أبحاثتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

ماذا تريد إدارة ترامب من دمشق؟/ غازي دحمان

10 ابريل 2025

في إثر قرار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تغيير وضعية الدبلوماسيين السوريين في بعثة الأمم المتحدة، الذي انطوى على عدم اعتراف أميركي بالإدارة السورية الجديدة، يتبادر إلى الذهن السؤال: ماذا تريد إدارة ترامب من دمشق، وهل تحوّل عدم الاعتراف ورقةً لملاعبة دمشق، وربّما داعميها الإقليميين والدوليين؟

يمكن وصف قرار الإدارة الأميركية بأنه تقني إلى حدّ بعيد، بمعنى أنه ذو طبيعة بيروقراطية، وليست سياسية. فمثلاً، قرار تغيير نوع التأشيرة يستند إلى تقييم داخلي صنّف الحكومة الانتقالية المؤقّتة في سورية امتداداً لهياكلَ غير مقبولة أميركياً، وتحديداً من جهة علاقتها المفترضة بفصائلٍ مصنّفةٍ في لوائح الإرهاب، وما يؤكّد الطابع التقني أنها تصدر عن مؤسّسات ذات طبيعة تقنية، وليست سياسية، مثل وزارة الأمن الداخلي (التي أصدرت القرار). ولكنّ ذلك لا يعني أن ليس للقرار مُفرَزات سياسية، فهو مؤشّر على أن عملية رفع العقوبات لم توضع في جدول أعمال إدارة ترامب، وثمّة احتمال أن تعيد إدارة ترامب النظر في قرار وزارة الخزانة الأميركية في عهد إدارة بايدن، الذي قضى بتخفيف العقوبات ستّة أشهر قابلةٍ للتمديد، ما يعني أن الطريق إلى خروج سورية من أزمتها الاقتصادية ما زال طويلاً، إذا علمنا أن الدور الأميركي في هذا المجال مفصلي وليس تفصيليّاً، وأن هذه السياسات قد تدفع دولاً عديدة إلى تغيير مقاربتها للعلاقة مع دمشق خوفاً من تأثّرها بالعقوبات الأميركية.

لكنّ اللافت في السياسة الأميركية أنها، حتى في عزّ صراعها مع إيران وروسيا ونظام الأسد، وقيادتها تحالفاً دولياً عبر غرف “الموك”، في تركيا والأردن، لم تصل إلى حدّ سحب الاعتراف بنظام بشّار الأسد، ولم تتأثّر أوضاع الدبلوماسيين السوريين، ولا امتيازاتهم، في بعثة الأمم المتحدة في نيويورك، كما أن السلطة الجديدة في دمشق تحظى بشرعية الأمر الواقع، وهي الشرعية التي استطاعت على أساسها أغلب دول الجنوب إدماج نفسها في منظومة العلاقات الدولية بسلاسةٍ من دون أي إشكالات أو تعقيدات، كما أن إزاحة نظام الأسد انطوت على تغييرات جيوسياسية جاءت في مصلحة واشنطن، في سياق مساعيها إلى إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.

ما تطرحه التقديرات والتحليلات المختلفة للموقف الأميركي أن واشنطن ما زالت في طور التقييم للإدارة الجديدة في دمشق، للوصول إلى نمطٍ للتعاطي مع هذه الإدارة التي تتكوّن، في الأصل، من جماعات إسلامية تقودها هيئة تحرير الشام، التي تصنّفها واشنطن بـ”التنظيم الإرهابي”. لكنّ هذه الإدارة السورية الجديدة تحاول صياغة نظام حكم وسطي على غرار نظم ذات طبيعة إسلامية، مثل تركيا وماليزيا، لتحظى برضا العالم الخارجي. لكنّ السلوك السياسي الأميركي لا يزال حذراً في التعاطي مع هذا النظام الجديد، وتتراوح استجاباته تجاهه ما بين، وضعه تحت المراقبة، أو اختباره عبر قائمة شروط قدّمتها نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون بلاد الشام وسورية، ناتاشا فرانشيسكي، لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، على هامش مؤتمر المانحين. بالإضافة إلى ذلك، تشهد إدارة ترامب اختلافاً في وجهات النظر حول طبيعة التعامل مع دمشق، بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض، ويبدو أن البيت الأبيض (الذي يوجد فيه أنصار إسرائيل بكثرة) لا يزال هو الأكثر فاعليةً في تقرير شكل السياسات الواجب اتباعها تجاه دمشق.

ورغم ذلك، ما زالت سياسة إدارة ترامب غيرَ واضحةٍ وضبابيّةً إلى حدّ بعيد، فلا يوجد موقفٌ سلبيٌّ واضح تجاه سياسات الإدارة السورية الجديدة، التي أبدت استعدادها للتعاون في القضايا التي تهمّ واشنطن، ولا سيّما محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومسألة الأسلحة الكيميائية، ولا يبدو أن الإدارة الأميركية مهتمّة بالأصل بقضية الأقلّيات، سيّما أن إدارة الرئيس أحمد الشرع تعمل بكلّ جدّ على مراعاة المسيحيين، الذين هم في الواقع أكثر ما يهمّ إدارة ترامب. أمّا بقيّة المكوّنات فهي تحصيل حاصل بالنسبة إلى واشنطن، وقد لمحت إدارة ترامب إلى رضاها النسبي على إجراءات إدارة الشرع بشأن الإعلان الدستوري وتشكيل الحكومة، أو على الأقلّ، لم تُبدِ اعتراضاً صريحاً على هذه الإجراءات.

يعني ذلك أن إدارة ترامب ليست مهتمّةً بالتفاصيل السورية في حدّ ذاتها، ولا بنمط السياسات التي تتّبعها إدارة الشرع، وذلك انعكاساً لعدم أهمية سورية في منظور إدارة ترامب، ولا سيّما بعد خروج إيران وضعف روسيا. وتبعاً لذلك، تراجعت المكانة الإستراتيجية (المنخفضة أصلاً في تقدير إدارة ترامب) إلى حدود دنيا، ما يجعل سورية خارج نطاق أولويات إدارة ترامب، وبالتالي ركنها ملفّاً مهملاً، وربّما توكيل شؤونها لفاعلين إقليميين ودوليين في المرحلة المقبلة، في ظلّ بروز مؤشّرات انسحابٍ أميركي من سورية لم يعد في طور المحتمل، بل دخل مرحلةَ التنفيذ عبر الانسحابات التدريجية المتواترة للقوات الأميركية من شرق سورية.

على الأرجح، أن إدارة ترامب لن يكون لها سياسة خاصّة في سورية في المرحلة المقبلة، ولن تستثمر دبلوماسياً في سورية، والمرجّح أن تتّبع سياسة إدارة الوضع عبر مستويات دبلوماسية متدنّية، لإدارة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، وفي أحسن الأحوال، تجعل من سورية ورقةً لمساومة الأطراف الإقليمية التي تريد الاستفادة من المتغيّر السوري، ولا سيّما أنها تمتلك الأدوات القادرة على شلّ سورية؛ العقوبات الأميركية التي من شأن بقائها تعطيل أيّ فعّالية (أو قدرة) على الخروج من الهشاشة والخطر.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى