الأحداث التي جرت في الساحل السوريسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 10 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

الأحداث التي جرت في الساحل السوري

————————–

سوريا.. الخروج من ثقب الإبرة/ وفاء علوش

2025.04.10

بداية لا بد من تلمس الخطوات بحذر حين تكتب عن أمر حساس في بلاد مثخنة بالجراح مثل بلادنا، فالطريق إلى المكاشفة يكون مليئاً بالألغام التي قد تنفجر بنا، من الضروري أيضاً أن نبين أن فكرة الأقلية والأكثرية بمفهومها المجرد هي مفهوم رياضي بحت، وهو ببساطة مطلقة ذو بعد إحصائي ومن المفترض ألا يشكل معنى بحد ذاته، غير أنه يكتسب بعداً آخر حين نعكسه على الحياة السياسية.

تشير الأكثرية الطائفية في الوطن العربي إلى الجماعة الدينية أو الطائفية التي تشكّل النسبة الأكبر من السكان في دولة معينة، هذه الأكثرية قد تكون مسلمة سنية كما في معظم الدول العربية، أو شيعية كما في العراق والبحرين، أو مسيحية كما هو الحال في بعض مناطق لبنان، وغالبًا ما تلعب الإحصاءات الطائفية دورًا رئيسيًا في تحديد ملامح المشهد السياسي، سواء من حيث طبيعة الحكم أو السياسات العامة.

من نافل القول طبعا إن الاستعمار والاستبداد لعبا على ورقة الطائفية من أجل تفتيت بنية المجتمع وفصم عراه، مما يسهل إخضاعه والسيطرة عليه بخلق عدو واضح أمام شرائح المجتمع بحيث لا يكون النظام السياسي أو الاستعماري هو ذلك العدو، ويظهر بذلك بشكل الملاك الذي يمنع الوضع من التفاقم، وفي حالة مثل سوريا التي خرجت من عصر استبداد ممتد وكانت قبلها أسيرة استعمار وانقلابات سياسية بحيث لم تشهد استقراراً بقدر ما عاشت في سجن لعقود، تبدو أزمة التعامل مع هذا الواقع من أشد الملفات إلحاحاً لكي لا تعكس مخرجات سيئة على الحياة السياسية.

تستخدم في بعض الدول الديمقراطية التوافقية لضمان مشاركة جميع المكونات، كما هو الحال في لبنان والعراق لضمان الحقوق المتساوية، أما في الدول التي تحكم فيها الأكثرية الأقلية فمن الطبيعي احترام حقوق الأقليات، وضمان تمثيلهم العادل في المناصب الحكومية وعدم تهميشهم سياسيًا أو اقتصاديًا.

غير أن التجربة أثبتت أن الحياة السياسية في الدول العربية لم تكن من المثالية لتدرس على أنها نموذج يمكن الاقتداء به، بل ربما كانت نقمة على الشعوب ومغنم للحاكمين فقط، وبالتالي فقد آن الأوان لنخرج من هذه العباءة وننتقل إلى مفاهيم أكثر شمولية للمجتمع ومفاهيم لا يقيّم فيها الإنسان بطائفة ورثها بالولادة وإنما يقيّم بحسب موقفه وأفكاره، ولكن هذا يتطلب جهداً كبيراً في بلاد مثل سوريا التي استطاع نظام الأسد أن يشرخ مجتمعها أفقياً بين شرائح المجتمع التي من المفترض أن تكون على سوية واحدة، وعمودياً من حيث ثقة المواطن السوري بدولته أو بأجهزتها ومسؤوليها ويبدو ألا طريق أمامنا سوى دولة المواطنة المتساوية.

يترتب على الدولة في ذلك مسؤولية كبيرة حتى مسؤولية المواطنين تتمثل بسنّ قانون يجرم التمييز والتحريض الطائفي والمذهبي ويشدد على نبذ الولاءات الطائفية، وهذا يتطلب تعزيز الهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية وإجراء انفتاح شعبي لشرائح الشعب بعضها على البعض الآخر، للوصول إلى تسويات سياسية تقلل من التوترات، وتحجم اللعب الخارجي بالورقة الطائفية في سوريا مما يهدد الاستقرار الداخلي.

إن الانتقال من حالة الأكثرية والأقلية المبنية على الطائفة إلى بناء أكثرية سياسية يتطلب مجموعة من الإصلاحات العميقة على المستويات السياسية، الثقافية، والقانونية. بهدف تحويل الانتماءات من الهويات الطائفية إلى الهويات الوطنية أو السياسية، بحيث يصبح تشكيل أغلبيات وأقليات على أساس البرامج والأفكار وليس الهويات الدينية أو المذهبية.

يتطلب ذلك إصلاح النظام السياسي والقانوني بتشجيع تشكيل أحزاب وطنية عابرة للطوائف بطريقة تعزز دور المؤسسات المدنية في صنع القرار، من دون إقصاء أي مكون ديني بحيث يصبح التنافس السياسي قائمًا على الأداء لا الانتماء، مع تعزيز استقلالية القضاء لضمان أن القانون هو المرجعية للجميع.

وفي ذلك تبرز ضرورة تعزيز الهوية الوطنية الجامعة بإصلاح المناهج التعليمية وتعزيز الرموز الوطنية المشتركة من خلال الإعلام والثقافة والفنون، وخلق فرص اقتصادية متساوية للجميع، بحيث يتم تقليل التمييز الاقتصادي بين الفئات المختلفة، ما يعزز الشعور بالمواطنة المتساوية والأهم من ذلك يفكك المحاصصة الطائفية تدريجياً بالبدء بدمج مؤسسات الدولة بحيث لا تكون خاضعة للتوازنات الطائفية، بل تعتمد على الكفاءة والخبرة، ولا بد من تفعيل دور المجتمع المدني والإعلام المستقل دعم الإعلام الحر الذي يعزز الخطاب الوطني ويبتعد عن التحريض الطائفي.

فالانتقال من الأكثرية الطائفية إلى الأكثرية السياسية يتطلب تحولًا جذريًا في كيفية إدارة الدولة والمجتمع، ولا يمكن تحقيق هذا التحول بين يوم وليلة، لكنه ممكن عبر خطوات مدروسة تعزز المواطنة، تبني مؤسسات عادلة، وتخلق بيئة سياسية تعتمد على البرامج وليس الهويات الدينية.

قد تتباين آراء السوريين وتصطدم، ليس بناء على الخلفية الطائفية فحسب وإنما على البيئة والاحتياجات والسوية العلمية والاجتماعية، فيطالب البعض بعلمانية الدولة فيما يطالب البعض بدينيتها وهو استحقاق ضروري لرسم ملامح الدولة، ولكن ذلك لا يمكن تحديده وجزمه في هذه المرحلة التي يتحرك فيها السوريون أغلبهم بناء على معطيات شحصية وفردية وليست وطنية، ويمكن التعامل معه حين الخروج من الأطر الضيقة التي حُشرنا بها طوال عقود والتحرك في مساحات أوسع من الانتماءات القبلية والمناطقية والطائفية.

في سوريا يبدو أننا ما زلنا بعيدين للغاية عن أسس العمل السياسي وكل منا يعتقد أن مستقبل البلاد يمكن أن تقرره فئة بذاتها لتضمن عوامل طمأنة معينة لها فيما قد تعتبره فئة أخرى عوامل خطر، وبذلك لا يمكن حتى اللحظة تقرير مصير بلاد حتى ولو بالاستفتاء على شكل الدولة ونظام الحكم لأنه ليس من الضروري أن ترضي نتائجه الجميع، خاصة أننا نقرر من نوافذ ضيقة لا تبصر الآخر أو تعتني بما يريد، وهذا يحيلنا بالضرورة إلى ضرورة الانخراط في عمل سياسي يؤسس للوعي سياسي شعبي وتنظيم الحياة السياسية بسن قانون أحزاب وطنية غير قائمة على أسس طائفية ومناطقية للبدء بوضع اللبنات الأولى لهوية البلاد.

إن كل النقاش والتنظير بخصوص أخطاء السلطة قي سوريا، والحديث عن مسؤولية السلطة أو الاتهام بإعادة صناعة الاستبداد وأدلجة الخوف، وإن كان يراد به باطل فهو قد يكون محقاُ، ولكنه يبقى قي إطار التنظير ولا يقترب من الواقع السوري بأي شكل من الأشكال وهو بالتالي يؤدي إلى خطأ قي تشخيص المشكلة ولا يقدم حلول ناجعة.

ما يؤسفنا جميعاً أن سوريا اليوم لا تمتلك مقومات دولة مستقرة اليوم، ولم تكن كذلك في عهد الأسدين طبعا ولكنها اليوم في أسوأ حالاتها وتفترق عن حالها الأسبق ببصيص الضوء الذي يجعلنا نعمل معاً من أجل البناء، على أن يكون ترتيب الأشياء صحيحاً ويأتي تباعاً ونتوخى الحذر بألا نضع العربة أمام الحصان بما يمنعها من المضي قدماً.

إن جسد الدولة وفقا للمفهوم النظري يتشكل من أرض وشعب وسلطة غير أن ذلك ليس كافياً للقول بأننا أمام دولة، وإلا كان بإمكاننا اعتبار أي مجموعة بشرية ذات زعامة وتقبع في جغرافيا معينة دولة بمفهومها المجرد المحدود، ذلك أن روح الدولة يكمن في المؤسسات والقانون وفيما عدا ذلك فهي لا تمثل دولة بالمعنى الحقيقي، لكننا في سوريا اليوم لا نملك أيا من ذلك فالسوريون أغلبهم اليوم تتلخص احتياجاتهم بأشياء بدائية من مأوى ومأكل ومشرب وليس لدينا من مقومات الدولة المادية أو بنية تحتية لنبدأ بالبناء عليها.

يبدو أن اختبار السوريين الحقيقي اليوم ليس التفكير في السلطة والحياة السياسية وهو استحقاق هام لا شك في ذلك غير أن الأولوية هي بناء دولة مؤسسات وقانون لتكون هي العمود الفقري للدولة، وتكون مستقلة عن السلطة أياً كانت السلطة القائمة، فإذا تحقق ذلك يمكننا بعدها الاختلاف حول مفاهيم ومصطلحات سياسية وإذا لم تتحقق فلا شيء قد يمنع الاختلاف من أن يتحول إلى عراك وصدام.

ما أريد قوله أننا لم نصل بعد إلى شكل الدولة لأننا في مرحلة ما قبل الصفر، لكننا في ظل هذه المهاترات المضللة والمشتتة سوف نشلّ حركة البلاد سياساً ونضيع الهدف الرئيسي، بتقاذف الكرات ورمي المسؤولية على أكتاف السلطة التي لا يعترف بها البعض ونقطع الطريق على أنفسنا بأن نصنع دولة أصلاً.

إن بناء الدولة هو مسؤوليتنا جميعا ومن غير المنطقي أن نطالب سلطة لا نعترف بها أن تبني الدولة فيما نضع نحن العصي في العجلات ثم نراقب النتائج ونتصيد الأخطاء، فنصبح شركاء في المغنم دون المغرم، ذلك أن بناء الدولة هو عمل مشترك لا يمكن لأحد التنصل منه.

يبدو الوضع الاجتماعي اليوم متشظياً إلى حد لا يمكن التعامل معه بسهولة، وقد يدفع بعضاً منا إلى اليأس والانكفاء والانسحاب من المشهد العام، لكن ذلك قد يضعنا أمام مسؤولية تاريخية من غير اللائق بعدها التنصل من نتائجها.

إن الوضع السوري على تعقيده يعيش اليوم مخاضه الخاص ففي الهزات السياسية الكبرى يلتجئ الإنسان ويرتد إلى المكان الأكثر أمنا بالنسبة اليه مثل منطقته وطائفته، إنها تشكل الانتماءات المحدودة للشعوب التي عمل الاستبداد على تفريغها من هويتها الوطنية، وإذا استطعنا تخيل المجموعات السورية اليوم بناء على أكثرية وأقلية بحسب العدد، فمع الوقت ومع تطور الحياة السياسية ستتغير هذه المجموعات البشرية وتتحرك وفق ما يتناسب وانتمائها الفكري، لا الطائفي أو المناطقي، لايوجد بالطبع يقين بخصوص كيفية تحركها وكيف ستصبح أعدادها، فهذا متعلق بالأحزاب السياسية والمجتمعية التي ستتشكل ومرهون بنجاح السلطة الحالية ببناء الدولة وبناء الوعي السياسي وإطلاق الحريات وخلق فضاءات فكرية وثقافة وسياسية تتسع للسوريين جميعاً.

تلفزيون سوريا

——————————-

إلى ياسر مخلوف مع تحيات رجال (سوريا الحرَّة)/ مالك داغستاني

2025.04.10

اعتُقل في شهر شباط/فبراير 1982، وأُطلق سراحه في شهر آذار/مارس عام 1997. خمسة عشر عاماً وبضعة أيام، قضاها بين سجني تدمر وصيدنايا. إنه صديقي “ياسر مخلوف”. أعرف، في هذه اللحظة بعد قراءة الاسم أن الكنية لفتت نظركم.

نعم هو ابن عائلة مخلوف، التي يعرفها السوريون، من قرية بستان الباشا على الساحل السوري. بعد عام ونصف من السجن، حظي ياسر بزيارة في سجن تدمر، عبر وساطة من خارج العائلة. حينها طلب من والديه ألا يحرجا نفسيهما بأي وساطة من أحد، مضيفاً أنه سيخرج من السجن عندما يخرج رفاقه جميعاً. وكان معتقلاً للانتماء إلى حزب العمل الشيوعي. التزم الأهل بطلب ابنهما طيلة فترة سجنه.

عام 1984، قبل ذكرى (الحركة التصحيحية) بأيام قليلة، تم تحويل ياسر من سجن تدمر إلى فرع التحقيق العسكري بدمشق بقصد الإفراج عنه. لينضم هناك إلى معتقلين اثنين، أحدهما ابن شقيقة زوجة محمد مخلوف، مع ابن عمّه، والاثنان أبناء عائلة علوية شهيرة. يبدو أن اسم ياسر أضيف إليهما باعتباره الأقرب للعائلة الحاكمة، فهو الابن الأكبر لابنة شقيقة زوجة الأسد الأب.

قابله العميد كمال يوسف رئيس الفرع في مكتبه، وطلب منه أن يتعهد أمامه شفهياً، بألا يعود للعمل السياسي المعارض، وسوف يطلق سراحه على الفور. كان جواب ياسر صادماً للعميد، وفيما بعد لحافظ الأسد (وهذا تقديري الشخصي). قال الرجل: أنا اليوم سجين ولست في التنظيم. لا أعلم ما هو الوضع في الخارج. إن أطلقتم سراحي سأرى الوضع وأعود لأخبركم إن كنت سأمارس العمل السياسي أم لا.

نهاية المقابلة، فهم العميد يوسف أن ياسر لن يتعهد بأي شيء. وبينما أُطلق سراح الآخَرَين، فقد تمت إعادة ياسر إلى سجن تدمر، ليقضي سنواته الطويلة هناك، قبل أن ينقل إلى صيدنايا، ويُقدَّم بعد عشر سنوات من التوقيف العرفي إلى محكمة أمن الدولة العليا. أصدر عليه القاضي فايز النوري حكماً بالسجن خمسة عشر عاماً، مع كثيرين من رفاقه. الأمر الذي يمكنني تفسيره بحقد شخصي من الأسد، فكيف لأحد أن يرفض (مَكرُمةً) كهذه منه! في حين لا يمكن لأي معتقل سوري أن يحلم بها في تلك الفترة، حيث بقي قفل السجن السوري مغلقاً بإحكام لسنوات طويلة.

كان ياسر في سنته الدراسية الثالثة في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حين اعتقاله. سيكمل دراسته ويتخرج منها بعد خروجه من السجن. وأكثر من ذلك سيدرس الترجمة ويحصل على شهادة جامعية أخرى فيما بعد، وسيحترف العمل في الترجمة من اللغة الإنكليزية التي أتقنها جيداً خلال سنوات السجن. لم يلجأ الرجل إلى أبناء العمومة لطلب أية مساعدة، كما يمكن أن يخطر

في البال. وكان معظمهم متحرجاً من إقامة علاقة مع ابن العم المعارض. أما ياسر فبدا متفهماً للأمر، وأبقى معهم على علاقات المجاملات العائلية وحسب.

التقينا هو وأنا قليلاً بعد السجن وعلى فترات متباعدة، لكن خلال زيارتي لسوريا بعد سقوط الأسد، زرته في بستانهم في القرية، وهو إرث له ولإخوته من والديهما. جلسنا في بيوت الإخوة التي ستحترق فيما بعد. قضيت هناك ساعات قليلة معه ومع أصدقاء آخرين. بدا ياسر خلالها أشدّنا فرحاً بسقوط الأسد، وأكثرنا تفاؤلاً عن المستقبل وعن سوريا الجديدة، رغم عدم التوافق الفكري والسياسي مع من يحكمون البلد. بل وسخرنا معاً من المخاوف غير المبررة للعلويين المدنيين!

قبل أيام، فاجأني مقطع مصور بكاميرا ياسر نشره أحد الأصدقاء. بدا البيت الذي تناولنا الفطور فيه محروقاً بالكامل. وعلى الجدار ظهرت كتابة خلّفها الفاعلون، سيقرأها ياسر بصوته: “ذكرى عبد الله عبد القادر عبد الله. 6 شهر رمضان” مع توقيع شخصي وتوقيع عام سيقرأه ياسر بمرارة “رجال سوريا الحرّة”، فيتساءل بعدها باستغراب: “رجال سوريا الحرة؟! يا شباب، هذا البيت لناس أحرار من سوريا الحرة”. في منزل شقيقته ردينة، مهندسة معمارية، استخدم أحدهم ألوانها ورسم (خربش) خطوطاً على الجدار، ثم وقع باسم “أبو تراب الحلبي”.

باتصال مع العائلة بعد مشاهدة الصور، سأعلم أن أخوَي ياسر، اللذَين كانا يشعران بالطمأنينة خلال ما سُمّي (النفير العام)، لم يغادرا البستان. بقيت سحر هناك، وهي مهندسة زراعية، تدير العمل مع أخيها أحمد. خلال ساعات، حضرت إلى بستان الحمضيات الذي يقع على الطريق العام، طرطوس اللاذقية، عدة مجموعات مسلحة على التوالي. سرقوا سيارتي الأخوين، وحملوا بهما المؤونة العائلية من الزيت. سيخبرني ياسر على سبيل الطرافة المريرة، أن الأمر بدا وكأنه اختصاصات لناحية (التعفيش).

هناك مجموعة أخرى نهبت الأجهزة الكهربائية فقط، ثم تلتها أخرى سرقت خلايا النحل. لكن الثابت خلال كل ما جرى أن أمر إعدامهما قد نوقش من قبل كل المجموعات. مجموعة تجنبت قتل أحمد لأنه كهل. لكن واحداً من عناصر جماعة أخرى أخذ أحمد جانباً وقرر إعدامه، فقفزت الأخت أمامه وطلبت أن يقتلوها قبله. أنجتهما مصادفة طيبة، حين دخل القائد في ذات اللحظة وسأل مستنكراً عن إعدام امرأة! فجاءه الجواب من مرؤوسه بأنها “هي من طلبت ذلك”. فما كان من قائد مجموعة اللصوص إلا أن أصدر أمره بمنتهى الشهامة “اتركهم، فنحن لا نقتل النساء”!

خلال لحظة انشغال المجموعة السادسة التي دخلت البستان، خلا المكان من أي عنصر قريب، وبينما سمع الأخوان إطلاق رصاص في البستان المجاور، قررا الهرب. انطلقا وتسلقا السور،

راكضين بين البساتين المتلاصقة ساعات طويلة، ملتجئين إلى بعض المزارع التي خاف أصحابها من استقبالهم بها، فوصلا مدينة اللاذقية في اليوم التالي. سيعلمان فيما بعد أن إطلاق النار الغزير أفضى إلى مقتل محمد منير مخلوف.

للمصادفة، من بين أفراد عائلة مخلوف الكبيرة والثرية، لم يُقتل سوى محمد منير مخلوف الذي يقيم في البستان المجاور. يدير الرجل عملاً خاصاً بعيداً عن الأعمال غير الشرعية، ويعرف عنه المحيطون أنه كان شهماً يندفع لتقديم المساعدات لمن يحتاجها. ربما لصفاته تلك، كان ممن اختيرو في وفدٍ قابل الرئيس الشرع عند زيارته اللاذقية. سيخبرني ياسر أنه كان من بين أصدقائه القلائل في العائلة، وأقربهم إليه. أما باقي أفراد العائلة المؤيدين فقد نجوا لأنهم لم يشعروا بالأمان مع السلطة الجديدة، ففروا من سوريا، أو احتموا بأمكنة حيث لا تطولهم يد العدالة.

في البستان احترق بيتان وتم تحطيم الثالث، وسرقت مضخات البئر، وألواح الطاقة الشمسية والأدوات الكهربائية والمناحل. فعل المهاجمون كل ما كان يفعله “شبيحة الأسد” خصوصاً من جنود الفرقة الرابعة وتوابعها. بدا الأمر لي وأنا أصغي لما جرى، وكأننا ما زلنا نعيش في “بلاد الفرقة الرابعة”، التي شكّلت كابوساً للسوريين على مدى سنوات.

توفيت والدة ياسر قبل أربع سنوات، بيني وبين نفسي قلت حسناً أنها لم تشهد هذا اليوم. هناك الكثير من المآثر لأمهات معتقلي صيدنايا، وهناك عدّة أمهات شهيرات. لكن أم ياسر كانت أشهر أمهات صيدنايا على الإطلاق، بما قدمته للسجناء وعائلاتهم من خدمات، بمن فيهم معتقلون إسلاميون، حيث كانت تحضر لهم حاجياتهم، وتدور على بيوت عائلاتهم في أكثر من مدينة، لأنهم ممنوعون من الزيارة. حين توفيت نهايات عام 2020، نعاها ونشر صورها المئات من الأشخاص على وسائل التواصل. أحد الأصدقاء سألني من تكون تلك المرأة حتى ينعاها كل هؤلاء البشر؟ أجبت: ألا تعلم! إنها أنجيلا. كان اسمها نجلا ولكن السجناء أطلقوا عليها لقب أنجيلا، تيمناً بمناضلة حقوق الإنسان الأميركية الشهيرة أنجيلا ديفيس.

هل أكتب عن ياسر لأنه صديق شخصي؟ نعم، على الأرجح أن هذا واحد من الدوافع، فمعرفتي الدقيقة بسيرة حياته الكاملة، تدفعني للكتابة عن أمر أعرفه بدقة وبكامل تفاصيله. لكن هذا لا يلغي الدافع الأكبر، وهو إدانة كل تلك الاعتدءات التي تحولت إلى مجازر في كثير من بلدات وقرى الساحل وذهب ضحيتها أبرياء، أودى بأكثرهم شعورهم بالأمان وبأنهم لم يفعلوا شيئاً يستحقون أن يتعرضوا بسببه لأي اعتداء ولا حتى إهانة، لذا لم يهربوا كما فعل المجرمون.

قصة ياسر هي مثال متطرف، ليس فقط عن الوحشية التي مورست في الساحل، بل هي دليل براءة أغلب الضحايا، لدرجة أن تلك الوحشية طالت من دفع ربع عمره في سجون الأسد.

بالتأكيد، ليس الأمر بالنسبة لي أنها بيوت ياسر الذي أعرفه وإخوته، فكل الاعتداءات وقتل وحرق وسرقة بيوت المدنيين الأبرياء أعمال إجرامية لا تقوم بها لا دولة ولا ثوار.

هذه أعمال عصابات تحسب أنها مُغطّاة أمنياً، ولن تنالها المحاسبة، وإلا ما معنى أن يشعر المجرم بما يشبه الأمان المطلق، فيوثّق فعلته ويوقِّع باسمه الثلاثي على الجدار. اليوم، للمفارقة المريرة، يلحُّ علي السؤال: بأية حكمةٍ تحملها تقادير الحياة، سارت الأقدار على نحوٍ جعلت من مجرم كحافظ الأسد يضيع شباب رجل مثل ياسر في السجن، ثم ليأتي بعده مجرمون لصوص رعاع، يماثلون الأسد بدونيتهم، فيحرقون بيته وبيوت إخوته، وربما لو تصادف له أن كان هناك لقتلوه؟

الكثير مما يجري في سوريا اليوم، ويعتقده كثيرون نوعاً من البطولة والانتصار، إنما هو الوصفة الناجحة لإعاقة بناء الدولة الجديدة، بل والمساهمة في تحطيمها قبل ولادتها. مع شيء من الحسرة قال لي ياسر “الكارثة أن الأسد الابن، لم ينهب موارد سوريا إلى ما دون الصفر خلال حاضرنا وحسب، بل أكل ونهب من مستقبلنا ومستقبل سوريا والسوريين”.

لكن ألم يكن بإمكان السلطات الجديدة تلافي ما حدث في الساحل أو على الأقل التخفيف منه؟ هل حقاً لم تمتلك المقدرة على ضبط الفصائل والأفراد الذين انضووا تحت مظلة وزارة دفاعها؟ أم أنها لا تمتلك الإرادة لذلك؟ مهما كان الجواب فالأمر سيّان، وهو لا يعنى سوى أننا لم ولن نصل قريباً لنكون دولة.

يوم 8 كانون أول/ديسمبر الماضي، ذهب ياسر رفقة شقيقته سحر إلى قبري والديهما، وضعا وردة فوق كل قبر. أخبرهما ياسر أن نظام الأسد قد سقط. اليوم، المفارقة التي لم تفاجئني كثيراً وأنا أتحدّث إليه، لأنني أعرف روح الرجل جيداً، مازال ياسر، رغم كل ما جرى له على الصعيد الشخصي، متفائلاً بسوريا القادمة!

تلفزيون سوريا

——————————–

إيران وحلم النفوذ الإقليمي.. الحلم المستحيل/ صهيب جوهر

2025.04.09

لم يكن العقل العربي ليتخيل قبل 7 أكتوبر 2023 وما نتج عنه من تحولات، أن تضطر إيران للتفاوض على أوراق قوتها وجماعاتها التي استثمرت في بنائها عقودا طويلة، كما يحصل اليوم، والذي لم تعتمد يوماً على واقعية أو عقلانية سياسية، وإيران نفسها لو علمت مآلات الأمور يوماً لوفرت على نفسها وقتاً طويلاً أهدرته، ومليارات دفعت كرمى لعيون أنظمة وجماعات على امتداد العراق ولبنان واليمن ودول أخرى خليجية حاولت التسرب إليها بالعنف أو الخلايا.

ولعقود متعددة بقيت طهران بالرهان على أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريد أو تقوى على شن حرب على منشآتها النووية وتقويض نظام الحكم الإيراني ووقف تمدد النفوذ الإقليمي في العواصم التي لطالما تفاخرت بالسيطرة عليها، والتي ترجمت مؤخراً بما عبر عنه أحد نواب حزب الله بالقول أن النظام السوري سقط نتيجة عدم اختياره خيار القتال.

وكانت طهران تعول دائماً على بقاء قوى إسرائيلية أقل يمينية من الأحزاب الموجودة اليوم في الحكم في إسرائيل، كما تستلزم وصول إدارة أميركية متحمسة لخيار الحرب على اعتبار أن إسرائيل ستكون عاجزة عن تنفيذها سياسياً وعسكرياً من دون شراكة أميركية دولية شاملة.

وحتى دونالد ترامب تجنب الحرب مع إيران في ولايته السابقة، واكتفى بالانسحاب من الاتفاق النووي. ما فتح الباب لطهران للاستفادة من المماطلة في الوقت لتكريس قدراتها وقوتها الذاتية والإقليمية، وكان الديموقراطيين حينها قد عادوا إلى الحكم مع رئيس أميركي متردد هو جو بايدن. لكن ما جرى اليوم يحمل في طياته أخطار محدقة، فقد حصل التزاوج السياسي بين اليمين الإسرائيلي واسوء اليمين الأميركي، بوصول الجانبين للحكم في واشنطن وتل أبيب.

وما يزيد من المخاوف الإيرانية اليوم، هي الضربات القاصمة التي تلقتها فصائل لبنانية وعراقية ويمينة، إضافة لسقوط نظام الأسد البائد في سوريا، على مدى سنة ونيف من الحرب والقتال المتواصل، ما أدى تقريباً

إلى تعطيل قدرتها القتالية. فبات يتصدى للهجمة الإسرائيلية – الأميركية في الداخل الإيراني نفسه وهو الذي أسس هذه المجموعات كخط الدفاع الأول عن إيران، ما يعني أن المعركة في حال ضربت إيران ستكون نهائية وحاسمة. ولذلك، هو بدأ يستنفد الأوراق المتبقية في يده، وأبرزها: تحالفه مع روسيا والصين، ومحاولة إرضاء إدارة ترامب بصفقة النووي، ومحاولة إقامة تحالفات مع أطراف إقليمية كتركيا وبعض الدول الأوروبية.

وهذا الانفكاك الإيراني – الروسي، أتى عقب الاتصالات الروسية – الأميركية، عبر عروض ترامب لبوتين في أوكرانيا لتحييده عن خياراته في الشرق الأوسط، في حين اتخذت الصين قراراها التاريخي بعدم الانجرار بحروب تتورط فيها. وهي بدأت تلوح بورقة تايوان، لعلها تكون موضع مقايضة شبيهة بمقايضة أوكرانيا مع روسيا. وفي الوقت عينه، تقدم إيران إلى الأميركيين عروض تفاهم، لكنها حتى اليوم لا تبدو مثمرة.

وسعت إيران للقيام بعملية التفافية، علها تستعيد بعضاً من المبادرة عبر دفعها مع أحد الأطراف الإقليمية لأحداث الساحل السوري، إضافة للأحداث على الحدود اللبنانية – السورية، وهذه المحاولة كان يمكن أن تخلق حضوراً ايرانياً في الساحل وفي جزء من الحدود مع لبنان، لكنها حتماً لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء على مستوى الحكم، لا في سوريا ولا في لبنان، أما ميدانياً فأحكمت الإدارة السورية الجديدة يدها على الحدود مع لبنان، وأقفلت أحداث الساحل رغم الانتهاكات الإنسانية التي جرت ويجري التعامل معها بلجنة تحقيق.

لذا فإن إيران خسرت مشروع الحضور الإقليمي المعتمد بالدرجة الأولى على الطائفة والدرجة الثانية على مشروعية القضية الفلسطينية، وباتت اليوم مستعدة بحصر حضورها ببعض الحلفاء السياسيين في لبنان والعراق واليمن، لكن دور روسيا لم يكن داعماً على ما يبدو، على رغم من امتلاكها قاعدتين عسكريتين في سوريا. فإيران ليس لديها ما تخسره إذا فشلت المحاولة، وأما بوتين فلا يريد إحراق أوراق العلاقة مع الإدارة الانتقالية في دمشق لرهانات إيران.

وعليه يممت طهران وجهها شطر أنقرة، علها تنجح في عقد صفقة محتملة في سوريا والعراق ولبنان، وهذا الأمر عبر رسائل وجهت لتركيا عن إمكانية دعم أنقرة ضد المجموعات الكردية في العراق وسوريا، وتسليم معارضين أكراد لديها، وهذا الأمر لا يبدو أنه ناجز بين القوتين الاقليميتين وخاصة أن الثقة مفقودة مؤخراً وتأكدت مع أحداث الساحل السوري والحدود مع لبنان.

وهذا الحراك الإيراني، أطلق العنان لتحرك إسرائيلي جارف في سوريا أولاً، وثانياً عبر عودة الاستهداف والاغتيالات في لبنان، وتحديداً الى الضاحية الجنوبية لبيروت، فإسرائيل تحرص اليوم على منع نشوء أي قوة تسعى لوراثة الحضور الإيراني في سوريا أو لبنان، ولكن بالتأكيد ستحاول إيران دائماً أن تستعيد بعض نفوذها، ولو على جزء من أي بلد كان جزء من جغرافيا حضورها الإقليمي، وهذا يعني أنها لن تمانع في أي يوم في اعتماد خيار التقسيم لتحقيق هذا الهدف.

ربما يتقاطع الإيرانيون مع إسرائيل التي تحتفظ بخطط تاريخية لتقسيم المنطقة طائفياً وعرقياً. لكن الإسرائيليين لن يوافقوا على إقامة مناطق نفوذ لإيران في الدول المحيطة بهم. وهذا يعني في المحصلة أن استعادة إيران لنفوذها السابق بات مستحيلاً في المدى المنظور، أياً كانت الظروف. فالمتغيرات التي حققتها عملية طوفان الأقصى أولاً، وسقوط الأسد ثانياً، فتحت الباب على عالم جديد، ومنطقة إقليمية مستحدثة.

————————–

اعتراف قائد “صقور الصحراء” سابقا بشأن أحداث الساحل السوري يثير الغضب بالمنصات

10/4/2025

أثار ظهور محمد جابر، قائد مليشيا “صقور الصحراء” سابقا، جدلا واسعا في الأوساط السورية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد اعترافه بإدارة الهجوم العسكري الذي نفذته مجموعات مسلحة ضد الحكومة السورية الجديدة في الساحل السوري.

هذه العملية، التي وقعت بتاريخ السادس من مارس/آذار، أودت بحياة أكثر من 200 عنصر من جهاز الأمن العام، إلى جانب مئات المدنيين الذين قضوا نتيجة الفوضى والانفلات الأمني أثناء العملية وبعدها.

جاء اعتراف محمد جابر خلال ظهوره في مداخلة تلفزيونية عبر قناة “المشهد” مساء الثلاثاء، حيث أشار إلى أن العملية العسكرية في الساحل لم تكن بحاجة إلى تمويل، مؤكدا وجود كميات كافية من السلاح والذخائر في المنطقة.

هذا الاعتراف أثار تساؤلات عديدة بين السوريين حول دوافع ظهوره بهذا التوقيت، فقد تفاعل السوريون على منصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع مع تصريحات جابر، مستذكرين الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري خلال الثورة.

    المجرم محمد جابر، المقيم في روسيا كان قد أقسم في البداية أنه لا علاقة له بهجمات الساحل، لكنه عاد واعترف لاحقاً بأنه خطط وأدار ما أسماها بـ”المعركة” واعترف أيضاً بأن “السيد” غياث دلة شكّل مجلساً عسكرياً من فلول النظام، بينما كان هو (محمد جابر) يدير مدنيين حملوا السلاح! وأكد أنه… pic.twitter.com/uRTqyOlDqM

    — مُضَر | Modar (@ivarmm) April 8, 2025

وأعاد الناشطون نشر تقارير حول تورطه في أعمال تهريب برعاية فواز الأسد، الذي كان الداعم الأساسي له.

ليطلق جابر بعد اندلاع الثورة السوريا على نفسه لقب “المجاهد”، وأسس مليشيا “صقور الصحراء” في عام 2013، التي شاركت في عدة معارك ضد الفصائل المعارضة للنظام.

بحسب الشهادات المتداولة على وسائل التواصل، تعاون محمد جابر من خلال مليشياته مع شقيقه أيمن، قائد مليشيا “مغاوير البحر”، في حماية حقول النفط في البادية السورية بدعم مباشر من روسيا.

وشاركت مليشيات الأخوين جابر في معارك متعددة بما في ذلك معركة كسب عام 2014 ومعارك أخرى في حلب وريف حمص. ونشر ناشطون صورة تظهر محمد جابر عام 2016 وهو يحمل رأسا مقطوعا في ريف حمص الشرقي، مما زاد من حدة الانتقادات تجاهه.

مع اندماج مليشيا “صقور الصحراء” في الفيلق الخامس، تراجع نفوذ محمد جابر، مما دفعه لاحقا إلى مغادرة سوريا والاستقرار في روسيا. ومع ذلك، عاد إلى الواجهة بتصريحاته المثيرة للجدل، متحديا الرئيس أحمد الشرع وواصفا العملية العسكرية بـ”المعركة” التي كان يديرها مدنيون حملوا السلاح تحت قيادته.

عقب تصريحاته، طالب ناشطون الحكومة السورية بإصدار مذكرة اعتقال دولية بحق محمد جابر عبر الإنتربول بتهمة محاولة الانقلاب على الحكم وقتل الأبرياء.

في المقابل، شكك البعض في مسؤوليته المباشرة عن أحداث الساحل، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي أكد امتلاك تركيا معلومات استخباراتية حول تورط دول أخرى في إشعال الوضع هناك.

    بعد مشاهدة المزيدة من هذا اللقاء تبدو مسرحية أكثر منها لقاء عفوي الهدف منه وضع اللوم على السلطة واخراج إيران وروسيا من المشهد مع تجنب الحديث عن عملية الغدر الواسعة التي قاموا بها وحرضوا فيها المدنيين على حمل السلاح.

    محمد الجابر كان ينسق إحضار المجموعات الإيرانية منذ عام ٢٠١٣…

    — Ahmad | الْفَارُوق (@ahmad_21289) April 9, 2025

ورجح آخرون أن يكون تلقي جابر الضوء الأخضر من روسيا لتبني مسؤولية العملية بغرض التغطية على الجهات الدولية المتورطة، وهو ما أثار مزيدا من الجدل حول حقيقة الأحداث.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

——————————-

 لن تكون قضيّة علويّة في سوريا/ خيرالله خيرالله

لا مصلحة للبنان في إضاعة الوقت. لا يعود ذلك للحاجة إلى انتظار ما الذي ستؤول إليه الأحوال بين الولايات المتّحدة وإيران، بمقدار ما يعود إلى أنّ الوضع في سوريا تغيّر نهائياً في غير مصلحة “الحزب” وإيران. لن تعود إيران إلى سوريا بغضّ النظر عمّا إذا كان أحمد الشرع باقياً أم لا. كلّما استعجل لبنان في حسم أموره لمصلحة تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من أراضيه، كان ذلك أفضل له… بغضّ النظر عن الثمن الذي لا بدّ من دفعه من أجل استعادة كلّ متر مربّع من الأرض المحتلّة في الجنوب.

الأكيد أنّ لبنان يمرّ في مرحلة اختبار. سيتوقّف الكثير على ما إذا كانت في استطاعته الاستفادة من التجارب التي مرّ فيها في السنوات الخمسين الأخيرة كي لا يصبح جزء من الجنوب أرضاً محتلّة منسيّة على غرار ما حصل في سوريا، حيث رفض حافظ الأسد ونجله بشّار في عهدَيهما “الميمونين” القيام بأيّ خطوة من أجل استعادة الأرض السوريّة (هضبة الجولان) المحتلّة منذ عام 1967.

في زيارتها الأخيرة للبنان، حملت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس عصا غليظة استخدمتها بلطف شديد في تعاطيها مع المسؤولين اللبنانيين. تتمثّل العصا الغليظة في إفهام اللبنانيين بمنتهى اللياقة أن لا مساعدات ولا إعادة إعمار ولا انسحاب إسرائيليّاً من دون تجريد “الحزب” من سلاحه. عرضت “شراكة” أميركية مع لبنان في حال توافر شروط معيّنة في مقدَّمها معالجة موضوع سلاح “الحزب” والإصلاحات وتنفيذ اتّفاق وقف النار مع إسرائيل.

مع انتهاء نظام آل الأسد، انتهى أيضاً حلف الأقلّيّات الذي كان في مرحلة معيّنة نقطة التقاء بين إسرائيل وإيران وكلّ توابع المشروع التوسّعي لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”

تسمية الأشياء بأسمائها

كانت أورتاغوس في غاية الوضوح عندما سألت الزميل الذي كان يُجري معها حديثاً عبر قناة “LBCI”: “من هو لبنان؟”. أرادت بذلك تصحيح المعلومات الواردة في السؤال الموجّه إليها. كان السؤال الذي طرحته مناسبة لمورغان أورتاغوس لتأكيد أنّ رئيس الجمهورية جوزف عون “لم يرفض تشكيل اللجان” الثلاث، موضّحة أنّ الأمر يتعلّق بمعالجة مسائل المحتجزين اللبنانيين في إسرائيل، وترسيم الحدود، والانسحاب الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك، لم تترك أورتاغوس مجالاً للشكّ في الحاجة إلى الإسراع في الإصلاحات في كلّ المجالات، خصوصاً في ما يخصّ القطاع المصرفي. يبدو جليّاً أنّ المبعوثة الأميركيّة تدرك أهمّية الوقت، وهي أهمّية يفترض باللبنانيين إدراكها أيضاً… في حال كانوا يريدون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلدهم وتفادي استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجزء مهمّ من الجنوب.

من المفيد أن يتذكّر كلّ لبناني أنّ ما بدأ بإغراق بلده بالسلاح، وهي مهمّة تولّاها حافظ الأسد ونظامه منذ ما قبل انفجار الوضع اللبناني في 13 نيسان 1975، لا يمكن أن ينتهي بغير سحب السلاح الموجود حاليّاً لدى الميليشيا المسمّاة “الحزب” والتي ليست سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

لم تفعل “الجمهوريّة الإسلاميّة” منذ دخولها لبنان عسكريّاً صيف عام 1982 سوى إغراقه بالسلاح على طريقتها، خصوصاً مع خروج السلاح الفلسطيني من البلد.

مرّة أخرى، هل وارد أن تولد من رحم المأساة اللبنانيّة مجموعة شيعيّة متماسكة وعريضة تستطيع تسمية الأشياء بأسمائها؟ يبدأ ذلك بالاعتراف بأنّ حرب “إسناد غزّة” انتهت إلى هزيمة ساحقة ماحقة لحقت بـ”الحزب” وبلبنان كلّه وشرّدت أهل الجنوب الذين أخذتهم إيران إلى كارثة.

في زيارتها الأخيرة للبنان، حملت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس عصا غليظة استخدمتها بلطف شديد في تعاطيها مع المسؤولين اللبنانيين

الأهمّ من ذلك كلّه أنّ من الضروري مراقبة الوضع السوري وما يشهده البلد من أحداث تدلّ على أن لا مجال لخلق قضيّة علويّة في سوريا. يوجد درسان يبدو مفيداً التوقّف عندهما بعد أحداث الساحل السوري في السابع والثامن من آذار الماضي. يشير الدرس الأوّل إلى أنّ المجتمع الدولي ليس في وارد تضخيم ما تعرّض له العلويّون بعد محاولتهم الرّدّ على النظام الجديد. أمّا الدرس الثاني، فهو مرتبط بردّ فعل أهل السنّة في كلّ أنحاء سوريا ردّاً على تحرّك العلويين بدعم إيراني في مناطق معيّنة.

هواجس يجب تبديدها سكان “المالكي” حملوا السلاح..

كان لافتاً، استناداً إلى شاهد، أنّ أهل دمشق من سكّان الأحياء الفقيرة، وحتّى الغنيّة مثل حيّ المالكي على سبيل المثال لا الحصر، أخرجوا ما لديهم من سلاح وسعوا إلى التوجّه إلى مناطق القتال في الساحل السوري. يؤكّد الشاهد أنّ ما حصل كان دليلاً على وجود إجماع لدى الأكثرية السنّيّة في سوريا على منع عودة العلويين إلى السلطة بأيّ شكل من الأشكال وبأيّ ظرف من الظروف. بات الهاجس العلويّ حاضراً في ذهن كلّ سوريّ سنّيّ.

هل يتأقلم “الحزب” مع الوضع الجديد في سوريا، هذا في حال كان يريد بالفعل إعادة النظر في سياساته واتّخاذ موقف مستقلّ إلى حدّ ما عن موقف إيران؟ قد يساعده في التأقلم والسعي إلى العودة إلى حضن الدولة اللبنانية ومؤسّساتها سقوط الرهان على أيّ عودة إيرانية إلى سوريا عبر العلويين أو غيرهم، بما في ذلك إسرائيل.

مع انتهاء نظام آل الأسد، انتهى أيضاً حلف الأقلّيّات الذي كان في مرحلة معيّنة نقطة التقاء بين إسرائيل وإيران وكلّ توابع المشروع التوسّعي لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”.

هل في لبنان من يستوعب هذه المعادلة الجديدة في سوريا التي عنوانها استحالة خلق قضيّة علويّة أو قضيّة حماية الأقليّات التي ليس ما يشير إلى أنّها مهدّدة بمقدار ما أنّ الموضوع موضوع هواجس من الضروري سعي الرئيس أحمد الشرع إلى تبديدها اليوم قبل غد؟

أساس ميديا

——————————————–

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى