أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

مركزية الداخل في مواجهة التحدّيات السورية/ مروان قبلان

09 ابريل 2025

تُجمع مدارس السياسة الدولية اليوم على أن السياسة الخارجية تعد، من الناحيتين الواقعية والمعيارية، التعبير الأمثل عن احتياجات الدولة المحلية. بمعنى أن الدول تدير، أو يجب أن تدير، علاقاتها الخارجية خدمة لمصالح مواطنيها الاقتصادية والأمنية. لا علاقة لهذا الأمر بطبيعة النظام السياسي للبلد (ديمقراطي أو خلافه)، فكل الدول تتماثل في هذا السلوك، وتسعى إلى تحقيق المصالح نفسها. مع ذلك، تصبح السياسة الخارجية نشاطًا أكثر أهمية لدى الدول التي لا تستمد مصادر قوتها من الداخل، لأنها إما هشة اقتصاديًا، تعتمد على المعونات الخارجية، وتغدو، من ثم، سياستها الخارجية تعبيرًا عن تبعية وارتهان، ومن الأمثلة مصر والسودان، أو أنها هشّة أمنيًا، بمعنى أنها قد تمتلك موارد اقتصادية كبيرة، لكنها تفتقر إلى أدوات الدفاع عنها، فتخصّص جزءًا من مواردها الاقتصادية لشراء الحماية الخارجية (outsourcing). وتعد دول الخليج العربي أبرز مثال على ذلك. هناك نوعية ثالثة من الدول تفتقد إلى الاثنين معًا: أي أنها هشّة اقتصاديًا، وفوق ذلك لا تملك الدفاع عن نفسها من الاعتداءات الخارجية. وتعد سورية، بوضعها الراهن، أبرز مثال على ذلك.

خرجت سورية (أو ربما لم تخرُج بعد) من صراع مدمر استمر 14 عاماً أتى على مواردها الاقتصادية المحدودة أصلًا، ودمر الجزء الأكبر من قدراتها العسكرية، فيما تكفّلت إسرائيل بحرق ما تبقى بعد سقوط نظام الأسد. ولأنها منهكة اقتصاديًا وعاجزة عن حماية نفسها أمام الاعتداءات الإسرائيلية، خصوصًا، صرفت الإدارة السورية الجديدة جل اهتمامها، إن لم يكن كله، للسياسة الخارجية، على اعتبار أن حل مشكلاتها يقبع هناك في الخارج، بدءاً بمسألة الاعتراف، مروراً برفع العقوبات، وانتهاء بالضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرّة على الأراضي السورية. وبناء عليه، انشغلت دمشق منذ سقوط نظام الأسد، بتطمين العالم، حواره والتفاوض معه، وتسطير الرسائل له حول رغبتها في صنع السلام مع دول العالم أجمع، بما فيها التي لا تعرفنا ولا نعرفها.

لا شك أن جزءًا معتبرًا من مشكلات سورية يرتبط بالخارج، ويتطلب التواصل معه لتحسين أوضاع البلد الاقتصادية والأمنية، الخشية أن تكون الإدارة الجديدة تستنسخ مقاربة النظام السابق (قبل اندلاع الثورة) عندما تعتقد أن ترتيب علاقاتها مع الغرب وإسرائيل يحلّ الجزء الأكبر من مشكلاتها، يكرّس حكمها، ويعفيها من أي استحقاقاتٍ داخلية. بعد أربعة أشهر من المحاولة، يبدو أن هذه المقاربة وصلت إلى طريق مسدود، فالعالم لا يبدو مستعدًّا لأن يذهب أبعد مما ذهبت إليه الإدارة السورية، يقابل الكلام بكلام والوعود بوعود. دفتر الشروط الذي سلمته واشنطن لدمشق في مؤتمر بروكسل في 18 الشهر الماضي (مارس/آذار)، وتصريحات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن بلاده “لا تنوي الدخول في مواجهة مع إسرائيل في سورية” يعني أن لا أميركا في وارد رفع العقوبات، ولا تركيا في وارد الدفاع عن دمشق.

منذ سقوط نظام الأسد، صرفت الإدارة السورية الجديدة وقتًا في الحديث مع حكومات العالم ومحاورتها أكثر مما صرفته في الحوار مع الشعب السوري. حتى عندما قرّرت ترتيب حوارات داخلية، نظّمتها بطريقة توحي وكأن هدفها إرضاء الخارج والاستجابة لضغوطه. لا تحتاج الإدارة الجديدة من يذكرها أن شرعية أي حكومة، وقوتها، تنبع من الداخل، وبمقدار ما تكون تمثيلية بمقدار ما تمتلك من مصداقية في بناء علاقاتها الدولية وإدارتها، وتحسين شروطها التفاوضية. لهذا، ينبغي على حكومة دمشق الجديدة ترتيب أوضاع بيتها الداخلي قبل أن تنطلق في أي حوار جدّي مع الخارج. لهذا نكرّر، وسنبقى نكرّر، القول إن السبيل للانتقال من حالة الفوضى إلى حالة النظام ومن سلوك الفصيل، والجماعة، وإمارة الحرب، إلى سلوك الدولة العصرية هو تبنّي خطاب وطني، ذي صدقية، لا يهمش أحداً ولا يترك باباً للتدخلات الخارجية، وترجمة ذلك تكون بإعادة النظر في كل الخطوات التي اتُّخذت منذ سقوط النظام، بما في ذلك عقد مؤتمر وطني جامع، تنبثق منه هيئة تشريعية، وحكومة وحدة وطنية، ولجنة لكتابة دستور دائم، وصولًا إلى إجراء انتخابات عامة، تؤسّس لشرعية قانونية، تحل محل شرعيّة المتغلب التي تحكم اليوم. ما نريد قوله هنا إن الجزء الأكبر من مشكلات سورية ربما يكون حلّه في الداخل وليس في الخارج.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى