دوافع وكواليس الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 10 نيسان 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

————————–

المسألة الكردية في التشريع السوري/ إبراهيم جبر

10 ابريل 2025

يُعتبر الأكراد من أقدم الشعوب الهندو- أوروبية في منطقة الشرق الأوسط، وتعود أصولهم العرقية واللغوية إلى الشعوب الآرية التي استوطنت المناطق الجبلية الممتدّة من غرب إيران إلى شرق الأناضول.

تُشير المصادر التاريخية إلى استيطان الأكراد مناطق جبال زاغروس وطوروس منذ العصور القديمة، إذ كان لهم حضور فاعل في مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي. وقد تجلّى دورهم البارز في عهد الدولة الأيوبية التي أسّسها القائد الكردي الشهير صلاح الدين الأيوبي، والتي امتدّت من الشام إلى مصر واليمن وأجزاء من العراق. وخلال تلك الفترات، احتفظ الأكراد بهُويّتهم القومية من خلال تنظيماتهم القبلية، ولا سيما في المناطق الواقعة بين شمال العراق وشرق الأناضول وشمال شرق سورية.

في الحقبة العثمانية (1516– 1918)، استقرّ الأكراد في قرى مثل عامودا وديريك ورميلان، لكن النظام العثماني تجاهل هُويّتهم القومية، ما دفعهم إلى الحفاظ على لغتهم وتنظيماتهم داخل مجتمعات مغلقة. لاحقاً، خلال فترة الانتداب الفرنسي، تصاعدت موجات هجرة الأكراد إلى سورية نتيجة قمع الثورات القومية الكردية في تركيا، خاصة بعد ثورة الشيخ سعيد بيران (1925) وأحداث ديرسم (1937–1938). استغل الفرنسيون هذا التوافد لتحقيق توازن سكاني يخدم أهدافهم السياسية.

الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 والمرسوم التشريعي 93

شكّل عام 1962 نقطة تحوّل حاسمة في العلاقة القانونية بين الدولة السورية والأكراد، وذلك بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 93 الذي نصّ على إجراء إحصاء سكاني استثنائي في محافظة الحسكة. بموجب هذا المرسوم، أُجري إحصاء في محافظة الحسكة بهدف التمييز بين “المواطنين السوريين” و”المتسلّلين”، في إشارة إلى اللاجئين الأكراد القادمين من تركيا. ونُفّذ هذا الإحصاء في ظروف تفتقر إلى العدالة والشفافية، حيث طُلب من السكان تقديم وثائق رسمية تثبت إقامتهم في البلاد منذ عام 1945، وهي مستندات نادراً ما كانت متوفّرة لدى الفلاحين في المناطق الريفية.

كانت النتائج كارثية. إذ جُرّد أكثر من 120 ألف كردي من جنسيّتهم السورية، وقُسّموا إلى “أجانب الحسكة” الذين مُنحوا بطاقات إقامة من دون أيّ من حقوق المواطنة، و”مكتومي القيد” الذين لم يُعترف بوجودهم أصلاً، فحُرموا من التعليم، والتملّك، والعمل، وحتى من تسجيل الزواج أو الوفاة. هذا الإجراء خلق جيلاً من عديمي الجنسية، وأرسى حالة من التهميش المؤسّسي الذي ظلّ مستمراً لعقود.

أيديولوجيا حزب البعث وتجاهل التعددية القومية

عندما تسلّم حزب البعث السلطة في عام 1963، ساد خطاب قومي عربي جعل من العروبة الهوية الوحيدة المقبولة في الفضاء العام السوري. لم تعترف الدولة بالتعدّدية القومية، بل صَنّفت كلّ تعبير عن الهُويّة الكردية تهديداً مُحتملاً للوحدة الوطنية. تمّ بذلك حظر اللغة الكردية في المؤسّسات العامة، ومُنعت الأسماء الكردية للأطفال عند تسجيلهم، كما حُظر تداول المطبوعات الثقافية باللغة الكردية، وتعرّض النشطاء الكرد للملاحقة والاعتقال. على الرغم من الشعارات البعثية التي تروّج الحريةَ والاشتراكية والوحدة، ظلّ الأكراد خارج دوائر التأثير والتمثيل السياسي، وتعرّضوا لسياسات إقصائية منهجية.

ضمن هذه السياسات، برز مشروع “الحزام العربي” الذي أُطلق في عام 1973، بوصفه واحداً من أخطر المحاولات الرامية إلى تغيير البنية السكانية في شمال شرق سورية. استهدف المشروع إنشاء شريط ديمغرافي عربي على طول الحدود مع تركيا، حيث صودرت أراضٍ زراعية يملكها أكراد بحجّة أنها أملاك دولة، وجرى توطين عشائر عربية قادمة من محافظة الرقة في قرى نموذجية أُنشئت خصيصاً لهذا الغرض. تزامن ذلك مع تهجير السكان الأكراد من مناطقهم الأصلية، وتعريب أسماء المدن والبلدات الكردية، وفرض قيود شديدة على حقوق التملّك والبناء والحصول على الخدمات الأساسية.

لم تقتصر سياسة التهميش التي اتبعتها الدولة السورية بحقّ الأكراد على الجانب القانوني فحسب، بل امتدّت لتشمل مظاهر الحياة الثقافية واللغوية. ففي السياق التعليمي، لم يُسمح بتدريس اللغة الكردية، لا في المناهج الرسمية ولا ضمن إطار أنشطة ثقافية خاصة، حيث اعتُبر استخدامها في المؤسّسات التعليمية مخالفة قانونية. هذا الحظر لم يقتصر على التعليم، بل انسحب أيضاً على النشر والطباعة، إذ مُنعت المطبوعات الكردية من التداول، حتى وإن كانت ذات طابع أدبي أو تراثي، وصودرت العديد من الكتب تحت ذرائع تهديد الوحدة الوطنية أو التحريض على الانفصال.

ومن المظاهر الرمزية التي عبّرت عن التقييد الثقافي أيضاً، تجريم الاحتفال بالمناسبات القومية الكردية مثل عيد “نوروز”، إذ كانت السلطات تنظر إلى هذه الفعاليات بوصفها تحرّكات سياسية، وغالباً ما واجهت المشاركين فيها بقمع أمني واعتقالات، بذريعة التحريض الطائفي أو الإخلال بالأمن العام. وحتى على صعيد الأسماء الشخصية، فُرضت قيود على اختيار الأسماء الكردية عند تسجيل المواليد في دوائر الأحوال المدنية، ما دفع العديد من العائلات إلى اللجوء إلى أسماء عربية تجنّباً للرفض أو الملاحقة.

التحوّل الجزئي بعد عام 2011

مع اندلاع الثورة الشعبية في سورية عام 2011، وجدت السلطات نفسها مضطرة إلى تقديم بعض التنازلات الرمزية في محاولة لاحتواء الاحتقان الشعبي، خصوصاً في المناطق ذات الغالبية الكردية. في هذا السياق، صدر المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2011، والذي نصّ على إعادة الجنسية إلى فئة من أكراد “أجانب الحسكة”، إلا أنّ هذا الإجراء لم يشمل فئة “المكتومين”، الذين استمرّ تجاهل أوضاعهم القانونية رغم حرمانهم التام من الحقوق الأساسية.

إلى جانب ذلك، تمّ تخفيف بعض القيود الثقافية بشكل محدود، حيث سُمح بتنظيم فعاليات ثقافية كردية ضمن ضوابط أمنية مشدّدة، ولكن من دون أن يُترجم ذلك إلى اعتراف فعلي بالهُويّة القومية الكردية أو إدماجها في البنية الدستورية والمؤسّساتية للدولة. بقيت هذه الخطوات في إطار المعالجة الأمنية، من دون أن ترتقي إلى إصلاحات شاملة تعكس تحوّلاً في النظرة الرسمية تجاه التعدّد القومي في البلاد.

توصيات تشريعية لمعالجة الوضع القانوني للأكراد في سورية

تمثّل قضية الهوية القانونية والثقافية للأكراد في سورية نموذجاً صارخاً لسياسات التمييز المنهجي، التي تجاوزت حدود سحب الجنسية أو تقييد الحقوق السياسية لتطاول الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية بعمق. ولمعالجة هذا الملف معالجة جذرية وعادلة، تبرز الحاجة إلى تسوية قانونية شاملة تستند إلى مبادئ الإنصاف والاعتراف والعدالة التاريخية.

تبدأ هذه التسوية بإقرار دستوري صريح بالتعدّدية القومية، والاعتراف بالأكراد مكوّناً وطنياً أصيلاً يمتلك كامل الحقّ في التعبير عن لغته وهويته وثقافته في إطار دولة مدنية ديمقراطية موحّدة. كما تتطلّب استعادة الحقوق القانونية المسلوبة عبر منح الجنسية لجميع الأشخاص المكتومين والمتضرّرين من نتائج إحصاء عام 1962، ضمن آلية شفافة وعادلة.

بالتوازي، ينبغي مراجعة شاملة للتشريعات السورية القائمة بهدف إلغاء القوانين ذات الطابع التمييزي ومواءمتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، إلى جانب إعادة الاعتبار إلى اللغة الكردية والهُويّة الثقافية من خلال السماح بإنشاء مؤسّسات تعليمية وثقافية مستقلة بعيداً عن أيّ وصاية أمنية. ولضمان عدم تكرار الانتهاكات، لا بُدّ من إنشاء آليات مؤسّسية دائمة تراقب السياسات المتعلّقة بالأقليات، وتعزيز ثقافة قانونية ومجتمعية تحترم التنوّع القومي والتعدّد الثقافي باعتباره عنصر قوّة لا تهديداً.

وفي النتيجة، لا يمكن أن تنجح مقاربة القضية الكردية في سورية ضمن حلول أمنية ظرفية أو تسويات مؤقتة، بل تتطلّب إرادة دستورية حقيقية تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس الحقوق المتساوية، وتقرّ بأنّ الاعتراف بالتعدّد القومي ضرورة لبناء دولة قانون حديثة تقوم على العدالة والمساواة والتنوّع.

العربي الجديد

————————–

تيسير الاتفاق الجديد مع “قوات سوريا الديمقراطية” هو مفتاح تحقيق الاستقرار في سوريا/ فلاديمير فان ويلجنبرغ

تحديث 10 نيسان 2025

توصلت الجماعةُ التي يقودها الأكراد إلى تفاهماتٍ مهمة مع القيادة الجديدة في دمشق، لكن استكمال هذه التفاهمات وتنفيذها، إلى جانب حل نقاط الخلاف، سيتطلب مزيداً من الدعم من قبل الولايات المتحدة وشركائها.

في العاشر من آذار/مارس، وقّع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي اتفاقاً مبدئياً مع الرئيس المؤقت أحمد الشرع لبدء العمل على دمج القوات الكردية في الجيش السوري الجديد، وذلك بعد أشهرٍ من المفاوضات التي حظيت بدعم أمريكي. ويعد الاتفاق، الذي رحبت به علناً واشنطن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجهات فاعلة أخرى، خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار والانتعاش الاقتصادي في سوريا – إذ لا يمكن تحقيق أي منهما دون معالجة مستقبل الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي منطقة تضم  95% من موارد النفط والغاز في البلاد.

عند توقيع الوثيقة، اتفق الطرفان على ثماني نقاط رئيسية تشمل الاعتراف بالأكراد كمكون أصلي، وضمان مواطنتهم والحقوق الدستورية المصاحبة لها، ودمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في الشمال الشرقي (مثل المعابر الحدودية ومطار القامشلي وحقول النفط والغاز)، وضمان عودة النازحين داخلياً وحمايتهم، وفرض وقف شامل لإطلاق النار على مستوى البلاد. وستتولى لجان مشتركة تنفيذ الاتفاق، على أن يتم ذلك في موعد أقصاه نهاية العام الحالي. وقد استضاف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” اجتماعاً تحضيرياً أولياً في قاعدة الشدادي في 19 آذار/مارس، ومن المقرر أن تبدأ هذه اللجان عملها في أوائل الشهر الجاري.

ومع ذلك، فإن العوائق التي تعترض تنفيذ الاتفاق لا تزال عديدة، إذ تختلف دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” بشأن طبيعة الحكم الوطني المستقبلي (أي اعتماد اللامركزية أو رفضها)، ودرجة الاندماج العسكري (إذ ترغب “قوات سوريا الديمقراطية” في الحفاظ على استقلاليتها)، فضلاً عن مستقبل سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية العربية، وملف معتقلات عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” – وهو أحد أبرز الملفات الشائكة في النقاشات المتعلقة بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. علاوة على ذلك، يستمر القتال بين “قوات سوريا الديمقراطية” والجماعات المدعومة من تركيا، في ظل معارضة أنقرة المستمرة للوجود الكردي المسلح على طول حدودها -وهو موقف قد يشهد تحولاً كبيراً تبعاً لنتائج الجهود التركية الجديدة الرامية للتوصل لتسوية سلمية دائمة مع “حزب العمال الكردستاني”، وهي جماعة مرتبطة بشكلٍ مثير للجدل بـ”قوات سوريا الديمقراطية”.  وفي الواقع، يمكن أن ينهار إطار الاتفاق السوري بأكمله خلال التفاوض على أي من هذه القضايا المعقدة، مما يجعل الاستمرار في الدعم والمشاركة الدولية أمراً ضرورياً لتيسير الطريق أمام العمل الشاق الذي ينتظر الجميع.

المركزية مقابل الفيدرالية

في حين أن الجماعات التي أطاحت بنظام بشار الأسد تتبنى رؤية لدولة مركزية، تأمل “قوات سوريا الديمقراطية” في إرساء نظام لا مركزي – وهو توتر ينعكس بوضوح في البيانات والوثائق العلنية الصادرة عن الطرفين. فقد ذكر الشرع في”خطاب النصر ” الذي ألقاه في 29 كانون الثاني/يناير أن “سيادة سوريا ستفرض تحت سلطة واحدة”، في حين أن الدستور المؤقت الذي تم تبنّيه في 13 آذار/مارس شدد على الحفاظ على وحدة البلاد، وأدان أي فصائل تدعو إلى “التقسيم” أو تطلب الدعم الخارجي لقضيتها. كما أبقى الميثاق الجديد على الاسم الرسمي “الجمهورية العربية السورية”، دون أن يتطرق إلى الحقوق السياسية أو الثقافية للكرد.

وفي المقابل، أكد بيان صدر في آذار/مارس عن “مجلس سوريا الديمقراطية”، الجناح السياسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، على أن الدولة يجب أن تُدار بنظام لا مركزي. وفي كانون الثاني/يناير، صرح مظلوم عبدي بأن دمشق ينبغي أن تمنح مزيداً من الحكم الذاتي لمختلف المناطق في سوريا، وليس فقط للشمال الشرقي.

تتفق غالبية الفصائل الكردية السورية – بما في ذلك “المجلس الوطني الكردي” و”حزب الاتحاد الديمقراطي” التابع لـ”قوات سوريا الديمقراطية”- على ضرورة إرساء شكل من أشكال اللامركزية وترفض الدستور المؤقت باعتباره إقصائياً.  ومع ذلك، تتباين النماذج الفيدرالية التي تتبناها هذه الفصائل. فقد صرح عبدي أن أكراد سوريا لا يسعون إلى إقامة حكم ذاتي دائم على غرار كردستان العراق.  فقبل سقوط الأسد بوقت طويل، أنشأ “حزب الاتحاد الديمقراطي” كياناً محلياً يُعرف الآن باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، وهو نظام متعدد الأعراق يستند إلى إيديولوجية زعيم “حزب العمال الكردستاني” المسجون عبد الله أوجلان .ويعتبر النظام المقترح من قبل “المجلس الوطني الكردي” أقرب من الناحية الأيديولوجية إلى “الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي”.

الاندماج العسكري

وافقت “قوات سوريا الديمقراطية” على الانضمام الشكلي إلى الجيش الوطني، مع تمسكها بالإبقاء على القيادة والسيطرة المحلية على الوحدات الكردية. وفي كانون الثاني/يناير، رفض وزير الدفاع السوري المؤقت مرهف أبو كسرة اقتراح “قوات سوريا الديمقراطية” بالبقاء ككتلة عسكرية منفصلة.  ولكن بعد المذابح الأخيرة التي استهدفت أقلية أخرى هي العلويين، ستواجه الحكومة صعوبة أكبر في إقناع الأكراد بالتخلي عن استقلالهم العسكرية (خاصة في ظل التساؤلات المستمرة حول القوات الحكومية المسؤولة عن عمليات القتل هذه، كما هو موضح أدناه) . تُطرح أيضاً معضلة أخرى، تتمثل في أن القوات الكردية تضم وحدة نسائية بالكامل، الأمر الذي يصعُب، وربما يستحيل، دمجها في ظل التوجه الإسلامي  الذي يتبناه القادة الجدد في دمشق.

ويتمثل أحد الخيارات التوفيقية في إعادة تنظيم “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن فرق عسكرية إقليمية في تلك المحافظات التي تخضع لسيطرة كردية جزئية (على سبيل المثال، الحسكة والرقة ودير الزور). ويمكن تعيين قادة “قوات سوريا الديمقراطية” على رأس كل فرقة، مع الإبقاء على السيطرة المحلية، والاستمرار في التنسيق مع دمشق في ما يتعلق بالعمليات ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، أو خلايا النظام السابق، أو العناصر التابعة لإيران.

كما تتعرض الحكومة الجديدة لضغوط من بعض الجهات التي تطالبها بإعادة بسط سيطرتها على المناطق ذات الأغلبية العربية، والتي لا تزال القوات الكردية تسيطر عليها حاليًا. وقد يُعد الإبقاء على إدارة يقودها الأكراد في محافظة الحسكة أمراً منطقياً بالنظر إلى تركيبتها السكانية المختلطة، إلا أن استمرار الحكم الكردي في المناطق ذات الغالبية العربية، كالرقة ودير الزور، قد يصبح أمراً مرفوضاً، خاصةً بعد تراجع المخاوف المحلية من عودة نظام الأسد. والجدير بالذكر أن الإدارتين المرتبطتين بـ”قوات سوريا الديمقراطية” في حيين من أحياء حلب ذات الغالبية الكردية، توصلتا الأسبوع الماضي إلى اتفاق مع دمشق يهدف إلى نزع فتيل التوترات المحلية، من خلال سحب جميع العناصر العسكرية، وتمكين الشرطة وقوات الأمن المحليتين من “تكريس مبدأ التعايش وتعزيز السلم الأهلي”.

معتقلي “تنظيم الدولة الإسلامية”

إحدى النقاط الحاسمة التي لم يتم ذكرها في اتفاق “قوات سوريا الديمقراطية” الجديد هي ادعاء الحكومة بأن دمشق ستستعيد السيطرة على المخيمات والسجون الشمالية الشرقية التي تضم ما يقدر بنحو خمسين ألف مقاتل ومدني . وتشير المحادثات مع مصادر في “قوات سوريا الديمقراطية” إلى أنهم لا يستطيعون اتخاذ قرار بشأن التصرف المستقبلي في هذه المنشآت من تلقاء أنفسهم، لأنها جزء أساسي من مهمتهم الممتدة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. لا ترغب دمشق وتركيا أن تستمر “قوات سوريا الديمقراطية” في السيطرة على المعسكرات والسجون، ولكن من المفترض أن يرفض التحالف إسناد مسؤولية تأمين هذه المنشآت إلى طرف ثالث دون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ.

في الوقت الحالي، صرح مسؤولو “قوات سوريا الديمقراطية” علناً أن إدارة هذه المرافق ستبقى دون تغيير. وبالتالي، فإن الخيار الأفضل على المدى القريب هو زيادة التنسيق في هذه المسألة وتسريع إعادة المحتجزين غير السوريين إلى بلدانهم الأصلية إلى أن يتم تنفيذ اتفاق دمشق – “قوات سوريا الديمقراطية”.  كما أن سقوط الأسد قد سهّل على النازحين السوريين في هذه المخيمات العودة إلى مجتمعاتهم المحلية

تركيا ووكلاؤها.

كما أشرنا سابقاً، واصلت مجموعة مدعومة من تركيا، هي “الجيش الوطني السوري” هجماتهاعلى” قوات سوريا الديمقراطية” في منطقة سد تشرين رغم موافقة الأخيرة على الاندماج مع وزارة الدفاع السورية بعد سقوط الأسد. كما تحدثت “قوات سوريا الديمقراطية” عن المزيد من الضربات عبر الحدود من قبل القوات العسكرية التركية.

وفي سياق متصل، فإن وجود “الجيش الوطني السوري” في عفرين ذات الأغلبية الكردية يجعل من الصعب على آلاف النازحين الأكراد العودة إلى هناك. وتفيد التقارير أن هذه الجماعة ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الأكراد الذين بقوا في المنطقة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والخطف، والاختفاء القسري.

كما قامت وحدات “الجيش الوطني السوري” باعتقال سكان عفرين الذين استضافوا مسؤولين من جهاز الأمن العام التابع للحكومة المؤقتة خلال زيارة قاموا بها في 6 شباط/فبراير. ويتضح أيضاً أن التنظيم لا يزال يعمل بشكل منفصل عن دمشق، حيث تشير الاتهامات إلى مسؤولية عناصر “الجيش الوطني السوري” عن المجازر الأخيرة ضد العلويين.

لذلك، يجب على اللجان المشتركة الجديدة بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” النظر في سحب وحدات “الجيش الوطني السوري” من المناطق ذات الأغلبية الكردية مثل عفرين، واستبدالها بمزيج من قوات “جهاز الأمن العام” والمجندين الأكراد المحليين. كما يمكن نشر القوات الحكومية في نقاط التماس بين “قوات سوريا الديمقراطية” و”الجيش الوطني السوري”، مثل عين عيسى، وسد تشرين، وتل تمر. ويمكن لواشنطن والجهات الفاعلة الأخرى الضغط على تركيا ودمشق لتسهيل هذا الترتيب، على غرار الطريقة التي انتشر بها الجيش السوري في بعض هذه المواقع بعد اتفاق بوساطة روسية في عام 2019. كما ينبغي حث أنقرة على التخلي عن دعمها الكامل لـ”الجيش الوطني السوري”، إذ لا يمكن للحكومة السورية أن تقود هذا الفصيل أو تفرض سيطرتها عليه ما دامت تركيا الراعي الرئيسي له. وقد تسهم الشائعات عن وقف إطلاق النار التركي الوشيك (سواء مع “قوات سوريا الديمقراطية” أو بين “الجيش الوطني السوري” و”قوات سوريا الديمقراطية” على جبهة تشرين) في تسهيل تحقيق جميع هذه الأهداف.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن تسهيل الاتفاق بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” من خلال إبرام عملية سلام ومصالحة ناجحة بين تركيا و”حزب العمال الكردستاني”.  وترى أنقرة أن “قوات سوريا الديمقراطية” هي مجرد وكيل لـ”حزب العمال الكردستاني”، وهو جماعة مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.  وتنفي “قوات سوريا الديمقراطية” ذلك وتزعم أن عملية نزع سلاح الحزب لا علاقة لها بمفاوضاتها مع الشرع. ومع ذلك، تُقر “قوات سوريا الديمقراطية” بأن التوصل إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني قد يُسهم في وقف الهجمات التركية داخل سوريا، نظراً لأن أنقرة، من الناحية النظرية، ستكون أقل قلقاً بشأن وجود هذه القوات على امتداد الحدود.

الخاتمة

من أجل تحسين فرص تنفيذ اتفاق بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” بنجاح، ستكون الوساطة التي تقوم بها الجهات الفاعلة الخارجية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا حاسمة – لا سيما فيما يتعلق بقضايا اللجنة المشتركة المثيرة للجدل، وترتيبات تقاسم السلطة في المستقبل، والمسألة الشائكة المتمثلة في اللامركزية. ويمكن أن تحفز واشنطن على إحراز تقدم من خلال تخفيف العقوبات على دمشق. ويشير انعقاد الاجتماع الأول للجنة في قاعدة تابعة للائتلاف إلى أن الولايات المتحدة في وضع جيد للقيام بهذا الدور. كما يشير أيضاً إلى الفوائد العديدة للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي، على الأقل في المستقبل القريب. وبمجرد توصل دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” إلى اتفاق دستوري نهائي وطمأنة سلطات التحالف بأن لديهم خطة لمواصلة الضغط على تنظيم “الدولة الإسلامية” وتأمين مراكز الاحتجاز، ستكون إدارة ترامب في وضع أفضل للعمل على تحقيق هدفها المعلن المتمثل في سحب القوات الأمريكية.

فلاديمير فان ويلجنبرغ  هو مراسل ومحلل من أربيل، يعمل حالياً كرئيس قسم الأخبار في صحيفة “كردستان كرونيكل”. وتشمل منشوراته السابقة دراسة شارك في تأليفها عام 2021 بعنوان ”حلفاء بالصدفة: الولايات المتحدة – سوريا”.

عن المؤلفين

فلاديمير فان ويلجنبرغ

فلاديمير فان ويلجنبرغ هو المؤلّف المشارك في الكتاب الذي نُشر مؤخرًا “أكراد شمالي سوريا: الحكم والتنوع والصراعات.”

—————————-

الأكراد يطالبون بنظام اتحادي في سوريا بعد الأسد

اتهموا السلطة الجديدة باتباع مسار خاطئ وباحتكار السلطة

 القامشلي سوريا: «الشرق الأوسط»

10 أبريل 2025 م

قال قيادي كردي بارز لوكالة «رويترز» للأنباء إن أكراد سوريا سيطالبون بنظام اتحادي يسمح بالحكم الذاتي ووجود قوات أمن خاصة، مؤكدين بذلك رؤيتهم اللامركزية التي يرفضها الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع.

واكتسبت المطالبة بحكم اتحادي زخماً مع انتشار القلق بين الأقليات السورية بشأن عمليات القتل الجماعي للعلويين، الشهر الماضي. واتهمت الجماعات الكردية الشرع والسلطة الجديدة في البلاد باتباع مسار خاطئ لسوريا الجديدة وباحتكار السلطة.

وقالت مصادر كردية إن الجماعات الكردية السورية المتنافسة، ومنها الفصيل المهيمن في شمال شرقي البلاد الذي يديره الأكراد، اتفقت، الشهر الماضي، على رؤية سياسية مشتركة بما في ذلك النظام الاتحادي. لكنهم لم يكشفوا عنها رسمياً بعد.

وسيطرت الجماعات التي يقودها الأكراد على ما يقرب من ربع الأراضي السورية خلال الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاماً. ووقّعت «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة، الشهر الماضي، اتفاقاً مع دمشق بشأن دمج الهيئات الحاكمة وقوات الأمن التي يقودها الأكراد في الحكومة المركزية.

ورغم التزامهم بهذا الاتفاق، اعترض مسؤولون أكراد على الطريقة التي يشكل بها حكام سوريا الجدد عملية الانتقال بعد الإطاحة ببشار الأسد، قائلين إنهم لا يحترمون التنوع السوري رغم وعودهم بعدم إقصاء أي طرف أو مكون من مكونات المجتمع السوري.

حُكم ذاتي وليس استقلالاً

وقال بدران جياكرد، وهو قيادي بارز في الإدارة الذاتية الكردية، لـ«رويترز»: «اتفقت جميع القوى السياسية الكردية في سوريا فيما بينها على رؤية سياسية مشتركة حول شكل الحكم السياسي وهوية الدولة السورية وماهية حقوق الكرد وكيفية تضمينه دستورياً، حيث إنهم أكدوا ضرورة تحقيق نظام اتحادي برلماني تعددي ديمقراطي».

وتمثّل تصريحاته المكتوبة، رداً على أسئلة من «رويترز»، المرة الأولى التي يؤكد فيها مسؤول من الإدارة التي يقودها الأكراد، هدفَ النظام الاتحادي منذ توافق الأحزاب الكردية عليه، الشهر الماضي.

وتجنبت الإدارة التي يقودها الأكراد استخدام كلمة «اتحادي» في وصف أهدافها قبل ذلك، ودعت بدلاً من ذلك إلى اللامركزية. ويقول أكراد سوريا إن هدفهم هو الحكم الذاتي داخل سوريا وليس الاستقلال.

وأعلن الشرع معارضته للنظام الاتحادي، وقال لصحيفة «الإيكونوميست» في يناير (كانون الثاني) إنه لا يحظى بقبول شعبي، ولا يصب في مصلحة سوريا.

ويتحدث الأكراد، وهم في الغالب من المسلمين السنة، لغة قريبة من الفارسية، ويعيشون بشكل رئيسي في منطقة جبلية تمتد على حدود أرمينيا والعراق وإيران وسوريا وتركيا. وفي العراق، لدى الأكراد برلمان وحكومة وقوات أمن الخاصة.

وقال جياكرد: «الأمر الأساسي بالنسبة للمجتمع السوري وجغرافيته والواقع المعيش يؤكد ضرورة الحفاظ على خصوصية كل منطقة إدارياً وسياسياً وثقافياً، وهذا ما يلزم وجود مجالس محلية تشريعية في إطار الإقليم وهيئات تنفيذية لإدارة شأن الإقليم وقوات أمنية داخلية تابعة لها».

وأضاف أنه ينبغي تحديد ذلك في الإطار الدستوري لسوريا.

وترى تركيا المجاورة، حليفة الشرع، أن الجماعة الكردية الرئيسية في سوريا، وهي «حزب الاتحاد الديمقراطي» والجماعات التابعة له تشكّل تهديداً أمنياً بسبب ارتباطها بـ«حزب العمال الكردستاني» المحظور، الذي خاض حتى وقف إطلاق النار الذي أعلن مؤخراً تمرداً دام عقوداً من الزمن ضد الدولة التركية.

أزمة الساحل السوري

وإلى جانب «حزب الاتحاد الديمقراطي»، شارك في اجتماع الشهر الماضي، المجلس الوطني الكردي، وهو جماعة كردية سورية تأسست بدعم من أحد الأحزاب الكردية الرئيسية في العراق هو «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، بقيادة عائلة بارزاني والذي يتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا.

وقال سليمان أوسو، رئيس المجلس الوطني الكردي في سوريا، إنه يتوقع الإعلان عن وثيقة الرؤية السياسية الكردية المشتركة في مؤتمر بحلول نهاية أبريل (نيسان).

وأضاف أن التطورات في سوريا منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر (كانون الأول) دفعت العديد من السوريين «للاقتناع بأن النظام الفيدرالي هو الحل الأمثل لمستقبل سوريا. وبالأخص بعد ما شهدته مناطق الساحل السوري من انتهاكات خطيرة بحق الطائفة العلوية»، وعدم قبول الأقلية الدرزية في السويداء بسلطة الحكومة المركزية، و«صدور الإعلان الدستوري الأحادي الجانب»، والذي يرى فيه الأكراد تعارضاً مع التنوع في سوريا.

وقُتل المئات من العلويين في غرب سوريا في مارس (آذار) خلال هجمات اندلعت بعد أن قالت السلطات الجديدة إن قواتها الأمنية تعرضت لهجوم من مسلحين موالين للأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية.

وقال الشرع إن المسؤولين عن الهجمات سيحاسبون، بمن في ذلك حلفاؤه إذا لزم الأمر.

ومنح الإعلان الدستوري الشرع صلاحيات واسعة، واعتبر «العربية» اللغة الرسمية لسوريا، وذلك دون الإشارة إلى اللغة الكردية.

وقال أوسو: «نعتقد أن الحل الأمثل للحفاظ على وحدة سوريا هو النظام الفيدرالي؛ لأن سوريا بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب». وأضاف: «بكل تأكيد عندما نذهب لدمشق سنطرح وجهة نظرنا ومطالبنا بكل شفافية على الحكومة المؤقتة».

——————————

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى