حدود بلا دولة: سورية والقوى الخارجية وانعدام الاستقرار المستمر/ أرميناك توكماجيان و خضر خضّور

بمساهمة مهنّد الحاج علي، وحارث حسن، ومهى يحيَ
تعني التغييرات التي طرأت على الأوضاع الديموغرافية والاقتصادية والأمنية أن عملية السلام السورية-السورية تتطلّب توافقًا بين القوى الإقليمية الرئيسة على أن سورية يجب أن تبقى موحّدة، وأن النصر لا يمكن أن يتحقّق لطرفٍ دون آخر، وأن انعدام الاستقرار الدائم يطرح تهديدًا للمنطقة بأسرها.
نشرت في 10 أبريل 2025
في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، تستمر النزاعات ويسود اللااستقرار في المناطق الحدودية المتنازَع عليها حيث تتفاعل التوترات المحلية مع الديناميكيات الإقليمية والعالمية. وفي هذا الصدد، تعمل مؤسسة آسيا ومعهد الأخدود العظيم ومركز كارنيغي للشرق الأوسط معاً من أجل تحقيق فهم أفضل لأسباب النزاعات في هذه المناطق الحدودية وتأثيراتها وأبعادها الدولية، ودعم اعتماد أساليب أكثر فاعلية لصنع السياسات وبرمجة التنمية، وبناء قدرات الشركاء المحليين من أجل تفعيل البحوث الآيلة إلى الدفع نحو التغيير السلمي.
للمزيد من المعلومات
ملخّص
خسرت السلطات المركزية السورية سيادتها على المناطق الحدودية، التي باتت موضع تنازع بين قوى محلية وإقليمية ودولية. ونظرًا إلى أن هذا الواقع لن يتغيّر قريبًا، من المُستبعَد التوصّل إلى حلٍّ للأزمة السورية، ولا سيما أن جميع الأطراف المنخرطة في الصراع، بما في ذلك القوى الخارجية، قد تواجه مخاطر إذا شهدت أجزاء مختلفة من سورية اضطرابات داخلية. وبما أن ما من طرفٍ قادرٍ على تحقيق نصرٍ مطلق، من الضروري بلورة إطار وطني للتوصّل إلى حلٍّ شامل للصراع السوري.
محاور أساسية
أحدث الصراع في سورية تحوّلًا في المناطق الحدودية، إذ تفرض تركيا نفوذها على الجزء الأكبر من الحدود الشمالية، وتمارس إيران تأثيرًا كبيرًا على الحدود مع العراق والأردن، وأيضًا على الحدود مع لبنان بصورة غير مباشرة من خلال حزب الله؛ ولدى الولايات المتحدة أيضًا قواعد نفوذ على طول حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية، وصولًا إلى التنف.
تختلف المناطق الحدودية عن بعضها البعض، لكنها باتت جميعها مناطق تتمتّع بالحكم الذاتي من خلال التفاعل القائم بين القوى المحلية والدول الإقليمية، بما في ذلك حلفاء النظام السوري. وأدّى ذلك إلى نشوء كانتونات بحكم الأمر الواقع خارجة عن سيطرة دمشق، لكلٍّ منها اقتصاده وأمنه وحتى إيديولوجيته الخاصة.
شكّلت الترتيبات الديموغرافية والعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود والشواغل الأمنية عوامل أساسية أفضت إلى نشوء هذا الوضع. ولا يزال التفاعل بين هذه العوامل يؤثّر على الأنماط الاجتماعية والسياسية في المناطق الحدودية السورية.
خلاصات وتوصيات
أعادت الحرب السورية تشكيل التركيبة الديموغرافية للمجتمع السوري بصورة جذرية، إذ تسبّبت بنزوح أو تهجير نحو 14 مليون شخص، وولادة جيلٍ جديد من السوريين في ظلّ واقعٍ سوري شديد الانقسام.
أعاد الصراع السوري تشكيل الشبكات الاقتصادية العابرة للحدود، وساهم في الوقت نفسه في بروز مراكز وقوى اقتصادية جديدة خارجة عن سيطرة الحكومة السورية.
نشأت في سورية على مدى العقد الماضي تقريبًا نُظمٌ أمنية موازية، تركية وإيرانية وأميركية، يعمل كلٌّ منها ضمن مناطق عملياتٍ أو نفوذٍ محددّة.
نظرًا إلى أن العنف مستمرٌّ بشكلٍ أساسي في المناطق الحدودية السورية، حيث تتمتّع القوى الإقليمية والدولية بقدرٍ كبيرٍ من النفوذ، يجب أن يتطرّق أيّ حلٍّ للصراع السوري إلى هذا الواقع، ويُعيد إحياء الإطار الوطني السوري.
للمفارقة، بقيت الحدود السورية المُعترَف بها دوليًا على حالها، ذلك أن النزاع على سورية، وانعدام الاستقرار الذي خلّفه ذلك، عزّزا على ما يبدو الاعتقاد السائد في أوساط الدول الإقليمية بضرورة الحفاظ على هذه الحدود.
يجب أن يستند الاتفاق على استعادة السلطة الوطنية في إطار عملية سورية داخلية إلى توافق بين القوى الإقليمية الرئيسة على أن سورية يجب أن تبقى موحّدة، وأن النصر لا يمكن أن يتحقّق لطرفٍ دون آخر، وأن انعدام الاستقرار الدائم يطرح تهديدًا للمنطقة.
من المستحيل ربما الرهان على عقلانية القوى الإقليمية والدولية، لكن مساعي احتواء الصراع السوري أو إدارته إلى أجلٍ غير مسمّى من دون التوصّل إلى حلّ، قد تتسبّب باضطرابات داخلية ستكون لها تداعيات إقليمية في نهاية المطاف.
مقدّمة
أحدثت الحرب السورية تحوّلًا في المناطق الحدودية في البلاد، إذ فقدت دمشق سيطرتها على معظم هذه المناطق، فيما احتفظت بسيطرة شكلية فقط على مناطق أخرى يهيمن عليها حلفاء نظام الرئيس بشار الأسد. لطالما كان إحكام السيطرة على الحدود عنصرًا أساسيًا من سلطة الدولة البعثية، ومؤشّرًا مهمًّا على سيادة أي دولة عمومًا. لكن اليوم، باتت سيطرة الحكومة المركزية السورية على المناطق الحدودية في البلاد محلّ تنافس بين قوى محلية ووطنية وإقليمية مختلفة، ما أدّى إلى انتشار مجموعة متنوعة من السلطات السياسية (أو المراكز) التي تتمتّع بالنفوذ في تلك المناطق.
تفرض تركيا نفوذها على مناطق واسعة من حدود سورية الشمالية، فيما تتمتّع إيران بتأثيرٍ كبير في المنطقة الحدودية الشرقية مع العراق، وأيضًا على الحدود الغربية مع لبنان بشكلٍ غير مباشر من خلال حليفها اللبناني حزب الله. أما الولايات المتحدة فأنشأت بدورها مواقع عسكرية على طول حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية، وصولًا إلى قاعدة التنف بالقرب من الأردن. صحيحٌ أن هذه المناطق الحدودية مختلفة كثيرًا في ما بينها، لكن يجمعها قاسمٌ مشتركٌ واحدٌ هو أنها أصبحت كياناتٍ تتمتّع بحكم ذاتي إلى حدٍّ بعيد، ولكلٍّ منها اقتصاده وأمنه وحتى إيديولوجيته الخاصة. إذًا، تحوّلت هذه المناطق إلى كانتونات بحكم الأمر الواقع، خارجة عن سيطرة دمشق.
نتيجةً لهذا الواقع، بات من المستبعد أن يستعيد النظام سيادته على معظم هذه المناطق الحدودية في وقتٍ قريب، بل ستستمرّ القوى المحلية والإقليمية والدولية والتفاعلات في ما بينها في تشكيل التطوّرات في تلك المناطق خلال السنوات المقبلة.
تشهد هذه المناطق الحدودية كافّة متغيّرات عدّة تؤثّر في حصيلة هذه التفاعلات، ويمكن حصرها بشكلٍ عام في عوامل ثلاثة، هي: الترتيبات الديموغرافية، أو تحديدًا مصير السكان النازحين داخليًا واللاجئين؛ والأسواق، أو ما يمكن تسميته بالعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود؛ والوضع الأمني. ونظرًا إلى أن دمشق لن تتمكّن قريبًا من استعادة سيطرتها الكاملة على مناطقها الحدودية، يقتضي حلّ الأزمة السورية الابتعاد عن المبادرات السياسية التي تمّ اقتراحها أو تطبيقها في البلاد حتى الآن، ومن ضمنها خطة الأمم المتحدة من أجل سورية المتمثّلة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، أو الاتفاقات الأضيق حول مناطق جغرافية مُحدَّدة والمنبثقة عن مسار الأستانة الذي ضمّ إيران وروسيا وتركيا.
من الصعب للغاية اليوم تصوّر خطة مفصّلة لإنهاء الأزمة السورية. فالوضع السائد راهنًا في ظلّ النزاعات بين القوى الإقليمية والدولية على الأراضي السورية، لا يُنبئ بتحقيق أي طرفٍ انتصارًا عسكريًا مطلقًا. بل على العكس، تزيد هذه النزاعات احتمال استمرار تفكّك الدولة السورية لتبقى البلاد مصدرًا رئيسًا لانعدام الاستقرار الإقليمي، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر مُحدِقة بجميع الأطراف المعنية في سورية. يهدّد استمرار الوضع الراهن باندلاع اضطرابات داخلية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وكذلك في مناطق سيطرة خصومها، ما من شأنه تقويض التوازن القائم بين القوى الخارجية المنخرطة في البلاد. وفي ضوء هذه الوقائع، من الضروري تحقيق توافق واسع النطاق لإعادة الديناميات في البلاد إلى إطار وطني سوري جامع يسمح للأطراف المتناحرة بالتوصّل إلى حلٍّ يسهم في استقرار الأوضاع في البلاد.
التطورات في المناطق الحدودية السورية بعد العام 2011
بدأ النزاع السوري في آذار/مارس 2011 على شكل مظاهرات سلمية في الغالب ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد، قبل أن تشتدّ حمأته ويتحوّل إلى حرب أهلية في منتصف العام 2012.1 ومع ارتفاع حصيلة الضحايا، امتدّت رقعة القتال لتشمل مناطق ومدنًا كبرى في مختلف أرجاء سورية، وسُرعان ما أصبحت البلاد بؤرةً أساسية للطموحات والتنافسات الإقليمية. وعلى الرغم من جيوب المقاومة المسلحة التي انبثقت في البلاد، كان النظام في أضعف حالاته والثوّار في أقوى حالاتهم في المناطق الحدودية، حيث استفادوا من دعم الدول الخارجية عبر الحدود. وبعد مرور أكثر من اثني عشر عامًا، لا يزال الصراع يتركّز بشدّةٍ على المناطق الحدودية.
ومع دخول الانتفاضة السورية في دوّامةٍ من العنف المتزايد، بدأت القوات التابعة للنظام بخسارة المناطق الحدودية، الواحدة تلو الأخرى، أو بالانسحاب منها للدفاع عن مدن كبرى أو بنى تحتية حيوية، ما سمح للأطراف المحلية التي تجمعها علاقات قوية مع القوى الإقليمية بملء الفراغ الذي خلّفته الدولة. ومنذ العام 2012، طرأت تغييرات كثيرة على خارطة النفوذ في سورية. فقد أسفرت ظروف الحرب القاسية إلى إخراج المجموعات المحلية الأضعف من المعادلة، ولم يبقَ منها سوى الأقوى، وخصوصًا تلك التي حظيت بدعمٍ مستمرّ من الدول الأجنبية. وما زالت هذه المجموعات تتحدّى هيمنة النظام وسيادة الدولة، وهي لا تقتصر على مجموعات المعارضة فحسب، بل تشمل أيضًا حلفاء نظام الأسد الذين حلّوا محلّ سلطة دمشق في الكثير من المناطق الحدودية، ولا سيما تلك المشتركة مع لبنان والعراق.
التطوّرات على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية
كانت القوات التابعة للحكومة السورية أشدّ ضعفًا على طول الحدود السورية التركية الممتدّة على مسافة 900 كيلومتر. فبحلول نهاية العام 2012، كان النظام قد فقد سيطرته تقريبًا على هذه المنطقة. وفي الشمال الغربي، خسر النظام المناطق الريفية والحدودية في محافظتَي حلب وإدلب لصالح كيانات المعارضة المدنية المحلية التي حلّت مكان مؤسسات الدولة السورية وتولّت توفير المساعدات والخدمات.2 على الصعيد العسكري، ظهرت عشرات المجموعات المسلحة المحلية المختلفة التوجّه في المنطقة، وتراوحت بين العصابات الإجرامية، والفصائل التي تُعتبر “معتدلة” مثل الجيش السوري الحر، والمجموعات الكردية الساعية إلى انتزاع الحكم الذاتي في الدولة السورية، والمنظّمات السلفية الجهادية مثل جبهة النصرة، ثم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام منذ العام 2014.3 وأصبحت جبهة النصرة في ما بعد تُعرف بهيئة تحرير الشام التي تفرض سيطرتها اليوم على محافظة إدلب. كانت هذه الفسيفساء منتشرة في جميع أنحاء الشمال الغربي، باستثناء عفرين، التي كانت خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
انسحب الجيش وقوات الأمن السورية من المناطق ذات الغالبية الكردية الواقعة في الشمال والشمال الشرقي في صيف العام 2012، ما سمح لحزب الاتحاد الديمقراطي بملء الفراغ الحاصل. يُشار إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني الذي يتّخذ من تركيا مقرًّا له وتصنّفه أنقرة تنظيمًا إرهابيًا.4 على مرّ السنوات، تمكّن حزب الاتحاد الديمقراطي من السيطرة على أجزاء واسعة من سورية، وأنشأ فيها منطقة حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع تُعرف باسم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية،5 ما أثار استياء كلٍّ من نظام الأسد وتركيا. يُشار إلى أن قوات سورية الديمقراطية التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية تتولّى حماية منطقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، وهي أقامت تحالفًا مع الولايات المتحدة على ضوء تعاونهما في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وإلحاق الهزيمة به.6
كانت للحدود وأمن الحدود والمساعدات عبرها تأثيرات بالغة الأهمية على المناطق الحدودية الشمالية لسورية. فقد أصبحت الحدود السورية التركية ممرًّا أساسيًا لتزويد الثوّار “المعتدلين” في سورية بالمساعدات العسكرية والمالية.7 وتَدَفّق عبر هذه الحدود المقاتلون السلفيون الجهاديون إلى سورية التي شهدت تشكُّل الكثير من الجماعات المتطرّفة، وكذلك المقاتلون الأكراد الذين أتوا من تركيا للانضمام إلى حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب.8 كانت أنقرة بدايةً على قناعة بأن أيام الأسد معدودة، لذا لم تشعر بالتهديد من التمرّد الكردي. لكن عندما أبدى الرئيس السوري قدرةً غير متوقعة على الصمود، باتت تركيا فجأة مُعرَّضة للتهديد من عدوّها اللدود في سورية، حيث وضع القادة الأكراد أُسُس كيانٍ يحكمونه عبر كوادر مُدرَّبة من حزب العمال الكردستاني ومرتبطة به.9
كان العام 2016 من أبرز سنوات الصراع، إذ شهد تغيّر وجه الشمال السوري بشكلٍ بالغ. حدث ذلك نتيجة عوامل عدّة، بما في ذلك التدخل الروسي في أيلول/سبتمبر 2015 الذي قلب الموازين العسكرية، وأرغم الداعمين الأساسيين للثوّار السوريين على التخلّي عن هدف تغيير النظام. وضاعفت أنقرة جهودها سعيًا إلى منع الهيمنة الكردية على حدودها. وفيما خاضت الولايات المتحدة، بالتحالف مع الأكراد، معارك للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، حقّق نظام الأسد انتصارات كبرى، أهمّها استعادة السيطرة على حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016. وفي غضون سنوات قليلة، انخفض عدد القوى المحلية والخارجية المنخرطة في الصراع السوري بشكل كبير.
في الشمال والشمال الغربي، حيث نفّذت تركيا عمليات عسكرية لتوسيع نطاق نفوذها بين العامَين 2016 و2019، بقيت قوّتان محليتان على الأرض: هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها في محافظة إدلب، والمجالس المحلية المترابطة بشكل فضفاض في ظلّ الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، والتي تعمل إلى جانب الجيش الوطني السوري الذي أعاد تنظيم ما تبقّى من عناصر الجيش السوري الحر.10 أما في الشمال الشرقي، فقد حافظت الإدارة الذاتية الكردية على وجودها في الغالب بفضل الدعم الأميركي. وتستمرّ هذه القوى المحلية حتى اليوم في تحدّي نظام الأسد والحدّ من نفوذه، مستفيدةً من الحماية التركية أو الأميركية.
أوضاع الجنوب السوري
بدايةً، كان مسار الصراع في الجنوب السوري، الذي يتألّف من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، مشابهًا لما حدث في الشمال، حيث حلّت الهيئات المدنية المحلية محلّ سلطة الدولة، فيما خاضت عشرات الفصائل المسلحة معارك ضدّ القوات التابعة للنظام وأبعدتها عن الحدود. في هذه المناطق، كان تأثير الجماعات السلفية الجهادية محدودًا مقارنةً بالشمال.11 وكان اللاعب الأبرز ما عُرف بالجبهة الجنوبية، وهي تحالفٌ مكوَّن من تسعة وأربعين فصيلًا مسلّحًا من المعارضة السورية، تمركَز بشكل أساسي في محافظة درعا، وتلقّى الدعم من غرفة عمليات مقرّها الأردن وشاركت فيها دول عربية وغربية عدّة.12 وعلى خلاف الشمال السوري حيث بسطت هيئة تحرير الشام سيطرة واسعة، لم تتمكّن جماعة واحدة من الهيمنة على الجنوب السوري. مع ذلك، تضاءل الدعم الأجنبي تدريجيًا إلى أن توقّف في العام 2017، عندما تغيّرت الأولويات الأميركية في سورية ولم يعد الهدف إسقاط نظام الأسد.13
أتاح الوضع الجديد لقوات النظام استعادة السيطرة على معظم أجزاء الجنوب السوري في صيف العام 2018، بفضل الاتفاق الذي تمّ بوساطة روسيا. وأفضت هذه التفاهمات إلى تليين المعارضة الأميركية والإسرائيلية حيال عودة الجيش السوري إلى هذه المناطق، شرط عدم نشر إيران وحلفائها قواتها في الجنوب.14 مع ذلك، عجز النظام خلال السنوات الخمس الماضية عن إعادة فرض سلطته بالكامل، في ظلّ تراجع نفوذ روسيا بسبب حربها في أوكرانيا.15 إذًا، يبدو الوضع متقلّبًا للغاية اليوم. فعلى الرغم من أن الحكومة لم تفقد أبدًا السيطرة على السويداء، شهدت المحافظة مؤخرًا احتجاجات مناهضة للنظام.16 كذلك، تواجه القوات الحكومية تحدياتٍ في محافظة درعا، بينما وسّعت إيران والقوى المتحالفة معها نفوذها في محافظة القنيطرة.17
المنطقتان الحدوديتان الشرقية والغربية في سورية بعد العام 2011
اختلفت التطوّرات على الحدود الشرقية والغربية نوعًا ما عن الأوضاع على الحدود الشمالية والجنوبية، نظرًا إلى النفوذ الإيراني في لبنان والعراق، حيث تدعم طهران قوى غير حكومية مؤيّدة لنظام الأسد.
خلال السنوات الأولى من الصراع السوري، كانت المساعدات العسكرية إلى فصائل المعارضة داخل سورية تصل من لبنان.18 على سبيل المثال، مرّت خطوط الإمداد باتّجاه مدينة حمص تعبر بلدة تلكلخ السورية الواقعة على مقربة من الحدود مع لبنان.19 وانطلقت من لبنان أيضًا خطوط الإمداد إلى القصير.20 وبدءًا من نيسان/أبريل 2013، شنّت القوات التابعة للنظام السوري وحزب الله هجمات عدّة على المناطق الحدودية نجحت من خلالها في السيطرة على القصير وتلكلخ، قبل استكمال سيطرتها على جبال القلمون في الفترة التي سبقت آب/أغسطس 2017، حين انسحبت آخر المجموعات الثورية من المنطقة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصّل إليه مع حزب الله.21 وكان الحزب قد أطلق في الشهر السابق، أي تموز/يوليو 2017، عملية تطهير جرود بلدة عرسال اللبنانية من المقاتلين التابعين للجماعات السلفية الجهادية.22 وقد ساهمت نجاحات الحزب على جانبَي الحدود في إحكام سيطرته على ذلك الجزء من الحدود السورية اللبنانية، وباتت القصير منذ ذلك الحين معقلًا لقوات حزب الله.
ينطبق الكثير من الخصائص الآنفة الذكر على النزاع في المنطقة الحدودية السورية مع العراق. ونظرًا إلى أن هذه الحدود هي ثاني أطول شريط حدودي لسورية، إذ تمتدّ على طول 600 كيلومتر تقريبًا، استخدمتها مختلف الجهات لخدمة مصالحها الخاصة. وكما هو الحال في أجزاء أخرى من سورية، انسحبت قوات النظام من جزءٍ كبيرٍ من الحدود السورية العراقية بحلول نهاية العام 2013.
في الشمال الشرقي، وخصوصًا في محافظة الحسكة السورية، عمَد الأكراد، ولا سيما وحدات حماية الشعب الكردية، إلى ملء الفراغ القائم، بينما سيطرت مجموعات ثورية مختلفة على أجزاء من محافظة دير الزور الواقعة على حدود سورية الشرقية. وقرابة نهاية العام 2012، خرج معبر القائم-البوكمال الاستراتيجي مع العراق عن سيطرة نظام الأسد.23 وفي غضون عام، لم تعد لديه أي سيطرة تقريبًا على ضفة نهر الفرات في دير الزور، وخسر جميع حقول النفط الرئيسة الواقعة شمال النهر.24 لكن ما إن أمسى النظام خارج المشهد حتى خاضت المجموعات الثورية معارك في ما بينها، وذلك بالدرجة الأولى للسيطرة على الموارد الاقتصادية. وبعد معارك دامية، انتصر تنظيم الدولة الإسلامية على كل هذه الجماعات في العام 2014 وأعلن تأسيس الخلافة الإسلامية في حزيران/يونيو، قبل أن يمحو الحدود بين الأراضي الخاضعة لسيطرته في سورية والعراق، والتي امتدّت من أجزاء من محافظة حلب في سورية وصولًا إلى الموصل في العراق.25
أدّى بروز تنظيم الدولة الإسلامية إلى استنفار القوى المحلية والإقليمية والدولية لمحاربته في سورية والعراق بدءًا من العام 2016. فشنّت كلٌّ من سورية والعراق وروسيا والميليشيات المدعومة من إيران، إضافةً إلى تحالفٍ جمع دولًا غربية وعربية بقيادة الولايات المتحدة، عمليات ضدّه بشكلٍ متزامن. وبعد إلحاق الهزيمة بالتنظيم في العام 2019، أعاد العراق نشر قواته عند بعض النقاط الحدودية.26 وفيما تقلّصت معاقل التنظيم، ملأت قوات سورية الديمقراطية الفراغ في شمال شرق سورية، شمال نهر الفرات. وفي سياق الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، عزّزت الولايات المتحدة أيضًا وجودها العسكري في التنف، عند تقاطع الحدود السورية مع الأردن والعراق، حيث تولّت تدريب قوة بالوكالة لمحاربة التنظيم.27 أما الأجزاء المتبقّية من دير الزور، فأصبحت تحت سيطرة الجيش السوري، مدعومًا بالميليشيات الموالية لإيران التي حلّت محلّ تنظيم الدولة الإسلامية على طول المناطق الجنوبية من نهر الفرات.
في الجانب العراقي، بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، كسب طرفٌ جديد نفوذًا في المنطقة الحدودية، أي قوات الحشد الشعبي، ولا سيما الفصائل المتحالفة مع إيران والعاملة تحت مظلّة هذه القوات.28 ويُذكر من بين هذه الفصائل لواء الطفوف، وهو فصيلٌ مسلّح كان في البدء مقرّبًا من السلطة الدينية الشيعية في النجف، بقيادة آية الله علي السيستاني، قبل أن يصطفّ تدريجيًا إلى جانب إيران. كذلك، نشرت كتائب حزب الله مقاتليها تحديدًا في منطقتَي القائم وعكاشات، حيث يقع معبر القائم-البوكمال.29 تشكّل هذه الفصائل جزءًا من محور المقاومة المدعوم من إيران والمناهض للنفوذ الأميركي والإسرائيلي في الشرق الأوسط.
وقد انتشرت الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي أيضًا في الأجزاء الشمالية من الحدود السورية العراقية، وخصوصًا في منطقة سنجار، حيث احتدم التنافس على السيطرة بين إقليم كردستان الذي يتمتّع بحكم ذاتي في العراق وحكومة بغداد.30 وفيما تهيمن وحدات حماية الشعب على الجانب السوري من القسم الشمالي من الحدود، تنتشر مجموعات عدّة على الجانب العراقي، من ضمنها الفصائل الأيزيدية المدعومة من حزب العمّال الكردستاني الذي نشر مقاتليه هناك وساعد في تشكيل ميليشيات محلية في سنجار، إضافةً إلى الفصائل العشائرية السنّية المرتبطة بالحشد الشعبي.31
توضح هذه الخريطة المعقّدة للصراع السوري تأثير الأطراف الخارجية، وأبرزها إيران. فمن خلال نشر حلفائها على جانبَي الحدود السورية العراقية، لم تسعَ فحسب إلى ضمان الاتصال الجغرافي للمناطق بين إيران ولبنان، وتسليح حليفها اللبناني حزب الله ودعمه، وتوظيف وسائل للضغط على القوات الأميركية في المنطقة الحدودية، بل هدفت أيضًا إلى وضع حلفائها في مواقع تخوّلهم شنّ هجمات على إسرائيل وتوفير الدعم للنظام السوري. هذا وأنشأت الولايات المتحدة بدورها قواعد عسكرية بالقرب من الحدود السورية العراقية، ما منحها نفوذًا سياسيًا وعسكريًا في سورية؛ ونشرت كذلك قوةً هناك لمحاربة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية ومراقبة أنشطة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحلفائه. وكثّفت تركيا أيضًا أنشطتها في المناطق الحدودية، حيث نفّذت عمليات عسكرية ضدّ معاقل حزب العمّال الكردستاني في سورية والعراق لمنع تشكيل كيانٍ سياسي كردي متحالف مع حزب العمّال الكردستاني في هذه الأراضي.32
بعد مرور أكثر من عقدٍ على الحرب، أصبحت المناطق الحدودية السورية تضمّ مجموعة كبيرة من الأطراف المحلية التي تحظى بدعم أو بحماية قوى أجنبية. أدّى ذلك إلى ضعف سيادة الدولة السورية على هذه المناطق، أو انحسارها تمامًا، أو تحوّلها إلى عملية تشاركية مع أطراف أخرى، نظرًا إلى انتشار حلفاء نظام الأسد وخصومه على السواء، ناهيك عن التفاعل القائم بين مختلف العوامل التي ترسم معالم البيئة المحلية، والتي تعكس مصالح جميع الجهات الفاعلة في هذه المناطق.
تأثير التركيبة الديموغرافية والأسواق والأمن
طوال فترة الصراع السوري، أدّى التفاعل بين القوى المحلية والدول الإقليمية إلى تعزيز الحكم الذاتي في المناطق الحدودية في شمال سورية وجنوبها وشرقها، وإلى تقليص دور دمشق كمركز إداري للبلاد ومصدر أساسي للسلطة السياسية. في المقابل، ازداد نفوذ القوى الإقليمية التي قوِّضت سيادة الدولة لخدمة أولوياتها الخاصة. وشكّلت الترتيبات الديموغرافية والعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود والشواغل الأمنية عوامل أساسية أفضت إلى نشوء هذا الوضع. ولا يزال التفاعل بين هذه العوامل يؤثّر على الأنماط الاجتماعية والسياسية في المناطق الحدودية السورية.
إعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية السورية
لقد أعادت الحرب في سورية تشكيل التركيبة الديموغرافية للمجتمع السوري بصورة جذرية، إذ أدّت إلى نزوح ما لا يقل عن 14 مليون شخص، وولادة جيلٍ جديد من السوريين في ظلّ واقعٍ سوري جديد ومنقسم.33 كثيرةٌ هي العوامل التي تسبّبت بنزوح السكان. فبعضهم هرب من مناطق الصراع بشكلٍ استباقي، فيما فرّ البعض الآخر بسبب أعمال العنف، وغادر آخرون مناطقهم بحثًا عن فرص معيشية أفضل. وقد شهدت المناطق الحدودية التركية والعراقية واللبنانية تطوّرات ديموغرافية مختلفة أثّرت على سيادة سورية.
لا تغطّي العوامل الديموغرافية المناطق الحدودية بحدّ ذاتها وحسب، بل تشمل أيضًا كيف استخدمت القوى المختلفة في سورية، ولا سيما النظام، السياسات الحدودية وموجات النزوح عبر الحدود لاستحصال أوراق ضغط سياسية وانتزاع تنازلات. والمُلفت أيضًا كيف استخدم النظام السوري والقوى الخارجية النزوح وسيلةً لإدارة النزاع. وأبرز مثال على ذلك كيف شكّلت هذه الهندسة الاجتماعية التركيبة الاجتماعية والديموغرافية لشمال غرب سورية.
واجه نظام الأسد في بداية الصراع تحديًّا مهمًا في كيفية التعامل مع فئة محدّدة من السكان السنّة اعتبرها الحاضنة الاجتماعية للانتفاضة. فقد اعتبر لواءٌ في الفرقة الرابعة المدرّعة، وهي وحدة رئيسة من الجيش السوري مكلّفة بمهمّة حماية النظام، أن هذه الحاضنة مُحافِظة وذات توجّهات طائفية، ووصَف المنتمين إليها بأنهم أفرادٌ ذوو قناعات خاطئة تجاه النظام ظلّوا مقتنعين بصحة معتقداتهم.34 ورأى الكثير من المسؤولين في القيادة السورية أن التصالح مع هذه الفئة غير ممكن، مجادلين بأنها قنابل موقوتة قد تعيد إشعال الانتفاضة في المستقبل إذا ما أُعيد دمجها في المجتمع.35
في الفترة الممتدّة بين العامَين 2016 و2018، وافق ما يقرب من 200 ألف سوري يعيشون في المناطق التي كانت واقعة تحت سلطة المعارضة ثم استعادت قوات النظام السيطرة عليها، على نقلهم إلى شمال غرب سورية، وخصوصًا إلى محافظة إدلب.36 فهم فضّلوا هذا الخيار بدلًا من البقاء تحت رحمة الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية. قَبِل النظام هذا الخيار لمعالجة المأزق الذي يواجهه في التصرّف مع هذه الفئة الكبيرة من السكان المعادين له. بموجب هذه الخطوة، التي سهّلتها روسيا، وافق النظام على فقدان سيطرته على جزءٍ من سكانه، والتنازل فعليًا عن مكوّنٍ أساسي من سيادته. من المُفترَض أن هذا كان تدبيرًا مؤقتًا، وأن النظام كان ينوي استعادة منطقة الشمال الغربي في مرحلة لاحقة من الصراع، كما أظهرت الحملات العسكرية التي شنّتها القوات الحكومية على المنطقة بعد العام 2018.37 لكن مكامن ضعف النظام بسبب مزيجٍ من العوامل السياسية والاقتصادية المحلية، وانشغال روسيا بحربها في أوكرانيا بدءًا من العام 2022 وحتى اليوم، فضلًا عن الخلافات مع تركيا، أدّت إلى وقف التقدّم العسكري للقوات الحكومية في شمال غرب البلاد.38
شكّل اقتلاع السكان من أرضهم وسيلةً لإدارة النزاع منذ اندلاع الحرب في سورية. في البداية، فشلت قوات النظام إلى حدٍّ كبير في إخضاع السكان الداعمين للثورة بشكل حاسم. وحتى المعارك التي انتصرت فيها أدّت في معظم الأحيان إلى نزوحٍ جماعي لهذه المجتمعات المحلية إلى مناطق أخرى، حيث كانت تتجدّد أعمال القتال. خير مثالٍ على هذا النمط معركةُ القصير في العام 2013، حين فرضت القوات الحكومية وحزب الله في حزيران/يونيو حصارًا على الثوّار والمدنيين في المدينة. وسُمح لقوات المعارضة المُنهكة والمهزومة وللسكان المدنيين بالمغادرة عبر ممرّ خاضع لسيطرة حزب الله.39 لكن نزوح الثوّار إلى مناطق مجاورة أتاح لهم فرصة إعادة رصّ صفوفهم والحصول على إمدادات من لبنان، ما سمح بوقوع اشتباكات جديدة مع القوات الحكومية وحزب الله.
لكن ما حصل في حمص خلال العام 2014 كان أكثر تعقيدًا. فقد أفضى انتصار نظام الأسد في القصير إلى قطع خطوط الإمداد لفصائل المعارضة من لبنان إلى المدينة القديمة في حمص، ما سمح للجيش السوري بإنهاء التمرّد هناك.40 وبينما كانت القوات الحكومية تتقدّم وتستعيد السيطرة على مناطق إضافية من قبضة الثوّار، باءت بالفشل معظم المبادرات التي أطلقتها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات من أجل إجلاء المسنّين والجرحى والتخفيف من حدّة الصراع. وبحلول منتصف آذار/مارس 2014، كان ما بين 1500 و2400 شخص لا يزالون محاصرين في المدينة القديمة.41 عندئذٍ، جرت مفاوضاتٌ ضمّت إيران وروسيا والمجموعات الثورية خارج حمص، وتوصّلت في نهاية المطاف إلى اتفاق أتاح تنفيذ أول عملية إجلاء منظّمة بشكلٍ فعلي في الحرب السورية، إذ تمّ إخراج السكان المحاصرين في المدينة القديمة ونقلهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الثوّار في الريف الشمالي لحمص، بدءًا من أوائل أيار/مايو 2014.42
فيما شكّلت المدينة القديمة في حمص خير مثالٍ على التغيير الديموغرافي الذي طرأ، وتكرّر لاحقًا في أماكن أخرى، لم تكن العملية بالوضوح الذي تصوّره البعض. فالأدلة أشارت إلى أن النزوح من حمص كان نتيجةً ثانوية لعوامل عدّة، أكثر من كونه نتاجَ خطةٍ مقصودة. وشملت هذه العوامل عدم استعداد نظام الأسد لإعادة دمج آخر 1500 شخص متواجد في المدينة القديمة، ورفض السكان المحاصرين وضع مصيرهم في أيدي أجهزة الأمن التابعة للحكومة والخضوع لعملية التدقيق الأمني الذائعة الصيت التي تطبّقها. وقد ناسب ذلك كلًّا من النظام الذي أراد اقتلاع التمرّد من جذوره، والمعارضة التي فضّلت الإجلاء على الاعتقال وربما الموت.
يمكن القول إن ما حدث في حمص أصبح سابقةً لعمليات إجلاء السكان المنسّقة والمُخطَّط لها مسبقًا التي جرت لاحقًا ووضعت حدًّا للصراع في عددٍ من المناطق. وأصبحت الصفقات المُبرَمة لإجلاء السكان أكثر تواترًا بكثير في جميع أنحاء سورية، وتكثّفت بعد التدخّل العسكري الروسي في أواخر العام 2015. وبدأت المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة تقع في قبضة القوات الحكومية، غالبًا من خلال إبرام اتفاقيات تنصّ على إجلاء السكان إلى محافظة إدلب، التي أصبحت معقلًا للمعارضة السورية بعد أن خسرت القوات الحكومية إدلب المدينة، وأريحا، وجسر الشغور في آذار/مارس ونيسان/أبريل 2015.43
شهدت الغوطة الشرقية في ريف دمشق أكبر عملية نزوح سكاني، وكان ذلك في أوائل العام 2018. وفقًا للأمم المتحدة، كان 278 ألف شخص يعيشون آنذاك تحت الحصار في الأماكن الخاضعة لسيطرة المعارضة في المنطقة.44 وبمجرّد أن هُزم الثوّار، قرّر حوالى 66 ألف شخص المغادرة إلى محافظة إدلب، في حين أن الباقين إما نزحوا إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة، أو ظلّوا في الغوطة.45 الجدير بالذكر أن أولئك الذين غادروا إلى إدلب كانوا في الغالب من السكان السنّة المحافظين المقيمين في الأرياف، الذين شكّلوا شريحة وازنة من الثورة ضدّ حكم الأسد. وتَوجَّب على جميع الرجال الذين بلغوا سنّ الخدمة العسكرية الخضوع لعملية تدقيق تتيح للنظام احتجاز كلّ من يمكن أن يشكّل تهديدًا.46 علاوةً على ذلك، لم يكن كلّ الذين غادروا معارضين للنظام بالضرورة، ولا كلّ الذين بقوا أفلتوا من عقابه. لكن هذه العملية عمومًا ساعدت النظام على إجلاء أولئك الذين رفضوا حكمه، والإبقاء على الذين قبلوا به. ومنذ ذلك الحين، لم تشهد الغوطة أي مظهر من مظاهر الثورة. صحيحٌ أن نقل الفئة السكانية الرافضة للنظام إلى إدلب لم يكن حلًّا نهائيًا، لكنه شكّل وسيلةً لإدارة النزاع أعادت أجزاء كبيرة من البلاد إلى حكم الدولة السورية.
وعلى القدر نفسه من الأهمية، عزّزت مثل هذه الخطوات خططَ تركيا للشمال الغربي. فعلى غرار نظام الأسد، اعتبرت أنقرة أن الأكراد في شمال سورية الذين يدعمون حزب العمّال الكردستاني يطرحون تهديدًا أمنيًا كبيرًا. وحين اتّضح أن الأسد باقٍ في منصبه، تحوّل تركيز أنقرة الأساسي نحو معالجة مسألة انتشار وحدات حماية الشعب المتحالفة مع حزب العمّال الكردستاني، على حدودها الجنوبية.
أفسح نقل شريحةٍ من السوريين إلى إدلب المجال أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للانخراط في بعض عمليات الهندسة الديموغرافية وإعادة توطين النازحين العرب في المناطق الكردية. وبدا هذا واضحًا بشكل خاص في عفرين الواقعة شمال غرب حلب، والتي سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية بدعمٍ من الجيش التركي في أوائل العام 2018، بعد أن كانت خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، ما أدّى، بحسب التقارير، إلى نزوح 150 ألف شخص من منطقة هيمن عليها الأكراد تاريخيًا.47 حدث ذلك قبل وقتٍ قصير من عملية النظام في الغوطة الشرقية، وفي النهاية استقرّ بعض النازحين من هناك محلّ الأكراد في عفرين.48 وبحلول منتصف العام 2023، أصبح أكراد عفرين أقلية شكّلت في أفضل الأحوال 35 في المئة من إجمالي عدد المقيمين في المنطقة البالغ 440 ألف شخص.49 من غير الواضح إلى أي مدى تمّ تنسيق ذلك بين روسيا وإيران وتركيا ونظام الأسد، بيد أن أنقرة نجحت في تبديد التهديد الذي تطرحه أنشطة حزب العمّال الكردستاني بالقرب من حدودها، من خلال إخراج وحدات حماية الشعب وقاعدتها الاجتماعية من عفرين والسماح بتدفّق النازحين داخليًا من خارج المدينة.
صحيحٌ أن المناطق الواقعة في شمال سورية وشمالها الغربي قدّمت أمثلةً حيةً على التغيير الديموغرافي في المناطق الحدودية، إلّا أن التركيبة الديموغرافية حدّدت أيضًا معالم التطورات على طول الحدود السورية العراقية، التي لم تتّسم تحديدًا بنزوح وعزل السكان السنّة في الغالب، بقدر ما اتّسمت بعملية دمجهم عبر الحدود بين العامَين 2014 و2019، حين كرّس تنظيم الدولة الإسلامية الهوية السنّية ركيزةَ حكمه هناك. لطالما جمعت الروابط العشائرية والعائلية السكانَ العرب السنّة على جانبَي الحدود، في وسط المنطقة الحدودية بين سورية والعراق.50 ونظرًا إلى القدرة المحدودة للسلطات المركزية، سواء العراقية أو السورية، على الوصول إلى هذه المناطق، نشأت بيئة مؤاتية لبروز التنظيمات السلفية الجهادية السنّية. وبالفعل، حين أعلن تنظيم الدولة الإسلامية الخلافة الإسلامية من جانبٍ واحد في العام 2014، أسّس ولايةً تضمّ السنّة العرب في غرب محافظة الأنبار العراقية ومحافظة دير الزور السورية.51
بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق في كانون الأول/ديسمبر 2017 وفي سورية في آذار/مارس 2019، أُعيد فتح معبر القائم-البوكمال الحدودي رسميًا في تشرين الأول/أكتوبر 2019.52 لكن هذه الخطوة لم تعنِ عودة سلطة الدولة وسيادتها بالكامل، بل ملأت الميليشيات التي حاربت تنظيم الدولة الإسلامية الفراغ الحاصل. ونجحت قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في ترسيخ وجودها في وسط المنطقة الحدودية. ولاحقًا، حوّل موطئ القدم الذي خصّصته هذه المجموعات لنفسها الحدودَ إلى مركزٍ لاستعراض القوة الإقليمية الإيرانية، تمكّنت طهران عبره من التواصل مع حلفائها ووكلائها في العراق وسورية ولبنان. أدّى ذلك إلى تهجير سكان البوكمال والقائم بسبب ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية، أو إلى انحسار قدرتهم على التأثير في المنطقة بسبب هيمنة الميليشيات الشيعية.53
وعلى طول الجزء الشمالي من الحدود السورية العراقية، برز سيناريو أكثر تعقيدًا بسبب التنوّع الإثني في المنطقة والتفاعل بين مجموعة واسعة من القوى السياسية. تحديدًا، سهّل تواجد الأكراد في كلٍّ من سورية والعراق حركة المنظمات الكردية عبر الحدود، بقيادة حزب العمّال الكردستاني الذي سعى إلى إنشاء معاقل بديلة في شرق سورية ومنطقة سنجار في العراق من خلال استغلال الفراغ في السلطة لتعزيز نفوذه وتطبيق رؤية الفيدرالية المجتمعية التي دعا إليها زعيمه عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبّد في أحد السجون التركية.54
أدّت حركة السكان أيضًا دورًا مهمًا في ما يتعلق بلبنان. لكن في هذه الحالة، أدّى استغلال النظام السوري للسياسات الحدودية من خلال دفع أعدادٍ كبيرة من السوريين إلى لبنان، إلى نشوء وضعٍ لم يبقَ محصورًا بالمنطقة الحدودية في المقام الأول. وشكّلت هذه الخطوة محاولةً للتسلّح بورقةٍ للضغط على الحكومة اللبنانية والسياسات التي تتبنّاها. فعلى الرغم من أن القيادة السورية وحليفها حزب الله قد يتنافسان على النفوذ في المناطق الحدودية، ولا سيما في ما يتعلّق بالشؤون الأمنية، يبقى أنهما متفقان تمامًا على استغلال العوامل الديموغرافية لضمان امتثال الحكومة اللبنانية.
تَسبَّب الصراع السوري بنزوح أعدادٍ كبيرة من السوريين إلى لبنان. وفي تاريخ كتابة هذه السطور، قُدّر عدد اللاجئين المقيمين في مناطق لبنانية مختلفة بنحو 1.5 مليون لاجئ،55 من بينهم 784,884 شخصًا مسجّلين رسميًا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.56 ويشكّل هذا العدد نحو 22 في المئة من سكان لبنان. لقد هُجّر معظم السوريين قسرًا من مناطق كانت تُعتبر في السابق معاقل للمعارضة المناهضة للنظام، مثل محافظتَي حمص وحماة. ويعيش حوالى 600 ألف لاجئ في شمال لبنان وشرقه على طول الحدود السورية.57 وعلى الرغم من هدوء حمأة الصراع السوري منذ العام 2017، لا تزال الظروف اللازمة لعودة اللاجئين صعبة،58 وتعترضها عقباتٌ كثيرة لا تقتصر على سلوك السلطات والأجهزة الأمنية السورية التي لا تحبّذ هذه العودة، بل تشمل أيضًا الظروف الاقتصادية والأمنية المتردّية في سورية، ناهيك عن التدمير الواسع النطاق الذي لحق بالممتلكات، ومصادرة أملاك الغائبين، ما يعني في الكثير من الأحيان أن اللاجئين ليس لديهم مكانٌ يعودون إليه. وقد أصدر النظام السوري لوائح تشترط حصول بعض اللاجئين في لبنان على تصاريح أمنية. لكن في غالب الأحيان، ترفض الأجهزة الأمنية منحهم الإذن للعودة،59 علمًا أن عددًا من السوريين عاد بشكلٍ غير رسمي.60
سعى النظام السوري، بدعمٍ من حزب الله، إلى استخدام وجود اللاجئين السوريين في الدرجة الأولى لتحقيق مكاسب سياسية في لبنان، وتحديدًا لإعادة إحياء العلاقات الرفيعة المستوى والتنسيق الوثيق بين البلدَين.61 لكن هذه المسألة موضع خلافٍ في لبنان نظرًا إلى هيمنة سورية على البلاد طوال عقود، وإلى اعتقاد كثيرٍ من اللبنانيين بضلوع سورية وحزب الله في عملية اغتيال رئيس الوزراء الراحل والشخصية السنيّة البارزة رفيق الحريري في العام 2005. فقد أدّى مقتل الحريري إلى اندلاع مظاهرات واسعة النطاق، أعقبها انسحاب الجيش السوري من لبنان بعد وجودٍ دام تسعة وعشرين عامًا.62 ومنذ النجاح الذي حقّقه حزب الله في الصراع السوري، ضغطَ من أجل توطيد العلاقات مع سورية،63 أولاً على أساس أن هذا الأمر قد يفيد لبنان اقتصاديًا،64 وثانيًا لأنه ضروريٌ من أجل ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
أصبح وجود اللاجئين السوريين في كلٍّ من تركيا ولبنان سببًا في زيادة حدّة الانقسام الوطني، وفي تأجيج الحملات الشعبوية ضدّ السوريين.65 ونظرًا إلى أن الكثير منهم أتوا إلى لبنان لأسباب اقتصادية، جادل بعض اللبنانيين لصالح تبنّي مقاربة موجّهة أكثر نحو الأمن، لا تسعى فحسب إلى خفض عدد السوريين في البلاد، بل أيضًا إلى وضع حدٍّ للتهريب عبر الحدود، الذي كان كبّد الدولة اللبنانية خسائر بالغة، ولا سيما أنها غارقة أساسًا في أزمة اقتصادية حادّة.66 يُضاف إلى ذلك أن الأعداد الكبيرة من السوريين أحدثت خللًا في التوازن الطائفي الدقيق في لبنان، لأن معظم اللاجئين ينتمون إلى الطائفة السنّية. كذلك، شكّل اللاجئون عبئًا ثقيلًا على البنى التحتية المتهالكة في لبنان، ولا سيما أن معظمهم استقروا في مناطق فقيرة، ما أسفر عن حدوث احتكاكات بسبب التنافس على الموارد الشحيحة.67
لذا، قد يكون النظام في دمشق خسر سيادته على المناطق الحدودية، بيد أنه سعى في لبنان إلى استخدام العوامل الديموغرافية وسيلةً لاستعادة بعض النفوذ الذي كان يتمتع به في البلاد.68 مع ذلك، تشكّل عودة اللاجئين أيضًا ورقة مساومة في مفاوضات سورية مع المجتمع الدولي، ومع الدول العربية التي تريد سورية إعادة تطبيع العلاقات معها بعد سنوات من العزلة، وحتى مع حزب الله الذي لم يكن النظام دومًا راضيًا عن نفوذه المتنامي في سورية. وسيتطلّب إحراز أي تقدّم بشأن عودة اللاجئين على الأرجح تنازلات سياسية أو مالية مهمّة.
العلاقات الاقتصادية عبر الحدود والأسواق الجديدة
كان للصراع السوري تأثيرٌ مهمٌ آخر على المناطق الحدودية، إذ أدّى إلى إعادة تشكيل الشبكات الاقتصادية العابرة للحدود، وبروز مراكز وقوى اقتصادية جديدة خارجة عن سيطرة النظام السوري. وبدا هذا جليًا بشكلٍ خاص على طول الحدود الشمالية مع تركيا، ولا سيما عبر تهميش مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام والحدّ من دورها كمركزٍ اقتصادي لصالح بلدات حدودية تجمعها روابط قوية مع تركيا والشركات التي تتّخذ من تركيا مقرًّا لها. تختلف الأمثلة على طول الحدود السورية التركية باختلاف من يسيطر على منطقةٍ محدّدة، لكن في جميع الحالات، يسلّط الوضع على الأرض الضوء على ضعف قبضة نظام الأسد في المناطق الحدودية الشرقية.
حلب في زمن الحرب، على غرار مدن أخرى في سورية، تروي قصة انقساماتٍ وموتٍ ونزوحٍ ودمار. وتبرز حلب أكثر من غيرها من المدن لأنها شكّلت قبل الحرب المركز الاقتصادي والإداري للنصف الشمالي من البلاد، ثم استُبدِلت بنظام اقتصادي جديد مرتبط بالحدود الدولية. في العام 2010، ساهمت محافظة حلب بخُمس الناتج المحلي الإجمالي في سورية.69 تجاريًا، كانت البضائع والسلع تصل من جميع أنحاء العالم عبر الطرقات البرّية والموانئ البحرية إلى حلب ليُعاد توزيعها ليس في مختلف أرجاء المحافظة فحسب، بل أيضًا في الشمال السوري كلّه. وتوافدت القوى العاملة من الأحياء الأكثر فقرًا في المدينة ومناطق السكن العشوائي في ضواحي حلب الشرقية أو المناطق الريفية الداخلية حيث كانت فرص العمل محدودة. ولكن حين امتدّت الحرب إلى حلب في العام 2012، انقلب الوضع رأسًا على عقب: فشهدت المدينة هروب رؤوس الأموال والمستثمرين، وكذلك القوى العاملة الماهرة، وانتقلت الأنشطة الاقتصادية إلى مناطق حدودية أكثر أمانًا خارج سيطرة الحكومة.70
تشكّل بلدة سرمدا الحدودية الواقعة إلى الغرب من حلب على مقربة من معبر باب الهوى مع تركيا خير مثالٍ على ذلك.71 فهي كانت تضمّ 15 ألف نسمة قبل العام 2011، وازداد عدد سكانها ليبلغ 130 ألف نسمة بحلول العام 2019، بعد أن أصبحت ملاذًا للنازحين السوريين لأنها كانت محميّةً من الغارات الجوية السورية والروسية نتيجة قربها من الأراضي التركية.72 كان الكثير من النازحين فقراء، لكن ترافق وصولهم مع مجيء مستثمرين أسهموا، بالتعاون مع السكان المحليين في الغالب، في تغيير وجه البلدة التي كانت هادئة حتى ذلك الحين. وسُرعان ما انطلقت عمليات تشييد أحياء أكثر ثراءً، عكست بروز طبقة مزدهرة جديدة.73
المُلفت أن سرمدا باتت جسرًا يربط بين سورية وتركيا والأسواق العالمية، وهو دور كانت تضطلع به حلب قبل العام 2011. وتحوّلت سرمدا إلى مركز اقتصادي للسوريين الذين نقلوا أعمالهم إلى تركيا، وبدأت المدينة بتصنيع السلع وبيعها إلى السوريين داخل تركيا وفي أجزاء أخرى من سورية.74 ففي العام 2015، كانت 35 في المئة من جميع الشركات الجديدة في محافظة كيليس التركية تضمّ مساهمين سوريين، وبلغت النسبة 15 في المئة في محافظة مرسين و13 في المئة في محافظة غازي عنتاب.75 وللحصول على فكرة عن مدى توسّع حجم التبادلات التجارية، بلغت قيمة الصادرات من غازي عنتاب إلى سورية 400 مليون دولار في العام 2015، مُحقّقَةً زيادةً بواقع أربعة أضعاف مقارنةً مع ما كانت عليه في العام 2011.76
باتت سرمدا أيضًا صلة وصل بين الأسواق العالمية وسورية، خصوصًا عبر ميناء مرسين التركي. وشمل ذلك شمال غرب سورية الخاضع لسيطرة المعارضة، والمناطق الكردية في الشمال الشرقي، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية. مع ذلك، بقيت المعابر الداخلية بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وإدلب مغلقة خلال السنوات القليلة الماضية بضغطٍ من السكان المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.77 وأُغلقَت المعابر مع المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة خلال تفشّي وباء كورونا، وبقيت كذلك إلى حدٍّ كبير بعد الوباء. في الوقت الراهن، يركّز معظم التبادلات التجارية بين شمال غرب سورية والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة على أنشطة التهريب.78
نظرًا إلى بروز باب الهوى باعتباره معبرًا مهمًا لتسليم المساعدات الإنسانية إلى سورية، استفادت سرمدا أيضًا من تخزين الإمدادات في مستودعاتها. وباتت هذه المساعدات أساسية للاقتصاد المحلي.79 وبين تموز/يوليو 2014 وتشرين الثاني/نوفمبر 2020، عبرت 37,700 شاحنة مُحمَّلة بالمساعدات الإنسانية إلى المنطقة الواقعة شمال غرب سورية، ومرّت نسبة 85 في المئة تقريبًا من هذه الشاحنات عن طريق معبر باب الهوى.80 وخلال خلافة تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت سرمدا أيضًا مركزًا لعبور السلع الاستهلاكية والمساعدات المتّجهة إلى مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم.81
في كانون الأول/ديسمبر 2016، استولت قوات النظام على الجزء الخاضع لسيطرة الثوّار من مدينة حلب، بعد أن أمّنت في وقتٍ سابق الممرّ الشمالي الجنوبي الذي يربط حلب بدمشق.82 ونفّذت عمليات عسكرية في فترة 2019-2020 مكّنتها تدريجيًا من استعادة أراضٍ كانت في قبضة الثوّار وإعادة فرض سيطرتها على أجزاء من المناطق الداخلية في حلب، على الرغم من أنها لم تنجح في الوصول إلى الحدود التركية.83 وشكّلت هذه التطوّرات بارقة أمل لسكان حلب بأن مدينتهم قد تستعيد بعضًا من نشاطها الاقتصادي. مع ذلك، بقيت حلب مجرّد ظلٍّ لما كانت عليه في الماضي، وسط غياب القوة العاملة أو حركة الاستثمار، واستمرار هجرة الأدمغة وهروب رؤوس الأموال.84 في غضون ذلك، جرى استنساخ نموذج سرمدا في الشمال الغربي الذي أضحى عمليًا منذ العام 2016 محميّة تركية، وشهدت بلدات مثل أعزار وجرابلس والراعي نموًا سكانيًا وتحسُّنًا في البنى التحتية الاقتصادية والحركة التجارية.85
أما حدود سورية مع العراق فتروي قصة مختلفة نوعًا ما. فبدلًا من بروز مراكز اقتصادية بديلة، وقعت أجزاء أساسية من الحدود والموارد التي تُنتجها تحت نفوذ قوى غير حكومية. الجدير بالذكر أن الحدود السورية العراقية تتألّف في الغالب من سهول شاسعة ولا تفصل بين البلدَين حواجز طبيعية، ما سهّل في الكثير من الأحيان عمليات التهريب عبر الحدود. وأدّى قطع العلاقات الدبلوماسية بين سورية والعراق، بدءًا من أواخر السبعينيات ووصولًا إلى أواخر التسعينيات، إلى زيادة أنشطة التهريب أو العلاقات الاقتصادية غير الرسمية بين المجموعات المحلية، والتي سهّلتها في الكثير من الأحيان الروابط العائلية أو القَبَلية عبر الحدود.86
في السنوات الأخيرة، أصبحت أنشطة التهريب والعلاقات الاقتصادية غير الرسمية تحت سيطرة قوى غير محلية، من ضمنها الميليشيات والفصائل المسلّحة التي انخرطت في التهريب كجزءٍ من أنشطتها العسكرية أو سعيًا إلى تعظيم مواردها وتحقيق أرباح أكبر.87 يستمرّ الوضع على هذا الحال في ظلّ بقاء معابر حدودية مهمّة مثل القائم-البوكمال والتنف-الوليد وربيعة-اليعربية إمّا مغلقة أو تعمل بطاقة منخفضة تحت تأثير المجموعات المسلحة. واليوم، في خضمّ هذا المشهد الأمني الهجين على الحدود السورية والعراقية، من غير الواضح التمييز بين الكيانات الأمنية الرسمية وغير الرسمية. ومن الصعب تحديد مَن يمثّل السلطة الشرعية، لأن المجموعات شبه العسكرية ازدادت انخراطًا في مجالات الحوكمة المحلية، والعمليات الأمنية، والأنشطة الاقتصادية. هذا الالتباس يعكس مجموعة المصالح المحلية والوطنية والجيوسياسية الأوسع التي تؤثّر على الحكم المحلي وإدارة الحدود في المنطقة.88
أثّرت ميليشياتٌ مثل كتائب حزب الله ولواء فاطميون وحركة حزب الله النجباء وكتائب الإمام علي سلبًا على الاقتصاد المحلي من خلال الهيمنة على الأنشطة غير المشروعة، ولا سيما تهريب الوقود من سورية. قبل تشرين الأول/أكتوبر 2019، حين أعلنت بغداد إعادة فتح معبر القائم-البوكمال رسميًا،89 كانت الحدود مغلقة، لكن ذلك لم يمنع الميليشيات من السماح لمئات الشاحنات بالعبور لأغراضٍ تصبّ في مصلحة هذه المجموعات، إلى جانب السماح بعبور بعض الشاحنات التي تنقل بضائع مشروعة وغير مشروعة، إضافةً إلى الأسلحة. وأكّد عضو في جهاز أمني عراقي رسمي أن مؤسسات الدولة واجهت صعوبة في مراقبة المناطق التي تسيطر عليها الميلشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني الإٍسلامي قرب منطقة القائم الحدودية،90 وأُفيد بأن هذه الميليشيات فرضت رسومًا على الشاحنات التي تنقل البضائع.91
في بعض الحالات، انخرطت الميليشيات في الاستيلاء على أنشطة اقتصادية رسمية. على سبيل المثال، بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، قامت ميليشيا موالية لإيران داخل سورية بتشغيل حقل الورد النفطي، الواقع على بعد 50 كيلومترًا تقريبًا من العراق. وتشير تقارير إلى أن هذه الميليشيا احتفظت بجزءٍ من الإنتاج النفطي، بينما نقلت القسم الأكبر إلى مصفاة حمص في إطار صفقة بين هذه الميليشيا، وشركة يرأسها رجل الأعمال المقرّب من نظام الأسد حسام قاطرجي، ووزارة النفط السورية التي تدير المنشأة. علاوةً على ذلك، تؤدّي الميليشيات والسكان المحليون المرتبطون بها أيضًا دورًا في تهريب النفط والتبغ من العراق إلى سورية.92 هذان المثلان يسلّطان الضوء مجدّدًا على السلطة المحدودة للدولة السورية في هذه المناطق.
في القسم الشمالي من الحدود، عمَدت كلٌّ من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية التي تقودها وحدات حماية الشعب، وحكومة إقليم كردستان إلى إضفاء طابع رسمي فضفاض على إدارة المعابر الحدودية المشتركة في إطار جهودهما الهادفة إلى تحمّل مسؤولياتٍ كانت سابقًا من اختصاص حكومتَي دمشق وبغداد.93 ويقع هذَين الكيانَين في منزلةٍ ما بين الجهات الحكومية والجهات غير الحكومية. تجري مجموعة متنوعة من الأنشطة عبر الحدود بين الجانبَين، وتشمل التجارة الرسمية وغير الرسمية، وهجرة الأفراد بحثًا عن فرص عمل، وتحرّكات مسلحي حزب العمّال الكردستاني والقوات الأميركية، وغيرها. وتحدث هذه الأنشطة بشكل مستقل عن الحكومتَين السورية والعراقية، اللتَين لا تعترفان بالأنشطة التي تتمّ عبر المعبر الأساسي، المعروف بمعبر سيمالكا على الجانب السوري وفيشخابور على الجانب العراقي.94 تهدف الترتيبات غير الرسمية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية وحكومة إقليم كردستان إلى مكافحة التهريب والأنشطة غير المشروعة التي تستنزف موارد قيّمة. مع ذلك، لا تزال المنطقة الحدودية غارقة في الصراع وانعدام الاستقرار المؤسسي، فيما تتنافس الفصائل السياسية والمجموعات شبه العسكرية التابعة لها على النفوذ والسيطرة. ونتيجةً لذلك، تستمرّ أنشطة السوق الموازية وتحظى في بعض الحالات حتى بدعم السلطات الإدارية في حكومة إقليم كردستان والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية.95
من الجوانب اللافتة في هذا المشهد الاقتصادي المتغيّر بروز معابر حدودية جديدة تسهّل حركة الأشخاص والسلع بين شمال شرق سورية وإقليم كردستان العراق.96 هذه مواقعٌ مُتنازَع عليها يحاول كلٌّ من الحزب الديمقراطي الكردستاني والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية كسبَ نفوذ سياسي فيها. تمتدّ هذه المنطقة الحدودية على مسافة 150 كيلومترًا تقريبًا، بدءًا من المثلّث الحدودي العراقي-السوري-التركي وجنوبًا نحو قضاء البعاج في محافظة نينوى على الجانب العراقي، وحتى مدينة الشدادي على الجانب السوري.97 وفي هذه المنطقة معبرٌ حدودي رسمي واحد هو معبر ربيعة-اليعربية، إضافةً إلى ثلاثة معابر غير رسمية هي سيمالكا-فيشخابور، والفاو، والوليد (الذي يجب تمييزه عن معبر آخر يحمل الاسم نفسه جنوبًا).98
الوضع الأمني والمناطق الحدودية السورية
شهدت سورية على مدى العقد الماضي نشوء عددٍ من النُظم الأمنية الموازية، التي وإن كان أحدها يختلف عن الآخر، تقوّض جميعُها سيادة الدولة السورية وسلطة حكومتها، خصوصًا في المناطق الحدودية. وهذه النُظم تركية وإيرانية وأميركية، يعمل كلٌّ منها ضمن مناطق عملياتٍ أو نفوذٍ محدّدة.
نجح النموذج الأمني الإيراني، من خلال تقوية الميليشيات المحلية الموالية لإيران، في ربط العراق بشرق سورية، ومن هناك بجنوب سورية ولبنان. وبلدة القائم خير مثالٍ على كيفية استخدام إيران بلدةً سنّيةً ممرًّا لميليشياتها بغية ضمان نفوذها في المنطقة، في ظلّ توسيع حجم تأثيرها على بعض المجموعات السنّية المسلحة. في المقابل، ساد النموذج الأمني التركي في شمال سورية، حيث للجيش التركي وجود، ونجح في إقامة مناطق دفاع ذاتي فعّالة، وإعادة تشكيل هياكل السلطة المحلية. أما الولايات المتحدة، فهي موجودة في شرق سورية وشمال شرقها، وفي قاعدة التنف المجاورة للأردن، نظرًا إلى مشاركتها بدايةً في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ولا تبدو دمشق قادرة على استعادة سيادتها على تلك المناطق الحدودية في المستقبل المنظور.
وعلى خلاف الشمال الشرقي والشمال الغربي، يتّسم المشهد الأمني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالمزيد من التقلّب، إذ لا يوجد نموذج أمني مهيمن واحد، بل ثمّة تداخل ديناميّ وتنافس بين قوات النظام السوري وروسيا وإيران.99 لقد عجزت روسيا والقوات الحكومية، كلٌّ لأسباب مختلفة، عن إرساء إطار أمني جديد بعد العام 2016، حينما ساعدت موسكو النظام السوري في استعادة المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، بما فيها محافظات ريف دمشق والجنوب بأكمله. بدا الجيش السوري في البداية منتصرًا بفضل الدعم الروسي له، إلا أن نظام الأسد أخذ يضعف تدريجيًا في السنوات اللاحقة، وذلك جزئيًا بسبب العقوبات الأميركية الساحقة، وانهيار الاقتصاد اللبناني الذي كان بمثابة الرئة المالية للاقتصاد السوري المعتلّ،100 فيما حوّلت روسيا تركيزها نحو حربها في أوكرانيا. فكانت النتيجة أن بدأت المساعي الروسية في جنوب سورية تتعثّر.101 مع ذلك، لا تزال روسيا لاعبًا مهمًّا، ولكن بدرجة أقلّ من إيران، التي تُعَدّ اللاعب الرئيس في سورية.
النموذج الإيراني
لا يزال النموذج الأمني الإيراني في طور التشكّل، وهو يواجه تحدّيات. فالصراع السوري أتاح أمام طهران مساحةً لتوسيع شبكاتها العسكرية والاقتصادية، وامتدادها الإيديولوجي، في شتّى أرجاء سورية، وهو ما رسّخ الاعتقاد بأن إيران لاعبٌ سياسيٌّ يتمتّع بنفوذ إقليمي كبير، نظرًا إلى وجودها بالقرب من أراضٍ تسيطر عليها إسرائيل، وعلى طول الحدود الأردنية. لكن أنشطة إيران في جنوب سورية لا تقتصر على مواجهة إسرائيل، خصم طهران الرئيس في المنطقة، بل هي تعمل أيضًا على تنفيذ مشروع طويل الأمد يرمي إلى تحويل مجالات نفوذها في المناطق الحدودية السورية إلى موارد سياسية. هذه الموارد يمكن أن تُستخدَم كورقة ضغط لا ضدّ إسرائيل، ونظام الأسد، وروسيا، والأردن (الذي يشكّل فعليًّا البوابة إلى الخليج) فحسب، بل أيضًا في سياق المفاوضات حول القضايا الإقليمية التي تشمل سورية ولا تنحصر بها.
الواقع أن النموذج الأمني الإيراني يبقى الأنجع والأكثر تطوّرًا في سورية، نظرًا إلى مكامن ضعف روسيا ونظام الأسد. وتكشف الأنشطة التي اضطلعت بها إيران خلال العقد الماضي في كلٍّ من دمشق والمحافظات السورية الجنوبية، ولا سيما في القنيطرة ودرعا، وإلى حدّ أقلّ بكثير في السويداء، سماتٍ عدّة من هذا النموذج، أبرزها أنه يعمل ضدّ سيادة الدول، ويتجاوز الحدود الوطنية. فالبنية التحتية الأمنية التي أنشأتها إيران وحزب الله في محافظتَي ريف دمشق والقنيطرة تشكّل جزءًا من إطار أمني أوسع يربط مراكز نفوذٍ إيرانية عدّة في المنطقة. والدليل على ذلك لائحة الضحايا من الإيرانيين وحلفائهم، إذ إن الكثير من عناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني، الذي يقود فيلقُ القدس التابع له العمليات الإيرانية في الخارج، قُتِلوا في هجمات إسرائيلية على دمشق وجنوب سورية، ما يؤكّد أنهم ينشطون في تلك المناطق، وأنهم أنشأوا شبكة تمكّنهم من التحرّك بين إيران، والعراق، ولبنان، وسورية.102
ويعمل النموذج الإيراني ضدّ سيادة الدول تحديدًا لأنه قوّض الدولة السورية الضعيفة أصلًا لصالح مشروعٍ يتجاوز الحدود الوطنية. فهذا النموذج يستمدّ قوته حكمًا من إخضاع سورية للمصالح الإيرانية. ولا شكّ في أن ذلك يمثّل معضلةً لنظام الأسد، الذي وإن كان يحصل على الدعم من حليفه، ويتموضع أحيانًا كجزءٍ من محور المقاومة، يُدرك أن الثمن الذي سيدفعه في نهاية المطاف هو الإذعان السوري. وأحد الأمثلة على ذلك هو ارتفاع عدد الانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري بعد العام 2011 مقارنةً بما قبله، حينما كان نفوذ إيران في سورية أقلّ بكثير.103
ومن الخصائص اللافتة الأخرى للنموذج الإيراني أنه مُجهَّز لينجح بشكل أفضل في بيئات ما بعد الصراع غير المستقرّة، مثل جنوب سورية. في المقابل، ألحق غياب الاستقرار في الجنوب السوري ضررًا بالغًا بالقوات الحكومية، إذ تسبّبت الاغتيالات والهجمات هناك باستنزاف موارد دمشق. وهكذا، أصبح الجنوب، من الناحيتَين السياسية والإدارية، مثالًا على فشل الحكم في مرحلة ما بعد الصراع. أما روسيا، فمع أنها حقّقت إنجازًا بتوسّطها الناجح في العام 2018 في اتفاقٍ أنهى حكم الثوّار ولقي قبول كلٍّ من الحكومة السورية، والولايات المتحدة، وإسرائيل، والأردن،104 فشلت في فرض نفوذٍ دائمٍ على الأرض، وخسرت بعض ما كانت قد اكتسبته في سورية بعد غزوها لأوكرانيا.105
لكن النظام الأمني الذي أرسته إيران لا يخلو من التحدّيات، خصوصًا أن الميليشيات الإيرانية تواجه معارضةً في أوساط سكانٍ مُعادين لها بشكلٍ كبير في درعا والسويداء. ففي السويداء مثلًا، حاولت إيران تأسيس ميليشيا درزية ودعمها، إلا أنها فشلت بسبب المعارضة المحلية القوية من داخل المجتمع المحلي.106 ويبدو أن الضربات الإسرائيلية القليلة في المحافظتَين هي مؤشّر على عجز إيران (حتى الآن) عن إرساء وجود لها يشكّل تهديدًا لإسرائيل.107 مع ذلك، تتمتّع طهران وحلفاؤها بأفضلية استراتيجية تعود إلى أنهما الطرفان الأجنبيان الوحيدان اللذان يمتلكان نموذجًا أمنيًا، وموارد، وخبرة واسعة في العمل في بيئات فوضوية. فعلى سبيل المثال، تمكّنت إيران، من خلال الميليشيات التابعة لها، من إنشاء جيوب نفوذٍ في القنيطرة وصولًا إلى خطّ الهدنة للعام 1973 مع مرتفعات الجولان المحتلّة، فيما استغلّت التظلّمات المحلية والمخاوف الطائفية التي برزت خلال سنوات الصراع السوري.108 وقد أتاح لها تأثيرها على الشبكات غير الرسمية أيضًا توفير الحماية والرعاية، من خلال إشراك السكان المحليين في أنشطة مُدرّة للدخل مشروعة أو غير مشروعة.109
أحد الجوانب المهمّة للنموذج الأمني الإيراني هو امتداده إلى لبنان، حيث أدّى حزب الله دورًا أساسيًا في إطار تدخّل إيران في سورية، وفي تحالفات محور المقاومة الممتدّ من إيران إلى البحر المتوسط. فلطالما كانت أجزاء كبيرة من الحدود اللبنانية السورية، باستثناء عكار في أقصى الشمال، مناطق نفوذ رئيسة لحزب الله، الذي استخدمها لنقل الأسلحة وغيرها من العتاد من لبنان وإليه.110 وعقب تدخّل حزب الله في الصراع السوري في العام 2012 إلى جانب نظام الأسد، ازدادت سيطرته على هذه الحدود، وتحديدًا بعد انتصاره في معركة القصير في العام 2013. ومذّاك الحين، أصبح حزب الله لاعبًا على جانبيَ الحدود، ما أدّى إلى بروز ديناميّات متناقضة. وفيما واجه الحزب في سورية صدًّا من النظام كردّ فعلٍ على فقدان سيادته جرّاء تعاظم نفوذ الحزب،111 تعاوَنَ الطرفان في لبنان للتأثير على سلوك الدولة اللبنانية، واستخدما الحدود للقيام بعمليات التهريب المربحة.112
عارض النظام السوري وحزب الله منذ فترة طويلة محاولات الدولة اللبنانية الرامية إلى تشديد الرقابة على الحدود، نظرًا إلى المنافع التي يجنيانها منها. فالجيش اللبناني شيّد أبراج مراقبةٍ على الجانب اللبناني من الحدود بدعمٍ من المملكة المتحدة للحؤول في البداية دون تسلّل الجماعات السلفية الجهادية إلى لبنان، ومراقبة الحركة عبر الحدود، ومنع التهريب.113 ساعدت الأبراج الجيش اللبناني في الحدّ من تدفّق اللاجئين السوريين إلى لبنان، وأُوقِف المئات منهم كل شهرٍ في العام الماضي.114 لكن الحكومة السورية تقدّمت رسميًا بشكوى إلى الحكومة اللبنانية تعترض فيها على استخدام الأبراج، زاعمةً أنها تزوّد المملكة المتحدة بالمعلومات الاستخباراتية عن سورية.115 كذلك انتقدت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله هذه الأبراج علنًا.116 من المستبعد أن يؤدّي هذا الاستياء إلى التوقّف عن استخدام الأبراج، إلا أنه قد يحدّ من زيادتها وإجراء تحسينات تكنولوجية عليها. وهكذا، تبقى الحدود سهلة الاختراق، ما يسمح لحزب الله والقوى الأخرى بالعمل على جانبَيها.
فضلًا عن ذلك، ساهم دور حزب الله في البنية الأمنية الإيرانية في سورية في تعزيز جهود طهران الرامية إلى ربط إيران بالمتوسط.117 فخلال الصراعَين اللذَين اندلعا في العراق وسورية في العقدَين الماضيَين، امتدّ نفوذ إيران إلى آلاف الأميال، ما أدّى إلى تآكل أو استبدال سلطة الحكومات المركزية في كلٍّ من العراق وسورية ولبنان على مناطقها الحدودية. ولكن ذلك لم يخلُ من العوائق. ففي العام 2018، بعد ثلاث سنوات على تدخّل موسكو في سورية، انتشرت الشرطة العسكرية الروسية في منطقة القصير،118 الأمر الذي أثار التوتّرات مع حزب الله. عبّرت هذه الخطوة عن امتعاض كلٍّ من نظام الأسد وروسيا من انتشار حزب الله الطويل الأمد على الجانب السوري من الحدود مع لبنان. ثم أدّى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تقليص الوجود الروسي في سورية عمومًا، وفي المناطق الحدودية خصوصًا، إلا أن قرار الجيش السوري بترسيخ وجوده في منطقة القصير في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، يدلّ على أن التشنّجات حيال نفوذ حزب الله داخل سورية لا تزال قائمة.119
ومن المستبعد أن يتغيّر هذا الوضع عمّا قريب. فقد حاول حزب الله فرض وجوده في المنطقة الحدودية على حساب الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية. تجلّى ذلك أكثر ما تجلّى خلال المعارك التي وقعت في صيف العام 2017 في المنطقة الحدودية الشرقية ضدّ الجماعات الجهادية السلفية التابعة لتنظيمَي الدولة الإسلامية والقاعدة. انخرط حزب الله آنذاك في محاربة هذه الجماعات إلى جانب الجيش اللبناني، الذي كان أطلق عملية فجر الجرود، ليظهر بمظهر حامي حدود لبنان كما الجيش.120 إضافةً إلى ذلك، أبرم الحزب في وقتٍ لاحق اتفاقًا مع المسلحين السوريين للسماح بنقلهم إلى شمال سورية وشرقها، الأمر الذي قوّض بوضوح الدولة اللبنانية والجيش اللبناني بوصفهما المُحاوِر الرئيس في مسائل الدفاع الوطني. وما أعادت هذه الحادثة تأكيده هو أن الحزب غير مستعدٍّ للتنازل عن جزءٍ كبير من عملية صنع القرار بشأن الحدود مع سورية لصالح مؤسسات الدولة اللبنانية، وذلك إلى حدٍّ كبير لأن الحدود عنصرٌ أساسي من الشبكة الأمنية الإقليمية الإيرانية الأوسع، كما هي الحال في سورية أو العراق. وستظلّ المصالح الإيرانية هي التي تحدّد الأهمية المحورية لسورية في استراتيجية إيران الإقليمية.
النموذج الأمني الإيراني، الذي يشكّل فيه حزب الله تهديدًا أمنيًا واضحًا لإسرائيل، لا يقتصر على لبنان فقط، بل يمثّل انعدام الاستقرار وانتشار الشبكات الإجرامية غير الرسمية في كلٍّ من درعا والقنيطرة أيضا مشكلةً أكبر للأردن. فالتهديد للأردن نابعٌ من حقيقة أن هذه الشبكات المرتبطة بإيران تنخرط في أنشطةٍ غير مشروعةٍ تتسبّب بزعزعة استقراره بطرق عدّة،121 أحدها الإتجار بالمخدّرات، إذ أصبح الأردن سوقًا للمخدّرات المُنتَجة في سورية. ففي الفترة الممتدّة بين العامَين 2012 و2022، ارتفعت حالات حيازة المخدّرات والإتجار بها في أوساط المواطنين المحليين أو الأجانب بنسبة 150 في المئة، من 7,714 إلى 19,140 حالة.122 في الوقت عينه، يشكّل الأردن أيضًا نقطة عبور لتهريب المخدّرات إلى دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، الأمر الذي قد يتسبّب بمشاكل لعلاقات الأردن بهذه الدول.123 كذلك أفادت السلطات الأردنية بازدياد محاولات تهريب الأسلحة إلى الأردن أو عبره إلى الضفة الغربية، ما يشكّل تهديدًا أمنيًا كبيرًا له.124 أما من منظور إيران وحلفائها، فهذه التطوّرات هي موضع ترحيب، ليس فقط لأنها تعطي دمشق المتحالفة مع طهران، ورقة ضغط سياسية قيّمة في علاقاتها مع دول الخليج والأردن، يمكنها استخدامها لإعادة دمج سورية في العالم العربي، بل أيضًا لأنها تلحق الضرر بمصالح الأردن، الحليف البارز للولايات المتحدة والذي تربطه بإسرائيل معاهدة سلام.
لا بدّ من الإشارة إلى أن مواجهة الأردن للنموذج الأمني الإيراني في جنوب سورية كانت خجولةً مقارنةً مع الردّ الإسرائيلي له. فقد سعى الأردن، منذ تقاربه مع النظام السوري، إلى التعاون مع دمشق للحدّ من التهديدات الآتية من الحدود السورية، من خلال عقد اجتماعات عدّة رفيعة المستوى ضمّت مسؤولين أمنيين وعسكريين.125 وفي موازاة ذلك، أصبح الأردن أيضًا أشدّ حزمًا في تصدّيه للمهرّبين على حدوده مع سورية،126 مُحاوِلًا في بعض الأحيان استهدافهم داخل سورية،127 مع العلم أنه سعى أيضًا إلى الحصول على المزيد من المساعدة في هذا الإطار من الولايات المتحدة.128 لكن على الرغم من تحسّن العلاقات بين الأردن ودمشق، لم يبذل الجانب السوري جهودًا تُذكر للتعاون والمعاملة بالمثل، على الرغم من أن الحدود السورية الأردنية لا تزال تشكّل بؤرةً لانعدام الاستقرار، ما يسمح بازدهار الشبكات المرتبطة بإيران.
النموذج التركي
بدأت الحكومة التركية بدعم الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد منذ الأشهر الأولى للانتفاضة. وبلغ تعاون تركيا مع المعارضة السورية ذروته أثناء معركة حلب في صيف العام 2012، حينما سيطرت فصائل المعارضة المسلحة على أجزاء واسعة من محافظة حلب. وردّ النظام على ذلك بسحب قواته من المناطق الكردية على طول الحدود التركية، وتسليم هذه المناطق لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب، الخصم الرئيس لأنقرة، تاركًا وراءه تهديدًا أمنيًا لتركيا.129
يشكّل أمن الحدود من المنظور التركي قضيةً وجودية، نظرًا إلى العدد الكبير من الأكراد في تركيا، ومخاوفها من أن يسعوا إلى إقامة دولة مستقلّة. لذا دخل الجيش التركي الأراضي السورية مرّات عدّة على مدى العقد الماضي، وأنشأ جيوبًا لبسط سيطرة أنقرة على كامل الحدود. كان هدف هذه العمليات العسكرية في نهاية المطاف إنشاء منطقةٍ خاليةٍ من وحدات حماية الشعب، على حدّ قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2019.130 مع ذلك، يبدو تحقيق هذا الهدف بالكامل أمرًا غير واقعيّ في المستقبل المنظور بسبب المصالح المتضاربة للدول المتواجدة في المنطقة، بما فيها تركيا، والولايات المتحدة، وروسيا، وإيران.
ترتكز عناصر النموذج الأمني التركي على التركيبة الديموغرافية والوجود العسكري المباشر. فالصراع في شمال سورية، وجنوب تركيا، وشمال العراق، تحرّكه دوافع عرقية، ويشمل العرب والأكراد والأتراك. وإذا ألقينا نظرةً فاحصة على ما بَنَته أنقرة على طول الحدود خلال العقد الماضي، وجَدْنا ما يثبت ذلك بوضوح. فقد أفضت الحملات العسكرية للجيش التركي إلى إنشاء مناطق عدّة على طول الحدود مع شمال سورية يهيمن عليها العرب، وبالتالي فصلت أنقرة القوات العسكرية التي يقودها الأكراد، ولا سيما قوات سورية الديمقراطية، عن الأراضي التركية على الجانب الآخر من الحدود. تخضع هذه المناطق العسكرية لسيطرة السلطات التركية المباشرة، وترتبط إداريًا بالمحافظات الواقعة على الجانب التركي، ولا سيما غازي عنتاب، وأورفة، وكيليس، ومدينة أنطاكية.
تؤدّي الروابط الإثنية أيضًا دورًا كبيرًا في تشكيل هذا النموذج، إذ إن هيكل السلطة التركية في هذه المناطق هو من أعلى إلى أسفل، وقائم على أساسٍ عرقي، وثابت أي أنه يتّسم بوجود قوات تقليدية، وحدود وخطوط أمامية واضحة، وإدارات محلية. والتركمان السوريون، وإن كانوا أقلّيةً ضئيلة، هم المجموعة التي تحظى بالقدر الأكبر من ثقة القادة الأتراك، لا في سياق حماية الحاجات الأمنية المباشرة لتركيا فحسب، بل أيضًا من أجل الحفاظ على النفوذ التركي المحلي على المدى الطويل. فقد حاربت فرقة السلطان مراد، وهي جماعة مُعارِضة مسلحة ومكوّنة بمعظمها من التركمان السوريين، ضدّ نظام الأسد خلال الانتفاضة، وسُمِّيَت تيمّنًا بأحد السلاطين العثمانيين الأوائل، ما يعكس هويّتَها الرمزية. وهذه العلاقة لا تقتصر على الدعم العسكري، إذ إن وقف الديانة التركي مثلًا اختار فقط الفرقة التركمانية المسلحة في منطقة عفرين الحدودية لتزويدها بالمساعدة اللوجستية والمالية.131 وتنضوي فرقة السلطان مراد في صفوف الجيش الوطني السوري الذي أسّسه الأتراك في العام 2017، والذي تعمل ضمنه أيضًا فصائل مسلحة عربية سنّية.132 وما يجعل هذا التحالف متماسكًا هو الخوف المشترك من توسّع قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
ثمّة خللٌ أساسي يشوب النموذج التركي، وهو أن الحدود السورية التركية ستبقى مصدر قلقٍ دائمٍ لأنقرة في المستقبل المنظور. اتّبعت تركيا سياسة الحدود هذه منذ العام 2016 في محاولةٍ لتصحيح أوجه القصور في استراتيجيتها السابقة، التي قامت على دعم الجماعات السياسية الإسلامية في تمرّدها ضدّ نظام الأسد. وحين لم تأتِ هذه المساعي أُكلَها، رأت أنقرة أن حدودها مع سورية أصبحت ضعيفة. ومنذ العام 2016، أتاح نهج تركيا المنقّح لها استعادة زمام المبادرة في المناطق الحدودية مع سورية، إلا أن تثبيت استقرار هذه المناطق ليس في يد تركيا وحدها، ولا في يد أيّ طرف سياسي واحد في سورية. بالتوازي مع ذلك، تظلّ قدرة نظام الأسد على المشاركة في السيطرة على تلك الحدود محدودةً للغاية. وتواجه تركيا أيضًا معضلةً في شمال سورية على صعيد الحكم المحلي. ففي حين أن مستوى معيّنًا من الإدارة والمراقبة المشدّدتَين ضروريٌّ ليتمكّن الأتراك من تحقيق أهدافهم الأمنية، يزيد انخراطُهم المسؤوليات المُلقاة على عاتقهم في ما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية، والأمن، والاستقرار، والحكم في المناطق التي ترزح تحت وطأة انعدام الاستقرار، والتطرّف، والفقر، والعسكرة.
تجدر الإشارة إلى أن المساعي الرامية إلى رأب العلاقات بين أنقرة ودمشق مستمرّة بوساطةٍ روسية وعراقية، نظرًا إلى قلقهما المشترك بشأن التهديد الكردي. وكان مسار التقارب بدأ في العام 2022 بوساطة روسية، إلّا أن الجهود المبذولة آنذاك لم تحقّق نجاحًا يُذكَر. ثم أُعيد إحياء جهود التقارب في صيف العام 2024، من خلال وساطة عراقية وبدعمٍ روسي، وقد أبدى الطرفان حينئذٍ مرونةً أكبر من السابق. فقد أعلن الأسد أنه منفتحٌ على كل تلك المبادرات شرط أن تحترم سيادة سورية،133 فيما صرّح أردوغان قائلًا: “مثلما أبقينا علاقاتنا حيوية للغاية في الماضي، حتى إننا أجرينا محادثات بين عائلاتنا مع السيد الأسد. من غير الممكن بالتأكيد [القول] إن ذلك لن يحدث مجدّدًا في المستقبل، بل يمكن أن يحدث”.134 لقد كان أمن الحدود محور تفكير الرئيس التركي.
لكن جهود الوساطة قد تفشل بسبب عددٍ من القضايا الخلافية التي ينبغي على الطرفَين حلّها. وإذا فشلت هذه الوساطة، فمن المرجّح أن يستمر النموذج الأمني التركي أو حتى أن يتوسّع لحماية المصالح التركية. وفي حال نجحت الدولتان في تحسين العلاقات بينهما، لن يؤدّي ذلك بالضرورة إلى اتفاق، بل سيكون في أحسن الأحوال فاتحةَ مسار صعب ولا يمكن التنبّؤ به لإعادة تشكيل النظام الأمني في شمال سورية. وسيهدف ذلك إلى معالجة مخاوف تركيا ونفي حاجتها إلى فرض نموذجها الأمني الخاص.
النموذج الأميركي
يمكن وصف وجود القوات الأميركية في سورية على أنه امتدادٌ لوجودها في العراق. فمنذ إطاحة نظام صدام حسين في العام 2003، واجه الجيش الأميركي الكثير من التحدّيات الآتية من الحدود السورية، ولا سيما انتقال الجهاديين السلفيين من شرق سورية إلى غرب العراق. وعلى الرغم من خطّة الانسحاب التي بدأتها إدارة الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في العام 2011، بقيت القوات الأميركية متمركزةً على الحدود السورية العراقية، حيث أنشأت إطارًا أمنيًا كان الهدف منه في المقام الأول تأمين الحدود. ومع مرور الوقت، انخرطت الولايات المتحدة بشكل متزايد في ديناميات الصراع السوري بسبب بروز تنظيم الدولة الإسلامية، والشراكة الناتجة عن ذلك مع قوات سورية الديمقراطية بقيادة الأكراد، وتوسّع نفوذ إيران وشبكاتها في سورية.
شكّل إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2013، والذي ربط بين أنشطة الجهاديين السلفيين في غرب العراق وشرق سورية، تهديدًا كبيرًا للأمنَين الإقليمي والدولي من قلب الشرق الأوسط. ردًّا على ذلك، أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا واسعًا لإلحاق الهزيمة بالتنظيم، انضمّت إليه القوات الكردية التي تقاتل تحت لواء قوات سورية الديمقراطية. لكن هذا التحالف ليس دائمًا أو محصّنًا في وجه التحوّلات الجيوسياسية على الإطلاق. صحيحٌ أن تهديد تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال قائمًا، إلا أن الشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية معقّدةٌ نظرًا إلى أن هذه القوات، وإن كانت تنظر إلى المنطقة الواقعة شرق الفرات (والحدود برمّتها) من منظور مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، فهي تراها أيضًا في ضوء الصراع الدائر بين حزب العمّال الكردستاني وتركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي. في الحالتَين، تؤدّي التطوّرات في المنطقة الحدودية إلى تأثيرات إقليمية، ولا تبقى مجرّد قضايا سورية محلية.
أما الولايات المتحدة فترى أن تأمين حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية مع العراق له تأثيرات واضحة على هذا الأخير. بينما تبقى الأولوية العسكرية للقوات الأميركية منع تنظيم الدولة الإسلامية من الصعود مجدّدًا، وهي عملية قد تستغرق عقدًا آخر من الزمن، طرأت حساباتٌ أخرى منذ إلحاق الهزيمة بدولة الخلافة في العراق في العام 2017، وسورية في العام 2019. فقد برزت خريطة نفوذ جديدة في الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم، حيث رسّخت موسكو وجودها في المنطقة من خلال فلول النظام في مدينة القامشلي، وهي تسعى إلى التأثير على الديناميات المحلية، فيما توسّعت طهران، وربطت مدينتَي القائم في العراق والبوكمال في سورية. في المقابل، سيطرت القوات الأميركية وحليفتها قوات سورية الديمقراطية على المعبر الأساسي الذي يربط شمال شرق سورية بإقليم كردستان العراق، وأنشأت قاعدة عسكرية في التنف. ونتيجةً ذلك، أصبحت الحدود التي تربط سورية بالعراق وتركيا مناطق صراعٍ على النفوذ.
لهذا السبب، إن النموذج الأمني الأميركي، على خلاف نظيرَيه الإيراني والتركي، هو الوحيد الذي دخل في صراع مع النموذجَين الآخرَين. عمومًا، لم تهدّد إيران وتركيا بشكل أساسي نظام أمن أحدهما الآخر، ما عدا في العلاقات التكتيكية والقابلة للإدارة التي شكّلتها الميليشيات المتحالفة مع إيران مع حزب العمّال الكردستاني، بينما نسّقتا في الشأن الأمني ضمن مسار الأستانة بالتعاون مع روسيا. في المقابل، يشكّل الوجود الأميركي تحدّيًا كبيرًا لكلٍّ من إيران وتركيا، حتى لو كانتا تختلفان على طريقة ردّهما إذا حدث الانسحاب الأميركي. فالتحالف الأميركي مع قوات سورية الديمقراطية يقيّد ما تستطيع القوات التركية فعله في شمال سورية وشمال شرقها، في حين أن الوجود الأميركي على طول الحدود العراقية يمثّل تحدّيًا استراتيجيًا محتملًا لجهود إيران الرامية إلى ضمان حرية تحرّك قواتها وحلفائها بين العراق وسورية.
وقد اعتمدت الولايات المتحدة في تعزيز نموذجها الأمني على طول الحدود السورية العراقية على الشركاء المحليين بالدرجة الأولى. فالجماعات الكردية تُعَدّ حليفًا مثاليًا في الحرب ضدّ الإرهاب، إذ كانت أولى ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية، وباتت شريكًا موثوقًا بفضل انضباطها العسكري وقدرتها على ضبط السلاح ضمن إطار موحّد. يُضاف إلى ذلك أن الوجود الأميركي القوي في كردستان العراق، حتى لو أنه محدودٌ أكثر اليوم، ساعد في تعزيز الانتشار الأميركي مع ما يضمّه من قنصلية كبيرة وقوة عسكرية.135
لكن السؤال الرئيس الذي يثيره التنافس بين نُظم الأمن الأميركية والتركية والإيرانية يتمحور حول التأثيرات الناجمة عن التوصّل إلى حلٍّ نهائي للصراع في سورية. وكما هي حال الواقع الديموغرافي في البلاد، والتحوّلات الكبرى التي طرأت على التجارة والتبادلات عبر الحدود، تعبّر حالة التشظّي الأمني عن غياب الإطار الوطني في سورية، ما يعقّد بشكلٍ كبير آفاق التفاهم السوري-السوري الذي يجب أن يندرج في صُلب أيّ عملية تسعى إلى إنهاء الصراع في سورية.
المناطق الحدودية ونهاية الصراع السوري
بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على الصراع في سورية، والذي يمكن وصفه اليوم على نحو أدقّ بأنه أزمةٌ متعدّدة الأوجه تنطوي على تشابكات إقليمية، لا يُلام مَن يعتقد أن المشاكل التي تعتري البلاد عصيّةٌ على الحلّ. ونظرًا إلى أن العنف لا يزال متواصلًا في المناطق الحدودية السورية على وجه الخصوص، حيث تتمتّع الأطراف الإقليمية والدولية بقدرٍ كبيرٍ من النفوذ، لا بدّ من أن يتضمّن أيّ حلّ عنصرًا يعالج هذا الواقع، وبُعدًا محليًا يستند إلى خطواتٍ تساعد في إحياء إطار وطني لسورية، بعد أن زال هذا الإطار إلى حدٍّ كبير خلال السنوات التي شهدت تفكّك البلاد.
لكن المفارقة هي أن الحدود السورية بقيت على حالها، ذلك أن النزاع على سورية، وانعدام الاستقرار الذي خلّفه، عزّزا على ما يبدو الاعتقاد في أوساط الدول الإقليمية بأن الحدود يجب الحفاظ عليها، خصوصًا للحؤول دون استفادة الخصوم الإقليميين من إعادة رسمها. ناهيك عن ذلك، كانت ديناميات الصراع أساسيةً في إعادة تثبيت هذه الحدود. فعندما حاول تنظيم الدولة الإسلامية محو الحدود بين سورية والعراق، خاض أعداؤه الحرب من أجل استعادتها. وعندما كانت الحكومة التركية تواجه صعوبةً في معالجة مشكلة تدفّق اللاجئين السوريين إلى تركيا، شكّل ترسيخ الحدود وسيلةً للحفاظ على حاجزٍ يمنع انتقال المشكلة شمالًا.
في موازاة ذلك، امتدّت صراعاتٌ إقليمية إلى سورية، وأبرزها نزاع تركيا مع حزب العمّال الكردستاني، ونزاع إيران مع إسرائيل، لذا ازدادت صعوبة حلّ الأزمة السورية. فالمواجهة بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني امتدّت إلى المناطق الحدودية الشمالية والشمالية الشرقية لسورية، إضافةً إلى أجزاء من جنوب تركيا وشمال العراق. تشكّل هذه المناطق كلّها ما يُعرَف بمنطقة الجزيرة السورية الممتدّة من جبال سنجار في غرب العراق، إلى نهر الفرات في شمال شرق سورية. وقد استمرّت حدّة الصراع في التصاعد تاركةً المجال مفتوحًا أمام تنفيذ الجيش التركي مزيدًا من العمليات العسكرية في المناطق الحدودية السورية. فمن المنظور التركي، يبقى التهديد الذي يشكّله حزب العمّال الكردستاني قائمًا، لذا تُعدّ الحلول التي طرحتها أنقرة عسكرية وأمنية بصورة أساسية. ومنذ انهيار المفاوضات السرّية بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني، التي بدأت في العام 2009 وانتهت في العام 2015، أصبحت الأوضاع المحلية أشدّ تعقيدًا وعرضةً للانفجار على نحو مفاجئ.
يُشار إلى أن أيّ اتّجاهات تفاقم الانقسامات الكردية العربية تضع قوات سورية الديمقراطية، ورعاتها الخارجيين في المناطق الحدودية، ولا سيما الولايات المتحدة، في موقفٍ أصعب. وقد تجلّى ذلك بوضوحٍ في آب/أغسطس-أيلول/سبتمبر 2023، عندما تصاعدت ثورة العشائر العربية ضدّ قوات سورية الديمقراطية بالقرب من دير الزور، وحشدت السكان المحليين.136 ما كان من هذا الوضع إلا أن دفع فلول تنظيم الدولة الإسلامية إلى استئناف أنشطتها، الأمر الذي حثّ القوات الأميركية على التدخّل وتهدئة الأوضاع.137 أظهرت هذه الحالة كيف يمكن للتطوّرات المحلية أن تخلّف تداعياتٍ كبيرة على القوى الخارجية، ما يسلّط الضوء على مدى تقلّب الوضع في المناطق الحدودية السورية، ويؤكّد كيف أن غياب سيادة الدولة يؤدّي إلى انعدام استقرارٍ وصراعٍ لا نهاية له.
أمّا الصراع الإيراني الإسرائيلي فأشدّ خطورةً حتى، إذ إن تداعياته المحتملة قد لا تطال مستقبل سورية فحسب، بل مستقبل المنطقة برمّتها أيضًا. تشكّل المنطقة الممتدّة من حدود سورية مع العراق في أقصى الشرق، إلى حدودها الجنوبية والجنوبية الغربية والغربية مع إسرائيل، والأردن، ولبنان، منطقة عمليات للحرس الثوري الإيراني. وفي حين يدور الصراع بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني على الحافة الشمالية لبلاد الشام، يقع الصراع الإسرائيلي الإيراني في مركز سورية الاستراتيجي، ضمن ما أسماه الأسد “سورية المفيدة”. إن الحوار في هذا الصراع لمستحيلٌ، لأن إيران وإسرائيل منخرطتان في صراع على النفوذ الإقليمي تُفاقِمُه الخلافات الإيديولوجية العميقة.
لقد دعمت إيران نظام الأسد لما يزيد عن عقدٍ من الزمن، وبذلت جهودًا كبيرةً للحؤول دون سقوطه، وفي المقابل تمكّنت من الاستمرار في مساندة حزب الله اللبناني. ولكن المشروع الإيراني يرمي إلى أبعد من ذلك. فطوال فترة الصراع السوري، أنشأ قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، شبكة ميليشيات عابرة للحدود انخرطت في القتال ضدّ المعارضة المسلحة السورية وتنظيم الدول الإسلامية. وانتشرت هذه الميليشيات في مختلف أرجاء العراق وسورية، وهي ترتبط في ما بينها ضمن شبكةٍ تشمل شرق سورية، وحلب، وأطراف دمشق، والحدود الجنوبية السورية، تحت إشراف قادة الحرس الثوري الإيراني. نظرًا إلى نفوذ إيران ووجودها في مناطق محدّدة من سورية، ولا سيما في الجنوب، باتت المواجهة مع إسرائيل أمرًا لا مفرّ منه.
وبسبب الروابط القائمة بين الأطراف المحلية والدول الإقليمية في المناطق الحدودية السورية، زالَ بشكلٍ شبه كامل أي إطار وطني السوري للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وحلّت محلّه هذه التحالفات المحلية-الإقليمية. وبالتالي، أصبحت إعادة بناء دولةٍ وطنيةٍ سوريةٍ حديثةٍ أمرًا غير واقعي اليوم بكل بساطة، ناهيك عن أن تخبّط المناطق الحدودية السورية في شرك الصراعات الإقليمية يعقّد أيّ حلٍّ للأزمة السورية.
يُذكَر أن نهجَين رئيسَين اعتُمِدا لتسوية هذه الأزمة أو إدارتها. النهج الأول مركزيٌّ يشمل الشروع في عملية انتقال سياسي تتمحور حول إعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي في سورية من المركز في دمشق. ويرمي هذا النهج، الذي تَجسَّد في مفاوضات جنيف التي انطلقت في صيف العام 2012، إلى صياغة دستور جديد لسورية.138 وكان قرار مجلس الأمن رقم 2254 أساسيًا في هذا المسعى، مع أنه صيغ ضمن مناخٍ سياسي مختلف إلى حدٍّ كبير عن المناخ السائد في البلاد اليوم. فالتدخّل العسكري الروسي في خريف العام 2015 قَلَب ميزان القوى على الأرض، فمالت دفّته لصالح نظام الأسد وحلفائه الإقليميين، مثل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. هذا التحوّل أفسح المجال أمام اعتماد القرار 2254 في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، لوقف الأعمال العدائية والتوصّل إلى تسوية سياسية في سورية.
أما النهج الثاني فهو أضيق نطاقًا، ويركّز على عقد اتفاقاتٍ محلية في مناطق جغرافية محدّدة، أو حتى عقد اتفاقات أوسع أحيانًا بشأن تلك المناطق، استنادًا إلى اعتبارات أمنية بصورة رئيسة. وقد تَجَسَّد هذا النهج في مسار الأستانة، الذي انطلق في أوائل العام 2017 وضمّ تركيا وروسيا وإيران.139 تكيّف هذا المسار مع حقيقة أن الحرب في سورية تدور على جبهات متعدّدة، وتنطوي على مصالح إقليمية متضاربة، ولذا سعى إلى إرساء الاستقرار على خطوط المواجهة بين قوات المعارضة والجيش السوري وحلفائه. لكن اليوم وبعد مرور سبع سنوات، يتّضح أن النتائج كانت كارثيةً للسوريين، وحالت دون بذل جهود دولية لحلّ الأزمة. فقد أدّت الاتفاقات المحلية التي جرى التوصّل إليها بين نظام الأسد وفصائل المعارضة المسلحة إلى نزوح السكان من وسط سورية وجنوبها إلى المناطق الحدودية مع تركيا. كذلك آلت هذه العملية إلى تشكُّل حدود داخلية، وتقسيم سورية، وتقويض أُسس الاتفاقات الهادفة إلى حلّ أزمة البلاد من خلال إعادة إحياء دور المركز، وأبرزها مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة.
لكن النهجَين المركزي والجغرافي قد استُنفِدا، والمناخ السياسي الدولي تبدّل منذ اعتمادهما. فقد كانت روسيا لاعبًا أساسيًا في كلا النهجَين، إلا أن اهتمامها منصبٌّ اليوم على مكان آخر، حتى وإن لم يكن لديها أيّ نيّة للخروج من سورية. من شأن النزاعات الإقليمية الآخذة في التفاقم سريعًا أن تُغرق الشرق الأوسط برمّته في حربٍ مفتوحة، في ظلّ تشكُّل سياسات المنطقة طبقًا للأولويات الأمنية. في ضوء هذه الحقائق، التي تفاقمها الانقسامات على المستوى الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا، يبدو أيّ حديث عن إنهاء الأزمة السورية بعيدَ المنال في أفضل الأحوال. وبما أن وضع خطّة سلام قد يكون خطوةً بعيدةً جدًّا في الوقت الراهن، من المنطقي أكثر النظر إلى الشروط المسبقة اللازم توافرها في أيّ اتفاق نهائي، على أن يكون الهدف الرئيس في هذه المرحلة اتّخاذ الإجراءات التي من شأنها تخفيف حالة الانهيار التي تشهدها سورية.
لن يكون حلّ الأزمة السورية ممكنًا ما لم يجرِ التوصّل إلى شكلٍ من أشكال التفاهم بين القوى الإقليمية والدولية الرئيسة التي تتمتّع بنفوذٍ في سورية، ولا سيما في المناطق الحدودية. ولكن ما من مؤشّرات اليوم على أن هذه القوى تفضّل حلًّا محدّدًا بدلًا من الوضع الراهن الذي يتيح لها تحقيق مصالحها على نحو مستقلّ. وهذا النهج هو الذي أوصل الوضعَ في سورية إلى طريقٍ مسدود. فبغضّ النظر عن الأهداف التي حدّدتها كل دولة من هذه الدول، سواء كان حزام الأمن الديموغرافي الذي تسعى تركيا إلى إقامته في نزاعها مع حزب العمّال الكردستاني، أم نفوذ إيران الاستراتيجي خارج حدودها في معركتها مع إسرائيل، اصطدمت هذه البلدان كلّها في الغالب بحائطٍ مسدود، ولم تحقّق سوى إنجازات قليلة في السنوات القليلة الماضية.
بتعبيرٍ آخر، تجد هذه القوى الإقليمية والدولية نفسها، إلى جانب حلفائها المحليين، في حالة توازن دقيق يَحول دون تحقيق أيّ طرف من الأطراف تقدّمًا ملحوظًا من دون الإخلال بتوازن القوى، الأمر الذي قد يسمح لأطراف أخرى بتوسيع نفوذها. من الناحية النظرية، يمكن أن يتغيّر هذا الوضع إذا ما أقدم أيٌّ من القوى الرئيسة على تغيير سياساته بشكل كبير، ولكن حاليًا ما من مؤشّرات قوية تدلّ على أن هذا الأمر سيحدث. أما إذا حصل، فسيؤدّي بلا شكّ إلى فراغٍ في السلطة في سورية، ما قد يسفر عن نشوب سلسلةٍ من النزاعات إلى حين إرساء وضعٍ راهنٍ جديد.
وإذا ما افترضنا أن القوى الخارجية في سورية اختارت إدامة الوضع الراهن، فقد تكون النتيجة مفاقمة حالة انعدام الاستقرار نفسها التي تسعى هذه الجهات إلى تجنّبها، وهنا تكمن المفارقة. فاحتواء الصراعات أو إدارتها ضمن مناطق سورية لا يحلّها فعليًا، بل قد يتسبّب بانفجار الوضع داخليًا. فالمناطق التي تُعَدّ مستقرّةً حتى الآن، على غرار إدلب والأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، ليست محصّنةً ضدّ الاضطرابات الداخلية. فالغضب المحلي المتنامي إزاء هيئة تحرير الشام أسفر عن زعزعة الاستقرار في إدلب، فيما تشكّل الانقسامات الكردية العربية في دير الزور أيضًا مثالًا على التوتّرات المتأصّلة، ناهيك عن الاستياء الشعبي من سياسات النظام في السويداء. صحيحٌ أن نظام الأسد لا يُظهِر بوادر انهيارٍ وشيك، إلا أن تراجع قدراته في مجالات الحكم والأمن والدبلوماسية، وغياب الإرادة السياسية لإحداث تغييرٍ في سورية، يُبقيان احتمال الانهيار قائمًا.
واقع الحال أن السبيل للخروج من الوضع الراهن لا يتمثّل في إعادة سورية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، بل في إحياء إطارٍ سوري-سوري للتوصّل إلى حلّ، يشمل التفكير في شكل الدولة المستقبلية، والحكم، ودور المؤسسات، والآليات الحكومية. بتعبيرٍ آخر، لا بدّ من أن يتوخّى هذا الإطار التوصّل إلى اتفاق سوري داخلي بشأن هذه المسائل. وما الذي قد يحفّز القوى الخارجية على تأييد مثل هذا الحوار؟ إقرارُها بأن ما من طرفٍ خارجي قادرٍ وحده على تحقيق النصر في سورية، في حين أن جميع الأطراف ستستفيد من عودة الاستقرار النسبي.
خاتمة
سيكون المسار الذي ينتظر سورية على الأرجح استمرار الوضع الراهن، وبالتالي غياب أيّ حلّ. ويصحّ ذلك أكثر نظرًا إلى غياب الإطار الوطني اللازم لمعالجة مشاكل البلاد، بالتزامن مع غياب أيّ توافق بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في سورية، التي ركّزت على احتواء مشاكل البلاد سعيًا إلى تحقيق أولوياتها السياسية الخاصة على حساب سيادة سورية. ولكن إذا ما ظلّت هذه القوى ملتزمةً بالحفاظ على التوازن الهشّ عن طريق استراتيجية احتواءٍ غير مستقرّة بطبيعتها، فلن يمرّ وقتٌ طويلٌ حتى تفرض الانهيارات الداخلية في سورية تبدّلًا في سلوك هذه الجهات من خلال تغيير الظروف داخل مناطق نفوذها. ومن الممكن أن يدفع ذلك هذه القوى في نهاية المطاف إلى القبول بإطارٍ سوري جامع يتيح للسوريين أنفسهم تولّي زمام المسار الساعي إلى تحقيق سلامٍ دائم. لكن إذا لم يحدث ذلك، فقد تكون المنطقة على شفا تصعيدٍ في وتائر العنف لا هوادة فيه، يتسبّب بزعزعة استقرارها إلى أَجَل غير مسمّى، حتى تُرغَم الأطراف كافّة على رؤية فوائد ومزايا التوصّل إلى حلّ دائم.
تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK International Development التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.
هوامش
1″الصليب الأحمر: القتال بسوريا حرب أهلية”، الجزيرة، 15 تموز/يوليو 2012،
https://www.aljazeera.net/news/2012/7/15/الصليب-الأحمر-القتال-بسوريا-حرب-أهلية
2“Local Administration Structures in Opposition-held Areas in Syria,” Center for Humanitarian Dialogue, March 15, 2014, https://um.dk/en/-/media/websites/umen/danida/partnerships/research/local-administration-structures-syria.ashx.
3Zachary Laub, “Who’s Who in Syria’s Civil War,” Council on Foreign Relations, April 28, 2017, https://www.cfr.org/backgrounder/whos-who-syrias-civil-war.
4″أكراد سورية: صراع داخل الصراع”، مجموعة الأزمات الدولية، تقرير الشرق الأوسط رقم 136، 22 كانون الثاني/يناير 2013،
5Wladimir van Wilgenburg, “New Administration Name Adopted for Local Administration in Northeast Syria,” Kurdistan24, December 13, 2023, https://www.kurdistan24.net/en/story/33441-New-administration-name-adopted-for-local-administration-in-northeast-Syria.
6“Syria’s SDF: U.S.-backed anti-IS alliance,” France 24, January 25, 2019, https://www.france24.com/en/20190125-syrias-sdf-us-backed-anti-alliance.
7Güneş Murat Tezcür and Jalal Talabani, “Foreign Fighters From Türkiye,” Workshop memo presented at Contemporary Turkish Politics Workshop, October 14, 2016, https://pomeps.org/foreign-fighters-from-Türkiye;
انظر أيضًا:
Ayla Albayrak and Joe Parkinson, “Türkiye Struggles to Halt Islamic State ‘Jihadist Highway,’” Wall Street Journal, September 4, 2014, https://www.wsj.com/articles/Türkiye-struggles-to-halt-islamic-state-jihadist-highway-1409777884.
8Güneş Murat Tezcür and Jalal Talabani, “Foreign Fighters From Türkiye”;
انظر أيضًا:
Ayla Albayrak and Joe Parkinson, “Türkiye Struggles to Halt Islamic State ‘Jihadist Highway.’”
9″خيار حزب العمّال الكردستاني المنذر بالسوء في شمال سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، 4 أيار/مايو 2017،
10Walid al-Nofal, “12 Years On, ‘Revolution’ Service Institutions Under Turkish Authority,” Syria Direct, March 18, 2023, https://syriadirect.org/12-years-on-revolution-service-institutions-under-turkish-authority;
انظر أيضًا:
Elizabeth Tsurkov, “Hay’at Tahrir al-Sham (Syria)” in “Guns and Governance: How Europe Should Talk to Non-State Armed Groups in the Middle East,” European Council on Foreign Relations, 2021, https://ecfr.eu/special/mena-armed-groups/hayat-tahrir-al-sham-syria.
11″مقاربة جديدة في جنوب سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، 2 أيلول/سبتمبر 2015، قسم ii، ص. 10،
https://www.crisisgroup.org/sites/default/files/163-new-approach-in-southern-syria-arabic.pdf
12″مقاربة جديدة في جنوب سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، ص. 3 و9؛ للاطّلاع على المزيد من التفاصيل حول الجبهة الجنوبية، انظر:
“The Southern Front,” Mapping Military Organizations, Stanford University, September 29, 2017, https://web.stanford.edu/group/mappingmilitants/cgi-bin/groups/view/645.
13John Wallcot, “Trump Ends CIA Arms Support for Anti-Assad Syria Rebels—U.S. Officials,” Reuters, July 20, 2017, https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-usa-syria-idUSKBN1A42KC.
14Wesley Dockery, “Israel, Russia Reach Syria Border Agreement,” Deutsche Welle, May 29, 2018, https://www.dw.com/en/israel-russia-team-up-to-keep-iran-out-of-syria-border-region/a-43979590.
15Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.
16Murhaf al-Sha’er, “Protests in Syria’s Suwayda to Continue Until Overthrowing “Regime,”” North Press Agency, February 26, 2024, https://npasyria.com/en/111563.
17أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 30 نيسان/أبريل 2024،
18Michelle Nichols, “Weapons Being Smuggled Between Lebanon, Syria: U.N.,” Reuters, May 9, 2012, https://www.reuters.com/article/idUSBRE8471EV.
19Isabel Nassief, “The Campaign for Homs and Aleppo: The Assad Regime’s Strategy in 2013,” Institute for the Study of War, January 2014, 12, https://www.understandingwar.org/sites/default/files/Nassief-BattleforHomsAleppo-web.pdf.
20Isabel Nassief, “The Campaign for Homs and Aleppo.”
21Elizabeth O’Bagy, “The Fall of Qusayr,” Institute for the Study of War, June 6, 2013, https://www.understandingwar.org/sites/default/files/SyriaQusayrUpdate.pdf; Patrick Cockburn, “Tal Kalakh: Syria’s Rebel Town that Forged its Own Peace Deal,” Independent, June 26, 2013, https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/tal-kalakh-syria-s-rebel-town-that-forged-its-own-peace-deal-8673695.html;
وأيضًا:
Mohammad Abdulssattar Ibrahim and Tariq Adely, “Last Rebel Faction Leaves Mountains on Syrian-Lebanese Border Alongside Displaced,” Syria Direct, August 14, 2017, https://syriadirect.org/last-rebel-faction-leaves-mountains-on-syrian-lebanese-border-alongside-displaced.
22″وقف إطلاق النار في جرود عرسال اللبنانية”، الجزيرة، 27 تموز/يوليو 2017،
https://www.aljazeera.net/news/2017/7/27/وقف-إطلاق-النار-في-جرود-عرسال
23“Assad Retakes Heart of Aleppo, Rebels Seize Town Near Iraq,” Arab News, August 17, 2012, https://www.arabnews.com/middle-east/assad-retakes-heart-aleppo-rebels-seize-town-near-iraq.
24Wladimir van Wilgenburg, “Syrian Kurdish Militia Takes Over Oil Fields,” Al-Monitor, March 7, 2013, https://www.al-monitor.com/originals/2013/03/power-vacuum-oil-fields-syria-kurdish-militia-pyd.html;
انظر أيضًا:
Erika Solomon, “Islamist Rebels Capture Syria’s Largest Oilfield: Activists,” Reuters, November 23, 2013, https://www.reuters.com/article/us-syria-crisis-oil-idUSBRE9AM03K20131123.
25“Islamic State Expels Rivals from Syria’s Deir al-Zor,” Reuters, July 14, 2014, https://www.reuters.com/article/idUSKBN0FJ1HZ;
انظر أيضًا: “تنظيم الدولة يعلن ‘الخلافة’ ويبايع البغدادي”، الجزيرة، 30 حزيران/يونيو 2014،
https://www.aljazeera.net/news/2014/6/30/تنظيم-الدولة-يعلن-دولة-الخلافة-ويبايع
26Linda Givetash, “ISIS Defeated Say U.S.-backed Forces, Declaring Total Victory in Syria,” NBC News, March 23, 2019, https://www.nbcnews.com/news/world/u-s-backed-forces-declare-victory-over-isis-syria-n972401;
انظر أيضًا:
Sarah Dadouch and Asser Khattab, “Syria and Iraq Open a Key Border Crossing Closed Since 2012,” Washington Post, September 30, 2019, https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/syria-and-iraq-open-a-key-border-crossing-closed-since-2012/2019/09/30/89ae4c16-e382-11e9-a6e8-8759c5c7f608_story.html.
27“Al-Tanf, Syria” a timeline of events created by International Crisis Group, last updated April 13, 2024, https://www.crisisgroup.org/trigger-list/iran-usisrael-trigger-list/flashpoints/al-tanf-syria.
28Inna Rudolph, “From Battlefield to Ballot Box: Contextualising the Rise and Evolution of Iraq’s Popular Mobilisation Units,” International Centre for the Study and Radicalisation and Political Violence, King’s College London, 2017, https://icsr.info/wp-content/uploads/2018/05/From-Battlefield-to-Ballot-Box.pdf;
انظر أيضًا:
Tamer El-Ghobashy and Mustafa Salim, “As Iraq’s Shiite Militias Expand Their Reach, Concerns About an ISIS Revival Grow,” Washington Post, January 9, 2019, https://www.washingtonpost.com/world/as-iraqs-shiite-militias-expand-their-reach-concerns-about-an-isis-revival-grow/2019/01/09/52da575e-eda9-11e8-8b47-bd0975fd6199_story.html.
29Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border: From a National to a Regional Frontier,” Carnegie Endowment for International Peace, March 31, 2020, https://carnegieendowment.org/files/Hasan_Khaddour_Iraq-Syria_Border2.pdf.
30حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية: معادلات النفوذ والنزاع والحوكمة في المناطق الحدودية العراقية السورية”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 8 تموز/يوليو 2021،
31حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
32Jean Marcou, “Turkey’s Military Engagement in Northern Iraq, a Never-Ending Story,” Centre Français de Recherche sur l’Irak, February 11, 2022, https://cfri-irak.com/en/article/turkeys-military-engagement-in-northern-iraq-a-never-ending-story-2022-04-12.
33“Syria Refugee Crisis Explained,” United Nations Higher Commissioner for Refugees, March 13, 2014, https://tinyurl.com/y9v2ak6m.
34مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء من الفرقة الرابعة المدرّعة كان منخرطًا في الحرب السورية منذ اندلاعها، دمشق، تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
35رأى ثلاثة من كبار الضباط السوريين أن التعايش مع هذه الحاضنة مستحيل، نظرًا إلى أنها تسعى إلى القضاء على النظام. مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء سوري، دمشق، نيسان/أبريل 2023؛ ومقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء من الفرقة الرابعة المدرّعة، دمشق، تشرين الثاني/نوفمبر 2023؛ ومقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع عقيد من الفرقة الرابعة المدرّعة، تشرين الثاني/نوفمبر 2023. كذلك اعتبر مسؤول عسكري آخر أن هذه الفئة من السكان “قنابل موقوتة” قد تُعيد إحياء المقاومة في المستقبل. مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء سوري، دمشق، نيسان/أبريل 2023.
36“Out of Sight, Out of Mind: The Aftermath of Syria’s Sieges,” PAX Siege Watch, 2019, 20–21, https://paxforpeace.nl/wp-content/uploads/sites/2/import/import/pax-siege-watch-final-report.pdf.
37“Half a Million Flee Syrian Regime’s Offensive in Idlib,” France 24, February 5, 2020, https://www.france24.com/en/20200205-half-a-million-flee-syrian-regime-idlib-offensive.
38ما زال خط المواجهة في الشمال الغربي متوقفًا في الغالب منذ الهجوم الكبير الأخير الذي شنّته القوات الحكومية وحمل اسم “فجر إدلب 2″؛ انظر: “الحرب في سوريا: اتفاق روسي تركي على وقف إطلاق النار في إدلب”، بي بي سي، 5 آذار/مارس 2020،
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-51730835;
لم تصل المفاوضات التي تمّت بين تركيا وسورية بوساطة سورية والمتمحورة حول الحدود الشمالية السورية، إلى نتائج ملحوظة؛ انظر:
Wladimir van Wilgenburg, “There Is Little Progress in Relations Between Syria and Turkey: Russian FM Lavrov,” Kurdishtan24, October 10, 2023, https://www.kurdistan24.net/en/story/32821-There-is-little-progress-in-relations-between-Syria-and-Turkey:-Russian-FM-Lavrov;
كذلك، شكّك الطرف التركي على نحو متزايد بقدرة النظام السوري على حماية الحدود مع تركيا إذا تولّى السيطرة عليها، انظر: سعيد عبد الرزاق، “تركيا تؤكد استعدادها لاستئناف محادثات التطبيع مع سوريا”، الشرق الأوسط، 29 أيلول/سبتمبر 2023،
39“The Syrian Army Renews Offensive in Homs,” Institute for the Study of War, July 5, 2013, https://www.understandingwar.org/backgrounder/syrian-army-renews-offensive-homs.
40“The Syrian Army Renews Offensive in Homs,” Institute for the Study of War.
41“Rebels in Syria’s Homs Fight for a Shattered Dream,” Jordan Times, March 12, 2014, https://www.jordantimes.com/news/region/rebels-syria%E2%80%99s-homs-fight-shattered-dream;
انظر أيضًا: “القدس العربي تكشف بنود اتفاق هدنة حمص”، القدس العربي، 3 أيار/مايو 2014،
42″القدس العربي تكشف بنود اتفاق هدنة حمص”؛ انظر أيضًا: “النظام يحتفل في ‘حمص المدمرة’ بعد انسحاب الدفعة الأخيرة من الثوار”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 9 أيار/مايو 2014،
43″الحصار كسلاح من أسلحة الحرب: التطويق، التجويع، الاستسلام، الإجلاء”، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية،
44“Syrian Arab Republic: East Ghouta Response to the East Ghouta Crisis in Rural Damascus Situation Report No. 5,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, May 2018, https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/East%20Ghouta%20SitRep_No.5.pdf.
45“Syrian Arab Republic: East Ghouta Response to the East Ghouta Crisis in Rural Damascus Situation Report No. 5,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs.
46″سوريا: اعتقالات ومضايقات في المناطق المستعادة”، هيومن رايتس ووتش، 21 أيار/مايو 2019،
https://www.hrw.org/ar/news/2019/05/21/330231
47United Nations High Commissioner for Refugees, “UNHCR—Syria Factsheet (January–November 2018),” ReliefWeb, December 31, 2018, https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/ unhcr-syria-factsheet-january-november-2018.
48″كل شي بقوة السلاح: الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا”، هيومن رايتس ووتش، شباط/فبراير 2024، ص. 10-26،
https://www.hrw.org/sites/default/files/media_2024/03/syria0224ar%20web.pdf
انظر أيضًا:
“Housing Settlements in Afrin: Demographic Engineering or IDP Housing Projects?,” Syrians for Truth and Justice, June 8, 2022, https://stj-sy.org/wp-content/uploads/2022/06/Housing-Settlements-in-Afrin-1.pdf.
49″كل شي بقوة السلاح”، هيومن رايتس ووتش، ص. 13.
50حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
51حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
52حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
53ورشة عمل مغلقة حول الحدود العراقية والسورية، من تنظيم مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط ومؤسسة كونراد أديناور، بيروت، 11-12 حزيران/يونيو 2019.
54حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
55“Vulnerability Assessment of Syrian Refugees in Lebanon, 2022,” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR), March 2023,
https://www.unhcr.org/lb/wp-content/uploads/sites/16/2024/03/At-a-glance-2024.pdf.
56Operational Data Portal, “Situation Syria Refugee Regional Response,” April 2024,
https://data.unhcr.org/en/situations/syria.
57“Bekaa (Zahle),” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR) – Lebanon,
https://www.unhcr.org/lb/bekaa-zahle;
انظر أيضًا:
“North (Tripoli and Qobayat),” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR) – Lebanon,
58مهى يحيَ وجان قصير وخليل الحريري، “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، نيسان/أبريل 2018،
59محسن المصطفى، “اللاجئون السوريون: العودة الانتقائية”، معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، 22 كانون الأول/ديسمبر 2022،
60مهى يحيَ وجان قصير وخليل الحريري، “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”.
61″حزب الله يطالب الحكومة اللبنانية بالتواصل مع سوريا لمعالجة أزمة النازحين”، سبوتنيك عربي، 16 تموز/يوليو 2023،
62Ewan MacAskill and Carolynne Wheeler, “Protests Force out Lebanese Government,” Guardian, March 1, 2005,
https://www.theguardian.com/world/2005/mar/01/syria.carolynnewheeler.
63 “نصر الله: نستفيد من علاقاتنا بدمشق لإعادة اللاجئين”، الجزيرة، 30 حزيران/يونيو 2018،
https://www.aljazeera.net/news/2018/6/30/نصر-الله-نستفيد-من-علاقاتنا-بدمشق
64ريا شرتوني، “نصر الله يدعو لإعادة ترتيب العلاقة مع سوريا لدعم لبنان اقتصاديًا”، وكالة الأناضول، 5 أيار/مايو 2020،
65ضياء عودة، “حملات ترحيل السوريين من لبنان.. ماذا تقول مفوضية اللاجئين؟”، الحرة، 25 نيسان/أبريل 2023،
66“Impact of the Refugee Crisis in Lebanon: Who Needs the Most Help?,” Habitat for Humanity, https://www.habitatforhumanity.org.uk/blog/2016/10/impact-refugee-crisis-lebanon-who-needs-most-help-part-1.
67″الأمم المتحدة تعود إلى ‘الليرة’ بعد اعتراضات لبنانية على ‘دولرة’ مساعدات اللاجئين”، الشرق الأوسط، 27 أيار/مايو 2023،
68خالد العزي، “أزمة العابرين السوريين إلى لبنان كورقة للضغط والتهديد”، تلفزيون سوريا، 19 شباط/فبراير 2024،
https://www.syria.tv/أزمة-العابرين-السوريين-إلى-لبنان-كورقة-للضغط-والتهديد
69“Rapid Assessment of the Needs of Households and Workers Affected by the Earthquake in Aleppo- Syria 2023,” International Labor Organization, 2023, 2, https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/—arabstates/—ro-beirut/documents/publication/wcms_890127.pdf.
70أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 2 حزيران/يونيو 2021،
https://carnegie-mec.org/2021/06/02/ar-pub-84661
71أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”.
72مقابلة أجراها المؤلّفان مع محمد قلعة، رئيس مجلس محلي سابق ومهندس من سرمدا يدير أعماله الخاصة في سرمدا، 7 آب/أغسطس 2020.
73مقابلة أجراها المؤلّفان مع مهندس ومسؤول سابق في المجلس المحلي من سرمدا (عبر تطبيق Zoom)، سرمدا، 7 آب/أغسطس 2020.
74أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”.
75Timur Kaymaz and Omar Kadkoy, “Syrians in Türkiye—The Economics of Integration,” Al Sharq Forum, September 2016, https://bit.ly/3726FDj, 5.
76Timur Kaymaz and Omar Kadkoy, “Syrians in Türkiye—The Economics of Integration,” 6.
77محمود حمزة، “في معركة هيئة تحرير الشام من أجل فتح معبر مع النظام: ما الدوافع ومن المستفيد؟”، سوريا على طول، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2022،
https://syriadirect.org/في-معركة-هيئة-تحرير-الشام-من-أجل-فتح-معب/?lang=ar
78ثائر المحمد، “شيفرة معقدة وسيف ذو حدين.. معادلة الربح والخسارة لفتح المعابر شمالي سوريا”، تلفزيون سوريا، 24 أيار/مايو 2024،
79مقابلة أجراها المؤلّفان مع عامل بارز في الشؤون الإنسانية (عبر تطبيق Zoom)، هاتاي، تركيا، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
80“Syrian Arab Republic: United Nations Cross Border Operations Under UNSC Resolutions,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, November 30, 2020, https://bit.ly/3jADYSK.
81Samir Aita, “Trade Without Religion Between Turkey and Syria,” Institut Français des Relations Internationales, March 24, 2017, https://www.ifri.org/sites/default/files/atoms/files/aita_trade_without_religion_turkey_syria_2017.pdf.
82“Aleppo Battle: Syrian City ‘Back Under Government Control,’” BBC, December 22, 2016, https://www.bbc.com/news/world-middle-east-38408548.
83“Half a Million Flee Syrian Regime’s Offensive in Idlib,” France 24, February 5, 2020, https://www.france24.com/en/20200205-half-a-million-flee-syrian-regime-idlib-offensive.
84″سورية: الحكم فوق أنقاض حلب”، تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، 9 أيار/مايو 2022،
85″تركيا ترفع تصنيف معبر جرابلس ليكون معبر بري تجاري”، شبكة شام، 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017،
وانظر أيضًا: “‘الراعي’ أوّل معبر مدني تجاري مع تركيا شمال حلب”، عنب بلدي، 23 أيار/مايو 2017،
https://www.enabbaladi.net/archives/151368
86حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
87حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
88Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”
89سلام زيدان، “افتتاح معبر القائم بين العراق وسوريا.. ما الجدوى الاقتصادية له؟”، الجزيرة، 2 تشرين الأول/أكتوبر 2019،
90Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”
91Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”
92Ziad Awad, “Iran in Deir ez-Zor: Strategy, Expansion, and Opportunities,” Robert Schulman Center for Advanced Studies, European University Institute, October 21, 2019, 7–8, https://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/64687/Deir%20ez%20Zor%20paper-NEW%20VER-2110-4.pdf?sequence=1&isAllowed=y.
93حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
94حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
95حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
96حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
97حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
98حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
99″سورية: الحكم فوق أنقاض حلب”، مجموعة الأزمات الدولية، 9 أيار/مايو 2022،
100أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.
101Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.
102″مقتل قيادات لحزب الله بغارة إسرائيلية على الجولان”، الجزيرة، 18 كانون الثاني/يناير 2015،
https://www.aljazeera.net/news/2015/1/18/مقتل-قيادات-لحزب-الله-بغارة-إسرائيلية;
انظر أيضًا:
Amos Harel, et al., “Israel Launches Most Extensive Strike in Syria in Decades After Iranian Rocket Barrage,” Haaretz, May 11, 2018, https://www.haaretz.com/israel-news/2018-05-11/ty-article/israel-launches-extensive-syria-strike-after-iranian-rocket-barrage/0000017f-e37c-d568-ad7f-f37fb7b70000.
103أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.
104Wesley Dockery, “Israel, Russia Reach Syria Border Agreement.”
105Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.
106″‘لبيك يا سلمان’ ميليشيا درزية موالية للنظام من تأسيس إيران”، نورت، 24 آذار/مارس 2015،
ومقابلة أجراها المؤلّفان مع ناشط وكاتب سوري من السويداء، كان مقيمًا في المحافظة حين حاولت إيران تأسيس ميليشيا (عبر واتساب)، 5 كانون الثاني/يناير 2024.
107أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.
108أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.
109مقابلة أجراها المؤلّفان مع محامٍ من مغر المير، القنيطرة (عبر واتساب)، شباط/فبراير 2024.
110“U.S. Warns Syria After Suspected Missile Transfer to Hezbollah,” France24, April 22, 2010, https://www.france24.com/en/20100422-us-warns-syria-after-suspected-missile-transfer-hezbollah.
111″لا مستقبل لإيران في سوريا”، القدس العربي، 11 كانون الثاني/يناير 2019، تمّت زيارة الصفحة في 28 أيار/مايو 2024،
112فريق التحرير، “تجارة الظل: الرابحون والخاسرون والديناميكيات الثابتة لعمليات التهريب”، بديل، 8 آذار/مارس 2023، تمّت زيارة الصفحة في 28 نيسان/أبريل 2024،
https://thebadil.com/ar/investigations-ar/shadow-trade-smuggling
113Nicholas Blanford, “Lebanon Erects a String of Watchtowers on Syrian Border,” Christian Science Monitor, March 1, 2013, https://www.csmonitor.com/World/Middle-East/2013/0301/Lebanon-erects-string-of-watchtowers-on-Syrian-border.
114″الجيش اللبناني يمنع دخول 900 سوري بطريقة غير شرعية في كانون الثاني”، تلفزيون سوريا، 1 شباط/فبراير 2024،
115كارولين عاكوم، “اعتراض سوريا على أبراج المراقبة يطرح تساؤلات لبنانية”، الشرق الأوسط، 24 شباط/فبراير 2024،
116″أبراج المراقبة البريطانية على الحدود: ضبط التهريب أم مراكز للتجسس؟”، الخنادق، 22 آذار/مارس 2021،
https://alkhanadeq.org.lb/post/75/أبراج-المراقبة-البريطانية-على-الحدود-ضبط-التهريب-أم-مراكز-للتجسس
117Emil Avdaliani, “Iran and the New Land Corridor,” Begin-Sadat Center for Strategic Studies, no. 690 (December 19, 2017).
118الشرق الأوسط، “انتشار شرطة روسية في مدينة القصير يثير أزمة مع حزب الله”، الشرق الأوسط، 6 حزيران/يونيو 2018،
https://aawsat.com/home/article/1292536/انتشار-شرطة-روسية-في-مدينة-القصير-يثير-أزمة-مع-«حزب-الله»
119″الأمن العسكري يعزز تواجده بمحيط مقرات حزب الله اللبناني جنوب القصير”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2023،
https://www.syriahr.com/الأمن-العسكري-يعزز-تواجده-بمحيط-مقرات/691852
120″لبنان يعلن انتهاء عمليات فجر الجرود.. وعون: الجيش هو الوحيد الذي طرد داعش”، سي إن إن بالعربية، 30 آب/أغسطس 2017،
https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/08/30/michel-auon-fajr-aljaroud-operations-victory-isis
121Raed Omari, “Jordan Foils Arms Smuggling Plot by ‘State-Sponsored Militia’ in March—Official Source,” Jordan Times, May 16, 2024, https://jordantimes.com/news/local/jordan-foils-arms-smuggling-plot-state-sponsored-militia-march-%E2%80%94-official-source.
122تستند هذه الإحصاءات إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، والتي من الممكن الاطّلاع عليها عبر الرابط التالي:
https://dataunodc.un.org/dp-prisons-persons-held
123هشام الغنام، “كسر قبضة الكبتاغون: كيف تستخدم سورية هذا المخدّر لغرض الضغط السياسي”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 7 آب/أغسطس 2024،
124Raed Omari, “Jordan Foils Arms Smuggling Plot by ‘State-Sponsored Militia’ in March—Official Source.”
انظر أيضًا:
Clara Hage, “Arms Trafficking Accelerates, Fueling Jordan-Syria border tension,” L’Orient Today, January 15, 2024, https://today.lorientlejour.com/article/1364430/arms-trafficking-accelerates-fueling-jordan-syria-border-tension.html.
125Suleiman al-Khalidi, “Syrian and Jordanian Army and Intelligence Chiefs Meet Over Drug War Along Border,” Reuters, July 24, 2023, https://www.reuters.com/world/middle-east/syrian-jordanian-army-intelligence-chiefs-meet-over-drug-war-along-border-2023-07-23.
126Suleiman al-Khalidi, “Jordan Says Iran-Linked Groups in Syria Wage Drug War Along Border,” Reuters, May 23, 2022, https://www.reuters.com/world/middle-east/jordan-says-iran-linked-groups-syria-wage-drug-war-along-border-2022-05-23.
127Daoud Kuttab, “Jordan Takes Its War on Drugs to Syria,” Al-Majalla, January 2, 2024, https://en.majalla.com/node/307411/politics/jordan-takes-its-war-drugs-syria.
128Khaled Yacoub Oweis, “U.S. Conducts Exercises With Jordan Amid Concern Over Syrian Border Security,” The National, September 4, 2022, https://www.thenationalnews.com/mena/2022/09/04/us-conducts-exercises-with-jordan-amid-concern-over-syrian-border-security.
129 “أكراد سورية: صراع داخل الصراع”، مجموعة الأزمات الدولية، تقرير الشرق الأوسط رقم 136، 22 كانون الثاني/يناير 2013، ص. 3،
130Ibrahim Hamidi, “Syria ‘Safe Zone’: 3 Options for Turkey,” Asharq al-Awsat English, June 4, 2022, https://english.aawsat.com/home/article/3683551/syria-safe-zone-3-options-turkey.
131″الوقف التركي يدعم الفصائل التركمانية في الشمال السوري”، موقع نورث بالس، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021،
132“The State of the Syrian National Army,” The Carter Center, March 2022, https://www.cartercenter.org/resources/pdfs/peace/conflict_resolution/syria-conflict/2022/state-of-the-syrian-national-army-march-2022.pdf.
133″الرئيس الأسد للافرنتييف: سورية منفتحة على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية”، الوكالة العربية السورية للأنباء، 26 حزيران/يونيو 2024،
134“Turkey’s Erdogan Does Not Rule Out Meeting Syria’s Assad to Restore Ties,” Reuters, June 28, 2024, https://www.reuters.com/world/middle-east/turkeys-erdogan-does-not-rule-out-meeting-syrias-assad-restore-ties-2024-06-28.
135Winthrop Rodgers, “The Vision Behind the U.S. Consulate in Erbil Is Dissolving,” New Lines Magazine, February 15, 2024, https://newlinesmag.com/reportage/the-vision-behind-the-us-consulate-in-erbil-is-dissolving.
136Paul McLoughlin, “Syria Insight: Deir az-Zour Tribal Uprising Sparks New War,” New Arab, September 27, 2023, https://www.newarab.com/analysis/syria-insight-what-sparked-deir-az-zour-uprising.
137Suleiman al-Khalidi, “U.S. Officials Visit Syria’s Deir al Zor in Bid to Defuse Arab Tribal Unrest,” Reuters, September 3, 2023, https://www.reuters.com/world/middle-east/us-officials-visit-syrias-deir-al-zor-bid-defuse-arab-tribal-unrest-2023-09-03.
138Magali Michiels and Zafer Kizilkaya, “Mediation in Syria: A Comparative Analysis of the Astana and the Geneva Processes,” Syria Studies Journal 14, no. 1, 2022: 15–28, https://ojs.st-andrews.ac.uk/index.php/syria/article/view/2486.
139Magali Michiels and Zafer Kizilkaya, “Mediation in Syria.”
المؤلفون
أرميناك توكماجيان
باحث غير مقيم، مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
خضر خضّور
باحث غير مقيم, مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط