الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 12 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
——————————
التحديات البنيوية للحكومة الانتقالية في سوريا/ عبدالله تركماني
2025.04.12
يعتبر إعلان تشكيل الحكومة الانتقالية خطوة هامة على طريق إعادة بناء الدولة السورية الجديدة، وبالرغم من إيجابيات وجود شباب من أصحاب الكفاءات العلمية فيها مقارنة بما كان عليه الحال في حكومة تصريف الأعمال، فإنّ إدارة المرحلة بدت حريصة على شعارها “من يحرّر يقرّر” الذي أعلنته في “مؤتمر النصر”، من خلال ترسيخ قيادتها للمرحلة وضمان مفاتيحها في أيديها، إذ تسيطر على تسع وزارات منها السيادية) الدفاع والخارجية والداخلية والعدل)، منهم سبعة من حكومة الإنقاذ في إدلب، بعضهم مدرج على قوائم الإرهاب، بما ينطوي على مخاوف التمكين لمشروعها الخاص، الذي لا يستجيب للتحديات التي تواجه السوريين، في ظل وقائع معقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وسوف تُمتحن الوعود التي أطلقها الوزراء، خاصة بعد إعادة هيكلتها وتوسّع مجالات بعضها، بما قد يؤثر على جوهر عملها وقدرتها على الوفاء بمتطلبات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.
ومن جهة أخرى، ثمة تنوّع قومي وطائفي في التشكيلة الوزارية، ولكنها لم تعكس تمثيلاً حقيقياً للتيارات الفكرية والسياسية ذات النزوع الديمقراطي، في حين أننا أحوج ما نكون إلى توافقات وطنية جامعة لإعادة بناء الجمهورية السورية الثالثة، ولا يمكن اعتبار الحديث عن “حكومة تكنوقراط” تجسيداً لهذه التوافقات، بل يبدو أنّ مهمتها تنفيذ تعليمات رئيس المرحلة الانتقالية، ومما يسهّل هذا التوجّه أنّ الوزراء التسعة للإدارة سوف يشكلون كتلة مؤثّرة لتنفيذها.
وقد جاء قرار وزارة الخارجية بتشكيل “الأمانة العامة للشؤون السياسية” لإدارة الحياة السياسية مقدمة لتحجيم الحريات العامة، ومصادرة مسبقة لقانون تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المنوط بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مما يمكن أن يعيدنا إلى ممارسات النظام التسلطي البائد، وليس الإعداد لعملية الانتقال الديمقراطي التي تضمن الحرية والكرامة اللتين ميّزتا انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011.
ليس ذلك فحسب، بل أنّ تصريح عضو مجلس الإفتاء الشيخ نعيم عرقسوسي حول اعتباره من مهام المجلس “الرقابة على القوانين وقرارات الوزراء وغيرها من القرارات التي قد تصدر عن مسؤولين ويمكن أن تخالف الشريعة الإسلامية”، مما يعكس رؤية تشكل تحدٍّ لمستقبل عملية الانتقال السياسي، ولا يلغي التحدي تصريحه اللاحق بأنه يعبّر عن رأيه الشخصي.
وبالرغم كل ما ذكرناه فإنّ مهاماً داخلية كثيرة أمام الحكومة في مقدمتها الحدَّ من أعباء العيش على المواطنين، فقد ذكر برنامج الغذاء العالمي، في نهاية عام 2024، أنّ نحو 13 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وتكمن خطورة هذه المعطيات في أنّ الفقر المتزايد يشكل بيئة مناسبة لتهديد السلم الأهلي، مما يجعل من أولى مهام الحكومة الموقّرة وحدة كل مكوّنات المجتمع السوري تحت راية الوطنية السورية الجامعة، من خلال الشروع في إنشاء هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية لعلّها تتمكن من الحدِّ من الفلتان الأمني ضد المواطنين في منطقة الساحل، وتفتح الأفق لإعادة بناء الثقة بين كلِّ مكوّنات الشعب السوري.
وعلى مستوى السياسة الخارجية ثمة تحديات كثيرة، تتمثل في منظومة شرق أوسطية قيد التشكل، إضافة إلى متطلبات المجتمع الدولي من الإدارة الجديدة.
فهل نستجيب للمخاطر الكبرى التي أشار إليها السيد أيمن الأصفري مؤخراً، خاصة التفرد في السلطة، وهيمنة الديني على السياسي، وسيطرة قادة أجانب على مفاصل أساسية في مواقع الجيش والأمن. وأيضاً خريطة الطريق التي أعلنها لسورية جديدة تصل إلى مستوى سنغافورة وماليزيا؟
بحيث نقتنع أنّ الدولة فضاء عمومي لكل المواطنين يحكمه القانون المتوافق عليه، مما يفترض تقديم أهل الكفاءة والوطنية والمصداقية على أهل الولاء الذين يدّعي بعضهم حصوله على شهادات جامعية.
وفي كل الأحوال لاشكَّ أنّ من المبكّر إصدار أحكام قيمة مسبقة على الحكومة، فالسوريون ينتظرون تجسيد ما أعلنه الرئيس والوزراء من رؤى وبرامج، ويأملون أن تدرك قيادة المرحلة الانتقالية ضرورة الابتعاد عن الاصطفافات الأيديولوجية لصالح التشاركية، بهدف توظيف كل إمكانات المجتمع السوري، البشرية والاقتصادية، لإعادة إعمار سورية المستقبل.
تلفزيون سوريا
——————————
من يؤيد الحكومة الجديدة في دمشق ومن يعارضها؟/ إبراهيم خولاني
تفاؤل مقلق في سوريا ما بعد الأسد
تحديث 12 نيسان 2025
بعد أكثر من 13 عامًا على اندلاع الثورة السورية، وسقوط نظام الأسد في دمشق، لم تكتمل فرحة السوريين التي أرادوها حين خرجوا في احتجاجاتهم الأولى، على اختلاف أشكال ما أرادوا، فتاريخ الثورة المليء بالخذلان جعلهم يقرؤون كل حدث بعين الحذر، ويفكرون في القادم بمنطق القلق الذي لا يخلو من الأمل. وقد ورثت الحكومة الجديدة، التي أخذت مقاليد الحكم في دمشق، عن النظام السابق بلدًا مدمرًا، وشعبًا مقسّمًا، وشرعيةً تُكتب الآن من جديد بعد أن دفع الشعب السوري كثيرًا من الدماء والتضحيات ثمنًا لنزع شرعية نظام الأسد.
لكن ملفت الانتباه فيها، على الرغم من الجدل حولها، أنها لم تُرفض بالإجماع كما لم تُؤيد بالإجماع أيضًا، بل يوجد من يصفق لها، ومن يضع فيها آمالًا كبيرة، وإن اختلفت مرجعيات التأييد وأسبابه، ويوجد أيضًا من يعارضها أو يؤيدها بحذر.
ولأن الحقائق قد تقرأ أحيانًا بين السطور، نحتاج اليوم أن نفهم من هم المؤيدون لهذه الحكومة ولماذا؟
كيف يتوزع مؤيدو الحكومة
أولًا: مؤيدون بحكم العادة- الولاء للاستقرار لا للسياسة
في مشهد ما بعد الثورة، تظهر فئة صلبةٌ مواقفها، لكنها ليست صلبةً من حيث المبدأ، بل يمكن وصفها بأنها ثابتة فيما اعتادت عليه؛ فلا يعني هذه الفئة كثيرًا من يحكم أو كيف يحكم، لأن ما تبحث عنه هو السلطة التي تفرض النظام، والتي تضمن استمرار الخدمات، وتوفر الحد الأدنى من شروط العيش. يمكننا القول إن هذه العقلية تشكّلت خلال عقود من العيش تحت نظام استبدادي حكم بإرهاب الناس وتخويفهم، فصاروا يتأقلمون مع كل من يصعد إلى الحكم، وتربوا على قاعدة أن الخوف من انهيار النظام أسوأ من أي استبداد. ولا تُبدي هذه الفئة ولاءً لشخص بعينه، بقدر ولائها للقوة أيًا كانت خلفيتها السياسية أو الدينية. ما يهمها هو أن تُوفر الكهرباء، وأن تُفتح المدارس، وأن تعمل الدوائر الرسمية، وأن تبقى الأسعار ضمن حدود يمكن احتمالها. وحين تتحقق هذه الأساسيات، يُترجم ذلك على شكل رضا، أو على الأقل، على شكل امتناع عن الاعتراض.
من جانب آخر، يمكن عدّ هذه الفئة فئة “الواقعيين المتشائمين”؛ فقد تلاشت لديها آمال التغيير الجذري، وأصبحت السياسة لديها مرادفًا للاضطراب، وصارت الثورة في مخيالها ذكرى محفوفة بالخسارات. ويؤمن أفرادها بأن من يملك السلاح والسيطرة الإدارية هو وحده من يمكنه أن يمنحهم الأمان، وإن كان ذلك الأمان هشًا ومؤقتًا.
تكمن “الخطورة” لدى هذه الفئة في أنها تمنح شرعية دائمة لأي سلطة، مهما كانت طبيعتها، وذلك لأنها تبدو أفضل من الفراغ، أو من الفوضى. والسلطة عادة ما تفهم هذا جيدًا، فتُخاطبها بخطاب الأمن، وتحذّر من الفوضى، وتُذكّرها باستمرار بما قد يجري في أيام الانفلات. ولأنها لا تنخرط في السياسة، ولا تتبنى رؤى أيديولوجية واضحة، يسهل استثمارها في أي مشروع سلطوي جديد، ويمنح وجودُها الحكومات عادة شعورًا كاذبًا بالإجماع الوطني، ويصعب على المعارضة كسبها أو مخاطبتها بلغة الأمل لأنه بالنسبة إليها صار نوعًا من الترف غير المضمون.
ثانيًا: الإسلاميون وحلم العودة
في مدينة دمشق التي كانت في المراحل التاريخية المتعددة مركزًا دينيًا عريقًا، لا يمكن الحديث عن الإسلاميين من دون التوقف عند أنماط التدين التي تشكّلت خلال القرون الماضية، والتي انعكست على ملامح الإسلام السياسي في المشهد السوري الجديد. فالتدين في سوريا، ولا سيما في الشام، ليس حالة واحدة، بل طيفًا متنوعًا من المرجعيات، وإن غلبت عليه مرجعية التدين الصوفي والتدين الأشعري.
أنماط التدين في سوريا، وانعكاسها في السلطة الجديدة:
التيار الأشعري/ الصوفي التقليدي
يعد هذا التيار الأكثر رسوخًا في دمشق، حيث يمثله علماء دين تقليديون عُرفوا من قبل باعتدالهم وتأصيلهم الأكاديمي، وهو تدين يميل إلى التوازن بين الشريعة والواقع، ويحرص على عدم التصادم مع الدولة. لطالما لعب هذا التيار دور الوسيط بين الدولة والمجتمع، واليوم وجد فرصة لاستعادة حضوره عبر تحالف حذر مع السلطة الجديدة، على الرغم من الخلافات السابقة بين الجانبين، حين كانت تصدر بيانات “المجلس الإسلامي السوري” التي كانت تدين سلوك “هيئة تحرير الشام” نواة الحكم الحالي للسلطة الجديدة في دمشق. يتمثل هذا التيار في شخصيات شرعية ودعوية تسعى لتأطير الدولة بهوية إسلامية “رسمية” ومحافظة، منهم أغلبية مجلس الإفتاء الذي عينته السلطة في الشهر الماضي، من دون التورط في مشروع ثوري أو متشدد. ويحظى هذا التيار بدعم شعبي كبير في دمشق وبعض المدن، ولا سيما بين الطبقات المتدينة غير المؤدلجة.
التيار السلفي
انتشر هذا التيار انتشارًا نسبيًا واسعًا في العقود الأخيرة، ولا سيما في الأرياف والمناطق التي هاجر أبناؤها إلى دول الخليج في العقود الأخيرة من القرن الماضي. وعلى الرغم من تراجع التيار “السلفي الجهادي” بعد التجربة الكارثية مع “داعش”، بقيت السلفية حاضرة بثبات في البيئات التي تبحث عن نموذج لتطبيق “الشريعة”. تمثل هذا التيار شخصيات كانت تعمل بصفة “شرعي” في الفصائل المسلحة على اختلاف درجة تشددها، وهي تسعى الآن لأسلمة الدولة تدريجيًا، بالاعتماد على قوة الخطاب الديني والانضباط التنظيمي، من دون الصدام المباشر مع خصومها من الإسلاميين التقليديين، لكن ذلك قد يحصل بعد ممارسات الدعوة الخارجة عن المألوف التي يمارسونها في أحياء دمشق، وتلقى استهجانًا من جزء من المجتمع ومن رجال الدين المحليين. ويمكننا القول إن جمهور هذا التيار متماسك، لكنه محدود نسبيًا في المدن الكبرى، وأوسع في الأوساط الريفية والشباب المتدين.
تيار الإسلام السياسي (الإخواني أو المستقل)
قد يكون هذا التيار قريبًا في نهجه إلى “الإسلاميين الحداثيين”، إذ يتبنّى خطابًا سياسيًا مرنًا يجمع بين الهوية الإسلامية ومفاهيم الحكم المدني. وقد مرّ بتجارب صدام قاسية في العقود الماضية، لكنه الآن يعود بخطاب تصالحي، متجنّبًا الشعارات الراديكالية. يظهر هذا التيار، في السلطة الجديدة، في مفاصل الدولة الإدارية والإعلامية، ويحاول الدفع نحو نموذج يشبه توجه حزب “العدالة والتنمية” التركي. ويمكننا القول إن جمهوره النخبوي في الغالب يوجد في الأوساط المتعلمة والمثقفة المحافظة.
على الرغم من الخلافات العقائدية بين هذه التيارات الإسلامية، من الأشاعرة التقليديين إلى السلفيين الدعويين والإسلاميين السياسيين، فإن التحالف الذي جمعهم خلف السلطة الجديدة لم يكن وليد قناعة فكرية موحّدة، بل أتى نتيجة تلاقي مصالح ومخاوف مشتركة. فقد رأت هذه القوى في الحكومة الجديدة فرصة نادرة للخروج من التهميش، والعودة إلى المجال العام بصيغة تضمن تمثيلًا، ولو نسبيًا، للهوية الإسلامية داخل الدولة. إضافة إلى أن الخوف من عودة “العلمانية” بتمثيليها السيء في عهد نظام الأسد، أو من الخوف من انهيار الدولة وما يتبعه من الوقوع في فراغ أمني أو فوضى، دفع الجميع إلى تجاوز الخلافات مؤقتًا، وإلى اصطفافهم خلف مشروع سياسي يمنحهم مساحة نفوذ وتأثير. وبطبيعة الحال، لكل طرف حساباته ومصالحه، لكن ما يجمعهم في هذه اللحظة هو وعيهم بأن التحالف ضروري، ولو كان هشًّا، لتثبيت التوازنات الجديدة.
لكن مع ذلك، لا يبدو أن هذا التحالف قابل للاستمرار طويلًا بالانسجام ذاته؛ فالعقائد التي جمعتهم اليوم قد تفرّقهم غدًا حين تبدأ المعركة الحقيقية على النفوذ داخل مؤسسات الدولة، وحين تظهر التباينات في الأولويات بين الدعوي، والسياسي. كذلك، فإن القاعدة الشعبية التي منحت هذا التحالف شرعية غير مباشرة، قد تتحول إلى عبء إذا ما فشلت الأطراف المختلفة في تلبية تطلعاتها. أضف إلى ذلك أن احتمالات تدخل قوى إقليمية داعمة لكل تيار قد تزيد من هشاشة العلاقة بين الأطراف. لذا، فإن استمرار هذا التحالف مرهون بقدرة السلطة الجديدة على إدارة التوازنات الدقيقة، وتقديم تنازلات متبادلة، من دون أن تنفجر التناقضات الكامنة تحت السطح.
ثالثًا: الواقعيون المتفائلون
تمثّل فئة “الواقعيين المتفائلين” شريحة معقدة من أبناء الثورة الذين لم يفقدوا إيمانهم بجدوى التغيير، لكنهم لم يعودوا يرونه ثوريًا صرفًا، بل مسارًا طويل الأمد، مليئًا بالتنازلات والتدرج. ينتمي هؤلاء إلى خلفيات مختلفة، فمنهم العلمانيون، ومنهم الناشطون والإسلاميون المعتدلون، ومنهم المثقفون المستقلون، ومنهم أيضًا بعض اليساريين. وما يجمعهم اليوم ليس وحدة الأيديولوجيا، بل التجربة الطويلة خلال سنوات الثورة؛ فقد مرّوا مع الثورة في محطات الانكسار المختلفة، من سحق التظاهرات الأولى، إلى صعود الجماعات المتطرفة، ثم عودة العنف المنظم الذي اتبعه نظام الأسد، وشهدوا كذلك كيف سُرقت مطالبهم، وكيف تآكل الحلم تحت وطأة الحرب والمنفى والخذلان وتدويل قضيتهم.
ومع أن هذه الفئة لا ترى في الحكومة الجديدة تمثيلًا حقيقيًا لأهداف الثورة، فإنها تعتبر وجود سلطة مستقرة، ولو جزئيًا، خيارًا أقل سوءًا من استمرار الفوضى أو التقسيم أو عودة أجهزة القمع الأمنية كما كانت في مرحلة حكم نظام الأسد. قد لا يكون تفاؤلهم ساذجًا، لأنه تفاؤل مشروط ومبني على فكرة أن كل هامش يُفتح للعمل المدني، أو للحريات النسبية، أو لبناء مؤسسات قادرة على التأثير في السلطة، هو تقدم يجب اغتنامه؛ فهم يدعمون الحكومة الحالية بقدر ما تتيح لهم من مساحة للحراك، لا من منطلق التأييد المطلق، بل من باب الرهان على الزمن، والإصلاح التراكمي، وإمكانية التغيير من الداخل مع الوقت الكافي. ولهذا، نجد في خطابهم لغة مزدوجة تجمع بين الدعم المشروط، والانتظار الحذر.
رابعًا: المستفيدون والانتهازيون
من بين أكثر الفئات التي سارعت إلى تأييد الحكومة الجديدة أيضًا، تبرز فئة المستفيدين والانتهازيين، وهم أولئك الذين عرفوا دائمًا كيف يُكيّفون مواقفهم مع تغيّر الرياح السياسية. في الظاهر، قد يبدو بعضهم معتدلًا أو متصالحًا أو منفتحًا على “سوريا الجديدة”، لكنّ إرثًا طويلًا من الفساد يختبئ خلف هذا الخطاب، إضافة إلى الارتباط العميق بمؤسسات النظام السابق؛ فبعض هؤلاء كان جزءًا من بنية النظام القديم مثل الدبلوماسيين والسفراء والمسؤولين الإداريين وشخصيات إعلامية وفنية، وقد بنوا نفوذهم داخل منظومة المحسوبيات والولاءات التي ميّزت نظام الأسد لعقود. وعلى الرغم من أنهم انسحبوا أو غابوا عن المشهد في سنوات الثورة، فإن انسحابهم لم يكن موقفًا أخلاقيًا أو إنسانيًا ضد القتل والتعذيب والمجازر بقدر ما كان هروبًا تكتيكيًا من سفينة تغرق. كثيرون منهم لم ينطقوا بكلمة تجاه ما ارتكبه نظام الأسد من جرائم، بل دافع بعضهم عنها أو برّرها أو التزم الصمت حفاظًا على مصالحه ومكانته.
اليوم، يعود هؤلاء إلى الواجهة ليقدّموا أنفسهم كخبراء ومساعدين ويريدون تحقيق مصلحة بلدهم، ويحاولون ركوب الموجة الجديدة كما فعلوا مع كل مرحلة سابقة. وقد لا يكون “تكويعهم” تحولًا حقيقيًا في الموقف، بقدر ما يكون استمرارًا للنهج ذاته الذي عملوا به من قبل، وهو التماهي مع السلطة أيًا كانت، من أجل الحفاظ على الامتيازات، وإعادة إنتاج دورهم في منظومة محسوبية جديدة، على أنقاض المحسوبيات القديمة.
الخطورة في هذه الفئة لا تكمن فقط في ماضيها، بل في قدرتها على إفراغ التغيير من مضمونه، عبر السيطرة على مفاصل الدولة باسم “الخبرة”، وهي خبرة مكرّسة لتطويع المؤسسات لصالح المصالح الشخصية والشبكات القديمة. هؤلاء يشكلون التهديد الأخطر على أي مشروع إصلاحي حقيقي، لأنهم قادرون على التسلل إلى السلطة الجديدة، وتقويضها من الداخل باسم “الاستقرار” و”البراغماتية”.
ماذا عن المعارضة؟
في مقابل موجات التأييد أو التحالفات المرحلية مع الحكومة الجديدة، تقف فئة تُعرّف نفسها بأنها معارضة وغير راضية عن السلطة الجديدة، وجزء من هذه الفئة لم يغيّر موقفه من السلطة قديمة كانت أم جديدة؛ لأنه يرى أن جوهر المشكلة ما زال قائمًا: غياب الديمقراطية والحرية والدولة المدنية. وهذه الفئة ليست كتلة واحدة، بل تتنوع خلفياتها الفكرية والسياسية، وقد تفرقت من قبل في مسارات الثورة، وهي اليوم تتفرق في مساحات الرفض داخل البلاد وخارجها. ويمكن تقسيمها إلى أنواع عدة:
أولًا: العلمانيون الراديكاليون
يمثّلون شريحة ذات وعي أيديولوجي حاد، يرون في كل اقتراب بين الدين والدولة خطرًا وجوديًا على مشروع سوريا المدنية. بعضهم كان في الصفوف الأولى للثورة، يكتب ويصرخ وينظّم، لكنه اصطدم مبكرًا بطغيان الصوت الإسلامي في الميدان، ما أدى إلى تآكل حضورهم، ليس بسبب ضعف خطابهم، بل لأنهم لم ينجحوا على الأغلب في بناء حاضنة شعبية واسعة، ولا سيما في مجتمع تم اختزال جزء كبير من وعيه السياسي ضمن معادلات الهوية والانتماء الديني والمذهبي.
ثانيًا: الحركات الكردية القومية
لطالما اتخذت موقفًا نقديًا من جميع السلطات المركزية التي حكمت سوريا، على الرغم من الإشارات حول دعم نظام الأسد من قبلُ لبعضها مثل ما حصل مع رئيس حزب “العمال الكردستاني” التركي في عهد الأسد الأب. هذه التيارات، وعلى رأسها الأحزاب المتأثرة بالفكر القومي الكردي، لم تكن دائمًا منخرطة في الحراك الثوري بالشكل الذي طرح في دمشق أو حلب أو حمص. ليس لأنها ضد الثورة من حيث المبدأ، بل لأن الخطاب الغالب للثورة لم يتبنَّ في كثير من الأحيان قضايا الكرد بشكل جاد أو واضح، وظلت مطالبهم مثل الاعتراف بالهوية الكردية واللغة والتمثيل السياسي غائبة أو موضع توجّس من باقي أطياف المعارضة، أضف إلى ذلك أن وجود تيار انفصالي داخل هذه الحركات، وما ارتكبه من انتهاكات بحق العرب في مناطق شرق الفرات، ساعد في زيادة الشرخ بين أطياف المعارضة والقضية الكردية.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن عددًا من الناشطين الكرد، شاركوا في بداية حراك عام 2011 في التظاهرات وفي حملات التضامن، لكن مع عسكرة الثورة وصعود الخطاب الإسلامي، تراجع الحضور الكردي لصالح مشاريع محلية للحكم الذاتي في مناطق الشمال الشرقي، ما خلق فجوة بينهم وبين بقية مكونات الثورة. واليوم، ينظر القوميون الكرد إلى الحكومة الجديدة كامتداد آخر لسلطة مركزية لا تعترف بحقوقهم، وإن كانت تختلف شكليًا عن النظام السابق. ولهذا، يبقون على موقفهم المعارض. وإن ضعف حاضنتهم الشعبية خارج مناطقهم، لم يكن يعني ضعف قضيتهم، بل كان يعكس استمرار غياب مشروع وطني جامع يدمج الحقوق القومية ضمن مسار ديمقراطي مشترك.
ثالثًا: الذين انقلبوا على النظام السابق لاحقًا
غالبية هذه الفئة من طائفة الدروز في محافظة السويداء، وممن يرون في الحكومة الجديدة تهديدًا لكيانهم، ليس من باب رفض الدولة بحد ذاتها، بل خوفًا من أن يكون تغيير الحكم وسيلة لأن تكون السلطة على أسس طائفية أو أيديولوجية تهدد استقرارهم. بعضهم كان منحازًا إلى النظام السوري خلال سنوات الثورة، ثم انضم إلى الحراك الشعبي الذي انطلق في السويداء في عام 2023 ضد الأسد، لكنه الآن لديه موقف سلبي من السلطة الجديدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن البعض كانوا مؤيدين صامتين للثورة في بداياتها، لكنهم انسحبوا عندما أحسوا أن الثورة فقدت هويتها الجامعة، وهؤلاء يُحسبون على المعارضة، لكنهم لم يندمجوا يومًا في المشهد الثوري الحقيقي، ما جعل وجودهم دائمًا في المنطقة الرمادية، وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن جزءًا منهم اتخذ موقفًا حاسمًا من نظام الأسد في البداية، وشارك في التسلح لكنه بقي محليًا وأقرب ما يكون إلى الحياد، فلم يشارك في مسارات الثورة العسكرية، وفي الوقت نفسه رفض التجنيد الإجباري في صفوف جيش نظام الأسد.
ثالثًا: المثقفون المستقلون
ربما يكونون هم الأكثر تمسكًا بفكرة الثورة بوصفها تحوّلًا جذريًا في القيم والنظام، لا في الأشخاص فقط. ينادون دائمًا بسوريا ديمقراطية وتعددية تحترم الإنسان. وكثير منهم خسر مكانته وعمله وبلاده. ومع ذلك، لا يزالون يكتبون ويوثّقون وينتقدون، لكنهم مهمّشون اليوم، لأن الزمن السياسي تحوّل من تحقيق القيم إلى عقد الصفقات، ومن الحلم إلى الضرورة. لم يعد خطابهم يجد آذانًا صاغية، لا في الداخل الذي أرهقته الحرب، ولا في الخارج الذي بات يساوم على المبادئ مقابل الاستقرار. وعلى الرغم من كل ذلك، يبقى صوت هذه الفئة صوتًا مهمًّا في المشهد، وإن تراجع صداه؛ لأنه الوحيد الذي ما يزال يذكّر الناس بأن ما جرى في سورية لم يكن مجرد تغيير حكومي أو تمرّد سياسي، بل كان حلمًا بكرامة الإنسان، وبحقه في أن يعيش حرًّا في وطن لا يسحقه ولا يُعيد تدوير قاتليه.
أما الصامتون
من بين جميع الفئات التي تشكّلت في المشهد السوري بعد سقوط النظام، تبدو فئة المترددين والمتوجسين أو الصامتين، وهي الفئة الأوسع من حيث العدد، والأقل من حيث الضجيج. هؤلاء هم عامة الناس الذين أنهكتهم الحرب، ومرّغتهم السنوات الطويلة في الخوف والجوع والتشظي. هم ليسوا مع الثورة ولا ضدها، ولا يؤيدون الحكومة الجديدة ولا يعارضونها صراحة. ببساطة، هم يريدون أن يعيشوا، وأن يشعروا ولو لمرّة بالأمان، من دون أن يدفعوا ثمن مواقف لا طاقة لهم بها.
وإن صمت هذه الفئة اليوم ليس موقفًا سياسيًا واعيًا، بل نتاج تراكم من الخيبات؛ فقد خُدعوا بالوعود، ثم دفعوا ثمن الصراع من دون أن يجنوا شيئًا. بعضهم فقد أبناءه وبيته ومصدر رزقه، وبعضهم عاش تجارب النزوح أو الاعتقال أو القصف. هؤلاء لا يثقون بأحد، لا بالسلطة الجديدة، ولا بالمعارضة، ولا حتى بالقوى الدولية. كل خطاب بالنسبة إليهم هو شكل آخر من أشكال الاستغلال أو الوهم. لذلك، اختاروا الانسحاب إلى مساحات الصمت والمراقبة الحذرة.
لكن خطورة هذا الصمت، أو قيمته السياسية، تكمن في أنه قابل للتحوّل؛ لأن هذه الفئة تملك بصمتها قدرة هائلة على ترجيح كفة أي مشروع سياسي أو اجتماعي في المستقبل. فإذا نجحت الحكومة الجديدة في تلبية بعض مطالبهم الأساسية مثل الأمن والخدمات والاستقرار المعيشي، فقد تمنحها شرعية جماهيرية صامتة. أما إذا فشلت، وانتهجت إنتاج الخوف والفساد والتهميش، فإن هؤلاء قد يتحولون فجأة إلى كتلة غاضبة غير قابلة للاحتواء. فهذه الفئة لا تظهر في الإعلام، ولا تقود تنظيمات ولا ترفع شعارات، لكنها موجودة في كل شارع وفي كل حي، وفي كل مؤسسة.
أخيرًا.. الثورة مستمرة… لكن بوسائل جديدة
من نافذة دمشق الجديدة، لا يبدو المشهد سهل القراءة؛ لأن تأييد الحكومة ليس اعترافًا بشرعيتها بالضرورة، كما أن معارضتها لا تعني الحنين إلى النظام الذي سقط، فنحن أمام لوحة فسيفساء معقدة، تتشابك فيها الأحلام والمصالح، والمبادئ والمخاوف، والإيمان والبراغماتية. ولا ينحصر السؤال الحقيقي في من يؤيد الحكومة الجديدة؟ فحسب، بل في أيّ مستقبل يمكن أن يصنعه هذا التأييد؟ لأن المشهد السوري، كما يظهر بعد سقوط النظام، ليس لوحةً واضحة الألوان، بل خليط من المواقف والتجارب والرهانات المتناقضة. فتتوزع خريطة سورية الجديدة بين مؤيدٍ يائس وإسلاميّ حالم وواقعيّ حذر وانتهازيّ ماهر ومعارضٍ مبدئيّ وصامتٍ متوجّس. وما يبدو اليوم تأييدًا متنوعًا قد ينقلب غدًا إلى تململ جماعي، أو إلى شرعية تُبنى من ركام هش، أو إلى نجاح مركب يشارك فيه كل الشعب السوري.
لا يكفي الحكومة الجديدة، لكي تصمد وتتجاوز اللحظة، أن تُرضي هذا الطرف أو ذاك، بل عليها أن تفهم عمق الأزمة السورية، وتخاطبها بصدق لا بمراوغة. فالتأييد في سوريا ما بعد الأسد لم يعد يُشترى بالشعارات أو بالأوهام، بل يُكتسب بالفعل والإنصاف والجرأة على مواجهة الأسئلة المؤجّلة. ربما تكون هذه البداية فرصة، وربما تكون فخًا آخر من فخاخ التاريخ السوري، لكن ما سيصنع الفارق في النهاية هو قدرة السوريين بجميع اختلافاتهم على ألّا يسمحوا لآلة السلطة، القديمة أو الجديدة، بأن تبتلع أحلامهم مرةً أخرى، وبين هذا وذاك، تبقى الثورة، لا كحدث في الماضي، بل كمعيار للحق نقيس به كل حكومة وكل مسؤول وكل سياسة.
———————–
دمج الوزارات السورية.. تخفيف الأعباء المالية وزيادة في المسؤوليات/ جنى العيسى
تحديث 12 نيسان 2025
تضمن القرار الرئاسي الصادر نهاية آذار الماضي المتعلق بالتشكيل الوزاري للحكومة السورية دمج عدة وزارات، في إعلان لم يتطرق لمبررات أو أسباب الدمج بدقة.
وفق تشكيلة الحكومة الجديدة، قرر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تعيين نضال الشعار وزيرًا للاقتصاد والصناعة، بعد دمج وزارات الصناعة والتجارة والاقتصاد.
كما جرى تعيين محمد البشير وزيرًا للطاقة، بعد دمج ثلاث وزارات سابقة هي الكهرباء والنفط والثروة المعدنية والموارد المائية.
تثار تساؤلات حول مبررات القرار، خاصة في ظل دمج وزارات حساسة ترتبط بشكل مباشر بالواقع الاقتصادي والخدمي في البلاد، في حين ينتظر الشارع السوري إحداث تغيير إيجابي.
خطوة واقعية
تضمنت تشكيلة الحكومة السورية الجديدة 23 وزيرًا، وبذلك جرى تقليص الوزارات عن سابقاتها في عهد النظام السوري، فمثلًا آخر تشكيلة حكومية في آب 2024 ضمت 29 وزارة، إلا أن الإعلان الحالي دمج عددًا من الوزارات، كما أحدث وزارتين، الأولى للشباب والرياضة، والثانية للطوارئ والكوارث.
وفق تقرير صادر عن مركز “حرمون للدارسات المعاصرة”، في 2 من نيسان الحالي، يلاحظ أن تقليص عدد الوزارات، من 29 إلى 23، عبر عمليات دمج، لا يعكس فقط توجهًا تنظيميًا، بل قد يكون أيضًا استجابة واقعية لشح الموارد وتحديات التمويل، إذ يعد ضغط النفقات الحكومية إحدى الضرورات في ظل ضعف الموازنة العامة وصعوبة الحصول على دعم خارجي في حال عدم رفع العقوبات.
من المرجح أن هذا الدمج يعكس محاولة لتقليل الكلفة التشغيلية وزيادة الكفاءة، إلا أنه قد يفرض تحديات إضافية على الوزراء الذين باتوا يتولون حقائب مزدوجة، في ظل طواقم إدارية محدودة وبيروقراطية معقدة، بحسب التقرير.
مبررات منطقية
الباحث المتخصص في الشأن الاقتصادي خالد التركاوي، يرى أن مسألة دمج الوزارات يمكن أن تنعكس على البلاد بالعديد من المكاسب، مشيرًا إلى وجود العديد من المبررات لاتخاذ هذه الخطوة في الوقت الحالي.
حول مبررات الدمج، أوضح التركاوي لعنب بلدي أنه “في بلد يطمح للحرية، فإن المشاركة المجتمعية هي مطلب رئيس، أي أن كل مواطن مهتم بالشأن العام عليه أن يقوم بدور ولو كان بسيطًا، وهذا الدور يخفف العبء عن الحكومة، ويجعل من القدرة على دفع الملفات العامة أكبر، أي أن حاجتنا للموظفين في القطاع العام ستكون أقل من أي وقت سابق”.
سيؤدي دمج الوزارات إلى تشجيع الاستثمار الخاص، والبحث عن فرص أكبر للقطاع الخاص، تقتضي أن يكون لهذا القطاع دوره، بالتالي يجب الاستفادة من الموارد البشرية في نطاق القطاع الخاص، خاصة أولئك الذين لديهم خبرات حكومية، كما أن رواتب القطاع الخاص ستكون أعلى نسبيًا من القطاع العام، وهذا يعني ضرورة أن يتحول المورد البشري الرئيس لخدمة القطاع الخاص، وأن ينخرط في اقتصاد السوق، وألا يبحث عن الوظيفة العامة وحسب، وفق الباحث.
التركاوي لفت أيضًا إلى أن الموارد الحكومية اليوم ضعيفة، وهذا يعني أن قدرة الحكومة على منح الرواتب والصرف على الموظفين هي أقل من أي وقت سابق، إلا إذا حافظت الحكومة على رواتب لا تسمن ولا تغني من جوع، وفق تعبيره.
بحسب نظرية العائد المتناقص لريكاردو (أحد منظري اقتصاد السوق)، كل زيادة للموارد بعد نقطة معينة، تجعل العائد أو الفائدة متناقصة وليست متزايدة، أي أنه لو كان العمل يكفيه موظفان، فإن زيادة الموظف الثالث لن تحسن في الأداء بل على العكس ستعيده للخلف.
منذ مطلع العام الحالي، عمدت الحكومة السورية الجديدة إلى إعادة هيكلة وتنظيم مؤسسات الدولة السورية، وخرج مسؤولون حكوميون للحديث عن أن مئات الآلاف من الموظفين لا يعملون أصلًا، إلى جانب آخرين هم “موظفون أشباح” يتقاضون رواتب دون عمل فعلي.
وبموجب هذه الفرضيات، أبعدت الحكومة عددًا غير معروف بعد من العاملين في مؤسسات الدولة، بين قرارات فصل، وكف يد، وإجازات طويلة الأمد مأجورة أو غير مأجورة، إلى جانب الامتناع عن تجديد عقود المتعاقدين المؤقتين.
الحاجة لإعادة الضبط
بالإضافة إلى تجنب المشكلات الناتجة عن المبررات السابقة، أي التوفير في الموازنة، ودعم السوق وقطاعه الخاص، وزيادة الكفاءة، يمكن أن يحمل قرار دمج الوزارات العديد من المكاسب في سياقات مختلفة.
وأوضح الباحث الاقتصادي خالد التركاوي أن من أبرز هذه المكاسب أن الهيكلية ستكون أكثر وضوحًا بالنسبة للوزير والمدير ورئيس الهيئة وبقية الموظفين، وبالتالي تقليل التعقيدات الإدارية والقانونية، كما يوفر الدمج تنسيقًا أعلى بين الوزراء والوزارات والمديريات، إذ كلما قل العدد ستكون القدرة على التنسيق أكبر من أي وقت سابق.
من إيجابيات الدمج أيضًا، سهولة التخطيط، فالتخطيط في حال وجود ثلاث أو أربع هيئات (كما هو الآن) سيكون أسهل من التخطيط في حالة وجود 70 هيئة كما هو سابقًا، وبالتالي التخطيط والتنسيق والتنفيذ سيكون أفضل، وفق ما يرى التركاوي.
لكن على جانب آخر، التركيبة الجديدة قد تجعل كبار الموظفين الحكوميين أكثر قلقًا من الواقع الجديد، إذ إن تراجع البيروقراطية الإدارية (الحميدة في بعض الأحيان) يجعل القدرة على اتخاذ القرار أقل تريثًا ودراسة، وبالتالي احتمال الخطأ أكبر، كما أن المهام داخل هذه الوزارات والهيئات المدمجة تحتاج لإعادة ضبط، إذ إن العمل الإداري في الشكل الجديد سيأخذ بعض الوقت لترتيبه.
موظفو الوزارات.. إيجابي بعد وقت
في ظل المعطيات والأرقام الحالية، شرح الباحث في الشأن الاقتصادي خالد التركاوي، أن الموظف الحكومي الواحد يكلّف الحكومة حوالي 25 دولارًا كراتب شهري، وحوالي 25 دولارًا كمصاريف أخرى متعلقة بالعمل، هذا يعني أن كل مئة ألف موظف خارج دوائر الدولة سيخفضون حوالي 5 ملايين دولار من المصاريف الحكومية الشهرية، أو ما يساوي 60 مليون دولار سنويًا، أي أننا نتحدث عن 600 مليار ليرة سورية سنويًا عند توفير 5% من موظفي الحكومة (على اعتبار أن عددهم مليونا موظف).
على جانب آخر، وهو الأهم، يعتقد التركاوي أن التقليص والدمج ستكون له انعكاسات إيجابية وأخرى سلبية، في الجانب السلبي، ستحرم بعض الأسر من رواتب الحكومة، وسيجري تقليل قيمة المشتريات الحكومية من الأسواق، ولكن هذا الأثر قصير الأمد.
الجانب الإيجابي المهم في المدى المتوسط والبعيد، سيحقق انخراط هؤلاء الموظفين في السوق عبر أعمالهم الخاصة أو في مجال القطاع الخاص موارد أكبر للأسر، مثلًا متوسط الرواتب في القطاع الخاص قد يصل إلى خمسة أضعاف رواتب القطاع الحكومي، والإنتاج في القطاع الخاص ينعكس بشكل أكبر وأسرع على الاقتصاد الوطني والناتج المحلي الإجمالي.
خروج 100 ألف موظف من القطاع الحكومي، سيكون له أثر على التوفير في الموازنة الحكومية، وأثر أكبر على المدى البعيد، عبر مساهمة هؤلاء الموظفين في الناتج المحلي الإجمالي عبر مشاركتهم المباشرة في السوق من خلال مشاريعهم، أو من خلال وجودهم في مؤسسات القطاع الخاص.
ومطلع العام الحالي، صرح وزير المالية السابق في حكومة دمشق المؤقتة، محمد أبازيد، أن 900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون موظف حكومي يعملون بشكل فعلي، بينما يوجد 400 ألف موظف هم “موظفون أشباح”، بينما قال وزير التنمية الإدارية، محمد السكاف، إن القطاع العام لا يحتاج إلى أكثر من 550 إلى 600 ألف عامل.
وفق الوزير أبازيد، فوجئت الحكومة بأن أعداد العاملين المسجلين في الجهات العامة أكبر بكثير من الأعداد الفعلية على أرض الواقع، وإضافة إلى الخلل بالقوائم المالية، هناك أسماء وهمية لأشخاص يتقاضون رواتبهم من المنزل دون أن يسجلوا دوامًا فعليًا في مديرياتهم، “نتيجة اتباع النظام البائد سياسة الواسطات والمحسوبيات”.
عنب بلدي
——————————
======================