أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

لماذا حطت طائرة الشرع للمرة الثانية على الأرضية التركية؟!/ صالحة علام

10/4/2025

للمرة الثانية خلال مدة وجيزة تحط طائرة أحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية بسوريا على الأراضي التركية، هذه المرة في مدينة أنطاليا الواقعة على ساحل البحر المتوسط، للمشاركة في منتداها الدبلوماسي، وفق ما تم الإعلان عنه من الجانبين.

الزيارة التي تأتي على وقع اختراقات إسرائيلية متكررة للعديد من المواقع السورية، خاصة العسكرية بها، التي أصبحت تهدد بشكل مباشر العاصمة دمشق، تشير إلى أن الهدف الحقيقي غير المعلن من توجه الشرع إلى تركيا في هذا التوقيت تحديدا، هو التشاور مع القيادة السياسية التركية حول سبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية، ووضع حد لهذه التجاوزات والخروقات التي تهدد الأمن القومي الدولة السورية، وتعرقل مسيرتها باتجاه بناء الجمهورية الجديدة، ووضع اللمسات النهائية لبنود اتفاقية الدفاع المشترك التي سيتم التوقيع عليها بين البلدين، الأمر الذي من شأنه توفير غطاء جوي شامل يؤمن لدمشق دفاعات جوية متطورة قادرة على التصدي للخروقات الإسرائيلية، ووقف هجماتها المستمرة..

خاصة أن هذه الخروقات العدائية الإسرائيلية، التي استخدم فيها العدو الصهيوني سلاحي الجو والمدفعية إلى جانب عمليات التوغل البري، لم تكتف باستهداف مواقع عسكرية، ومعسكرات تدريب، ومخازن عتاد وذخيرة، إنما طالت في طريقها المدنيين، مما أدى إلى مقتل 9 وإصابة 15 آخرين بإصابات متباينة مؤخرا، بمناطق درعا، وحمص، وحماة، والقنيطرة، ودمشق وريفها، إلى جانب الدمار الشامل الذي خلفته بالعديد من المنشآت العسكرية ومُلحقاتها من أبنية ودفاعات، أبرزها مطار حماة العسكري.

تدرك القيادة السياسية التركية جيدا أن العمليات التي يقوم بها جيش الكيان الإسرائيلي لتدمير المواقع العسكرية السورية، وجعلها غير صالحة للاستخدام، تهدف إلى تحقيق أمرين لا ثالث لهما.

أولهما: تحذير أنقرة من خطورة المضي قدما في خططها الرامية إلى إنشاء قواعد عسكرية لها بسوريا، وتحديدا في كل من حمص وحماة التي تم استهدافهما مؤخرا، في إطار التحضيرات الجارية حاليا لوضع البنود الأساسية لمعاهدة الدفاع المشترك المقرر توقيعها بين البلدين، وفق ما صرح به الرئيس أردوغان شخصيا.

وثانيهما: إضعاف القدرات العسكرية عموما للدولة السورية بما يضمن عدم تعرض إسرائيل لأية تهديدات مستقبلية محتملة من جانب دمشق، في ظل وجود قيادة إسلامية جهادية على رأس السلطة بها، لديها قناعاتها الأيديولوجية حول الوجود الصهيوني بالمنطقة.

وبناء على ما تم تسريبه من نصوص تحويها معاهدة الدفاع المشترك بين أنقرة ودمشق، والمزمع الإعلان عنها قريبا، يوجد نص يقضي بتولي تركيا مهمة توفير غطاء جوي وحماية عسكرية، يتم بمقتضاه حفظ أمن وسلامة المجال الجوي لسوريا من أي خروقات مستقبلية، وهو ما تفتقر إليه حاليا الحكومة الجديدة، التي لا تملك نظام دفاع جوي فعال لديه القدرة على التصدي للهجمات التي تتعرض لها من جانب دولة الاحتلال.

تل أبيب لا ترد استبدال الخطر الإيراني الذي طالما سبب لها تهديدا، وأرق مضاجع قياداتها السياسية والعسكرية خلال تمركز الحرس الثوري الإيراني بالعديد من المناطق بسوريا أثناء حكم بشار الأسد، بآخر جهادي، يمتلك من القدرات العسكرية الحربية والبشرية، ما يمكن أن يمثل تهديدا مباشرا على وجودها في المديين المتوسط والبعيد..

خاصة أن القلق لديها زاد بعد ما تم تداوله إعلاميا على لسان مصادر عسكرية تركية مطلعة -لم يتم الكشف عن هويتها- حول نية أنقرة إنشاء قاعدة عسكرية لها في سوريا، بهدف تدريب عناصر الجيش السوري الجديد الذي يتم إنشاؤه تحت إشراف كامل من جانب وزارة الدفاع التركية، وتجهيزه بما يحتاج إليه من معدات عسكرية استراتيجية، وأنظمة دفاع جوي، تلبية لرغبة الحكومة السورية.

لذا جاءت الضربات العسكرية الإسرائيلية لتدمر بعنف 3 مواقع عسكرية سورية عقب زيارة فرق عسكرية واستخباراتية تركية لها، بهدف رصد حالة مدارج الطائرات، وحظائرها، والبنى التحتية بهم، وهي قاعدة تي4، وتدمر الجويتين بحمص، والمطار العسكري بحماة، بالرغم من إعلان أنقرة رسميا أكثر من مرة، وإيصالها رسائل متعددة لطمأنة واشنطن عبر القنوات الدبلوماسية، أن وجودها العسكري وتعاونها مع دمشق في هذا المجال لا يستهدف ولا يمثل تهديدا لأي دولة بالمنطقة بمن فيهم إسرائيل.

وفي أعقاب هذا التحرك، أعرب جدعون ساعر وزير خارجية الكيان الإسرائيلي عن قلق حكومته من التحركات التركية في المنطقة، واصفا ما تقوم به من اتصالات مع كل من لبنان وسوريا والعراق والأردن بـ “الدور السلبي” الذي يستهدف النيل من بلاده.

ليرد عمر شاليك المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم على اتهامات ساعر بالقول:”أن تحركات بلاده لا تستهدف أي طرف، وأنها تأتي في إطار السعي لتعزيز السلام الإقليمي، مؤكدا أن الاعتداءات الإسرائيلية على كل من سوريا ولبنان هي التي تهدد السلام الإقليمي، وتزعزع استقرار المنطقة برمتها..

بينما فضلت الخارجية التركية الرد على اتهامات ساعر ببيان شديد اللهجة أوضحت فيه أن “إسرائيل أصبحت تمثل أكبر تهديد لدول المنطقة، ومصدر دائم لعدم الاستقرار بها، وإحداث الفوضى والإرهاب بخططها التوسعية، وتبنيها للتنظيمات الإرهابية الانفصالية”، مطالبة تل أبيب بالانسحاب الفوري من الأراضي السورية واللبنانية، والتوقف عن سياسة إعاقة الجهود الدولية لإحلال الاستقرار بالمنطقة.

يخطئ من يعتقد أن عمليات إسرائيل العسكرية، وخروقاتها الدائمة للأراضي السورية، وتدميرها للقواعد العسكرية بها، وتمركز عدد من قواتها في القرى الحدودية السورية، واستمالة بعض طوائفها للخروج على السلطة المركزية بدمشق عوامل يمكن أن تجبر تركيا على التراجع عن مواقفها، أو إثنائها عن المضي قدما في تحقيق أهدافها.

ففي ظل التوافق التركي الأمريكي الحالي بشأن التحركات التركية تجاه سوريا، وعزم واشنطن على سحب قواتها من الأراضي السورية، قررت تركيا المضي قدما في تنفيذ أهدافها، وفي تسريع خطواتها باتجاه زيادة حجم وجودها العسكري بسوريا استثمارا للظروف الراهنة.

فما لم يتم الإعلان عنه حتى الآن هو أن وتيرة عمل أنقرة في هذا الملف تزايدت سرعتها، فعناصرها العسكرية والاستخباراتية تعمل بكل جدية لفرض سيطرتها الكاملة على قاعدة “تي4” التي تم تدميرها من جانب الطيران الإسرائيلي، وأنها بدأت فعلا في وضع خطط إصلاحها تمهيدا لتجهيزها بأنظمة دفاع جوي حديث من نوع “حصار”، وأن الخطط التركية التي سيتم تنفيذها قريبا تقضي بتوسيع حجم القاعدة، لإضافة منشآت جديدة لها، حتى يمكن نشر طائرات مسيرة بها، بعضها للمراقبة، وأخرى مسلحة لديها القدرة على تأدية مهمات هجومية طويلة المدى.

وفي تصريحات لمصدر عسكري تركي وفق ما نشره موقع “ميدل إيست آي” أوضح أن بلاده تهدف إلى إقامة نظام دفاع جوي متعدد المهام داخل القاعدة وفي المناطق المحيطة بها، يتمتع بقدرات دفاعية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، بهدف التصدي للتهديدات المتعددة التي يمكن أن تتعرض لها الأراضي السورية، سواء من جانب الطائرات المقاتلة أو من الطائرات المسيرة، أو الصواريخ الموجهة.

إضافة إلى معلومات غير مؤكدة تفيد رغبة أنقرة في نشر صواريخ أس -400 الروسية التي يصل مداها إلى 400 كيلومتر، داخل إحدى القواعد الثلاث التي تزمع السيطرة عليها، وأنها تتفاوض حاليا مع روسيا حول هذا الأمر، وهو ما سُيعد في حال حدوثه تهديدا عسكريا مباشرا لدولة الاحتلال.

وهي الخطط التي ستؤمن لتركيا فرض سيطرتها الجوية على المنطقة، ودعم جهودها الرامية لمحاربة فلول عناصر تنظيم الدولة، لإنهاء الحجج التي يسوقها داعمي وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلى جانب ردع دولة الاحتلال، وجعلها تفكر مرات عدة قبل اتخاذ أي قرار بشن هجمات جوية على هذه المنطقة، وهو ما تخشاه تل أبيب وتسعى لعرقلته.

المصدر : الجزبرة مباشر

 كاتبة وصحفية مصرية مقيمة في تركيا

حاصلة على الماجستير في الاقتصاد.عملت مراسلة للعديد من الصحف والإذاعات والفضائيات العربية من تركيا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى