّ المرجعيات تكتسب أهميتها وفاعليتها بحسب تراتبيتها.
في الإعلان الدّستوري السّوري، وعبر 53 مادّة، لم تلتزم الدولة سوى أربع مرّات تجاه مواطنيها، ليس بينها أي التزام في باب الحريات والحقوق ما عدا الالتزام بحماية الأسرة. بينما تعاطت الدّولة، وحسب النّص، مع باقي الحرّيات والحقوق، بما فيها التّنوع الثقافي، من باب العمل على، أو السّعي إلى، أو المصونة والكفالة والضمان. ومرّة أخرى، وُضعت اللّغة في خدمة الحاكم، وصيغ النّص ليعطيه الأريحية في التّعامل مع القضايا المختلفة، بينما كانت غاية القانون هي ضبط السّلوك وتحديده. وقد تبدو لنا هذه مصطلحات مثل: “تعمل الدّولة على”، أو “تسعى الدولة إلى”، أو “تكفل الدولة”، أو “تضمن الدّولة”، أو “تلتزم الدّولة”، وكأنّها مترادفات. لكنّ المشّرع استخدمها ضمن سياقٍ جعل الاختلاف بينها كبيرًا، وهذا بابٌ اعتنت به الألسنية القانونية كثيرًا، فمثلًا: استخدام صيغة “تكفل” يعني أنّ الدّولة ستعمل على تهيئة المناخ والإطار من دون وعدٍ فعليّ، فيما “التزام الدّولة” يُحمّلها المسؤولية، وهي أقوى الصيغ بالطبع.
يحفل الإعلان الدّستوري بعديد الأخطاء والتناقضات: كتأريخ يوم النّصر بـ29 ديسمبر/ كانون الأول القادم (كما ذكرنا سابقًا) والخطأ النحوي “ثلاثة نجمات!” والخطأ الهندسي في حساب طول وعرض العلم! كما أنّ هنالك تناقضًا بين المادة 25 التي أجازت لمجلس الشّعب فصل عضوٍ من أعضائه بأغلبية الثّلثين، والمادة 29 التي أعطت مجلس الشّعب صلاحية صياغة نظامه الدّاخلي، أيْ أنّ قرار الفصل يجب أن يُترك لمجلس الشّعب. كما أنّ النصّ الدّستوري، وعلى عكس الإحاطة التي قدمّها رئيس لجنة الصياغة السّيد عبد الحميد العوّاك، لم يُحدّد شكل النّظام السياسي بنظامٍ رئاسيّ، فلم يذكر الإعلان نوع نظام الحكم الذي سيحكم سورية خلال المرحلة الانتقالية.
هذا الاستعجال، والتناقض، وهذه الأخطاء، تعكس في رأينا توترًا وضغطًا شديدين كانت تُعاني منهما لجنة الصياغة، ممّا جعل عملها يعاني من هفوات، بعضها نظنّه مقصودًا.
ختامًا، لا يتأتى لنا أن ننظم كلامًا من غير روية وفكر على رأي عبد القاهر الجرجاني، والذي تقوم نظريته في النّظم على أنّ أيّ تغيير في العلاقات النّحوية (من تقديم أو تأخير) يستدعي بالضّرورة تغييرًا دلاليًا. لذا فإنّ المشرّع من وجهة نظرنا منزّهٌ عن العبث، بمعنى أنّ كلّ كلمة، وكلّ زلّة أيضًا، لها معناها وضروراتها، والألسنية كمنهجٍ، كفيلةٌ بالكشفِ عن تلاعب السّلطة باللّغة، وعن تسخير هذه اللّغة لخدمة هيمنتها، وربّما طغيانها!
ضفة ثالثة
————————–
======================
واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 10 نيسان 2025
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
————————–
المسألة الكردية في التشريع السوري/ إبراهيم جبر
10 ابريل 2025
يُعتبر الأكراد من أقدم الشعوب الهندو- أوروبية في منطقة الشرق الأوسط، وتعود أصولهم العرقية واللغوية إلى الشعوب الآرية التي استوطنت المناطق الجبلية الممتدّة من غرب إيران إلى شرق الأناضول.
تُشير المصادر التاريخية إلى استيطان الأكراد مناطق جبال زاغروس وطوروس منذ العصور القديمة، إذ كان لهم حضور فاعل في مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي. وقد تجلّى دورهم البارز في عهد الدولة الأيوبية التي أسّسها القائد الكردي الشهير صلاح الدين الأيوبي، والتي امتدّت من الشام إلى مصر واليمن وأجزاء من العراق. وخلال تلك الفترات، احتفظ الأكراد بهُويّتهم القومية من خلال تنظيماتهم القبلية، ولا سيما في المناطق الواقعة بين شمال العراق وشرق الأناضول وشمال شرق سورية.
في الحقبة العثمانية (1516– 1918)، استقرّ الأكراد في قرى مثل عامودا وديريك ورميلان، لكن النظام العثماني تجاهل هُويّتهم القومية، ما دفعهم إلى الحفاظ على لغتهم وتنظيماتهم داخل مجتمعات مغلقة. لاحقاً، خلال فترة الانتداب الفرنسي، تصاعدت موجات هجرة الأكراد إلى سورية نتيجة قمع الثورات القومية الكردية في تركيا، خاصة بعد ثورة الشيخ سعيد بيران (1925) وأحداث ديرسم (1937–1938). استغل الفرنسيون هذا التوافد لتحقيق توازن سكاني يخدم أهدافهم السياسية.
الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 والمرسوم التشريعي 93
شكّل عام 1962 نقطة تحوّل حاسمة في العلاقة القانونية بين الدولة السورية والأكراد، وذلك بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 93 الذي نصّ على إجراء إحصاء سكاني استثنائي في محافظة الحسكة. بموجب هذا المرسوم، أُجري إحصاء في محافظة الحسكة بهدف التمييز بين “المواطنين السوريين” و”المتسلّلين”، في إشارة إلى اللاجئين الأكراد القادمين من تركيا. ونُفّذ هذا الإحصاء في ظروف تفتقر إلى العدالة والشفافية، حيث طُلب من السكان تقديم وثائق رسمية تثبت إقامتهم في البلاد منذ عام 1945، وهي مستندات نادراً ما كانت متوفّرة لدى الفلاحين في المناطق الريفية.
كانت النتائج كارثية. إذ جُرّد أكثر من 120 ألف كردي من جنسيّتهم السورية، وقُسّموا إلى “أجانب الحسكة” الذين مُنحوا بطاقات إقامة من دون أيّ من حقوق المواطنة، و”مكتومي القيد” الذين لم يُعترف بوجودهم أصلاً، فحُرموا من التعليم، والتملّك، والعمل، وحتى من تسجيل الزواج أو الوفاة. هذا الإجراء خلق جيلاً من عديمي الجنسية، وأرسى حالة من التهميش المؤسّسي الذي ظلّ مستمراً لعقود.
أيديولوجيا حزب البعث وتجاهل التعددية القومية
عندما تسلّم حزب البعث السلطة في عام 1963، ساد خطاب قومي عربي جعل من العروبة الهوية الوحيدة المقبولة في الفضاء العام السوري. لم تعترف الدولة بالتعدّدية القومية، بل صَنّفت كلّ تعبير عن الهُويّة الكردية تهديداً مُحتملاً للوحدة الوطنية. تمّ بذلك حظر اللغة الكردية في المؤسّسات العامة، ومُنعت الأسماء الكردية للأطفال عند تسجيلهم، كما حُظر تداول المطبوعات الثقافية باللغة الكردية، وتعرّض النشطاء الكرد للملاحقة والاعتقال. على الرغم من الشعارات البعثية التي تروّج الحريةَ والاشتراكية والوحدة، ظلّ الأكراد خارج دوائر التأثير والتمثيل السياسي، وتعرّضوا لسياسات إقصائية منهجية.
ضمن هذه السياسات، برز مشروع “الحزام العربي” الذي أُطلق في عام 1973، بوصفه واحداً من أخطر المحاولات الرامية إلى تغيير البنية السكانية في شمال شرق سورية. استهدف المشروع إنشاء شريط ديمغرافي عربي على طول الحدود مع تركيا، حيث صودرت أراضٍ زراعية يملكها أكراد بحجّة أنها أملاك دولة، وجرى توطين عشائر عربية قادمة من محافظة الرقة في قرى نموذجية أُنشئت خصيصاً لهذا الغرض. تزامن ذلك مع تهجير السكان الأكراد من مناطقهم الأصلية، وتعريب أسماء المدن والبلدات الكردية، وفرض قيود شديدة على حقوق التملّك والبناء والحصول على الخدمات الأساسية.
لم تقتصر سياسة التهميش التي اتبعتها الدولة السورية بحقّ الأكراد على الجانب القانوني فحسب، بل امتدّت لتشمل مظاهر الحياة الثقافية واللغوية. ففي السياق التعليمي، لم يُسمح بتدريس اللغة الكردية، لا في المناهج الرسمية ولا ضمن إطار أنشطة ثقافية خاصة، حيث اعتُبر استخدامها في المؤسّسات التعليمية مخالفة قانونية. هذا الحظر لم يقتصر على التعليم، بل انسحب أيضاً على النشر والطباعة، إذ مُنعت المطبوعات الكردية من التداول، حتى وإن كانت ذات طابع أدبي أو تراثي، وصودرت العديد من الكتب تحت ذرائع تهديد الوحدة الوطنية أو التحريض على الانفصال.
ومن المظاهر الرمزية التي عبّرت عن التقييد الثقافي أيضاً، تجريم الاحتفال بالمناسبات القومية الكردية مثل عيد “نوروز”، إذ كانت السلطات تنظر إلى هذه الفعاليات بوصفها تحرّكات سياسية، وغالباً ما واجهت المشاركين فيها بقمع أمني واعتقالات، بذريعة التحريض الطائفي أو الإخلال بالأمن العام. وحتى على صعيد الأسماء الشخصية، فُرضت قيود على اختيار الأسماء الكردية عند تسجيل المواليد في دوائر الأحوال المدنية، ما دفع العديد من العائلات إلى اللجوء إلى أسماء عربية تجنّباً للرفض أو الملاحقة.
التحوّل الجزئي بعد عام 2011
مع اندلاع الثورة الشعبية في سورية عام 2011، وجدت السلطات نفسها مضطرة إلى تقديم بعض التنازلات الرمزية في محاولة لاحتواء الاحتقان الشعبي، خصوصاً في المناطق ذات الغالبية الكردية. في هذا السياق، صدر المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2011، والذي نصّ على إعادة الجنسية إلى فئة من أكراد “أجانب الحسكة”، إلا أنّ هذا الإجراء لم يشمل فئة “المكتومين”، الذين استمرّ تجاهل أوضاعهم القانونية رغم حرمانهم التام من الحقوق الأساسية.
إلى جانب ذلك، تمّ تخفيف بعض القيود الثقافية بشكل محدود، حيث سُمح بتنظيم فعاليات ثقافية كردية ضمن ضوابط أمنية مشدّدة، ولكن من دون أن يُترجم ذلك إلى اعتراف فعلي بالهُويّة القومية الكردية أو إدماجها في البنية الدستورية والمؤسّساتية للدولة. بقيت هذه الخطوات في إطار المعالجة الأمنية، من دون أن ترتقي إلى إصلاحات شاملة تعكس تحوّلاً في النظرة الرسمية تجاه التعدّد القومي في البلاد.
توصيات تشريعية لمعالجة الوضع القانوني للأكراد في سورية
تمثّل قضية الهوية القانونية والثقافية للأكراد في سورية نموذجاً صارخاً لسياسات التمييز المنهجي، التي تجاوزت حدود سحب الجنسية أو تقييد الحقوق السياسية لتطاول الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية بعمق. ولمعالجة هذا الملف معالجة جذرية وعادلة، تبرز الحاجة إلى تسوية قانونية شاملة تستند إلى مبادئ الإنصاف والاعتراف والعدالة التاريخية.
تبدأ هذه التسوية بإقرار دستوري صريح بالتعدّدية القومية، والاعتراف بالأكراد مكوّناً وطنياً أصيلاً يمتلك كامل الحقّ في التعبير عن لغته وهويته وثقافته في إطار دولة مدنية ديمقراطية موحّدة. كما تتطلّب استعادة الحقوق القانونية المسلوبة عبر منح الجنسية لجميع الأشخاص المكتومين والمتضرّرين من نتائج إحصاء عام 1962، ضمن آلية شفافة وعادلة.
بالتوازي، ينبغي مراجعة شاملة للتشريعات السورية القائمة بهدف إلغاء القوانين ذات الطابع التمييزي ومواءمتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، إلى جانب إعادة الاعتبار إلى اللغة الكردية والهُويّة الثقافية من خلال السماح بإنشاء مؤسّسات تعليمية وثقافية مستقلة بعيداً عن أيّ وصاية أمنية. ولضمان عدم تكرار الانتهاكات، لا بُدّ من إنشاء آليات مؤسّسية دائمة تراقب السياسات المتعلّقة بالأقليات، وتعزيز ثقافة قانونية ومجتمعية تحترم التنوّع القومي والتعدّد الثقافي باعتباره عنصر قوّة لا تهديداً.
وفي النتيجة، لا يمكن أن تنجح مقاربة القضية الكردية في سورية ضمن حلول أمنية ظرفية أو تسويات مؤقتة، بل تتطلّب إرادة دستورية حقيقية تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس الحقوق المتساوية، وتقرّ بأنّ الاعتراف بالتعدّد القومي ضرورة لبناء دولة قانون حديثة تقوم على العدالة والمساواة والتنوّع.
العربي الجديد
————————–
تيسير الاتفاق الجديد مع “قوات سوريا الديمقراطية” هو مفتاح تحقيق الاستقرار في سوريا/ فلاديمير فان ويلجنبرغ
تحديث 10 نيسان 2025
توصلت الجماعةُ التي يقودها الأكراد إلى تفاهماتٍ مهمة مع القيادة الجديدة في دمشق، لكن استكمال هذه التفاهمات وتنفيذها، إلى جانب حل نقاط الخلاف، سيتطلب مزيداً من الدعم من قبل الولايات المتحدة وشركائها.
في العاشر من آذار/مارس، وقّع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي اتفاقاً مبدئياً مع الرئيس المؤقت أحمد الشرع لبدء العمل على دمج القوات الكردية في الجيش السوري الجديد، وذلك بعد أشهرٍ من المفاوضات التي حظيت بدعم أمريكي. ويعد الاتفاق، الذي رحبت به علناً واشنطن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجهات فاعلة أخرى، خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار والانتعاش الاقتصادي في سوريا – إذ لا يمكن تحقيق أي منهما دون معالجة مستقبل الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي منطقة تضم 95% من موارد النفط والغاز في البلاد.
عند توقيع الوثيقة، اتفق الطرفان على ثماني نقاط رئيسية تشمل الاعتراف بالأكراد كمكون أصلي، وضمان مواطنتهم والحقوق الدستورية المصاحبة لها، ودمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في الشمال الشرقي (مثل المعابر الحدودية ومطار القامشلي وحقول النفط والغاز)، وضمان عودة النازحين داخلياً وحمايتهم، وفرض وقف شامل لإطلاق النار على مستوى البلاد. وستتولى لجان مشتركة تنفيذ الاتفاق، على أن يتم ذلك في موعد أقصاه نهاية العام الحالي. وقد استضاف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” اجتماعاً تحضيرياً أولياً في قاعدة الشدادي في 19 آذار/مارس، ومن المقرر أن تبدأ هذه اللجان عملها في أوائل الشهر الجاري.
ومع ذلك، فإن العوائق التي تعترض تنفيذ الاتفاق لا تزال عديدة، إذ تختلف دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” بشأن طبيعة الحكم الوطني المستقبلي (أي اعتماد اللامركزية أو رفضها)، ودرجة الاندماج العسكري (إذ ترغب “قوات سوريا الديمقراطية” في الحفاظ على استقلاليتها)، فضلاً عن مستقبل سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية العربية، وملف معتقلات عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” – وهو أحد أبرز الملفات الشائكة في النقاشات المتعلقة بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. علاوة على ذلك، يستمر القتال بين “قوات سوريا الديمقراطية” والجماعات المدعومة من تركيا، في ظل معارضة أنقرة المستمرة للوجود الكردي المسلح على طول حدودها -وهو موقف قد يشهد تحولاً كبيراً تبعاً لنتائج الجهود التركية الجديدة الرامية للتوصل لتسوية سلمية دائمة مع “حزب العمال الكردستاني”، وهي جماعة مرتبطة بشكلٍ مثير للجدل بـ”قوات سوريا الديمقراطية”. وفي الواقع، يمكن أن ينهار إطار الاتفاق السوري بأكمله خلال التفاوض على أي من هذه القضايا المعقدة، مما يجعل الاستمرار في الدعم والمشاركة الدولية أمراً ضرورياً لتيسير الطريق أمام العمل الشاق الذي ينتظر الجميع.
المركزية مقابل الفيدرالية
في حين أن الجماعات التي أطاحت بنظام بشار الأسد تتبنى رؤية لدولة مركزية، تأمل “قوات سوريا الديمقراطية” في إرساء نظام لا مركزي – وهو توتر ينعكس بوضوح في البيانات والوثائق العلنية الصادرة عن الطرفين. فقد ذكر الشرع في”خطاب النصر ” الذي ألقاه في 29 كانون الثاني/يناير أن “سيادة سوريا ستفرض تحت سلطة واحدة”، في حين أن الدستور المؤقت الذي تم تبنّيه في 13 آذار/مارس شدد على الحفاظ على وحدة البلاد، وأدان أي فصائل تدعو إلى “التقسيم” أو تطلب الدعم الخارجي لقضيتها. كما أبقى الميثاق الجديد على الاسم الرسمي “الجمهورية العربية السورية”، دون أن يتطرق إلى الحقوق السياسية أو الثقافية للكرد.
وفي المقابل، أكد بيان صدر في آذار/مارس عن “مجلس سوريا الديمقراطية”، الجناح السياسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، على أن الدولة يجب أن تُدار بنظام لا مركزي. وفي كانون الثاني/يناير، صرح مظلوم عبدي بأن دمشق ينبغي أن تمنح مزيداً من الحكم الذاتي لمختلف المناطق في سوريا، وليس فقط للشمال الشرقي.
تتفق غالبية الفصائل الكردية السورية – بما في ذلك “المجلس الوطني الكردي” و”حزب الاتحاد الديمقراطي” التابع لـ”قوات سوريا الديمقراطية”- على ضرورة إرساء شكل من أشكال اللامركزية وترفض الدستور المؤقت باعتباره إقصائياً. ومع ذلك، تتباين النماذج الفيدرالية التي تتبناها هذه الفصائل. فقد صرح عبدي أن أكراد سوريا لا يسعون إلى إقامة حكم ذاتي دائم على غرار كردستان العراق. فقبل سقوط الأسد بوقت طويل، أنشأ “حزب الاتحاد الديمقراطي” كياناً محلياً يُعرف الآن باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، وهو نظام متعدد الأعراق يستند إلى إيديولوجية زعيم “حزب العمال الكردستاني” المسجون عبد الله أوجلان .ويعتبر النظام المقترح من قبل “المجلس الوطني الكردي” أقرب من الناحية الأيديولوجية إلى “الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي”.
الاندماج العسكري
وافقت “قوات سوريا الديمقراطية” على الانضمام الشكلي إلى الجيش الوطني، مع تمسكها بالإبقاء على القيادة والسيطرة المحلية على الوحدات الكردية. وفي كانون الثاني/يناير، رفض وزير الدفاع السوري المؤقت مرهف أبو كسرة اقتراح “قوات سوريا الديمقراطية” بالبقاء ككتلة عسكرية منفصلة. ولكن بعد المذابح الأخيرة التي استهدفت أقلية أخرى هي العلويين، ستواجه الحكومة صعوبة أكبر في إقناع الأكراد بالتخلي عن استقلالهم العسكرية (خاصة في ظل التساؤلات المستمرة حول القوات الحكومية المسؤولة عن عمليات القتل هذه، كما هو موضح أدناه) . تُطرح أيضاً معضلة أخرى، تتمثل في أن القوات الكردية تضم وحدة نسائية بالكامل، الأمر الذي يصعُب، وربما يستحيل، دمجها في ظل التوجه الإسلامي الذي يتبناه القادة الجدد في دمشق.
ويتمثل أحد الخيارات التوفيقية في إعادة تنظيم “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن فرق عسكرية إقليمية في تلك المحافظات التي تخضع لسيطرة كردية جزئية (على سبيل المثال، الحسكة والرقة ودير الزور). ويمكن تعيين قادة “قوات سوريا الديمقراطية” على رأس كل فرقة، مع الإبقاء على السيطرة المحلية، والاستمرار في التنسيق مع دمشق في ما يتعلق بالعمليات ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، أو خلايا النظام السابق، أو العناصر التابعة لإيران.
كما تتعرض الحكومة الجديدة لضغوط من بعض الجهات التي تطالبها بإعادة بسط سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية العربية، والتي لا تزال القوات الكردية تسيطر عليها حاليًا. وقد يُعد الإبقاء على إدارة يقودها الأكراد في محافظة الحسكة أمراً منطقياً بالنظر إلى تركيبتها السكانية المختلطة، إلا أن استمرار الحكم الكردي في المناطق ذات الغالبية العربية، كالرقة ودير الزور، قد يصبح أمراً مرفوضاً، خاصةً بعد تراجع المخاوف المحلية من عودة نظام الأسد. والجدير بالذكر أن الإدارتين المرتبطتين بـ”قوات سوريا الديمقراطية” في حيين من أحياء حلب ذات الغالبية الكردية، توصلتا الأسبوع الماضي إلى اتفاق مع دمشق يهدف إلى نزع فتيل التوترات المحلية، من خلال سحب جميع العناصر العسكرية، وتمكين الشرطة وقوات الأمن المحليتين من “تكريس مبدأ التعايش وتعزيز السلم الأهلي”.
معتقلي “تنظيم الدولة الإسلامية”
إحدى النقاط الحاسمة التي لم يتم ذكرها في اتفاق “قوات سوريا الديمقراطية” الجديد هي ادعاء الحكومة بأن دمشق ستستعيد السيطرة على المخيمات والسجون الشمالية الشرقية التي تضم ما يقدر بنحو خمسين ألف مقاتل ومدني . وتشير المحادثات مع مصادر في “قوات سوريا الديمقراطية” إلى أنهم لا يستطيعون اتخاذ قرار بشأن التصرف المستقبلي في هذه المنشآت من تلقاء أنفسهم، لأنها جزء أساسي من مهمتهم الممتدة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. لا ترغب دمشق وتركيا أن تستمر “قوات سوريا الديمقراطية” في السيطرة على المعسكرات والسجون، ولكن من المفترض أن يرفض التحالف إسناد مسؤولية تأمين هذه المنشآت إلى طرف ثالث دون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ.
في الوقت الحالي، صرح مسؤولو “قوات سوريا الديمقراطية” علناً أن إدارة هذه المرافق ستبقى دون تغيير. وبالتالي، فإن الخيار الأفضل على المدى القريب هو زيادة التنسيق في هذه المسألة وتسريع إعادة المحتجزين غير السوريين إلى بلدانهم الأصلية إلى أن يتم تنفيذ اتفاق دمشق – “قوات سوريا الديمقراطية”. كما أن سقوط الأسد قد سهّل على النازحين السوريين في هذه المخيمات العودة إلى مجتمعاتهم المحلية
تركيا ووكلاؤها.
كما أشرنا سابقاً، واصلت مجموعة مدعومة من تركيا، هي “الجيش الوطني السوري” هجماتهاعلى” قوات سوريا الديمقراطية” في منطقة سد تشرين رغم موافقة الأخيرة على الاندماج مع وزارة الدفاع السورية بعد سقوط الأسد. كما تحدثت “قوات سوريا الديمقراطية” عن المزيد من الضربات عبر الحدود من قبل القوات العسكرية التركية.
وفي سياق متصل، فإن وجود “الجيش الوطني السوري” في عفرين ذات الأغلبية الكردية يجعل من الصعب على آلاف النازحين الأكراد العودة إلى هناك. وتفيد التقارير أن هذه الجماعة ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الأكراد الذين بقوا في المنطقة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والخطف، والاختفاء القسري.
كما قامت وحدات “الجيش الوطني السوري” باعتقال سكان عفرين الذين استضافوا مسؤولين من جهاز الأمن العام التابع للحكومة المؤقتة خلال زيارة قاموا بها في 6 شباط/فبراير. ويتضح أيضاً أن التنظيم لا يزال يعمل بشكل منفصل عن دمشق، حيث تشير الاتهامات إلى مسؤولية عناصر “الجيش الوطني السوري” عن المجازر الأخيرة ضد العلويين.
لذلك، يجب على اللجان المشتركة الجديدة بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” النظر في سحب وحدات “الجيش الوطني السوري” من المناطق ذات الأغلبية الكردية مثل عفرين، واستبدالها بمزيج من قوات “جهاز الأمن العام” والمجندين الأكراد المحليين. كما يمكن نشر القوات الحكومية في نقاط التماس بين “قوات سوريا الديمقراطية” و”الجيش الوطني السوري”، مثل عين عيسى، وسد تشرين، وتل تمر. ويمكن لواشنطن والجهات الفاعلة الأخرى الضغط على تركيا ودمشق لتسهيل هذا الترتيب، على غرار الطريقة التي انتشر بها الجيش السوري في بعض هذه المواقع بعد اتفاق بوساطة روسية في عام 2019. كما ينبغي حث أنقرة على التخلي عن دعمها الكامل لـ”الجيش الوطني السوري”، إذ لا يمكن للحكومة السورية أن تقود هذا الفصيل أو تفرض سيطرتها عليه ما دامت تركيا الراعي الرئيسي له. وقد تسهم الشائعات عن وقف إطلاق النار التركي الوشيك (سواء مع “قوات سوريا الديمقراطية” أو بين “الجيش الوطني السوري” و”قوات سوريا الديمقراطية” على جبهة تشرين) في تسهيل تحقيق جميع هذه الأهداف.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تسهيل الاتفاق بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” من خلال إبرام عملية سلام ومصالحة ناجحة بين تركيا و”حزب العمال الكردستاني”. وترى أنقرة أن “قوات سوريا الديمقراطية” هي مجرد وكيل لـ”حزب العمال الكردستاني”، وهو جماعة مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. وتنفي “قوات سوريا الديمقراطية” ذلك وتزعم أن عملية نزع سلاح الحزب لا علاقة لها بمفاوضاتها مع الشرع. ومع ذلك، تُقر “قوات سوريا الديمقراطية” بأن التوصل إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني قد يُسهم في وقف الهجمات التركية داخل سوريا، نظراً لأن أنقرة، من الناحية النظرية، ستكون أقل قلقاً بشأن وجود هذه القوات على امتداد الحدود.
الخاتمة
من أجل تحسين فرص تنفيذ اتفاق بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” بنجاح، ستكون الوساطة التي تقوم بها الجهات الفاعلة الخارجية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا حاسمة – لا سيما فيما يتعلق بقضايا اللجنة المشتركة المثيرة للجدل، وترتيبات تقاسم السلطة في المستقبل، والمسألة الشائكة المتمثلة في اللامركزية. ويمكن أن تحفز واشنطن على إحراز تقدم من خلال تخفيف العقوبات على دمشق. ويشير انعقاد الاجتماع الأول للجنة في قاعدة تابعة للائتلاف إلى أن الولايات المتحدة في وضع جيد للقيام بهذا الدور. كما يشير أيضاً إلى الفوائد العديدة للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي، على الأقل في المستقبل القريب. وبمجرد توصل دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” إلى اتفاق دستوري نهائي وطمأنة سلطات التحالف بأن لديهم خطة لمواصلة الضغط على تنظيم “الدولة الإسلامية” وتأمين مراكز الاحتجاز، ستكون إدارة ترامب في وضع أفضل للعمل على تحقيق هدفها المعلن المتمثل في سحب القوات الأمريكية.
فلاديمير فان ويلجنبرغ هو مراسل ومحلل من أربيل، يعمل حالياً كرئيس قسم الأخبار في صحيفة “كردستان كرونيكل”. وتشمل منشوراته السابقة دراسة شارك في تأليفها عام 2021 بعنوان ”حلفاء بالصدفة: الولايات المتحدة – سوريا”.
عن المؤلفين
فلاديمير فان ويلجنبرغ
فلاديمير فان ويلجنبرغ هو المؤلّف المشارك في الكتاب الذي نُشر مؤخرًا “أكراد شمالي سوريا: الحكم والتنوع والصراعات.”
—————————-
الأكراد يطالبون بنظام اتحادي في سوريا بعد الأسد
اتهموا السلطة الجديدة باتباع مسار خاطئ وباحتكار السلطة
القامشلي سوريا: «الشرق الأوسط»
10 أبريل 2025 م
قال قيادي كردي بارز لوكالة «رويترز» للأنباء إن أكراد سوريا سيطالبون بنظام اتحادي يسمح بالحكم الذاتي ووجود قوات أمن خاصة، مؤكدين بذلك رؤيتهم اللامركزية التي يرفضها الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع.
واكتسبت المطالبة بحكم اتحادي زخماً مع انتشار القلق بين الأقليات السورية بشأن عمليات القتل الجماعي للعلويين، الشهر الماضي. واتهمت الجماعات الكردية الشرع والسلطة الجديدة في البلاد باتباع مسار خاطئ لسوريا الجديدة وباحتكار السلطة.
وقالت مصادر كردية إن الجماعات الكردية السورية المتنافسة، ومنها الفصيل المهيمن في شمال شرقي البلاد الذي يديره الأكراد، اتفقت، الشهر الماضي، على رؤية سياسية مشتركة بما في ذلك النظام الاتحادي. لكنهم لم يكشفوا عنها رسمياً بعد.
وسيطرت الجماعات التي يقودها الأكراد على ما يقرب من ربع الأراضي السورية خلال الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاماً. ووقّعت «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة، الشهر الماضي، اتفاقاً مع دمشق بشأن دمج الهيئات الحاكمة وقوات الأمن التي يقودها الأكراد في الحكومة المركزية.
ورغم التزامهم بهذا الاتفاق، اعترض مسؤولون أكراد على الطريقة التي يشكل بها حكام سوريا الجدد عملية الانتقال بعد الإطاحة ببشار الأسد، قائلين إنهم لا يحترمون التنوع السوري رغم وعودهم بعدم إقصاء أي طرف أو مكون من مكونات المجتمع السوري.
حُكم ذاتي وليس استقلالاً
وقال بدران جياكرد، وهو قيادي بارز في الإدارة الذاتية الكردية، لـ«رويترز»: «اتفقت جميع القوى السياسية الكردية في سوريا فيما بينها على رؤية سياسية مشتركة حول شكل الحكم السياسي وهوية الدولة السورية وماهية حقوق الكرد وكيفية تضمينه دستورياً، حيث إنهم أكدوا ضرورة تحقيق نظام اتحادي برلماني تعددي ديمقراطي».
وتمثّل تصريحاته المكتوبة، رداً على أسئلة من «رويترز»، المرة الأولى التي يؤكد فيها مسؤول من الإدارة التي يقودها الأكراد، هدفَ النظام الاتحادي منذ توافق الأحزاب الكردية عليه، الشهر الماضي.
وتجنبت الإدارة التي يقودها الأكراد استخدام كلمة «اتحادي» في وصف أهدافها قبل ذلك، ودعت بدلاً من ذلك إلى اللامركزية. ويقول أكراد سوريا إن هدفهم هو الحكم الذاتي داخل سوريا وليس الاستقلال.
وأعلن الشرع معارضته للنظام الاتحادي، وقال لصحيفة «الإيكونوميست» في يناير (كانون الثاني) إنه لا يحظى بقبول شعبي، ولا يصب في مصلحة سوريا.
ويتحدث الأكراد، وهم في الغالب من المسلمين السنة، لغة قريبة من الفارسية، ويعيشون بشكل رئيسي في منطقة جبلية تمتد على حدود أرمينيا والعراق وإيران وسوريا وتركيا. وفي العراق، لدى الأكراد برلمان وحكومة وقوات أمن الخاصة.
وقال جياكرد: «الأمر الأساسي بالنسبة للمجتمع السوري وجغرافيته والواقع المعيش يؤكد ضرورة الحفاظ على خصوصية كل منطقة إدارياً وسياسياً وثقافياً، وهذا ما يلزم وجود مجالس محلية تشريعية في إطار الإقليم وهيئات تنفيذية لإدارة شأن الإقليم وقوات أمنية داخلية تابعة لها».
وأضاف أنه ينبغي تحديد ذلك في الإطار الدستوري لسوريا.
وترى تركيا المجاورة، حليفة الشرع، أن الجماعة الكردية الرئيسية في سوريا، وهي «حزب الاتحاد الديمقراطي» والجماعات التابعة له تشكّل تهديداً أمنياً بسبب ارتباطها بـ«حزب العمال الكردستاني» المحظور، الذي خاض حتى وقف إطلاق النار الذي أعلن مؤخراً تمرداً دام عقوداً من الزمن ضد الدولة التركية.
أزمة الساحل السوري
وإلى جانب «حزب الاتحاد الديمقراطي»، شارك في اجتماع الشهر الماضي، المجلس الوطني الكردي، وهو جماعة كردية سورية تأسست بدعم من أحد الأحزاب الكردية الرئيسية في العراق هو «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، بقيادة عائلة بارزاني والذي يتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا.
وقال سليمان أوسو، رئيس المجلس الوطني الكردي في سوريا، إنه يتوقع الإعلان عن وثيقة الرؤية السياسية الكردية المشتركة في مؤتمر بحلول نهاية أبريل (نيسان).
وأضاف أن التطورات في سوريا منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر (كانون الأول) دفعت العديد من السوريين «للاقتناع بأن النظام الفيدرالي هو الحل الأمثل لمستقبل سوريا. وبالأخص بعد ما شهدته مناطق الساحل السوري من انتهاكات خطيرة بحق الطائفة العلوية»، وعدم قبول الأقلية الدرزية في السويداء بسلطة الحكومة المركزية، و«صدور الإعلان الدستوري الأحادي الجانب»، والذي يرى فيه الأكراد تعارضاً مع التنوع في سوريا.
وقُتل المئات من العلويين في غرب سوريا في مارس (آذار) خلال هجمات اندلعت بعد أن قالت السلطات الجديدة إن قواتها الأمنية تعرضت لهجوم من مسلحين موالين للأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية.
وقال الشرع إن المسؤولين عن الهجمات سيحاسبون، بمن في ذلك حلفاؤه إذا لزم الأمر.
ومنح الإعلان الدستوري الشرع صلاحيات واسعة، واعتبر «العربية» اللغة الرسمية لسوريا، وذلك دون الإشارة إلى اللغة الكردية.
وقال أوسو: «نعتقد أن الحل الأمثل للحفاظ على وحدة سوريا هو النظام الفيدرالي؛ لأن سوريا بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب». وأضاف: «بكل تأكيد عندما نذهب لدمشق سنطرح وجهة نظرنا ومطالبنا بكل شفافية على الحكومة المؤقتة».
——————————
======================
عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 10 نيسان 2025
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
الأحداث التي جرت في الساحل السوري
————————–
سوريا.. الخروج من ثقب الإبرة/ وفاء علوش
2025.04.10
بداية لا بد من تلمس الخطوات بحذر حين تكتب عن أمر حساس في بلاد مثخنة بالجراح مثل بلادنا، فالطريق إلى المكاشفة يكون مليئاً بالألغام التي قد تنفجر بنا، من الضروري أيضاً أن نبين أن فكرة الأقلية والأكثرية بمفهومها المجرد هي مفهوم رياضي بحت، وهو ببساطة مطلقة ذو بعد إحصائي ومن المفترض ألا يشكل معنى بحد ذاته، غير أنه يكتسب بعداً آخر حين نعكسه على الحياة السياسية.
تشير الأكثرية الطائفية في الوطن العربي إلى الجماعة الدينية أو الطائفية التي تشكّل النسبة الأكبر من السكان في دولة معينة، هذه الأكثرية قد تكون مسلمة سنية كما في معظم الدول العربية، أو شيعية كما في العراق والبحرين، أو مسيحية كما هو الحال في بعض مناطق لبنان، وغالبًا ما تلعب الإحصاءات الطائفية دورًا رئيسيًا في تحديد ملامح المشهد السياسي، سواء من حيث طبيعة الحكم أو السياسات العامة.
من نافل القول طبعا إن الاستعمار والاستبداد لعبا على ورقة الطائفية من أجل تفتيت بنية المجتمع وفصم عراه، مما يسهل إخضاعه والسيطرة عليه بخلق عدو واضح أمام شرائح المجتمع بحيث لا يكون النظام السياسي أو الاستعماري هو ذلك العدو، ويظهر بذلك بشكل الملاك الذي يمنع الوضع من التفاقم، وفي حالة مثل سوريا التي خرجت من عصر استبداد ممتد وكانت قبلها أسيرة استعمار وانقلابات سياسية بحيث لم تشهد استقراراً بقدر ما عاشت في سجن لعقود، تبدو أزمة التعامل مع هذا الواقع من أشد الملفات إلحاحاً لكي لا تعكس مخرجات سيئة على الحياة السياسية.
تستخدم في بعض الدول الديمقراطية التوافقية لضمان مشاركة جميع المكونات، كما هو الحال في لبنان والعراق لضمان الحقوق المتساوية، أما في الدول التي تحكم فيها الأكثرية الأقلية فمن الطبيعي احترام حقوق الأقليات، وضمان تمثيلهم العادل في المناصب الحكومية وعدم تهميشهم سياسيًا أو اقتصاديًا.
غير أن التجربة أثبتت أن الحياة السياسية في الدول العربية لم تكن من المثالية لتدرس على أنها نموذج يمكن الاقتداء به، بل ربما كانت نقمة على الشعوب ومغنم للحاكمين فقط، وبالتالي فقد آن الأوان لنخرج من هذه العباءة وننتقل إلى مفاهيم أكثر شمولية للمجتمع ومفاهيم لا يقيّم فيها الإنسان بطائفة ورثها بالولادة وإنما يقيّم بحسب موقفه وأفكاره، ولكن هذا يتطلب جهداً كبيراً في بلاد مثل سوريا التي استطاع نظام الأسد أن يشرخ مجتمعها أفقياً بين شرائح المجتمع التي من المفترض أن تكون على سوية واحدة، وعمودياً من حيث ثقة المواطن السوري بدولته أو بأجهزتها ومسؤوليها ويبدو ألا طريق أمامنا سوى دولة المواطنة المتساوية.
يترتب على الدولة في ذلك مسؤولية كبيرة حتى مسؤولية المواطنين تتمثل بسنّ قانون يجرم التمييز والتحريض الطائفي والمذهبي ويشدد على نبذ الولاءات الطائفية، وهذا يتطلب تعزيز الهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية وإجراء انفتاح شعبي لشرائح الشعب بعضها على البعض الآخر، للوصول إلى تسويات سياسية تقلل من التوترات، وتحجم اللعب الخارجي بالورقة الطائفية في سوريا مما يهدد الاستقرار الداخلي.
إن الانتقال من حالة الأكثرية والأقلية المبنية على الطائفة إلى بناء أكثرية سياسية يتطلب مجموعة من الإصلاحات العميقة على المستويات السياسية، الثقافية، والقانونية. بهدف تحويل الانتماءات من الهويات الطائفية إلى الهويات الوطنية أو السياسية، بحيث يصبح تشكيل أغلبيات وأقليات على أساس البرامج والأفكار وليس الهويات الدينية أو المذهبية.
يتطلب ذلك إصلاح النظام السياسي والقانوني بتشجيع تشكيل أحزاب وطنية عابرة للطوائف بطريقة تعزز دور المؤسسات المدنية في صنع القرار، من دون إقصاء أي مكون ديني بحيث يصبح التنافس السياسي قائمًا على الأداء لا الانتماء، مع تعزيز استقلالية القضاء لضمان أن القانون هو المرجعية للجميع.
وفي ذلك تبرز ضرورة تعزيز الهوية الوطنية الجامعة بإصلاح المناهج التعليمية وتعزيز الرموز الوطنية المشتركة من خلال الإعلام والثقافة والفنون، وخلق فرص اقتصادية متساوية للجميع، بحيث يتم تقليل التمييز الاقتصادي بين الفئات المختلفة، ما يعزز الشعور بالمواطنة المتساوية والأهم من ذلك يفكك المحاصصة الطائفية تدريجياً بالبدء بدمج مؤسسات الدولة بحيث لا تكون خاضعة للتوازنات الطائفية، بل تعتمد على الكفاءة والخبرة، ولا بد من تفعيل دور المجتمع المدني والإعلام المستقل دعم الإعلام الحر الذي يعزز الخطاب الوطني ويبتعد عن التحريض الطائفي.
فالانتقال من الأكثرية الطائفية إلى الأكثرية السياسية يتطلب تحولًا جذريًا في كيفية إدارة الدولة والمجتمع، ولا يمكن تحقيق هذا التحول بين يوم وليلة، لكنه ممكن عبر خطوات مدروسة تعزز المواطنة، تبني مؤسسات عادلة، وتخلق بيئة سياسية تعتمد على البرامج وليس الهويات الدينية.
قد تتباين آراء السوريين وتصطدم، ليس بناء على الخلفية الطائفية فحسب وإنما على البيئة والاحتياجات والسوية العلمية والاجتماعية، فيطالب البعض بعلمانية الدولة فيما يطالب البعض بدينيتها وهو استحقاق ضروري لرسم ملامح الدولة، ولكن ذلك لا يمكن تحديده وجزمه في هذه المرحلة التي يتحرك فيها السوريون أغلبهم بناء على معطيات شحصية وفردية وليست وطنية، ويمكن التعامل معه حين الخروج من الأطر الضيقة التي حُشرنا بها طوال عقود والتحرك في مساحات أوسع من الانتماءات القبلية والمناطقية والطائفية.
في سوريا يبدو أننا ما زلنا بعيدين للغاية عن أسس العمل السياسي وكل منا يعتقد أن مستقبل البلاد يمكن أن تقرره فئة بذاتها لتضمن عوامل طمأنة معينة لها فيما قد تعتبره فئة أخرى عوامل خطر، وبذلك لا يمكن حتى اللحظة تقرير مصير بلاد حتى ولو بالاستفتاء على شكل الدولة ونظام الحكم لأنه ليس من الضروري أن ترضي نتائجه الجميع، خاصة أننا نقرر من نوافذ ضيقة لا تبصر الآخر أو تعتني بما يريد، وهذا يحيلنا بالضرورة إلى ضرورة الانخراط في عمل سياسي يؤسس للوعي سياسي شعبي وتنظيم الحياة السياسية بسن قانون أحزاب وطنية غير قائمة على أسس طائفية ومناطقية للبدء بوضع اللبنات الأولى لهوية البلاد.
إن كل النقاش والتنظير بخصوص أخطاء السلطة قي سوريا، والحديث عن مسؤولية السلطة أو الاتهام بإعادة صناعة الاستبداد وأدلجة الخوف، وإن كان يراد به باطل فهو قد يكون محقاُ، ولكنه يبقى قي إطار التنظير ولا يقترب من الواقع السوري بأي شكل من الأشكال وهو بالتالي يؤدي إلى خطأ قي تشخيص المشكلة ولا يقدم حلول ناجعة.
ما يؤسفنا جميعاً أن سوريا اليوم لا تمتلك مقومات دولة مستقرة اليوم، ولم تكن كذلك في عهد الأسدين طبعا ولكنها اليوم في أسوأ حالاتها وتفترق عن حالها الأسبق ببصيص الضوء الذي يجعلنا نعمل معاً من أجل البناء، على أن يكون ترتيب الأشياء صحيحاً ويأتي تباعاً ونتوخى الحذر بألا نضع العربة أمام الحصان بما يمنعها من المضي قدماً.
إن جسد الدولة وفقا للمفهوم النظري يتشكل من أرض وشعب وسلطة غير أن ذلك ليس كافياً للقول بأننا أمام دولة، وإلا كان بإمكاننا اعتبار أي مجموعة بشرية ذات زعامة وتقبع في جغرافيا معينة دولة بمفهومها المجرد المحدود، ذلك أن روح الدولة يكمن في المؤسسات والقانون وفيما عدا ذلك فهي لا تمثل دولة بالمعنى الحقيقي، لكننا في سوريا اليوم لا نملك أيا من ذلك فالسوريون أغلبهم اليوم تتلخص احتياجاتهم بأشياء بدائية من مأوى ومأكل ومشرب وليس لدينا من مقومات الدولة المادية أو بنية تحتية لنبدأ بالبناء عليها.
يبدو أن اختبار السوريين الحقيقي اليوم ليس التفكير في السلطة والحياة السياسية وهو استحقاق هام لا شك في ذلك غير أن الأولوية هي بناء دولة مؤسسات وقانون لتكون هي العمود الفقري للدولة، وتكون مستقلة عن السلطة أياً كانت السلطة القائمة، فإذا تحقق ذلك يمكننا بعدها الاختلاف حول مفاهيم ومصطلحات سياسية وإذا لم تتحقق فلا شيء قد يمنع الاختلاف من أن يتحول إلى عراك وصدام.
ما أريد قوله أننا لم نصل بعد إلى شكل الدولة لأننا في مرحلة ما قبل الصفر، لكننا في ظل هذه المهاترات المضللة والمشتتة سوف نشلّ حركة البلاد سياساً ونضيع الهدف الرئيسي، بتقاذف الكرات ورمي المسؤولية على أكتاف السلطة التي لا يعترف بها البعض ونقطع الطريق على أنفسنا بأن نصنع دولة أصلاً.
إن بناء الدولة هو مسؤوليتنا جميعا ومن غير المنطقي أن نطالب سلطة لا نعترف بها أن تبني الدولة فيما نضع نحن العصي في العجلات ثم نراقب النتائج ونتصيد الأخطاء، فنصبح شركاء في المغنم دون المغرم، ذلك أن بناء الدولة هو عمل مشترك لا يمكن لأحد التنصل منه.
يبدو الوضع الاجتماعي اليوم متشظياً إلى حد لا يمكن التعامل معه بسهولة، وقد يدفع بعضاً منا إلى اليأس والانكفاء والانسحاب من المشهد العام، لكن ذلك قد يضعنا أمام مسؤولية تاريخية من غير اللائق بعدها التنصل من نتائجها.
إن الوضع السوري على تعقيده يعيش اليوم مخاضه الخاص ففي الهزات السياسية الكبرى يلتجئ الإنسان ويرتد إلى المكان الأكثر أمنا بالنسبة اليه مثل منطقته وطائفته، إنها تشكل الانتماءات المحدودة للشعوب التي عمل الاستبداد على تفريغها من هويتها الوطنية، وإذا استطعنا تخيل المجموعات السورية اليوم بناء على أكثرية وأقلية بحسب العدد، فمع الوقت ومع تطور الحياة السياسية ستتغير هذه المجموعات البشرية وتتحرك وفق ما يتناسب وانتمائها الفكري، لا الطائفي أو المناطقي، لايوجد بالطبع يقين بخصوص كيفية تحركها وكيف ستصبح أعدادها، فهذا متعلق بالأحزاب السياسية والمجتمعية التي ستتشكل ومرهون بنجاح السلطة الحالية ببناء الدولة وبناء الوعي السياسي وإطلاق الحريات وخلق فضاءات فكرية وثقافة وسياسية تتسع للسوريين جميعاً.
تلفزيون سوريا
——————————-
إلى ياسر مخلوف مع تحيات رجال (سوريا الحرَّة)/ مالك داغستاني
2025.04.10
اعتُقل في شهر شباط/فبراير 1982، وأُطلق سراحه في شهر آذار/مارس عام 1997. خمسة عشر عاماً وبضعة أيام، قضاها بين سجني تدمر وصيدنايا. إنه صديقي “ياسر مخلوف”. أعرف، في هذه اللحظة بعد قراءة الاسم أن الكنية لفتت نظركم.
نعم هو ابن عائلة مخلوف، التي يعرفها السوريون، من قرية بستان الباشا على الساحل السوري. بعد عام ونصف من السجن، حظي ياسر بزيارة في سجن تدمر، عبر وساطة من خارج العائلة. حينها طلب من والديه ألا يحرجا نفسيهما بأي وساطة من أحد، مضيفاً أنه سيخرج من السجن عندما يخرج رفاقه جميعاً. وكان معتقلاً للانتماء إلى حزب العمل الشيوعي. التزم الأهل بطلب ابنهما طيلة فترة سجنه.
عام 1984، قبل ذكرى (الحركة التصحيحية) بأيام قليلة، تم تحويل ياسر من سجن تدمر إلى فرع التحقيق العسكري بدمشق بقصد الإفراج عنه. لينضم هناك إلى معتقلين اثنين، أحدهما ابن شقيقة زوجة محمد مخلوف، مع ابن عمّه، والاثنان أبناء عائلة علوية شهيرة. يبدو أن اسم ياسر أضيف إليهما باعتباره الأقرب للعائلة الحاكمة، فهو الابن الأكبر لابنة شقيقة زوجة الأسد الأب.
قابله العميد كمال يوسف رئيس الفرع في مكتبه، وطلب منه أن يتعهد أمامه شفهياً، بألا يعود للعمل السياسي المعارض، وسوف يطلق سراحه على الفور. كان جواب ياسر صادماً للعميد، وفيما بعد لحافظ الأسد (وهذا تقديري الشخصي). قال الرجل: أنا اليوم سجين ولست في التنظيم. لا أعلم ما هو الوضع في الخارج. إن أطلقتم سراحي سأرى الوضع وأعود لأخبركم إن كنت سأمارس العمل السياسي أم لا.
نهاية المقابلة، فهم العميد يوسف أن ياسر لن يتعهد بأي شيء. وبينما أُطلق سراح الآخَرَين، فقد تمت إعادة ياسر إلى سجن تدمر، ليقضي سنواته الطويلة هناك، قبل أن ينقل إلى صيدنايا، ويُقدَّم بعد عشر سنوات من التوقيف العرفي إلى محكمة أمن الدولة العليا. أصدر عليه القاضي فايز النوري حكماً بالسجن خمسة عشر عاماً، مع كثيرين من رفاقه. الأمر الذي يمكنني تفسيره بحقد شخصي من الأسد، فكيف لأحد أن يرفض (مَكرُمةً) كهذه منه! في حين لا يمكن لأي معتقل سوري أن يحلم بها في تلك الفترة، حيث بقي قفل السجن السوري مغلقاً بإحكام لسنوات طويلة.
كان ياسر في سنته الدراسية الثالثة في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حين اعتقاله. سيكمل دراسته ويتخرج منها بعد خروجه من السجن. وأكثر من ذلك سيدرس الترجمة ويحصل على شهادة جامعية أخرى فيما بعد، وسيحترف العمل في الترجمة من اللغة الإنكليزية التي أتقنها جيداً خلال سنوات السجن. لم يلجأ الرجل إلى أبناء العمومة لطلب أية مساعدة، كما يمكن أن يخطر
في البال. وكان معظمهم متحرجاً من إقامة علاقة مع ابن العم المعارض. أما ياسر فبدا متفهماً للأمر، وأبقى معهم على علاقات المجاملات العائلية وحسب.
التقينا هو وأنا قليلاً بعد السجن وعلى فترات متباعدة، لكن خلال زيارتي لسوريا بعد سقوط الأسد، زرته في بستانهم في القرية، وهو إرث له ولإخوته من والديهما. جلسنا في بيوت الإخوة التي ستحترق فيما بعد. قضيت هناك ساعات قليلة معه ومع أصدقاء آخرين. بدا ياسر خلالها أشدّنا فرحاً بسقوط الأسد، وأكثرنا تفاؤلاً عن المستقبل وعن سوريا الجديدة، رغم عدم التوافق الفكري والسياسي مع من يحكمون البلد. بل وسخرنا معاً من المخاوف غير المبررة للعلويين المدنيين!
قبل أيام، فاجأني مقطع مصور بكاميرا ياسر نشره أحد الأصدقاء. بدا البيت الذي تناولنا الفطور فيه محروقاً بالكامل. وعلى الجدار ظهرت كتابة خلّفها الفاعلون، سيقرأها ياسر بصوته: “ذكرى عبد الله عبد القادر عبد الله. 6 شهر رمضان” مع توقيع شخصي وتوقيع عام سيقرأه ياسر بمرارة “رجال سوريا الحرّة”، فيتساءل بعدها باستغراب: “رجال سوريا الحرة؟! يا شباب، هذا البيت لناس أحرار من سوريا الحرة”. في منزل شقيقته ردينة، مهندسة معمارية، استخدم أحدهم ألوانها ورسم (خربش) خطوطاً على الجدار، ثم وقع باسم “أبو تراب الحلبي”.
باتصال مع العائلة بعد مشاهدة الصور، سأعلم أن أخوَي ياسر، اللذَين كانا يشعران بالطمأنينة خلال ما سُمّي (النفير العام)، لم يغادرا البستان. بقيت سحر هناك، وهي مهندسة زراعية، تدير العمل مع أخيها أحمد. خلال ساعات، حضرت إلى بستان الحمضيات الذي يقع على الطريق العام، طرطوس اللاذقية، عدة مجموعات مسلحة على التوالي. سرقوا سيارتي الأخوين، وحملوا بهما المؤونة العائلية من الزيت. سيخبرني ياسر على سبيل الطرافة المريرة، أن الأمر بدا وكأنه اختصاصات لناحية (التعفيش).
هناك مجموعة أخرى نهبت الأجهزة الكهربائية فقط، ثم تلتها أخرى سرقت خلايا النحل. لكن الثابت خلال كل ما جرى أن أمر إعدامهما قد نوقش من قبل كل المجموعات. مجموعة تجنبت قتل أحمد لأنه كهل. لكن واحداً من عناصر جماعة أخرى أخذ أحمد جانباً وقرر إعدامه، فقفزت الأخت أمامه وطلبت أن يقتلوها قبله. أنجتهما مصادفة طيبة، حين دخل القائد في ذات اللحظة وسأل مستنكراً عن إعدام امرأة! فجاءه الجواب من مرؤوسه بأنها “هي من طلبت ذلك”. فما كان من قائد مجموعة اللصوص إلا أن أصدر أمره بمنتهى الشهامة “اتركهم، فنحن لا نقتل النساء”!
خلال لحظة انشغال المجموعة السادسة التي دخلت البستان، خلا المكان من أي عنصر قريب، وبينما سمع الأخوان إطلاق رصاص في البستان المجاور، قررا الهرب. انطلقا وتسلقا السور،
راكضين بين البساتين المتلاصقة ساعات طويلة، ملتجئين إلى بعض المزارع التي خاف أصحابها من استقبالهم بها، فوصلا مدينة اللاذقية في اليوم التالي. سيعلمان فيما بعد أن إطلاق النار الغزير أفضى إلى مقتل محمد منير مخلوف.
للمصادفة، من بين أفراد عائلة مخلوف الكبيرة والثرية، لم يُقتل سوى محمد منير مخلوف الذي يقيم في البستان المجاور. يدير الرجل عملاً خاصاً بعيداً عن الأعمال غير الشرعية، ويعرف عنه المحيطون أنه كان شهماً يندفع لتقديم المساعدات لمن يحتاجها. ربما لصفاته تلك، كان ممن اختيرو في وفدٍ قابل الرئيس الشرع عند زيارته اللاذقية. سيخبرني ياسر أنه كان من بين أصدقائه القلائل في العائلة، وأقربهم إليه. أما باقي أفراد العائلة المؤيدين فقد نجوا لأنهم لم يشعروا بالأمان مع السلطة الجديدة، ففروا من سوريا، أو احتموا بأمكنة حيث لا تطولهم يد العدالة.
في البستان احترق بيتان وتم تحطيم الثالث، وسرقت مضخات البئر، وألواح الطاقة الشمسية والأدوات الكهربائية والمناحل. فعل المهاجمون كل ما كان يفعله “شبيحة الأسد” خصوصاً من جنود الفرقة الرابعة وتوابعها. بدا الأمر لي وأنا أصغي لما جرى، وكأننا ما زلنا نعيش في “بلاد الفرقة الرابعة”، التي شكّلت كابوساً للسوريين على مدى سنوات.
توفيت والدة ياسر قبل أربع سنوات، بيني وبين نفسي قلت حسناً أنها لم تشهد هذا اليوم. هناك الكثير من المآثر لأمهات معتقلي صيدنايا، وهناك عدّة أمهات شهيرات. لكن أم ياسر كانت أشهر أمهات صيدنايا على الإطلاق، بما قدمته للسجناء وعائلاتهم من خدمات، بمن فيهم معتقلون إسلاميون، حيث كانت تحضر لهم حاجياتهم، وتدور على بيوت عائلاتهم في أكثر من مدينة، لأنهم ممنوعون من الزيارة. حين توفيت نهايات عام 2020، نعاها ونشر صورها المئات من الأشخاص على وسائل التواصل. أحد الأصدقاء سألني من تكون تلك المرأة حتى ينعاها كل هؤلاء البشر؟ أجبت: ألا تعلم! إنها أنجيلا. كان اسمها نجلا ولكن السجناء أطلقوا عليها لقب أنجيلا، تيمناً بمناضلة حقوق الإنسان الأميركية الشهيرة أنجيلا ديفيس.
هل أكتب عن ياسر لأنه صديق شخصي؟ نعم، على الأرجح أن هذا واحد من الدوافع، فمعرفتي الدقيقة بسيرة حياته الكاملة، تدفعني للكتابة عن أمر أعرفه بدقة وبكامل تفاصيله. لكن هذا لا يلغي الدافع الأكبر، وهو إدانة كل تلك الاعتدءات التي تحولت إلى مجازر في كثير من بلدات وقرى الساحل وذهب ضحيتها أبرياء، أودى بأكثرهم شعورهم بالأمان وبأنهم لم يفعلوا شيئاً يستحقون أن يتعرضوا بسببه لأي اعتداء ولا حتى إهانة، لذا لم يهربوا كما فعل المجرمون.
قصة ياسر هي مثال متطرف، ليس فقط عن الوحشية التي مورست في الساحل، بل هي دليل براءة أغلب الضحايا، لدرجة أن تلك الوحشية طالت من دفع ربع عمره في سجون الأسد.
بالتأكيد، ليس الأمر بالنسبة لي أنها بيوت ياسر الذي أعرفه وإخوته، فكل الاعتداءات وقتل وحرق وسرقة بيوت المدنيين الأبرياء أعمال إجرامية لا تقوم بها لا دولة ولا ثوار.
هذه أعمال عصابات تحسب أنها مُغطّاة أمنياً، ولن تنالها المحاسبة، وإلا ما معنى أن يشعر المجرم بما يشبه الأمان المطلق، فيوثّق فعلته ويوقِّع باسمه الثلاثي على الجدار. اليوم، للمفارقة المريرة، يلحُّ علي السؤال: بأية حكمةٍ تحملها تقادير الحياة، سارت الأقدار على نحوٍ جعلت من مجرم كحافظ الأسد يضيع شباب رجل مثل ياسر في السجن، ثم ليأتي بعده مجرمون لصوص رعاع، يماثلون الأسد بدونيتهم، فيحرقون بيته وبيوت إخوته، وربما لو تصادف له أن كان هناك لقتلوه؟
الكثير مما يجري في سوريا اليوم، ويعتقده كثيرون نوعاً من البطولة والانتصار، إنما هو الوصفة الناجحة لإعاقة بناء الدولة الجديدة، بل والمساهمة في تحطيمها قبل ولادتها. مع شيء من الحسرة قال لي ياسر “الكارثة أن الأسد الابن، لم ينهب موارد سوريا إلى ما دون الصفر خلال حاضرنا وحسب، بل أكل ونهب من مستقبلنا ومستقبل سوريا والسوريين”.
لكن ألم يكن بإمكان السلطات الجديدة تلافي ما حدث في الساحل أو على الأقل التخفيف منه؟ هل حقاً لم تمتلك المقدرة على ضبط الفصائل والأفراد الذين انضووا تحت مظلة وزارة دفاعها؟ أم أنها لا تمتلك الإرادة لذلك؟ مهما كان الجواب فالأمر سيّان، وهو لا يعنى سوى أننا لم ولن نصل قريباً لنكون دولة.
يوم 8 كانون أول/ديسمبر الماضي، ذهب ياسر رفقة شقيقته سحر إلى قبري والديهما، وضعا وردة فوق كل قبر. أخبرهما ياسر أن نظام الأسد قد سقط. اليوم، المفارقة التي لم تفاجئني كثيراً وأنا أتحدّث إليه، لأنني أعرف روح الرجل جيداً، مازال ياسر، رغم كل ما جرى له على الصعيد الشخصي، متفائلاً بسوريا القادمة!
تلفزيون سوريا
——————————–
إيران وحلم النفوذ الإقليمي.. الحلم المستحيل/ صهيب جوهر
2025.04.09
لم يكن العقل العربي ليتخيل قبل 7 أكتوبر 2023 وما نتج عنه من تحولات، أن تضطر إيران للتفاوض على أوراق قوتها وجماعاتها التي استثمرت في بنائها عقودا طويلة، كما يحصل اليوم، والذي لم تعتمد يوماً على واقعية أو عقلانية سياسية، وإيران نفسها لو علمت مآلات الأمور يوماً لوفرت على نفسها وقتاً طويلاً أهدرته، ومليارات دفعت كرمى لعيون أنظمة وجماعات على امتداد العراق ولبنان واليمن ودول أخرى خليجية حاولت التسرب إليها بالعنف أو الخلايا.
ولعقود متعددة بقيت طهران بالرهان على أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريد أو تقوى على شن حرب على منشآتها النووية وتقويض نظام الحكم الإيراني ووقف تمدد النفوذ الإقليمي في العواصم التي لطالما تفاخرت بالسيطرة عليها، والتي ترجمت مؤخراً بما عبر عنه أحد نواب حزب الله بالقول أن النظام السوري سقط نتيجة عدم اختياره خيار القتال.
وكانت طهران تعول دائماً على بقاء قوى إسرائيلية أقل يمينية من الأحزاب الموجودة اليوم في الحكم في إسرائيل، كما تستلزم وصول إدارة أميركية متحمسة لخيار الحرب على اعتبار أن إسرائيل ستكون عاجزة عن تنفيذها سياسياً وعسكرياً من دون شراكة أميركية دولية شاملة.
وحتى دونالد ترامب تجنب الحرب مع إيران في ولايته السابقة، واكتفى بالانسحاب من الاتفاق النووي. ما فتح الباب لطهران للاستفادة من المماطلة في الوقت لتكريس قدراتها وقوتها الذاتية والإقليمية، وكان الديموقراطيين حينها قد عادوا إلى الحكم مع رئيس أميركي متردد هو جو بايدن. لكن ما جرى اليوم يحمل في طياته أخطار محدقة، فقد حصل التزاوج السياسي بين اليمين الإسرائيلي واسوء اليمين الأميركي، بوصول الجانبين للحكم في واشنطن وتل أبيب.
وما يزيد من المخاوف الإيرانية اليوم، هي الضربات القاصمة التي تلقتها فصائل لبنانية وعراقية ويمينة، إضافة لسقوط نظام الأسد البائد في سوريا، على مدى سنة ونيف من الحرب والقتال المتواصل، ما أدى تقريباً
إلى تعطيل قدرتها القتالية. فبات يتصدى للهجمة الإسرائيلية – الأميركية في الداخل الإيراني نفسه وهو الذي أسس هذه المجموعات كخط الدفاع الأول عن إيران، ما يعني أن المعركة في حال ضربت إيران ستكون نهائية وحاسمة. ولذلك، هو بدأ يستنفد الأوراق المتبقية في يده، وأبرزها: تحالفه مع روسيا والصين، ومحاولة إرضاء إدارة ترامب بصفقة النووي، ومحاولة إقامة تحالفات مع أطراف إقليمية كتركيا وبعض الدول الأوروبية.
وهذا الانفكاك الإيراني – الروسي، أتى عقب الاتصالات الروسية – الأميركية، عبر عروض ترامب لبوتين في أوكرانيا لتحييده عن خياراته في الشرق الأوسط، في حين اتخذت الصين قراراها التاريخي بعدم الانجرار بحروب تتورط فيها. وهي بدأت تلوح بورقة تايوان، لعلها تكون موضع مقايضة شبيهة بمقايضة أوكرانيا مع روسيا. وفي الوقت عينه، تقدم إيران إلى الأميركيين عروض تفاهم، لكنها حتى اليوم لا تبدو مثمرة.
وسعت إيران للقيام بعملية التفافية، علها تستعيد بعضاً من المبادرة عبر دفعها مع أحد الأطراف الإقليمية لأحداث الساحل السوري، إضافة للأحداث على الحدود اللبنانية – السورية، وهذه المحاولة كان يمكن أن تخلق حضوراً ايرانياً في الساحل وفي جزء من الحدود مع لبنان، لكنها حتماً لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء على مستوى الحكم، لا في سوريا ولا في لبنان، أما ميدانياً فأحكمت الإدارة السورية الجديدة يدها على الحدود مع لبنان، وأقفلت أحداث الساحل رغم الانتهاكات الإنسانية التي جرت ويجري التعامل معها بلجنة تحقيق.
لذا فإن إيران خسرت مشروع الحضور الإقليمي المعتمد بالدرجة الأولى على الطائفة والدرجة الثانية على مشروعية القضية الفلسطينية، وباتت اليوم مستعدة بحصر حضورها ببعض الحلفاء السياسيين في لبنان والعراق واليمن، لكن دور روسيا لم يكن داعماً على ما يبدو، على رغم من امتلاكها قاعدتين عسكريتين في سوريا. فإيران ليس لديها ما تخسره إذا فشلت المحاولة، وأما بوتين فلا يريد إحراق أوراق العلاقة مع الإدارة الانتقالية في دمشق لرهانات إيران.
وعليه يممت طهران وجهها شطر أنقرة، علها تنجح في عقد صفقة محتملة في سوريا والعراق ولبنان، وهذا الأمر عبر رسائل وجهت لتركيا عن إمكانية دعم أنقرة ضد المجموعات الكردية في العراق وسوريا، وتسليم معارضين أكراد لديها، وهذا الأمر لا يبدو أنه ناجز بين القوتين الاقليميتين وخاصة أن الثقة مفقودة مؤخراً وتأكدت مع أحداث الساحل السوري والحدود مع لبنان.
وهذا الحراك الإيراني، أطلق العنان لتحرك إسرائيلي جارف في سوريا أولاً، وثانياً عبر عودة الاستهداف والاغتيالات في لبنان، وتحديداً الى الضاحية الجنوبية لبيروت، فإسرائيل تحرص اليوم على منع نشوء أي قوة تسعى لوراثة الحضور الإيراني في سوريا أو لبنان، ولكن بالتأكيد ستحاول إيران دائماً أن تستعيد بعض نفوذها، ولو على جزء من أي بلد كان جزء من جغرافيا حضورها الإقليمي، وهذا يعني أنها لن تمانع في أي يوم في اعتماد خيار التقسيم لتحقيق هذا الهدف.
ربما يتقاطع الإيرانيون مع إسرائيل التي تحتفظ بخطط تاريخية لتقسيم المنطقة طائفياً وعرقياً. لكن الإسرائيليين لن يوافقوا على إقامة مناطق نفوذ لإيران في الدول المحيطة بهم. وهذا يعني في المحصلة أن استعادة إيران لنفوذها السابق بات مستحيلاً في المدى المنظور، أياً كانت الظروف. فالمتغيرات التي حققتها عملية طوفان الأقصى أولاً، وسقوط الأسد ثانياً، فتحت الباب على عالم جديد، ومنطقة إقليمية مستحدثة.
————————–
اعتراف قائد “صقور الصحراء” سابقا بشأن أحداث الساحل السوري يثير الغضب بالمنصات
10/4/2025
أثار ظهور محمد جابر، قائد مليشيا “صقور الصحراء” سابقا، جدلا واسعا في الأوساط السورية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد اعترافه بإدارة الهجوم العسكري الذي نفذته مجموعات مسلحة ضد الحكومة السورية الجديدة في الساحل السوري.
هذه العملية، التي وقعت بتاريخ السادس من مارس/آذار، أودت بحياة أكثر من 200 عنصر من جهاز الأمن العام، إلى جانب مئات المدنيين الذين قضوا نتيجة الفوضى والانفلات الأمني أثناء العملية وبعدها.
جاء اعتراف محمد جابر خلال ظهوره في مداخلة تلفزيونية عبر قناة “المشهد” مساء الثلاثاء، حيث أشار إلى أن العملية العسكرية في الساحل لم تكن بحاجة إلى تمويل، مؤكدا وجود كميات كافية من السلاح والذخائر في المنطقة.
هذا الاعتراف أثار تساؤلات عديدة بين السوريين حول دوافع ظهوره بهذا التوقيت، فقد تفاعل السوريون على منصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع مع تصريحات جابر، مستذكرين الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري خلال الثورة.
المجرم محمد جابر، المقيم في روسيا كان قد أقسم في البداية أنه لا علاقة له بهجمات الساحل، لكنه عاد واعترف لاحقاً بأنه خطط وأدار ما أسماها بـ”المعركة” واعترف أيضاً بأن “السيد” غياث دلة شكّل مجلساً عسكرياً من فلول النظام، بينما كان هو (محمد جابر) يدير مدنيين حملوا السلاح! وأكد أنه… pic.twitter.com/uRTqyOlDqM
— مُضَر | Modar (@ivarmm) April 8, 2025
وأعاد الناشطون نشر تقارير حول تورطه في أعمال تهريب برعاية فواز الأسد، الذي كان الداعم الأساسي له.
ليطلق جابر بعد اندلاع الثورة السوريا على نفسه لقب “المجاهد”، وأسس مليشيا “صقور الصحراء” في عام 2013، التي شاركت في عدة معارك ضد الفصائل المعارضة للنظام.
بحسب الشهادات المتداولة على وسائل التواصل، تعاون محمد جابر من خلال مليشياته مع شقيقه أيمن، قائد مليشيا “مغاوير البحر”، في حماية حقول النفط في البادية السورية بدعم مباشر من روسيا.
وشاركت مليشيات الأخوين جابر في معارك متعددة بما في ذلك معركة كسب عام 2014 ومعارك أخرى في حلب وريف حمص. ونشر ناشطون صورة تظهر محمد جابر عام 2016 وهو يحمل رأسا مقطوعا في ريف حمص الشرقي، مما زاد من حدة الانتقادات تجاهه.
مع اندماج مليشيا “صقور الصحراء” في الفيلق الخامس، تراجع نفوذ محمد جابر، مما دفعه لاحقا إلى مغادرة سوريا والاستقرار في روسيا. ومع ذلك، عاد إلى الواجهة بتصريحاته المثيرة للجدل، متحديا الرئيس أحمد الشرع وواصفا العملية العسكرية بـ”المعركة” التي كان يديرها مدنيون حملوا السلاح تحت قيادته.
عقب تصريحاته، طالب ناشطون الحكومة السورية بإصدار مذكرة اعتقال دولية بحق محمد جابر عبر الإنتربول بتهمة محاولة الانقلاب على الحكم وقتل الأبرياء.
في المقابل، شكك البعض في مسؤوليته المباشرة عن أحداث الساحل، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي أكد امتلاك تركيا معلومات استخباراتية حول تورط دول أخرى في إشعال الوضع هناك.
بعد مشاهدة المزيدة من هذا اللقاء تبدو مسرحية أكثر منها لقاء عفوي الهدف منه وضع اللوم على السلطة واخراج إيران وروسيا من المشهد مع تجنب الحديث عن عملية الغدر الواسعة التي قاموا بها وحرضوا فيها المدنيين على حمل السلاح.
محمد الجابر كان ينسق إحضار المجموعات الإيرانية منذ عام ٢٠١٣…
— Ahmad | الْفَارُوق (@ahmad_21289) April 9, 2025
ورجح آخرون أن يكون تلقي جابر الضوء الأخضر من روسيا لتبني مسؤولية العملية بغرض التغطية على الجهات الدولية المتورطة، وهو ما أثار مزيدا من الجدل حول حقيقة الأحداث.
المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي
——————————-
لن تكون قضيّة علويّة في سوريا/ خيرالله خيرالله
لا مصلحة للبنان في إضاعة الوقت. لا يعود ذلك للحاجة إلى انتظار ما الذي ستؤول إليه الأحوال بين الولايات المتّحدة وإيران، بمقدار ما يعود إلى أنّ الوضع في سوريا تغيّر نهائياً في غير مصلحة “الحزب” وإيران. لن تعود إيران إلى سوريا بغضّ النظر عمّا إذا كان أحمد الشرع باقياً أم لا. كلّما استعجل لبنان في حسم أموره لمصلحة تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من أراضيه، كان ذلك أفضل له… بغضّ النظر عن الثمن الذي لا بدّ من دفعه من أجل استعادة كلّ متر مربّع من الأرض المحتلّة في الجنوب.
الأكيد أنّ لبنان يمرّ في مرحلة اختبار. سيتوقّف الكثير على ما إذا كانت في استطاعته الاستفادة من التجارب التي مرّ فيها في السنوات الخمسين الأخيرة كي لا يصبح جزء من الجنوب أرضاً محتلّة منسيّة على غرار ما حصل في سوريا، حيث رفض حافظ الأسد ونجله بشّار في عهدَيهما “الميمونين” القيام بأيّ خطوة من أجل استعادة الأرض السوريّة (هضبة الجولان) المحتلّة منذ عام 1967.
في زيارتها الأخيرة للبنان، حملت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس عصا غليظة استخدمتها بلطف شديد في تعاطيها مع المسؤولين اللبنانيين. تتمثّل العصا الغليظة في إفهام اللبنانيين بمنتهى اللياقة أن لا مساعدات ولا إعادة إعمار ولا انسحاب إسرائيليّاً من دون تجريد “الحزب” من سلاحه. عرضت “شراكة” أميركية مع لبنان في حال توافر شروط معيّنة في مقدَّمها معالجة موضوع سلاح “الحزب” والإصلاحات وتنفيذ اتّفاق وقف النار مع إسرائيل.
مع انتهاء نظام آل الأسد، انتهى أيضاً حلف الأقلّيّات الذي كان في مرحلة معيّنة نقطة التقاء بين إسرائيل وإيران وكلّ توابع المشروع التوسّعي لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”
تسمية الأشياء بأسمائها
كانت أورتاغوس في غاية الوضوح عندما سألت الزميل الذي كان يُجري معها حديثاً عبر قناة “LBCI”: “من هو لبنان؟”. أرادت بذلك تصحيح المعلومات الواردة في السؤال الموجّه إليها. كان السؤال الذي طرحته مناسبة لمورغان أورتاغوس لتأكيد أنّ رئيس الجمهورية جوزف عون “لم يرفض تشكيل اللجان” الثلاث، موضّحة أنّ الأمر يتعلّق بمعالجة مسائل المحتجزين اللبنانيين في إسرائيل، وترسيم الحدود، والانسحاب الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك، لم تترك أورتاغوس مجالاً للشكّ في الحاجة إلى الإسراع في الإصلاحات في كلّ المجالات، خصوصاً في ما يخصّ القطاع المصرفي. يبدو جليّاً أنّ المبعوثة الأميركيّة تدرك أهمّية الوقت، وهي أهمّية يفترض باللبنانيين إدراكها أيضاً… في حال كانوا يريدون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلدهم وتفادي استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجزء مهمّ من الجنوب.
من المفيد أن يتذكّر كلّ لبناني أنّ ما بدأ بإغراق بلده بالسلاح، وهي مهمّة تولّاها حافظ الأسد ونظامه منذ ما قبل انفجار الوضع اللبناني في 13 نيسان 1975، لا يمكن أن ينتهي بغير سحب السلاح الموجود حاليّاً لدى الميليشيا المسمّاة “الحزب” والتي ليست سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.
لم تفعل “الجمهوريّة الإسلاميّة” منذ دخولها لبنان عسكريّاً صيف عام 1982 سوى إغراقه بالسلاح على طريقتها، خصوصاً مع خروج السلاح الفلسطيني من البلد.
مرّة أخرى، هل وارد أن تولد من رحم المأساة اللبنانيّة مجموعة شيعيّة متماسكة وعريضة تستطيع تسمية الأشياء بأسمائها؟ يبدأ ذلك بالاعتراف بأنّ حرب “إسناد غزّة” انتهت إلى هزيمة ساحقة ماحقة لحقت بـ”الحزب” وبلبنان كلّه وشرّدت أهل الجنوب الذين أخذتهم إيران إلى كارثة.
في زيارتها الأخيرة للبنان، حملت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس عصا غليظة استخدمتها بلطف شديد في تعاطيها مع المسؤولين اللبنانيين
الأهمّ من ذلك كلّه أنّ من الضروري مراقبة الوضع السوري وما يشهده البلد من أحداث تدلّ على أن لا مجال لخلق قضيّة علويّة في سوريا. يوجد درسان يبدو مفيداً التوقّف عندهما بعد أحداث الساحل السوري في السابع والثامن من آذار الماضي. يشير الدرس الأوّل إلى أنّ المجتمع الدولي ليس في وارد تضخيم ما تعرّض له العلويّون بعد محاولتهم الرّدّ على النظام الجديد. أمّا الدرس الثاني، فهو مرتبط بردّ فعل أهل السنّة في كلّ أنحاء سوريا ردّاً على تحرّك العلويين بدعم إيراني في مناطق معيّنة.
هواجس يجب تبديدها سكان “المالكي” حملوا السلاح..
كان لافتاً، استناداً إلى شاهد، أنّ أهل دمشق من سكّان الأحياء الفقيرة، وحتّى الغنيّة مثل حيّ المالكي على سبيل المثال لا الحصر، أخرجوا ما لديهم من سلاح وسعوا إلى التوجّه إلى مناطق القتال في الساحل السوري. يؤكّد الشاهد أنّ ما حصل كان دليلاً على وجود إجماع لدى الأكثرية السنّيّة في سوريا على منع عودة العلويين إلى السلطة بأيّ شكل من الأشكال وبأيّ ظرف من الظروف. بات الهاجس العلويّ حاضراً في ذهن كلّ سوريّ سنّيّ.
هل يتأقلم “الحزب” مع الوضع الجديد في سوريا، هذا في حال كان يريد بالفعل إعادة النظر في سياساته واتّخاذ موقف مستقلّ إلى حدّ ما عن موقف إيران؟ قد يساعده في التأقلم والسعي إلى العودة إلى حضن الدولة اللبنانية ومؤسّساتها سقوط الرهان على أيّ عودة إيرانية إلى سوريا عبر العلويين أو غيرهم، بما في ذلك إسرائيل.
مع انتهاء نظام آل الأسد، انتهى أيضاً حلف الأقلّيّات الذي كان في مرحلة معيّنة نقطة التقاء بين إسرائيل وإيران وكلّ توابع المشروع التوسّعي لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”.
هل في لبنان من يستوعب هذه المعادلة الجديدة في سوريا التي عنوانها استحالة خلق قضيّة علويّة أو قضيّة حماية الأقليّات التي ليس ما يشير إلى أنّها مهدّدة بمقدار ما أنّ الموضوع موضوع هواجس من الضروري سعي الرئيس أحمد الشرع إلى تبديدها اليوم قبل غد؟
أساس ميديا
——————————————–
======================
عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 10 نيسان 2025
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
————————–
الاعتداءات الإسرائيلية إلى أين؟/ فايز الأسمر
2025.04.10
لا شك أنه مع بدايات سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول من العام الماضي، بدأت إسرائيل بشن مئات الغارات الجوية الإجرامية على أهداف ومواقع عسكرية كالمطارات والموانئ، مستهدفة من خلالها القدرات العسكرية التكتيكية والاستراتيجية البرية والبحرية والجوية، والبنية العسكرية التحتية للجيش السوري الجديد. حيث دمرت تل أبيب من خلال غاراتها الغاشمة تلك أكثر من 85 بالمئة من قدرات الجيش السوري الوليد.
بل إن حكومة نتنياهو المتطرفة لم تكتفِ بالضربات الجوية فقط، فقام جيشها ولا يزال، وبشكل شبه يومي تقريبًا، بالعديد من التوغلات البرية على طول الحدود مع الجولان المحتل في محافظتي درعا والقنيطرة، سيطر من خلالها على مئات الكيلومترات المربعة من خط الجبهة (التماس)، بالإضافة إلى مرتفعات عديدة استراتيجية من قمم جبل الشيخ وحرمون.
وأقام جيش العدو في هذه المناطق تجهيزات وتحصينات هندسية، وطرقًا ومقتربات التفافية، ونقاط مراقبة ورصد.
وبالطبع، يأتي هذا كله في إطار استراتيجية إسرائيلية صهيونية مبيتة تهدف بشكلها العام إلى عدم رغبتها في رؤية نظام حكم قوي ومستقر في دمشق، معتمدة في هذا الأمر على العمل الدائم والمستمر في زعزعة الاستقرار الإقليمي، وإفشال أي محاولات هادفة للحكومة الجديدة لحل مشاكلها الداخلية المعقدة، وإعادة بناء قدرات البلاد الاستراتيجية المدمرة على جميع الأصعدة.
سقوط الأسد وحسابات تل أبيب
عمليًا، فإن التصريحات السياسية النارية لنتنياهو وشخوص حكومته، والتحركات العسكرية العدوانية المصاحبة لها على الأرض، إنما تأتي في إطار الموقف الإسرائيلي والسياسة العدوانية العامة التي تنتهجها حكومة تل أبيب تجاه دول المنطقة، وبالأخص تجاه الإدارة السورية الجديدة التي باتت، ورغم الصعوبات الموروثة الكثيرة والمتنوعة، تتصدر المشهد في دمشق.
وتعتبرها تل أبيب إدارة من أصول وجذور جهادية لا يُستهان بها أو يؤمن جانبها، بل تعتبرها تهديدًا محتملا أكيدًا لها إن لم يكن قريب المدى فبعيدًا، وخاصة أنه لا يخفى على أحد أن الكيان الإسرائيلي يرى في سقوط نظام المجرم بشار الأسد خسارة استراتيجية ثقيلة يحسب لها ولارتداداتها على المنطقة والإقليم ألف حساب.
فالواقع السياسي والميداني يقول بأن الكيان فقد من خلال سقوط هذا المجرم نظامًا ديكتاتوريًا شموليا حافظ على أمن وسلامة إسرائيل طوال 54 عامًا كاملة، هذا إن تناسينا أن النظام البائد قام ومنذ وقت طويل بتخدير شعوب المنطقة العربية والإسلامية من خلال شعاراته الخلبية الزائفة (الصمود والتصدي، الممانعة والمقاومة)، وغيرها من ترهات وفلسفات البعث الحاكم وقياداته الخشبية المنفصلة عن الواقع السوري والواقع العربي المعاش.
إسرائيل والإجرام المتأصل
في الواقع، فإن إسرائيل ومن خلال سلوكها التوسعي الإجرامي في العقود الثمانية الماضية كانت ولا تزال تعمل جاهدة وتستخدم كل الأدوات والوسائل الممكنة في سبيل رؤية محيطها الإقليمي والعربي، وعلى الأخص دول الطوق بلا أنياب أو مخالب، وعبارة عن دول فاشلة لا تقوى على حماية حدودها الوطنية. فكيف لها أن تفكر لعقود قادمة في استعادة أي جزء سليب من مغتصباتها؟ ولذلك فإن تل أبيب ومن خلال ذلك عملت ومنذ نهاية السبعينات على تحييد وتقييد الجانب المصري باتفاقيات كامب ديفيد، وسلكت السلوك ذاته مع الأردن من خلال توقيع اتفاقية وادي عربة. وفي الفترة الأخيرة قضت وبنسب كبيرة على القدرات العسكرية والتسليحية والبنى التحتية لحركة حماس في غزة وميليشيات حزب الله في لبنان.
من جانب آخر، فإن الواقع يقول بأنه وبعد سقوط الأسد الطاغية، فإن حكومة إسرائيل ومن خلال حساباتها المتعددة التي أثارت وإلى حد بعيد هواجسها الأمنية، هي التقارب المضطرد وإمكانيات حدوث تعاون عسكري تركي كبير مع حكومة دمشق، وإمكانية أن يكون هناك اتفاقيات دفاع مشترك بين الطرفين، وإقامة قواعد عسكرية في وسط سوريا. بل وحسب ما تناولته صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن هناك توجسًا وقلقًا واضحًا وملموسًا للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية مما وصفته بمحاولة أنقرة ملء الفراغ الناتج عن تفكك وانهيار نظام بشار الأسد، وتقديم نفسها كقوة وازنة مهيمنة بديلة في سوريا، عبر تشكيل محور إسلامي سني ليحل محل المحور الشيعي بقيادة إيران. وعليه جاءت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بأن تل أبيب لن تسمح لسوريا بأن تكون بأي شكل من الأشكال تهديدًا لدولة إسرائيل.
أوراق وخيارات حكومة دمشق المعقدة
في الواقع، فإن موقف الحكومة السورية الحالي هو موقف واضح ينحصر في مطالبتها بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط فض الاشتباك ما قبل سقوط النظام البائد. وخاصة أن هذه الحكومة لا تمتلك في هذا الوقت الصعب أوراقًا كثيرة أو خيارات عسكرية ميدانية تستطيع من خلالها مواجهة الاحتلال المتفوق عليها تسليحًا وتكنولوجيا، وإلى درجة كبيرة لا نستطيع من خلالها وبشكل مطلق المقارنة بين قدرات وإمكانيات الطرفين. وبالتالي فإن هذا يعني أن القيادة السياسية والعسكرية وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع، وحسب التصريحات، ليست معنية غالبًا بالدخول في صراع مفتوح ومباشر مع إسرائيل. فالحكومة الجديدة التي لم تمضِ إلا أسابيع على تشكيلها تنصب وتركز في أولوياتها على مسائل إعادة الإعمار، وعودة النازحين، وتحسين الوضع الاقتصادي والخدمي والمعيشي للمواطنين، وترتيب البيت الداخلي وتعافيه، خاصة مع وجود مناطق واسعة خارجة بشكل أو آخر عن سيطرة الدولة الوليدة، سواء في الجنوب السوري أو في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الكردية في شرق وشمال شرق البلاد. وإزاء ذلك، يبقى التعويل على الدور الدبلوماسي الضاغط للقوى الإقليمية والدولية، مثل تركيا والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، للعب الدور الحاسم في ضبط التوترات والتصعيد الحاصل، وتضافر الجهود لتركيز الضغط المباشر على إسرائيل لضمان وقف تعدياتها وتجاوزاتها، وإجبارها بأي شكل على التقيد والالتزام باتفاقية فض الاشتباكات 1974 والقرارات ذات الصلة، وعدم تطور الأوضاع الميدانية، وانزلاقها إلى صدام مباشر لا تبدو حكومة دمشق وجيشها مستعدة له لفترات قادمة قد تكون طويلة الأمد.
ختامًا
في الواقع، فإن إسرائيل لا تزال تبرر هجماتها الإجرامية الآثمة على سوريا بحماية أمن سكان مستوطنات الشمال المحتل (مرتفعات الجولان)، ولكن هذا بكل تأكيد ليس هو الهدف الحقيقي لعدوانها الجوي والبري الإجرامي المتواصل على الأراضي السورية. وإنما تل أبيب تريد من خلال تعدياتها فرض واقع ميداني جديد على الأرض، بعد أن ضرب نتنياهو بعرض الحائط اتفاقية فصل القوات، ومحاولته جر وإرغام الحكومة السورية الجديدة لتعديل هذه الاتفاقية، وفرض شروط جديدة تتعلق بنودها حسب رأيي بعمق المنطقة العازلة، والأسلحة المسموح تواجدها في محيطها، والموافقة على وضع أنظمة إنذار مبكر، وغير ذلك من الشروط المجحفة.
ناهيك عن الهدف الأسمى الذي يتجلى في منع ولادة وظهور سوريا قوية مستقرة اقتصاديًا وعسكريًا قد تشكل في قادم السنوات تهديدًا أمنيًا استراتيجيًا مباشرًا لها لذلك فمن الواضح أن تل أبيب تسعى إن استطاعت لفرض هيمنتها على حاضر ومستقبل سوريا في ظل الوجود التركي الذي ترى فيه تل أبيب منافسًا إقليميًا لا يجب أن يولد أو أن يستمر.
تلفزيون سوريا
—————————–
الإيكونوميست: تل أبيب تخشى “الحماية التركية” لسوريا الجديدة
ربى خدام الجامع
2025.04.08
طوال أسابيع، واظب مسؤولون في الجيش التركي على زيارة القواعد الجوية في مختلف أرجاء سوريا، كما شرعوا بوضع مخططات لتزويد بعض تلك القواعد على الأقل بمنظومات دفاع جوي ومسيرات مسلحة، وقد قيل إن التحضيرات لتولي تركيا زمام الأمور في قاعدة ت4 الجوية القريبة من تدمر كانت تجري على قدم وساق، ولكن هجوم إسرائيل عليها في مساء يوم الثاني من نيسان عطل كل ذلك، فقد قصفت الطائرات الإسرائيلية مدرج مطار ت4 ومنظومات الرادار في تلك القاعدة، كما قصفت ما لا يقل عن قاعدتين أخريين والعديد من الأهداف العسكرية الأخرى في سوريا.
وحتى يبددوا كل الشكوك حول مدى ذعر إسرائيل من النشاط التركي في سوريا ويحولوا كل ذلك إلى حقيقة قطعية، عمد المسؤولون الإسرائيليون إلى تشديد الرسالة الموجهة إلى الداخل، إذ ذكر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن سوريا مهددة بالتحول إلى منطقة تخضع للحماية التركية، كما حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قادة سوريا من أنهم سيدفعون الثمن غالياً في حال سمحوا لقوات معادية لإسرائيل بدخول سوريا وتهديد المصالح القومية للدولة اليهودية.
اتهامات متبادلة
أجل، إن إسرائيل قلقة من حجم التدخل التركي في سوريا، والمخططات التركية الساعية لإقامة قواعد عسكرية في ذلك البلد والخطط التي تحاول تزويد الجيش السوري الناشئ للحكومة الجديدة بالسلاح، أما تركيا فتخشى من أن تكون إسرائيل تسعى لتأزيم الوضع في سوريا، أو تقسيمها. ولهذا يتهم كل طرف الآخر بالتحضير لشن حرب بالوكالة في سوريا.
يبدو أن إسرائيل عازمة على إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة، لأن الهجمات الإسرائيلية المتعاقبة التي استهدفت البنية التحتية للجيش السوري السابق دمرت معظم الطائرات الحربية لدى نظام الأسد البائد والتي تعود للحقبة السوفييتية، ويعلق على ذلك آلبر جوسكون وهو دبلوماسي تركي سابق يعمل حالياً لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فيقول عن الغارات الإسرائيلية إنها: “قضت على كل شبر من الإمكانات العسكرية التي يعتبرونها تمثل تهديداً محتملاً للمصالح الأمنية الإسرائيلية”. في حين عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الحديث عن حقوق الطائفة الدرزية في سوريا من أجل المطالبة بمنطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري.
الثقة معدومة
لا يثق المسؤولون الإسرائيليون بالرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، والذي يصفه كاتس بأنه: “إرهابي جهادي خريج مدرسة تنظيم القاعدة”، ومن جانبه، تعهد الشرع بمنع بلاده من التحول إلى محور يستقطب المتطرفين الأجانب، كما كانت أيام الأسدين. غير أن المسؤولين في إسرائيل يخشون من أن يقوم الرئيس السوري الجديد الذي يدعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يدعم حماس أيضاً، بمد يده مرحباً بالمتطرفين في بلده خلال فترة قريبة.
تختلف كل من تركيا وإسرائيل حول شكل الحكم في سوريا، ولهذا اقترح المسؤولون الإسرائيليون صراحة قيام نظام فيدرالي في سوريا، حيث يمكن للأقليات على اختلافها، وعلى رأسها الكرد والعلويون، أن تتمتع باستقلال ذاتي كبير، إذ يرى هؤلاء المسؤولون أن المجازر التي وقعت مؤخراً بحق مئات المدنيين العلويين على يد جماعات مسلحة موالية لحكام سوريا الجديد، كشفت بأنه لا يمكن الوثوق بالشرع البتة.
غير أن هنالك نظام حكم مختلفاً يخطط له كل من الشرع وحلفاؤه الأتراك، ويعتمد على قيام حكومة مركزية قوية يقوم على رأسها رئيس يتمتع بسلطات تنفيذية واسعة. ففي الثالث عشر من آذار، وقع الشرع على بيان دستوري جديد يعتمد هذا النهج، وقبل أيام على ذلك، وافقت قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على معظم شمال شرقي سوريا، على الانضمام إلى الحكومة المؤقتة.
لم لا يشرب أردوغان من الكأس نفسها؟
من جانبه، يتهم أردوغان إسرائيل بإثارة النعرات العرقية والطائفية في سوريا بهدف زعزعة استقرار هذا البلد الذي خرج حديثاً من أحد أشرس الحروب الدموية التي شهدها هذا القرن. ولكن أشد ما يقلق أردوغان هو العلاقة بين الكرد وإسرائيل، إذ تشك تركيا في استعانة إسرائيل بقسد من أجل تقويض النفوذ التركي في سوريا وتحريض الكرد على الانفصال عن تركيا، بما أن تركيا تعتبر هذه الجماعة مجرد واجهة لحزب لعمال الكردستاتي الذي صنفته تركيا ومعظم الدول الغربية بين التنظيمات الإرهابية.
غير أن إسرائيل لم تبدد تلك المخاوف تماماً، إذ خلال العام الفائت، تحدث ساعر عن قسد والكرد بصفتهم “حلفاء طبيعيين” لبلده، وطالب دول العالم بحمايتهم من تركيا، ولم يتضح حتى الآن إن كانت تلك المبادرات تعني بأن إسرائيل ستسهم في تسليح الكرد الموجودين في شمال شرقي سوريا أم لا، على الرغم من أن معظم الإسرائيليين يسعدهم انتهاز الفرصة التي بوسعهم من خلالها جعل أردوغان يتجرع من الكأس نفسها التي أذاقهم إياها في يوم من الأيام، بما أنه داعم كبير لحماس.
وبالتأكيد فإن تركيا تتعامل مع هذا التهديد بكل جدية، لأن الخوف من قيام تحالف بين إسرائيل والكرد كان العامل الرئيس الذي دفع تركيا لاتخاذ قرار خلال العام الماضي بخوض محادثات سرية مع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، المسجون لديها، وقد أثمرت تلك المحادثات خلال شهر آذار الماضي، وذلك عندما أعلن حزب العمال الكردستاني عن وقف إطلاق النار بصورة مؤقتة. وتعلق على ذلك دارين خليفة من المجموعة الدولية للأزمات ببروكسل، فتقول: “تظن تركيا بأن إسرائيل ترغب في إقامة دويلة لحزب العمال الكردستاني على حدودها، في حين يظن الإسرائيليون أنه بوسع تركيا الاستعانة بسوريا ضدهم بالطريقة نفسها”.
احتمالات ومآلات
ثم إن العلاقات بين تركيا وإسرائيل التي سممتها الحرب على غزة، قد تسوء أكثر فأكثر، إلا أنه من غير المرجح أبداً أن يتطور ذلك إلى نزاع مسلح فعلاً بين الدولة التي لديها ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي وبين الدولة التي تعتبر أهم الحلفاء الإقليميين لأميركا، ولا توجد أي رغبة لدى كلا الطرفين بمحاربة الطرف الآخر، بل إن تركيا وإسرائيل أعدتا العدة من أجل الردع، وليس الحرب، ثم إن أردوغان يعتبر دونالد ترامب صديقاً قديماً له، ويرى أنه قد يحصل تحسن في العلاقات التركية-الأميركية بعد وصول ترامب إلى سدة الرئاسة، مما يزيد من فرصة فك الحظر المفروض على بيع طائرات الشبح المقاتلة من طراز إف-35 لتركيا. كما يأمل أردوغان في تحسين العلاقات التركية مع أوروبا، والتي تريد منه أن يسهم في تقديم ضمانات أمنية وأن يشارك في حفظ السلام بأوكرانيا، ولذلك من غير المحتمل أن يخاطر أردوغان بكل ذلك عبر خوض حرب مع إسرائيل.
والأهم من كل ذلك هو أن تركيا وإسرائيل قد تكتشفان وجود أرضية مشتركة بينهما في منطقة بلاد الشام، بما أن كلتيهما ترغبان في منع إيران من إقامة موطئ قدم لها من جديد في سوريا، وكلتاهما معرضتان للخسارة في حال فشل سوريا الجديدة، وهذا ما دفع مصدراً استخبارياً إسرائيلياً إلى القول: “إن سوريا بلد كبير يخوض أزمة عميقة، وليس لدى أردوغان الوقت لتهديد إسرائيل، لذا إن نجح في نشر الاستقرار ضمن تلك الدولة التي يمكن أن تتحول إلى دولة جهادية تسودها الفوضى، فإن ذلك سيعود بالنفع على إسرائيل هي أيضاً”.
المصدر: The Economist
————————-
اتصالات تركية إسرائيلية لتجنب المواجهة في سوريا
10/4/2025
قالت مصادر تركية وإسرائيلية إن محادثات فنية بدأت بين ضباط من البلدين لمناقشة إنشاء آلية لتجنب الصراع بينهما على الأراضي السورية.
وكانت البداية مع موقع أكسيوس الإخباري الأميركي الذي نقل عن مسؤول إسرائيلي قوله إن ضباطا أتراكا وإسرائيليين ناقشوا إنشاء آلية لفض الاشتباك بين جيشي البلدين في سوريا.
كما نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي أن ثمة اتصالات تجري حاليا بين إسرائيل وتركيا بخصوص التوترات على الأراضي السورية، مضيفا أنه سيتم بناء منظومة للتنسيق بين إسرائيل وتركيا على نسق المنظومة التي كانت مع روسيا أثناء وجودها في سوريا.
وبحسب مصادر القناة الـ12، فإن إسرائيل تصر على جعل جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح بما في ذلك منع أي وجود عسكري تركي في هذه المنطقة.
وبدوره، كشف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن وجود هذه الاتصالات مؤكدا أنها محصورة في الإطار الفني فقط، وقال إنه يمكن تشكيل آلية عدم اشتباك مع إسرائيل، مشيرا إلى أن سبب قطع العلاقات معها الحرب على غزة.
في الوقت نفسه، أكد فيدان أن من الضروري إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي السورية وأن تتوقف عن قصف بنيتها التحتية.
إعادة ضبط نتنياهو
وتأتي هذه الخطوة بعد تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام، حث فيه الإسرائيليين على التصرف بعقلانية لحل أي مشكلة مع تركيا.
بدورها، نقلت وكالة الأناضول التركية للأنباء عن فيدان مساء الأربعاء قوله إنه يتعين على الولايات المتحدة أن “تعيد ضبط” نتنياهو وأن ترسم إطارا له.
وأكد وزير الخارجية التركي أن عدم الاستقرار في بلد جار لتركيا سيؤثر عليها ويتسبب لها بأذى، محذّرا من أن أنقرة لا يمكنها البقاء صامتة إزاء ذلك.
كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن فيدان إعرابه عن استعداد تركيا لتقديم الدعم إلى سوريا في حال إبرام اتفاق عسكري معها.
المصدر : الجزيرة + وكالات
—————————-
إيران وحلم النفوذ الإقليمي.. الحلم المستحيل/ صهيب جوهر
2025.04.09
لم يكن العقل العربي ليتخيل قبل 7 أكتوبر 2023 وما نتج عنه من تحولات، أن تضطر إيران للتفاوض على أوراق قوتها وجماعاتها التي استثمرت في بنائها عقودا طويلة، كما يحصل اليوم، والذي لم تعتمد يوماً على واقعية أو عقلانية سياسية، وإيران نفسها لو علمت مآلات الأمور يوماً لوفرت على نفسها وقتاً طويلاً أهدرته، ومليارات دفعت كرمى لعيون أنظمة وجماعات على امتداد العراق ولبنان واليمن ودول أخرى خليجية حاولت التسرب إليها بالعنف أو الخلايا.
ولعقود متعددة بقيت طهران بالرهان على أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريد أو تقوى على شن حرب على منشآتها النووية وتقويض نظام الحكم الإيراني ووقف تمدد النفوذ الإقليمي في العواصم التي لطالما تفاخرت بالسيطرة عليها، والتي ترجمت مؤخراً بما عبر عنه أحد نواب حزب الله بالقول أن النظام السوري سقط نتيجة عدم اختياره خيار القتال.
وكانت طهران تعول دائماً على بقاء قوى إسرائيلية أقل يمينية من الأحزاب الموجودة اليوم في الحكم في إسرائيل، كما تستلزم وصول إدارة أميركية متحمسة لخيار الحرب على اعتبار أن إسرائيل ستكون عاجزة عن تنفيذها سياسياً وعسكرياً من دون شراكة أميركية دولية شاملة.
وحتى دونالد ترامب تجنب الحرب مع إيران في ولايته السابقة، واكتفى بالانسحاب من الاتفاق النووي. ما فتح الباب لطهران للاستفادة من المماطلة في الوقت لتكريس قدراتها وقوتها الذاتية والإقليمية، وكان الديموقراطيين حينها قد عادوا إلى الحكم مع رئيس أميركي متردد هو جو بايدن. لكن ما جرى اليوم يحمل في طياته أخطار محدقة، فقد حصل التزاوج السياسي بين اليمين الإسرائيلي واسوء اليمين الأميركي، بوصول الجانبين للحكم في واشنطن وتل أبيب.
وما يزيد من المخاوف الإيرانية اليوم، هي الضربات القاصمة التي تلقتها فصائل لبنانية وعراقية ويمينة، إضافة لسقوط نظام الأسد البائد في سوريا، على مدى سنة ونيف من الحرب والقتال المتواصل، ما أدى تقريباً
إلى تعطيل قدرتها القتالية. فبات يتصدى للهجمة الإسرائيلية – الأميركية في الداخل الإيراني نفسه وهو الذي أسس هذه المجموعات كخط الدفاع الأول عن إيران، ما يعني أن المعركة في حال ضربت إيران ستكون نهائية وحاسمة. ولذلك، هو بدأ يستنفد الأوراق المتبقية في يده، وأبرزها: تحالفه مع روسيا والصين، ومحاولة إرضاء إدارة ترامب بصفقة النووي، ومحاولة إقامة تحالفات مع أطراف إقليمية كتركيا وبعض الدول الأوروبية.
وهذا الانفكاك الإيراني – الروسي، أتى عقب الاتصالات الروسية – الأميركية، عبر عروض ترامب لبوتين في أوكرانيا لتحييده عن خياراته في الشرق الأوسط، في حين اتخذت الصين قراراها التاريخي بعدم الانجرار بحروب تتورط فيها. وهي بدأت تلوح بورقة تايوان، لعلها تكون موضع مقايضة شبيهة بمقايضة أوكرانيا مع روسيا. وفي الوقت عينه، تقدم إيران إلى الأميركيين عروض تفاهم، لكنها حتى اليوم لا تبدو مثمرة.
وسعت إيران للقيام بعملية التفافية، علها تستعيد بعضاً من المبادرة عبر دفعها مع أحد الأطراف الإقليمية لأحداث الساحل السوري، إضافة للأحداث على الحدود اللبنانية – السورية، وهذه المحاولة كان يمكن أن تخلق حضوراً ايرانياً في الساحل وفي جزء من الحدود مع لبنان، لكنها حتماً لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء على مستوى الحكم، لا في سوريا ولا في لبنان، أما ميدانياً فأحكمت الإدارة السورية الجديدة يدها على الحدود مع لبنان، وأقفلت أحداث الساحل رغم الانتهاكات الإنسانية التي جرت ويجري التعامل معها بلجنة تحقيق.
لذا فإن إيران خسرت مشروع الحضور الإقليمي المعتمد بالدرجة الأولى على الطائفة والدرجة الثانية على مشروعية القضية الفلسطينية، وباتت اليوم مستعدة بحصر حضورها ببعض الحلفاء السياسيين في لبنان والعراق واليمن، لكن دور روسيا لم يكن داعماً على ما يبدو، على رغم من امتلاكها قاعدتين عسكريتين في سوريا. فإيران ليس لديها ما تخسره إذا فشلت المحاولة، وأما بوتين فلا يريد إحراق أوراق العلاقة مع الإدارة الانتقالية في دمشق لرهانات إيران.
وعليه يممت طهران وجهها شطر أنقرة، علها تنجح في عقد صفقة محتملة في سوريا والعراق ولبنان، وهذا الأمر عبر رسائل وجهت لتركيا عن إمكانية دعم أنقرة ضد المجموعات الكردية في العراق وسوريا، وتسليم معارضين أكراد لديها، وهذا الأمر لا يبدو أنه ناجز بين القوتين الاقليميتين وخاصة أن الثقة مفقودة مؤخراً وتأكدت مع أحداث الساحل السوري والحدود مع لبنان.
وهذا الحراك الإيراني، أطلق العنان لتحرك إسرائيلي جارف في سوريا أولاً، وثانياً عبر عودة الاستهداف والاغتيالات في لبنان، وتحديداً الى الضاحية الجنوبية لبيروت، فإسرائيل تحرص اليوم على منع نشوء أي قوة تسعى لوراثة الحضور الإيراني في سوريا أو لبنان، ولكن بالتأكيد ستحاول إيران دائماً أن تستعيد بعض نفوذها، ولو على جزء من أي بلد كان جزء من جغرافيا حضورها الإقليمي، وهذا يعني أنها لن تمانع في أي يوم في اعتماد خيار التقسيم لتحقيق هذا الهدف.
ربما يتقاطع الإيرانيون مع إسرائيل التي تحتفظ بخطط تاريخية لتقسيم المنطقة طائفياً وعرقياً. لكن الإسرائيليين لن يوافقوا على إقامة مناطق نفوذ لإيران في الدول المحيطة بهم. وهذا يعني في المحصلة أن استعادة إيران لنفوذها السابق بات مستحيلاً في المدى المنظور، أياً كانت الظروف. فالمتغيرات التي حققتها عملية طوفان الأقصى أولاً، وسقوط الأسد ثانياً، فتحت الباب على عالم جديد، ومنطقة إقليمية مستحدثة.
تلفزيون سوريا
————————–
إسرائيل تحلم بتوريد الغاز لسورية عبر “دبلوماسية الطاقة”/ آدم يوسف
09 ابريل 2025
بالتزامن مع انقطاع كامل للتيار الكهربائي في جميع أنحاء سورية مطلع إبريل الجاري، قبل أن يبدأ في العودة تدريجياً إلى مناطق عدّة، عاد الحديث عن التحديات التي تواجه دمشق لتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل الكهرباء ومناحي الحياة، والمصادر المتاحة بعد قطع إيران إمدادات الطاقة عقب سقوط حكم الأسد، وسط محاولة تل أبيب تقديم نفسها مُصدّراً للطاقة إلى سورية.
ومثلما تحاول إسرائيل احتواء أي تهديد يأتي من جانب النظام الإسلامي الجديد في سورية، وتقوم بقصف مستمر لقدرات البلاد، تسعى عبر “دبلوماسية الطاقة” لإغراء السوريين بشراء الغاز الإسرائيلي لحلّ مشاكلهم مع الطاقة، مقدمةً للتطبيع، زاعمةً أنّ الحلول التي قدمها رئيس تركيا رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمشكلة الطاقة وانقطاع الكهرباء، لن تحلّ مشكلة دمشق، وأنّ الحل الفعلي لدى تل أبيب و”الغاز الدبلوماسي” الإسرائيلي.
“غاز إسرائيلي” باسم مصر والأردن
في هذا الشأن أشار الكاتب الإسرائيلي ميخائيل هراري، في تحليل بصحيفة “معاريف” يوم 30 مارس 2025، إلى هذا الحلم الإسرائيلي الخاصّ بتوريد الغاز إلى النظام الجديد في سورية، باعتباره “ورقةً استراتيجية” لاستغلال حاجة النظام في سورية للطاقة، ضمن “دبلوماسية الطاقة”، زاعماً أنه لا حل أمام سورية سوى استيراد الغاز من إسرائيل.
لكنّه كشف عن خطة مختلفة لتوصيل الغاز إلى سورية عبر مصر والأردن، مؤكداً أن هذا الغاز الذي سيجري توصيله إلى سورية، سيبدو كأنه قادم من مصر والأردن عبر “خط الغاز العربي”، بينما هو في الحقيقة “غاز إسرائيلي” يجري ضخّه إلى الأردن ومن هناك إلى مصر، وسيجري ضخّه إلى أنبوب الغاز العربي، ومن هناك شمالاً إلى سورية، ليبدو رسمياً، كأنه “غاز أردني مصري”، بينما هو عملياً، غاز إسرائيلي.
ويؤكد “سيمون هندرسون”، الخبير في شؤون الطاقة والخليج العربي بـ”معهد واشنطن”، في تحليل نُشر بتاريخ 24 فبراير 2025، أن حل مشكلة أزمة الكهرباء في سورية سيكون “إسرائيلياً”، وأوضح أن هناك حلولاً مطروحة لاستخدام سفن طاقة عائمة في مينائَي بانياس وطرطوس على البحر الأبيض المتوسط، تولد كل منها حوالى 400 ميغاواط من الطاقة، أي ما يعادل إنتاج محطة طاقة متوسطة الحجم، وستموّلها قطر وتركيا.
إلّا أن ربط السفن بالشبكة السورية سيستغرق شهوراً عدّة، لذا ستظل هناك حاجة إلى تدابير مؤقتة قصيرة الأجل، كما أن كمية الكهرباء التي يمكن أن تصل إلى دمشق (على بُعد حوالى 160 كيلومتراً) غير مؤكدة نظراً للأضرار التي لحقت بخطوط الكهرباء المحلية، لذا فالحلُّ “إسرائيليٌ” وفق زعمه.
أوضح أن الأردن لا يبعد سوى سبعين ميلاً عن دمشق، وهناك خططٌ راسخةٌ لإنشاء بنية تحتية للكهرباء وشبكة لأنابيب الغاز تمتد إلى العاصمة وما وراءها، وهناك حالياً خط الأنابيب الرئيسي الواصل بين الشمال والجنوب (خط الغاز العربي) (AGP) الذي نشأ عام 2003، لنقل الإمدادات المصرية إلى الأردن، ثم إلى سورية ولبنان وتركيا، لكنه أصبح حالياً خطاً إسرائيلياً يزوّد مصر بالغاز، ويمكن استغلاله لتوصيل الغاز إلى سورية أيضاً عبر مصر والأردن، وتتولى دول الخليج، مثل السعودية وقطر والإمارات، دفع التكاليف.
لذا؛ يؤكد سيمون هندرسون، أنه “سواء أطلقت السلطات في سورية عليه اسم “الغاز المصري” أو “الغاز الأردني”، فإنّ الحقيقة البسيطة هي أن الإمدادات البحرية الإسرائيلية يمكن أن تساعد في سدّ النقص الكبير في الطاقة في سورية إذا جرى التوصل إلى الترتيبات اللازمة”.
دبلوماسية الطاقة
ويزعم المحلل الاقتصادي الإسرائيلي ميخائيل هراري، أنّ دولة الاحتلال تمتلك ورقة استراتيجية قادرة على إعادة النظام إلى سورية، بهذا الغاز الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّه “لا أردوغان ولا بوتين” لديهما هذا التأثير المحتمل، مقارنة بإمكانية “إسرائيل” في لعب دور محوري من خلال “دبلوماسية الطاقة”.
وأشار هراري، في مقال نشره بصحيفة “معاريف” العبرية، إلى أنّ الحكومة السورية الجديدة تبذل جهوداً مكثفة لتوسيع سيطرتها، لكنْ تواجهها تحدياتٌ كبيرة أبرزُها هشاشة البنية التحتية في قطاع الطاقة، “وقدرتها على ضمان توفير إمدادات الكهرباء منتظمة لأكثر من بضع ساعات في اليوم”.
وأكّد أن الخيارات المتاحة أمام دمشق محدودة، موضحاً أنه “رغم وجود اتفاق مع الأكراد الذين يسيطرون على حقول النفط في شمال شرق البلاد لتزويد الحكومة بالنفط، فإنّ التفاصيل غير واضحة ولن يحل ذلك مشكلة تفاقم أزمة الطاقة.
وأشار هراري إلى أنّ الأردن يمتلك مصلحة واضحة في استقرار سورية، وحصل على إذن من الولايات المتحدة لتزويد دمشق بـ250 ميغاواط من الكهرباء، وسيكون نقل الغاز الإسرائيلي عبر الأردن ومصر مكسباً للسوريين وإسرائيل بالطبع، وفق زعمه.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة “رويترز” في 13 مارس 2025، ستموّل دول خليجية شراء الغاز المُسال لصالح سورية، وسيُورّد عبر ميناء العقبة في الأردن، وهي خطوة حصلت على موافقة البيت الأبيض الأميركي.
لكن المشكلة تكمن في أن تدفق الغاز عبر أنبوب الخط العربي يجري باتجاه واحد فحسب، من الشمال إلى الجنوب، إذ إنّ طبيعة البنية التحتية لخطوط الأنابيب في الأردن ستؤدي إلى توجيه الغاز نحو مصر، وبالتالي فإنّ مصدر الغاز الذي سيصل إلى سورية سيكون في الواقع من إسرائيل، وأشارت الوكالة إلى أنّ هذا يعني أن الغاز الإسرائيلي قد يجد طريقه إلى دمشق، وربما في المستقبل إلى لبنان أيضاً.
نفط الأكراد لا يكفي
وقال محللون اقتصاديون لوكالة “أسوشييتد برس”، في 28 مارس الماضي، إنّ نحو 85% من إنتاج سورية النفطي يتركز في المناطق الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد، وحقول النفط تضرّرت بشدة جراء الصراع طوال الفترة الماضية، ما يجعل الاعتماد عليها وحدها لتوفير الطاقة اللازمة أمراً صعباً.
وكانت سورية تصدر النفط الخام من هذه الأبار مقابل النفط المكرّر لتعزيز الإنتاج المحلي، لكنّ هذه الحقول النفطية تضرّرت بشدة حين سقطت في أيدي تنظيم “داعش” بين عامي 2014 و2017، ثم سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بقيادة الأكراد، بدعم من واشنطن، على حقول النفط، بعيداً عن سيطرة الحكومة المركزية في دمشق.
ووقعت حكومة دمشق اتفاقاً مع الإدارة الذاتية (الكردية) لتزويد سورية بنحو 15 ألف برميل (من النفط الخام)، ومليون متر مكعب من الغاز للاستخدام المنزلي والاحتياجات الأساسية، بعد أقل من شهر على توقيع اتفاق بين قائد “قسد” والرئيس السوري أحمد الشرع، من أجل دمج القوات الكردية ضمن الجيش السوري الجديد، لكنّ خبراء يرون أن هذا لا يكفي لحل أزمة الطاقة في سورية.
وتعاني سورية نقصاً حاداً في الكهرباء، إذ لا تتوفر الكهرباء الحكومية إلّا لساعتين أو ثلاث ساعات يومياً في معظم المناطق بسبب تضرر شبكة الكهرباء ونقص الطاقة معاً.
وكانت دمشق تحصل على الجزء الأكبر من نفطها لتوليد الطاقة من إيران، لكنّ الإمدادات انقطعت منذ أن قادت هيئة تحرير الشام الإسلامية عملية إطاحة الرئيس المخلوع بشار الأسد، المتحالف مع طهران في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
العربي الجديد
—————————–
بعد التوتر في سوريا.. هل تستجيب تركيا وإسرائيل لعرض ترامب؟
ضياء عودة – إسطنبول
09 أبريل 2025
هذا الأسبوع ومن داخل البيت الأبيض طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه كوسيط بين إسرائيل وتركيا في سوريا، وذلك بهدف خفض التوتر وإبعاد خطر المواجهة بينهما على الساحة السورية، فما الذي يمكن أن تشكله هكذا خطوة؟ وما الأصداء التي انعكست عنها؟ وهل من أية مؤشرات عن المشهد الذي قد ترسمه على أرض الواقع؟
وأبدى ترامب موقفه خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض، إذ قال أمام الصحفيين موجها كلماته لبنيامين نتانياهو: “أعتقد أنني أستطيع حل أي مشكلة لديكم مع تركيا”.
وأردف: “كما تعلم لدي علاقة جيدة جدا مع تركيا ومع زعيمها (رجب طيب إردوغان)، وأعتقد أننا سنتمكن من حلها. لذا آمل ألا تكون هذه مشكلة. لا أعتقد أنها ستكون مشكلة”.
الرئيس الأميركي أكد أيضا أنه يتمتع بعلاقات “رائعة” مع نظيره التركي، واصفا إياه بأنه “رجل قوي، وذكي للغاية، وقد فعل شيئا لم يتمكن أحد من فعله”، في إشارة إلى دور تركيا في إسقاط نظام الأسد و”أخذ سوريا”، على حد تعبيره.
ورغم أن كلا من ترامب ونتانياهو ناقشا ملفات بارزة وهامة أخرى، من قبيل المسار المتعلق بالمفاوضات مع إيران والحرب في غزة وقضية الرسوم الجمركية، نظر مراقبون إلى ما تطرق إليه الاثنان بشأن سوريا وتركيا بعين الأهمية، وذلك بناء على التوقيت.
وجاء طرح الوساطة من جانب ترامب بين تركيا وإسرائيل في وقت كان المشهد بين الطرفين في سوريا يسير باتجاه التصعيد. وهذا التصعيد فرضته رسائل تحذيرية جاءت بصيغة ضربات نفذها الجيش الإسرائيلي داخل سوريا، وقيل إنها استهدفت مواقع وقواعد عسكرية تنوي تركيا التمركز بها، بناء على اتفاق وتفاهمات مع دمشق.
ما أصداء الوساطة؟
على المستوى الرسمي في تركيا لم يصدر أي تعليق على ما طرحه الرئيس الأميركي ترامب (الوساطة)، دون أن يشمل ذلك التقارير التي نشرتها وسائل إعلام مقربة من الحكومة، إذ حملت في غالبيتها نبرة إيجابية على اعتبار أن نتانياهو “لم يحصل على ما يريد من الرئيس الأميركي”.
وركزت وسائل إعلام تركية أخرى، بينها “حرييت” و”صباح”، على العلاقة القوية التي تربط كل من إردوغان وترامب، واعتبرتها نقطة انطلاق لتوافق أكبر في عدة ملفات إقليمية ودولية، بينها سوريا.
وفي حين وضعت وسائل إعلام إسرائيلية، خلال اليومين الماضيين، ما تم التطرق إليه حول علاقة تركيا بإسرائيل في سوريا كجزء صغير من قائمة الملفات الأوسع التي ناقشها ترامب ونتانياهو اعتبرت في المقابل أن الأخير”عاد خالي الوفاض من البيت الأبيض”، على حد وصف صحيفة “يديعوت أحرنوت”، يوم الثلاثاء.
ولم يتطرق ترامب بدقة إلى الشكل الذي ستكون عليه الوساطة بين تركيا وإسرائيل في سوريا، ومع ذلك وبمجرد دخوله على الخط بينهما يكون قد أسس لمشهد جديد لا يعرف ما إذا كانت تفاصيله ستترجم فورا على أرض الواقع أم لا، وفق مراقبين.
ويعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل أن “ترامب يحاول مجددا لعب دور صانع السلام”، إذ يُعتبر ذلك “جزءا لا يتجزأ من إرثه كرئيس لولاية ثانية”.
ويدرك ترامب أيضا، بحسب حديث الباحث لموقع “الحرة” أن أي تصعيد بين شريك في الناتو (تركيا) وحليف من خارجه “سيشكل خطرا بالغا على استراتيجية أميركا الإقليمية، ووحدتها في مواجهة إيران”.
“الموقف الأميركي مهم جدا في القضية المتعلقة بتركيا وإسرائيل في سوريا، لكن حتى الآن لا يعرف ما إذا كانت هناك خطوات فعلية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين”، يضيف الباحث السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن.
ويرى شتيرن في حديثه لموقع “الحرة” أنه لا يمكن استشراف الخطوات التي قد تعكسها الوساطة الأميركية، وخاصة أن “الأمور في بدايتها وتحتاج لاهتمام ترامب المنشغل في أمور وملفات عديدة”.
“خيار صعب.. لكنه وحيد”
وتُعتبر تركيا في الوقت الحالي أبرز حلفاء الإدارة السورية الجديدة، التي يرأسها أحمد الشرع، وفي ذات الوقت هي حليفة الولايات المتحدة الأميركية في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في المقابل تنظر إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة من خارج “الناتو”، للإدارة السورية الجديدة في دمشق كـ”تهديد”، وبالإضافة إلى ذلك تقول إنها ستمنع أي تمركز قد يهدد حرية عملها الجوي في سوريا، في إشارة إلى تركيا.
ويوضح الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، محمود علوش أن “الولايات المتحدة لديها تأثير كبير على السياسات التركية والإسرائيلية في سوريا، ولا يُمكن لأي من تركيا وإسرائيل تجاهل هذا التأثير بالمُطلق”.
ويقول علوش لموقع “الحرة” إن “ظروف التوافق بين إسرائيل وتركيا صعبة، لكن تبقى الخيار الوحيد المطروح على الطاولة. ليس فقط بالنسبة لإسرائيل وتركيا ولترامب”.
الباحث يشير من جانب آخر إلى المحادثات التي تجريها تركيا وإسرائيل بالفعل لإنشاء آلية تمنع وقوع اشتباك بينهما، ويضيف أنه وفي حال نجحت هذه الآلية “ستمهد الظروف للمستوى السياسي للتوافق على وضع يدير مصالحهما المتناقضة على المدى البعيد”.
ولا تتأثر قنوات التواصل العسكري والاستخباراتي بين البلدين في العادة بالتوترات السياسية، وتنشط بشكل أكبر في مثل هذه الظروف ووظيفتها في سوريا حاليا إدارة المخاطر الفورية، بحسب الباحث.
ولا تعتبر الضربات المتزايدة التي تنفذها إسرائيل في سوريا على القواعد والمطارات التي يعتقد أن تركيا ستتمركز بها بموجب اتفاق مع دمشق المسار الوحيد الذي يسير عليه الجيش الإسرائيلي في سوريا.
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية نفذ الجيش الإسرائيلي سلسلة توغلات في جنوب سوريا. وبينما شدد لأكثر من مرة على هدفه المتعلق بنزع السلاح في جنوب سوريا أضاف قبل أيام هدفا آخر يتعلق بمنع أي تهديد على حرية العمل الإسرائيلية، بمعنى أنه يريد ضمان الأرض والجو في آن واحد.
ويقول الباحث شتيرن إن “إسرائيل تواصل توجيه الضربات في سوريا على منشآت عسكرية، خوفا من أن تستولي عليها أو تتمركز بها تركيا”.
ويضيف أن “الوساطة التي عرضها ترامب لا يعرف اتجاهها حتى الآن”، وأن “عملية ترجمتها ستكون مبنية على ما يجري على الأرض من تطورات”.
“منظور شرق أوسطي”
وعبّر شتيرن عن تفاؤله لاحتواء الخلافات بين تركيا وإسرائيل في سوريا، في وقت طرح سؤالا مفتوحا بقوله: “هل سيكون لترامب الوقت الكافي ليستثمره في هذه القضية؟”.
وكان الباحث الإسرائيلي يقصد الملفات التي تولي لها واشنطن أهمية أكبر، مثل المفاوضات مع إيران والحرب في غزة، وتابع: “ملف سوريا سيكون في آخر قائمة المهام التي من المقرر أن تناقشها الإدارة الأميركية”.
وبدوره أوضح الباحث الأميركي راين بوهل أن “سياسة ترامب في سوريا الآن هي سياسةٌ يسعى فيها إلى خروج القوات الأميركية من البلاد، وتحويلها إلى دولةٍ محايدة، إن لم تكن موالية لأميركا”.
لكن ليس من الواضح مدى رغبته في استخدام نفوذ أميركا بقواتها على الأرض هناك لتشكيل هذه النتيجة، وفقا للباحث الأميركي.
ويضيف في هذا الصدد أنه في حال استمرت دمشق في إظهار وجهٍ معتدلٍ نسبيا للغرب، فسيزداد احتمال سحب الولايات المتحدة لقواتها والسماح لتركيا وسوريا بتشكيل مرحلة ما بعد الأسد، أما إذا اعتقدت واشنطن أن الحكومة الجديدة تميل إلى الإسلاميين، فستُمكّن الولايات المتحدة إسرائيل من القيام بمزيد من العمل العسكري، و”ستدعم ضمنيا زعزعة استقرار الحكومة المؤقتة”.
ويرى الباحث علوش أن أولويات ترامب في سوريا أصبحت واضحة، وأهمها “توفير ظروف مناسبة لقرار الانسحاب دون قلق من الفراغات المُحتملة”.
ويقول في المقابل إن “مخاطر الصدام التركي الإسرائيلي تُشكل تهديدا كبيرا لاستراتيجية ترامب وآخر ما يرغب به”، وإن “الأميركيين لديهم رهانات عالية على تركيا في سوريا، لمنع ظهور تحديات أمنية وجيوسياسية تُهدد مصالحهم في سوريا، وفي المنطقة انطلاقا منها”.
“ترامب ينظر إلى تركيا من منظور شرق أوسطي قبل سوريا”، يتابع علوش.
ويعتبر أن “تركيا دولة حليفة مُهمة للولايات المتحدة في المنطقة وقادرة على ملء الفراغات”، وأن “الأميركيين يطمحون في نهاية المطاف إلى تشكيل نظام إقليمي جديد يجمع تركيا وإسرائيل”.
“شكوك”
وتركيا هي واحدة من الدول القليلة ذات الأغلبية المسلمة التي تعترف بإسرائيل.
لكن في المقابل تركيا فرضت في أبريل 2024، قيودا على صادرات إلى إسرائيل، شملت 54 منتجا من الحديد والصلب إلى وقود الطائرات.
وقبل حرب غزة كانت العلاقة بين تركيا وإسرائيل تسير على مسار إيجابي.
لكن بعد اندلاع الحرب توترت العلاقة إلى مستوى وصل إلى حد إيقاف التجارة من جانب تركيا، والانخراط في مسارات مناهضة لإسرائيل في الأروقة الدبلوماسية.
ويعتقد الباحث الأميركي بوهل أن “الإسرائيليين سيكبحون جماح أنفسهم في ظل ظروف تصعيدية أكثر، خوفا من زعزعة علاقاتهم مع ترامب”، دون أن يستعبد أن “تدعم إدارة ترامب محاولات إسرائيل السرية لعرقلة تمركز تركيا في سوريا”.
وبينما يميل الباحث أيضا إلى الاعتقاد “بوجود بعض الشكوك داخل الإدارة الأميركية بشأن الدور البنّاء لتركيا في سوريا” يستبعد في المقابل أن يكون لواشنطن “رأي استراتيجي حازم بشأن ما إذا كانت سوريا تميل إلى تركيا أم أنها دولة محايدة ما دامت لا تُشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل”.
ضياء عودة
الحرة
———————————-
تركيا تجري محادثات مع إسرائيل لخفض التوترات في شأن سوريا
وزير خارجية أنقرة هاكان فيدان استبعد أن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع تل أبيب
الخميس 10 أبريل 2025
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أثناء استقباله من الرئيس السوري الموقت أحمد الشرع في دمشق، الـ13 من مارس 2025 (أ ف ب)
ملخص
قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان “الآن، بينما نقوم بعمليات معينة في سوريا، يتعين أن يكون هناك آلية تفادي صدام في مرحلة معينة مع إسرائيل التي تحلق طائراتها في تلك المنطقة، تماماً كما نفعل مع الأميركيين والروس”.
أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أمس الأربعاء أن بلاده تجري محادثات على المستوى الفني مع إسرائيل لخفض التوترات في شأن سوريا، لكنها لا تتحرك نحو تطبيع العلاقات.
وتعد تركيا من الداعمين الرئيسين لتحالف الفصائل بقيادة إسلاميين في سوريا، الذي تمكن من الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) بعد نحو 14 عاماً من الحرب الأهلية.
وأثار النفوذ التركي في سوريا قلق إسرائيل التي شنت غارات جوية وتوغلات برية لإبعاد القوات الحكومية السورية من حدودها.
وقال فيدان لقناة “سي أن أن تورك” التلفزيونية “الآن، بينما نقوم بعمليات معينة في سوريا، يتعين أن يكون هناك آلية تفادي صدام في مرحلة معينة مع إسرائيل التي تحلق طائراتها في تلك المنطقة، تماماً كما نفعل مع الأميركيين والروس”. وأضاف “طبعاً، أنه أمر طبيعي أن يكون هناك اتصالات على المستوى الفني لتأسيس ذلك”.
لكن فيدان استبعد أن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، بخاصة بعد أن تصاعد التوتر بين البلدين على خلفية الحرب التي شنتها إسرائيل على حركة “حماس” في غزة.
وأوقفت تركيا تعاملاتها التجارية مع إسرائيل، واتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بممارسة “إرهاب الدولة” و”الإبادة الجماعية” في غزة، وذلك منذ هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل عام 2023.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عرض الإثنين التوسط بين إسرائيل وتركيا، بينما كان مجتمعاً إلى حليفه بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، مشيراً إلى “علاقاته الرائعة” مع أردوغان.
—————————-
لماذا حطت طائرة الشرع للمرة الثانية على الأرضية التركية؟!/ صالحة علام
10/4/2025
للمرة الثانية خلال مدة وجيزة تحط طائرة أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية بسوريا على الأراضي التركية، هذه المرة في مدينة أنطاليا الواقعة على ساحل البحر المتوسط، للمشاركة في منتداها الدبلوماسي، وفق ما تم الإعلان عنه من الجانبين.
الزيارة التي تأتي على وقع اختراقات إسرائيلية متكررة للعديد من المواقع السورية، خاصة العسكرية بها، التي أصبحت تهدد بشكل مباشر العاصمة دمشق، تشير إلى أن الهدف الحقيقي غير المعلن من توجه الشرع إلى تركيا في هذا التوقيت تحديدا، هو التشاور مع القيادة السياسية التركية حول سبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية، ووضع حد لهذه التجاوزات والخروقات التي تهدد الأمن القومي الدولة السورية، وتعرقل مسيرتها باتجاه بناء الجمهورية الجديدة، ووضع اللمسات النهائية لبنود اتفاقية الدفاع المشترك التي سيتم التوقيع عليها بين البلدين، الأمر الذي من شأنه توفير غطاء جوي شامل يؤمن لدمشق دفاعات جوية متطورة قادرة على التصدي للخروقات الإسرائيلية، ووقف هجماتها المستمرة..
خاصة أن هذه الخروقات العدائية الإسرائيلية، التي استخدم فيها العدو الصهيوني سلاحي الجو والمدفعية إلى جانب عمليات التوغل البري، لم تكتف باستهداف مواقع عسكرية، ومعسكرات تدريب، ومخازن عتاد وذخيرة، إنما طالت في طريقها المدنيين، مما أدى إلى مقتل 9 وإصابة 15 آخرين بإصابات متباينة مؤخرا، بمناطق درعا، وحمص، وحماة، والقنيطرة، ودمشق وريفها، إلى جانب الدمار الشامل الذي خلفته بالعديد من المنشآت العسكرية ومُلحقاتها من أبنية ودفاعات، أبرزها مطار حماة العسكري.
تدرك القيادة السياسية التركية جيدا أن العمليات التي يقوم بها جيش الكيان الإسرائيلي لتدمير المواقع العسكرية السورية، وجعلها غير صالحة للاستخدام، تهدف إلى تحقيق أمرين لا ثالث لهما.
أولهما: تحذير أنقرة من خطورة المضي قدما في خططها الرامية إلى إنشاء قواعد عسكرية لها بسوريا، وتحديدا في كل من حمص وحماة التي تم استهدافهما مؤخرا، في إطار التحضيرات الجارية حاليا لوضع البنود الأساسية لمعاهدة الدفاع المشترك المقرر توقيعها بين البلدين، وفق ما صرح به الرئيس أردوغان شخصيا.
وثانيهما: إضعاف القدرات العسكرية عموما للدولة السورية بما يضمن عدم تعرض إسرائيل لأية تهديدات مستقبلية محتملة من جانب دمشق، في ظل وجود قيادة إسلامية جهادية على رأس السلطة بها، لديها قناعاتها الأيديولوجية حول الوجود الصهيوني بالمنطقة.
وبناء على ما تم تسريبه من نصوص تحويها معاهدة الدفاع المشترك بين أنقرة ودمشق، والمزمع الإعلان عنها قريبا، يوجد نص يقضي بتولي تركيا مهمة توفير غطاء جوي وحماية عسكرية، يتم بمقتضاه حفظ أمن وسلامة المجال الجوي لسوريا من أي خروقات مستقبلية، وهو ما تفتقر إليه حاليا الحكومة الجديدة، التي لا تملك نظام دفاع جوي فعال لديه القدرة على التصدي للهجمات التي تتعرض لها من جانب دولة الاحتلال.
تل أبيب لا ترد استبدال الخطر الإيراني الذي طالما سبب لها تهديدا، وأرق مضاجع قياداتها السياسية والعسكرية خلال تمركز الحرس الثوري الإيراني بالعديد من المناطق بسوريا أثناء حكم بشار الأسد، بآخر جهادي، يمتلك من القدرات العسكرية الحربية والبشرية، ما يمكن أن يمثل تهديدا مباشرا على وجودها في المديين المتوسط والبعيد..
خاصة أن القلق لديها زاد بعد ما تم تداوله إعلاميا على لسان مصادر عسكرية تركية مطلعة -لم يتم الكشف عن هويتها- حول نية أنقرة إنشاء قاعدة عسكرية لها في سوريا، بهدف تدريب عناصر الجيش السوري الجديد الذي يتم إنشاؤه تحت إشراف كامل من جانب وزارة الدفاع التركية، وتجهيزه بما يحتاج إليه من معدات عسكرية استراتيجية، وأنظمة دفاع جوي، تلبية لرغبة الحكومة السورية.
لذا جاءت الضربات العسكرية الإسرائيلية لتدمر بعنف 3 مواقع عسكرية سورية عقب زيارة فرق عسكرية واستخباراتية تركية لها، بهدف رصد حالة مدارج الطائرات، وحظائرها، والبنى التحتية بهم، وهي قاعدة تي4، وتدمر الجويتين بحمص، والمطار العسكري بحماة، بالرغم من إعلان أنقرة رسميا أكثر من مرة، وإيصالها رسائل متعددة لطمأنة واشنطن عبر القنوات الدبلوماسية، أن وجودها العسكري وتعاونها مع دمشق في هذا المجال لا يستهدف ولا يمثل تهديدا لأي دولة بالمنطقة بمن فيهم إسرائيل.
وفي أعقاب هذا التحرك، أعرب جدعون ساعر وزير خارجية الكيان الإسرائيلي عن قلق حكومته من التحركات التركية في المنطقة، واصفا ما تقوم به من اتصالات مع كل من لبنان وسوريا والعراق والأردن بـ “الدور السلبي” الذي يستهدف النيل من بلاده.
ليرد عمر شاليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم على اتهامات ساعر بالقول:”أن تحركات بلاده لا تستهدف أي طرف، وأنها تأتي في إطار السعي لتعزيز السلام الإقليمي، مؤكدا أن الاعتداءات الإسرائيلية على كل من سوريا ولبنان هي التي تهدد السلام الإقليمي، وتزعزع استقرار المنطقة برمتها..
بينما فضلت الخارجية التركية الرد على اتهامات ساعر ببيان شديد اللهجة أوضحت فيه أن “إسرائيل أصبحت تمثل أكبر تهديد لدول المنطقة، ومصدر دائم لعدم الاستقرار بها، وإحداث الفوضى والإرهاب بخططها التوسعية، وتبنيها للتنظيمات الإرهابية الانفصالية”، مطالبة تل أبيب بالانسحاب الفوري من الأراضي السورية واللبنانية، والتوقف عن سياسة إعاقة الجهود الدولية لإحلال الاستقرار بالمنطقة.
يخطئ من يعتقد أن عمليات إسرائيل العسكرية، وخروقاتها الدائمة للأراضي السورية، وتدميرها للقواعد العسكرية بها، وتمركز عدد من قواتها في القرى الحدودية السورية، واستمالة بعض طوائفها للخروج على السلطة المركزية بدمشق عوامل يمكن أن تجبر تركيا على التراجع عن مواقفها، أو إثنائها عن المضي قدما في تحقيق أهدافها.
ففي ظل التوافق التركي الأمريكي الحالي بشأن التحركات التركية تجاه سوريا، وعزم واشنطن على سحب قواتها من الأراضي السورية، قررت تركيا المضي قدما في تنفيذ أهدافها، وفي تسريع خطواتها باتجاه زيادة حجم وجودها العسكري بسوريا استثمارا للظروف الراهنة.
فما لم يتم الإعلان عنه حتى الآن هو أن وتيرة عمل أنقرة في هذا الملف تزايدت سرعتها، فعناصرها العسكرية والاستخباراتية تعمل بكل جدية لفرض سيطرتها الكاملة على قاعدة “تي4” التي تم تدميرها من جانب الطيران الإسرائيلي، وأنها بدأت فعلا في وضع خطط إصلاحها تمهيدا لتجهيزها بأنظمة دفاع جوي حديث من نوع “حصار”، وأن الخطط التركية التي سيتم تنفيذها قريبا تقضي بتوسيع حجم القاعدة، لإضافة منشآت جديدة لها، حتى يمكن نشر طائرات مسيرة بها، بعضها للمراقبة، وأخرى مسلحة لديها القدرة على تأدية مهمات هجومية طويلة المدى.
وفي تصريحات لمصدر عسكري تركي وفق ما نشره موقع “ميدل إيست آي” أوضح أن بلاده تهدف إلى إقامة نظام دفاع جوي متعدد المهام داخل القاعدة وفي المناطق المحيطة بها، يتمتع بقدرات دفاعية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، بهدف التصدي للتهديدات المتعددة التي يمكن أن تتعرض لها الأراضي السورية، سواء من جانب الطائرات المقاتلة أو من الطائرات المسيرة، أو الصواريخ الموجهة.
إضافة إلى معلومات غير مؤكدة تفيد رغبة أنقرة في نشر صواريخ أس -400 الروسية التي يصل مداها إلى 400 كيلومتر، داخل إحدى القواعد الثلاث التي تزمع السيطرة عليها، وأنها تتفاوض حاليا مع روسيا حول هذا الأمر، وهو ما سُيعد في حال حدوثه تهديدا عسكريا مباشرا لدولة الاحتلال.
وهي الخطط التي ستؤمن لتركيا فرض سيطرتها الجوية على المنطقة، ودعم جهودها الرامية لمحاربة فلول عناصر تنظيم الدولة، لإنهاء الحجج التي يسوقها داعمي وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلى جانب ردع دولة الاحتلال، وجعلها تفكر مرات عدة قبل اتخاذ أي قرار بشن هجمات جوية على هذه المنطقة، وهو ما تخشاه تل أبيب وتسعى لعرقلته.
المصدر : الجزبرة مباشر
كاتبة وصحفية مصرية مقيمة في تركيا
حاصلة على الماجستير في الاقتصاد.عملت مراسلة للعديد من الصحف والإذاعات والفضائيات العربية من تركيا
———————————
اجتماع تركي- إسرائيلي لإنشاء “آلية تفادي الصدام” في سوريا
الخميس 2025/04/10
كشف المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية زكي أكتورك، عن اجتماع فني تركي- إسرائيلي عُقد في أذربيجان، بهدف إنشاء “آلية تفادي الصدام” في سوريا، فيما أكد مصدر سياسي إسرائيلي لوكالة “رويترز”، أن تل أبيب أكدت أن إنشاء قواعد تركية في تدمر، “خط أحمر”.
“آلية تفادي الصدام”
وفي تصريحات للصحافيين، قال أكتورك إن على إسرائيل وقف اعتداءاتها الاستفزازية الهادفة إلى المساس بوحدة الأراضي السورية وزعزعة أمنها واستقرارها في أسرع وقت ممكن، داعياً الاحتلال إلى التصرف وفقاً لمبادئ حسن الجوار والمساهمة في استقرار وأمن سوريا.
وذكر أن إسرائيل تواصل اعتداءاتها على سيادة ووحدة أراضي سوريا، على الرغم من عدم وجود أي تهديد أو هجوم موجه ضدها، ومن خلال ذرائع واهية وغير مبررة، مما يزعزع أمنها واستقرارها، مشدداً على ضرورة “إنهاء الهجمات الاستفزازية فوراً”.
وكشف المتحدث العسكري عن عقد أول اجتماع فني بين تركيا وإسرائيل، أمس الأربعاء، بهدف “إنشاء آلية تفادي الصدام ومنح الحوادث غير المرغوب فيها في سوريا” بين الجانبين.
بدوره، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان، عن إجراء وفد إسرائيلي برئاسة مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، محادثات مع مسؤولين أتراك في العاصمة الأذربيجانية، باكو.
القواعد خط أحمر
في غضون ذلك، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر في وزارة الدفاع التركية ومصدر إسرائيلي، أن مسؤولين أتراك وإسرائيليين بدأوا محادثات في أذربيجان، بهدف منع وقوع حوادث غير مرغوب فيها في سوريا، حيث تنشط جيوش الجانبين.
وقالت المصادر التركية إن المحادثات الفنية تُمثل بداية الجهود لإنشاء قناة لتجنب الصدامات المحتملة أو سوء الفهم بشأن العمليات العسكرية في المنطقة. وقال أحد المصادر التركية إن الجهود لإنشاء هذه الآلية ستستمر، من دون أي يحدد جدولاً زمنياً.
وقال مصدر سياسي إسرائيلي للوكالة، إن تل أبيب أكدت بشكل واضح خلال الاجتماع، أن “أي تغيير في انتشار القوات الأجنبية في سوريا، خصوصاً إنشاء قواعد تركية في منطقة تدمر (وسط سوريا)، هو خط أحمر وسيعتبر انتهاكاً للقواعد”.
وقالت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، إن إسرائيل وتركيا تسعيان إلى إنشاء آلية شبيهة بتلك التي كانت قائمة بين الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية خلال حكم نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مشيرةً إلى أن المحادثات لا تزال في مراحل أولية.
وذكرت تقارير إسرائيلية أن الآلية المزمعة تتضمن “قناة اتصال مباشرة بين الجيشين، بحيث تُتيح تنسيقاً مسبقاً وتفادي وقوع مواجهات ميدانية، عبر إجراء اتصالات بين الطرفين قبل تنفيذ عمليات في مناطق حساسة، وفق نموذج التنسيق الذي جرى العمل به سابقًا مع روسيا”.
اتصالات فنية
وأمس الأربعاء، قال وزير الخارجية التركية هاكان فيدان في مقابلة متلفزة، إن هناك اتصالات فنية مع إسرائيل لمنع سوء الفهم بين العناصر المقاتلة، موضحاً أن هذه الاتصالات الفنية تتم بشكل مباشر عند الضرورة، على ما نقلت وكالة “الأناضول”.
وحول وجود محادثات مع إسرائيل، قال فيدان: “أثناء القيام بعمليات معينة في سوريا سواء جواً أو بطرق أخرى، لا بد من وجود آلية لعدم التصادم مع إسرائيل التي تسيّر طائراتها في المنطقة، تماماً كما نفعل مع الأميركيين والروس”.
وأوضح أن العمل على هذا الأمر “جرى مكثف مع الروس، كانت لدينا آلية لمنع التصادم عندما كان الروس أكثر نشاطًا، ثم لاحقاً مع الأمريكيين والإيرانيين، مشدداً على أن إسرائيل “بحاجة بالفعل إلى أن تنضم إلى هذه الآلية في مرحلة ما، ومن الطبيعي أن يكون هناك اتصالات فنية لضمان ذلك”.
————————
المرجعيات الدينية والفصائل في السويداء/ سامر دانون
تأييد اللامركزية ورفض التقسيم… و”حماية الدروز”
آخر تحديث 09 أبريل 2025
لطالما كانت محافظة السويداء جزءا فاعلا في المشاريع الوطنية الكبرى التي شهدها التاريخ السوري الحديث، حيث تميزت النخبة الدرزية بميلٍ قوي نحو الاندماج في إطار الدولة الوطنية، بعيدا عن النزعات الانفصالية. تجسد هذا الميل في مراحل مفصلية، بدءا من مقاومة الاحتلال العثماني والمشاركة في الثورة العربية الكبرى ثم السورية الكبرى بقيادة سلطان الأطرش، مرورا بمشروع الدولة الدستورية بعد الاستقلال، وصولا إلى الانخراط في المشروع القومي الناصري. كانت هذه المشاريع ذات الطابع العمومي، البيئة التي وجد فيها الدروز أنفسهم،جزءا من الكيان الوطني السوري.
إلا أن التحولات السياسية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد أفرزت حالة من الغموض والتوتر داخل السويداء، انعكست في تباين مواقف المرجعيات الروحية، والزعامات التقليدية، والفصائل المسلحة، والقوى السياسية والمدنية تجاه الإدارة السورية الجديدة. لم يكن هذا التباين وليد اللحظة، بل تغذى بعوامل متعددة، أبرزها السياسات الحكومية الجديدة التي شملت قرارات التعيين وعمليات التسريح والفصل التي طالت الآلاف من موظفي القطاع العام، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية واستمرار الأزمات الاقتصادية والمعيشية والخدمية دون أي تحسن ملموس.
إلى جانب هذه العوامل الداخلية، كان للأحداث التي شهدها الساحل السوري أثر عميق في تشكيل مواقف فئات واسعة من أهالي السويداء. إلى جانب أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري بين مقاتلين مرتبطين بالحكومة السورية الجديدة وقوات موالية للرئيس المخلوع بشار الأسد، وما رافقها من انتهاكات ضد المدنيين، وجرائم قتل ذات صبغة طائفية ضد العلويين، أثارت هذه الأحداث لدى الدروز قلقا وجوديا حقيقيا، مما زاد من توترهم حيال مستقبلهم واستقرارهم.
وبالإضافة إلى هذه العوامل، فقد جاء الإعلان الدستوري مخيبا لآمال البعض، ما عمق حالة القلق داخل السويداء- التي تشهد حراكا مدنيا وسياسيا يشي بذلك، في ظل غياب رؤية وطنية جامعة قادرة على استيعاب المكونات المختلفة ضمن مشروع يوحّد السوريين، ويحد من تعميق الاستقطابات القائمة.
في هذا السياق، برز البُعد الإقليمي والدولي كعامل إضافي في تعقيد المشهد، لا سيما فيما يتعلق بالدور الإسرائيلي. إذ كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مخطط إسرائيلي يستهدف تقسيم سوريا بما يخدم المصالح الإسرائيلية في المنطقة، وهو ما يتماشى مع استراتيجيات تل أبيب في إضعاف الدولة السورية ومنع قيام أي كيان مركزي قوي قد يشكّل تهديدا مستقبليا.
التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أشار فيها إلى استعداد إسرائيل لـ”حماية الدروز” في٤ حال تعرضهم للتهديد من قبل الإدارة السورية الجديدة، أثارت موجة من الجدل داخل السويداء وخارجها. فقد ساهمت هذه التصريحات في إذكاء حملة تجييش وتخوين غير مسبوقة ضد الدروز، حيث جرى تصويرهم كأنهم طرف في معادلة إقليمية لا تمثل بالضرورة خياراتهم الوطنية. هذا الأمر عزّز حالة الحذر داخل السويداء، وأعاد إلى الواجهة المخاوف من استغلال قضيتهم كورقة سياسية ضمن الصراع الإقليمي والدولي حول مستقبل سوريا.
بينما تتجه السويداء نحو مزيد من الغموض السياسي، تبقى الأسئلة حول مستقبلها مفتوحة: هل ستتمكن من الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي وسط هذه التعقيدات؟ وما هو الموقف الحقيقي لزعاماتها الروحية والعسكرية من مشاريع الحكم المحلي، سواء كانت لامركزية إدارية أم فيدرالية؟ وكيف ستتفاعل مع المتغيرات الإقليمية التي تضعها مجددا في دائرة الضوء؟
المرجعيات الروحية في السويداء
في مجتمع السويداء كما في المجتمعات التقليدية، يلعب رجال الدين دورا محوريا في تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي. فالمجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام تعتمد في بنيتها وثقافتها على مؤسسات دينية تعتبر ركيزة أساسية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والإحساس بالهوية. وبالتالي، فإن رجال الدين يشكلون شريحة هامة من حوامل هذا المجتمع، ويُعَتَبر دورهم في حياة الناس لا غنى عنه.
على مر التاريخ، كان لرجال الدين في السويداء دور بارز في التصدي للاحتلالات والاستبداد، حيث كانوا في طليعة النضال ضد الاستعمار العثماني والفرنسي، وكان لهم تأثير كبير في تعزيز روح المقاومة والوحدة الوطنية.
إلا أن هذا الدور لم يخلُ من تحديات وخلافات داخلية، حيث كانت السلطات السياسية المتعاقبة تحاول الاستفادة من التوترات بين المرجعيات الروحية لتقويض أي محاولة لتشكيل قوة موازية تهدد هيمنتها. فعملت سلطة نظام الأسد على استمالة الدروز كأقلية عبر تعزيز علاقتها بمشيخة عقل الطائفة، التي تضم ثلاثة شيوخ بارزين: الرئيس الروحي حكمت الهجري، ويوسف جربوع، وحمود الحناوي.
في الوقت نفسه، حرصت على أن تكون هذه الهيئة غير منسجمة أو متماسكة في قراراتها، خوفا من أي تحولات قد تهدد سلطتها أو تقود إلى انقلاب داخلي عليها. هذا التلاعب السياسي كان وما زال عاملا مهماً في تعزيز الخلافات ضمن الهيئة الروحية، في ظل تهميش الحوامل السياسية والمدنية التي لم تبلغ بعد مرحلة الحداثة. لذلك، يبقى دور رجال الدين في المجتمع حاسما في توجيه الأحداث وبلورة المواقف، وهو ما نراه جليا اليوم من خلال تأثيرهم في الساحة السياسية والاجتماعية.
المرجعيات والإدارة الجديدة
تتفق المرجعيات الروحية في السويداء على ضرورة الانضواء تحت مشروع دولة وطنية جامعة، حيث تعتبر الدولة المظلة التي يجب أن تضم جميع المواطنين السوريين دون استثناء. هذا التوجه يعكس إيمانا مشتركا بوحدة الوطن وأهمية بناء مستقبل سياسي شامل يضمن الحقوق والمساواة لجميع المكونات الطائفية والعرقية في سوريا. ورغم التوافق على هذا المبدأ، فإن هناك اختلافا في وجهات النظر حول التوقيت المناسب للانخراط في هذا المشروع، يرتبط ذلك بمدى توفر الضمانات أو المؤشرات التي تؤكد جدية بناء دولة وطنية جامعة.
يرى الشيخ حكمت الهجري أن السلطة السورية الحالية “تحمل طابعا سلفيا جهاديا يثير قلق الأقليات” بما في ذلك الدروز، الذين يخشون أن يشكل هذا التوجه تهديدا خطيرا لهم في سوريا. ومن هنا، يدعو الهجري إلى ضرورة التريث حتى تتضح الصورة السياسية في البلاد وتُرسى أسسا دستورية شاملة تستند إلى مبادئ أساسية مثل المواطنة والديمقراطية. وقد وصف الإعلان الدستوري، الذي جاء وفقا لتخوفاته، بأنه غير منطقي.
يحض الشيخ الهجري السوريين على تشكيل تيار مغاير لهذا الخط السياسي للإدارة الحالية بحيث يكون قائما على مبادئ الدولة الحديثة (دولة المواطنة المتساوية) وبناء سوريا على أسس وطنية جامعة تشمل جميع مكوناتها. ويرى أنه يجب أن تظل الجهود منصبة على إيجاد توافقات تسمح بتطوير العملية السياسية في سوريا بما يحقق العدالة والمساواة لجميع أطياف الشعب السوري، بعيدا عن أي تدخلات خارجية قد تسعى إلى تفتيت البلاد.
في المقابل، يرى كل من الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي أنه يجب الانخراط في مشروع الدولة بشكل فوري، شرط أن تتوافر بعض الضمانات الأساسية التي تضمن العدالة والمساواة في سوريا. هذا الاختلاف بينهما وبين الشيخ الهجري ينبع من التحديات السياسية الحالية في سوريا، والتي تتطلب مواقف مرنة تتناسب مع تطور الأحداث السياسية.
الموقف من التدخل الإسرائيلي
وفيما يتعلق بتصريحات إسرائيل حول حماية الدروز، ففي حديثين منفصلين لقناة “العربية” أكد الشيخان يوسف جربوع وحمود الحناوي، موقفهما الرافض لتلك التصريحات حيث جاء على لسان الشيخ الحناوي، أن “نحن وطنيون ولن نساوم على القضية الوطنية”، مشددا على أنه “لم يسبق أن مددنا أيادينا لأيادٍ أجنبية”. هذا التصريح يعكس رفض الهيئة الروحية لأي تدخل خارجي، بما في ذلك التدخل الإسرائيلي الذي يسعى لاستغلال التنوع العرقي والطائفي في سوريا لزرع الفتنة بين مكوناتها. وأضاف الحناوي في تأكيده على هذا الموقف: “نحن سوريون شئنا أم أبينا، فلا أحد يمكنه أن يملي علينا، ونحن لا نسمح لأي إنسان أن يعتدي علينا”.
وفي هذا السياق، يبدي الهجري موقفا محايدا تجاه تلك التصريحات؛ ويقول: “إنها لعبة وتوافقات دولية ويجب أن ينصب تركيز الجهود على معالجة الوضع الداخلي لتحقيق الاستقرار في سوريا عامة”.
الفصائل المسلحة ومواقفها
تشهد السويداء تنوعا في الفصائل المسلحة، منها ما تشكل قبل سقوط النظام، ومنها ما ظهر بعده. وتختلف هذه الفصائل في مواقفها وعلاقاتها وفقا لعدة عوامل، أبرزها ارتباطها بالمرجعيات الدينية، وموقفها من الإدارة السورية الجديدة، ورؤيتها للإدارة المحلية، ومدى تأثرها بالتصريحات الإسرائيلية حول دعم الدروز. ومن الجدير بالذكر أن مواقف هذه الفصائل وتحالفاتها شهدت تغيرات دراماتيكية ومتسارعة، متأثرة بالتطورات الميدانية والتغيرات السياسية التي أعقبت سقوط النظام.
ويمكن تصنيف هذه الفصائل إلى مجموعتين استنادا إلى محددات مواقفها وعلاقتها مع المرجعيات الدينية، والسلطة الجديدة، والإدارة المحلية، والتصريحات الإسرائيلية بـ”حماية الدروز”.
المجموعة الأولى: تضم حركة “رجال الكرامة”، و”لواء الجبل”، و”تجمع أحرار الجبل”، و”مضافة الكرامة”، و”كتيبة سلطان الأطرش”.
تحافظ هذه الفصائل على علاقات جيدة مع المرجعيات التقليدية، مثل الباشا عاطف هنيدي، والأمير حسن الأطرش، والشيخ حمود الحناوي، والشيخ يوسف جربوع. أما علاقتها مع الشيخ حكمت الهجري، فتمر أحيانا بتجاذبات، لكنها لا تصل إلى مستوى الصدام، إذ تلتزم بدعمه عند الضرورة.
وفيما يتعلق بالسلطة الجديدة، لا تمانع هذه الفصائل في التواصل معها، بشرط عدم دخول عناصر تابعة للهيئة أو القوى المتشددة. كما ترحب بالدعم اللوجستي، بما في ذلك الرواتب والآليات، لكنها تشترط أن يكون الاعتماد بالكامل على كوادر محلية في الضابطة العدلية والأمن العام.
ولا تسعى هذه الفصائل إلى إقامة أي شكل من الإدارة الذاتية أو الفيدرالية، بل تؤكد أن دورها يقتصر على حفظ أمن الجبل، نظرا لعدم ثقتها بالعناصر التي تشكل الجيش الجديد والأجهزة الأمنية.
أما فيما يتعلق بمواقفها من التصريحات الإسرائيلية حول “دعم الدروز”، فهي تعتبر نفسها غير معنية بها، سواء سلبا أو إيجابا، وتؤكد أن موقفها يجب أن يظل خارج الصفقات الإقليمية والدولية.
المجموعة الثانية: تضم “المجلس العسكري” وهو القوة الحديثة والأكثر تنظيما، ويتبنى مشروعا عسكريا يقوم على مأسسة وتوحيد الفصائل العسكرية بالمحافظة والذي يعلن دعمه لمواقف الهجري، وتشمل الفصائل المرتبطة به “قوات العليا”، و”سرايا الجبل”، و”قوات شيخ الكرامة”، و”فزعة شباب الجبل”، و”درع الجبل”، و”جيش التوحيد”.
هذه الفصائل ترفض التنسيق مع السلطة الجديدة، معتبرة إياها ذات فكر متطرف، كما أنها لا تعترف بشرعيتها. وتتخذ موقفا سياسيا أكثر وضوحا، حيث تطالب بنظام فيدرالي كحل سياسي لسوريا. أما فيما يتعلق بالتصريحات الإسرائيلية حول “دعم الدروز”، فلا تمتلك هذه الفصائل موقفا معلنا، سواء بالتأييد أو الرفض.
إلا أنه رغم الاختلافات السياسية والعسكرية، تتفق جميع الفصائل على الوقوف صفا واحدا في حال تعرض السويداء لأي تهديد عسكري خارجي، مما يعكس أولوية الحفاظ على أمن الجبل واستقراره فوق أي خلافات داخلية.
يذكر أن فصيل “تجمع عشائر السنة”، الذي يتألف من البدو السنة في محافظة السويداء، مؤيد بالكامل للإدارة الجديدة.
بين تحديات الداخل والإقليم
تشكل السويداء نموذجا حيا للتنوع والتباين في المشهد السوري الجديد، حيث تواصل معظم القوى السياسية والثورية والمدنية الدعوة إلى وحدة وطنية شاملة تضم جميع المكونات، وتتباين مواقف قوى أخرى بين دعم التواصل مع الإدارة الجديدة ومعارضتها، وفقا لمعايير سياسية وأمنية متأثرة بالتجارب والخلفيات المختلفة. وفي ظل التدخلات الخارجية والمخططات الإسرائيلية التي تسعى إلى استغلال القضية الدرزية لتحقيق أهداف جيوسياسية، يظل التساؤل مطروحا حول كيفية ضمان مستقبل مستقل وآمن للسويداء.
إن تحقيق الوحدة الوطنية يتطلب رؤية شاملة وحلولا وسطية تضمن استقرار البلاد، مع التأكيد على الشراكة والشمولية وتجنب الإقصاء، إذ إن أي تهميش قد يوفر ذريعة للمشاريع الإسرائيلية وغيرها من التدخلات الخارجية. ويظهر أبناء السويداء توجها متزايدا نحو رفض المركزية الإدارية والميل إلى نظام أكثر لامركزية، يتيح لهم تمثيل أنفسهم بشكل أفضل والمشاركة الفاعلة في صياغة مستقبلهم.
ومع تعقيد المشهد، تبقى المسؤولية على عاتق صانعي القرار لإيجاد توافقات توازن بين متطلبات الأمن والاندماج الوطني من جهة، وحق أبناء السويداء في إدارة شؤونهم والمشاركة الفاعلة.
المجلة
———————
إجماع دولي في مجلس الأمن يرفض الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا
2025.04.10
أدانت الأمم المتحدة وعدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، خلال جلسة عقدت اليوم الخميس، الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، واعتبروها انتهاكا صارخا للاتفاقيات الدولية وللسيادة السورية، وسط دعوات لوقف فوري للتصعيد واحترام اتفاق فض الاشتباك في الجولان.
وأكدت الأمم المتحدة أن إسرائيل شنت هجمات جوية متكررة في دمشق وحماة وحمص، إلى جانب هجمات برية أدت إلى مقتل تسعة مدنيين. واعتبر وكيل الأمين العام لعمليات السلام أن “وجود الجيش الإسرائيلي في سوريا يهدد الاستقرار”، مضيفا أن قوات الاحتلال تحتل مواقع في المنطقة العازلة وعلى مقربة من الحدود.
وقال المسؤول الأممي إن قوات “أندوف” الدولية تواصل مراقبة الحدود السورية الإسرائيلية، وتجري اجتماعات تشاورية حول ما قد يهدد الوضع القائم. وأضاف: “رصدنا تحركات لقوات الاحتلال داخل المنطقة العازلة، ونتواصل مع السلطات السورية الجديدة وإسرائيل”، مشددًا على “ضرورة تعزيز الرقابة الدولية في المنطقة وعدم السماح بوجود أي قوات عسكرية فيها”.
وطالبت الأمم المتحدة بوقف القيود التي يفرضها جيش الاحتلال على حركة السكان في الجولان، ووصفت خطط الاحتلال للبقاء في سوريا بأنها تتعارض مع الاتفاقيات الدولية.
في السياق ذاته، قال مندوب الجزائر في الأمم المتحدة إن الغارات الإسرائيلية “تمثل انتهاكا واضحا للقانون الدولي وتسببت في سقوط ضحايا مدنيين”، داعيا إلى “انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي السورية وضمان احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها”. وأضاف: “سوريا لم تهدد إسرائيل ولا تهاجم حدودها، وندعو إلى وقف فوري للهجمات واحترام اتفاق فض الاشتباك ورفع العقوبات”.
وشدد مندوب الصين على أن إسرائيل “تجاهلت اعتراض الأسرة الدولية”، وطالب بإنهاء الاعتداءات والانسحاب الفوري من الأراضي السورية. كما وصف مندوب باكستان الهجمات الإسرائيلية بأنها “انتهاك فاضح للقانون الدولي” واعتبر أنها “تقوض جهود السلام وتمس بسيادة سوريا ووحدتها”.
وقالت مندوبة أميركا في مجلس الأمن إن بلادها “تشارك إسرائيل قلقها من أن تتحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب”، لكنها رحبت بإعلان تركيا وإسرائيل عزمهما على تجنب التصعيد، وأكدت: “سنحكم على أفعال النظام السوري لا أقواله”.
وكشف مندوب روسيا أن دولة الاحتلال نفذت أكثر من 700 هجوم على سوريا منذ تغيير السلطة، واعتبر أن “ما تفعله إسرائيل يمثل انتهاكا صارخا لسيادة سوريا وسلامة أراضيها”، داعيا إلى “دعم المرحلة الانتقالية ورفض الحلول المفروضة من الخارج”.
ورحبت مندوبة بريطانيا بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، لكنها رأت أن “الضربات الإسرائيلية تهدد فرصة تحقيق الاستقرار”. واعتبر مندوب فرنسا أن “سوريا بدأت عملية انتقالية تاريخية، وأي محاولة لتجزئة البلاد لا تصب في مصلحة أحد”.
————————-
سياسة استفزاز ممنهجة.. تصعيد الاحتلال في جنوب سوريا يشعل الغضب الشعبي
10 أبريل 2025
شهدت محافظة درعا في جنوب سوريا، الأسبوع الماضي، تصعيدًا خطيرًا في التوتر بين السكان المحليين وجيش الاحتلال في المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية المحاذية للجولان المحتل، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن عشرة مدنيين في مدينة نوى جراء قصف مدفعي وغارات جوية نفذها الاحتلال، بحسب تقرير لموقع “واينت” العبري.
وأشار الموقع العبري نقلًا عن مصدر سوري أن المواجهات بدأت، الأربعاء الماضي، عندما دعت مكبرات الصوت في المساجد سكان نوى إلى التصدي لتوغل جيش الاحتلال في المنطقة. فيما قالت مصادر عسكرية إسرائيلية إن جيش الاحتلال تعرض لإطلاق نار من مسلحين ورد عليها باستهداف المهاجمين برًا وجوًا، في عملية وُصفت بأنها “دفاعية”، وفق تعبيرها.
وأضاف “واينت” أنه عقب المواجهات، سادت حالة من الشلل التام مدينة نوى، وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد تظهر الشوارع فارغة، بينما أُقيمت مراسم تشييع جماعية في بلدة مجاورة، رُفعت خلالها شعارات غاضبة مناهضة لإسرائيل.
ولفت الموقع العبري إلى أن هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، إذ إنه في أواخر آذار/مارس الماضي، وقعت اشتباكات دامية قرب قرية كويا بريف القنيطرة، مما أسفر عن مقتل ما بين خمسة إلى سبعة أشخاص، في حادثة وصفها مراقبون بأنها “نقطة تحول” في مشهد الصراع السوري منذ سقوط نظام الأسد، وتولي أحمد الشرع قيادة المرحلة الانتقالية.
وقالت مصادر محلية في الجنوب السوري لـ”واينت” إن جيش الاحتلال صعّد من تحركاته خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصًا في محافظة القنيطرة، حيث قام بتسيير دوريات يومية، بالإضافة إلى نصب حواجز، وتفتيش المدنيين ومصادرة هواتفهم. كما أفاد المصدر بأن جيش الاحتلال مقتل أكثر من 100 رأس من الأغنام، واعتقلت الرعاة لفترة من الوقت، فضلًا عن تضييق الخناق على الوصول إلى الأراضي الزراعية.
وفي سياق متصل، أشار سكان من منطقة سد المنطرة، وهو أحد المتنفسات الطبيعية في القنيطرة، إلى تعرضهم المتكرر لإطلاق النار من مواقع عسكرية إسرائيلية حديثة الإنشاء، فضلًا عن اعتقال بعضهم وتهديدهم بمصادرة ممتلكاتهم إن عادوا إلى المكان.
ويعد السد مصدرًا حيويًا للمياه التي تروي الأراضي الزراعية في درعا والقنيطرة، حيث تمثل الزراعة وتربية المواشي عصب الحياة الاقتصادية في الجنوب السوري، بالإضافة إلى أنه متنفسًا لسكان المنطقة، حيثُ تأتي العائلات بشكل دائم للتنزه واللعب مع أطفالهم قرب السد.
وقال المصدر السوري لـ”واينت” إن جيش الاحتلال توغل لمسافة تصل إلى 15 كم داخل الأراضي السورية، فضلًا عن قتلها نحو عشرة مدنيين بشكل مباشر في نوى دون أي مبرر عسكري واضح، مؤكدًا أن “هذه سياسة استفزاز ممنهجة ضد المدنيين”.
وشدد المصدر السوري على أن توغلات جيش الاحتلال المستمرة، بدءًا من إنشاء طرق، وتنفيذ مداهمات وعمليات عسكرية في عمق الأراضي السورية “تغذي مشاعر العداء لإسرائيل وتدفع السكان نحو المقاومة”.
من جهتها، حذرت الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، كارميت فالنسي، من أن استمرار غياب إطار أمني واضح سيؤدي إلى المزيد من التصعيد. وأكدت أن “مراسم التشييع أصبحت محركًا لتوحيد المشاعر العامة ضد إسرائيل”.
وربطت فالنسي في حديثها لـ”واينت” بين الغضب الشعبي في الجنوب السوري والتضامن مع غزة، قائلة إن هذه المواجهات “تخلق ارتباطًا نفسيًا مباشرًا بين القتلى في درعا والحرب الدائرة في القطاع”.
وأشارت فالنسي إلى أن “هناك رغبة شعبية واسعة لتوحيد سوريا تحت علم واحد، سواء كان النظام إسلاميًا أو سلطويًا. والمجتمع الدولي يدعم هذه الفكرة”، وفق تعبيرها. وأضافت “من المفارقة أن الجهات الوحيدة التي يُعتقد بأنها تستفيد من عدم الاستقرار في سوريا هي إسرائيل وإيران والفصائل المناهضة للأسد”.
—————————-
======================