
أيمن الأصفري وجردة أربعة شهور سورية/ عمار ديوب
10 ابريل 2025
أجرى تلفزيون سوريا مقابلة مع رجل الأعمال السوري العالمي، أيمن الأصفري، بثها الأسبوع الجاري، برّر فيها الرجل إطلالته على الإعلام بأن سورية قد تتقسّم، وأنها في أخطر مرحلة في تاريخها. لم يرفض حكم الرئيس أحمد الشرع، ولكنّه خالفه في سياساته كلّها منذ وصوله إلى دمشق واستلامه الرئاسة عبر “مؤتمر النصر”. وانتقد المجلس التشريعي الذي كُلّف الشرع تشكيله (لم يتشكّل بعد)، بمنحه حقَّ اختيار الثلث، وتعيين لجنة تكون مسؤولة عن تكليف الثلثَين الآخرَين.
تأتي أهمية الأصفري من أنه أصدر بياناً في نهاية فبراير/ شباط الماضي (بعد أن أُشيع أنه قد يكون رئيساً لحكومة انتقالية مقبلة)، فُهم منه أنّه رفض الخضوع لمتطلّبات إدارة الشرع، وإصراره على الاستقلالية في رئاسة الحكومة، ووضع سياسات مستقلّة للنهوض العام بالدولة السورية. يُعتبر الرجل من أنجح رجال الأعمال في سورية، ولديه إسهامات في دعم المجالس السياسية والمدنية منذ 2011. وبالتالي، لا يسعى إلى رئاسة مجلس الوزراء ليغتني أو لمكاسب وامتيازات شخصية، فالرجل عالميّ بكلّ معنى الكلمة.
أعلن الأصفري مخاطرَ كُبرى تحيق بسورية، وليس بحكم الشرع فقط، في حال استمرار سياسات إدارة الأخير، والتفرّد والاستئثار، وهيمنة الديني على السياسي، وتحكيم بعض القادة العسكريين والأمنيين الأجانب في الجيش والأمن العام، وفي مختلف أجهزة الدولة السورية. وبرأيه، هناك أوساط أميركية فاعلة ترى أن هيئة تحرير الشام كلّها أقرب إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأن أميركا شكّلت تحالفاً دولياً لمحاربة “داعش” في 2014، والتقى مبعوث أميركي كبير في بروكسل، في 18 من الشهر الماضي (مارس/ آذار)، وزيرَ الخارجية السوري، أسعد الشيباني، وسلّمه دفتر شروط لشرعنة إدارة الشرع لسورية، وفي مقدمتها إخراج الأجانب من سورية، وليس من المناصب السيادية في الدولة السورية فقط، وأن هذا أحد الشروط للبدء برفع العقوبات الأميركية، التي لا يمكن لدولةٍ في العالم تخطّيها. ومن هنا، لا تستطيع الدول الداعمة لإدارة دمشق (تركيا وقطر بشكل خاص) الالتفاف على تلك العقوبات، وإلا تعرّضت هي لخطر العقوبات. قال الأصفري هذا الكلام بدبلوماسية، وبرغبةٍ كبيرة ألّا تفشل المرحلة الانتقالية، وبإيقاف هدر الوقت؛ فسورية، على زعمه لا تحتمل استبداداً جديداً، ولا هدر 50 سنة إضافية كما في مرحلة الأسدين المتوحّشة، ولا تحتمل مزيداً من التجريب.
كان الرجل واضحاً في تبنّيه أغلبية طروحات المعارضة السورية منذ 2011، وأن هذا البلد لا يُحكم إلا بنظامٍ ديمقراطيٍّ، وبمواطنة وبفصل للسلطات وعدم تحكم الدين بالسياسة، بتمثيل المدن السورية كافّة في السلطة، وبشعور أغلبية السوريين أن الدولة دولتهم، وأصرَّ على أن إعادة تشكيل الجيش تتمُّ عبر الضبّاط المنشقّين، وأن خطأً كبيراً جرى في حل مؤسّسة الشرطة وبطرد أكثر من 500 ألف عامل من وظائفهم، وأن هذه الخطوة غير قانونية نظراً إلى الشرعية المنقوصة للإدارة، إذ هي غير منتخبة. وعدا أن تلك الاطروحات قديمة، فقد أصرَّ عليها الفاعلون السياسيون كلهم منذ رحيل النظام السابق. وبالتالي، هناك رؤيتان سياسيتان للنهوض بسورية، واحدة استئثارية لهيئة تحرير الشام، وأخرى تشاركية تُوقف التمييز والتجييش الطائفيين وابتعاد الأقلّيات عن الحكم، وتنطلق من المساواة بين السوريين، ومن مبادئ المواطنة، والاتجاه نحو نظام ديمقراطيّ.
أشار الأصفري إلى إشادة وزير الخارجية، أسعد الشيباني، بالتجربة السنغافورية، فقال إن في هذا البلد أقلّيات دينية كثيرة، ولكن نظامه ديمقراطي وينطلق من المواطنة، والدخل فيه من أعلى الدخول في العالم، وبالتالي، على السوريين تبنّي ذلك النظام، وهذا هو المدخل للنهوض ببلدهم، وليس هناك من سواه. كما تعجّب الرجل من غياب مفهوم الديمقراطية وبشكل حاسم من المفردات السياسية للإدارة. وحينما قالت له محاورته (نور الهدى حدّاد) إن الإدارة تعتمد الشورى بديلاً، رفضها رفضاً حاسماً، واستفاض في أن الفقه ليس مصدراً للاقتصاد أو للسياسة أو للتعليم أو للثقافة، والدولة الحديثة تحتاج منظومةً فكريةً واقتصاديةً وثقافيةً وسياسيةً مختلفةً، وذكر بأنه سيتعرّض لهجماتٍ إعلاميةٍ مركّزةٍ على قوله ذاك، وأشار إلى أنّه مسلم سُنّي، وأنه يطرح رؤيته انطلاقاً من ذلك.
هناك مشكلة كبيرة ترتبط بالدولة الصهيونية، التي تُعادي إدارة الشرع بشكل واسع، وتعمل على تقطيع سورية، ومنع أيّ إمكانية للنهوض، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بصيغة ما، عبر تقاسم الدولة الصهيونية وتركيا هذا البلد. المقصد هنا أن هناك سياسات عالمية وإقليمية، ترفض إدارة دمشق بشكلها الحالي، وعلى الأغلب، حتى لو تبنّت سياسات تشاركية مع الشعب، ولكن حجم التحدّيات الخارجية يفترض ألا يترافق مع تعميق الانقسامات الداخلية، وشهدناها مع تفجّر أحداث الساحل والمجازر فيه، ومع رفض كرديّ ودرزيّ للإعلان الدستوري من ناحية أخرى، وشعورهم بأنهم مقصيون عن المشاركة السياسية. هناك شعورٌ كبيرٌ لدى نشطاء ثورة 2011، والمعارضة بأن إدارة دمشق تُقصيهم، وتقرّب إليها من يدور في فلكها، ويتبنّى رؤيتها، وهذا هو التقييم للحكومة الانتقالية وللأشهر السابقة. يتّفق ما قاله الأصفري مع هذه الرؤية، وبالتالي، لا يكفي الإدارة الاستناد إلى شرعية ثورية آتية من قوّة الفصائل، التي قد تتقاتل في مرحلة لاحقة، فتذهب البلاد إلى حرب أهلية، تدفع إليها الدولة الصهيونية بكل قوتها. ولا يأتي رفض الاكتفاء هذا من عدائية للإدارة، بل من رغبة في ألا تفشل المرحلة الانتقالية، وتفشل سورية معها.
كانت حصيلة الأشهر السابقة تأزيماً للأوضاع الداخلية، وزيادة المخاطر الخارجية، وجرى تجاهل دفتر الشروط الأميركية، أو هناك محاولة للالتفاف عليه بشكل خاطئ. إن حساسية المرحلة الانتقالية، والانهيار شبه الكامل لأوجه الدولة والمجتمع السوري، يستدعيان الانطلاق من حاجيات هذا الداخل، وتبنّي سياسات تتوافق مع “شروط” الخارج، الإقليمي والدولي، الداعم، والاتجاه نحو سياسات وطنية بامتياز في قضايا النهوض بالدولة، والتراجع عن سياسات الاقتصاد الحرّ العشوائية، أو طرد مئات آلاف العمّال، الذين يتحوّلون قنبلةً أمنيةً قابلة للتفجّر في حال استمروا بلا مداخيل أو عيش كريم، وبلا حرّيات حقيقية.
لقد ثبُت فشل نهج الإدارة في الاستئثار والتفرّد في العلاقة مع الساحل، ومع الأكراد والدروز، والآن هناك خطر الانفجار المذهبي بين السلفيّين والأشاعرة، بين السُّنة أنفسهم. إن الابتعاد عن تحكّم الدين بالسلطة، وتبنّي سياسات وطنية (غير معادية للدين طبعاً)، وتبنّي النظام الديمقراطي والمواطنة، والعودة إلى عقد مؤتمر وطني عام، ويكون مصدراً لشرعية الأشكال السياسية كافّة للمرحلة الانتقالية، الحكومة والمجلس التشريعي وتأسيس الجيش والتوجّه الاقتصادي للدولة وكتابة الدستور… سيكون المؤتمر اللبنة الأولى لتخطّي التحدّيات الخارجية، ولإغلاق النوافذ التي تدخُل منها الشروط الخارجية، وتستقطب أطرافاً داخليةً راحت تشعر بأن سلطة دمشق تعاديها.
العربي الجديد
——————————
أيمن الأصفري.. هل يشبه سوريا التي نُريد؟/ أحمد زكريا
2025.04.10
رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري ليس اسمًا عابرًا في المشهد السوري، بل شخصية تجمع بين الخبرة الاقتصادية والحس الوطني، وقد أثبت ذلك مرة أخرى في مقابلته الأخيرة مع قناة “تلفزيون سوريا” في أبريل 2025، فكلماته لم تكن مجرد تعليق عابر، بل رؤية تحليلية عميقة للواقع السوري بعد 14 عامًا من الدمار، تحمل في طياتها طموحًا لسوريا جديدة، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات حول مدى قابلية هذه الرؤية للتطبيق. فهل يمثل الأصفري فعلاً صوت السوريا التي نحلم بها، أم أن حديثه يظل حلمًا بعيد المنال في ظل التحديات الحالية؟
الاقتصاد والسياسة.. رؤية متكاملة
بدأ الأصفري حديثه بتأكيد مبدأ أساسي: “السياسة لا تستطيع أن تتحرك عن الاقتصاد”، هذه العبارة تلخص فهمه العميق للعلاقة التكافلية بين المجالين، وهي فكرة تبدو بديهية لكنها غائبة عن الكثير من صناع القرار في سوريا اليوم، حيث يرى الأصفري أن أي سياسة تُطبق دون أساس اقتصادي متين ستؤدي إلى فشل ذريع، خاصة في بلد يعاني من انهيار اقتصادي تاريخي، إذ يتماشى هذا الطرح مع ما يتردد في الأوساط الاقتصادية السورية منذ سنوات، حيث أشار تقرير للأمم المتحدة في 2024 إلى أن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يجعل الاقتصاد ليس مجرد أولوية، بل شرطًا لأي تقدم سياسي.
الأصفري لا يكتفي بالتشخيص، بل يقدم رؤية عملية: السياسة يجب أن تستخدم الاقتصاد كأداة لتحقيق أهدافها، وليس كعائق، وهذا الموقف يعكس تجربته كرجل أعمال ناجح في الخارج، حيث شغل منصب المدير التنفيذي لشركة “بتروفاك” البريطانية، وهي واحدة من كبرى شركات خدمات النفط والغاز، لكن السؤال هنا: هل يمكن تطبيق هذه الرؤية في سوريا التي تفتقر إلى بنية تحتية اقتصادية مستقرة، وتعاني من عقوبات دولية خانقة؟
الفعل ورد الفعل.. دعوة للمسؤولية
“لا تحاسبني على ردة الفعل، حاسب نفسك على الفعل”، بهذه العبارة التي كررها الأصفري، يضع إصبع الاتهام على السياسات الإقصائية والتهميشية التي تهدد وحدة سوريا، وفي بلد مزقته الحرب والانقسامات الطائفية والمناطقية، يرى الأصفري أن
المسؤولية الأولى تقع على من يتخذون القرارات التي تثير ردود فعل سلبية، وليس فقط على من يتفاعلون معها، وهذا الطرح ليس مجرد فلسفة، بل دعوة عملية لتجنب الانزلاق نحو تقسيم البلاد، وهو خطر حذر منه بقوله: “بعض التصرفات ممكن تؤدي إلى تقسيم سوريا وهذا خطير جدًا”.
هذه الرؤية تتقاطع مع ما ينادي به الكثير من السوريين الذين يحلمون بدولة موحدة، لكنها تتطلب إرادة سياسية قوية وشجاعة لمواجهة الأخطاء بدلاً من الاكتفاء بإلقاء اللوم على الآخرين، والأصفري، بتأكيده على أهمية “الفعل الجيد” لمنع ردود الفعل السلبية، يضع أساسًا لدولة تقوم على العدالة والشمولية، لكن التحدي يكمن في كيفية ترجمة هذا المبدأ إلى واقع ملموس في ظل الفوضى الحالية.
فصل السلطات والديمقراطية.. حلم الدولة الحديثة
ومن أبرز النقاط التي طرحها الأصفري هي دعوته لفصل السلطات، معتبرًا أنها ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد وتعزيز الدولة، وفي حديثه، أكد أن هذا الفصل يمنع التدخلات السياسية التعسفية، خاصة من السياسيين، ويخلق بيئة مواتية للنمو الاقتصادي، وهذه الفكرة ليست جديدة في الفكر السياسي، لكنها تأتي في سياق سوري يعاني من تركيز السلطة في يد قلة لعقود، مما أدى إلى استبداد وفساد دمرا البلاد.
الأصفري يربط هذا المبدأ بتفعيل المجتمع المدني كرقيب ومحاسب، وهو ما يعكس إيمانه بدور الشعب في بناء الدولة، وهذه الرؤية تتماشى مع ما طرحته مبادرته “مدنية” التي أطلقها في 2023 في العاصمة الفرنسية باريس، والتي تهدف إلى تعزيز دور المجتمع المدني في صنع القرار السياسي، لكن، كما أشار في مقابلته، “لا يمكن بناء دولة حديثة بتوجه ديني”، وهو موقف جريء يعكس رفضه لأي نموذج يقوم على الطائفية أو التشدد، ويدعو إلى دولة مدنية ديمقراطية تفصل الدين عن الدولة، وهذا الحلم قد يبدو مثاليًا، لكنه يصطدم بواقع سوريا الحالي الذي يشهد صعود تيارات دينية متشددة في بعض المناطق، كما أشار تقرير لصحيفة “النهار” في يناير 2025.
تجربة ماليزيا والعقوبات.. بين الطموح والواقع
واستشهد الأصفري بتجربة ماليزيا كنموذج للتنمية، مشيرًا إلى أن النجاح يتطلب اتباع خطوات من سبقونا بدلاً من اختراع مسارات جديدة: “ما عندنا وقت للتجارب”، يقولها بإلحاح يعكس حالة الطوارئ التي تعيشها سوريا بعد عقود من التدمير، وهذا الطرح
يتماشى مع دعوته للاستفادة من خبرات رجال الأعمال السوريين الناجحين في الخارج، وهو مورد غير مستغل يمكن أن يشكل قوة دفع لإعادة الإعمار.
لكن العقوبات الدولية، وخاصة الأمريكية، تظل العقبة الكبرى. الأصفري لم يكتفِ بالإشارة إلى تأثيرها، بل دعا إلى مراعاة “الهواجس الأمريكية” لرفعها، مؤكدًا أنها “تقريبًا قريبة من عقوبات الأمم المتحدة” لالتزام الدول بها، وبالتالي فإن هذا الموقف البراغماتي يعكس فهمه للسياق الدولي، حيث أشار تقرير لـ”نيويورك تايمز” في نيسان/أبريل 2025 إلى أن العقوبات تعيق أي استثمار أجنبي في سوريا، مما يجعل رفعها ضرورة ملحة لإنعاش الاقتصاد، لكن هل يمكن لسوريا الجديدة تلبية شروط الإدارة الأمريكية في ظل الوضع الحالي “غير المطمئن” كما وصفه الأصفري؟
سوريا التي نريد.. رؤية وطنية أم صوت منفصل؟
ما يميز حديث الأصفري هو جرأته في انتقاد الواقع، سواء في حديثه عن “شرعية منقوصة” للإدارة الحالية، أو في دعوته لإعادة الضباط المنشقين وتفعيل حقول الغاز خارج سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لإنتاج الكهرباء، كما انتقد الإعلان الدستوري لتغييبه الديمقراطية، داعيًا إلى تعديله، لكنه لم يضع شروطًا لدعمه للقيادة الجديدة، مما يعكس حرصه على التعاون من أجل الوطن، فتصريحاته، كما وردت في مقابلته، تحمل وضوحًا ومسؤولية، بعيدًا عن التحريض، وهو ما أشاد به متابعون على منصة “إكس”، حيث وصفوه بـ”رجل وطني بامتياز”.
الأصفري، الذي وقف مع الثورة السورية منذ 2011 ودعم الجهود الإنسانية عبر مؤسسته، يجسد صوتًا يحلم بسوريا موحدة، مزدهرة، وديمقراطية، لكنه يواجه انتقادات من آخرين، كما ظهر في منشورات على “إكس”، يرون أن رؤيته “لا تمت للواقع بصلة”، وأنه “يعيش برفاهية الخارج” بعيدًا عن معاناة الداخل، وهذا التناقض يعكس التحدي الأكبر: كيف يمكن لشخصية مثل الأصفري، بكل خبراتها وعلاقاتها الدولية، أن تجسر الفجوة بين الطموح والواقع؟
صوت الوطن أم حلم المثقف؟ أيمن الأصفري، كما ظهر في المقابلة، يشبه إلى حد كبير السوريا التي يحلم بها الكثيرون: دولة تقوم على المواطنة، تفصل السلطات، وتعتمد على اقتصاد قوي بعيدًا عن التوجهات الدينية المتشددة، إذ تجمع رؤيته بين الواقعية والطموح، مستندة إلى تجربته كرجل أعمال عالمي وداعم للثورة السورية، لكنه ليس بمعزل عن التحديات: العقوبات، الفوضى، والانقسامات الداخلية تظل عقبات قد تعيق تحقيق هذا الحلم.
وفي النهاية، قد لا يكون الأصفري هو من سيبني سوريا الجديدة بيديه، لكنه بلا شك يقدم خريطة طريق تستحق التأمل، والسؤال يبقى: هل ستجد هذه الرؤية من يحملها إلى أرض الواقع؟
تلفزيون سوريا
———————————-
أيمن أصفري : هل يقود سوريا الجديدة أم يبقى خارج المشهد ؟
Last updateTwitter13Shares
عندما ظهر أيمن أصفري على شاشة “تلفزيون سوريا” يوم 8 أبريل/نيسان 2025، لم يكن مجرد رجل أعمال يتحدث عن الأزمة السورية. كان صوتاً يحمل خبرة دولية وتاريخاً وطنياً، يبحث عن دور في بلاد تتشكل من جديد بعد سنوات من الصراع.
اللقاء، الذي بُث تحت عنوان “لقاء مع رجل الأعمال السوري أيمن أصفري ” عبر يوتيوب، لم يكن مجرد حوار عابر، بل دعوة للتأمل:
هل يملك أصفري ما يلزم ليقود التغيير في المرحلة الانتقالية، أم سيظل صوته صدى من الماضي؟
لقاء مع رجل الأعمال السوري أيمن أصفري
لفتني هدوؤه المثير للتساؤل وهو يوجه نقدًا دبلوماسيًا للسلطة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع. “رفع العقوبات عن سوريا لن يتحقق دون خروج المقاتلين الأجانب“، قالها بثقة، مضيفاً رؤية لوحدة البلاد وإعادة إعمارها. هذا ليس خطاب ثائر، بل صوت رجل يعرف قواعد اللعبة الدولية، ويدعم الثورة منذ أيامها الأولى في 2011، كما أشار تقرير “اقتصاد” . لم يطمح لمنصب، بل قدم نفسه كمستشار محتمل.
في قراءتي، هذا ليس مجرد تصريح، بل محاولة لملء فراغ في مرحلة تفتقر إلى شخصيات تجمع بين الكفاءة والنفوذ.
ردود الفعل السورية جاءت متناقضة كعادة الشارع الممزق.
أصفري ليس ثائرًا ولا متملقًا، بل صوت يعرف قواعد اللعبة الدولية
الناشط محمد سبسبي @SabsabiM وصفه بـ”كان صريحا مهذبا وصاحب رؤية وطنية واضحة لا تقدم المصالح على المبادئ” . لكن آسيا هشام @AsyaHesham تعتقد أنه سيلعب دورا بإنقاذ سوريا من العقوبات وتواصل مع الدول المعنية ولم يقصر.. من ثم تفاجأ بأنه لا دور له ولا حتى كلمة في الداخل.
الروائي ابراهيم الجبين يرى أن حوار Syria TV تلفزيون سوريا مع رجل الأعمال السوري أيمن أصفري مادة إعلامية مشرّفة وفي وقتها المناسب.
طارق كتيلة @tarekktelehmd قال بأنه عمل مع السيد أيمن لمدة عامين (كجزء من اللوبي السوري الأميركي – منظمة “مواطنون من أجل أميركا آمنة”)، خلال عامي 2018 و2019 وإنه يقدر ما قدمه. وقد كان، بلا شك، من أشجع رجال الأعمال السوريين الذين أنجبتهم سوريا.
هذا الانقسام يعكس واقعنا: بين من يرى الأمل في شخصيات مثل أيمن أصفري ، ومن يشكك في قدرة من عاش خارج سوريا على فهم تعقيداتها.
على الساحة الدولية، تزامن اللقاء مع تقلبات كبرى. تصريحات ترامب عن مفاوضات مع إيران، تجعل من أصفري ، بعلاقاته الأوروبية، لاعباً محتملاً في المعادلة. لكن اختياره “تلفزيون سوريا”، المرتبطة أحياناً بأجندات قطرية، يثير تساؤلاً:
هل هو صوت مستقل أم جزء من لعبة أكبر؟
قوله “مصلحة سوريا فوق كل شيء” يرد على ذلك، لكنه لا يلغي الشكوك.
سوريا اليوم تحتاج نقاشًا لا صمتًا، فهل يقود الأصفري هذا الحوار؟
الأصفري قد يسعى ليكون وسيطاً بين سوريا والعالم، مستفيداً من خبرته الاقتصادية.
لكن هل يمكن الوثوق بشخصية عاشت خارج البلاد طويلاً؟
البعض وصف آراءه بـ”القوية جداً” ، لكن قوتها لن تكفي إذا لم تجد صدى في الداخل. السلطة الانتقالية قد ترى فيه تهديداً أو حليفاً، وهذا ما ستكشفه الأيام.
وقد يكون “رفيق الحريري” سوريا كما توقعت “إيلاف ” في 2015 ، أو يبقى صوتاً مدنياً كما في مبادرته “مدنية” عام 2023 .
لكن في النهاية، دوره يتوقف على السوريين أنفسهم وعلى العالم الذي يراقب.