
حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
——————————
سوريا بين السلطة والمجتمع.. واجبات متقابلة/ جمال الشوفي
2025.04.11
تمتلئ الساحة السورية بالتحليلات غير المنتهية، وكل سوري يقدم تحليله السياسي غير مكتفٍ برأيه النسبي وحسب بل بقطعيته المستقبلية! ويتجاوزها لكافة شؤون الحياة..
ولما لا؟ فالسوريون جوعى للتعبير والقول وهذا طبيعي ومؤشره محوري في حرية التعبير دون خوف، لكن أن تتحول سوريا لساحات تشتت وآراء متضاربة متعددة الأقطاب، سياسياً وفكرياً، متنافرة ومتناقضة مثنوياً لدرجة أنه ما يُتفق عليه اليوم يُختلف عليه غداً وهكذا. فهذا لا يبشر بالخير والطمأنينة، خاصة أن الساحة السورية تجتاحها شتى أنواع التناقضات والفوضى والخوف وضعف ترسيخ شروط الاستقرار والأمن والأمان. فإن كان خلاف الأفكار طبيعي بحكم الوجود البشري، لكن أن يصبح مجالاً واسعاً للتحريض والتجييش والبحث عن اقتطاع جزء من الموقعة السورية غير المنضبطة والمستقرة لليوم، ما يتطلب التركيز حول محاورها الأساسية وتحليلها والبحث في حلولها الممكنة. وهذه ليست سحرية أو نظرية بقدر أنها مشروطة بما يمكن أن تقوم به السلطة وما يقابلها مجتمعياً وتفاعلياً.
يقول جون آدامز، رئيس الولايات المتحدة الثاني: “الحقائق مخلوقات عنيدة، ومهما كانت رغباتنا أو ميولنا أو ما تمليه عواطفنا، إلا أنها لا تستطيع تغييرها”، وبالضرورة الخروج من مثنويات مع/ضد والوقوف على الحقائق الواقعية أمر لازم ومقدمة لأي عمل نفترضه يستهدف بنيان الدولة واستقرارها، إذ تشير معطياتنا الواقعية لفوضى حالنا السوري للتشتت حول محاور عدة أساسية:
– معاملات ضعف الاستقرار السوري الأولية والتي تتناول الوضع المعاشي والإعلان الدستوري والحكومة الانتقالية، وهذه تتباين الآراء والتوجهات فيها بين رفضها كلية وما يقابلها من قبولها الكلي، فيما كل من ينقدها جزئياً وتفصيلياً وبشكل مؤسساتي يصنف بالموالاة للسلطة، أو بالمواربين بالمقابل!
– ثقافة نموذج السلطة الحالية، فجهة تراها سلطة جهادية اغتصبت السلطة وأتت بقرار خارجي، يقابلها أنها التي ضحت بالثمين والنفيس لوصولها لدمشق، بينما كل من يرى أنها سلطة انتقالية تمكنت بتنظيم قدراتها العسكرية والإدارية، وتتبعت بدقة التبدلات الإقليمية والدولية حول سوريا وتمكنت من الوصول لدمشق، فيصنف أصحابها إما أنها موالاة للتطرف أو تقليل من عظمة النصر المتحقق بالمقابل!
– اشتداد التحريض الطائفي خاصة بعد أحداث الساحل السوري الكارثية والحوادث المتفرقة بين الحين والآخر مع بعض نماذج الأقليات، ما يظهر نموذجاً من التشظي السوري يتباين بين حدين أيضاً: إدانة مطلقة أو موافقة مبررة! ما أشاع وزكى التحريض الطائفي بشكل واسع.
فيما القول بأن الضحايا هم سوريون من المدنيين أو رجال الأمن فيعتبر مواربة من كلا الطرفين …. ولم يكتفِ المشهد هنا، بل باتت تظهر المشاريع السياسية دون الوطنية التي تحاول الاستقواء بالخارج، أياً كانت صفته، تحت شعارات مناهضة الاستبداد الديني وحماية الأقليات، فيما كل من يتناول أخطاء السلطة الحالية نقدياً أو يرفض معادلات الاستقواء بالخارج ضدها يقع بين حدي التخوين والتكفير!
مما لا شك فيه أن تشكل الدول لا يأتي دفعة واحدة، ولا بقول مأثور، بل يتم بعمل متواصل ومثابر يحقق شروط تحققها بكونها دولة، وهذه تختلف عن السلطة. فأي سلطة هي محطة من محطات بناء الدولة، ولا يمكن البناء على فرضيات التخمين بأنها ستأكل الدولة ومؤسساتها كما فعل حزب البعث وسلطته العسكرية سابقاً. وفي حال فرضنا وجود مؤشرات عليها فإن مؤشرات عدم قبول هذا الفعل سورياً أوضح وأكثر واقعية ودلالتها حرية التعبير الفائضة لدى جميع السوريين، في وقت كان مجرد منشور على الفيس يعرض صاحبه للاختفاء في معتقلات النظام. بمقابل هذه الفرضيات الاستباقية، فالعمل على تجاوز معيقات المرحلة الحالية تفترض التفريق بين آليات عمل السلطة وشروط بناء الدولة من حيث كونها مؤسسات تدير شؤون البشر، وأولى أولويات السوريين اليوم بناء مؤسساتهم الشرطية والضابطة العدلية والقضائية والخدماتية. وهذه تتطلب وتفترض الإجابة عن عدة أسئلة أهمها: ضعف البنى الخدمية والاقتصادية، وانتشار الشحن الطائفي وتكريس مفهوم الأقليات بديلاً عن المواطنة، وانتهاك الحقوق المدنية الناتجة عن التأخير في إنشاء هيئة العدالة الانتقالية، وجمعها باتت مؤشرات واقعية ترقى لمستوى حقائق لا يمكن تجاهلها.
أدرك جيداً السياق الموضوعي لوضعنا السوري العام والعقوبات المفروضة والتجاذبات الدولية حول سوريا، ومحاولات الدول الإقليمية والدولية الاستفادة من ضعف نواة الدولة الأولى مادياً وأمنياً واقتصادياً، لكننا كسوريين سلطة ومجتمعاً يتوجب علينا تفعيل إمكانياتنا الذاتية. وبالضرورة أجد بأن هناك مسؤولية متبادلة بين السلطة الحالية يقابلها مسؤوليات تقع على عاتق المجتمع الأهلي.
فالسلطة يتوجب عليها مد جسور الثقة وتغليب مفهوم المواطنة وسيادة القانون، ما يتطلب منها:
1- إصدار قانون بتجريم الخطاب الطائفي وملاحقة مفتعليه قضائياً. وإعادة تأهيل العاملين في جهاز الشرطة والأمن العام وتدريبهم على الإجراءات القضائية المبنية على احترام المواطن وسيادة القانون.
2- تشكيل لجان السلم الأهلي في كل المناطق السورية والانفتاح على الواقع المجتمعي وسماع مشكلاته العامة والاقتصادية والسياسية والأمنية، وهنا يمكن اقتراح تفعيل واعتماد منظمات المجتمع المدني المنتشرة باتساع لهذه المهمة، خاصة في المناطق التي تشتد فيها نعرات التحريض الطائفي والتجاذبات الشعبية الواسعة. والعمل على استخلاص نتائجها وتحليلها والعمل بمقتضياتها ونشرها علناً.
3- تفعيل الفقرة 18 من مخرجات الحوار الوطني التي تفيد بمتابعته كخطوة واسعة لتذليل الخلافات البينية وتعارف السوريين حوارياً، وإشراكهم في القضايا الوطنية والتعبير عن هواجسهم ومخاوفهم، وتكون مقدمة لتشكيل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.
في المقابل على المجتمع المحلي السوري المبادرة بالمشاركة بالشأن العام بتشكيل لجانه المحلية، خاصة المتعلقة بالأوضاع المعاشية والحقوق المدنية، وممارسة دوره كمصدر لكل السلطات عبر الحوار المباشر سواء مع ممثلي السلطة والحكومة، أو مع المختلف معه سياسياً وفكرياً أو دينياً.
وأعتقد أن هذا العمل المتقابل واجب وطني يعزز الاستقرار ويقوّم مفهوم العدالة وأسس بناء الدولة، ويخرج من مثنوية مع/ضد، ويؤسس لدولة الكل السوري تدريجياً، خاصة أنه يتعمد تحقق معايير الحوكمة العصرية التي يولى بها المجتمع المدني بدوره كوسيط بين المجتمع الأهلي والسلطة وذلك تأسيساً لمفهوم المواطنة وسيادة القانون، بعيداً عن التحريض الطائفي والانكماش المحلي والتقوقع خلف الأديان.
لربما نسي البعض أو تناسى، أو أخذته صور أوروبا المدنية بحرياتها وقوانينها وحياتها المترفة وأنها لم تمر بتاريخها قبل قرنين بما يمر علينا اليوم! فإن كانت المعارضة حقا عاما، فالبناء أولوية. وإن كان الفكر النظري بنّاء نقدياً فأدوات تفعيله هي قدرة بشرية على رؤية المشكلات وطرح حلولها وعدم الاكتفاء بالنقد وكفى. فنحن اليوم وكأننا نسير على شفرة حادة، توقفنا في المكان سيزيد من أحمالنا وانغرازها حتى العظم، فيما التقدم للأمام مهما زاد انغرازها، لكنه قد يفضي لنهايتها وعلاج جراحنا المستعصية منذ عقود. فلا يرغب أي منا لمعاودة ممارسة الطرق على السدان يعاني نوبات القهر صامتاً كما فعل “الدكتور مانيت” بعد تحريره من 30 عاماً من سجن الباستيل الشهير، كما وصفته رواية قصة مدينتين، قبل أن تكتشف فرنسا بوضوح أسس ترسيخ دولة المواطنة والحقوق والحريات، وأظنها معادلة السوريين وعنوان ثورتهم.
تلفزيون سوريا
———————-
سوريا: هندسة نفوذ جمهورية الظل/ مها غزال
الجمعة 2025/04/11
في لحظة ما بعد الانهيار، حين تسقط السلطة المركزية ويتقدّم المشروع الوطني ليملأ الفراغ، لا يكون السؤال الأهم “من في الواجهة؟”، بل “من يتحكم فعلياً في مفاصل القرار؟”.
في التجربة السورية الراهنة، بعد سقوط نظام الأسد، لا يكفي تتبع الوزارات والمناصب لفهم بنية السلطة الجديدة، بل يجب النظر إلى ما هو أعمق: العلاقة بين القرار السياسي المعلن ومصدره الفعلي، بين من يُنسب إليه الفعل ومن يمارسه في الخفاء.
في هذا السياق، تبرز العلاقة المركّبة بين الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يمثل الواجهة السيادية للحكم، ووزير خارجيته أسعد الشيباني، الذي لم يدخل الحياة السياسية من بابها التقليدي، بل صاغ لنفسه مساراً خاصاً، تتقاطع فيه السياسة مع العمل الحركي، والعلني مع غير المصرّح به. من “المنارة البيضاء” إلى مفاوضات الظل، من الإعلام الجهادي إلى ملفات العلاقات الدولية، ظل الشيباني حاضراً، لا بوصفه شخصية تنفيذية، بل كحلقة وصل بين دوائر القرار غير المرئية والعالم الخارجي.
خلال السنوات الماضية، أعاد الشيباني إنتاج نفسه عبر أدوار متعددة وأسماء مختلفة. من “أبو عائشة” إلى “حسام الشافعي” فـ”زيد العطار”، لم يكن تبدّل الأسماء مجرد حيلة أمنية، بل انعكاس لطبيعة مرنة في بناء الدور السياسي خارج الأطر الرسمية. هذا الحضور المتنقل في التنظيمات، والملفات، والصفقات، ساهم في تشكيل صورة نمطية لرجل يفضّل البقاء في الظل، دون أن يعني ذلك غياب التأثير أو الفعل. بل العكس، فكلما غاب اسمه عن التصريحات الرسمية، اتسعت دوائر تأثيره في مجالات التفاوض الخارجي، وإدارة الشبكات الإنسانية، والتنسيق مع الفاعلين الدوليين.
حين تولّى وزارة الخارجية بعد انهيار النظام، لم يكن تعيينه قطيعة مع ماضيه، بل امتداداً له بصيغة رسمية. الوزارة نفسها تحوّلت إلى منصّة لبناء هيكل سياسي موازٍ، عبر “الأمانة العامة للشؤون السياسية” التي لم تقتصر وظيفتها على التنسيق الدبلوماسي، بل امتد نفوذها إلى حقول الإعلام، والثقافة، والإدارة المحلية، والشؤون الاجتماعية. لم يكن ذلك نتيجة لصراع بين المؤسسات، بل لتشكّل تدريجي لحكومة ظل تمارس وظائف سيادية باسم الدولة، دون أن تمر بمساراتها الطبيعية في التعيين أو التفويض أو الرقابة.
العلاقة بين الشرع والشيباني لا تشي بصراع شخصي، بل تكشف عن مفارقة بنيوية: رئيس يسعى إلى بناء دولة بمؤسسات واضحة، وشبكة نفوذ موروثة من المرحلة الرمادية السابقة تواصل العمل بأساليب ما قبل الدولة. الشرع، بخلفيته الأمنية وقدرته على إدارة التوازنات الإقليمية، يبدو واعياً لهذا التعقيد، لكنه لم يبدُ راغباً بعد في مواجهته. فالشيباني، رغم كل ما يقال عن قوته، لا يعمل خارج إرادة الرئيس، بل ضمن هامش أتاحه له السياق الانتقالي ذاته، حيث لا تزال مؤسسات الدولة في طور التشكّل، وحيث الحاجة إلى أدوات سياسية مرنة لم تُستبدل بعد بمؤسسات مستقرة.
غير أن الاستمرار في هذا النمط يطرح تحديًا حقيقياً. إذ لا يمكن بناء ثقة داخلية أو دولية في حكومة جديدة إذا ظلت بعض دوائر القرار تعمل من خارج المسار المؤسسي. كما لا يمكن إقناع السوريين والعالم بجدّية الانتقال السياسي إذا لم تكن هناك شفافية واضحة بشأن من يفاوض، ومن يقرر، ومن يمثّل الدولة في علاقاتها الخارجية.
ما يدفع للتساؤل اليوم ليس فقط تأثير العلاقة بين الشرع والشيباني على شكل الحكومة، بل على طبيعة الدولة نفسها: هل نحن أمام سلطة مؤسساتية مفتوحة، أم سلطة مزدوجة يعمل فيها الظاهر على تهدئة الخارج، بينما يدير الباطن الداخل؟ هل نعيد إنتاج بنية “الدولة العميقة”، ولكن بثياب تكنوقراطية، وعبر أدوات محسّنة لغوياً لا وظيفياً؟ وهل يقبل العالم، أصلاً، التعامل مع دولة لا تتكلم بصوت واحد، ولا تُدار من مركز قرار واحد؟
إن نموذج “حكومة الظل” في الحالة السورية ليس اتهاماً، بل توصيف لواقع مركّب، نشأ نتيجة التعقيدات السياسية والأمنية للمرحلة السابقة، لكنه بحاجة اليوم إلى مراجعة حقيقية. لا لأن من فيه غير كفؤ، بل لأن استمرار هذا النمط يقوّض فكرة الدولة نفسها، ويحول دون نشوء مؤسسات تستطيع تمثيل السوريين أمام أنفسهم قبل أن تمثلهم أمام العالم.
إن التحدي المطروح أمام الشرع يتمثل في دمج الشيباني وسياساته ضمن إطار شفاف، خاضع للمحاسبة والمراجعة، يساهم في بناء الدولة لا في مضاعفة ظلالها. أما الشيباني، فإن أهم اختبار يواجهه اليوم هو الانتقال من دور الفاعل غير المُعلن إلى رجل دولة واضح، يعمل داخل البنية المؤسسية، لا في محيطها. ذلك وحده ما يمنح الشرعية لمعناه السياسي، ويحمي الثورة من تكرار أخطاء السلطة التي ثارت عليها.
المدن
————————
“اقتصاد” فرع الأمن في سوريا: جدّية “العمل” ومصير “الدولار المصادر”/ عمّار المأمون – فراس دالاتي
12.04.2025
“العمل الإداري” داخل فرع الأمن يبدو للوهلة الأولى بيروقراطياً بحتاً، وغير دقيق، والجهد المبذول لإنجازه يبدو سينيكياً، لكنه يُخفي وراءه تهديداً لحيوات الآلاف وعائلاتهم، مئات الوثائق التي اطّلعنا عليها تكشف شكلاً من أشكال “دورة رأس المال” داخل الفرع،كونه يمتلك ميزانيته الخاصّة، التي يحصّلها بنفسه، ميزانية مختلفة عن تلك التقليدية القادمة من مؤسّسات الدولة المالية.
يحوي مبنى فرع الأمن الداخلي (الفرع 251 المعروف باسم فرع الخطيب) الواقع وسط حي سكني مكتظّ في دمشق، باباً حديدياً يلفت الانتباه، إذ كُتب على القسم الأيسر منه بخطّ اليد: “خطار الموت- موادّ كيماوي”، وكُتب على القسم الأيمن، أيضاً بخطّ اليد: “موادّ سريع الا انفجار”. هاتان العبارتان وما تحويهما من أخطاء لغويّة، قد يكون مدخلاً مناسباً للكتابة عن طبيعة “عمل” المخابرات السورية، أو على الأقلّ تلك التي حصلنا على نسخ من بعض وثائقها، والتي تقدّم ملامح عن “العمل” الإداري؛ لا ذاك القمعي، العمل الخاص بالمراقبة وكتابة التقارير وجمع المعلومات، والأهمّ ضبط “مالية” الفرع وكيفية حركة “الأموال”، جهد بيروقراطيّ ربما كان يحصل على مكتب تختزل الصورة أدناه “أدوات العمل” المطلوبة لإنجازه.
“العمل الإداري” داخل الفرع يبدو للوهلة الأولى بيروقراطياً بحتاً، لكن غير دقيق، والجهد المبذول لإنجازه يبدو سينيكياً، لكنه يُخفي وراءه تهديداً لحيوات الآلاف وعائلاتهم، آلاف ما تزال مصائرهم مجهولة حتى اليوم. مئات الوثائق التي اطّلعنا عليها تكشف شكلاً من أشكال “دورة رأس المال” داخل الفرع، ونشدّد على كلمة “رأس المال”، كون الفرع يمتلك ميزانيته الخاصّة، التي يحصّلها بنفسه، ميزانية مختلفة عن الميزانية التقليدية القادمة من مؤسّسات الدولة المالية، التي سنشير إليها لاحقاً.
هذا “العمل” يمتدّ من صرف مكافآت المُخبرين، إلى مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، مروراً بالحصول على المعلومات من “المصادر”، لكن طبيعة هذا العمل بالذات، وارتباطه بمؤسّسة أمنية انهارت وتركت لنا آلاف الوثائق، وضعنا أمام العديد من الأسئلة، لا تلك التي تتعلّق بالعقلية المخابراتية وسُخفها في الكثير من الأحيان، بل بكوننا أمام ماكينة تسبّبت بقتل الآلاف من السوريين، لكنها على الورق، وضمن الجهد البيروقراطي، ماكينة مهترئة، بدائية، بل حتى أن “مصادرها” مشكوك فيها.
عن “الأرشيف الوهمي” والعدالة الانتقالية
أبرز التساؤلات التي نطرحها تتعلّق بمفهوم “الأرشيف المزيف”، أي إلى أي حدّ محتوى هذه الوثائق التي نقرأها، ويبني عليها فرع الأمن الاتّهام (ونبني عليها نحن أيضاً فرضيات وأسئلة) هي “حقيقية”، ويُمثّل محتواها الحقيقة؟ هذه المسؤولية التي لا يتبنّاها فرع الأمن، تدفعنا إلى مقاطعة المصادر، والشهادات، ومحاولة عقلنة الوثيقة ومنطقتها، لأنه ببساطة لا يمكن تبنّي التقارير والمعلومات الصادرة عن الفرع نفسه بصورة تامّة. وجدنا أنفسنا كصحافيين أمام جهد أرشيفي وتوثيقي مضطرّين للقيام به، بل يحوي منحى ساخراً، يلخّص بسؤال كيف نثق نحن (والمخابرات نفسها) بصحّة المصادر ومعلوماتها؟
هذه التساؤلات لا بدّ منها لفهم طبيعة “العمل” داخل الفرع، كوننا أمام طبقات من الفساد تبدأ من التهم الملفّقة، وتنتهي بسرقة الأموال وابتزاز العائلات، وعلاقات مع مخبرين لا نعلم مدى جدّيتهم أو كيديتهم، يعلمون مقابل مبالغ ضئيلة جداً، وبعضهم؛ وهم قلّة، يحصلون على مكافآت تتجاوز الألف دولار، ما قادنا إلى إشكالية أخلاقية- حقوقية، إذ وقعت علينا مهمّة مراعاة العدالة الانتقالية التي لم تُقونَن بعد في سوريا، ولم يُرسَم لها مسار تقاضٍ واضح، ما اضطرّنا للاستعانة بخبراء قانون سوريين يعملون خارج سوريا، لضبط كيفية صناعة التحقيقات الصحافية وأسلوب الاتّهام وعقلانية الاتّهام نفسه.
أبرز الأسئلة التي واجهناها بخصوص “العاملين” في الفرع و” المتعاونين” معه، كانت: من يحقّ له نشر قوائم أسماء المتعاونين مع الفروع الأمنية، أو “المندوبين” الذين يقبضون أموالاً مباشرة من الفرع؟ هل هؤلاء مجرمون؟ ما هو تصنيفهم القانوني؟ ما التهم التي يمكن توجيهها إليهم؟ من يضمن حياتهم ضدّ الانتقام في حال نُشرت هذه الأسماء؟
نطرح هذه الأسئلة لأن الحديث عن “العمل” في أحد الفروع الأمنية، كشف لنا عن طبيعة عمل “رجال الأمن” و”المبعوثين” و” المصادر” و”المتعاونين”، قوائم بأسماء لكلّ منها مهمّات تكشف لا فقط الشكل الاقتصادي، بل أيضاً طبيعة شبكة العلاقات التي يبنيها فرع الأمن من أجل “العمل”، وضبط موارد الدخل والنفقات المتعدّدة التي تُثير المفاجأة حين الاطّلاع عليها.
الرصد والتقصّي: متابعة وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار
نقرأ في مذكّرة اطّلاع موجّهة إلى مدير إدارة المخابرات العامة، عن تقصٍ قام به الفرع في عام 2024، تقصٍ وراء معلومات عن أجهزة تجسّس وصلت إلى سوريا عبر ميناء اللاذقية ومعبَر المصنع الحدودي، نفت الإدارات المُشار إليها في البرقيّة، وجود هكذا أجهزة ضمن “شحنة طاقة بديلة” إنتاج شركة صينية.
ما حرّك التقصّي تحقيق نشره تلفزيون سوريا، المُعارض والمُموَّل من قطر، دولة “عدو” لسوريا الأسد. يتّهم التحقيق عدداً من ضبّاط النظام ووسيم الأسد، بالمسؤولية عن هذه “العملية”، وقد لُخّص نصّ التحقيق الصحافي في الوثيقة.
هنا نحن أمام مفارقة، تلفزيون سوريا قدّم مصادر وشهادات عن وجود الشحنة، في حين نفت المخابرات وجودها، وحسب تحقيق تلفزيون سوريا، هناك اعتقالات ووثائق حصلوا عليها من النظام، بالتالي، هل كُذّبت الحكاية ضمن المخابرات فقط؟ أم هي لعبة تصفية حسابات داخل بنية النظام نفسه عبر تسريب معلومات للوسيلة الإعلامية المعارضة لنظام الأسد؟
“العمل” الذي بُذل هنا والمراسلات التي تمّ تبادلها داخل الفرع تنفي الحكاية بكاملها، وهنا نعود إلى مفهوم “الأرشيف المزيّف”، هل من الممكن أن تكذب أجهزة المخابرات في شأن شديد الخطورة كتهمة “التجسّس” لصالح “العدو الأزلي؟”. تواصلنا مع معدّي التحقيق في تلفزيون سوريا، الذي أشار إلى المصادر التي اعتمد عليها، وأكّد أن “الأمن العسكري” هو المسؤول عن الاعتقالات المذكورة في التحقيق، مستغرباً إنكار المخابرات العامّة وجود هكذا شحنة، وتجاهلها اعتقال عدد من موزّعي لوحات الطاقة الشمسية !
عمليات الرصد والمراقبة، تتجاوز تهم التجسّس نحو ما يمكن وصفه بالمعلومات العامّة، كأن يُرسل أحد قادة “منظّمة التحرير الفلسطينية” مقالاً لرئيس مكتب الأمن الوطني في عام 2022، عن الوحدة (8200) الإسرائيلية الخاصّة بعمليات التجسّس والتلاعب بالرأي العام، المقال المنشور في موقع “وطن يغرّد خارج السرب”، ولا يحوي معلومات تمسّ أمن الدولة مثلاً، أو تكشف جديداً، لكن إرساله إلى الفرع بهدف “الاطّلاع” مثير للاستغراب، كونه متوافراً علناً، ربما هذا شكل من أشكال استعراض الولاء بين “فتح” والمخابرات، عبر تزويدهم بـ”معلومات”، لكن مضمون هذه “المعلومات” متوافر حرفياً للجميع، أي لا تحوي أية قيمة استخباراتية!
اللافت أيضاً أن الفرع يبحث في “الإنترنت” عن الأخبار الزائفة، كالخبر الذي انتشر عن الصحافي الإسرائيلي تسفي يحزقيلي الذي دخل سوريا في عام 2024 بجواز سفر مزوّر، حسب ما نشر الصحافي المقرب من “حزب الله” والنظام السوري حسين مرتضى، التقرير أكّد أن هذا الصحافي لم يدخل سوريا، والجواز المزوّر الذي تحدّث عنه مرتضى غير موجود.
لكن اللافت والمثير للمفارقة، أن مصدر المعلومات في التقرير الذي ينفي الخبر هو منصّة ” تأكّد”، تلك التي أخطأ كاتب التقرير في اسمها وكتب “تأكيد”، وهي منصّة سعودية، لكنها حسب وصفها “أول منصّة سعودية تربط بين المنشآت وشركات الحراسات الأمنية!”.
الواضح أن مصدر الحكاية السابقة هو منشور لحسين مرتضى، التقطه أحدهم في فرع الأمن، وقام بالبحث على “شبكة الإنترنت”، للوصول إلى النتيجة، لكن اللافت، هو طبيعة جهد التحقّق من المعلومة، التي بدأت بمنشور من مرتضى، التقطه أحدهم، والتقط ما نشرته “تأكّد” ونفى الموضوع، وفي الهامش ذكر أن الاسم الوهمي والجواز المزوّر غير موجودين، بصورة ما، مصدر “الحقيقة” كان “تأكّد”، لا دوائر الدولة!
واحدة من الوثائق اللافتة للوهلة الأولى تعود إلى العام 2021، وتشير إلى أوستن تايس الصحافي الأميركي المختفي في سوريا، الذي لطالما أنكر نظام الأسد خطفه في عام 2012، الوثيقة تقول إن هناك صفحة “فايسبوك” باسم (Find Austin Tice) نشرت ضمن مجموعة “سوق حلب الأول للمستعمل” على “فايسبوك”، منشوراً حول مكافأة بقيمة مليون دولار لمن يقدّم معلومات عن الصحافي الأميركي.
اللافت، أن الجهة التي تراقب، لم تكن تراقب صفحة تايس أو الأخبار عنه، بل صفحة “فايسبوك” علنية، بصورة ما، هناك موظّف متفرّغ لهذا الشأن، ربما لاصطياد من يقدّم معلومة ربما عن تايس، أو رصد ردّ الفعل السوري حول خطف تايس. بصورة ما، هناك رصد ومراقبة لوسائل التواصل الاجتماعي، بخصوص موضوعات محدّدة تمسّ صورة سوريا في “الخارج” ربما.
لكن في ذات الوقت، هذه العلاقة مع “الخارج” لا نعلم أسلوب التعامل معها، إذ تصل معلومات تبدو مهمّة لكن أيضاً مشكوك فيها، مثلاً هناك وثيقة تكشف رسائل تهديد وُجّهت إلى بعض موظّفي شركة طيران “أجنحة الشام” في عام 2024، بعد نحو 5 أشهر من “طوفان الأقصى”، والرسائل من رقم إسرائيلي وتحمل تهديداً مباشراً للموظّفين كون شركتهم تعمل على نقل السلاح إلى “قوة القدس” و”حزب الله”، وحين التواصل مع موظّفين رفيعي المستوى في شركة الطيران، نفوا وصول هذا رسائل لهم أو علمهم بها!
لا نملك التقارير الأمنية التي يتمّ تبادلها، ولا حتى أي سلسلة كاملة عن القرارات والإجراءات المتّخذة، لكن التناقض وقيمة المعلومات في بعض الأحيان، يكشفان أن الفرع نفسه قد لا يمتلك معلومات عن الموضوع، فلا يحكم على قيمتها، ناهيك بنشاط الفروع الأخرى التي قد لا يتمّ التواصل معها، وهذا ما أكّده أنور رسلان رئيس قسم التحقيق في فرع الخطيب- أمن الدولة، في أول نصّ دفاعي عن نفسه في المحكمة في ألمانيا.
أكّد رسلان الذي حُكم بالمؤبد، أن فرع الخطيب تحوّل إلى ثلاثة فروع تعمل بصورة متوازية، ولا تتواصل مع بعضها بعضاً، وهذا ما يتّضح في الكتب المتكرّرة التي تطلب التأكّد من الهوّية الأمنية الممنوحة لأحدهم، والتأكّد إن كانت من فرع الجوية مثلاً، أو المهامّ الخاصّة، بصورة ما هناك غياب للتنظيم، ربما السبب هو تفادي الإدانة والاتّهام، أو استقلال كل فرع لضبط هرمية القرار والأوامر.
رأسمال فرع الأمن: المصاريف
لا معلومات واضحة عن اقتصاد فروع الأمن قبل سقوط النظام، نعلم أن هناك ابتزازاً لأهالي المعتقلين، ورشى لتسيير أمور الحياة، لكن دواخل الفرع نفسه، مصاريفه بقيت غامضة لما قبل سقوط نظام الأسد، ومع ظهور الوثائق نكتشف مثلاً، في وثيقة تعود إلى العام 2021، معنونة بـ”جدول توزيع مبالغ الهدايا النقدية لعناصر الفرع 111″، قائمة بأسماء بعض العناصر والمكافآت الموزّعة لهم، عناصر تتراوح رتبهم بين عميد ومساعد.
“الفرع 11” يُوصف بأنه “مكتب مدير الإدارة العامة للمخابرات”، وجاء في تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأنه: “القلب النابض للجهاز، حيث يحتوي على ملفّات جميع العاملين ضمن هذا الجهاز، كما يقوم بمراقبة العاملين ضمن الجهاز منعاً لأي ثغرة ضمن الجهاز، و يلعب دوراً في ترقية أو إبعاد أو نقل العاملين ضمن الجهاز”.
اللافت أنه في عام 2021، حين كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار 2500 ليرة، كانت المكافآت تتحرك بين 10 آلاف ليرة سورية وألف ليرة، أي البعض حصل على مكافأة لا تتجاوز الـ20 سنت وأعلى مكافأة كانت 4 دولار، وبالطبع لا نعلم ما سبب المكافأة، لكن تكشف هذه “الهدايا” عقلية المؤسسة الأمنية، التي تتعامل بكل “نظامي” بالعملة المحلّية، في حين الاقتصاد الخفي الذي توظّف فيه العملات الأجنبية يكون على مستوى آخر؛ سنشير إليه لاحقاً، لكن هذه المبالغ الرمزية، تدفعنا إلى طرح تساؤلات حول طبيعة بناء الولاء، والعمل وقيمته التي لا تعكسها قيمة “الهدية”.
نقرأ أيضاً جداول بصرفيات “المندوبين”، المعنون بـ “صرفيات المندوبين عن شهر شباط/ فبراير للعام 2015، من قِبل رئيس فرع الأمن الجوّي “أي مكافآت يأمر بها رئيس الفرع نفسه، وتتحرّك بين ألف حتى 5 آلاف ليرة سورية (سعر صرف الدولار حينها 300 ليرة سورية مقابل 1 دولار) وتشمل حملة رتب عسكرية، وأشخاصاً من الغريب أنهم يحصلون على مكافآت، مثلاً “مستخدم مدني لدى كتيبة إنشاء المطارات”، أو “عاملة لدى مؤسّسة الطيران المدني في حلب”، أي بصورة ما، شبكة العلاقات تمتدّ خارج الموظّفين الرسميين في الفرع، نحو “مندوبين” لا نعلم طبيعة المعلومات التي يقدّمونها مقابل المبالغ التي يتقاضونها.
نقرأ في جدول “الصرفيات” لأحد أشهر العام 2016 قائمة مثيرة للاهتمام، لا مكان لمناقشتها بكاملها، ففيها مصاريف تتحرّك بين “تسديد إيجار بيت”، و”فريق الحفر العامل في فرع المنطقة الجنوبية”، أو “شراء محارم+ مياه بقين”، و”أجور طريق”، أو “مخصّصات إدامة سجون التحقيق”، أو “إقامة ضيوف في نادي الرماية”، أو “صيانة كاميرا في ساحة العباسيين”، قائمة تُفعّل المخيّلة حول طبيعة الأنشطة التي كان فرع الأمن مسؤولاً عنها، وأكثرها إثارة للمفارقة هي”قيمة صيانة فرش منزل لمصدر في فرع التحقيق!
رأسمال فرع الأمن: الواردات
يقابل مصاريف فرع الأمن المتنوّعة، التي تبدو “منطقية”، الواردات المالية، التي تُثير الاهتمام وترسم صورة واضحة عن طبيعة الفساد، وتحوّل الفرع إلى مؤسّسة ذات نشاط اقتصادي داخلي، إذ نقرأ في جداول من العام 2016 مثلاً، عن واردات القطاع الأمني لشهر واحد، التي تتطابق مع مخيّلة السوريين عن انتشار رجال الأمن في سوريا، هذه الواردات مصدرها “سيارات التاكسي”، و”الجمارك”، و”الندوة” و”رواتب معادة من مندوبين”، ومبيعات من” بسطات وأكشاك”، ومجموعها لا يتجاوز 3 ملايين ونصف المليون ليرة سورية (سعر الصرف حينها حوالي 500 ليرة سورية للدولار الواحد) أي نحو 7 آلاف دولار.
لكن اللافت في مصاريف فرع الأمن هو ما يسمّى “الأموال المصادرة”، التي عادة ما تكون بالعملات الأجنبية، والتي لا نعلم من أين تمّت مصادرتها، ولِمَ هي موجودة في الفرع ضمن “القسم المالي” في المخابرات الجوّية، لكن يمكن أن نكتشف أسلوب توظيفها في تقارير متعدّدة، إذ نقرأ طلباً يعود للعام 2018 بصرف 4 آلاف دولار من “الأموال المصادرة”، لسببين: المبلغ الأول هو ألف دولار وجبات طعام للكلاب البوليسية في “قسم المنطقة الساحلية والفرع الفنّي”، و3 آلاف سلفة لـ”طالبين يدرسان في الخارج بالتعاون مع الإدارة”، وُصفا بـ”المتعاونين بشكل ممتاز”، ولا نعلم بالضبط من هما الطالبان ولا المهمّة التي يقومان بها أو دراستهما، لكن اللافت أن الفرع لديه “مندوبين” خارج سوريا، ويحصلون على “مكافآتهم” بالدولار، وهنا شُبهة جريمة في حال ما زال الطالبان المجهولان في أوروبا .
نقرأ أيضاً في وثيقة تعود للعام 2018، عن ضرورة تأمين مبلغ 10 آلاف دولار من “الأموال المصادرة”، لـ”شراء 12 أجهزة “آيفون راقي”، لتقديمها هدايا لكبار الضبّاط القادة، على أن يُرسَل 40% منها إلى القيادة العامّة”، لا يهمّنا من كلّ هذه الهدايا المُكلفة، سببها وطبيعة الخدمات وراءها، لكن الواضح، أن هذا المورد المادي “الأموال المصادرة”، يشكّل القسم الأهمّ والأكبر من ميزانية الفرع، والواضح أنه يُستخدَم للمصاريف الخارجية، ونقصد هنا خارج ملاك الفرع من مندوبين وموظّفين ومصادر.
تتّضح ميزانية الفرع في وثيقة صادرة في عام 2016، لما يسمّى “الموقف المالي النقدي للقطاع الأمني”، الذي يقسّم فيه الرصيد حسب العملة، هناك العملة المحلّية، والعملات الأجنبية، نقرأ مثلاً أن الفرع كان يحوي نحو 150 ألف دولار، والوارد 6 آلاف يورو، والمصاريف بلغت حوالي 30 ألف دولار.
لفهم آلية تحرّك المال من وإلى فروع الأمن، تواصلنا مع موظّف سابق في أحد الفروع الأساسية في دمشق، وشرح لنا هرمية سلطة الفروع والعلاقات المالية، فإدارة المخابرات الجوّية وإدارة الأمن العسكري يتبعان مالياً لوزارة الدفاع، أما الأمن السياسي فله موازنته الخاصّة من وزارة الداخلية، بينما إدارة المخابرات العامّة (أمن الدولة) التي يتبع لها “فرع الخطيب” مثلاً، فميزانيتها تأتي مباشرةً من القصر الجمهوري، وبشكل عامّ رئيس كلّ شعبة من الشُعب الأساسية الأربعة، يحدّد ميزانية كلّ فرع، لكن ماذا عن الواردات والدولار المُصادر؟
يقول المصدر: “في ما يتعلّق بموضوع الأموال المُصادرة، هذه حكماً قادمة من قسم التحقيق التابع للفرع أياً كان؛ فهو الوحيد المخوّل بمصادرة الأموال، وإلقاء القبض على الناس، ومداهمة المنازل والمحلات ومصادرة الأموال”، ويُشير المصدر إلى أن “قسم التحقيق يُصادر أموالاً من المداهمات، في بعض الحالات، تُسرَق هذه الأموال، ويُسجَّل رقم محدّد في كشوف المصادرة، قد لا يتطابق مع المبلغ المُصادر. بصورة ما، رسمياً هناك جزء يوثّق في ضبطٍ ويسجّل ويرسَل إلى المصروف المركزي أو وزارة المالية وفق قرار محكمة، في حين يبقى قسم في الفرع نفسه، الذي يصرف من الأموال المصادرة المسروقة، التي لم يتمّ عملياً التصريح عنها”.
اقتصاد “المنطق” و”عدم المبالغة”
يكشف ما سبق أننا أمام دورة اقتصادية، هناك “الجهد” الذي يقابله وارد استخباراتي من جهة (تقارير الرصد والمتابعة) ووارد مالي مصدره مهمّات العناصر و “الأموال المصادرة”، ونفقات ضمن مهمّات الفرع تُدفَع بالليرة السورية، وأخرى خارجية تُدفَع بـالدولار.
لكن ضمن هذه البُنية يتّضح لا فقط سطوة فرع الأمن وامتداد أذرعه، بل أيضاً إدراك القائمين عليه كمية الفساد الموجودة، وهذا ما يتّضح في وثيقة تحمل مفارقة ساخرة، هي الكتاب الموجّه إلى المخابرات الجوّية الذي يطلب الاحتياجات من “القوى البشرية، والأسلحة والعتاد والذخائر، والمواد التقنية والفنية، والآليات”، لكن هناك شرط، وربما هذا الشرط هو ما يلخّص لا فقط اقتصاد فرع الأمن، بل ربما عقلية الفساد في سوريا كلّها، إذ اشترط الكتاب “أن تكون كمية هذه الاحتياجات ضمن المنطق، ويراعي عدم المبالغة، ويذكر ما هو ضروري فعلاً فقط”.
كمية التنبيهات والتوكيدات في هذا “الشرط” شبه كوميدية، إذ يجب أن يكون الطلب “منطقياً”، و”غير مبالغ فيه”، و”ما هو ضروري” ومع التفقيط بالنهاية، أي وكأن هناك تاريخاً من الفساد والسرقة، وفي هذه اللحظة، يجب تجاوزه، وطلب ما يحتاجه الفرع فعلاً، وهذا ما لا يمكن أن نعرفه، أي حاجات الفرع، بسبب الفساد و”الأرشيف الوهمي”، وكأنه لا يوجد ثقة بالنظام الإداري والبيروقراطي، ما يدل على أن العمل في فرع الأمن يتمّ على طبقات، طبقة رسمية علنية، وأخرى سرية فاسدة، تقوم على الاستفادة من المنصب نفسه في الفرع، ضمن شبكة أعمال وأموال يؤمّن العمل في الفرع السطوة من أجل إنجازها، وإلا لِمَ عبارة “عدم المبالغة”، وما هي نتيجة “المبالغة”، السرقة مثلاً؟ والأهمّ، كيف يمكن تقدير الاحتياجات الحقيقية، وما هو مصير الفائض والمبالغ فيه؟
درج
——————————
من سهول دونباس في أوكرانيا إلى بادية الشام… وثائق حصرية ومصادر مفتوحة تكشف تكثيف روسيا حرب المسيّرات في سماء سوريا
محمد بسيكي (سراج) عبد القادر ضويحي، كريستسان مامو، أليكسينا كالونكي (osint for ukraine)
11.04.2025
دخلت الطائرات من دون طيار إلى الصراع السوري في عامه الثالث عشر، ولعب السلاح الجديد دوراً كبيراً في تشكيل ديناميكيات الحرب، وتصاعدت الهجمات بالطائرات من دون طيّار من قِبل كلّ من النظام السوري السابق والجماعات المعارضة، مما شكّل تطوراً حاسماً في هذا الصراع. يتطرّق هذا التقرير إلى الاعتماد المتزايد على الطائرات من دون طيّار، وتحليل تأثيرها على الاستراتيجيات العسكرية والتداعيات الخطيرة التي تركتها على السكّان المدنيين.
منذ تدخّلها المفتوح في سوريا في عام 2015، كانت روسيا بلا شك الحليف الأكثر ثباتاً للنظام السوري السابق، فعبر سلاح الجوّ الروسي، تمكّن جيش الأسد من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد بشكل سريع نسبياً، وبحلول نهاية العام الثاني من التدخّل في 2016، كان النظام قد استعاد السيطرة الكاملة على مدينة حلب، وسقطت معاقل المعارضة السورية واحدة تلو الأخرى، لتُحصر الجماعات المناهضة للنظام في محافظة إدلب إلى حدّ كبير.
فاتورة التدخّل الروسي كانت عالية بالنسبة إلى المدنيين، واتُّهمت القوّات الروسية في سوريا بأنها كانت فعلياً تساعد وتشارك – إن لم تكن ترتكب بشكل مباشر – في جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد.
الهجمات الجوّية التي نفّذها النظام السوري وروسيا، لعبت دوراً حاسماً في سلسلة الهزائم التي تكّبدتها المعارضة السورية بين عامي 2015 و2019، الأمر الذي أدّى إلى إرهاق المعارضة التي لم يكن لديها أي ردّ فعل تكتيكي.
عملت روسيا على تعزيز قدرات نظام الأسد من خلال نقل الدروس التي تعلّمها جيشها في أوكرانيا، ولا سيّما مسيّرات FPV التي نقلها مدربون روس إلى مقرّات الوحدات الأكثر ثقة لدى نظام الأسد، من بينها الفرقة 25 قوّات خاصّة – المعروفة سابقاً باسم قوّات النمر – المتّهمة بارتكاب بعض من أسوأ الفظائع في سوريا، بما في ذلك المجازر ضدّ المتظاهرين في الأيام الأولى للثورة، وبالتالي فإن تزويد وحدات قوّات النظام السوري بطائرات FPV نقل الصراع إلى مرحلة جديدة مميتة.
وفقًا للدكتور جلين كولوميتز مستشار القانون الدولي والمحامي العسكري السابق في الجيش الأسترالي، فإن سوريا وقبل سقوط نظام الأسد بفترة وجيزة، أصبحت “مختبراً للطائرات المسيّرة”، ما يسمح لروسيا بـ”اختبار قدرة دولة حليفة على تصنيع طائرات FPV منخفضة التكلفة محلياً باستخدام التكنولوجيا التجارية، واختبار القدرة على التحايل على العقوبات”، ونظراً لأن روسيا وعدّة دول حليفة لها ترزح تحت وطأتها، تمثّل هذه الفرصة قيمة كبيرة لموسكو لاكتساب خبرة عملية، سواء في قدرتها على التحايل على العقوبات، أو في قدرتها على دعم الدول الحليفة وممارسة نفوذها، ويضيف كولوميتز: “لقد حصلت روسيا على مقعد في طاولة النفوذ في الشرق الأوسط”.
بدأ العمل على هذا التحقيق طيلة الأشهر الخمسة التي سبقت سقوط نظام الأسد المدوّي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بهدف متابعة تطوّر نشاط استخدام الجيش الروسي والسوري قدرات المسيّرات الانتحارية في سوريا، وذلك بناء على معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر OSINT، بتحليل طبيعة استخدام الطائرات من دون طيّار FPV في سوريا، والآثار المترتّبة على ذلك بالنسبة إلى الحرب في سوريا.
ماهي طائرات FPV -المنظور الشخصي
طائرات FPV – First-Person View تعني “المنظور الشخصي” أن تتطابق عين الكاميرا مع عين المتحكّم بالطائرة، هذه التقنية كانت تُستخدم في الأصل لسباقات الطائرات من دون طيّار والتصوير الجوّي والفيديوغرافي، ولكنها وجدت الآن طريقها إلى ساحات القتال في أوكرانيا وسوريا والسودان وغيرها، يشير مصطلح “FPV” إلى الطريقة التي يختبر بها المشغل عبر كاميرا مثبتة على الطائرة، حيث تقوم بنقل فيديو مباشر إلى سماعة رأس أو شاشة أو جهاز محمول، مما يسمح للمشغّل برؤية المنظر من منظور الطائرة، ويوفّر تجربة آمنة نسبياً له في مناطق النزاع، ويمكن التحكّم فيها من مسافات تصل إلى كيلومترات.
تُعتبَر الطائرات من دون طيّار من نوع FPV تكنولوجيا متطوّرة، توفّر إمكانات كبيرة نظراً لتكلفتها المنخفضة وقدرتها على الفتك، تُتيح تنفيذ عمليات دقيقة وموجّهة، مما يجعلها أداة قوية لتنفيذ هجمات مركّزة على أفراد أو أهداف محدّدة.
انتشار طائرات FPV يُثير مخاوف بشأن الأمن والحاجة إلى إجراءات تنظيمية فعّالة لمنع إساءة استخدامها، بينما يمكن في الوقت نفسه استغلالها في تطبيقات مشروعة مثل المراقبة وإدارة الكوارث وصناعة الأفلام.
الحرب في أوكرانيا وتطوّر طائرات FPV
دفعت الحرب في أوكرانيا إلى تطوّر كبير في تكنولوجيا الطائرات من دون طيّار من نوع FPV، حيث كانت وحدات الجيش الأوكراني سبّاقة في استخدام هذه التكنولوجيا بعد عدّة أشهر من بدء الحرب، وسرعان ما واكب الروس وبدأوا في إنشاء خطوط إنتاجهم الخاصّة، بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2023، حذّر الخبراء الأوكرانيين من أن روسيا تُنتج ستّة أضعاف ما تُنتجه كييف من الطائرات من دون طيّار، حيث تصل إلى 300 ألف طائرة شهرياً مع إمكانية زيادة الإنتاج.
تُوضح الأرقام فعّالية هذه الأسلحة، حيث توجد لقطات لتدمير دبابات حديثة بشكل كامل بضربات دقيقة من طائرات FPV، إضافة إلى أن المركبات الأخفّ – مثل المدرّعات وعربات المشاة – تكون أكثر عرضة للخطر.
كما أن استخدام طائرات FPV لقتل جندي واحد يُعتبَر استخداماً أكثر فعّالية من حيث التكلفة، مقارنة بالأساليب التقليدية، لأن الطائرات صغيرة وسريعة وقابلة للمناورة، مما يجعل إسقاطها بالرصاص العادي شبه مستحيل، ونتيجة لذلك، تجول الطائرات من دون طيّار ساحات المعارك في أوكرانيا من دون عوائق تقريباً، وأصبحت تمثّل السلاح الأكثر رعباً في الحرب.
تكنولوجيا رخيصة
ما يُثير القلق بشأن طائرت FPV هو سهولة الوصول إليها والفعّالية التي توفّرها، مما يجعل إمكانية الحصول عليها من قبل المنظّمات الإرهابية والأنظمة الخاضعة للعقوبات سهلة. التكنولوجيا أمر وارد نسبياً، حيث يمكن تجميع FPV يدوياً في غضون ساعات وبتكلفة منخفضة، يُوضح المحلّل العسكري الألماني جوليان روبكه: “من السهل شراء طائرة FPV بشكل قانوني بأقلّ من 750 يورو وتحويلها إلى انتحارية، كل ما تحتاجه هو إضافة رأس حربي RPG-7 أو أي نوع آخر من المتفجّرات وربطها بالطائرة من دون طيّار”.
وأمام هذه المعطيات، وصول هذه التكنولوجيا إلى أيدي نظام الأسد السابق يثير قلقاً واضحاً، ووفقًا لجوليان روبكه “استخدم النظام هذه الطائرات كسلاح إرهابي، بدلاً من استخدامها بشكل استراتيجي لهزيمة قوّات المعارضة السورية، يبدو أن النظام يستخدم هذه الطائرات كبديل رخيص عن سلاح المدفعيّة وقذائف الهاون”.
وفقًا للمنظّمات الإنسانية السورية، استُخدمت الطائرات من دون طيار لاستهداف المدنيين – سواء كان ذلك كنوع من اللعب، أو كاستمرار لاستراتيجية النظام السوري الوحشية.
تمّ رصد طائرات من دون طيّار رباعية المراوح ذات تصميم صيني وروسي في الأساس تستخدمها قوّات الجيش السوري السابق. ومن المرجّح أن تُظهر الصور أعلاه طائرات رباعية المراوح من طراز Gastello FPV الروسية – التي ورد أنها قيد الإنتاج الضخم في روسيا منذ عام 2023. وقد ظهرت هذه الطائرات في وسائل الإعلام الروسية الرسمية، في الصورة الرابعة.
شوهدت أيضاً طائرات من دون طيّار صينية وروسية التصميم من نوع “ quadcopter” تُستخدَم من قِبل قوّات النظام السوري السابق، تُظهر الصور طائرات روسية الصنع من نوع “ quadcopter” من طراز “Gastello FPV“، التي يُقال إنها تُنتَج بكميات كبيرة في روسيا منذ العام 2023 وتظهر الطائرات في وسائل الإعلام الرسمية الروسية (الصورة الرابعة).
التدريب والمرتزقة الصرب
فضّلت موسكو منذ بداية تدخّلها العسكري في سوريا في عام 2015، العمل مع عدد قليل من وحدات عسكرية محدّدة في قوّات النظام السوري السابق، التي تمّ فرزها بناءً على ولائها لنظام الأسد وفعّاليتها القتالية مقارنةً بوحدات أخرى. غالباً ما كانت هذه الوحدات أوّل من يتلقّى المعدّات المصنّعة في روسيا، ويبدو أن الأمر يتكرّر في ما يتعلق بتدريب وتزويد الطائرات من دون طيّار من نوع FPV.
وفقًا لتحليلنا باستخدام تقنيات المصادر المفتوحة OSINT، تبيّن أن أربعة وحدات من قوّات النظام السوري السابق خضعت للتدريب على استخدام طائرات FPV، وهي الفرق: الخامسة والسادسة والسابعة، والفرقة 25 للمهامّ الخاصّة المعروفة سابقاً باسم “قوّات النمر”، بقيادة سهيل الحسن الذي شغل لغاية سقوط النظام منصب قائد القوّات الخاصّة.
لم يقتصر التدريب على استخدام الطائرات من دون طيّار من نوع FPV فقط، بل شوهد المدرّبون الروس وهم يحملون معدّات حرب إلكترونية، وما يبدو أنه بندقية روسية مضادّة للطائرات من دون طيّار من نوع “Garpiya“، وشوهد ضبّاط من رتب تصل إلى العميد يخضعون للتدريب، علاوة على ذلك، وبناءً على تحليل الصور التي نشرتها حسابات مؤيّدة للنظام السوري المنهار على الإنترنت، يبدو أن التدريب يتمّ في موقعين تابعين للجيش السوري على الأقلّ.
الأول مقرّ الفرقة الخامسة في مدينة إزرع في محافظة درعا، والثاني في بلدة كوم الويسية بالقرب من مرتفعات الجولان المحتلّة من قِبل إسرائيل، وقد تمّ تحديد المواقع من خلال تحليل OSINT.
كما ذُكر سابقاً، يتجاوز التدريب أكثر من مجرّد استخدام طائرات FPV، فبعض الصور المنشورة على قنوات الإنترنت المؤيّدة للأسد، تعطي لمحات نادرة لبندقية روسية مضادّة للطائرات من دون طيّار من نوع “Gharbiya”، وإذا كان كذلك، فقد تكون قوّات النظام السوري من أوائل الجيوش في العالم التي تستخدم هذا النوع من الأسلحة المضادّة للطائرات من دون طيّار، ما يعكس الخطر المتزايد الذي تمثّله طائرات FPV وغيرها من الأسلحة الصغيرة، التي يتمّ التحكّم بها عن بُعد.
وفقاً لمصدر عسكري في المعارضة السورية السابقة “تم إطلاق طائرات من دون طيّار انتحارية من قِبل القوّات الخاصّة الروسية، من المناطق المرتفعة على خطوط الجبهة في المناطق الريفية من إدلب وحلب، من دون أي وجود ملحوظ لقوّات النظام السوري خلال عمليات الإطلاق”.
وهذا يؤكّد ما نشره الحساب العسكري الرسمي لـ”الجبهة الوطنية للتحرير”، وهي فصيل سابق مناهض للنظام السوري قبل سقوطه، وبحسب المصدر فإن الطائرات تُوجًَه بواسطة طائرات مراقبة روسية، وقد توغّلت لمسافة تصل إلى 10 كيلومترات داخل الأراضي التي تسيطر عليها قوّات المعارضة السورية.
يعود الاستخدام الأول لطائرات fpv إلى مطلع العام 2024 في بلدة الزيارة غرب
تُظهر لقطات عسكرية غير منشورة لقوّات المعارضة السورية، أن مواقع إطلاق الطائرات من دون طيّار من قِبل نظام الأسد، تتمركز حول قرى الدانا وسراقب وجبل الزاوية، وكذلك الفوج 46، وهو موقع محصّن في ريف حلب شهد معركة كبيرة في عام 2012.
وفقاً لنوار شعبان الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الذي قال إن: “هناك أدلة على أن قوات الأسد عملت بنشاط على تطوير الطائرات من دون طيّار، مثل تركيب بطاريات أكبر لزيادة مدى الطيران، ونظراً للتكتيكات الوحشية التي عُرفت بها قوّات النظام تاريخياً، فإن الزيادة الملحوظة في استخدام طائرات FPV واكتساب الخبرة من قِبل قوّات الأسد قد تكون لها عواقب وخيمة على المدنيين”.
بالمقابل تُظهر وثيقة استخباراتية عثر عليها أحد الصحافيين لدى المخابرات السورية بعد سقوط النظام، كانت في أحد المباني التي حوّلها جيش الأسد إلى مقرّ عسكري في حماة، تعقّب النظام السوري السابق التحرّكات المتعلّقة بنشاط القوّات المعارضة له والجماعات التي يصفها بالإرهابية، بخاصّة في ما يتعلّق باستخدامها طائرات الدرون. مما يعني أن تطوّر قدرات خصومه كانت محطّ متابعة ومراقبة من قبله، من أجل الإبقاء على ميزة السبق في استخدام هذا السلاح الحديث.
تُظهر برقية موجّهة من فرع الأمن السياسي في اللاذقية رقمها 28933 بتاريخ 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى رئيس اللجنة العسكرية والأمنية في المنطقة الساحلية، تتبّع مخابرات النظام السوري السابق أنشطة المعارضة المسلّحة في ما يتعلّق بسلاح المسيّرات.
تقول المذكرة: “وردنا معلومات من أحد فروع شعبتنا تفيد بأن ما يسمّى الحزب التركستاني الإرهابي وكتيبة غرباء فرنسا الإرهابية، يملكان طائرات مسيّرة عدد 20 من نوع “بروبر” أوكرانية الصنع. وأن الطيران الحربي السوري- الروسي يستهدف المقر ات التابعة للمجموعات المسلّحة”.
أيضا تُظهر وثيقة أخرى، تعود للفترة الزمنية نفسها تقريباً بعد شهر، وتحديداً في تشرين الثاني/ نوفمبر، أن المخابرات العامّة السورية التابعة لنظام الأسد السابق، حذّرت قوّات الجيش السوري من الاستهداف بالمسيّرات الأوكرانية التي “حصلوا عليها عبر تركيا”، كما تذكر الوثيقة، وذلك في منطقة استهدافات متنوّعة في مطار حماة العسكري ومنطقة السقيلبية وجورين وسط البلاد.
امتلاك قوّات النظام السوري السابق، المعروف بوحشيته تاريخياً، تكنولوجيا الطائرات من دون طيّار من نوع FPV حمل معه تداعيات كبيرة، خاصةً على المدنيين، كما نشر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، في تقاريره أن قوّات الأسد استهدفتهم بشكل منظّم.
سواء خلال تدريب المشغّلين على طائرات FPV، أو من خلال استراتيجية أوسع للإرهاب الموجّه ضدّ المدنيين، فإن التأثيرات تظلّ نفسها، فقد استهدفت هذه الأجهزة بالفعل العشرات من المدنيين، مما أسفر عن مقتلهم أو التسبّب بتشويههم، لا سيّما في بداية العام 2024.
علاوة على ذلك، منحت الطائرات من دون طيّار من نوع FPV النظام السوري مزايا تكتيكية واستراتيجية كبيرة. وفقاً للدكتور جلين كولوميتز مستشار القانون الدولي والمحامي العسكري السابق في الجيش الأسترالي، فإن هذه الأسلحة تكون فعّالة بشكل خاصّ، عندما تكون في أيدي فصيل لا يُولي اعتباراً كبيراً للخسائر المدنية.
ويقول كولوميتز: “من منظور الأسلحة والتوجيه، تمنح الطائرات من دون طيّار من نوع FPV القادة خيارات أكبر ومرونة أكثر ودقّة أعلى في ساحة المعركة”، مشيراً إلى أن هذا الأمر يكون أكثر وضوحاً عندما لا تكون الأضرار الجانبية جزءاً رئيسياً من عملية اتّخاذ القرار لدى القادة، وهو ما يبدو أنه الحال مع القوّات المؤيّدة للأسد.
ويضيف كولوميتز علاوة على ذلك: “إن الفوائد تتجاوز ساحة المعركة بسبب ما يسمّيه “التأثير المدمّر” بمعنى التأثير على معنويات قوّات المعارضة، وخلق حالة من الذعر والرعب بين المدنيين من الطائرات الانتحارية المحمّلة بمتفجرّات يتمّ تشغيلها عن بعد”.
ويابع كولوميتز: “لنتذكّر الاستخدام التكتيكي الشائع من قِبل القوّات الموالية للأسد للبراميل المتفجّرة – وهي في الأساس براميل مملوءة بالمتفجرات التي يتمّ رميها من طائرات الهليكوبتر إلى المناطق المكتظّة بالسكّان، من دون أي اعتبار عملي للدقّة. لقد أثبتت القوّات الموالية للأسد باستمرار اعتمادها على مثل هذه التكتيكات الإرهابية لإخضاع السكّان المدنيين، حيث تمنحهم طائرات FPV من دون طيّار وسيلة جديدة لمتابعة هذه الاستراتيجية، مع مخاطر أقلّ بالنسبة للمشغّلين، خاصّة وأن المهندسين يبتكرون طرقاً لزيادة عدد الطائرات من دون طيّار”.
تكنولوجيا تتجاوز العقوبات الغربية
يمكن اعتبار تكنولوجيا الطائرات من دون طيّار من نوع FPV، بمثابة تدبير لتوفير التكاليف بالنسبة لنظام الأسد، الذي عاني من العقوبات، “من دون تقليل التأثير الإنساني لهذه الأسلحة، فإن الطائرات من دون طيّار من نوع FPV، منحت قوّات النظام السوري ‘نتائج كبيرة بتكلفة أقلّ”، كما يوضح الدكتور كولوميتز. “هذه الطائرات… أرخص بكثير في التصنيع والتشغيل مقارنة بأنظمة الأسلحة التقليدية غير المباشرة… الكثير من التكنولوجيا المستخدمة هي تجارية ومتعدّدة الاستخدامات ومتاحة في الأسواق”، وهذا يسهّل على النظام السوري تصنيع هذه الطائرات المسيّرة، وهو ما يفعله على ما يبدو.
التقدّم السريع في التكنولوجيا ذات الطابع المدني والمتعدّد الاستخدامات يجعل من الصعب تحديد المعدّات التي تخضع للعقوبات، ومع تقدّم روسيا وإيران في تصنيع الطائرات المسيّرة محلياً، أصبح من السهل على النظام السوري الوصول إلى المكونات الحيوية اللازمة لتصنيعها.
جيل جديد من الحروب
الانتشار المتزايد للطائرات المسيّرة من طراز FPV من قِبل قوّات النظام السوري السابق، عكس النفوذ المتزايد الذي تمارسه روسيا في سوريا، والتي استفادت جزئياً من الخبرة التي اكتسبتها خلال غزوها لأوكرانيا.
تساعد هذه الخبرة أيضاً روسيا في تطوير قدراتها الذاتية على مدى عقود، كان الجيش الروسي يتطوّر تدريجياً من جذوره السوفييتية نحو قدرات معاصرة تتماشى مع المناخ الجيوسياسي والعسكري الحالي، أحد أهم مظاهر هذا التحوّل هو تركيز روسيا على تطوير قدرات عسكرية صغيرة النطاق، كما شهدنا في غزوها أوكرانيا في عام 2014، وتدخّلها في سوريا، ومشاركتها في العديد من الصراعات في أفريقيا.
وبناءً على ذلك، فإن تدريب القوّات الموالية للأسد السابقة على استخدام طائرات FPV، يتماشى مع “الجيل الجديد من الحروب” الذي تطبّقه روسيا، والذي يوضح الدكتور كولوميتز أن له “طابعاً تكنولوجياً متزايداً، وهذا يمكن أن يُسهم بشكل كبير في تعويض تراجع تصدير الأسلحة الروسية، إذا أخذنا بعين الاعتبار دور روسيا في التدريب على الطائرات المسيّرة في سوريا، فمن الممكن القول إن بيع الخبرة في مجال الطائرات FPV كأداة نفوذ متخصّص، بدأ يحلّ تدريجياً محلّ بيع الأسلحة التقليدية”.
من خلال تجربته في أوكرانيا، اكتسب الجيش الروسي مستوى من الخبرة في القتال الحديث على نطاق واسع، يتجاوز تقريباً أي دولة أخرى في العالم باستثناء أوكرانيا.
وهذا يمنح روسيا القدرة على فرض نفوذها بطريقة لا يستطيع منافسوها مجاراتها بالقدر نفسه، واكتسبت القوّات الروسية وحلفاؤها سمعة سيئة بسبب الأضرار التي تُلحقها بالمدنيين، سواء في أوكرانيا، أو سوريا، أو جمهورية أفريقيا الوسطى، أو دول الساحل. حيثما توجد القوّات الروسية أو وكلاؤها، يحوم الموت حول المدنيين، ومن خلال مشاركة خبراتها التكنولوجية، تُسهّل الدولة الروسية على حلفائها المشكوك فيهم تحقيق أجنداتهم.
تشكّل طائرات FPV المسيّرة حقاً جبهة جديدة في الحروب، ولسوء الحظ، تتصدّر روسيا هذه الجبهة. تقع المسؤولية على الجميع للحاق بها.
نُشرت نسخة من هذا التقرير على موقع “أوبن سورس” في أوكرانيا باللغة الإنكليزية، وشارك في الإعداد الزميل مصعب الياسين.
درج
———————————————-
الإعلام السوري.. ومعضلة التوازن المستحيلة/ أحمد الحجيلي
2025.04.11
يُعَدّ الإعلام مرآة الشعوب الأولى في فهم واقعها المعاصر، مهما تغيّرت وسائله أو ظهرت بدائل جديدة له. وقد ظلّت المنصات والشبكات الإخبارية حاضرة في منطقتنا العربية، حتى بعد الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي. وغالبًا ما تحوّلت وسائل الإعلام إلى منصّات استقطاب لجمهور معيّن، يسعى كل منها إلى تعزيز حضوره، والحفاظ على جماهيره، وتوسيع قاعدة متابعيه بشتى الوسائل. إلا أنّ بعض هذه الوسائل انزلقت إلى الشعبوية، فصارت تُروِّج لما يودّ الناس سماعه، أو لما يريد صاحب النفوذ أو المال بثَّه من خلالها.
ويمرّ الإعلام السوري حاليًا بمرحلة مفصلية تختلف عن سابقاتها، وهي مرحلة بدأت منذ الثامن من ديسمبر الماضي، وما تزال تنمو ببطء شديد، متأقلمة مع الظروف الراهنة التي تمرّ بها سوريا، من تغيّرات جذرية على مستويات السياسة والاقتصاد، وغيرها من المجالات الحيوية المرتبطة بحياة السوريين. ورغم ذلك، فقد أصبح التباين واضحًا بين ما يريده الناس من الإعلام، وما يستطيع الإعلام ترسيخه، وهو تباين يزداد اتساعًا يومًا بعد يوم، على الرغم من الحذر الشديد الذي تتّبعه وسائل الإعلام في خطابها.
ما بين العقل والعاطفة
رغم أنّ الشعب السوري، بكل مكوّناته، ينظر نظرة بطولية مستحقّة إلى القادة الجدد، فإن الإعلام السوري ما يزال يحاول الحفاظ على موقعه المتوازن، وتقديم خدمة إعلامية لجمهور متنوّع الأطياف والأفكار والمذاهب، كما عهد نفسه، دون الانجرار وراء العاطفة الجياشة أو التصلّب العقلاني. وتسعى وسائل الإعلام إلى الوقوف في منطقة رمادية بين العقل والعاطفة، إذ تدرك أن العاطفة اليوم هي المحرّك الأول للجمهور، وأن عامل الزمن كفيل بتخفيف حدّة هذه المشاعر، بشرط أن يُدار الخطاب الإعلامي بذكاء وحذر بالغَيْن، في محاولة لتمرير الأفكار والانتقادات دون الاصطدام بالجمهور العاطفي.
أليست العواطف الجيّاشة مستحقّة؟
بلى، إنّ العواطف التي يشعر بها السوريون تجاه القادة الجدد مستحقّة. فمن ذا الذي لا يُحبُّ مخلّصه؟ ومن لا يكون أسيرًا لمَن أسدى له معروفًا في أشدّ لحظات الضيق؟ عندما يُنقذ الإنسان من وطأة حكم بعثي عبثي دام لعقود، فمن الطبيعي أن تسيطر عليه مشاعر الامتنان العميقة، التي يصعب تقليلها أو تجاوزها.
إذا كانت شعوبٌ في بعض الدول الغربية تُقدّر قادتها لأنهم حسّنوا من مستوى معيشتها، وزادوا من رواتبها، فكيف بشعبٍ كان يُذبح ويُنهب كل يوم، ثم جاء مَن خلّصه من طغيان وعدوانٍ طال كل تفاصيل حياته؟ إنّ هذه المشاعر إنسانية أصيلة، ومن الظلم تجاهلها أو التقليل منها.
لا يجب الاستسلام للعواطف الجيّاشة
ومع ذلك، فإنّ الاستسلام الكامل للعاطفة قد يُنتج نوعًا من التشدّد والولاء غير المتوازن، مما يصعّب على وسائل الإعلام أداء دورها المهني. فالإعلام السوري، الذي سعى خلال الثورة إلى نقل معاناة الإنسان السوري إلى العالم، لا يعني اليوم انتهاء مهمته أو تحوّله إلى أداة تصفيق للسلطة الجديدة دون وعي.
فالنكبة التي أوصلت سوريا إلى حالها الحالي، كانت ـ جزئيًا ـ نتيجة لتغييب الإعلام وفصله المتعمّد عن معاناة الناس وهمومهم. ومن هنا، ينبغي على كل حكيمٍ وذي بصيرة أن يدرك هذه الحقيقة: إن إعلام الثورة لم ينشأ ليخدم سلطة، بل لخدمة الشعب السوري واحتياجاته، وقدّم في سبيل ذلك تضحيات جسيمة.
ولا يجوز بعد أربعة عشر عامًا من التشريد، والتهجير، والحصار، والتجويع، أن يُطلَب من الإعلام أن يتحوّل مرة أخرى إلى صوتٍ للسلطة، متجاهلًا حجم المعاناة الطويلة التي عاشها السوريون.
مسك الختام
لقد ذاقت سوريا، لأكثر من عقد، مرارة العيش القاسي؛ نتيجة لصمتٍ إعلاميٍّ مقيت، حجب صوت المواطن وطمس احتياجاته. واليوم، ينبغي على سوريا ألّا تعيد أخطاء الماضي، ليس فقط من خلال القوانين والتشريعات، بل عبر سلطةٍ رابعة، فاعلة، تراقب الأداء، وتصحّح الانحراف، وتنقل معاناة السوريين، الذين ما يزال كثير منهم يعيش في خيامٍ، أو يعاني فقرًا مدقعًا، وشتاتًا خلفته الحرب العبثية التي شنّها النظام البعثي على شعبه.
————————–
لماذا نبني علاقات مع كوريا الجنوبية؟.. “كوريا الشمالية شريك غير قابل للامتحان”/ عبد الناصر القادري
2025.04.11
من قال هذه الجملة الواثقة يا تُرى؟ إنه السفير السوري المستدعى من روسيا إلى دمشق مؤخراً بشار الجعفري، أحد أبرز الأصوات الدبلوماسية التي دافعت عن نظام الأسد (المخلوع) في كل المنابر التي اعتلاها.
وحدد بشار الجعفري عندما كان نائباً لوزير خارجية النظام طبيعة العلاقة مع كوريا الشمالية بقوله إنها: “علاقات شراكة غير قابلة للامتحان”.
وأضاف في مقر سفارة كوريا الشمالية بدمشق في 13 نيسان 2022: “هناك تماثل في التحليل السياسي والجيوبولتيكي لمعظم الأحداث في العالم آخرها تصويت الدولتين بنفس الطريقة على مشروع القرار الغربي ضد روسيا”.
سؤال.. ما هي السيارات الأكثر انتشاراً في سوريا؟
إذا عدنا بالتاريخ قليلاً إلى الوراء، باحثين عن جواب لسؤال بسيط؟ ما هي أكثر السيارات انتشاراً في سوريا؟ ستجد سيارات هونداي وكيا بشكل أساس المصنوعة في كوريا الجنوبية، وستجد منتجات سامسونج وإل جي التقنية من هواتف محمولة وأدوات منزلية وما إلى ذلك من منتجات تغزو الأسواق السورية، خصوصاً بعد مجيء الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى السلطة.
الغريب رغم كل ما نحصل عليه من كوريا الجنوبية أنه لم تربطنا بتلك الدولة الآسيوية المتطورة أي علاقات دبلوماسية مباشرة، على أهمية ما نستورده من أراضيهم، فالسيارات الكورية الجنوبية أرخص سعراً من الألمانية والأميركية واليابانية وأثبتت كفاءتها على مدى سنوات طويلة وتحوز ثقة المستهلك.
في السياسة، من المهم أن تبني علاقات جيدة مع الدول التي تصدر إليك حاجيات مهمة، مثل النفط والغاز وقطاع النقل والتكنولوجيا والزراعة، في “سوريا الأسد” كان التفكير عكسياً دائماً، علاقات سيئة مع الدول التي من الممكن أن نحصل منها على تخفيض في الرسوم الجمركية أو ضرائب الاستيراد أو تحسين التبادل التجاري لخلق نوع من التوازن أمام الميزان التجاري الخاسر أصلاً.
متى بدأت العلاقات السورية مع كوريا الشمالية؟
الشائع أن حافظ الأسد زار بعد انقلابه على أصدقاء الدرب عام 1970 كوريا الشمالية بأول زيارة خارجية، وهو غير صحيح، أول زيارة كانت إلى ليبيا عام 1971 وزار عدة دول بعدها (الكويت، مصر، الاتحاد السوفييتي، لبنان، باكستان، يوغسلافيا، رومانيا)، ثم في عام 1974 زار كوريا الشمالية فعلاً، في زيارة قد لا تعد غرائبية بالنسبة لنظام اشتراكي حليف للاتحاد السوفييتي ومحسوب على المعسكر الشرقي، ومصنف على أنه معادٍ للغرب!
وفي الحقيقة، بدأت العلاقة الديلوماسية بين كوريا الشمالية وسوريا في عام 1966، بعد وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، إثر انقلاب الثامن من آذار.
وفي حرب تشرين عام 1973 التي خاضتها سوريا ومصر ضد الاحتلال الإسرائيلي، حصل حافظ الأسد على أسلحة من كوريا الشمالية، وفي الغالب كانت تلك الشحنات بإيعاز من الاتحاد السوفييتي حينئذ المؤثر الأبرز في سياسات كوريا الشمالية.
عمل حافظ الأسد على استيراد ما يعرف بـ استراتيجية “الولاء المفرط”، وكان لديه إعجاب بنموذج حكم كيم جونغ إيل سونغ الجد، هذه الاستراتيجية تقوم على ضرورة تقديم كل مكونات الدولة الولاء المبالغ فيه لشخص القائد، من دون استثناء جهة أو شخص مهما كان.
وتقديم المكافأة إلى أولئك الذين يبدعون في إنتاج أشكال جديدة من الولاء، وعقاب أولئك الذين لا يقدمون الولاء بما يكفي من الخضوع.
تتبع حافظ الأسد الخطوات ونقل كثيراً منها إلى سوريا، مع وضع “إبداعاته” الشخصية على التجربة الكورية، وجعلها نموذجاً فريداً بالحكم في سوريا.
ومن الشائع أن حافظ الأسد أسس طلائع البعث (تلاميذ المدارس) وشبيبة الثورة (طلاب الثانويات) واتحاد طلبة سوريا (طلاب الجامعات) من كوريا الشمالية واستفاد من خبرة مؤسس كوريا الشمالية كيم جونع إل (1948 -1994) الشديدة.
ومن بين أشهر الألقاب التي اتخذها كيم جونغ لنفسه كانت “الأب الحاكم” و”الزعيم العظيم” و”الرجل السماوي” وكان اسمه يطبع بلون الدم في كل المنشورات، لتكون متميزة عن أية طبعات أخرى. إضافة إلى ذلك، فكل المؤسسات الكورية الشمالية وقوانين العمال والأراضي والدستور والكتب التعليمية تم تأليفها بوساطة كيم.
وهي ما يظهر استنساخ حافظ الأسد للتجربة الكورية الشمالية بشكل كبير وبناء التماثيل والأصنام أسوة بحليفه الكوري الشمالي، حيث كان من ألقابه “القائد الضروري” و”القائد الخالد”، و”القائد المؤسس” وبويع للأبد كما بويع كيم الجد.
اشتهر جونغ إل بأنه كان من أوائل من سن سنة توريث الحكم الجمهوري إلى ابنه فيما يعرف بين دارسي الحقل السياسي باسم “جملوكية” أو “جملكية” هو مصطلح مستحدث يمزج بين كلمتي الجمهورية والملكية. يستخدم عادة بطريقة ساخرة لوصف أنظمة تدعي أنها جمهورية ولكن ممالك سياسية، وخاصة في قضية توريث الحكم، وإن كانت تكتب في دساتيرها أنها جمهوريات ديمقراطية وتجري انتخابات دورية للرئاسة والبرلمان والبلديات أيضاً.
في عام 1994، ورث حكم كوريا الشمالية، الابن الأكبر كيم جونغ إل، الذي حاز لقب “القائد العزيز”، ثم ورث الحكم لابنه عام 2011، كيم جونغ أون الذي كان على صلة وثيقة بالمخلوع بشار الأسد.
كوريا الشمالية اسمها الرسمي هو “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية”، والمثير للانتباه أن كوريا الشمالية ليس فيها أي من دلالات الحكم الجمهوري الذي تحدث عنه أفلاطون، وبالطبع ليست ديمقراطية وفقاً للتعريف المعتمد للديمقراطية “حكم الشعب”، وكل انتخاباتها شبيهة بالتي كانت تجري في سوريا من ناحية النسب شبه المئوية التي يفوز بها الحزب الحاكم دوماً.
بشار الأسد وكوريا الشمالية
بعد 9 أشهر من انطلاق الثورة السورية ضد بشار الأسد، تولى كيم جون يون الحكم في 17 كانون الأول 2011، وكان نظامه يساند النظام السوري في حربه ضد السوريين.
وفي سياق ذلك، أفاد تقرير لمحققين في الأمم المتحدة، في 27 شباط 2018، أن كوريا الشمالية أرسلت المواد الكيماوية إلى سوريا، منها بلاط مقاوم للأحمضة، وصمامات، وأجهزة لقياس الحرارة.
وتأتي هذه المواد ضمن 40 شحنة لم يعلن عنها أرسلت من كوريا الشمالية إلى سوريا بين عامي 2012 و2017، تتضمن أجزاء صواريخ باليستية وغيرها من المواد المحظورة.
كما لوحظ عمل تقنيين خاصين بنظام الصواريخ الباليستية الكوري الشمالي، وهم يوجدون في منشآت لإنتاج أسلحة كيماوية وصواريخ في سوريا، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
في عام 2014، وقع الجانبان سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، التي تغطي مجالات مثل الصناعة والبنوك والنفط والطيران والسياحة، رغم أن الميزان التجاري ينحاز تلقائياً لكوريا الجنوبية.
في عام 2018، أخبر بشار الأسد السفير الكوري الشمالي في دمشق بأنه يعتزم زيارة كوريا الشمالية ولقاء كيم جونع أون ولكن ذلك لم يحصل، في الوقت الذي كان جونغ أون يحضر للقائه الشهير مع دونالد ترامب.
بحسب موقع أخبار كوريا الشمالية “NK NEWS” الأميركي المتخصص بتحليل وسائل الإعلام الكورية والحصول على بيانات منها، فإن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أونغ، وبشار الأسد تبادلا المراسلات 12 مرة خلال عام 2021.
وبين عامي 2019 و2022، أبرز النظام وكوريا الشمالية اتفاقيات شملت مجالات الإعمار والاستثمار العقاري والنقل الجوي. وتضمنت الاتفاقات تسهيلات للطيران المدني مثل تعيين شركات تشغيل، والإعفاء الجمركي، وتبادل الخبرات والمعلومات.
وتبع ذلك في 16 حزيران 2022 توقيع وزارة الإعلام في حكومة الأسد، مع اللجنة الإعلامية في كوريا الشمالية، اتفاقية تعاون في المجال الإعلامي.
كل ذلك كان مع دولة تعد الأكثر انغلاقاً في العالم، وليس لديها علاقات تجارية أو اقتصادية أو سياسية مع معظم الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.
وتشمل الصناعات الكورية الشمالية، المنتجات العسكرية، والآلات، والطاقة الكهربائية، والكيماويات، والتعدين والمنتجات المعدنية، والمنسوجات، والغذائيات والسياحة.
وكان النظام السوري يعتمد على سلوك الاقتصاد الكوري الشمالي في تخطيه للعقوبات الغربية المفروضة عليه منذ عقود، ومع ذلك لم يفلح.
كوريا الجنوبية وسوريا.. هل نتجنب كوارث الماضي؟
ومع بدء انفتاح معظم دول العالم على الحكومة الجديدة في سوريا بعد سقوط النظام، كانت كوريا الجنوبية من الدول المبادرة، خصوصاً أن لديها طموحات اقتصادية تبادلية مع سوريا، كما أن نظامها المخلوع على صلة بكوريا الشمالية الخصم التقليدي.
في شباط 2025، كانت أول زيارة من قبل مسؤول دبلوماسي كوري جنوبي إلى دمشق منذ 22 عاماً، وفي 10 نيسان الجاري وقّع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع نظيره الكوري الجنوبي، تشو تاي يول، اتفاقية رسمية لإقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا وكوريا الجنوبية، وعقب الاتفاق التقى الرئيس أحمد الشرع مع وزير الخارجية الكوري الجنوبي في قصر الشعب.
سوريا توقع اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية مع #كوريا_الجنوبية
pic.twitter.com/51W5bs1CKE — وزارة الخارجية والمغتربين السورية (@syrianmofaex)
April 10, 2025
أعرب تشو خلال المحادثات عن استعداد سيول لدعم جهود إعادة إعمار سوريا بعد الحرب، وهي عملية قال إنها قد تشمل في نهاية المطاف مجيء شركات كورية جنوبية، ولتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية.
ورحب الشيباني باحتمالية مساهمة كوريا الجنوبية في إعادة إعمار سوريا، وأعرب عن أمله في دعم سيول في تخفيف العقوبات الدولية على دمشق.
المثير للدهشة أن سوريا (وكوريا الشمالية) فقط بين كل دول العالم البالغ عددها 191 دولة، كانت لا تقيم علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، رغم أنها تستورد منها منتجات بعشرات ملايين الدولارات سنوياً.
بالعودة إلى بداية التقرير، وما له علاقة بأهمية وجود علاقات وشراكة اقتصادية متينة مع الدول التي تستورد منها أبرز الاحتياجات في قطاعي النقل والتكنولوجيا.
في الدول التي تتمتع بسياسات عقلانية ومبنية على المصالح القومية، تُبنى العلاقات الدولية انطلاقاً من الاقتصاد لا الأيديولوجيا مع أهمية التموضع السياسي الثابت عندما تدعو الحاجة. لكن ما كان يحصل في سوريا، هو العكس تماماً.
كانت دمشق تستورد بكثافة من كوريا الجنوبية، ومع ذلك، لم يتم حتى فتح قنوات دبلوماسية مباشرة أو توقيع اتفاقيات تسهّل التجارة، كالإعفاء الجمركي أو فتح خطوط شحن مباشرة أو مناطق تجارة حرة.
هذا النوع من الانفصال بين ما نستهلكه وبين من نعاديه سياسياً يشير إلى أن القرار السياسي لم يكن مرجعه مصلحة المواطن أو التاجر أو الاقتصاد الوطني، بل كان محكوماً باعتبارات أيديولوجية وتاريخية وتحالفات إقليمية، أحياناً عفا عليها الزمن.
كما أن هناك الكثير من الفرص التي ضاعت سواء مع كوريا الجنوبية أو دول شبيهة لديها تجارب مشابهة، فكوريا الجنوبية مثلاً، نجحت خلال خمسين عاماً في أن تتحول من دولة فقيرة تعتمد على المعونات إلى واحدة من أكثر الاقتصادات تقدماً في العالم.
ومستقبلاً يمكن الاستفادة منها في: “نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة، شراكات تعليمية وصحية، تطوير البنية التحتية، من قطارات إلى طاقة نظيفة واتصالات، وفرص تدريب للشباب السوري في الصناعات المتقدمة”.
ويظهر من الخطوة الأخيرة أهمية تحرير السياسة الخارجية من أسر الأيديولوجيا والانحيازات القديمة التي كان النظام المخلوع يغرق سوريا فيها، والعمل على بناء علاقات متوازنة مع “شركاء حقيقيين غير قابلين للامتحان في المنافع المتبادلة”.
تلفزيون سوريا
——————————
عن اتحاد الكتّاب السوريين/ بشير البكر
12 ابريل 2025
جاء دور الكتّاب السوريين، بعد فنّاني الدراما والتشكيليين، ليعيدوا ترتيب شؤون منظّمتهم وفق المرحلة الجديدة. لكن، كما حصل في المرّات السابقة، تدخّلت السلطات الرسمية لتضع بصمتها. وعلى هذا، كلّفت الأمانةُ العامّةُ للشؤون السياسية لجنةً لإدارة مجلس تسيير أعمال اتحاد الكتّاب. وحسب نصّ القرار، اللجنة هيئة انتقالية للإشراف على إعادة هيكلة هذه المؤسّسة، بما يتماشى مع سلسلة حوارات في دمشق، بين ممثّلين عن الاتحاد الرسمي ورابطة الكتّاب السوريين التي تأسّست في عام 2012 خارج سورية من الكتّاب الذين وقفوا في صفّ الثورة، وما يعرف “اتحاد كتّاب سورية الأحرار”، وعدة كتّاب مستقلّين. وحسب ما سرّبه متابعون، ستشهد الخطوة المقبلة دمج الكيانات في جسم واحد، تحت مسمّى اتحاد الكتّاب السوريين.
بانتظار ما ستنتهي إليه الترتيبات والخطوات اللاحقة، هناك أكثر من ملاحظة تطرح نفسها. الأولى حول دور السلطات الرسمية، التي أصدرت قراراً بتكليف لجنة المتابعة. وهي لا تملك هذا الحقّ من حيث المبدأ. ويحدو الكتّاب أملٌ بأن يقتصر دورها هنا على أن تكون مسهّلاً للحوار بين أصحاب الشأن، ومساعدتهم على حلحلة الإشكالات القانونية التي تحرّر مؤسّسة اتحاد الكتّاب من سلطة الدولة، ليعود هيئةً مستقلّةً، يقرّر الكتّاب وحدهم مستقبلها، وهيكليّتها ودورها ونظامها الداخلي. والثانية ألا تخوّل لجنة تسيير الأعمال نفسها صلاحيات التصرّف بما يخصّ المكوّنات القديمة، وأن تترك أمرها لمؤتمر عامّ ينعقد في دمشق، يحضره الكتّاب، من أجل إعادة بناء الاتحاد. والثالثة أن أغلب المعيّنين في اللجنة، ليسوا من الكتّاب السوريين المعروفين بإنتاجهم.
ينتظر الكتّابُ السوريون من السلطات الجديدة ألا تتدخّل في عملية إعادة ترتيب أوضاع مؤسّستهم، على نحو يقطع مع الماضي السيئ، ويفتح صفحةً جديدةً تسمح بإعادة بناء الاتحاد على أسس من الاستقلالية تحترم الكتّاب والكتابة، التي لا يمكن أن تعيش بلا حرّية، شرطها الرئيس عدم تدخّل الأجهزة فيما يخصّ هذا الميدان. وهذا معمولٌ به في شتى الدول التي تقوم على القانون، ولا تتدخّل فيها السلطات في عمل النقابات التي تختصّ بالدفاع عن أعضائها، ورعاية شؤونهم، وتتحمّل الدولة مسؤولية تمويل عمل ونشاط هذه المؤسّسات من المال العام، بوصفها ذات نفع اجتماعي عام.
اتحاد الكتاب ليس كبقيّة ما كانت تُعرف بـ”المنظّمات الشعبية” في عهد النظام البائد، ولم يكن يتبع رسمياً القيادة القُطرية في حزب البعث الحاكم، وتشكّل عام 1969 منظّمةً مستقلّةً. لقد بدأ التدخّل في شؤونه على نحو مكشوف منذ بداية الثمانينيّات، وبحكم تغوّل أجهزة الأمن صارت نشاطاته، من منشورات وفعّاليات، تخضع لرقابة مباشرة، وأدّى ذلك إلى تعقيم فعلي للثقافة، وإلى تعميق الهوّة بين الاتحاد والكتّاب الذين يتحلّون بقدر من الاستقلالية. ومن يدرس الوضع الثقافي في سورية، خلال العقدين السابقين للثورة، يكتشف حالةً من التصحّر الثقافي لم تعرف له سورية مثيلاً. لقد بات متعذّراً وجود كتّاب ذوي قيمة في البلد الذي أنجب جيلاً رائداً في الثقافة العربية؛ زكريا تامر وحنا مينه وعبد السلام العجيلي وغادة السمّان وهاني الراهب ونزار قباني وعمر أبو ريشة وبدوي الجبل ومحمد الماغوط وعلي الجندي وصادق جلال العظيم وجورج طرابيشي وياسين الحافظ… وعشرات من الشعراء والقصّاصين، والروائيين والمفكّرين.
لم يقتصر دور الاتحاد السابق على المشاركة في تجفيف منابع الحياة الثقافية، بل مارس أدواراً في الدفاع عن السلطة، قبل الثورة وبعدها، ولم يتحمّل مسؤولياته النقابية والأخلاقية في الدفاع عن أعضائه الذين انتقدوا النظام وأيّدوا الثورة، وظهر في بعض المواقف رديفاً لأجهزة الأمن، ولعب بعض مسؤوليه أدواراً مشينةً لا تليق بالثقافة والمثقّفين.
العربي الجديد
—————————
حقوقي: منتدى أنطاليا مساحة ممتازة لإدانة اعتداءات إسرائيل على سوريا
وصف مدير “الشبكة السورية” لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، منتدى أنطاليا الدبلوماسي بنسخته الرابعة الذي انطلقت أعماله، الجمعة، بأنه مساحة للحوار والنقاش خاصة أن الشأن السوري حاضر بقوة على الساحة الدولية.
تحديث 12 نيسان 2025
أنطاليا / محمد شيخ يوسف / الأناضول
** مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني للأناضول على هامش أعمال منتدى أنطاليا الدبلوماسي:
– منتدى أنطاليا الدبلوماسي مساحة للحوار والنقاش خاصة أن الشأن السوري حاضر بقوة على الساحة الدولية
– المنتدى منصة ممتازة للإدارة الجديدة وبشكل خاص بعد تشكيل الحكومة الجديدة حتى تطرح رؤيتها لسوريا تعددية وتشاركية
– هناك دعوة للحكومة السورية أن تعطي المحكمة الجنائية الدولية اختصاصا لتعمل على ملاحقة كبار المجرمين بالنظام المخلوع
– عدد المختفين قسريا في سوريا بلغ نحو 177 ألف شخص
وصف مدير “الشبكة السورية” لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، منتدى أنطاليا الدبلوماسي بنسخته الرابعة الذي انطلقت أعماله، الجمعة، بأنه مساحة للحوار والنقاش خاصة أن الشأن السوري حاضر بقوة على الساحة الدولية.
جاء ذلك في حوار أجرته الأناضول مع عبد الغني، على هامش أعمال منتدى أنطاليا الدبلوماسي، بنسخته الرابعة تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي انطلقت في وقت سابق الجمعة.
وعن المنتدى قال عبد الغني: “هو من أهم المؤتمرات الدولية، وهذه أول مرة يحضر رئيس سوري (أحمد الشرع) بعد سقوط نظام الأسد، ويشعر السوريون أنهم ممثلون في هذا المنتدى، وأيضا بوجود وزير الخارجية (أسعد الشيباني)”.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد مدن أخرى، منهية 61 عاما من حكم حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وأعلنت الإدارة السورية الجديدة، في 29 يناير/ كانون الثاني 2025، تعيين الشرع رئيسا للبلاد خلال مرحلة انتقالية من المقرر أن تستمر خمس سنوات.
** تمثيل عالي المستوى
وأضاف عبد الغني: “هذا تمثيل عالي المستوى في أعمال المنتدى، ونحن كمؤسسة مجتمع مدني مؤسسة حقوقية، موجودون وهناك أيضا بعض المشاركات السورية، أعتقد أن هذا الأمر غاية في الأهمية”.
وفي هذا الصدد، لفت إلى أن منتدى أنطاليا يوفر “مساحة للحوار والنقاش، وخاصة أن الشأن السوري حاضر بقوة على الساحة الدولية”.
وأكد عبد الغني أن “تداعيات سقوط نظام الأسد ما زالت حاضرة في مفاصل عديدة”.
وأشار إلى أن “ما يحصل أيضا من عملية انتقال سياسي في سوريا واستقرار كل هذا يتم تداوله في هذا المؤتمر”.
وقال: “أعتقد أنه أمر غاية في الأهمية وبشكل خاص اللقاءات الجانبية التي تعقد على هامش الجلسات، أن تقدم الإدارة السورية الجديدة نفسها للحاضرين”.
وأضاف: “أعتقد أن هذا المنتدى منصة ممتازة للإدارة السورية الجديدة، وبشكل خاص بعد تشكيل الحكومة الجديدة حتى تطرح رؤيتها لسوريا تعددية وتشاركية وتتحدث عن مستقبل البلاد”.
وفي 29 مارس/ آذار الماضي، جرى في “قصر الشعب” الرئاسي بالعاصمة دمشق إعلان تشكيل الحكومة السورية، لتحل محل سابقتها المكلفة بتصريف الأعمال.
وتضم الحكومة الجديدة 23 وزيرا، بينهم سيدة واحدة، و5 وزراء من الحكومة الانتقالية التي شكلت في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2024، لتسيير أمور البلاد عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد.
ولفت عبد الغني إلى المنتدى يمثل فرصة للحديث عن “التحديات التي تواجه الحكومة، وفي مقدمتها موضوع العقوبات على سوريا”
ووفقا لمعلومات حصلت عليها الأناضول من وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين، فإن العقوبات على سوريا بدأت في ديسمبر 1979، عندما صُنفت سوريا “دولة داعمة للإرهاب”، وأصبحت العقوبات أكثر شمولا مع بداية الثورة السورية في 2011.
وتابع عبد الغني أن من ضمن العقبات التي تواجه الحكومة السورية الهجمات الإسرائيلية المتكررة، وموضوع المخاطر، وما يحصل في جنوب سوريا، وأيضا شمال شرق البلاد وما الى ذلك”.
ورغم أن الإدارة السورية الجديدة لم تهدد إسرائيل بأي شكل، تشن تل أبيب بوتيرة شبه يومية منذ أشهر غارات جوية على سوريا ما أدى لمقتل مدنيين، وتدمير مواقع عسكرية وآليات وذخائر للجيش السوري.
واعتبر عبد الغني أن “هذه كلها تحديات الحكومة السورية بحاجة إلى معونة المجتمع الدولي”، لافتا إلى أن منتدى أنطاليا يعد “منصة ضرورية جدا للحكومة السورية لتطرح كل هذه القضايا، وأيضا تطالب المجتمع الدولي والدول الإقليمية وفي مقدمتها تركيا لمساعدتها في التغلب على هذه التحديات”.
** الجنائية الدولية
وفيما يخص تداعيات سقوط نظام الأسد وملاحقة مجرمي الحرب قال عبد الغني “التقيت اليوم على هامش المنتدى بالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وتحدثنا في موضوع محاسبة كبار المجرمين وعن دور المحكمة الجنائية الدولية”.
وأضاف: “هناك أيضا دعوة للحكومة السورية أن تعطي المحكمة الجنائية اختصاصا لتعمل على ملاحقة كبار المجرمين وبشكل خاص الذين فروا خارج سوريا، وخاصة بشار الأسد وعلي مملوك وماهر الأسد، وهو اختصاص بشكل أساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأعتقد أن هذا الأمر غاية في الأهمية ويجب أن يكون هناك تزامن بالعمل بين المحاكم الدولية والمحاكم السورية الخاصة”.
وشدد عبد الغني على أن “مسار العدالة هو مسار حيوي ويمس كل السوريين الذين هم بانتظاره لأنه إلى الآن لم يحصل ملاحقة ومحاكمة لكبار المجرمين، وما زال السوريون ينتظرون هذا”، لافتا إلى أنه “لن يحصل استقرار في المجتمع دون محاسبتهم”.
** المختفون قسرا
وفيما يخص ملف المختفين قسرا قال عبد الغني: “للأسف كارثة المختفين قسريا بعد سقوط النظام تفاقمت، وقد ثقنا آلافا من الحالات الجديدة التي لم نكن قد وثقناها سابقا وارتفعت حصيلتهم”.
وأضاف “في سوريا تقريبا نحو 20 ألف حالة لم نكن سجلناها سابقا، وأصبح الرقم الإجمالي قرابة 177 ألف مختف قسريا، وهذا رقم مرعب في الحقيقة، وبحاجة إلى جهود كبيرة جدا وتضافر من المجتمع الدولي وسنوات من العمل”.
** الهجمات الإسرائيلية
وعن الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية قال عبد الغني “أعتقد أن غالبيتها عبارة عن رسائل سياسية، إسرائيل للأسف الشديد موقفها غاية في التطرف تجاه الحكومة السورية الجديدة، وما زالت تصفها بأبشع الأوصاف”.
وأردف: “فضلا عن احتلالها أراض واسعة في سوريا، وعمليات استيطان مستمرة، وتأسيس لقواعد بما في ذلك كنيس يهودي، هذه كلها مؤشرات على البقاء الدائم”.
وتابع عبد الغني أن منتدى أنطاليا “مساحة ممتازة لإدانة هجمات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على سيادة سوريا وتقويض الاستقرار، هذا يمنعها من بسط نفوذها على كل الأراضي السورية، وأعتقد أنه من مصلحة إسرائيل عدم استقرار سوريا”.
وبشأن الاتفاق بين الرئيس الشرع وفرهاد عبدي شاهين، قائد ما تسمى قوات “قسد” (واجهة تنظيم واي بي جي الإرهابي)، في 10 مارس الماضي، قال عبد الغني: إنها خطوة جيدة وبحاجة إلى أن تكون أسرع من ذلك بكثير حتى تقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، واستعادة السيطرة على مناطق شمال شرق سوريا”.
وختم بالقول، إن “استعادة دير الزور والحسكة والرقة أمر غاية في الأهمية للسوريين، وحتى يعود أبناء هذه المناطق إلى أراضيهم، وبالتالي تتعزز وحدة الأراضي السورية، هذا سيساهم بشكل كبير جدا في استقرار سوريا، وهو أمر حيوي للمرحلة القادمة”.
————————-
انسداد أفق النظام الدولي/ حسن نافعة
12 ابريل 2025
عانى النظام الدولي في كلّ مراحل تطوّره من اختلالات هيكلية، بسبب حرص الدول الكبرى على مقاومة المحاولات الرامية إلى إدارة العلاقات الدولية استناداً إلى مفهوم جديد يقوم على الأمن الجماعي، الذي يتطلّب بناء مؤسّسات مسؤولة عن حماية السلم والأمن الدوليَّين، بدلاً من إدارة هذه العلاقات وفقاً للمفهوم التقليدي القائم على توازن القوى. وقد جرت على مدى التاريخ البشري كلّه محاولتان لبناء نظام دولي يستند إلى هذا المفهوم الجديد. أنتهت الأولى إلى قيام عصبة الأمم، التي تأسّست بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، لكنّها انهارت بعد أقلّ من ثلاثة عقود بسبب فشل العصبة في الحيلولة دون اندلاع حرب عالمية جديدة. أمّا الثانية فقد انتهت إلى تأسيس منظّمة الأمم المتحدة، التي لا تزال قائمةً، منذ نحو ثمانية عقود. ولا يعود صمود الأمم المتحدة وقدرتها على البقاء طوال هذه الفترة إلى أسباب داخلية تتعلّق بفاعلية الآليات المؤسّسية التي ابتكرتها، أو لقدرة هذه الآليات على التكيّف مع التحوّلات المستمرّة في النظام الدولي، وإنما إلى أسباب خارجية تتعلّق بتطوّرات محدَّدة طرأت على موازين القوى وعلاقاتها في النظام الدولي. فعند قيام الأمم المتحدة، كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تملك القدرة على تصنيع السلاح النووي، بل تمكّنت من استخدامه فعلاً إبّان الحرب العالمية الثانية. وما هي إلا سنوات قليلة حتى تمكّن الاتحاد السوفييتي من تصنيع هذا السلاح، ثمّ لحقت بهما دول أخرى. وبمرور الوقت، أصبح بمقدور كلّ من يمتلك هذا السلاح الرهيب أن يردّ على كلّ من يبادر باستخدامه لتوجيه الضربة الأولى، ما أدّى إلى استقرار ميزان رعب حال دون اندلاع حرب عالمية ثالثة، وضمن في الوقت نفسه بقاء الأمم المتحدة واستمرارها.
في سياق كهذا، يتضح أن السبب في عدم انهيار الأمم المتحدة لا يعود إلى فاعلية آليات الأمن الجماعي المنصوص عليها في ميثاق هذه المنظّمة، بقدر ما يعود إلى ميزان الرعب، الذي تشكّل ثمّ استقرّ في النظام الدولي بعد سنوات قليلة من قيامها. ومع ذلك، يُلاحَظ أن الأمم المتحدة، التي لعبت دوراً مهمّاً في القضاء على الظاهرة الاستعمارية، ساهمت في الوقت نفسه في إحداث تغييرات عميقة في مسار العلاقات الدولية، من خلال نجاحها في توسيع نطاق العضوية بطريقة مكّنتها من أن تصبح إطاراً مؤسّسياً جامعاً يضم الدول المستقلة كافّة في النظام الدولي، والقادرة على التفاعل معاً وفق قواعدَ موحّدةٍ تقوم على مبدأَي السيادة والمساواة أمام القانون، وذلك للمرّة الأولى في تاريخ التنظيم الدولي، ومن خلال نجاحها أيضاً، في تكثيف التفاعلات التعاونية بين الدول الأعضاء والمنظّمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، من ناحية أخرى، ما عمّق الشعورَ بأن شبكة المصالح الناجمة من هذه التفاعلات أصبحت قادرةً على التفاعل معاً داخل نسق كوني واحد، رغم التباين الكبير في موازين القوى بين الوحدات المكوّنة لهذا النسق. كما يُلاحَظ أن هذه التغيّرات كشفت في الوقت نفسه وجود ثغرات كامنة في آليات الأمن الجماعي، وأظهرت عجزها عن التأقلم مع التحوّلات المستمرّة في بنية النظام الدولي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن آليات الأمن الجماعي، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، صُمّمت استناداً إلى فرضيَّتَين أساسيَّتَين تبيّن لاحقاً عدم صحّتهما. الأولى أن التحالف الذي تحقّق بين القوى الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية سيستمرّ بعدها، وهو ما لم يحدُث بسبب انقسام هذه القوى إلى معسكرَين متصارعَين بعد سنوات قليلة من انتهاء هذه الحرب. والثانية، أن بنية وموازين القوى في النظام الدولي ستبقى على النحو الذي انتهت إليه بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وهو ما لم يحدث بسبب نمط التحالفات التي ولّدها انقسام النظام الدولي إلى معسكرَين متصارعَين ومهّد الطريق أمام صعود (وارتقاء) العديد من القوى، خصوصاً القوى التي هُزمت في هذه الحرب، وفي مقدّمتها ألمانيا وإيطاليا واليابان. وقد ترتّبت على ثبوت عدم صحّة الفرضيتَين نتائج بالغة الخطورة أدّت أولاً إلى عدم استكمال آليات الأمن الجماعي نفسها، خصوصاً ما تعلّق منها بتشكيل القوات العسكرية التي كان ينبغي أن توضع تحت تصرّف مجلس الأمن لاستخدامها عند الضرورة، وثانياً إلى تجميد لجنة أركان الحرب التي كان ينبغي أن إدارة الأنشطة المتعلّقة بنزع السلاح والعمليات الميدانية تحت إشراف مجلس الأمن. كما أدّت (ثالثاً) إلى الإسراف في استخدام حقّ النقض (فيتو) بسبب رغبة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ليس في حماية مصالحها فحسب، وإنما مصالح حلفائها أيضاً، ما أصاب مجلس الأمن بالشلل في فترات كثيرة. وأدّى ذلك (رابعاً) إلى تشكيل أحلاف عسكرية نجم منها ظهور “مناطق نفوذ” يتناقض وجودها مع صميم مفهوم الأمن الجماعي. وخامساً، تحوّل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، رغم ما بينهم من تناقضات، نادياً مغلقاً لا يسمح بإدخال تعديلات جوهرية على ميثاق الأمم المتحدة إلا في القضايا التي يحدث حولها إجماع، وهو أمر نادر. وكان من الطبيعي، في سياق كهذا، أن تتحوّل الأمم المتحدة مؤسّسةً عاجزةً عن القيام بوظيفتها الأساسية في حماية السلم والأمن الدوليَّين، وعصيّةً على الإصلاح، وغير قادرة في الوقت نفسه على التأقلم مع التطوّرات الناجمة عن تغيّر موازين القوى في النظام الدولي.
تتحمّل الدول الخمس، دائمة العضوية في مجلس الأمن، مجتمعةً المسؤولية عمّا آلت إليه أوضاع الأمم المتحدة، التي تبدو حالياً (في ضوء التهجير القسري، وحرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 17 شهراً) مريضاً مسجّى فوق سرير في غرفة إنعاش، لا يقوى على البقاء حيّاً إلا عبر وسائل التنفّس الاصطناعي. غير أن الولايات المتحدة بالذات تتحمّل القسط الأعظم من هذه المسؤولية، بسبب حرصها (من ناحية) على الانفراد بالهيمنة على النظام الدولي مهما كانت الظروف، وحرصها (من ناحية أخرى)، على تقديم أشكال الحماية كافّة، السياسية والعسكرية، للكيان الصهيوني، الذي لم يتورّع، منذ تأسيسه، عن ارتكاب أبشع الجرائم التي تشكّل انتهاكاتٍ صارخةً للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة. فالولايات المتحدة هي التي تبنّت (وبعد سنوات قليلة من قيام الأمم المتحدة) سياسة احتواء الاتحاد السوفييتي، التي جسّدها حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي شكّل قيامه عام 1949 أوّل معول هدم في صرح منظومة الأمن الجماعي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. وعندما سقط جدار برلين عام 1989، معلناً نهاية الحرب الباردة، التي اتُّهمت بالتسبب في تجميد عمل هذه المنظومة، لاحت فرصة ثمينة لإعادة إحيائها، خصوصاً عقب غزو صدّام حسين الكويت عام 1990، لكن حرص الولايات المتحدة على استخدام الأزمة وتوظيفها للتعجيل بسقوط الاتحاد السوفييتي، دفعها إلى إهدار هذه الفرصة. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي أصبحت الولايات المتحدة الدولةَ الأكثر استخداماً لممارسة حقّ النقض مقارنةً بجميع الدول الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، وكان الدافع الأساس وراء الإسراف في استخدام هذا الحقّ حماية إسرائيل، ومنع مجلس الأمن من معاقبتها على الجرائم التي ترتكبها، ما أدّى إلى تمادي إسرائيل في غيّها، ومهّد لعملية طوفان الأقصى، التي ردّت عليها إسرائيل بحرب إبادة جماعية، وبتطهير عرقي للفلسطينيين. ولم تكتفِ إسرائيل بهذه الجرائم، بل إنّها دمرت المرافق التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي جزء من البنية الإدارية للأمم المتحدة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومخيّمات اللاجئين، بل اغتالت مئات من موظّفي الوكالة، بمن فيهم عاملون في الإغاثة الإنسانية. ورغم ذلك كلّه، واصلت الولايات المتحدة دعمها غير المشروط لإسرائيل، من خلال مدّها بكل الوسائل المالية والعسكرية والسياسية التي تساعدها في ارتكاب هذه الجرائم كلّها، التي يندى لها جبين الإنسانية، ما يجعل منها شريكاً وفاعلاً أصلياً في ارتكابها.
حين تصبح الدولة الأقوى، والتي تتحمّل (بوصفها كذلك) مسؤوليةً خاصّةً في الدفاع عن منظومة الأمن الجماعي في النظام الدولي الراهن، نفسها الدولة الأكثر انتهاكاً لقواعد هذه المنظومة وأحكامها، فمن الطبيعي أن يدخل النظام الدولي الراهن برمّته في مأزقٍ لا فكاك منه. ويكفي أن نلقي نظرةً عابرةً على موقف بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لنصل إلى النتيجة نفسها. فروسيا منشغلة بالحرب في أوكرانيا، والصين منشغلة ببناء قدراتها العسكرية لمواكبة التطوّر في قدراتها الاقتصادية، وفرنسا والمملكة المتحدة منشغلتان بالبحث عن آلية مستقلّة للدفاع عن أوروبا بدلاً من الاعتماد على “الناتو” المهدّد بالانهيار، وبالتالي لا يوجد من بين هذه القوى من هو مستعدّ للحديث عن موضوعاتٍ من قبيل إصلاح الأمم المتحدة أو إعادة إحياء منظومة الأمن الجماعي أو البحث عن آليات جديدة لاتخاذ القرار في مجلس الأمن.
ولأن التجارب السابقة، في مجال البحث عن نظام دولي يتمكّن من استبدال مفهوم توازن القوى (التقليدي) بمفهوم “الأمن الجماعي” (الأكثر حداثةً)، تمت كلّها في أعقاب حروب عالمية لم تعد قابلةً للاندلاع في ظلّ توازن الرعب السائد حالياً، فالنتيجة الوحيدة التي يمكن التوصّل إليها تشير إلى انسداد أفق التطوّر السلمي للنظام الدولي القائم حالياً، الذي بات مرشّحاً للدخول في مرحلة من الفوضى قد تطول، بحثاً عن توازناتٍ جديدةٍ قد تفضي إلى نظام ثلاثي القطبية، تقوده الصين وروسيا والولايات المتحدة.
العربي الجديد
——————————
المُعتقَل في الدراما التلفزيونية السورية… حساسية الجرح المفتوح/ علاء الدين العالم
12.04.2025
من يمتلك حق سرد حكاية المعتقلين السياسيين في المسلسلات السورية ؟ وما هو تاريخ “تمثيلهم” على الشاشة قبل سقوط النظام ؟
أُسدل الستار على الموسم التلفزيوني الرمضاني في سوريا وسط عدة جدالات شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي والصحف الفنيّة، موسم لم يتعرّض إلى قضيّة المعتقلين كوننا أمام أعمال كتبت وصورت قبل سقوط نظام الأسد، لكن الجدل الواسع حول مسلسل “قيصر”، من إنتاج صفوان مصطفى نعمو وإخراجه، وتأليف مجموعة من الكتّاب السوريين حرك تساؤلات حول الحق بتمثيل المعتقلين وكتابة حكاياتهم.
الجدل حول المسلسل بدأ فور الإعلان عن بدء تصويره، وانطلق من أساسين: الأوّل كان الرفض الشامل لأي عمل فنّي يتناول قضيّة المعتقلين اليوم، خاصّة وأن الجرح مفتوح، والمسار القانوني الخاصّ بالمفقودين والمغيّبين لم يبدأ بعد، وأن كلّ المعلومات الخاصّة بالمعتقلين هي بيانات قانونية، ولا يمكن التعامل معها، أو اقتباسها من دون إذن مسبق.
أما الأساس الثاني فكان خاصّاً بالممثّلين الذين يؤدّون أدوار المعتقلين في العمل، وعلاقتهم السابقة مع النظام، وعلى رأسهم غسان مسعود، الذي ناله نصيب وافر من النقد والاعتراض على وجوده في عمل يخصّ المعتقلين.
على أية حال، وبعد أن أصدر فريد المذهان بياناً أعلن فيه عدم منحه إذناً لاستخدام الاسم “قيصر”، لأي عمل أو جهة فنية، أخذت لجنة صناعة الدراما قراراً بإيقاف تصوير العمل مؤقتاً، وأُغلق ملفّ المسلسل إلى حين، لكن فتح هذا الجدل الباب على أسئلة مختلفة، ما هي الآلية التي سينتظم فيها العمل الفنّي، أي عمل فنّي، عن المعتقلين والمغيّبين؟ وهل ستتعامل لجنة صناعة الدراما مع مسلسل “إضراب سجن صيدنايا”، المزمع تصويره؛ من تأليف سامر رضوان، بالطريقة نفسها التي تعاملت فيها مع مسلسل “قيصر”؟ أم أن صنّاع مسلسل “صيدنايا” سلكوا مساراً قانونياً يشرعن عملهم عن المعتقلين؟ وقبل كلّ ذلك، هل كانت هذه الأعمال هي الأولى التي تناولت موضوع المعتقلين في الدراما التلفزيونية السورية؟ وكيف أدّى الممثّلون والممثّلات السوريات دور المعتقل السياسي؟
المعتقل اليساري… غسان مسعود مرّة أخرى
لم يكن مفهوماً هذا الهجوم الحادّ على أداء غسان مسعود دور معتقل في مسلسل “قيصر”، وعدم الفهم هنا لا يأتي من ردّ فعل الجمهور على موقف مسعود المؤيّد للنظام السابق، بل لأن مسعود كان قد قام بالفعل في أداء دور معتقل سياسي في مسلسل “مع وقف التنفيذ”، الذي عُرض قبل ثلاث سنوات؛ من تأليف علي وجيه ويامن الحجلي، وإخراج سيف الدين سبيعي. “مع وقف التنفيذ” كان من الأعمال التلفزيونية القليلة التي تناولت قضيّة الاعتقال السياسي، وصورة المعتقل، وصُوّرت داخل سوريا. يقدّم العمل صورة عن المعتقل السياسي عبر شخصية حليم/ غسان مسعود، وتبدو الشخصية في بداية العمل متّسقة مع فكرها ومبادئها، وتُقارب في حكايتها حكاية كلاسيكية لمعتقل شيوعي في سجون البعث. مع تتابع الحلقات، تبدأ صورة المعتقل بالاهتزاز عند رواية تاريخ اعتقاله، وتحميله، بصورة أو بأخرى، مسؤولية تدمير عائلته بسبب التزامه بمبادئه، من دون الإشارة إلى أن المسؤول الوحيد عمّا حصل معه، ومع غيره من معتقلي سوريا قبل الثورة، هو النظام الأمني البوليسي الذي ابتليت به المنطقة.
للحقّ، لم يستهن مسعود بأداء دور المعتقل السياسي اليساري، ولم يقدّمه بصورة غير لائقة، أو مبالغة، أو مؤطّرة، على العكس كانت شخصية “حليم” نمطاً من أنماط المعتقل اليساري في سجون الأسد، المتمسّك بمبادئه وأفكاره. وربما كانت شخصية “حليم” ستكون واحدة من الشخصيات المعتقلة التي ستبقى في ذاكرة المشاهد، لولا النمطية التي ذهب إليها مسعود في أدائه، ولولا الهفوات النصّية التي بررها صنّاع المسلسل حينها، بصعوبة الإفلات من الرقابة الأسدية، التي تعتبر شخصية المعتقل السوري خطاً أحمر، حاول المسلسل تجاوزه.
في العودة إلى مسلسل “قيصر” لم يأتِ الجمهور المعترض على غسان مسعود، على ذكر شخصية “حليم” أو تذكّرها، حتى أنه لم يعتبرها هفوة، بقدر ما اعتبر حضور صور قيصر في مسلسل “مقابلة مع السيّد آدم”، الذي كان من بطولة مسعود وإخراج فادي سليم، هو الهفوة الكبرى في تاريخ الفنّان. لا سيما وأن صنّاع “السيّد آدم” استخدموا صوراً من صور قيصر في إطار بحث جنائي متخيّل، من دون الرجوع إلى أي مؤسّسة سورية معنّية بالمعتقلين، وتحصيل الإذن في عرض الصور في مسلسل درامي.
أنسنة المعتقل… سلاف فواخرجي كانت معتقلة أيضاً!
“أنا أنسنت الشخصية، وتعاملت معها بكل أمانة”، بهذه الكلمات أجابت الممثّلة السورية سلاف فواخرجي في مقابلتها الأخيرة، التي أثارت جدل الجمهور السوري وحفيظته. أشارت فواخرجي بتلك الكلمات إلى شخصيتها “رغد” في مسلسل “مال القبان”، الذي عُرض العام الماضي، والذي جسّدت فيه دور المعتقلة السياسية في سجون النظام، ومن دون الدخول في تفاصيل المقابلة الصحافية السرمدية لفواخرجي، نسأل: ماذا كانت تقصد فواخرجي في قولها أنسنة شخصية المعتقل؟ وقبل ذلك ما المقصود بكلمة “أنسنة” الشخصية الدرامية؟
يقصد الممثّلون عادة باصطلاح “أنسنة الشخصية”، العملية التي تتمّ في لحظة أداء الممثّل شخصية شريرة (قاتل، مجرم، لص…) أو شخصية تاريخية موسومة بعيب أخلاقي ومجتمعي (مشركو قريش مثلا) في هذه الحالة، يعمل الممثّل على إيجاد البعد السايكولوجي والعاطفي للشخصية، وإيجاد المبرّرات للأفعال العنيفة والسلبية التي تقوم بها الشخصية، من دون الدخول في حكم مسبق على الشخصية وأفعالها.
إذا طبّقنا الكلام السالف على حديث فواخرجي وأدائها لشخصية معتقلة رأي، نجد أن هناك حكماً مُسبقاً على الشخصية المعتقلة، وهذا الحكم هو ما دفع فواخرجي للقيام بـ”أنسنة” شخصية المعتقل، الإنسان المفرط في إنسانيته. فالممثّلة لا تقوم بأنسنة شخصية من دون أن يكون لها، أو للمجتمع عامّة، حكم مسبق على صحّة أفعال الشخصية وإيجابيتها. ومن هنا يعي المتلقّي، أنه كان لفواخرجي حكمها المسبق على شخصية “رغد” المعتقلة التي تؤدّيها، ولذلك “أنسنتها”! على أية حال، أدّت فواخرجي الدور باحترافية، وبأمانة كما عبّرت، لكن بالطبع مَن لم يقتنع بالاعتقال، وأهواله، لن يقدّم شخصية معتقلة تبقى طويلاً في أذهان الجمهور.
ورد… المعتقلة الأشهر في الدراما التلفزيونية السورية
رغم أنها قُدّمت قبل ١١ عاماً، بقيت شخصية “ورد/ سلافة معمار”، في مسلسل “قلم حمرة”؛ نص يم مشهدي وإخراج حاتم علي، حاضرة في أذهان المشاهدين حتى اليوم، لا بل عادت “ورد” إلى الواجهة مع سقوط نظام الأسد، واسترجع الجمهور أحاديث الثنائي المعتقل “ورد وصبا/ ريم علي) لما فيها من جدل حول أفكار معاصرة وحاضرة في الحالة السورية بعد السقوط.
المحافظة/ المتحررة، الإسلامية/العلمانية، العاطفية/العقلانية، هذه الثنائيات وغيرها كانت أساس نقاشات ورد وصبا في المعتقل، وهي ذاتها أساس الجدل السياسي القائم في سوريا حالياً. ولو أن الجدل في المسلسل يبدو أبسط بكثير مما يبدو عليه اليوم، خصوصاً مع اللغة التنظيرية، وضعف الحجج من الطرفين أحياناً (صبا وورد) إلا أن هذا الجدل نقل تجسيد المعتقلة إلى مستوى آخر، وظهرت الشخصيتان بما هما شخصية واحدة داخل رأس المعتقل السياسي، يمينياً كان أم يسارياً، محافظة كانت أم متحررة.
لا أنسنة هنا ولا مواقف وأحكام مُسبقة، هنا شخصية مركّبة وممثّلة محترفة. لم تنطلق معمار من موقف مُسبق على “ورد”، ولم تستسهل في تقديم نمط مباشر للشخصية اليسارية المعتقلة، بل جبلَتها بنفسها، ورمت الشخصية، ورمت نفسها أيضاً في ظرف الاعتقال وهلاوسه، وتنقّلت في محاكاة معاناة المعتقلة من الفكري الجدلي، والسياسي والمجتمعي، إلى اليومي والحياتي، وصولاً إلى المعاناة الجسدية، وعكس التحدّيات اليومية للنساء المعتقلات. كذلك الحال أدّت ريم علي شخصية “صبا” المحافِظة، بدون حكم مسبق على الشخصية، وبتبنٍّ صادق جعل منها تلقائية وطبيعية، وجعل لحضورها مع “ورد” في الزنزانة نفسها أثراً واضحاً، ولم تكن صدى، بل كانت شخصية من لحم ودم.
في عام ٢٠٠٨، وعقب العرض الافتتاحي لفيلم “خارج التغطية”؛ إخراج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد، ظهرت موجة غضب بين المعتقلين الحاضرين للعرض الافتتاحي، بسبب تصوير الفيلم لعلاقة جنسية بين فايز قزق وزوجة صديقه المعتقل صبا مبارك، في فترة اعتقال الصديق نضال سيجري، فورة الغضب جاءت بسبب تقديم المعتقلين السياسيين بهذه الصورة الأخلاقية الإشكالية.
مشكلة صديق المعتقل الساقط أخلاقياً حضرت في أكثر من عمل من الأعمال السابقة، وأحياناً كانت مخرجاً رقابياً في الدراما التلفزيونية المصنوعة في دمشق، أما اليوم، فعقبة الرقيب الأسدي زالت، لكن خرج بدلاً منها رقيب حقوقي وقانوني، وما جرى مع مسلسل “قيصر” هو جرس إنذار لأي عمل فنّي يتناول قضيّة المعتقلين، من دون السير في المسار القانوني والحقوقي قبل الشروع في العمل، وأنه على الجميع أن يعي حساسية العمل على الملفّ الأكثر قسوة في تاريخ التراجيديا السورية، لكن في الوقت ذاته، يجب ألا يتحوّل هذا المسار إلى رقابة جديدة، بيروقراطية ومتشدّدة ومرتبطة بردّ الفعل الشعبي، الغوغائي أحياناً.
درج
———————————————
القابون: بقايا حي وأحلام/لجين مراد
11-04-2025
استغرق الأمر أكثر من شهر لأجرؤ على زيارة القابون، الحيّ الذي أمضيتُ فيه ثلاث سنوات قبل أن أغيب عن دمشق لنحو 15 عامًا. دخلتُ الحيّ بحثاً عن ذكرياتي فيه، ووجدتني لاحقاً أبحث عن الحيّ ذاته.
حجم الركام مرعب، يحمل صوراً كثيرةً لموتٍ وفقدٍ كبير عاشه أهل الحيّ. لم يعد القابون يُشبه ما تركتُه عليه، ولم يبقَ منه إلّا رقعة كبيرة من الدمار، وحلمُ أهله بالعودة. بين حارات الحيّ، وفي منطقةٍ تبدو الحياة فيها منعدمة، التقيتُ العم عبد الرؤوف الخشن، ربما ليُرشدني إلى القليل من الحياة «بيتي هناك، تفضّلوا» دعانا عبد الرؤوف مشيراً إلى بناءٍ شبه مُدمَّر ومحاطٍ بالركام.
«لم أستطع أن أغيب طويلاً عن القابون. رمّمتُ المنزل وعدتُ إليه أملاً بأن يعود لما كان عليه» يجيب عبد الرؤوف على دهشةٍ لم أستطع إخفاءها بوجود منزلٍ قابل للسكن داخله.
يبعد حيّ القابون عن مركز دمشق نحو 4 كيلومترات، ويقع بالقرب من العديد من الطرق الرئيسية، ما يجعله نقطة وصل بين الغوطة الشرقية ومركز المدينة.
حتى منتصف القرن الماضي، كان الفضاء الاجتماعي والاقتصادي للقابون تابعاً للغوطة الشرقية، إلى أن توسّعت دمشق، فضُمّ القابون إدارياً إلى المدينة، وبدأ نسيجه الاجتماعي وهويته العمرانية يتغيّران تدريجياً، بعد أن نشأت مشاريع جديدة في الحيّ.
وخلال السنوات التي سبقت الثورة السورية، شهد الحيّ تطوراً عمرانياً ملحوظاً، لكنّه حافظ على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وكتلٍ سكنية عشوائية، بالإضافة إلى المنطقة الصناعية، وصار يُجسّد مزيجاً من حياة الريف والمدينة، خصوصاً بعد أن استقطب مهاجري الأرياف الباحثين عن العمل في المدينة.
«القابون روحي»
في منزلٍ بسيط، لا يُشبه المشهد في الخارج، يعيش العم عبد الرؤوف برفقة زوجته وعائلة حفيده، بعد أن رمّموا المنزل بمجرد أن سمح النظام السوري بذلك عام 2022. «القابون روحي، أنا من القابون، خلقان فيها، عشتُ فيها عمراً وحملتها في قلبي حتى حين غادرتها»، يقول العم عبد الرؤوف، في إشارة إلى أن أسباب عودته إلى الحيّ لا تقتصر على حاجته وزوجته إلى منزلٍ يسكنانه.
ولم يكن العم عبد الرؤوف وحده من استخدم تعبير «القابون روحي»، إذ سمعتُه لاحقاً من ميسا علاوي، وهي تتحدث عن حلمها بالعودة إلى الحيّ.
لجأت ميسا وعائلتها إلى السويد بعد نحو ثلاثة أعوام من اندلاع الثورة السورية، خوفاً على أطفالها، بعد خسارتها لبيتها الأول بالقصف، وسقوط قذيفة على بيتٍ ثانٍ استأجرته في حارةٍ أقرب إلى مدخل القابون، ظنّت أن القصف لن يطالها حينها.
عبء الذاكرة
التقيتُ ميسا وزوجها في زيارتهما الأولى للقابون بعد سنوات من اللجوء، فعلى الرغم من محاولتها زيارة الحي قبل سنوات إلا أنها لم تستطع بسبب اعتقالها من قبل أجهزة أمن النظام السوري السابق فور وصولها إلى الحدود السورية-اللبنانية.
«كانت التهمة الوحيدة أنني ابنة حيّ القابون»، تقول ميسا، مشيرةً إلى أن عائلتها اضطُرّت لدفع مبالغ هائلة لتنجو وتسافر بعدها على عجل.
رأيتُ على وجه ميسا وزوجها ملامح التيه خلال البحث عن المنزل الذي استأجراه قبل خروجهما من القابون، وكان كلٌّ منهما يشير إلى منزلٍ في الطابق الثاني بأحد الأبنية، ظنًّا أنه المنزل.
بدا امتلاكُ ذاكرةٍ لا فائدة منها في لحظة كهذه عبئاً على ميسا، وهي تحاول أن تُبرّئ نفسها من ذنب نسيانٍ لم تختره، بقولها: «كل الحارات تشبه بعضها، كل الأبنية مدمّرة ومحترقة ولا تُشبه صورتها في ذاكرتي». وبعد محاولات عديدة، اضطُرّ الزوجان للاستعانة بأحد الجيران للعثور على منزلٍ ابتلع احتراقُه ذكرياتهما وذاكرتهما.
عشتُ مشاعر مشابهة لما عاشته ميسا منذ لحظة دخولي القابون، وعجزي عن العثور على صورةٍ للأماكن المخبّأة في ذاكرتي. حين كنتُ طفلة، حفظتُ الطريق من بيتنا إلى الحديقة، وإلى منزل عمّتي، مستدلةً بأشكال الأبنية والمحال التجارية، لكن كلّ الأشياء التي كنتُ أستدل بها قد صارت اليوم أكواماً من الركام، فأدركتُ أنّ أمام رقعةٍ من الدمار كالقابون، تتحوّل ذاكرتنا حول الأماكن إلى قهرٍ وغصّة.
حلمت ميسا أن تعيش عمرها في القابون، أن يلعب أبناؤها في ذات الحارات التي لعبتْ بها، ويكبروا وسط عائلاتهم، لكنّ الحرب أجبرتها على أن تعيش وأبناءها في مكان «خالٍ من الحياة الاجتماعية»، بحسب تعبيرها.
«في بداية زواجي، لم يكن يبعد منزلنا إلّا بضعة كيلومترات عن منزل أهلي، وكنتُ أتمنّى أن نشتري منزلاً أقرب إليهم، وبعد سنوات وجدتُ نفسي بعيدة آلاف الكيلومترات»، تقول ميسا ساخرةً من تبدّل حالها وأحلامها.
عادت ميسا إلى القابون، لكنّ حُلمها بأن يعيش أطفالها بالقرب من منزل والديها، ويكبروا في حارات القابون، ظلّ مؤجّلًا بعد أن حوّل القصف تلك البيوت إلى أكوامٍ من الركام.
يتشارك أهالي القابون أحلامهم البسيطة، والمؤجّلة، بمنزلٍ يجمع عائلاتهم. بنى العم عبد الرؤوف منزله «شقى عمره» ليحتضن أبناءه وأحفاده، لكنّ الحرب فرّقت العائلة وغيّرت ملامح المنزل وسرقت منهم فرصة صنع ذكريات كثيرة تمنّى أن يعيشها مع زوجته وأبنائه.
وفي منزلهما الذي يعملان على ترميمه، حدّثني طه جريدة وابنته غنى (19 عامًا)، عن أحلامهم الكثيرة في حيٍّ انتقلوا إليه قبل عامين من اندلاع الثورة السورية، أحبّوه وأحبّوا أهله.
غادرت العائلة الحيّ عام 2012، تاركين وراءهم الكثير من تفاصيل المنزل المختارة بعناية ليكون «منزل العمر»، وعادوا ليجدوا بقايا منزلٍ سُرق منه كل شيء.
«بعد انتقالنا إلى القابون، كنتُ أُخطّط لافتتاح فرن يُخدّم الحيّ وأهله، وما زلتُ أحلم بالمشروع ذاته»، يقول طه، لافتًا إلى أن إصراره على المشروع اليوم صار أكبر ليُسهم في تلبية احتياجات الحي وتشجيع أهله على العودة، عمل طه وعائلته على إزالة ركام منزلهم وحدهم، دون الاستعانة بورشة؛ ويعمل اليوم بنفسه على إجراء العديد من الإصلاحات وعمليات الترميم بيده، لتخفيف أعباء التكاليف المادية. ورغم التعب المترتّب على ذلك العمل، ترى غنى أنّ كل شيء يهون أمام حلمهم بالعودة إلى منزلهم.
«من أوّل من خلع باب المنزل ولمس أغراضي؟ ما شعوره في تلك اللحظة؟ ولماذا؟» بصوتٍ مرتجفٍ يقاوم رغبة البكاء، طرحت غنى تلك التساؤلات التي ظلّت تدور في رأسها كلّ مرة تعثر فيها على بقايا ألعابها وذكرياتها بين ركام المنزل.
أعادني حديث غنى إلى أوّل مرّة تمكّن فيها أقاربنا من الوصول إلى القابون ومشاركة صورٍ لمنزلنا، بأضراره المقتصرة على «تعفيش» كلّ شيء تقريباً، وقذيفة اخترقت أحد جدرانه، بالإضافة إلى رصاصات طائشة أصابت نوافذه. شعرتُ حينها بأنّ من أوصل المنزل لهذه الصورة تعمّد تدمير أحلامنا بأن نعود لنجد أكواماً من الذكريات تركناها هنا.
وفي المرّة الأولى التي دخلت فيها غنى وعائلتها إلى المنزل عام 2020، بعد أن بدأ النظام السوري بمنح موافقات للأهالي لزيارة منازلهم، كان الركام قد غطّى مدخل البناء، واضطُرّت العائلة للدخول إلى البناء من فتحةٍ في الجدار «تعمّدوا تدمير كل شيء، بيوتنا وأحلامنا وذكرياتنا، وعُدنا اليوم لنُنقذ ما تبقّى منها»، تابعت غنى.
واصل طه وابنته غنى الحديث عن جدرانٍ لم تكن موجودة، وبابٍ مخلوع، وكابلات كهرباء مسروقة، محاولَين رسم صورة منزلهم الذي لم يكن يُشبه ما هو عليه الآن، قبل شهر واحد فقط.
كان حيّ القابون من أوائل الأحياء التي شهدت مظاهرات سلمية مع بداية الثورة السورية، قبل أن يُحوّله القصف المستمر والمجازر المتكررة إلى أحد حواضن «الجيش السوري الحر»، ما دفع النظام السوري إلى فرض حصار خانق على الحيّ في عام 2012، خوفاً من تبعات تمدّد «الجيش السوري الحر» مستفيداً من موقع الحيّ الاستراتيجي، باعتباره نقطة وصل بين دمشق وغوطتها الشرقية.
وتعرّض الحيّ خلال سنوات الحصار لقصفٍ متكرّر دمّر مناطق بأكملها داخله. وبعد «تسوية» أفضت إلى تهجير معظم سكان الحيّ عام 2017، عمل النظام السوري على إزالة ما تبقّى من الأبنية، مستخدماً كاسحات الألغام لتهيئة المنطقة لمخطط تنظيمي تحدثت عنه حكومة نظام الأسد مراراً.
ولم تُخفِ تلك الحكومة العديد من عمليات التفجير وتدوير الأنقاض في المنطقة، بذريعة تفجير الأنفاق و«مخلفات المسلحين».
تمكّن العم عبد الرؤوف من زيارة القابون مراراً بعد التهجير عام 2017، وكان شاهداً على أنّ نظام الأسد تعمّد محو أي أثرٍ للحياة في الحي، وحرق وتفجير ما تبقّى من المنازل.
«في كل زيارة، كانت رقعة الدمار تتّسع في الحي، وتتّسع معها خساراتنا ويزداد قهرنا»، أكمل عبد الرؤوف.
ضمن تقريرٍ صدر عن «المركز السوري للعدالة والمساءلة»، شاهدتُ مقاطع مصوّرة وصوراً بالأقمار الصناعية توثّق استخدام حكومة الأسد كاسحات الألغام في القابون، وكان من المرعب تخيّل كمّ الحيوات والذكريات التي طُمِرت تحت هذا الركام.
وخلال تجوّلي في القابون، ظللتُ أتخيّل المشهد نفسه، عدد العائلات التي دُفنت أحلامها هنا، وأفكّر بالغاية من تحويل مكانٍ كان يضجّ بالحياة إلى آخر لا يُسمع فيه إلّا صوت الموت.
استوقفتني مراراً بقايا الحيوات المخبّأة بين أبنية سُوّيت بالأرض: هويّات، ألعاب محطّمة، والكثير من الصور، بالإضافة إلى روزنامةٍ توقف الزمن فيها عند عام 2010. وفي لحظةٍ ما، شعرتُ أن كل محاولاتي للتماسك لم تعد مجدية.
مخاوف مستمرة
«الماء والكهرباء أساس الحياة، نحن متخوّفون من أن نعود وتبقى الخدمات غائبة»، يتحدث طه عن مخاوف أهالي الحي من غياب خطة حكومية لإعادة الخدمات إلى حيٍّ دمّرت العمليات العسكرية بناه التحتية، ويضيف «ما زالت معظم المحال التجارية مغلقة، ما يعني حاجة الأهالي للخروج من القابون لتأمين احتياجاتهم، في حال استمرّت مخاوف أصحاب المحال من العودة وترميم محالهم».
لكنّ القلق الأكبر كان من عدم وضوح مستقبل المخطط التنظيمي الذي فرضه النظام البائد على الحي بعد تدميره، يقول طه جريدة «أعمل الآن على الترميم، لكن الخوف حاضر من أن نفقد كل شيء مجدداً»، ويشير إلى أنّ أهالي الحي يتحدّثون عن أنّ النظام «باع الحي لروسيا أو إيران».
دفع ارتفاع الإيجارات عائلة جريدة إلى «المغامرة» والعمل على ترميم المنزل ولو بشكلٍ جزئي، وحاول طه الحصول على معلومات حول مستقبل المخطط التنظيمي للحي من قبل المحافظة، لكنّه لم يحصل على إجابة واضحة بعد.
وفي حين قرّر طه ترميم منزله، رفض جاره الأمر خوفاً من أن يُحمّل نفسه أعباء الدين ثم يخسر كل شيء بسبب المخطط التنظيمي.
أمام محلّه الصغير لتصليح الأدوات الكهربائية، قرب مقبرة القابون، قابلتُ عبد الكريم عبّاس الذي عاد إلى حيّ القابون قبل نحو شهر «كل شيء نملكه صار على الأرض»، خسر عبد الكريم منزله ومحله جرّاء العمليات العسكرية في حيّ القابون، ونزح منها إلى قريته. «قيل إنهم سيستبدلون بيوتنا ومحالّنا بأبراج حديثة، لكن ما قيمة الأبراج والحداثة أمام منازل كبرنا فيها واحتوت الكثير من ذكرياتنا؟» يتساءل عبد الكريم مستنكراً المخطط التنظيمي. «عدنا اليوم محاولين أن نعيد الحياة لهذا الحي، ولا نعرف إن كنا سنُخرج منه مجدّدًا لتنفيذ مخططٍ نرفضه»، يضيف عبد الكريم.
قبل سنوات، ومن نافذة منزلنا، كنتُ أراقب صورة الحي وهي تُجسّد شيئًا من الطبقية، التي عرّفتها حين كنتُ طفلة بأنها «الحياة لم تكن عادلة»؛ فأمام أبراج حديثة، كتلٌ من البيوت العشوائية، وأمام الحارات المُخدّمة، أخرى تغيب عنها الخدمات الحكومية أو تأتيها شحيحة.
ورغم رغبتي في أن تكون الحياة أكثر عدلاً مع سكان «العشوائيات»، شعرتُ بأن لهذا الحي خصوصيّته دائماً؛ إذ أخذت الحياة المدنية جزءاً كبيراً منه، لكنه لم يفقد هويته الريفية.
أصدرت رئيس النظام البائد بشار الأسد مرسوماً عام 2021، يقضي بإحداث منطقة تنظيم مدخل دمشق الشمالي للمنطقتين العقاريتين القابون وحرستا في محافظة دمشق، ونتج عنه في العام التالي مخططٌ تنظيمي جديد لحي القابون، قوبل المخطط بمئات الاعتراضات من قبل الأهالي، إلى جانب العديد من الانتقادات الحقوقية المرتبطة بصعوبات إثبات الملكية بالنسبة للمهجّرين وآلية تعويض أهالي الحي. لكنه بقي حبراً على ورق طيلة السنوات الماضية، لأسبابٍ مجهولة.
ولم يُراعِ مرسوم التنظيم الصادر عن حكومة الأسد خصوصية الحي، ولا حقوق أهله، ورفضت الحكومة منحهم سكناً بديلاً. وفي أواخر عام 2022، حدّدت محافظة دمشق مهلةً لأهالي القابون لترميم منازلهم، بمدّةٍ أقصاها ستة أشهر من تاريخ منحهم إذن الترميم، مشترطةً تقديم تعهّدٍ موثّق لدى كاتب العدل بعدم المطالبة بتعويض عند طلب الإخلاء لتنفيذ المخطط التنظيمي.
شبح المخطط التنظيمي دفعني لمراجعة المحافظة، حاملةً مخاوف من قابلتهم في القابون، ومخاوفي من أن يفقدوا بيوتهم مجددًا. ولسببٍ أجهله، كنتُ مقتنعة بأنّ المخطط صار بلا قيمة بعد سقوط الأسد.
في مبنى المحافظة في دمشق، تنقّلتُ بين المكاتب بحثاً عن المسؤول، حتى عثرتُ على المهندسة ورئيسة دائرة الدراسات التنظيمية، منال الوحادي، وكانت قد خرجت حديثاً من اجتماع يناقش مستقبل مخطط القابون.
«كنّا نناقش في اجتماع اليوم مستقبل المخطط التنظيمي للقابون، وستبدأ لجنة مختصة بدراسته، لكن من المرجّح أن يظلّ المخطط على حاله» قالت الوحادي، وحول تعويض العائلات التي ستفقد منازلها نتيجة المخطط التنظيمي قالت الوحادي إنّ التعويضات جزء من الملف الذي تعمل اللجنة على دراسته.
خرجتُ من المبنى بإجابة ثقيلة، تحمل المزيد من الخوف، وتُؤجّل حلم عائلات كثيرة بالاستقرار والعودة إلى منازلهم. لكنني لم أجرؤ على مشاركتها مع أيٍّ منهم، وفي قلبي خوفٌ أكبر من أن تظلّ خطوة دراسة المخطط مخفية عن أهالي القابون، ومن عدم إشراكهم بها، وأن يُحرَموا حقهم بالعودة إلى الحي واسترداد ممتلكاتهم.
لا أعرف كم ستستغرق اللجنة من الوقت لدراسة المخطط واتخاذ القرار، ولا أعرف أيضًا المدّة التي يمكن أن يستغرقها تطبيقه، لكنني ظللتُ أفكّر بأولئك الذين بدأوا ترميم منازلهم، أو عادوا إلى الحي بعد رحلة طويلة من النزوح. أفكّر بخيبتهم بمخططٍ يقتلعهم مجددًا، وبسنوات إضافية سيعيشونها متوجّسين من أن تضيع حقوقهم وتُمحى هوية الحيّ في سبيل «تنظيمه».
موقع الجمهورية
——————————–
دراسة لمركز حرمون تقدم توصيات لإعادة بناء الأمن وجيش وطني موحد في سوريا
2025.04.12
نشر مركز حرمون للدراسات المعاصرة دراسة بعنوان “إعادة بناء الأمن في سورية: تحديات واستراتيجيات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني (DDR/ SSR)”، تقدّم إطارًا شاملًا لإعادة بناء الأمن في سوريا، من خلال دراسة تقنية معمّقة لتحديات واستراتيجيات نزع السلاح، والتسريح، وإعادة الإدماج (DDR)، وإصلاح القطاع الأمني (SSR). تُمثّل هذه الورقة جهداً منهجياً لتأطير المرحلة الانتقالية ما بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024، واقتراح خارطة طريق عملية لإعادة بناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، بما يضمن الاستقرار الطويل الأمد، ويُحوّل القوى المسلحة غير النظامية إلى جزء من نسيج الدولة الجديدة.
بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024، برزت حاجة ماسّة لإعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية بشكل يضمن الانتقال من حالة النزاع إلى السلام المستدام. ولهذا الغرض، تسلط الدراسة الضوء على مسارين مترابطين:
برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR)
إصلاح القطاع الأمني (SSR)
الدراسة تفترض أن نجاح هذين المسارين يتطلب بيئة مستقرة، إرادة سياسية، وانخراطاً جاداً من مختلف الفاعلين المحليين والدوليين، مع ربطهما بعملية عدالة انتقالية ومشروع تنمية اقتصادي واجتماعي شامل.
تعتمد الدراسة على تحليل مزدوج: نظري وميداني، انطلاقاً من التجارب الدولية المقارنة، ومروراً بالسياق السوري الفريد، وصولاً إلى تصنيف دقيق لمختلف الفصائل والقوى المحلية، وفق معايير الانضباط، الأيديولوجيا، والقدرة على الدمج. نناقش فيها بواقعية صادمة التعقيدات الناتجة عن تشرذم البنية الأمنية، وغياب العقيدة الوطنية الموحدة، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالمقاتلين الأجانب، وملف الضباط المنشقين، وتوزيع الولاءات الطائفية والمناطقية.
أهم التحديات:
تعدد الفصائل المسلحة وتضارب أجنداتها، ورفض بعضها التخلي عن السلاح من دون ضمانات.
الانقسامات العرقية والطائفية، وغياب تسوية سياسية وطنية جامعة.
التدخلات الإقليمية والدولية التي تقوض أي عملية إعادة هيكلة مستقلة.
افتقار البنية القانونية الدولية الملزمة التي تنظم عمليات DDR/SSR، واعتمادها فقط على المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة.
عقب سقوط نظام الأسد، تواجه سوريا تحديات كبيرة، أهمّها مسألة بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية موحّدة، وذلك من خلال دمج التشكيلات العسكرية الحالية كافة، والتعامل مع جيش النظام السابق الذي حلّته الإدارة الجديدة. وفي هذا السياق، تبرز أهمية تطبيق برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، إلى جانب إصلاح القطاع الأمني وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، كركيزتين أساسيتين، لضمان الانتقال من حالة النزاع إلى بناء السلام المستدام.
ولا شك في أن البيئة السياسية والاجتماعية والأمنية في سوريا، بما تحمله من تشرذم فصائلي وتداخلات خارجية وانقسامات مجتمعية عميقة، تُعقِّد إمكانية تنفيذ هذه البرامج بسلاسة ويسر، ما يتطلب نهجاً شمولياً متعدد المستويات، حيث تتمثل مقومات نجاح أي استراتيجية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني في توفير ضمانات أمنية وسياسية موثوقة، وتصميم برامج اقتصادية واجتماعية تقدّم بدائل واقعية للمقاتلين السابقين، من خلال توفير فرص العمل، ودعم التأهيل النفسي والاجتماعي، والمشاركة المجتمعية الفاعلة. وتأتي أهمية هذه الدراسة من مناقشة تفاصيل هذه القضايا وتبيين مواضع الإشكال فيها.
توصّلت الدراسة إلى ضرورة وجود بنية قانونية ومؤسسية قوية، وإطار عدالة انتقالية يعالج مظالم الماضي، ويمهّد لمصالحة وطنية شاملة، إذ إن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجهود إعادة الإعمار والتنمية، ولا يمكن تحقيق إعادة إدماج حقيقية من دون ربطها بتحوّل اقتصادي يفتح آفاقاً جديدة أمام الأفراد والمجتمعات، لتجاوز هذه العقبات.
وتوصي الدراسة بضرورة وجود تنسيق وثيق بين الأطراف المحلية ذات الشأن والجهات الدولية الفاعلة (الحكومات، والمجتمع المدني، والداعمون الإقليميون)، لضمان شمول العملية ونجاحها واستدامتها، ولتحقيق الانتقال الآمن من واقع الفوضى إلى مؤسسات وطنية مستقرة تعكس تطلعات السوريين جميعًا.
وتوصي الدراسة بعملية تبدأ بتشكيل هيئة وطنية مستقلة لإدارة ملفات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ضمن إطار قانوني شفاف، وتدعو لخلق بيئة سياسية جامعة، تشمل عقدًا اجتماعيًا جديدًا يضمن المساءلة الفردية لا الجماعية، ويحمي ضحايا النزاع من دون أن يُقصي المقاتلين. كما نُبرز الحاجة إلى توافق إقليمي ودولي لضمان نجاح هذه البرامج، وضرورة ربطها بشكل وثيق بالعدالة الانتقالية والتنمية الاقتصادية، وتوفير مسارات مدنية واضحة للمقاتلين المسرّحين تضمن كرامتهم واندماجهم الكامل.
وتأكد الدراسة على أهمية عدم تكرار أخطاء التجارب السابقة في العراق، جنوب السودان، وأفغانستان، حيث أدّى تفكيك المؤسسات من دون خطط إدماج فعالة إلى إعادة إنتاج الفوضى. بالمقابل، الاستفادة من تجارب ناجحة جزئياً مثل البوسنة ورواندا، التي اعتمدت آليات متكاملة في التعامل مع الذاكرة المجتمعية، والتنوع الإثني، وبناء الثقة. بناءً عليه، تقدّم الدراسة مقاربة سورية خالصة تقوم على الدمج المرحلي، والإصلاح المؤسسي، والمساءلة الشفافة، ضمن جهاز أمني متعدد التمثيل، يعكس التركيبة الوطنية ويخضع لرقابة مدنية صارمة.
دروس مستفادة من تجارب دول أخرى:
العراق: حل الجيش السابق من دون خطط إدماج فتح الباب للفوضى والطائفية.
رواندا: دمج تدريجي للجنود بعد عمليات تدقيق، واعتماد محاكم تقليدية للعدالة والمصالحة.
البوسنة: دمج الفصائل في جيش واحد وفق نظام حصص عرقية وتقديم دعم تعليمي ومهني للمقاتلين.
لبنان: اتفاقات جزئية واستثناء “حزب الله” من نزع السلاح أدى إلى هشاشة أمنية دائمة.
أفغانستان وجنوب السودان: التمويل الضعيف والتدخلات الخارجية أدت إلى إعادة انبعاث العنف بعد فشل برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
وقال الباحث المشارك المعد نوار شعبان: “إن هذا التحليل لا يقدّم فقط مسودة تقنية لهيكلة جديدة للجيش والأمن، بل يؤسس لفلسفة أمنية جديدة في سوريا، تقوم على أن المواطن هو جوهر الأمن، وأن الاحترافية والشفافية والولاء الوطني يجب أن تكون معايير التقييم، لا الأيديولوجيا أو الاصطفاف السياسي. وتؤكد على أن نجاح برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ليس فقط مؤشراً على نهاية النزاع وإشكالياته، بل على بداية بناء سورية الجديدة، المستقرة، والمواطِنة، والموحدة تحت راية القانون والدولة المدنية”.
توصيات استراتيجية:
دمج برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ضمن مشروع وطني واحد: بحيث لا تُنفذ برامج نزع السلاح من دون وجود هيكل أمني بديل يعكس التعدد السوري، ويُدار برقابة مدنية ومجتمعية، بعيدًا عن الهيمنة الحزبية أو الطائفية.
تجنب الإقصاء الكامل للمقاتلين: بل إشراكهم تدريجيًا ضمن مؤسسات الدولة، واستبعاد من تورط في جرائم حرب فقط، بعد إخضاعه للمحاسبة القضائية.
تصميم برامج اقتصادية مستدامة: توفير فرص عمل، دعم المشاريع الصغيرة، منح القروض، وتوفير التدريب والإرشاد النفسي للمسرّحين.
بناء عقد اجتماعي جديد: يرفض العنف كأداة للسلطة، ويستند إلى نظام سياسي ديمقراطي ومؤسساتي يعيد تعريف المواطنة.
ربط عملية DDR بالعدالة الانتقالية: لطمأنة الضحايا وضمان عدم شعورهم بتجاوز مظالمهم، وبناء الثقة داخل المجتمع.
ضرورة الدعم الدولي: سواء عبر التمويل أو المراقبة أو الإشراف التقني والعسكري، خاصة في مرحلة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
التعامل الحذر مع قضية المقاتلين الأجانب: من خلال فحص دقيق، وعدم منح الجنسية إلا ضمن شروط مشددة، لمنع التلاعب الديمغرافي وتهديد الأمن القومي.
الاستثمار في التعليم والتدريب: لتمكين المقاتلين السابقين من التحول إلى أفراد منتجين في المجتمع، والخروج من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الدولة.
أبرز ما تقترحه الدراسة لسوريا تحديداً:
تصنيف الفصائل المسلحة بين مؤهلة للدمج (DDR + SSR)، أو فقط للتفكيك من دون دمج، أو فصائل أجنبية يجب استبعادها.
استخدام تجربة اللواء الثامن في درعا كنموذج لدمج فصائل التسوية ضمن المؤسسات الجديدة.
الاعتماد على الضباط المنشقين كنواة لبناء جيش وطني جديد، واستبعاد ضباط النظام المتورطين في الانتهاكات.
تلفزيون سوريا
—————————–
النقابات وإرث الأسد/ رشا عمران
2025.04.12
قد تكون فترة خمسينيات القرن الماضي هي الفترة الذهبية للنقابات المهنية السورية، وهي الفترة الوحيدة التي شهدت فيها سوريا تعددية حزبية وحراكا وعملا سياسيا واشتغالا في الفضاء العام الحزبي والسياسي.
وهو ما أعطى للنقابات هامشا لا بأس به من الحرية، فهي كانت نقابات مستقلة أولا، لا تقع تحت سيطرة الدولة، بل كانت تعمل على الوقوف في وجه السلطة الحاكمة إذا ما قامت الأخيرة بأي إجراء ينتقص من حقوق أعضاء نقابة ما، كما أن النقابات لعبت أدوارا سياسية مهمة ووقفت في وجه الدكتاتوريات التي كانت تحاول النشوء مع كل انقلاب عسكري كان يحصل في تلك الفترة، كانت لنقابة المحامين والأطباء والمعلمين وقتها أدوارا أخرى في تعزيز أهمية العلم والتعليم والتعريف بمبادئ المواطنة وحقوق الأفراد والجماعات وسلطة القانون. وقد تكون تلك النقابات هي التي حمت دولة سوريا من الانهيار وهي الدولة التي كانت وقتها خارجة من احتلالات وانتدابات تلاها العديد من الانقلابات والصراعات العسكرية، وبعضها كان دمويا، على الحكم.
لم تتوقف هذه النقابات عن الحراك حتى بعد ما سمي وقتها بثورة الثامن من آذار التي فرضت سيطرة حزب البعث على الحكم في سوريا، بقيت محافظة على استقلاليتها وعلى دورها في الوقوف في وجه القرارات التعسفية الصادرة من السلطة. إلى أن قام حافظ الأسد بحركته “التصحيحية” وبدأ بتكريس سلطته كحاكم شمولي بعد أن قضى على رفاقه في ثورة آذار سواء بالاغتيال أو السجن أو النفي، واستفرد تماما بالحكم وبدأ بالعمل علي تحويل سوريا إلى دولة قمعية شمولية مستبدة، مستلهما تجارب ستالين وماوتسي تونغ في روسيا والصين.
بدأ حافظ الأسد بمحاولته دمج النقابات ضمن أطر السلطة التي كان يرسخ أركانها، فعمد إلي تقييد استقلالية تلك النقابات عبر ربطها بحزب البعث الحاكم، وأصبحت لاحقا جزءا مما عرف وقتها بالمنظمات الشعبية التي ارتبطت مباشرة بالجبهة الوطنية التقدمية (تحالف شكلي يضم مجموعة من الأحزاب المؤيدة للأسد بقيادة حزب البعث). ما جهل النقابات تفقد استقلاليتها وتفقد معها دورها كأداة ضاغطة علي السلطة الحاكمة. ثم قام حافظ الأسد بإصدار مراسيم تعمل علي تعديل الأنظمة الداخلية للنقابات كي تتوافق مع سياسات الدولة التي كان يؤسس لها، وأقر مبدأ القيادة الجماعية والالتزام بسياسة الحزب كشرط أساسي لأي عمل أو نشاط نقابي. وفي هذه الأثناء كان يعمل بجهد، مع أجهزته الأمنية التي أعاد هيكلتها بما يضمن ولاءها له بشكل نهائي، على التضييق على أي نشاط سياسي معارض له بادئا ذلك بحملة تهميش كبيرة للنقابيين المستقلين والمعارضين، وبدأت فروع أمنه باستدعاء النقابيين وللتحقيق معهم وترهيبهم، واعتقلت بعض السياسيين؛ حتي كانت الضربة النقابية القاصمة حين قامت نقابات المحامين والأطباء والمهندسين في نهاية سبعينيات القرن الماضي وبداية ثمانينياته باعتصامات كبيرة ، الأمر الذي انتهى بفك الاعتصامات بالقوة واعتقال العديد من النقابيين والسياسيين وسجنهم لفترات طويلة جدا. وهذه كانت بداية النهاية للاستقلال النقابي ودوره كبديل عن المجتمع المدني في مراقبة عمل السلطات الحاكمة والوقوف في وجه تغولها في البلاد وتعديها على حقوق المواطنين، جماعات وأفراد؛ واكتمل ذلك بمجزرة حماة عام 1982 لتتحول سوريا معها إلى بلد الرعب الحقيقي وتأخذ شكلها النهائي الذي أراده لها حافظ الأسد.
تحولت النقابات بعدها إلي مؤسسات شكلية تابعة للدولة تستخدم كواجهة لتمرير كل السياسات التعسفية للنظام الحاكم بعد أن فقدت دورها كقاعدة أساسية لحماية المهن وأصحابها وصيانة حقوقهم وحمايتها من التعسف والاستبداد. فقدت النقابات استقلاليتها تماما وانضمت إليها اتحادات أسست حديثا لتصبح جميعها واجهة من واجهات النظام التي يعتمدها في التعريف عن نفسه كنظام يعتمد الديمقراطية الشعبية. فقد كانت هذه النقابات والاتحادات تقوم بانتخابات دورية لاختيار مكاتبها التنفيذية لكن في الحقيقة كانت الأسماء التي ستخوض الانتخابات تضعها القيادة القطرية لحزب البعث التي جمعت كل النقابات والاتحادات تحت سيطرتها، وكانت هي من يختار اسم رئيس المكتب التنفيذي وأربعة آخرين تابعين لها، وتترك لأعضاد النقابة انتخاب الثلاثة الآخرين المكملين للمجلس النقابي أو للمكتب التنفيذي للاتحاد.
لم يتغير الأمر في عهد الوريث بشار الأسد، ظلت النقابات والاتحادات تعمل بالآلية السابقة ذاتها، فهو قد ورث الحكم بكل ما فيه، لم يسعَ لتغيير أي شيء بما يتناسب مع الألفية الجديدة التي بدأت مع بداية عهده في سوريا الذي توسم فيه المجتمع المدني السوري خيرا فاستعاد نشاطه السياسي والفكري لكن تم التنكيل به واعتقال كثير من المثقفين السياسيين والقضاء التام على المجتمع المدني. حتى بداية 2011 مع انطلاق الربيع العربي وامتداده إلي سوريا، وحدوث كل ما حدث. حيث تحولت النقابات والاتحادات إلى فروع أمنية تعاقب كل من يؤيد الثورة من أعضائها وتفصلهم من النقابة وتسهم في حرمانهم من حقوقهم المادية والمدنية وتصدر بحقهم الأحكام الأخلاقية وتشوه سمعتهم عبر نعتهم بالطائفية والعمالة ودعم الإرهاب وكل تلك الاتهامات التي وصلت إلي حد القتل والاعتقال من دون أن يرف جفن لأي عضو من أعضاء هذه النقابات أو الاتحادات التي استمرت في تأييد النظام المجرم وسعت جاهدة لتلميع صورة بشار الأسد عبر الشعارات المعتادة بوصفه الوحيد الذي يقف في وجه المؤامرة الكونية التي لا تستهدف سوريا فقط بل تستهدف محور الممانعة ضد الصهيونية والإمبريالية.
ومع التغريبة السورية الكبرى بعد 2011 أعاد السوريون تشكيل نقابات وروابط مهنية وابداعية تجمعهم في الخارج. منها ما نجح واستمر رغم المعوقات ومنها ما انتهى وفشل ولم يتمكن من مقاومة العقبات اللوجستية والمادية والفكرية. لكن تجربة الأربعة عشر عاما في العمل النقابي وفي الاحتكاك مع المجتمعات الديمقراطية كان حريا بها أن تزيد في الوعي الديمقراطي وأهمية استقلال النقابات والروابط لتكون هي المجتمع المدني الذي يقف في وجه أي نظام حاكم ضامنا لحقوق أعضائها، وكان هذا ما نعول عليه جميعا في انتظار اللحظة التاريخية في سوريا وهي سقوط نظام الأسد والبدء في بناء دولة جديدة تستمد من الحداثة المدنية أساساتها.
حصل التحرير بالطريقة التي شهدها السوريون وعاد كثير من السوريين إلى سوريا للمساهمة في بناد البلد. وأصدرت هيئة الحكم الانتقالية قرارا يقضي بحل حزب البعث العربي الاشتراكي وحل كل المؤسسات التابعة له. ما يعني أن النقابات والاتحادات التي كانت تابعة للقيادة القطرية يجب أن تحل؛ لكن ما حدث لاحقا لم يكن يرتق إلي مستوى أحلام كثير من السوريين في تأسيس مجتمعهم المدني ونقاباتهم وروابطهم، فقد شكلت الحكومة الانتقالية هيئة سياسية تابعة لها ومرتبطة بها ارتباطا وثيقا سياسيا وعقائديا وأوكلت إليها مهمة تعيين مكاتب النقابات والاتحادات على أنقاض القائمة التي كان يفترض نسفها تماما وترك المهنيين والمثقفين والفنانين يشكلون نقاباتهم بأنفسهم ويخوضون تجارب الديمقراطية الحقيقية التي لطالما حلم بها السوريون. لكن للأسف هذا لم يحدث، إذ تمت تسمية أعضاد مكاتب هذه النقابات والاتحادات من قبل الهيئة السياسية بحيث تبقى هذه النقابات مرتبطة بها، في استعادة لتجربة القيادة القطرية والنقابات والاتحادات. وفي وأد كامل لأول تجارب في الديمقراطية كان يمكنها أن تحدث في سوريا. والمؤسف هو قبول أعضاء هذه المكاتب بالتعيينات المفروضة فرضا، وعدم اكتراثهم بكل مبادئ الثورة التي خرجت مطالبة بالديمقراطية والدولة المدنية وتداول السلطات.
كنا نتمنى كسوريين أن نشهد أوقاتا يمارس فيها السوريون حقهم في الانتخاب مثل كل الدول العادية، وكان إعادة تأسيس النقابات والروابط والاتحادات بداية هذا الطقس الذي يظهر أن سوريا في طريقها نحو التعافي. لكن على ما يبدو أن قدر السوريين وقدر سوريا أن تبقى في نفس الدوامة من الاستفراد في القرارات ومن محاباة السلطة والقبول بقراراتها حتى لو كانت ضد مبادئ ثورة استمرت أكثر من عقد من الزمن دفعت خلالها سوريا أثمانا باهظة في سبيل القضاء على إرث الأسد وكل ما يذكر به، لكن يبدو أن هذا الإرث أكثر تجذرا مما اعتقدنا.
تلفزيون سوريا
——————————
تأثير التعريفات الجمركية الأميركية الجديدة على الواقع السوري/ فارس الذهبي
2025.04.11
في مفاجأة كبيرة لجهة ذكر سوريا في لائحة التعريفات الأميركية الجديدة، بلغت نسبة التعريفات الجمركية الأميركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على البضائع القادمة من سوريا نسبة 41%. وهي النسبة الأعلى عربياً.
وهي تشكل كارثة على الاقتصاد الوطني السوري، الذي سجل في يوليو 2020 صادرات سورية إلى الولايات المتحدة بقيمة 468 ألف دولار، بينما وصلت المستوردات من الولايات المتحدة إلى 958 ألف دولار. وهذه أرقام لا تذكر في الأسواق العالمية، بسبب التدهور الضخم في حجم الصناعة السورية والواقع الاقتصادي السوري عموماً.
تُعد التعريفات الجمركية الأميركية إحدى الأدوات الاقتصادية التي تستخدمها الولايات المتحدة في إطار سياساتها التجارية لحماية صناعتها المحلية أو للضغط على دول معينة. ورغم أن هذه التعريفات تستهدف بشكل رئيسي دولًا كبرى مثل الصين ودول الاتحاد الأوروبي، فإن تأثيراتها تتجاوز الحدود الجغرافية لتشمل اقتصادات دول أخرى، ومنها سوريا.
تُفرض التعريفات الجمركية عندما تقوم دولة بفرض رسوم إضافية على السلع المستوردة من دول أخرى. قد يكون الهدف من هذه الرسوم هو حماية الصناعات المحلية، أو خفض العجز التجاري، أو زيادة الضغط على دول منافسة. مثل فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية على السلع الصينية لمواجهة العجز التجاري الكبير، أو تلك التي تستهدف دول الاتحاد الأوروبي في إطار سياسة تجارية تهدف إلى حماية الصناعات الأميركية من منافسة وارداتها.
ومع تصاعد النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة ودول كبرى، تتزايد الرسوم الجمركية على السلع التي تُستورد إلى أميركا، ما يُؤثر في الأسواق العالمية بشكل غير مباشر.
رغم أن سوريا ليست دولة مستهدفة مباشرة بهذه التعريفات، فإن هناك تأثيرات غير مباشرة قد تطرأ نتيجة لتلك السياسات. من أبرز هذه التأثيرات:
ارتفاع أسعار المواد المستوردة حيث تعتمد سوريا بشكل كبير على الاستيراد من دول العالم، بما في ذلك دول ذات علاقات تجارية مع الولايات المتحدة مثل الصين وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي. وفي حال ارتفاع أسعار السلع المستوردة بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، سيكون لهذه الزيادة تأثير مباشر على أسعار المواد التي تُستورد إلى سوريا عبر الدول الوسيطة.
من بين السلع التي قد تتأثر بالرسوم الجمركية: المواد الأولية مثل الحديد، والإسمنت، ومواد البناء والتكنولوجيا والآلات التي تحتاجها المصانع. والغذاء والتقانة الزراعية التي تُمثل جزءًا كبيرًا من واردات سوريا. أما المنتجات الأهم والتي ستمس عصب مستقبل سوريا، فهي كل المنتجات المتعلقة بقطاع التكنولوجيا والطاقة والاتصالات وأنظمة الحواسيب الجديدة التي يحتاجها بلد مدمر مثل سوريا، في المطارات والموانئ ومختلف أجهزة قطاع الإنترنت والحوسبة والتكنولوجيا إضافة إلى قطع الغيار لأسطول الطائرات المدنية والقطارات وحتى التسليح العسكري. مما سيدفع البلاد من جديد – إن لم يتم معالجة هذه التعريفات- مضطرة إلى إستيراد ذات البضائع من الصين وروسيا. وبالتالي ربط الأنظمة السورية لقطاع الاتصالات مثلاً مع مثيلاتها في الصين.
تؤثر التعريفات الجمركية الأميركية على أسواق العملات، حيث قد تُسهم في انخفاض قيمة بعض العملات العالمية، مما يضغط على أسعار الصرف. بالنسبة لسوريا، التي تعاني من تدهور قيمة الليرة السورية، يمكن أن يؤدي هذا إلى مزيد من التقلبات في أسعار الصرف، مما يزيد من صعوبة العمليات التجارية في السوق السورية. كما أن ارتفاع الدولار الأميركي بسبب التوترات التجارية قد يؤدي إلى زيادة التضخم في سوريا، ما يزيد صعوبة حياة المواطنين السوريين.
بسبب الحظر الاقتصادي المفروض على سوريا، تلجأ العديد من الشركات إلى دول وسيطة مثل تركيا ولبنان والإمارات. وفي حال حدوث ارتفاع في الرسوم الجمركية على السلع من الدول المستوردة الرئيسية مثل الصين أو الاتحاد الأوروبي، سيؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف التوريد إلى سوريا. كما أن هذه الزيادة قد تؤثر على أسعار المواد التي تصل إلى السوق السورية مما سيزيد الضغط على الاقتصاد المحلي
ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار بسبب التعريفات الجمركية التي ستؤثر سلبًا على المواطن السوري الذي يعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة. ستزيد هذه الزيادة في الأسعار من معدلات التضخم وتؤدي إلى ارتفاع كلفة المعيشة، ما يُحمل المواطن عبئًا إضافيًا. كما أن العجز في المواد الأساسية يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية، خاصة في ظل الظروف الحالية من الحرب والدمار.
نظرًا للتأثيرات السلبية على الاقتصاد السوري، يمكن أن يُؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بسبب الصراعات التجارية إلى تراجع في المساعدات الإنسانية التي تأتي من الدول المانحة، والتي قد تتأثر هي الأخرى بالتعريفات الجمركية وتوجهات الاقتصاد العالمي. وبالتالي، سيواجه الشعب السوري صعوبة أكبر في الحصول على الدعم الإنساني.
مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأميركية تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب، تريد إعادة ترتيب العالم والمنطقة من جديد، ليتناسب مع الخطط السياسية للعقود القادمة. لتلك الخريطة الجديدة التي ترتبها أميركا، فالتعريفات الجديدة التي هزت الأسواق، وأدت إلى تهديدات بركود اقتصادي عالمي، والتي وصف ترمب نفسه لحظة توقيعه عليها بيوم الاستقلال الجديد. سيكون لها دور هائل في الحرب الاقتصادية التي أصبحت حربًا علنية بين الولايات المتحدة والعالم. وما سوريا إلا جزء أو تفصيل صغير في هذه الحرب.
تلفزيون سوريا
—————————
إعادة بناء الأمن في سورية: تحديات واستراتيجيات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني (DDR/ SSR)/ سمير العبد الله نوار شعبان
نشر في 11 نيسان/أبريل ,2025
الملخص التنفيذي
عقب سقوط نظام الأسد، في كانون الأول/ ديسمبر 2024، بتأثير عمليات “ردع العدوان”، باتت سورية تواجه تحديات كبيرة، وأهمّها مسألة بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية موحّدة، وذلك من خلال دمج التشكيلات العسكرية الحالية كافة، والتعامل مع جيش النظام السابق الذي حلّته الإدارة الجديدة. وفي هذا السياق، تبرز أهمية تطبيق برامج نزع السلاح Disarmament والتسريح Demobilization وإعادة الإدماج Reintegration (DDR)، إلى جانب إصلاح القطاع الأمني وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية (Security Sector Reform) SSR))، كركيزتين أساسيتين، لضمان الانتقال من حالة النزاع إلى بناء السلام المستدام.
ولا شك في أن البيئة السياسية والاجتماعية والأمنية في سورية، بما تحمله من تشرذم فصائلي وتداخلات خارجية وانقسامات مجتمعية عميقة، تُعقِّد إمكانية تنفيذ هذه البرامج بسلاسة ويسر، ما يتطلب نهجًا شموليًا متعدد المستويات، حيث تتمثل مقومات نجاح أي استراتيجية DDR/SSR في توفير ضمانات أمنية وسياسية موثوقة، وتصميم برامج اقتصادية واجتماعية تقدّم بدائل واقعية للمقاتلين السابقين، من خلال توفير فرص العمل، ودعم التأهيل النفسي والاجتماعي، والمشاركة المجتمعية الفاعلة. وتأتي أهمية هذه الدراسة من مناقشة تفاصيل هذه القضايا وتبيين مواضع الإشكال فيها.
توصّلت الدراسة إلى ضرورة وجود بنية قانونية ومؤسسية قوية، وإطار عدالة انتقالية يعالج مظالم الماضي، ويمهّد لمصالحة وطنية شاملة، إذ إن عملية DDR و SSR ترتبط ارتباطًا وثيقًا بجهود إعادة الإعمار والتنمية، ولا يمكن تحقيق إعادة إدماج حقيقية دون ربطها بتحوّل اقتصادي يفتح آفاقًا جديدة أمام الأفراد والمجتمعات، لتجاوز هذه العقبات. وتوصي الدراسة بضرورة وجود تنسيق وثيق بين الأطراف المحلية ذات الشأن والجهات الدولية الفاعلة (الحكومات، والمجتمع المدني، والداعمون الإقليميون)، لضمان شمول العملية ونجاحها واستدامتها، ولتحقيق الانتقال الآمن من واقع الفوضى إلى مؤسسات وطنية مستقرة تعكس تطلعات السوريين جميعًا.
يمكنكم قراءة المادة كاملة من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه:
تحميل الموضوع
مركز حرمون
—————————
إقفال المعابر غير الشرعية مع سوريا: ضربة لاقتصاد لبنان أم فرصة؟/ بشير مصطفى
تدار بطرق غير نظامية وتشهد العبور في الاتجاهين وازدهار تهريب الوقود
الجمعة 11 أبريل 2025
ملخص
فتحت المعابر غير النظامية “أبواب الرزق” لسكان مناطق الأطراف التي تتداخل بين لبنان وسوريا، ويتنقل عشرات الآلاف من اللبنانيين والسوريين عبر تلك المعابر بسبب إغلاق المعابر التي تديرها الجهات الرسمية الحكومية، فمن الجانب اللبناني تعرضت المعابر لقصف إسرائيلي متكرر أخرجها من الخدمة، فيما تعرضت المعابر السورية لأضرار فادحة بسبب هجوم الأهالي عليها بعد سقوط نظام البعث السوري.
جاء التهريب بالازدهار للمناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، وهو ما لم تحققه وعود “الإنماء المتوازن” والخطط الحكومية التي بقيت حبراً على ورق وجهة نظر شريحة واسعة من أبناء منطقة وادي خالد في أقصى عكار شمال لبنان، ففي تلك المنطقة لا تزال البنى التحتية بدائية، ولا تزال الطرق بأكثرها ترابية، حيث يستخدم الأهالي في تنقلاتهم الدراجات الجبلية، وبدأ كثير منهم الاستغناء عن الزراعة المكلفة لمصلحة العمل على المعابر.
ويعد التهريب في تلك المنطقة “ظاهرة تاريخية”، فليس بالجديد انتقال الأشخاص عبر المعابر غير النظامية ومن دون تفتيش، وهو ما تفرضه طبيعة المنطقة الجغرافية وتسهله العلاقات الاجتماعية والروابط العائلية، كما أنه جاء نتيجة طبيعية لبحث الإنسان عن سد تأمين مورد دخل ثابت وسد حاجاته الأساسية، فاستغل الناس قرب المسافات، ونصبوا على النهر ألواحاً خشبية سموها جسوراً لتسهيل العبور.
في تلك المنطقة لا يجيد السكان إخفاء الأمور، فهم يتحدثون بالحقائق كما هي، إذ يستثمر الأكثرية الفرصة المتاحة لكسب رزقهم، وجاء انهيار نظام البعث السوري، وقصف المعابر النظامية بين لبنان وسوريا لتوسيع حدود تلك الفرص مع رغبة جامحة لدى الناس لزيارة سوريا والاطلاع على الأوضاع بعد هرب بشار الأسد وعائلته ومساعديه إلى موسكو، وشكلت مرحلة الأحداث الساحل السوري، محطة في تزخيم المعابر غير النظامية، إذ دخلت ما يزيد على 20 ألف نازح عبر سهل عكار وحدها نحو لبنان، إذ يقيمون لدى أقاربهم في القرى ذات الغالبية من الطائفة العلوية.
رحلة ممتعة وآمنة
خلال عطلة عيد الفطر شهدت المعابر غير النظامية بين لبنان وسوريا حركة ناشطة، إذ غادرت عائلات سورية لبنان لتمضية فرصة العيد بين أهاليهم والعائدين، كما قصد لبنانيون سوريا للتنزه، واستكشاف الأحوال هناك، والتجوال على ما تبقى من أسواقها القديمة، ومقومات الحياة فيها.
تصف الشابة آية رحلة العائلة إلى حمص بـ”المريحة” و”الممتعة”، وتروي على بعد مئات الأمتار من أحد مراكز الأمن العام اللبناني في عكار أنها عبرت إلى سوريا من خلال معبر يقع مقابل “كازية أم جامع”، إذ “دفعنا 70 دولاراً للمسؤول عن المعبر لأننا سيارة عائلية، ومن ثم عبرنا على طريق ترابية إلى الجانب السوري”. وتضيف “بعد نصف ساعة فقط كنا في قلب مدينة حمص، بينما كنا نحتاج إلى سبع ساعات من أجل التوجه من الشمال إلى معبر المصنع، ومن ثم تحمل الإجراءات الروتينية، وقطع مسافة طويلة، وبالتحديد هذا السبب الذي دفعنا لتفضيل معبر وادي خالد”، مشيرة إلى أنه “عندما أصبحنا في الأراضي السورية، كان عناصر قوات الأمن العام السوري في غاية التهذيب معنا، وكانوا يوجهون إلى عدم تفتيش النساء وتسهيل حركة القادمين من طرابلس بسبب المعاملة الحسنة التي لقيها السوريون أثناء إقامتهم في تلك المنطقة لبنان”.
من جهته يتحدث عامر عن ذهابه لتفقد أملاكه في سوريا، إذ عبر إلى هناك رفقة العائلة لقضاء فرصة العيد، وقد اضطر إلى العبور سيراً على الأقدام، قبل التوجه إلى حمص وباقي المناطق السورية من خلال سيارات موجودة على الطرف الثاني للحدود، مشدداً على أنه “ما كان للعائلة أن تعود وترى أملاكها مجدداً لولا سقوط نظام البعث في سوريا”، ويلفت إلى أن الرحلة كانت منتجة، إذ زار محافظات سورية عدة من حمص إلى حماة وحلب، وحالت الظروف دون التوجه إلى درعا.
حدود واسعة
على طول 378 كيلومتراً تمتد الحدود البرية بين لبنان وسوريا، ومن أجل ضبطها تتوزع من الجانب اللبناني 40 برج مراقبة متطورة، تديره قوة الحدود البرية، إلا أن الأعداد غير كافية وهو يجعل أعمال التهريب ميسرة وسهلة، وفي منطقة عكار، يتولى فوج التدخل البري الأول مراقبة وضبط 110 كيلومترات من الحدود على امتداد 56 بلدة لبنانية.
في الآونة الأخيرة انشدَّت العيون إلى منطقة سهل عكار بوصفها النقطة الرئيسة التي دخل من خلالها آلاف النازحين من قرى الساحل السوري وحمص إلى القرى الحدودية، مستفيدين من أواصر القربى وسهولة التضاريس، فيما تزدهر عمليات نقل البضائع شمالاً في وادي خالد.
ويؤكد العارفون بالمنطقة أن تداخل الحدود اللبنانية والسورية، يجعل “عمليات الضبط غير ممكنة إطلاقاً” على رغم الجهود التي يقوم بها الجيش اللبناني، إذ أوقف في الثالث من أبريل (نيسان) الجاري 192 سورياً حاولوا التسلل إلى لبنان بصورة غير نظامية، في المقابل نشرت صفحة “وين الدولة” عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لتهريب آلاف غالونات البنزين إلى سوريا في شاحنات “بيك أب” صغيرة عبر الحدود اللبنانية – السورية.
تؤكد أوساط مطلعة على أمن المعابر النظامية في شمال لبنان أنه بعد استهدافها في الـ26 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 تعرضت تلك المعابر إلى أضرار كبيرة، وهي لا تزال مغلقة حتى يومنا هذا، سواء كان معبر العبودية، العريضة، أو حتى البقيعة، مضيفة أن “معبر العريضة تمت صيانته وجاهز للافتتاح، وكذلك الأمر بالنسبة إلى معبر العبودية الأقل تضرراً بانتظار قرار حكومي، وقيام الجانب السوري بتأهيل وصيانة المركز في الجانب السوري بعد تعرضه للتكسير والنهب عقب سقوط النظام السابق، وربما يحتاج ذلك إلى وقت لدعمه لوجيستياً، إضافة إلى تأهيل الجسر للعبور بين البلدين”.
في المقابل تنتشر أحاديث بين الأهالي عن توجه لإغلاق معبر البقيعة في وادي خالد، بسبب عدم رغبة الجانب السوري باستمرار، والاكتفاء بمعابر العريضة والعبودية، وتحذر الأوساط الأمنية اللبنانية من أخطار تركيز حركة العبور على المعابر غير النظامية، “لأنه في الأحوال الطبيعية كانت العربة تمر وتتعرض للتسجيل والتفتيش عبر نقطة الجمرك اللبنانية، قبل وصولها إلى الأمن العام، حيث مزيد من التدقيق ومنح الأذونات، ومن ثم الدخول إلى الجانب السوري للحصول على إذن الدخول، ومن ثم رقابة الجمارك السورية”، فيما لا تخضع المعابر غير النظامية لهذه الاحتياطات الأمنية.
من الجانب السوري للحدود، يتحدث سلمان مشرف على أحد المعابر قرب منطقة الشيخ عياش لـ”اندبندنت عربية” عن دورها في تخفيف وطأة أزمة الوقود في سوريا، إذ تدخل صهاريخ الغاز والبنزين، ويتخوف من “أخطار جمة تتعرض لها المنطقة بسبب تجميع الآلاف من غالونات البنزين بسعة 10 ليترات على طول المناطق الحدود، وأي شرارة نار قد تؤدي إلى كارثة بسبب كثافة عبور، وتصدير البنزين من دون معايير الصحة”، لافتاً إلى أن “الجغرافيا تسهم في ازدهار المعابر، إذ يكفي للمسافر العبور على ألواح خشب فوق النهر، ليدخل إلى الجانب السوري”.
ويقوم مسؤول المعبر بتأمين العابر بوسائل النقل، إذ يؤمن له الانتقال بواسطة النقل العام إلى حمص لقاء 10 دولارات، وإذا أراد سيارة كاملة يمكنه استئجار سيارة لقاء 50 دولاراً، لافتاً إلى أن “الربح ضئيل لأن سعر صفيحة البنزين في سوريا 20 دولاراً، أما في لبنان 15 دولاراً، ولكن الطلب في ازدياد لأن حركة النقل ازدادت كثيراً بسبب عودة أعداد كبيرة”، و”يُتوقع تراجع تدريجي لأعمال تهريب البنزين من لبنان بسبب ضخ النفط ونقله من الشرق السوري إلى مصفاة حمص، مما ينذر بحلول مستقبلية ممكنة”.
في قلب اقتصاد التهريب
يعتبر التهريب مورد دخل لسكان المناطق الحدودية بين البلدين، فيما تتحدث بعض التقارير الإعلامية عن أن الجزء الأكبر من النشاط التجاري بين لبنان وسوريا يكون اليوم عبر المعابر غير الشرعية.
هذا التهريب ليس بالجديد بحسب الخبير الاقتصادي بلال علامة، إذ يستغل الأهالي التداخل من أجل نقل البضائع بين طرفي الحدود والاستفادة من فارق الأسعار.
يقر الدكتور علامة أن هذا النوع من التبادل بمثابة النشاط غير الرسمي ويصنف غير شرعي، ويعتبر أنه ذو تأثير محدود في الاقتصاد في حال استمر على النطاق الضيق واقتصر على المناطق المتداخلة، ولتأمين الاستهلاك الفردي المحدود، إلا أن تجاوزه تلك الحدود يصبح ضاراً بالاقتصاد الوطني. من هنا، يتحدث علامة عن تجارة غير شرعية منظمة تديرها شبكات تهريب، وتعمل على تأمين حاجات دولة من سلع معينة على حساب دولة أخرى ومدخراتها. وهو ما تعرضت له الساحة اللبنانية خلال السنوات القليلة الماضية، إذ نشطت عمليات تهريب السلع المدعومة من مصرف لبنان نحو الداخل السوري، من ربطة الخبز وصولاً إلى الدواء، بغية تخفيف الخناق المفروض على النظام السوري السابق بموجب قانون قيصر.
تؤدي تلك الأنشطة إلى خسارة البلاد لمداخيل كبيرة للخزانة على شكل فوات فرص وخسارة الرسوم والضرائب المهدورة، ويتطلب الأمر تدخلاً من السلطة المركزية للحد من تلك التجاوزات التي تتخذ الطابع المنظم. ويشدد علامة على ازدهار التهريب في مختلف دول العالم في ظروف معينة وفي مناطق محددة قد تكون بعيدة من المركز، ولكن تسعى الدولة إلى تقييده ومنع اتساعه أو الوقوع في شرك الجريمة المنظمة والتجارة غير الشرعية.
المعبر الوحيد
يؤكد المتخصص العسكري أكرم سريوي أن عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية أسهمت في تجذر المعابر غير النظامية قائلاً “هناك أسباب عدة منعت ضبط الحدود البرية في المرحلة السابقة، أهمها عدم توافر الإمكانات الكافية لدى الجيش اللبناني، فالطبيعة الجبلية الوعرة تحتاج إلى عدد كبير من العناصر، والتجهيزات الفنية، إضافة إلى أن الجيش السوري أيام النظام السابق، كان يرعى عمليات التهريب”، متابعاً أن العلاقة التي كانت قائمة مع “حزب الله” الذي كان لديه عدد كبير من المقاتلين في سوريا وكانوا يتنقلون بين البلدين عبر معابر غير شرعية، وليس هذا وحسب، فالتداخل السكاني في عدة مناطق حدودية “سمح بتجذر عصابات التهريب، بخاصة في ظل تراجع سلطة الدولة على تلك المناطق”.
تشكل سوريا المعبر البري الوحيد للبنان نحو الدول العربية وتركيا، ويسلط سريوي الضوء على تحول بعض النقاط الحدودية، إلى “مراكز نشطة ومهمة للتجارة وتبادل السلع، لعبت دوراً مهماً في تنشيط الدورة الاقتصادية”، مستدركاً “لكن خروج الأمور عن سلطة الدولة، وانتشار جماعات تهريب مسلحة، وتدهور الوضع الاقتصادي في سوريا جراء العقوبات، جعل المناطق الحدودية منافذ للنظام السوري للتفلت من العقوبات، وتجارة الكبتاغون، وتهريبه عبر لبنان إلى دول عربية وغير عربية”، لافتاً إلى أن الضرر الأكبر حدث للبنان جراء تهريب المواد المدعومة، من وقود وسلع غذائية، وتهريب الدولارات إلى سوريا.
ملف على الطاولة
في زيارتها الأخيرة، طرحت المندوبة الأميركية مورغان أورتاغوس ملف ضبط الحدود اللبنانية – السورية في المنطقة الشمالية أي عكار، والشرقية في البقاع والهرمل، ويضع سريوي هذا الاهتمام الأميركي بموضوع الحدود البرية في إطار النظرة العامة إلى مستقبل لبنان وموقعه في السياسة الأميركية، إذ يقول “اتضح من الزيارة الأخيرة للمبعوثة الأميركية أن الولايات المتحدة تولي اهتماماً خاصاً للبنان، وفي أكثر من ملف، بدءاً من الشأن الأمني والمطالبة بنزع سلاح ’حزب الله‘، وتشكيل لجان فنية للتفاوض المباشر وبحث مسائل أمنية وحدودية واقتصادية مع إسرائيل، وصولاً إلى مطالبة بالإصلاحات المالية والإدارية ومكافحة الفساد وغير ذلك”.
ويتجلى هذا الاهتمام الأميركي المتزايد، حسب سريوي من خلال “الإلحاح على تنفيذ المطالب الإصلاحية وبسط سلطة الدولة، يوضح أن أميركا التي تبني قرب بيروت، واحدة من أكبر سفاراتها في العالم، تريد أن يدخل لبنان مرحلة جديدة من الاستقرار والتعافي، الذي يسمح لها بجعله مركزاً مهماً لعملها في منطقة الشرق الأوسط”. ليخلص إلى أنه “انطلاقاً من هذه الرغبة الأميركية يمكن فهم اهتمام أورتاغوس بمسألة الحدود البرية، وضبط المعابر بين لبنان وسوريا، ويبدو أن واشنطن تدرك أن الوضع في سوريا، سيكون هشاً لوقت طويل، وهناك تخوف من تسرب جماعة مسلحة، وتهريب سلاح ومخدرات عبر الحدود، وفي الاتجاهين، لأن الفوضى على جانبي الحدود بين لبنان وسوريا، ستشكل خطراً على الداخل اللبناني، وكذلك على أمن إسرائيل، وهذا ما يقلق الأميركيين”.
الإدارة المؤجلة
ينشر الجيش اللبناني خمسة أفواج على طول الحدود الشمالية الشرقية، وقدمت بريطانيا مساعدات مهمة للجيش لبناء أبراج مراقبة لضبط الحدود، لكن الطبيعة الوعرة للمنطقة والتداخل السكاني وتجذر عصابات التهريب، سمح ببقاء معابر غير شرعية عديدة، وفق تأكيد المتخصص سريوي الذي حذر من تكرار ما جرى في الأمس القريب بسبب تداخل الحدود، بعدما شهدت المناطق الحدودية اشتباكات بين الجيش اللبناني والمهربين، وكذلك بعض العشائر اللبنانية خاضت قتالاً مع عناصر من هيئة تحرير الشام، عندما تقدمت الأخيرة للسيطرة على بعض القرى الحدودية السورية، وأثارت تلك الأحداث قلقاً أميركياً، من احتمال انفجار الوضع. ويتحدث سريوي عن دور لعبته السعودية في تبريد الأجواء، وعقد اللقاء بين وفد أمني لبناني وسوري في الرياض، والاتفاق على نقاط عدة لضبط الوضع، وأبدى تخوفه من تكرار تلك الأحداث، معتبراً أن “ما جرى لا يطمئن بصورة كاملة، ولا يزال التخوف موجوداً من تدهور الوضع على جانبي الحدود”، مذكراً بـ”مطالبة بعض الأطراف بنشر قوات الأمم المتحدة لمساعدة الجيش، لكن لبنان ما زال يرفض هذا الطلب”.
———————–
السلطة الخفيّة في حرستا… “النهار” تكشف خفايا مجلس الشورى وتشكيلته
وصل المجلس إلى حرستا برفقة قوات “ردع العدوان”، التي سيطرت على دمشق في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وسرعان ما فرض المجلس هيمنته على المدينة، مستفيداً من حالة الفوضى التي أعقبت سقوط النظام.
تحديث 12 نيسان 2025
كشفت الحادثة التي تعرّضت لها الصحافية السورية حنين عمران، مراسلة “تلفزيون سوريا” في دمشق، يوم الجمعة الماضي، عن وجود ما يُعرف بـ”مجلس شورى حرستا”، الذي وصفته عمران بأنه “دولة داخل الدولة”، وذلك خلال بث مباشر قدّمت فيه تفاصيل الاعتداء الذي تعرّض له المصوّر المرافق لها على يد ضابط أمن تابع لهذا المجلس يُدعى أبو ماجد علايا.
وقالت عمران في مستهلّ البث المباشر: “مدينة حرستا، على ما يبدو، خارج الدولة السورية، وخارج أي تصريح أو بطاقة صحافية، بل وخارجة عن الدنيا كلها”. وأضافت: “مجلس الشورى في حرستا يتحكّم بالمدينة كما يشاء، فهناك سلطة مطلقة لهذا المجلس، ولا أدري من أين جاء بها”.
ويأتي هذا الكلام في وقت يوجد فيه مجلس مدينة رسمي في حرستا، إضافة إلى جميع المؤسسات التابعة للدولة السورية. إلا أنّ الواقع يشير إلى أن هناك سلطة غير رسمية تتجاوز هذه المؤسسات، تتكوّن من مجموعة من الأشخاص برئاسة أبو علي القعقاع، وتتدخّل في جميع تفاصيل الحياة داخل المدينة، وتشرف على عمل باقي المؤسسات.
وفي هذا السياق، رصدت “النهار” تشكيل مجلس شورى حرستا لعدد من اللجان التي تدير شؤون القطاعات المختلفة في المدينة، أبرزها اللجنة التعليمية واللجنة الفلاحية. ويعقد المجلس اجتماعات شبه دورية مع مجلس مدينة حرستا، في تكريس واضح لما يعتبره دوراً إشرافياً وتوجيهياً.
وأفادت مصادر محلية، فضّلت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، بأن مجلس شورى حرستا هو هيئة أسّسها في ريف حلب وإدلب منذ سنوات “جيش الإسلام”، بهدف ضبط أوضاع أهالي حرستا الذين نزحوا بعد التسوية التي أُبرمت في الغوطة الشرقية عام 2018 بين الجيش السوري آنذاك و”جيش الإسلام” والفصائل الأخرى.
وأضافت المصادر أن هذا المجلس وصل إلى حرستا برفقة قوات “ردع العدوان”، التي سيطرت على دمشق في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وسرعان ما فرض المجلس هيمنته على المدينة، مستفيداً من حالة الفوضى التي أعقبت سقوط النظام، إضافة إلى امتلاكه قوة عسكرية كانت تقاتل تحت راية “ردع العدوان”.
وأكد مصدر مقرّب من مجلس الشورى هذه المعلومات، مضيفاً أن المجلس “يتألف من قيادات قديمة في صفوف الثوار، دون الانتماء إلى فصيل محدد”، وأن مهمته الأساسية هي حفظ الأمن في المدينة ومنع أعمال الانتقام ضد عناصر “البعث” أو “الشبيحة” التابعين للنظام السابق.
مهام المجلس
من جهة أخرى، ذكر بيان نُشر على صفحة “مدينة حرستا” في موقع “فايسبوك”، أن مهام مجلس شورى حرستا تشمل:
• إدارة الشؤون المحلية: تنظيم وإدارة الحياة اليومية في المدينة، وتوفير الخدمات الأساسية.
• تقديم الخدمات: تحسين نوعية الخدمات العامة، مثل التعليم، الصحة، المياه والكهرباء.
• الأمن والاستقرار: الحفاظ على الأمن وتنسيق الجهود بين الفصائل المختلفة.
• التنسيق مع الفصائل المسلحة: لضمان استقرار الأوضاع.
• المشاركة المجتمعية: تشجيع السكان على المشاركة في صنع القرار والاستماع إلى مطالبهم.
• التخطيط والتنمية: وضع خطط لتطوير البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية.
• التواصل مع المنظمات الإنسانية: تسهيل العمل مع الهيئات الدولية لتقديم المساعدات.
تشكيلة مجلس الشورى
وفق ما أفاد به المسؤول الإعلامي لمجلس شورى حرستا لـ”النهار”، فإن هذا المجلس هو هيئة شعبية أهلية أُسّست في الشمال السوري عقب زلزال 8 شباط/فبراير 2023، لمتابعة شؤون أهالي المدينة المهجّرين، خاصة بعد فقدان حرستا أكثر من 300 شخص في مدينة جنديرس بريف عفرين.
وكشف المسؤول عن تشكيلة المجلس التي أثارت جدلاً واسعاً بعد بثّ مراسلة تلفزيون سوريا، قائلاً إن المجلس يرأسه مصباح عبد الجليل المعروف بكنية أبو علي القعقاع، ويتألف من:
• مصطفى سقر (أبو عمر) – مهندس مدني.
• محمد العباس (أبو ياسين) – خريج كلية الدعوة.
• الشيخ محمد صادقة (أبو أحمد) – من كبار قراء الغوطة الشرقية بالسند المتصل والقراءات العشر.
• محمود النمر (أبو أحمد) – رئيس نقابة الصاغة في دمشق.
• الشيخ محمد علي الشيخ درويش (أبو هيثم) – خريج معهد الفتح الإسلامي ومقرئ مجاز.
• حسين غبيس (أبو إبراهيم الأسمر) – طالب سنة ثالثة علوم سياسية في جامعة حلب.
وقد أُضيف إليهم أربعة أعضاء جدد من غير المهجرين إلى ريف حلب، وهم:
• أحمد طه جمعة – طبيب أسنان.
• أحمد سليمان – طبيب جراحة عامة.
• إبراهيم الغلاييني – مهندس كهرباء.
• محمد الجبه جي – مدرّس رياضيات وحاصل على إجازة جامعية.
وأشار المكتب الإعلامي لمجلس شورى حرستا، في حديثه مع “النهار”، إلى أن إضافة الأعضاء الأربعة جاءت تأكيداً لمبدأ التشاركية، وعدم حصر العمل في شريحة المهجرين، مع الاستفادة من خبرات من عاشوا في ظل النظام السابق.
وشدّد المصدر على أن “مجلس مدينة حرستا هو الجهة المسؤولة عن إدارة الخدمات، بينما يقتصر دور مجلس الشورى على التنسيق والتشاور، بالتعاون مع إدارة منطقة الغوطة الشرقية ومحافظة ريف دمشق”.
وردّاً على سؤال عمّا إن كان مجلس شورى حرستا هو المجلس الوحيد في المنطقة، أشار المصدر إلى “وجود مجالس مشابهة في العديد من بلدات ومدن الغوطة الشرقية، تختلف تسمياتها من منطقة إلى أخرى، وهو أمر متعارف عليه في تلك المناطق”.
القعقاع وخطف رزان زيتونة ورفاقها
وبما أن اسم أبو علي القعقاع ذُكر سابقاً ضمن لائحة المتهمين بخطف الناشطة الحقوقية رزان زيتونة ورفاقها أواخر عام 2013، توجهت “النهار” بسؤال عن هذا الموضوع إلى مسؤول المكتب الإعلامي، الذي أوضح قائلاً: “السيد أبو علي القعقاع هو مصباح عبد الجليل، من أبناء مدينة حرستا، ومن أوائل الثائرين فيها”.
وأضاف: “لقب القعقاع يستخدمه عدد من الأشخاص في الغوطة الشرقية منذ اندلاع الثورة. ونحن نؤكد عدم صلته بهذه القضية، بل نؤيد أي تحقيق جاد يوصل الفاعلين الحقيقيين إلى محاكمة عادلة”.
النهار العربي
——————————–
في الهوية السنية لسوريا الجديدة: محكومون بالأمل، أم بالموت، أم بكليهما؟/ د: حسام الدين درويش
ردّاً وسجالاً مع موريس عايق
نشرت حكاية ما انحكت مؤخراً مقالاً للكاتب موريس عايق، تحت عنوان “سوريا السُنيّة.. تزاوج بين سرديّةٍ سلفية جهادية وسرديّة شديدة الطائفية”، يعلن فيه أن “سوريا السُنيّة عنوانُ المرحلة القادمة من تاريخ سوريا”. هنا ردٌّ من الكاتب والمفكّر السوري حسام الدين درويش الذي يرى أن “ضعف التنظير والتوجّه الأيديولوجي يقلّل كثيراً من احتمال نجاح أو حتى وجود مشروع الهوية السنية لسوريا”.
24 آذار 2025
يحاجج كثيرون أنّ السوريين ليسوا شعباً، وإنما هم مجموعة إثنياتٍ أو شعوب (عرب، وأكراد، وتركمان، وسريان، وأشوريين، … إلخ) وأديان وطوائف متناحرةٌ (مسيحية أرثوذكس، وكاثوليك، وبروتستانت، وإسلام سنة، وعلوية، ودروز، واسماعيلية.. إلخ). ويشدّدون على أنّ هذا هو الواقع الذي ينبغي الاعتراف به والانطلاق منه والتوقّف عن إنكاره، وأنَّ الانقسام الأهلي الطائفي الإثني يعبِّر عن اختلافٍ في “طرق الحياة”، وهو يقف خلف كلّ الصدامات والنزاعات في سوريا، الجديدة والقديمة. ويستغربون ويستهجنون إنكار ذلك، رغم أن السؤال الطائفي يقبع في خلفية تفكير كلّ من يتناول هذه الصدامات والنزاعات والأوضاع في سوريا عموماً.[1]
يزداد حضور هذه الرؤية في الخطاب السوريّ النخبويّ، ويتصاعد التوجّه الذي يرى في الجماعات الدينية أو الطائفية جماعاتٍ إثنية. والحديث عن الطوائف بوصفها إثنيات، يعني تعريفها بالاختلافات القائمة بينها وبين الطوائف/ الإثنيات الأخرى، انطلاقاً من أنّ تلك الاختلافات أكبر و/ أو أهم من القواسم المشتركة الموجودة في ما بينها. وفعلاً، هذا ما يتم التركيز عليه، غالباً، في هذا السياق. ووفقًا لذلك المنظور، العلوية والمسيحية والإسماعيلية والدروز ليسوا عرباً، بل إثنيات ناطقة باللغة العربية. ولا يُنظر إلى الكرد والتركمان (السنة) إلا بوصفهم إثنيةً مختلفةً عن الإثنيات الأخرى. وتبقى الأكثرية العربية السنيّة المجموعة أو الجماعة الوحيدة التي يتم اشتراط أن يكون المنتمي إليها، أو المنسوب إليها، عربيّاً وسنيّاً، في الوقت نفسه. وبهذا، يتم استبعاد العرب غير السنة، والسنة من غير العرب من هذه المجموعة أو الجماعة. وبدلاً من أن تضم حوالي أكثر من 85% من السوريين في حال الحديث عن العروبة، وأكثر من ثلثي السوريين، في حال الحديث عن (الإسلام) السنة، تصبح هذه الأكثرية أقل من نصف عدد السوريين، عند اشتراط الجمع بين العروبة والسنية.[2]
ويأتي الحديث عن الطوائف بوصفها إثنياتٍ من جهاتٍ مختلفة. فإضافةً إلى أنه يمثل النظرة الاستشراقية النمطية والتنميطية، فهناك من يتبناه في الأكاديميات الرصينة[3] ومن النخبة الفكرية السورية. ولا يلتزم أصحاب هذا التصنيف بمعايير واضحةٍ للتمييز بين الطوائف والإثنيات والشعوب.. إلخ. وحتى عندما يرون أنّ معيار “الاعتقاد الذاتيّ” هو المعيار الحاسم، يجزمون بوجود مثل هذا الاعتقاد مع الإقرار المتذمّر، أحياناً، من غياب التعبير عنه. ولا يبدو واضحاً كيف يمكن الجزم بوجود مثل ذلك الاعتقاد وهيمنته وديمومته من دون حتى أن يتم التعبير عنه! ولست متأكداً من نسبة الأفراد السوريين المنتمين نسباً إلى المسيحية أو العلوية أو الدروز أو الإسماعيلية الذي يعتقدون أن السنة فقط هم المنتمون إلى الإثنية العربية في سوريا، وأن مجموعاتهم أو جماعاتهم الدينية أو المذهبية أو الطائفية متمايزة عن الإثنية العربية، وأنها مجرد جماعاتٍ ناطقةٍ باللغة العربية. وثمة مزاعم بأن أغلبية الأفراد المنتمين إلى الأقليات الدينية والطائفية في سوريا يعتقدون بذلك التمايز، ولدى كثيرين، وأنا منهم، شكوكٌ كبيرةٌ في موضوعية أو مصداقية تلك المزاعم.
وإذا كان مفهوماً أن تميل الأقليات إلى تبنّي رؤيةٍ طائفيةٍ لكونها أقليةً، وأن يكون لدى أفرادها قلقٌ وجوديٌّ مستقرّ، وشعورٌ بالاغتراب الدائم عن المحيط الذي تهيمن عليه الأكثرية، كما يقول هشام شرابي، في كتابه “المثقفون العرب والغرب”[4]، فإنّ الأكثرية العربية أو السنية قد تكون أقل ميلاً، من حيث المبدأ، لتبنّي رؤيةٍ طائفية، لأسبابٍ تتعلّق بكونها أكثريةً بالدرجة الأولى. وتظهر تلك الرؤية الطائفية في وقت الأزمات والتوترات والاضطرابات، وما أكثرها. والمقصود بالرؤية الطائفية، في هذا السياق، رؤية الأمور والتفاعل معها، انطلاقاً، من أوضاع (المنتمين إلى) الطائفة ومخاوفهم ومطامحهم، ومن القلق أو الخوف الوجودي المحايث لوجودهم. ﻓ “هناك معضلة مطروحة على الأقليات، ولا تعرفها الأكثرية، وهي أنّ كل معركة هي معركة وجودية وكل هزيمة هي إيذانٌ بدمار وجودي”[5]. هذا ما سبق لموريس عايق أن شدَّد عليه ببلاغة. وقد كتب مؤخرًا مقالًا مهمًّا بعنوان “سوريا السُنيّة… تزاوجٌ بين سرديّةٍ سلفية جهادية وسرديّة شديدة الطائفية”، يعلن أو ينذر فيه أن “سوريا السُنيّة عنوانُ المرحلة القادمة من تاريخ سوريا”، وأنّ الإدارة الحالية تقوم ﺑ “إعادة تعريف هوية سوريا انطلاقاً من هُويّةٍ سنيّة تنظر إلى نفسها بوصفها جماعةً قومية، جماعة ذات عصبية، بمعزلٍ نسبيّ عن الاعتقادات الدينية لأبنائها ومدى أرثوذكسيتها”. وأنّ مشروعَ الهوية السُنيّة في سوريا مشروعٌ فاشيّ، ينطوي على خطرٍ إباديٍّ للآخرين”. و”الآخرون” هنا ليسوا المنتمين إلى الطوائف أو الإثنيات السورية الأخرى فحسب، بل عددٌ كبيرٌ من السنة أنفسهم أيضاً.[6]
يتضمن توصيف عايق لسوريا السنية الفاشية، أو لمشروع الهوية السنية لسوريا الجديدة، رؤيةً نظريةً متينة السبك ومنسجمة العناصر أو الأبعاد. وقد عبَّر كثيرون بعد سقوط/ إسقاط النظام الأسدي، ومنهم كاتب هذه السطور، عن مخاوفهم من “السنية السياسية” الناشئة في سوريا. والمقصود بتلك “السنية” تلك الأفضلية الممنوحة أو المظنون لدى كثيرين (من السنة) أنه ينبغي أن تكون ممنوحةً للسنة على باقي الطوائف والإثنيات لأنهم سنة، وأن تُفرَض تلك الأفضلية بالقسر والإكراه، انطلاقًا من الزعم بأنّ السنة، في العهد الأسدي، لم يكونوا مظلومين فحسب، بل كانوا المظلومين بامتيازٍ أيضاً، وبأنّ العدالة والواقعية والحكمة تقتضي بأن يكونوا هم، خصوصاً أو تحديداً، الأعلون في الدولة الجديدة، لأنهم الأكثرية، ولأنهم المنتصرون الذين ضحوا بالغالي والنفيس إلى أن تمكنوا من إسقاط النظام الأسدي.
سأقتصر، في ما يلي، على إبداء بعض الملاحظات النقدية لمضمون النصّ المذكور للكاتب المتميِّز موريس عايق، مع التشديد على أنّ السمة النقدية لتلك الملاحظات لا تنكر أو تنفي قيمة النص وغنى مضامينه، بل إنّها تتأسّس على تلك القيمة، وذلك الغنى، وتسعى إلى البناء عليهما، في الوقت نفسه.
يبدو النص ردّ فعلٍ منفعلاً بمجازر الساحل الطائفية التي يُقدَّر عدد ضحاياها بألف شخصٍ علويّ. وهو كذلك، لأنه لا يأخذ في الحسبان ما حصل قبل ذلك الحدث، وما كتبه عايق نفسه في هذا الخصوص. كما أنه لا يرى المستقبل إلا استطالةً لهذا الحدث الذي يرى أنه يجبُّ ما قبله، ويؤسّس لما بعده، بحيث يكون تكراراً أو محاكاةً ما له. ففي خصوص الماضي المُهمل، رأى عايق نفسه، سابقاً، أنّ خطاب الفصائل، تجاه مكونات الشعب السوري، خلال عملية ردع العدوان، كان “متقدّماً جدّاً”، وتمنى لو أن ذلك الخطاب “كان حاضراً خلال السنوات الأولى من الثورة لدى الفصائل المسلحة وقتها، فربما كان لمسار الأحداث عندها أن يكون مختلفاً جداً عمّا آلت إليه الأمور”[7]. وقد بقي هذا الخطاب سائداً حتى اليوم، لدرجةٍ أو لأخرى. وليس واضحاً تماماً أو مؤكّداً مدى تعبير تلك المجازر عن التوجّهات الحالية و/ أو المستقبلية لإدارة الأمر الواقع. وينبغي أن نتذكر ونأخذ في الحسبان أنّ سقوط النظام ترافق مع سقوط أو انهيار أهم مؤسسات الدولة أو مواتها واضمحلالها. وينطبق ذلك على المؤسسات العسكرية والأمنية انطباقاً خاصّاً. ومن الواضح أنه ليس لدى السلطة الحالية، حتى الآن، قدرةٌ على ضبط الامن أو حتى ضبط الفصائل التابعة لها أو المتحالفة معها أو ضبط السلاح في المناطق الخاضعة لها.
وفي خصوص المستقبل، يمكن التشديد مع عايق بأن “المستقبل مجرد إمكانيات، وتَحقُّقها يتعلق إلى حدٍّ كبير بسلوكنا الخاص”. وانطلاقاً من التشديد المذكور يمكن النظر إلى مشروع الهوية السُنيّة بوصفه مجرّد إمكانيةٍ بين إمكانياتٍ مختلفة، وليس مؤكداً أو حتى مرجحاً أن يكون “الدم والخراب مرجّحين لزمنٍ قادم”، كما يرى عايق.
والجدير بالانتباه والتأمل هو أنه كتب في خاتمة مقالٍ سابقٍ له، عن الوضع السوري بعد سقوط/ إسقاط النظام الأبدي، “علينا أن نُردِّدَ «إننا محكومون بالأمل»، التي قالها سعد الله ونوس عشية انهيار الأحلام الكبيرة”[8]. في المقابل نجد في المقال الأخير رؤيةً سوداويةً (شبه) يائسة ترى أن “هذا المشرق في حالةٍ من الخواء والعجز عن تقديم خياراتٍ بديلة، وكأنّنا محكومون بالموت لزمنٍ طويلٍ قادم”[9]. وحال عايق كحال بعض، وربّما معظم السوريات والسوريين الذين قد تتقلّب أحوالهم بين الفرح والحزن، والتفاؤل والتشاؤم، والأمل واليأس، أكثر من مرّةٍ في اليوم الواحد أحياناً. ولهذا ينبغي لهم/ لنا التريّث في اختيار مَن أو ما نحن محكومون به، وعدم الاستعجال في اختيار الأمل أو اليأس ليكون أحدهما الحاكم الأوحد لهم/ لنا. وقد لا نكون (مضطرين إلى أن نكون) محكومين بالأمل (وحده)، ولا باليأس (وحده)، بل بكليهما معاً غالباً. ومن هنا تبرز قيمة التأنّي الشديد في إطلاق الأحكام الجازمة أو الواثقة في خصوص الواقع السوري الحالي وآفاقه المستقبلية. فالتغيّرات أو التغييرات كثيرة وكبيرة ومتسارعة، والعوامل الداخلية المحلية والخارجية الإقليمية والدولية المؤثرة في توجيه مساره أو مساراته كثيرة ومعقدة. وليس سهلاً ولا مناسباً الضبط النظري لكلّ هذه المتغيّرات وتأكيد او حتى ترجيح مسارٍ ما، من دون أخذ كلّ الممكنات والمسائل الرئيسة في الحسبان. ومن دون التحوّط والانضباط المعرفي تكون معارفنا، غالباً، مجرّد ردود فعلٍ نفسانيةٍ على واقعٍ تتلاطم أمواجه وتتغير أحواله، بحيث تتنافى مضامينها تنافيًا ذاتيًّا، فتُثبت اليوم ما تنفيه غدًا، وتنفي بعد غدٍ ما تُثبته غداً، فتغرق في الواقع نفسيًّا، بدل أن تستوعبه وتمتلكه معرفيّاً.
في مقالٍ سابق، أشار عايق محقّاً إلى أنّ نظام الأسد قد “أغلق المستقبل حرفياً، فيما فتح سقوطه الباب على جميع الإمكانيات، من أفضلها إلى أسوئها”[10]. ونجد أنه من الضروري ألا تجعلنا ردود فعلنا الانفعالية نخطئ بالإسهام في إعادة إغلاق ذلك الباب، نظريّاً وعمليّاً، أو الإيهام بأنه مغلقٌ، بما يفضي إلى تهميش أو تهشيم الإمكانيات الإيجابية، وتحقيق أو تفعيل الإمكانيات السلبية. وهذا ما يبدو أن عايق يفعله حين يشير في ختام مقاله إلى أننا محكومون بعدم وجود خيارات بديلةٍ (إيجابيةٍ)، وبعدم القدرة على إيجادها. ولهذا نجد أنه لا يتناول أو لا يرى، في هذا المقال، إلا مشروع “سوريا السنية الفاشية”، مع استبعاد أو إقصاء أو تجاهل أو إنكار وجود أيّة خياراتٍ بديلةٍ عن ذلك المشروع المدمِّر. ولا تبدو هذه الرؤية الأحادية موضوعيةً معرفيّاً ومناسبةً سياسيّاً، بقدر ما تعطي الانطباع بأنها زفرةٌ نفسانيةٌ حزينةٌ يائسةٌ. ويمكن وصفها بالخطأ، بالمعنى الديكارتي للكلمة، لأنّ إرادة الحكم تتجاوز فيها المعطيات المتاحة أمام العقل والإدراك. ولا يحصل هذا التجاوز عند وجود الرغبة في شيءٍ ما فحسب، بل يحصل، أيضًا، عند وجود رغبةٍ عن شيءٍ ما أو خشيةٍ منه. وثمّة خشيةٌ كبيرةٌ وواضحةٌ من فاشية سوريا السنية وسلبياتها الكثيرة والكبيرة. وهذا هو الأساس النفسي أو النفساني الذي يبدو واضحاً أن النص يتأسّس عليه، ويحاول أن يؤسِّس له أو يعبِّر عنه معرفيّاً، في الوقت نفسه.
ويبدو مشروع سوريا السنية، المزعوم أو المظنون، توجّهاً أيديولوجيّاً من دون أيديولوجيا، أي من دون رؤيةٍ نظريةٍ واضحة المعالم عما يجب أن يكون. فليس واضحاً ما هي ماهيةُ الأساس الأيديولوجي النظري الذي يحكم توجهات سلطة الأمر الواقع الحالية، وليس مؤكداً أو مرجحاً وجود مثل ذلك الأساس الأيديولوجي. وهذا الافتقار إلى الإنتاج الفكري النظري سمةٌ للأيديولوجيات والحركات الإسلامية السورية في العقود الأخيرة، ومن ضمنها حركة الإخوان المسلمين، التي بقيت تعتاش على إنتاج حسن البنا ومصطفى السباعي وسعيد حوى.. إلخ، وتجترّه، من دون أن تقدّم تنظيراً جديداً يشرح توجّهاتها الفكرية والسياسية المختلفة في العقود الخمسة أو الستة الأخيرة. ويتحدث عايق، في عنوان مقاله، عن أنّ مشروع سوريا السنية هو حصيلة تزاوجٍ بين “سرديّةٍ سلفية جهادية وسرديّةٍ شديدة الطائفية”، لكنْ لم يتطوّع أي طرفٍ لكتابة قصة ذلك التزاوج وحصيلته والتنظير له. ويبدو ذلك التزاوج أقرب إلى زواج المتعة أو المسيار العابر من كونه زواجاً أو ارتباطاً كاثوليكياً لا مجال للطلاق بين طرفيه. وثمّة قرائن عديدةٌ على أنّ السلطة تتصرّف، قولاً وفعلاً، ببراغماتية وفقاً لرؤيتها لضرورات الواقع، أكثر مما تتصرّف وفقًا لأيديولوجيا أو عقيدةٍ (دينيةٍ) جامدةٍ وواضحة المعالم. ومع الإقرار بوجود ما يمكن تسميته ﺑ “جناحٍ عقائديٍّ” في الفصائل التي يقودها الجولاني/ الشرع، يمكن القول مع توماس بييريه، الذي كتب في 20 آذار الحالي: “يُظهر المسار السياسي للرئيس الحالي أنه غالباً ما يعتبر أنّ الجناح العقائدي في منظمته تهديدٌ يجب أن يحمي نفسه منه”[11]. إن ضعف التنظير والتوجّه الأيديولوجي يقلّل كثيراً من احتمال نجاح أو حتى وجود مشروع الهوية السنية لسوريا، الذي يتحدث عنه عايق.
يمكن لتفاعلنا مع ما يحصل في الواقع (السوري) أن يكون منشغلاً أو مهووساً بالبحث عمّا يؤكّد أحكامنا المسبقة. ويمكن لمثل ذلك الانشغال أو الهوس أن يدفع كثيرين إلى التشكيك في القيمة الإيجابية لبعض الأحداث أو الأقوال أو الأفعال التي يبدو أنها تخالف تلك الأحكام، وإلى الطعن في نوايا أصحابها لنفي تلك القيمة. في المقابل، يمكن للانشغال المذكور أن يدفعنا إلى التسرّع في إطلاق أحكامٍ عامةٍ وشاملةٍ، في ردّ فعلٍ على سلبيةٍ أو سلبياتٍ معينة. وتقتضي الرؤية الموضوعية والمنصفة أن نأخذ في الحسبان الأبعاد المختلفة للموضوع. وعلى هذا الأساس، يمكن المحاججة بأنه لا يبدو مؤكّداً وجود مشروع أو توجّهٍ أيديولوجيٍّ، لدى نظام الأمر الواقع الحالي، لخلق الهوية السنية لسوريا التي تحدث عنها عايق. ولا يبدو، من معظم أقوال ذلك النظام، ومن إعلانه الدستوريّ، ومن الكثير من أفعاله، أنّ تلك الهوية، حتى في حال وجود مشروع ما لخلقها أو صنعها أو فرضها، ستكون كما وصفها عايق: فاشيةً قاتلةً وإجراميةً بالضرورة. ويصعب القول عن الإعلان الدستوريّ، على علاته الكثيرة والكبيرة، أنه ابنٌ شرعيٌّ أو طبيعيٌّ للتزاوج المظنون حصوله، لدى سلطة الامر الواقع، بين توجُّهٍ سلفيٍّ وتوجّهٍ طائفيّ.
يمكن للحديث عن “سوريا السنية (الفاشية)” أن يتناغم مع نظرةٍ إلى السوريات والسوريين، تراهم مجرّد طوائف وإثنيات متمايزةٍ ومتصارعةٍ. لا شك أنّ عمليات تطييف المجتمع، ولا سيما في العقود الأخيرة، قد فعلت فعلها واخترقت جسد المجتمع السوريّ؛ لكنْ لا يمكن اختزال ذلك المجتمع وأفراده إلى الطوائف والإثنيات المذكورة. والمجتمع السوري ليس مجتمعاً أهليّاً أو جماعاتٍ أهليةً يترابط أفرادها بالنسب الوراثي، فحسب، بل هو مجتمعٌ مدنيٌّ أيضاً، من حيث تجاوز كثيرون وكثيراتٌ فيه لنسبهم بانتسابٍ إراديٍّ مدنيٍّ فكريٍّ و/ أو قيميٍّ معياريٍّ و/ أو أيديولوجيٍّ سياسيّ. ويمكن لهذا المكون المدني – بالتعاون مع المكونات الأهلية، وليس بالتضاد معها بالضرورة – أن يسهم، إيجاباً، في صياغة سوريا المستقبلية المنشودة. و”الطريق إلى “سوريا للجميع” طريقٌ شائك جداً، ومليءٌ بالتحديات القاسية الداخلية أو الخارجية”[12]، كما سبق لعايق أن كتب، محقّاً، بُعيد إسقاط النظام الأسدي بثلاثة أيام. ولم يُحسم، ولم يكن بالإمكان أن يُحسَم، مسار ذلك الطريق، بحيث تتقرر نهايته، بعد مضي ثلاثة أشهرٍ فقط على فتح بابه أو أبوابه.
ما يمكن التحفُّظ بشدّةٍ عليه في رؤية عايق وآخرين كثر هو أنهم يبنون رؤيتهم للواقع السوري الراهن ولآفاقه المستقبلية انطلاقاً من تقييمهم لممارسات السلطة القائمة وأفعالها، فلا يرون غيرها طرفاً فاعلاً ومؤثِّراً في ذلك الواقع وتلك الآفاق، ويحكمهم الامل إذا بدرتْ من تلك السلطة أفعالٌ إيجابية، ويستسلمون لليأس إذا بدر منها عكس ذلك. ما ينبغي أخذه في الحسبان وجود فاعلين سياسيين آخرين، محليين وإقليميين ودوليين، في الوضع السوري الحاليّ وفي تحديد مساره أو مساراته المستقبلية. ما زالت تلك السلطة أضعف من أن تفرض رؤيتها وحدها، ومن الواضح أنها تواجه، ويمكن ويرجّح أن تواجه في المستقبل، قوىً وأطراف محلية (مدنية وأهلية من كل “المكونات”)، وخارجية. ومن الصعب الحسمُ المعرفيّ أو السياسيّ المسبق لنتيجة تلك المواجهة وذلك الصراع، الذي يرجح أن يكون سياسيّاً سلميّاً، وليس عسكريّاً، في معظمه. وتبدو التوقعات الجازمة في هذا الصدد أقرب إلى التنبؤات أو النبوءات المعبّرة عن المخاوف أو الآمال، من قربها من الاستشراف المعرفي الرصين للمستقبل.
يتضمن نص عايق توصيفاً مكثفاً وعرضاً متيناً لمخاوف مسوّغةٍ ومشروعة، منتشرة بين سورياتٍ وسوريين كثر. ومن المفيد والضروري تقديم رؤيةٍ نظريةٍ لها، والتفكير فيها والتفاكر حولها، ومناقشتها بصراحةٍ وتفصيلٍ وتعمقٍ وودّ. وتبدو الصورة المقدّمة ﻟ “سوريا السنية” أشبه بنمطٍ مثاليٍّ فيبريٍّ تتبلور فيه كل سمات سوريا المذكورة وتظهر في أقوى صيغةٍ ممكنةٍ لها، من دون أن يعني ذلك الواقعية الكاملة أو حتى الجزئية لذلك النمط وللسمات المؤسّسة له. فكما هو الحال مع كلّ نمطٍ مثاليّ، يمكن توظيف النمط المثاليّ لقراءة الواقع ومعرفة مدى اقترابه من ذلك النمط أو ابتعاده عنه. وإذا كانت المخاوف ترى ذلك الواقع قريباً من النمط المثالي المذكور، فمن المرجح أن تراه “المعرفة الرصينة” بعيداً عنه ومستبعِداً له أيضاً.
مع سقوط النظام الأسدي انتقلتْ سوريا وانتقل معها معظم السوريات والسوريين من ثقافة الخوف إلى ثقافة المخاوف. ففي الثقافة الأولى، ونتيجةً للقمع الشديد والمديد، كان هناك خوفٌ كبيرٌ يمنع أو يعرقل حتى التعبير عن ماهيته أو مناقشته وانتقاد مسبّباته، فضلاً عن محاولة التخلّص منه. أما في الثقافة الثانية، فالمجال أصبح متاحاً ومفتوحاً، عموماً، للتعبير عمّا يثير المخاوف، ولمناقشتها، والتفكير في الممكنات المختلفة والمتاحة للتفاعل معها والمفاضلة فيما بينها. ومن الضروري إبراز هذا الاختلاف واستثمار الممكنات الإيجابية التي يسمح بها. ويمكن الزعم إن المقال المذكور للعزيز موريس عايق، وهذا المقال المحاور أو المناقش له، يجسدان جزءاً من عملية الاستثمار المذكور.
هامش
[1] انظر: موريس عايق، “ما بعد الوطنية السورية: الإنكار القسري للمسألة الطائفية إذ ينتهي انفجاراً في الوجوه”، موقع الجمهورية، 19 آذار 2025.
[2] See, for example, Michael Izady, “Atlas of the Islamic World and Vicinity, Syria Ethnic Shift, 2010-2018”, Columbia University. At https://gulf2000.columbia.edu/images/maps/Syria_Ethnic_Shift_2010-2018_lg.png.
[3] Cf. Kevin Mazur, Revolution in Syria: Identity, Networks, and Repression, (Cambridge: Cambridge University Press, 2021).
[4] هشام شرابي، المثقفون العرب والغرب، بيروت: دار النهار، ط2 1978، ص 28-29.
[5] موريس عايق، “ما بعد الوطنية السورية: الإنكار القسري للمسألة الطائفية إذ ينتهي انفجاراً في الوجوه”، موقع الجمهورية، 19 آذار 2025.
[6] موريس عايق، “سوريا السُنيّة… تزاوج بين ِسرديّةٍ سلفية جهادية وسرديّة شديدة الطائفية”، موقع سوريا ما انحكت، 19 آذار 2025.
[7] موريس عايق، “أحوالنا على وقع «ردع العدوان» وما بعدها: تفكير في اللحظة السورية الراهنة ومآلاتها”، موقع الجمهورية، 11 ديسمبر 2024.
[8] المقال السابق نفسه.
[9] موريس عايق، “سوريا السُنيّة… تزاوج بين ِسرديّةٍ سلفية جهادية وسرديّة شديدة الطائفية”، موقع سوريا ما انحكت، 19 آذار 2025.
[10] موريس عايق، “أحوالنا على وقع «ردع العدوان» وما بعدها: تفكير في اللحظة السورية الراهنة ومآلاتها”، موقع الجمهورية، 11 ديسمبر 2024.
[11] توماس بييريه، “”في سوريا، مساعي أحمد الشرع للحفاظ على سلطة الرجل الواحد”، موقع أوريان21، ترجمة: فاطمة بن حمد، 20 آذار (مارس) 2025.
[12] موريس عايق، “أحوالنا على وقع «ردع العدوان» وما بعدها: تفكير في اللحظة السورية الراهنة ومآلاتها”، موقع الجمهورية، 11 ديسمبر 2024.
جطاية ما انحكت
————————–
سوريا السُنيّة… تزاوج بين ِسرديّةٍ سلفية جهادية وسرديّة شديدة الطائفية/ موريس عايق
مشروع الهوية السُنيّة في سوريا، مشروعٌ فاشيّ ينطوي على خطرٍ إباديّ تجاه الآخرين، وهو ما شهدنا بوادره في الأيام القليلة فيما حصل تجاه العلويين، على خلفية قمع تمردٍ قامت به فلول النظام السابق.
19 آذار 2025
سوريا السُنيّة عنوانُ المرحلة القادمة من تاريخ سوريا. عنوانٌ يساعدنا على تبيان علاقة سوريا الجديدة بالإقليم وصراعاته، كما يشرح علاقة سوريا الجديدة نفسها بأبنائها وبنيتها الداخلية، وهو ما قد شهدنا بوادره الأُولى مع المذابح والتطهير الواقع على العلويين في الساحل، على أثر محاولة تمرّدٍ دموية أودت بحياة مئاتٍ من مقاتلي الأمن العام.
سوريا السُنية ليست إحالةً إلى الأكثرية السنيّة من سكان سوريا، فهذا المعطى لم يتغيّر موضوعيّاً منذ نهاية الحروب الصليبية على بلاد الشام، وبالتالي لا يستدعي إحالةً خاصة به. إنما هي إحالةٌ إلى إعادة تعريف هوية سوريا انطلاقاً من هُويّةٍ سنية تنظر إلى نفسها بوصفها جماعةً قومية، جماعة ذات عصبية، بمعزلٍ نسبيّ عن الاعتقادات الدينية لأبنائها ومدى أرثوذكسيتها.
سوريا السُنيّة ليست إسلامية أو عربية، هي جزءٌ من الأمة المُترفّعة عن الطوائف، مثلما كان الحال يوماً مع الإيديولوجيات القومية والإسلامية التي تعالت عن انقسامات الأمة، سواء لاعتبارها تنوّعاً يغذي الأمة أو انقساماتٍ ثانوية لا يجب أن تطغى بحالٍ على صراعات الأمة الكبرى. فالأجيال الأولى من الإخوان المسلمين ما قبل طغيان السلفية، والحركات الشيعية الثورية، نظرت إلى نفسها بوصفها جزءاً من أمّة إسلامية واسعة تتضمّن السنة والشيعة. وهو ما نزال نشهد أثره على الأقل في السياق الفلسطيني، حيث تعبر التحالفاتُ الانقسامَ السنيّ-الشيعيّ، وحتى الإسلاميّ-غير الإسلاميّ، في مواجهة خطرٍ يستهدف الأمة.
اللحظة السُنيّة لا تتموضع اليوم في مواجهة الأمة مع الأعداء الخارجيين، بل في سياقٍ مضاد، حيث تصير الهُويّة السُنيّة بديلاً عن الأمة أو هي الأمّة حقاً، فيما يصير الآخرون، ممن يفترض كونهم جزءاً من هذه الأمة، أغياراً وتهديداً. وكما في عملية تعريف كلّ جماعةٍ لذاتها، فإنها تحتاج إلى أغيار-أعداء، بحيث تكون خطوط المواجهة معهم هي نفسها آلية التعريف والتحديد الخاصة بهذه الجماعة. وفي الحالة السنية، وفي سياق الحرب الأهلية الطويلة في الهلال الخصيب، من لبنان إلى العراق فسوريا، فإن العدو هو الشيعة-العلويون وبقية الأقليات، هؤلاء هم آخر السُنة.
لا تلعب إسرائيل دوراً أساسياً ومحورياً في هذه السردية، من دون أن يلغي هذا العداء لها. فهي لم تكن جزءاً من المقتلة الحاصلة في الهلال الخصيب، لكنها أيضاً شديدة الخفّة في تعريف الهُويّة السُنية، التي نفعت لتعريف هويةٍ إسلاميةٍ أو عربية واسعة قامت أساساً على الترفّع عن هذه الانقسامات نفسها وليس تكريسها. على العكس، لطالما بدأ تكريس هذه الانقسامات جزءاً من عملية تسويغ إسرائيل لنفسها والتطبيع معها.
تظهر اللحظة السُنيّة جليةً في مواقف السوريين تجاه حماس والحركات الفلسطينية عامة، والهجوم عليها باعتبارها جزءاً من المحور الإيرانيّ، عدوّ السوريين. القضية السورية مُتماهيةٌ بشكلٍ متزايد مع القضية السنيّة، في مواجهة القضية الفلسطينية. المسألة السُنية في مواجهة مسألةٍ فلسطينية لا تشكل خطراً وجودياً على الأمة السنية كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا. هذا التناقض بين القضيتين لا تقتصر أمثلته على السوريين وحدهم، نراه لدى الفلسطينيين أنفسهم ولدى إسلاميين في بلادٍ عربية عديدة، وأيضاً لدى أغيارٍ مطلقين. فالسيناتوران ليندسي غراهام وجو ويلسون نصيران كبيران للثورة السورية، فيما هما أيضاً نصيران كبيران لبنيامين نتنياهو والليكود الإسرائيلي في حربهما ضدّ غزّة.
سوريا السُنية تنظر إلى هذه القضايا من عدسة سُنيّتها، وما تفرضه عليها وعلى الأمة السنية في المشرق من أولوياتٍ وتحديات. ومن هنا يجب أن لا يتوقع أحدٌ أنّ مواجهة إسرائيل سوف تكون في مقدّمة هذه التحديات، إنما مواجهةُ إيران وحلفائها، حتى الفلسطينيين منهم، من قليلي السنيّة، مثل حماس أو الجهاد الإسلامي. وهذا لا يعني أنّ سوريا سوف تكون حليفةً لإسرائيل كما يتوهم آخرون في الخندق المواجه. وعلى هذا الأساس فسوف تجد سوريا نفسها مُلحقةً بالمحور الخليجي وتحالفاته وصراعاته. وقريباً سوف يكتشف الإسلاميون (وليس السنيون)، قبل غيرهم، مدى أوهامهم التي يعلقونها على سوريا الجديدة ودورها المتخيّل لديهم في صراعات الأمة.
على الصعيد الداخلي، مشروعُ الهوية السُنيّة في سوريا مشروعٌ فاشيّ، ينطوي على خطرٍ إباديٍّ للآخرين، وهو ما شهدنا بوادره في الأيام القليلة الماضية، فيما حصل تجاه العلويين على خلفية قمع تمردٍ قامت به فلول النظام السابق. فقد قام هذا المشروع على تزاوجٍ بين سرديةٍ سلفيةٍ جهادية، وسرديةٍ شديدة الطائفية، عن صراع أهل السنة مع الشيعة والنصيريين. وهذه المواقف والتصوّرات حول العلويين في سوريا، كما تظهر على وسائل التواصل من قِبل الناس العاديين أو على ألسنة مقاتلين وقادة فصائل وحتى نخب إعلامية، لا تختلف في شيءٍ عن تلك التي حملها الألمان عن اليهود في زمن صعود النازية؛ هؤلاء الأشرار بفطرتهم، القتلة والخونة والمسؤولون جميعهم عما حاق بنا من دمار، الذين ابتهجوا لمصائبنا ورقصوا على أشلاء قتلانا، هم جميعاً مذنبون. إنّ الدعاية الفاشية لهذا المشروع تقوم بشيطنةٍ تامّةٍ للعلويين باعتبارهم علويين، كما تترجم نفسها باستنساخٍ تامّ لمقولات النظام الإجرامي للأسد، فقط بتغيير المواقع.
غير أنّ العنف لن يقتصر على الآخرين وحدهم، فأحد أصعب تحديات هذا المشروع هو سؤال إدامة الهوية السنيّة نفسها، وقد تبلورتْ عبر الحرب الأهلية المديدة في المشرق، وخطّ المواجهة المفتوح مع النظام السوري السابق (سردية مواجهة النظام النصيري)، ومع إيران والحركات الشيعية في العراق ولبنان، والتعبئة الطائفية التي تولّتْها الحركات الإسلامية، تحديداً بصيغتها السلفية. سوف تصمد هذه الهوية، وحتى قد تتعزّز، لزمن قريبٍ قادم بفضل الذخيرة التي تمتلكها. لكن إلى متى؟ يفتقر السنّة في سوريا، خارج سياق الحرب والمواجهة، إلى عوامل داخلية تعزّز لحمتهم، فيما تكثر بينهم عوامل الانقسام. سنّة سوريا ليسوا سلفيين في غالبيتهم، ينقسمون بين المدن والأرياف، وما بين انقساماتٍ مناطقية وعشائرية وإثنية. يُضاف إلى ذلك تحدٍّ اقتصاديّ لا أحد يدري بكيفيّة التعامل معه في سياق الدمار والحصار، وهي أمورٌ لن تزول قريباً وخاصة على ضوء المجازر الأخيرة التي لحقت بالعلويين. إنّ عملية تحويل السنّة إلى سنّةٍ معياريين، يتناسبون مع هذه الهوية المفترضة، تتطلّب قدراً لا بأس به من القمع والقسر الداخليين ضدّ السنة أنفسهم، وهي عمليةٌ سوف تزداد بقدر تضاؤل دور المواجهة الخارجية وانحسارها. ما هي طبيعة الهوية الداخلية للسُنية، سلفيّة أم أشعريّة، وأين موقع السنة من الذين لا يرون أنفسهم سنّةً على مستويات السياسة والاجتماع، حتى ولو كانوا مؤمنين ملتزمين؟ هذه أسئلةٌ سوف يلعب العنف قدراً كبيراً في حلها.
انتصار المشروع ليس حتمياً أو مرجّحاً، وإن كان الدم والخراب مرجّحين لزمنٍ قادم، فالقدرة على مواجهته، أو التخفيف من وطأته داخلياً، تزداد بدورها ضموراً، على قلتها أساساً. هذا المشرق في حالةٍ من الخواء والعجز عن تقديم خياراتٍ بديلة، وكأنّنا محكومون بالموت لزمن طويل قادم.
———————–
بعد الإعلان الدستوري.. قسد تبحث عن أوراق ضغط جديدة في مواجهة دمشق
2025.04.11
أعطى اتفاق انسحاب عناصر قوات قسد من مدينة حلب انطباعاً بأن قسد تتجه لإتمام تنفيذ التفاهمات التي تم توقيعها مع الحكومة السورية مطلع شهر آذار/مارس الماضي، إلا أن المعلومات التي حصل عليها موقع تلفزيون سوريا تشير إلى ترتيبات تعمل عليها قسد في مواجهة حكومة دمشق.
وبحسب المعلومات، فإن قسد اتخذت قرارها بالتحرك داخلياً وخارجياً بعيد صدور الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية في سوريا، والذي اعتبرته تجاهلاً لدورها، خاصة فيما يتعلق بالتأكيد على تسمية الجمهورية العربية السورية.
وتؤكد المصادر أن قسد، من خلال تنفيذ بعض الاتفاقيات مع دمشق مثل الانسحاب من أحياء حلب والعمل على وقف الاشتباكات في منطقة سد تشرين، تحاول امتصاص الضغط التركي السياسي والعسكري، لكنها تركز حالياً على إعادة التموضع في محافظة الحسكة وبعض مناطق ريف حلب ذات الغالبية الكردية، لتكون مراكز ثقل لها تدعم من خلالها موقفها السياسي.
توحيد موقف الأكراد السوريين
تعمل قسد والمجلس الوطني الكردي السوري على إقامة مؤتمر عام خلال شهر نيسان/أبريل الجاري، بهدف الإعلان عن موقف كردي موحد، والتفاوض مع حكومة دمشق لتحديد آليات المرحلة الانتقالية، بغض النظر عن الاتفاق الذي تم توقيعه سابقاً مع الحكومة.
ويدور الحديث في الأوساط الكردية عن توجه المؤتمر لتبني مطلب اللامركزية، والتأكيد على النظام البرلماني وليس الرئاسي، إلى جانب تضمين الدستور السوري حقوق الشعب الكردي، حيث تنظر قسد إلى قرارات الإدارة السورية في دمشق على أنها محاولة لفرض رؤيتها على المكونات السورية.
تنسيق الموقف مع السويداء في الجنوب السوري
تحرص قسد على تنسيق المواقف مع أبناء السويداء في الجنوب السوري في مواجهة حكومة دمشق، خاصة مع كوادر منتمية لحزب اللواء، والمجلس العسكري الذي أُعلن عن تأسيسه مؤخراً في السويداء، وناشطين سياسيين مستقلين.
ووفقاً لما علمه موقع تلفزيون سوريا، فإن قسد تستضيف بشكل دوري ناشطين وقيادات ميدانية من السويداء في ورشات تدريبية على الإدارة والتنظيم العسكري.
وتتقاطع قسد مع مكونات من السويداء في مطلب اللامركزية الإدارية، وتسعى لتدعيم موقفها من خلال هذا التشبيك.
تكثيف الاتصالات الدولية والإقليمية
لا تزال قسد تتصرف على أنها كيان منفصل عن الدولة السورية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، إذ تمتلك اتصالات مع القيادة المركزية ضمن الجيش الأميركي، بالإضافة إلى دول عربية وخليجية مثل العراق والإمارات.
وتعمل قسد من خلال هذه الاتصالات على التأثير في القرار الأميركي فيما يتعلق بالبقاء في سوريا أو الانسحاب منها، خاصة مع قيام القوات الأميركية بعملية إعادة انتشار عبر سحب جزء من القوات المنتشرة في الحسكة ودير الزور باتجاه العراق منذ مطلع نيسان/أبريل الجاري.
وتستخدم قسد في جهودها ورقة التخويف من عودة ظهور داعش في حال غادرت القوات الأميركية وانقطع الدعم الاستخباري عنها.
كما أسست قسد مؤخراً غرفة عمليات تنسيق أمني مع الحكومة العراقية، بعيداً عن المسار الذي يجري العمل على إنشائه بين بغداد ودمشق.
وتركز أيضاً على إجراء اتصالات مكثفة مع الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، للحفاظ على خيارات بديلة في حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب بالفعل من سوريا، خاصة أن إدارة ترامب تبدي رغبة كبيرة بتطوير العلاقات مع أنقرة، ما قد يكون على حساب قسد.
وتبذل قيادة قسد جهوداً للإعلان عن مظلة إقليمية تضم أكراد سوريا وتركيا والعراق وإيران، لكن يبدو أن هناك صعوبات تواجه تطبيق هذه الرؤية في ظل التقارب بين حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي في تركيا والتحالف الحاكم، والزيارات المتبادلة الأخيرة بين الطرفين.
عموماً، من الواضح أن المعطيات الدولية والإقليمية لم تعد تصب في صالح قسد كما كانت في السابق، والتصريحات التي أطلقها ترامب مؤخراً حول تهنئته للرئيس التركي أردوغان بفوزه في سوريا لا بد أنها تزيد من قلق قسد حيال التوجهات الأميركية المقبلة، ولذا تسعى لاستغلال الفترة الراهنة من أجل تعزيز أوراقها بهدف تحصيل مزيد من المكتسبات خلال المباحثات حول آليات اندماجها ضمن الدولة السورية، أو المراهنة على تبدل الظروف الحالية.
تلفزيون سوريا
——————————–
======================
الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 12 نيسان 2025
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
——————————
التحديات البنيوية للحكومة الانتقالية في سوريا/ عبدالله تركماني
2025.04.12
يعتبر إعلان تشكيل الحكومة الانتقالية خطوة هامة على طريق إعادة بناء الدولة السورية الجديدة، وبالرغم من إيجابيات وجود شباب من أصحاب الكفاءات العلمية فيها مقارنة بما كان عليه الحال في حكومة تصريف الأعمال، فإنّ إدارة المرحلة بدت حريصة على شعارها “من يحرّر يقرّر” الذي أعلنته في “مؤتمر النصر”، من خلال ترسيخ قيادتها للمرحلة وضمان مفاتيحها في أيديها، إذ تسيطر على تسع وزارات منها السيادية) الدفاع والخارجية والداخلية والعدل)، منهم سبعة من حكومة الإنقاذ في إدلب، بعضهم مدرج على قوائم الإرهاب، بما ينطوي على مخاوف التمكين لمشروعها الخاص، الذي لا يستجيب للتحديات التي تواجه السوريين، في ظل وقائع معقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وسوف تُمتحن الوعود التي أطلقها الوزراء، خاصة بعد إعادة هيكلتها وتوسّع مجالات بعضها، بما قد يؤثر على جوهر عملها وقدرتها على الوفاء بمتطلبات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.
ومن جهة أخرى، ثمة تنوّع قومي وطائفي في التشكيلة الوزارية، ولكنها لم تعكس تمثيلاً حقيقياً للتيارات الفكرية والسياسية ذات النزوع الديمقراطي، في حين أننا أحوج ما نكون إلى توافقات وطنية جامعة لإعادة بناء الجمهورية السورية الثالثة، ولا يمكن اعتبار الحديث عن “حكومة تكنوقراط” تجسيداً لهذه التوافقات، بل يبدو أنّ مهمتها تنفيذ تعليمات رئيس المرحلة الانتقالية، ومما يسهّل هذا التوجّه أنّ الوزراء التسعة للإدارة سوف يشكلون كتلة مؤثّرة لتنفيذها.
وقد جاء قرار وزارة الخارجية بتشكيل “الأمانة العامة للشؤون السياسية” لإدارة الحياة السياسية مقدمة لتحجيم الحريات العامة، ومصادرة مسبقة لقانون تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المنوط بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مما يمكن أن يعيدنا إلى ممارسات النظام التسلطي البائد، وليس الإعداد لعملية الانتقال الديمقراطي التي تضمن الحرية والكرامة اللتين ميّزتا انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011.
ليس ذلك فحسب، بل أنّ تصريح عضو مجلس الإفتاء الشيخ نعيم عرقسوسي حول اعتباره من مهام المجلس “الرقابة على القوانين وقرارات الوزراء وغيرها من القرارات التي قد تصدر عن مسؤولين ويمكن أن تخالف الشريعة الإسلامية”، مما يعكس رؤية تشكل تحدٍّ لمستقبل عملية الانتقال السياسي، ولا يلغي التحدي تصريحه اللاحق بأنه يعبّر عن رأيه الشخصي.
وبالرغم كل ما ذكرناه فإنّ مهاماً داخلية كثيرة أمام الحكومة في مقدمتها الحدَّ من أعباء العيش على المواطنين، فقد ذكر برنامج الغذاء العالمي، في نهاية عام 2024، أنّ نحو 13 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وتكمن خطورة هذه المعطيات في أنّ الفقر المتزايد يشكل بيئة مناسبة لتهديد السلم الأهلي، مما يجعل من أولى مهام الحكومة الموقّرة وحدة كل مكوّنات المجتمع السوري تحت راية الوطنية السورية الجامعة، من خلال الشروع في إنشاء هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية لعلّها تتمكن من الحدِّ من الفلتان الأمني ضد المواطنين في منطقة الساحل، وتفتح الأفق لإعادة بناء الثقة بين كلِّ مكوّنات الشعب السوري.
وعلى مستوى السياسة الخارجية ثمة تحديات كثيرة، تتمثل في منظومة شرق أوسطية قيد التشكل، إضافة إلى متطلبات المجتمع الدولي من الإدارة الجديدة.
فهل نستجيب للمخاطر الكبرى التي أشار إليها السيد أيمن الأصفري مؤخراً، خاصة التفرد في السلطة، وهيمنة الديني على السياسي، وسيطرة قادة أجانب على مفاصل أساسية في مواقع الجيش والأمن. وأيضاً خريطة الطريق التي أعلنها لسورية جديدة تصل إلى مستوى سنغافورة وماليزيا؟
بحيث نقتنع أنّ الدولة فضاء عمومي لكل المواطنين يحكمه القانون المتوافق عليه، مما يفترض تقديم أهل الكفاءة والوطنية والمصداقية على أهل الولاء الذين يدّعي بعضهم حصوله على شهادات جامعية.
وفي كل الأحوال لاشكَّ أنّ من المبكّر إصدار أحكام قيمة مسبقة على الحكومة، فالسوريون ينتظرون تجسيد ما أعلنه الرئيس والوزراء من رؤى وبرامج، ويأملون أن تدرك قيادة المرحلة الانتقالية ضرورة الابتعاد عن الاصطفافات الأيديولوجية لصالح التشاركية، بهدف توظيف كل إمكانات المجتمع السوري، البشرية والاقتصادية، لإعادة إعمار سورية المستقبل.
تلفزيون سوريا
——————————
من يؤيد الحكومة الجديدة في دمشق ومن يعارضها؟/ إبراهيم خولاني
تفاؤل مقلق في سوريا ما بعد الأسد
تحديث 12 نيسان 2025
بعد أكثر من 13 عامًا على اندلاع الثورة السورية، وسقوط نظام الأسد في دمشق، لم تكتمل فرحة السوريين التي أرادوها حين خرجوا في احتجاجاتهم الأولى، على اختلاف أشكال ما أرادوا، فتاريخ الثورة المليء بالخذلان جعلهم يقرؤون كل حدث بعين الحذر، ويفكرون في القادم بمنطق القلق الذي لا يخلو من الأمل. وقد ورثت الحكومة الجديدة، التي أخذت مقاليد الحكم في دمشق، عن النظام السابق بلدًا مدمرًا، وشعبًا مقسّمًا، وشرعيةً تُكتب الآن من جديد بعد أن دفع الشعب السوري كثيرًا من الدماء والتضحيات ثمنًا لنزع شرعية نظام الأسد.
لكن ملفت الانتباه فيها، على الرغم من الجدل حولها، أنها لم تُرفض بالإجماع كما لم تُؤيد بالإجماع أيضًا، بل يوجد من يصفق لها، ومن يضع فيها آمالًا كبيرة، وإن اختلفت مرجعيات التأييد وأسبابه، ويوجد أيضًا من يعارضها أو يؤيدها بحذر.
ولأن الحقائق قد تقرأ أحيانًا بين السطور، نحتاج اليوم أن نفهم من هم المؤيدون لهذه الحكومة ولماذا؟
كيف يتوزع مؤيدو الحكومة
أولًا: مؤيدون بحكم العادة- الولاء للاستقرار لا للسياسة
في مشهد ما بعد الثورة، تظهر فئة صلبةٌ مواقفها، لكنها ليست صلبةً من حيث المبدأ، بل يمكن وصفها بأنها ثابتة فيما اعتادت عليه؛ فلا يعني هذه الفئة كثيرًا من يحكم أو كيف يحكم، لأن ما تبحث عنه هو السلطة التي تفرض النظام، والتي تضمن استمرار الخدمات، وتوفر الحد الأدنى من شروط العيش. يمكننا القول إن هذه العقلية تشكّلت خلال عقود من العيش تحت نظام استبدادي حكم بإرهاب الناس وتخويفهم، فصاروا يتأقلمون مع كل من يصعد إلى الحكم، وتربوا على قاعدة أن الخوف من انهيار النظام أسوأ من أي استبداد. ولا تُبدي هذه الفئة ولاءً لشخص بعينه، بقدر ولائها للقوة أيًا كانت خلفيتها السياسية أو الدينية. ما يهمها هو أن تُوفر الكهرباء، وأن تُفتح المدارس، وأن تعمل الدوائر الرسمية، وأن تبقى الأسعار ضمن حدود يمكن احتمالها. وحين تتحقق هذه الأساسيات، يُترجم ذلك على شكل رضا، أو على الأقل، على شكل امتناع عن الاعتراض.
من جانب آخر، يمكن عدّ هذه الفئة فئة “الواقعيين المتشائمين”؛ فقد تلاشت لديها آمال التغيير الجذري، وأصبحت السياسة لديها مرادفًا للاضطراب، وصارت الثورة في مخيالها ذكرى محفوفة بالخسارات. ويؤمن أفرادها بأن من يملك السلاح والسيطرة الإدارية هو وحده من يمكنه أن يمنحهم الأمان، وإن كان ذلك الأمان هشًا ومؤقتًا.
تكمن “الخطورة” لدى هذه الفئة في أنها تمنح شرعية دائمة لأي سلطة، مهما كانت طبيعتها، وذلك لأنها تبدو أفضل من الفراغ، أو من الفوضى. والسلطة عادة ما تفهم هذا جيدًا، فتُخاطبها بخطاب الأمن، وتحذّر من الفوضى، وتُذكّرها باستمرار بما قد يجري في أيام الانفلات. ولأنها لا تنخرط في السياسة، ولا تتبنى رؤى أيديولوجية واضحة، يسهل استثمارها في أي مشروع سلطوي جديد، ويمنح وجودُها الحكومات عادة شعورًا كاذبًا بالإجماع الوطني، ويصعب على المعارضة كسبها أو مخاطبتها بلغة الأمل لأنه بالنسبة إليها صار نوعًا من الترف غير المضمون.
ثانيًا: الإسلاميون وحلم العودة
في مدينة دمشق التي كانت في المراحل التاريخية المتعددة مركزًا دينيًا عريقًا، لا يمكن الحديث عن الإسلاميين من دون التوقف عند أنماط التدين التي تشكّلت خلال القرون الماضية، والتي انعكست على ملامح الإسلام السياسي في المشهد السوري الجديد. فالتدين في سوريا، ولا سيما في الشام، ليس حالة واحدة، بل طيفًا متنوعًا من المرجعيات، وإن غلبت عليه مرجعية التدين الصوفي والتدين الأشعري.
أنماط التدين في سوريا، وانعكاسها في السلطة الجديدة:
التيار الأشعري/ الصوفي التقليدي
يعد هذا التيار الأكثر رسوخًا في دمشق، حيث يمثله علماء دين تقليديون عُرفوا من قبل باعتدالهم وتأصيلهم الأكاديمي، وهو تدين يميل إلى التوازن بين الشريعة والواقع، ويحرص على عدم التصادم مع الدولة. لطالما لعب هذا التيار دور الوسيط بين الدولة والمجتمع، واليوم وجد فرصة لاستعادة حضوره عبر تحالف حذر مع السلطة الجديدة، على الرغم من الخلافات السابقة بين الجانبين، حين كانت تصدر بيانات “المجلس الإسلامي السوري” التي كانت تدين سلوك “هيئة تحرير الشام” نواة الحكم الحالي للسلطة الجديدة في دمشق. يتمثل هذا التيار في شخصيات شرعية ودعوية تسعى لتأطير الدولة بهوية إسلامية “رسمية” ومحافظة، منهم أغلبية مجلس الإفتاء الذي عينته السلطة في الشهر الماضي، من دون التورط في مشروع ثوري أو متشدد. ويحظى هذا التيار بدعم شعبي كبير في دمشق وبعض المدن، ولا سيما بين الطبقات المتدينة غير المؤدلجة.
التيار السلفي
انتشر هذا التيار انتشارًا نسبيًا واسعًا في العقود الأخيرة، ولا سيما في الأرياف والمناطق التي هاجر أبناؤها إلى دول الخليج في العقود الأخيرة من القرن الماضي. وعلى الرغم من تراجع التيار “السلفي الجهادي” بعد التجربة الكارثية مع “داعش”، بقيت السلفية حاضرة بثبات في البيئات التي تبحث عن نموذج لتطبيق “الشريعة”. تمثل هذا التيار شخصيات كانت تعمل بصفة “شرعي” في الفصائل المسلحة على اختلاف درجة تشددها، وهي تسعى الآن لأسلمة الدولة تدريجيًا، بالاعتماد على قوة الخطاب الديني والانضباط التنظيمي، من دون الصدام المباشر مع خصومها من الإسلاميين التقليديين، لكن ذلك قد يحصل بعد ممارسات الدعوة الخارجة عن المألوف التي يمارسونها في أحياء دمشق، وتلقى استهجانًا من جزء من المجتمع ومن رجال الدين المحليين. ويمكننا القول إن جمهور هذا التيار متماسك، لكنه محدود نسبيًا في المدن الكبرى، وأوسع في الأوساط الريفية والشباب المتدين.
تيار الإسلام السياسي (الإخواني أو المستقل)
قد يكون هذا التيار قريبًا في نهجه إلى “الإسلاميين الحداثيين”، إذ يتبنّى خطابًا سياسيًا مرنًا يجمع بين الهوية الإسلامية ومفاهيم الحكم المدني. وقد مرّ بتجارب صدام قاسية في العقود الماضية، لكنه الآن يعود بخطاب تصالحي، متجنّبًا الشعارات الراديكالية. يظهر هذا التيار، في السلطة الجديدة، في مفاصل الدولة الإدارية والإعلامية، ويحاول الدفع نحو نموذج يشبه توجه حزب “العدالة والتنمية” التركي. ويمكننا القول إن جمهوره النخبوي في الغالب يوجد في الأوساط المتعلمة والمثقفة المحافظة.
على الرغم من الخلافات العقائدية بين هذه التيارات الإسلامية، من الأشاعرة التقليديين إلى السلفيين الدعويين والإسلاميين السياسيين، فإن التحالف الذي جمعهم خلف السلطة الجديدة لم يكن وليد قناعة فكرية موحّدة، بل أتى نتيجة تلاقي مصالح ومخاوف مشتركة. فقد رأت هذه القوى في الحكومة الجديدة فرصة نادرة للخروج من التهميش، والعودة إلى المجال العام بصيغة تضمن تمثيلًا، ولو نسبيًا، للهوية الإسلامية داخل الدولة. إضافة إلى أن الخوف من عودة “العلمانية” بتمثيليها السيء في عهد نظام الأسد، أو من الخوف من انهيار الدولة وما يتبعه من الوقوع في فراغ أمني أو فوضى، دفع الجميع إلى تجاوز الخلافات مؤقتًا، وإلى اصطفافهم خلف مشروع سياسي يمنحهم مساحة نفوذ وتأثير. وبطبيعة الحال، لكل طرف حساباته ومصالحه، لكن ما يجمعهم في هذه اللحظة هو وعيهم بأن التحالف ضروري، ولو كان هشًّا، لتثبيت التوازنات الجديدة.
لكن مع ذلك، لا يبدو أن هذا التحالف قابل للاستمرار طويلًا بالانسجام ذاته؛ فالعقائد التي جمعتهم اليوم قد تفرّقهم غدًا حين تبدأ المعركة الحقيقية على النفوذ داخل مؤسسات الدولة، وحين تظهر التباينات في الأولويات بين الدعوي، والسياسي. كذلك، فإن القاعدة الشعبية التي منحت هذا التحالف شرعية غير مباشرة، قد تتحول إلى عبء إذا ما فشلت الأطراف المختلفة في تلبية تطلعاتها. أضف إلى ذلك أن احتمالات تدخل قوى إقليمية داعمة لكل تيار قد تزيد من هشاشة العلاقة بين الأطراف. لذا، فإن استمرار هذا التحالف مرهون بقدرة السلطة الجديدة على إدارة التوازنات الدقيقة، وتقديم تنازلات متبادلة، من دون أن تنفجر التناقضات الكامنة تحت السطح.
ثالثًا: الواقعيون المتفائلون
تمثّل فئة “الواقعيين المتفائلين” شريحة معقدة من أبناء الثورة الذين لم يفقدوا إيمانهم بجدوى التغيير، لكنهم لم يعودوا يرونه ثوريًا صرفًا، بل مسارًا طويل الأمد، مليئًا بالتنازلات والتدرج. ينتمي هؤلاء إلى خلفيات مختلفة، فمنهم العلمانيون، ومنهم الناشطون والإسلاميون المعتدلون، ومنهم المثقفون المستقلون، ومنهم أيضًا بعض اليساريين. وما يجمعهم اليوم ليس وحدة الأيديولوجيا، بل التجربة الطويلة خلال سنوات الثورة؛ فقد مرّوا مع الثورة في محطات الانكسار المختلفة، من سحق التظاهرات الأولى، إلى صعود الجماعات المتطرفة، ثم عودة العنف المنظم الذي اتبعه نظام الأسد، وشهدوا كذلك كيف سُرقت مطالبهم، وكيف تآكل الحلم تحت وطأة الحرب والمنفى والخذلان وتدويل قضيتهم.
ومع أن هذه الفئة لا ترى في الحكومة الجديدة تمثيلًا حقيقيًا لأهداف الثورة، فإنها تعتبر وجود سلطة مستقرة، ولو جزئيًا، خيارًا أقل سوءًا من استمرار الفوضى أو التقسيم أو عودة أجهزة القمع الأمنية كما كانت في مرحلة حكم نظام الأسد. قد لا يكون تفاؤلهم ساذجًا، لأنه تفاؤل مشروط ومبني على فكرة أن كل هامش يُفتح للعمل المدني، أو للحريات النسبية، أو لبناء مؤسسات قادرة على التأثير في السلطة، هو تقدم يجب اغتنامه؛ فهم يدعمون الحكومة الحالية بقدر ما تتيح لهم من مساحة للحراك، لا من منطلق التأييد المطلق، بل من باب الرهان على الزمن، والإصلاح التراكمي، وإمكانية التغيير من الداخل مع الوقت الكافي. ولهذا، نجد في خطابهم لغة مزدوجة تجمع بين الدعم المشروط، والانتظار الحذر.
رابعًا: المستفيدون والانتهازيون
من بين أكثر الفئات التي سارعت إلى تأييد الحكومة الجديدة أيضًا، تبرز فئة المستفيدين والانتهازيين، وهم أولئك الذين عرفوا دائمًا كيف يُكيّفون مواقفهم مع تغيّر الرياح السياسية. في الظاهر، قد يبدو بعضهم معتدلًا أو متصالحًا أو منفتحًا على “سوريا الجديدة”، لكنّ إرثًا طويلًا من الفساد يختبئ خلف هذا الخطاب، إضافة إلى الارتباط العميق بمؤسسات النظام السابق؛ فبعض هؤلاء كان جزءًا من بنية النظام القديم مثل الدبلوماسيين والسفراء والمسؤولين الإداريين وشخصيات إعلامية وفنية، وقد بنوا نفوذهم داخل منظومة المحسوبيات والولاءات التي ميّزت نظام الأسد لعقود. وعلى الرغم من أنهم انسحبوا أو غابوا عن المشهد في سنوات الثورة، فإن انسحابهم لم يكن موقفًا أخلاقيًا أو إنسانيًا ضد القتل والتعذيب والمجازر بقدر ما كان هروبًا تكتيكيًا من سفينة تغرق. كثيرون منهم لم ينطقوا بكلمة تجاه ما ارتكبه نظام الأسد من جرائم، بل دافع بعضهم عنها أو برّرها أو التزم الصمت حفاظًا على مصالحه ومكانته.
اليوم، يعود هؤلاء إلى الواجهة ليقدّموا أنفسهم كخبراء ومساعدين ويريدون تحقيق مصلحة بلدهم، ويحاولون ركوب الموجة الجديدة كما فعلوا مع كل مرحلة سابقة. وقد لا يكون “تكويعهم” تحولًا حقيقيًا في الموقف، بقدر ما يكون استمرارًا للنهج ذاته الذي عملوا به من قبل، وهو التماهي مع السلطة أيًا كانت، من أجل الحفاظ على الامتيازات، وإعادة إنتاج دورهم في منظومة محسوبية جديدة، على أنقاض المحسوبيات القديمة.
الخطورة في هذه الفئة لا تكمن فقط في ماضيها، بل في قدرتها على إفراغ التغيير من مضمونه، عبر السيطرة على مفاصل الدولة باسم “الخبرة”، وهي خبرة مكرّسة لتطويع المؤسسات لصالح المصالح الشخصية والشبكات القديمة. هؤلاء يشكلون التهديد الأخطر على أي مشروع إصلاحي حقيقي، لأنهم قادرون على التسلل إلى السلطة الجديدة، وتقويضها من الداخل باسم “الاستقرار” و”البراغماتية”.
ماذا عن المعارضة؟
في مقابل موجات التأييد أو التحالفات المرحلية مع الحكومة الجديدة، تقف فئة تُعرّف نفسها بأنها معارضة وغير راضية عن السلطة الجديدة، وجزء من هذه الفئة لم يغيّر موقفه من السلطة قديمة كانت أم جديدة؛ لأنه يرى أن جوهر المشكلة ما زال قائمًا: غياب الديمقراطية والحرية والدولة المدنية. وهذه الفئة ليست كتلة واحدة، بل تتنوع خلفياتها الفكرية والسياسية، وقد تفرقت من قبل في مسارات الثورة، وهي اليوم تتفرق في مساحات الرفض داخل البلاد وخارجها. ويمكن تقسيمها إلى أنواع عدة:
أولًا: العلمانيون الراديكاليون
يمثّلون شريحة ذات وعي أيديولوجي حاد، يرون في كل اقتراب بين الدين والدولة خطرًا وجوديًا على مشروع سوريا المدنية. بعضهم كان في الصفوف الأولى للثورة، يكتب ويصرخ وينظّم، لكنه اصطدم مبكرًا بطغيان الصوت الإسلامي في الميدان، ما أدى إلى تآكل حضورهم، ليس بسبب ضعف خطابهم، بل لأنهم لم ينجحوا على الأغلب في بناء حاضنة شعبية واسعة، ولا سيما في مجتمع تم اختزال جزء كبير من وعيه السياسي ضمن معادلات الهوية والانتماء الديني والمذهبي.
ثانيًا: الحركات الكردية القومية
لطالما اتخذت موقفًا نقديًا من جميع السلطات المركزية التي حكمت سوريا، على الرغم من الإشارات حول دعم نظام الأسد من قبلُ لبعضها مثل ما حصل مع رئيس حزب “العمال الكردستاني” التركي في عهد الأسد الأب. هذه التيارات، وعلى رأسها الأحزاب المتأثرة بالفكر القومي الكردي، لم تكن دائمًا منخرطة في الحراك الثوري بالشكل الذي طرح في دمشق أو حلب أو حمص. ليس لأنها ضد الثورة من حيث المبدأ، بل لأن الخطاب الغالب للثورة لم يتبنَّ في كثير من الأحيان قضايا الكرد بشكل جاد أو واضح، وظلت مطالبهم مثل الاعتراف بالهوية الكردية واللغة والتمثيل السياسي غائبة أو موضع توجّس من باقي أطياف المعارضة، أضف إلى ذلك أن وجود تيار انفصالي داخل هذه الحركات، وما ارتكبه من انتهاكات بحق العرب في مناطق شرق الفرات، ساعد في زيادة الشرخ بين أطياف المعارضة والقضية الكردية.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن عددًا من الناشطين الكرد، شاركوا في بداية حراك عام 2011 في التظاهرات وفي حملات التضامن، لكن مع عسكرة الثورة وصعود الخطاب الإسلامي، تراجع الحضور الكردي لصالح مشاريع محلية للحكم الذاتي في مناطق الشمال الشرقي، ما خلق فجوة بينهم وبين بقية مكونات الثورة. واليوم، ينظر القوميون الكرد إلى الحكومة الجديدة كامتداد آخر لسلطة مركزية لا تعترف بحقوقهم، وإن كانت تختلف شكليًا عن النظام السابق. ولهذا، يبقون على موقفهم المعارض. وإن ضعف حاضنتهم الشعبية خارج مناطقهم، لم يكن يعني ضعف قضيتهم، بل كان يعكس استمرار غياب مشروع وطني جامع يدمج الحقوق القومية ضمن مسار ديمقراطي مشترك.
ثالثًا: الذين انقلبوا على النظام السابق لاحقًا
غالبية هذه الفئة من طائفة الدروز في محافظة السويداء، وممن يرون في الحكومة الجديدة تهديدًا لكيانهم، ليس من باب رفض الدولة بحد ذاتها، بل خوفًا من أن يكون تغيير الحكم وسيلة لأن تكون السلطة على أسس طائفية أو أيديولوجية تهدد استقرارهم. بعضهم كان منحازًا إلى النظام السوري خلال سنوات الثورة، ثم انضم إلى الحراك الشعبي الذي انطلق في السويداء في عام 2023 ضد الأسد، لكنه الآن لديه موقف سلبي من السلطة الجديدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن البعض كانوا مؤيدين صامتين للثورة في بداياتها، لكنهم انسحبوا عندما أحسوا أن الثورة فقدت هويتها الجامعة، وهؤلاء يُحسبون على المعارضة، لكنهم لم يندمجوا يومًا في المشهد الثوري الحقيقي، ما جعل وجودهم دائمًا في المنطقة الرمادية، وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن جزءًا منهم اتخذ موقفًا حاسمًا من نظام الأسد في البداية، وشارك في التسلح لكنه بقي محليًا وأقرب ما يكون إلى الحياد، فلم يشارك في مسارات الثورة العسكرية، وفي الوقت نفسه رفض التجنيد الإجباري في صفوف جيش نظام الأسد.
ثالثًا: المثقفون المستقلون
ربما يكونون هم الأكثر تمسكًا بفكرة الثورة بوصفها تحوّلًا جذريًا في القيم والنظام، لا في الأشخاص فقط. ينادون دائمًا بسوريا ديمقراطية وتعددية تحترم الإنسان. وكثير منهم خسر مكانته وعمله وبلاده. ومع ذلك، لا يزالون يكتبون ويوثّقون وينتقدون، لكنهم مهمّشون اليوم، لأن الزمن السياسي تحوّل من تحقيق القيم إلى عقد الصفقات، ومن الحلم إلى الضرورة. لم يعد خطابهم يجد آذانًا صاغية، لا في الداخل الذي أرهقته الحرب، ولا في الخارج الذي بات يساوم على المبادئ مقابل الاستقرار. وعلى الرغم من كل ذلك، يبقى صوت هذه الفئة صوتًا مهمًّا في المشهد، وإن تراجع صداه؛ لأنه الوحيد الذي ما يزال يذكّر الناس بأن ما جرى في سورية لم يكن مجرد تغيير حكومي أو تمرّد سياسي، بل كان حلمًا بكرامة الإنسان، وبحقه في أن يعيش حرًّا في وطن لا يسحقه ولا يُعيد تدوير قاتليه.
أما الصامتون
من بين جميع الفئات التي تشكّلت في المشهد السوري بعد سقوط النظام، تبدو فئة المترددين والمتوجسين أو الصامتين، وهي الفئة الأوسع من حيث العدد، والأقل من حيث الضجيج. هؤلاء هم عامة الناس الذين أنهكتهم الحرب، ومرّغتهم السنوات الطويلة في الخوف والجوع والتشظي. هم ليسوا مع الثورة ولا ضدها، ولا يؤيدون الحكومة الجديدة ولا يعارضونها صراحة. ببساطة، هم يريدون أن يعيشوا، وأن يشعروا ولو لمرّة بالأمان، من دون أن يدفعوا ثمن مواقف لا طاقة لهم بها.
وإن صمت هذه الفئة اليوم ليس موقفًا سياسيًا واعيًا، بل نتاج تراكم من الخيبات؛ فقد خُدعوا بالوعود، ثم دفعوا ثمن الصراع من دون أن يجنوا شيئًا. بعضهم فقد أبناءه وبيته ومصدر رزقه، وبعضهم عاش تجارب النزوح أو الاعتقال أو القصف. هؤلاء لا يثقون بأحد، لا بالسلطة الجديدة، ولا بالمعارضة، ولا حتى بالقوى الدولية. كل خطاب بالنسبة إليهم هو شكل آخر من أشكال الاستغلال أو الوهم. لذلك، اختاروا الانسحاب إلى مساحات الصمت والمراقبة الحذرة.
لكن خطورة هذا الصمت، أو قيمته السياسية، تكمن في أنه قابل للتحوّل؛ لأن هذه الفئة تملك بصمتها قدرة هائلة على ترجيح كفة أي مشروع سياسي أو اجتماعي في المستقبل. فإذا نجحت الحكومة الجديدة في تلبية بعض مطالبهم الأساسية مثل الأمن والخدمات والاستقرار المعيشي، فقد تمنحها شرعية جماهيرية صامتة. أما إذا فشلت، وانتهجت إنتاج الخوف والفساد والتهميش، فإن هؤلاء قد يتحولون فجأة إلى كتلة غاضبة غير قابلة للاحتواء. فهذه الفئة لا تظهر في الإعلام، ولا تقود تنظيمات ولا ترفع شعارات، لكنها موجودة في كل شارع وفي كل حي، وفي كل مؤسسة.
أخيرًا.. الثورة مستمرة… لكن بوسائل جديدة
من نافذة دمشق الجديدة، لا يبدو المشهد سهل القراءة؛ لأن تأييد الحكومة ليس اعترافًا بشرعيتها بالضرورة، كما أن معارضتها لا تعني الحنين إلى النظام الذي سقط، فنحن أمام لوحة فسيفساء معقدة، تتشابك فيها الأحلام والمصالح، والمبادئ والمخاوف، والإيمان والبراغماتية. ولا ينحصر السؤال الحقيقي في من يؤيد الحكومة الجديدة؟ فحسب، بل في أيّ مستقبل يمكن أن يصنعه هذا التأييد؟ لأن المشهد السوري، كما يظهر بعد سقوط النظام، ليس لوحةً واضحة الألوان، بل خليط من المواقف والتجارب والرهانات المتناقضة. فتتوزع خريطة سورية الجديدة بين مؤيدٍ يائس وإسلاميّ حالم وواقعيّ حذر وانتهازيّ ماهر ومعارضٍ مبدئيّ وصامتٍ متوجّس. وما يبدو اليوم تأييدًا متنوعًا قد ينقلب غدًا إلى تململ جماعي، أو إلى شرعية تُبنى من ركام هش، أو إلى نجاح مركب يشارك فيه كل الشعب السوري.
لا يكفي الحكومة الجديدة، لكي تصمد وتتجاوز اللحظة، أن تُرضي هذا الطرف أو ذاك، بل عليها أن تفهم عمق الأزمة السورية، وتخاطبها بصدق لا بمراوغة. فالتأييد في سوريا ما بعد الأسد لم يعد يُشترى بالشعارات أو بالأوهام، بل يُكتسب بالفعل والإنصاف والجرأة على مواجهة الأسئلة المؤجّلة. ربما تكون هذه البداية فرصة، وربما تكون فخًا آخر من فخاخ التاريخ السوري، لكن ما سيصنع الفارق في النهاية هو قدرة السوريين بجميع اختلافاتهم على ألّا يسمحوا لآلة السلطة، القديمة أو الجديدة، بأن تبتلع أحلامهم مرةً أخرى، وبين هذا وذاك، تبقى الثورة، لا كحدث في الماضي، بل كمعيار للحق نقيس به كل حكومة وكل مسؤول وكل سياسة.
———————–
دمج الوزارات السورية.. تخفيف الأعباء المالية وزيادة في المسؤوليات/ جنى العيسى
تحديث 12 نيسان 2025
تضمن القرار الرئاسي الصادر نهاية آذار الماضي المتعلق بالتشكيل الوزاري للحكومة السورية دمج عدة وزارات، في إعلان لم يتطرق لمبررات أو أسباب الدمج بدقة.
وفق تشكيلة الحكومة الجديدة، قرر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تعيين نضال الشعار وزيرًا للاقتصاد والصناعة، بعد دمج وزارات الصناعة والتجارة والاقتصاد.
كما جرى تعيين محمد البشير وزيرًا للطاقة، بعد دمج ثلاث وزارات سابقة هي الكهرباء والنفط والثروة المعدنية والموارد المائية.
تثار تساؤلات حول مبررات القرار، خاصة في ظل دمج وزارات حساسة ترتبط بشكل مباشر بالواقع الاقتصادي والخدمي في البلاد، في حين ينتظر الشارع السوري إحداث تغيير إيجابي.
خطوة واقعية
تضمنت تشكيلة الحكومة السورية الجديدة 23 وزيرًا، وبذلك جرى تقليص الوزارات عن سابقاتها في عهد النظام السوري، فمثلًا آخر تشكيلة حكومية في آب 2024 ضمت 29 وزارة، إلا أن الإعلان الحالي دمج عددًا من الوزارات، كما أحدث وزارتين، الأولى للشباب والرياضة، والثانية للطوارئ والكوارث.
وفق تقرير صادر عن مركز “حرمون للدارسات المعاصرة”، في 2 من نيسان الحالي، يلاحظ أن تقليص عدد الوزارات، من 29 إلى 23، عبر عمليات دمج، لا يعكس فقط توجهًا تنظيميًا، بل قد يكون أيضًا استجابة واقعية لشح الموارد وتحديات التمويل، إذ يعد ضغط النفقات الحكومية إحدى الضرورات في ظل ضعف الموازنة العامة وصعوبة الحصول على دعم خارجي في حال عدم رفع العقوبات.
من المرجح أن هذا الدمج يعكس محاولة لتقليل الكلفة التشغيلية وزيادة الكفاءة، إلا أنه قد يفرض تحديات إضافية على الوزراء الذين باتوا يتولون حقائب مزدوجة، في ظل طواقم إدارية محدودة وبيروقراطية معقدة، بحسب التقرير.
مبررات منطقية
الباحث المتخصص في الشأن الاقتصادي خالد التركاوي، يرى أن مسألة دمج الوزارات يمكن أن تنعكس على البلاد بالعديد من المكاسب، مشيرًا إلى وجود العديد من المبررات لاتخاذ هذه الخطوة في الوقت الحالي.
حول مبررات الدمج، أوضح التركاوي لعنب بلدي أنه “في بلد يطمح للحرية، فإن المشاركة المجتمعية هي مطلب رئيس، أي أن كل مواطن مهتم بالشأن العام عليه أن يقوم بدور ولو كان بسيطًا، وهذا الدور يخفف العبء عن الحكومة، ويجعل من القدرة على دفع الملفات العامة أكبر، أي أن حاجتنا للموظفين في القطاع العام ستكون أقل من أي وقت سابق”.
سيؤدي دمج الوزارات إلى تشجيع الاستثمار الخاص، والبحث عن فرص أكبر للقطاع الخاص، تقتضي أن يكون لهذا القطاع دوره، بالتالي يجب الاستفادة من الموارد البشرية في نطاق القطاع الخاص، خاصة أولئك الذين لديهم خبرات حكومية، كما أن رواتب القطاع الخاص ستكون أعلى نسبيًا من القطاع العام، وهذا يعني ضرورة أن يتحول المورد البشري الرئيس لخدمة القطاع الخاص، وأن ينخرط في اقتصاد السوق، وألا يبحث عن الوظيفة العامة وحسب، وفق الباحث.
التركاوي لفت أيضًا إلى أن الموارد الحكومية اليوم ضعيفة، وهذا يعني أن قدرة الحكومة على منح الرواتب والصرف على الموظفين هي أقل من أي وقت سابق، إلا إذا حافظت الحكومة على رواتب لا تسمن ولا تغني من جوع، وفق تعبيره.
بحسب نظرية العائد المتناقص لريكاردو (أحد منظري اقتصاد السوق)، كل زيادة للموارد بعد نقطة معينة، تجعل العائد أو الفائدة متناقصة وليست متزايدة، أي أنه لو كان العمل يكفيه موظفان، فإن زيادة الموظف الثالث لن تحسن في الأداء بل على العكس ستعيده للخلف.
منذ مطلع العام الحالي، عمدت الحكومة السورية الجديدة إلى إعادة هيكلة وتنظيم مؤسسات الدولة السورية، وخرج مسؤولون حكوميون للحديث عن أن مئات الآلاف من الموظفين لا يعملون أصلًا، إلى جانب آخرين هم “موظفون أشباح” يتقاضون رواتب دون عمل فعلي.
وبموجب هذه الفرضيات، أبعدت الحكومة عددًا غير معروف بعد من العاملين في مؤسسات الدولة، بين قرارات فصل، وكف يد، وإجازات طويلة الأمد مأجورة أو غير مأجورة، إلى جانب الامتناع عن تجديد عقود المتعاقدين المؤقتين.
الحاجة لإعادة الضبط
بالإضافة إلى تجنب المشكلات الناتجة عن المبررات السابقة، أي التوفير في الموازنة، ودعم السوق وقطاعه الخاص، وزيادة الكفاءة، يمكن أن يحمل قرار دمج الوزارات العديد من المكاسب في سياقات مختلفة.
وأوضح الباحث الاقتصادي خالد التركاوي أن من أبرز هذه المكاسب أن الهيكلية ستكون أكثر وضوحًا بالنسبة للوزير والمدير ورئيس الهيئة وبقية الموظفين، وبالتالي تقليل التعقيدات الإدارية والقانونية، كما يوفر الدمج تنسيقًا أعلى بين الوزراء والوزارات والمديريات، إذ كلما قل العدد ستكون القدرة على التنسيق أكبر من أي وقت سابق.
من إيجابيات الدمج أيضًا، سهولة التخطيط، فالتخطيط في حال وجود ثلاث أو أربع هيئات (كما هو الآن) سيكون أسهل من التخطيط في حالة وجود 70 هيئة كما هو سابقًا، وبالتالي التخطيط والتنسيق والتنفيذ سيكون أفضل، وفق ما يرى التركاوي.
لكن على جانب آخر، التركيبة الجديدة قد تجعل كبار الموظفين الحكوميين أكثر قلقًا من الواقع الجديد، إذ إن تراجع البيروقراطية الإدارية (الحميدة في بعض الأحيان) يجعل القدرة على اتخاذ القرار أقل تريثًا ودراسة، وبالتالي احتمال الخطأ أكبر، كما أن المهام داخل هذه الوزارات والهيئات المدمجة تحتاج لإعادة ضبط، إذ إن العمل الإداري في الشكل الجديد سيأخذ بعض الوقت لترتيبه.
موظفو الوزارات.. إيجابي بعد وقت
في ظل المعطيات والأرقام الحالية، شرح الباحث في الشأن الاقتصادي خالد التركاوي، أن الموظف الحكومي الواحد يكلّف الحكومة حوالي 25 دولارًا كراتب شهري، وحوالي 25 دولارًا كمصاريف أخرى متعلقة بالعمل، هذا يعني أن كل مئة ألف موظف خارج دوائر الدولة سيخفضون حوالي 5 ملايين دولار من المصاريف الحكومية الشهرية، أو ما يساوي 60 مليون دولار سنويًا، أي أننا نتحدث عن 600 مليار ليرة سورية سنويًا عند توفير 5% من موظفي الحكومة (على اعتبار أن عددهم مليونا موظف).
على جانب آخر، وهو الأهم، يعتقد التركاوي أن التقليص والدمج ستكون له انعكاسات إيجابية وأخرى سلبية، في الجانب السلبي، ستحرم بعض الأسر من رواتب الحكومة، وسيجري تقليل قيمة المشتريات الحكومية من الأسواق، ولكن هذا الأثر قصير الأمد.
الجانب الإيجابي المهم في المدى المتوسط والبعيد، سيحقق انخراط هؤلاء الموظفين في السوق عبر أعمالهم الخاصة أو في مجال القطاع الخاص موارد أكبر للأسر، مثلًا متوسط الرواتب في القطاع الخاص قد يصل إلى خمسة أضعاف رواتب القطاع الحكومي، والإنتاج في القطاع الخاص ينعكس بشكل أكبر وأسرع على الاقتصاد الوطني والناتج المحلي الإجمالي.
خروج 100 ألف موظف من القطاع الحكومي، سيكون له أثر على التوفير في الموازنة الحكومية، وأثر أكبر على المدى البعيد، عبر مساهمة هؤلاء الموظفين في الناتج المحلي الإجمالي عبر مشاركتهم المباشرة في السوق من خلال مشاريعهم، أو من خلال وجودهم في مؤسسات القطاع الخاص.
ومطلع العام الحالي، صرح وزير المالية السابق في حكومة دمشق المؤقتة، محمد أبازيد، أن 900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون موظف حكومي يعملون بشكل فعلي، بينما يوجد 400 ألف موظف هم “موظفون أشباح”، بينما قال وزير التنمية الإدارية، محمد السكاف، إن القطاع العام لا يحتاج إلى أكثر من 550 إلى 600 ألف عامل.
وفق الوزير أبازيد، فوجئت الحكومة بأن أعداد العاملين المسجلين في الجهات العامة أكبر بكثير من الأعداد الفعلية على أرض الواقع، وإضافة إلى الخلل بالقوائم المالية، هناك أسماء وهمية لأشخاص يتقاضون رواتبهم من المنزل دون أن يسجلوا دوامًا فعليًا في مديرياتهم، “نتيجة اتباع النظام البائد سياسة الواسطات والمحسوبيات”.
عنب بلدي
——————————
======================
عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 12 نيسان 2025
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
——————————
سورية وحرب النفوذ بين إسرائيل وتركيا/ بشير البكر
12 ابريل 2025
تشن إسرائيل حرباً مفتوحة على سورية، منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. تقوم بتدمير القدرات العسكرية السورية، التي ورثها النظام الجديد عن القديم، وهي تشمل الطائرات والزوارق الحربية والمدرعات والمدفعية والصواريخ، وكذلك المرافق كالمطارات العسكرية والأنفاق الخاصة بالصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى، وذلك فيما تصاعد مستوى حرب النفوذ بين إسرائيل وتركيا بالطرق المباشرة وغير المباشرة.
يشار إلى أن القسم الأكبر من السلاح والمعدات التي كانت بحوزة جيش النظام السابق، لم يعد صالحا للاستخدام، لكن البنى التحتية من مطارات عسكرية وأنفاق، ومصانع أسلحة، وموانئ، ومراكز بحوث، لا تزال في حالة جيدة، وقد كلفت سورية مبالغ مالية طائلة من أجل بنائها وتجهيزها. كان يصعب على إسرائيل إنجاز هذه المهمة بسهولة من دون توافر عدة معطيات، الأول خرائط تفصيلية عن تمركز الأسلحة والبنى الحاضنة لها، وإحصائيات عن الأعداد والنوعيات، والثاني معلومات مؤكدة من مصادر استخبارية على الأرض وعن طريق الجو، والثالث عدم وجود مقاومة.
حتى الآن، تقدم اسرائيل أربعة مبررات لهذه الاعتداءات، الأول هو الخلفية الجهادية للفصائل، التي استلمت السلطة في دمشق بعد سقوط النظام السابق، والتي عززت وضعها في الحكومة، التي تشكلت في نهاية الشهر الماضي، من خلال الاستحواذ على الحقائب السيادية، الدفاع، الخارجية، الداخلية، والعدل، والأمر ذاته بالنسبة لمناصب محافظي المدن. وتعد إسرائيل هذه الفصائل “إرهابية”، ولا مجال للتفاهم، أو التوصل إلى اتفاقات دائمة معها، وتتصرف على أساس أن الحل الوحيد هو استمرار الحرب عليها، ومنعها من تشكيل تهديد مستقبلي على إسرائيل. وهذا يعني استخدام الوسائل كافة التي تحول دون بناء جيش سوري جديد يخلف الجيش السابق، الذي تم حله بعد سقوط النظام.
المبرر الثاني، تعبر عنه التصريحات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية، عن نية توقيع تحالف عسكري بين دمشق وأنقرة. وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر اتهم، أخيراً، أنقرة بالرغبة في إقرار “الحماية التركية” في سورية. وحسب تصريح الخبيرة في سياسة الشرق الأوسط في جامعة بارإيلان نوا لازمي، لوكالة رويترز أخيراً فإن إسرائيل قلقة بشأن قيام تركيا بتركيب أنظمة روسية مضادة للطائرات، ونشر مسيّرات في قاعدة “تي فور” الجوية. وقالت: “ستسمح القاعدة لتركيا بإرساء التفوق الجوي في هذه المنطقة، وهو مصدر قلق خطير لإسرائيل، لأنه يقوض حريتها العملياتية في المنطقة”. وحسب المعلومات المتداولة، يتضمن التحالف التركي السوري تنظيم وتدريب الجيش السوري الجديد وتزويده بسلاح تركي حديث، وبناء قواعد عسكرية تركية في مناطق وسط سورية، ومن ذلك بادية تدمر، وإعادة تأهيل المطارات العسكرية الموجودة، ونشر طائرات تركية عسكرية بدون طيار. ولذلك تركز القصف الإسرائيلي الأخير على مطار “تي فور” في بادية حمص، وعدة مطارات عسكرية في محافظة حماة.
ونشرت صحيفة زمان التركية، الأسبوع الماضي، معلومات تفيد بأن تركيا قامت بتفقد ثلاث قواعد جوية في سورية، على الأقل، قد تتمركز قواتها بها في جزء من اتفاقية الدفاع المشترك المخطط توقيعها، وذلك قبل الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل. وأوضحت، بحسب مسؤول استخباراتي في المنطقة، ومصدرين عسكريين سوريين ومصدر سوري آخر مطلع على الأمر، أن فرقاً عسكرية تركية زارت قاعدة “تي فور” وقاعدة جوية أخرى في محافظة حمص السورية، ومطار حماة خلال الأسابيع الأخيرة.
المبرر الثالث، طموح إسرائيل لتصبح القوة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي تتحكم بمصيره، وتفرض عليه الاتفاقات الأمنية والعسكرية والسياسية، التي تناسب مصالحها. وبالنسبة لسورية، فإن فرض اتفاق إذعان، هو أحد الاحتمالات المطروحة، والذي لا يأتي على وضع الجولان السوري المحتل، بل وضعه خارج أي تفاوض. وتعتبر إسرائيل أن التحولات الجديدة في لبنان وسورية في الأشهر الأخيرة، يعود سببها إلى الحرب التي شنتها ضد “حزب الله” وإيران في لبنان وسورية، ولو لم تدمر قدراتهما العسكرية، لما سقط نظام الأسد، وتم انتخاب رئيس جمهورية، وتعيين رئيس حكومة للبنان. وبالتالي هي شريكة في هذا الإنجاز سلماً أم حرباً. والمبرر الرابع تحويل سورية إلى دولة فاشلة، وزعزعة استقرارها، وتشجيع إنشاء كيانات انفصالية في الشرق والجنوب والساحل، وقد لوحت بهذه الورقة منذ سقوط النظام، من أجل ابتزاز السلطة الجديدة، والحصول على مكاسب عبر تنازلات تشمل الانضمام إلى اتفاقات التطبيع العربي مع إسرائيل، وإقامة علاقات معها.
ترامب وتقسيم سورية
كانت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الاثنين الماضي محطة مهمة على مسار التصعيد بين إسرائيل وتركيا. حيث تبين من التصريحات التي صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن ما يجري الحديث عنه في وسائل الإعلام حول تقسيم سورية إلى منطقتي نفوذ بين إسرائيل وتركيا، وارد جداً. ويشي الموقف الأميركي بأن واشنطن تقف في الوسط بين إسرائيل وتركيا وفي وسعها أن تتدخل لتنظيم العلاقة. ودعا ترامب إسرائيل إلى التصرف بعقلانية لحل أي مشكلة مع تركيا في سورية، وذلك في الوقت الذي لم ينقطع فيه التواصل بين إسرائيل وتركيا بالطرق المباشرة وغير المباشرة. وتحدثت مصادر متعددة عن أن زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى واشنطن قبيل زيارة نتنياهو، كانت بهدف الطلب من الإدارة الأميركية التدخل لنزع فتيل التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد سورية. كما أن تزامن وجود فيدان في باريس مع زيارة نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، في السادس من الشهر الحالي، يرفع أسهم دخول باريس على خط الوساطة بين الطرفين.
عرض وجهتي نظر إسرائيل وتركيا
وتم في هذه اللقاءات عرض وجهتي نظر إسرائيل وتركيا حيال العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سورية. وحسب معلومات إعلامية، فإن فيدان طلب من واشنطن أن تضغط على إسرائيل كي توقف عمليات القصف على سورية، خاصة وأن تركيا ليست في وارد تهديد أمن إسرائيل من سورية، وكان الرد الإسرائيلي بأن تل أبيب تمتلك الحق في ضرب ما تراه يهدد أمنها في جنوب دمشق على نحو خاص، أو أي منطقة أخرى من سورية. وفي المحصلة سعى ترامب إلى تبريد الأجواء بين إسرائيل وتركيا قائلاً: نحن قادرون على حل أي مشكلة بين إسرائيل وتركيا بشأن سورية. لكن صورة الموقف لم تتضح بصورة نهائية، بانتظار ما سوف تتمخض عنه زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لكل من تركيا والإمارات.
إلى ذلك، لا تبدو ذرائع إسرائيل من وراء شن الحرب على الدولة السورية مقنعة، بقدر وضوح الأهداف المرسومة. فالذريعتان الأولى والثانية واهيتان، لأن التهديد الذي تشكله الفصائل افتراضي، في ظل موازين قوى مختلة، ووضع اقتصادي سوري تحت الصفر، في بلد يرزح تحت العقوبات الدولية. أما الاتفاقات العسكرية مع تركيا، فإن كانت مطروحة من جانب أنقرة، فإنه ليس هناك حماس فعلي لها من قبل السلطات السورية الجديدة، وحتى في حال قيامها، فإن أنقرة ليست في وارد الصدام مع إسرائيل، ولا يحق لها نقل صواريخ “إس 400” روسية الصنع إلى الأراضي السورية، وذلك أمر منصوص عليه بالاتفاق بين أنقرة وموسكو، التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل، وقواعد اشتباك في سورية، لا تزال سارية المفعول، رغم سقوط نظام الأسد.
تدرك تركيا حدود التصعيد مع إسرائيل، سواء على الأراضي السورية، أو خارجها. وهناك انضباط تركي صارم بعدم حصول احتكاك مع تل أبيب، وهذا الأمر واضح منذ بداية الثورة السورية، وانخراط تركيا في مساندة الفصائل العسكرية التي قاتلت نظام الأسد، والأمر ذاته بالنسبة لإسرائيل، التي لم تتعرض للوجود العسكري التركي على الأراضي السورية. ما تطمح له تركيا هو الاحتفاظ بعلاقات مع الدولة السورية تحقق عدة أهداف، في تعزيز العلاقات التقليدية، بين دولتين جارتين، تربطهما خصوصيات تاريخية وتعايش سكاني ووجود قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري بتركيا، وتبادل اقتصادي مهم يعود إلى زمن بعيد. كما تعمل أنقرة على إنهاء كل أشكال التهديد الحدودي، من خلال مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الموجودين في سورية. ومن هنا ليس هناك تقاطعات مباشرة مع إسرائيل تستدعي الحرب، بل إن كل الفرص قائمة على التفاهم حول قواعد لترسيم حدود النفوذ بينهما، بما في ذلك الأجواء.
لا تبدو السلطة السورية الجديدة في وارد بناء علاقات مع أنقرة تتجاوز الأهداف التركية المعلنة، في حسن الجوار والاقتصاد وأمن الحدود، وهي تدرك أن أي اتفاق عسكري ذي طبيعة استراتيجية مع أنقرة يعرضها لتهديدات إسرائيلية، وعدم رضى أميركي وأوروبي، مما يديم العقوبات الدولية. ولذلك كانت الزيارة الأولى للشرع إلى السعودية وليس إلى تركيا، وقد قصد من وراء ذلك توجيه رسالة سياسية ترافقت مع تسريبات من دمشق بأن الإدارة الجديدة غير متحمسة لتوقيع اتفاق عسكري لإنشاء قواعد تركية داخل سورية. وقال مصدر عسكري سوري، إن فيدان ومسؤولين أتراكا آخرين، أبلغوا الشرع في وقت سابق أن أنقرة عدلت بعناية خطواتها نحو اتفاق دفاع مشترك، لتجنب رد فعل من واشنطن، الأمر الذي ستتضح معالمه خلال الأيام القادمة، وسيكون أبرز مؤشراته توقف عمليات القصف الإسرائيلي لسورية.
العربي الجديد
———————————-
أمريكا والتوتر التركي ـ الإسرائيلي: قواعد اللعب في سوريا الجديدة/ صبحي حديدي
10 – أبريل – 2025
أياً كانت تأويلات قرار الخارجية الأمريكية تخفيض تصنيف العاملين في البعثة السورية إلى الأمم المتحدة، تقتضي الحدود الدنيا من المنطق السليم، القانوني والدبلوماسي والسياسي، الإقرار بأنها مظهر ملموس آخر لحال من النواس والتأرجح والتلوّن، غير البعيد أيضاً عن بعض التخبط، في الموقف الرسمي للبيت الأبيض إزاء سوريا الجديدة ما بعد انهيار نظام «الحركة التصحيحية»؛ بصفة إجمالية بادئ ذي بدء، وليس إزاء الإدارة الانتقالية والرئيس الانتقالي تحديداً أو حتى حصرياً.
وتلك حال كانت قد سادت خلال الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، حتى إذا كان الزمن القصير للغاية بين 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 وموعد تنصيب الرئيس الجديد دونالد ترامب لم يُسعف رجالات البيت الأبيض والمستشارين والخبراء؛ مثلما لم يكن معيناً، أو بالأحرى كان معيقاً، ذلك المعطى الذي سجّل هيمنة «هيئة تحرير الشام» على مشهد انطواء صفحة آل الأسد. وهذا في سياقات انتصار سريع ومباغت وخارج عن كثير من الحسابات الباردة التي اعتادت أجهزة الرئاسة الأمريكية على تسخيرها وتوظيفها قبيل اتخاذ خطّ معتمد، في الحدود الدنيا المطلوبة أو المرحلية أو العاجلة، هنا أيضاً.
وإذا صحّ أنّ ترامب قد عوّد الناس على كلام يبدو أقرب إلى الجزاف، في قضايا بالغة الحساسية (على شاكلة مشروع «ريفييرا غزّة» التائه اليوم بين النكتة السمجة والتطهير العرقي وجريمة الحرب المعلنة)؛ فإنّ أقواله حول سوريا من زاوية التوتر التركي ــ الإسرائيلي المحتمل، تقتضي بدورها جرعة إقرار غير ضئيلة بأنّ الجزاف ليس السيّد السائد هنا. خاصة وأنّ رئيس القوّة الكونية الأعظم كان يتحدث في المكتب البيضاوي، وعلى يساره جلس رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المستدعى إلى واشنطن على عجل، وعلى غير العادة.
وللمرء أن يبدأ من تفصيل صغير هو أنّ الصحافية الإسرائيلية ليزا روسوفسكي، من «هآرتز»، كانت هي المبادرة إلى طرح السؤال عن «مزاعم» تركيا بصدد إشاعة الاستقرار في سوريا، وما إذا كان ترامب يعتقد أنّ «تأثير تركيا في سوريا يمكن بالفعل أن يجعل البلد أفضل، أكثر ميلاً إلى السلام أم العكس؟». وهذا تفصيل ليس منعدم المغزى، لأنه أوّلاً يعكس الهواجس الإسرائيلية الجدّية إزاء احتمالات تمكين تركيا في سوريا، عسكرياً أوّلاً؛ كما يكتسب فحوى خاصة حين يصدر عن ممثلة لصحيفة ليست متعاطفة عموماً مع حكومة نتنياهو وسياساته، وسط رهط صحافي ضيّق العدد ومنتقى بعناية.
هل تطلّب السؤال كلّ ذلك الإسهاب في إجابات ترامب، سواء لجهة: 1) الإعراب عن الودّ الشخصي الذي يجمعه مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان؛ و2) إغداق صفات حميدة على الأخير، الذي «فعل شيئاً لم يكن أحد قادراً عليه»؛ و3) تهنئة الرئيس التركي على «تولّي» سوريا، بما «لم يستطع أحد القيام به على مدى 2000 سنة»؛ و4) عرض الوساطة الأمريكية، فهذه «لن تكون مشكلة»، ما دام «بيبي» سيلتزم حدود المعقول…؟
ليس تماماً، إلا في سياق أوّل يفيد بأنّ ترامب تعمد استثمار الجلسة، أو بالأحرى اختتام سلسلة من المقايضات الأمريكية ــ الإسرائيلية حول إيران وقطاع غزّة والرسوم الجمركية، بهذه النقلة المفاجئة نحو سوريا (وليس العلاقات التركية ــ الإسرائيلية فقط). وهذه بدت متضافرة مع مفاجأة أخرى عنوانها اعتزام البيت الأبيض إجراء مباحثات مباشرة مع طهران، على نقيض مطامح نتنياهو إلى ضربات أمريكية ــ إسرائيلية مشتركة تستهدف المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية.
وسؤال الصحافية الإسرائيلية لم يتطلب ذلك الإسهاب إلا في سياقٍ ثان يُرجّح أنّ ترامب تلقى مقداراً تمهيدياً من الإحاطات الجيو ــ سياسية والأمنية، حول وجوب استخلاص مقاربة للشأن السوري لا تراجع عطالة الموقف خلال ولاية ترامب الأولى وخَلَفه بايدن والولاية الثانية الراهنة، فحسب؛ بل ترتدّ، أيضاً، إلى ما تبقى من عثرات «عقيدة أوباما» حول الشطر السوري من مشهدية الربيع العربي عموماً. وغير مستبعَد أن تفضي بعض مداخل تلك المقاربة إلى البوابات التركية، حيث لا يغفل النابهون في البيت الأبيض عن حقائق نجاح أنقرة في إقامة توازنات ناجحة، ورابحة، في الملفّ السوري طوال عقد من الزمان على الأقلّ؛ وسط تقاطع نيران ومصالح إيرانية وروسية وإسرائيلية، على خلفية مساندة المعارضة السورية المسلحة، وإدارة الحروب مع الـPKK.
وإذا كانت قد انحسرت عناصرُ حضور عسكري وسياسي واستثماري وعقائدي وميليشياتي للاحتلالًين الإيراني والروسي في سوريا، بعد انهيار نظام الأسد ومتغيرات حرب الإبادة في قطاع غزّة والغزو الروسي في أوكرانيا؛ فإنّ الاحتلالات الإسرائيلية والتركية والأمريكية قائمة وتتمدد، على غرار التوغل الإسرائيلي في الجولان وحوران وقصف المطارات ومحيط العاصمة دمشق ذاته. في قراءة أخرى لأقوال ترامب، تأخذ بعين الاعتبار بعض مفاعيل بقاء هذه الاحتلالات أو كلّها، فإنّ وساطة ترامب المقترحة لا تغيب عنها مطالب محاصصة ضمنية على مناطق النفوذ؛ ما دام اردوغان و«بيبي» في عداد أحباب الرئيس الأمريكي، وبقاء الـ900 جندي أمريكي في سوريا مسألة أخذ وردّ.
وحتى الساعة، ورغم الإشارات السلبية أو الإيجابية، أو انعدامها على الوجهتين، فإنّ مقاربة أمريكية للشأن السوري في مجمل ملفاته الشائكة تبتعد، بثبات ملحوظ، عن رؤى تولسي غابارد مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية صاحبة التعاطف الشهير مع نظام الأسد الابن، وهذه نقلة يتوجب أن تكون حاسمة. الأرجح أيضاً أنّ أصدقاء البيت الأبيض من الأنظمة العربية التي رحّبت بسلطات الأمر الواقع في سوريا الجديدة، كلٌّ على طريقته، في السعودية ومصر والأردن والكويت خصوصاً؛ سوف يتولون أيضاً إقناع ترامب (خدمة لمصالح إقليمية مشتركة، غنيّ عن القول) بتعديل نظرة تقليدية جامدة تجاه الرئيس الانتقالي السوري، انتهجها عدد من مسؤولي إدارة ترامب. وتلك انحصرت عملياً في سردية مزدوجة، قاصرة مبدئياً عن ملاقاة الـRealpolitik في اشتراطاته الدنيا: أنه سليل «القاعدة» و«الإرهاب»، وأنه لا يسيطر على كامل الأراضي السورية.
مرجّح، ثالثاً، أنّ زيارة الشرع المقبلة إلى تركيا، والتي لا يلوح أنّ مصادفة عشوائية كانت وراء اقترانها بزيارة إلى دولة الإمارات، سوف تكشف مسارات أكثر وضوحاً لعلاقات سوريا الجديدة مع تركيا، القوّة الإقليمية والأطلسية الأبرز في المنطقة اليوم، وليس مع تركيا اردوغان الراهنة فقط، من جهة أولى. ثمّ لتلك العلاقات كما تنعكس، وسوف تواصل الانعكاس، على القوّة الإقليمية العظمى الموازية، دولة الاحتلال الإسرائيلي، من جهة ثانية يتوجب هذه المرّة أن تختلف قواعد اللعب فيها عن عربدة نتنياهو في المنطقة منذ 15 سنة.
والسادة في البيت الأبيض تحت إدارة ترامب يدركون، كما هي حال بسطاء العقول وجهابذته على حدّ سواء، أنّ علاقات أنقرة مع موسكو لم تكن، في غابة تعقيدات الملفّ السوري، زواجاً كاثوليكياً جامداً، وكانت استطراداً نتاج توازن محسوب لسلسلة مصالح متطابقة تارة أو متناقضة تارة أخرى؛ بحيث أتاح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ينتقل، ذات يوم غير بعيد، من دمشق إلى اسطنبول مباشرة، لتدشين خط أنابيب غاز روسي. ومنتظَر أيضاً أنهم يتذكرون سلامَ محاصصة تركياً ــ روسياً تأسس بعد خصام شديد أعقب إسقاط طائرة السوخوي 24 الروسية بنيران تركية خريف 2015.
ولعلّ الوقت لن يطول قبل أن يتكشف هذا الاشتباك الظاهر عن خلاصات تُكمل مفاجآت ترامب، على نحو أو آخر؛ عملاً أيضاً بحكمة الإمام الشافعي، عن ليالٍ من الزمان حبالى، مثقلات يلدن كل عجيبة!
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
—————————-
حدود بلا دولة: سورية والقوى الخارجية وانعدام الاستقرار المستمر/ أرميناك توكماجيان و خضر خضّور
تعنبمساهمة مهنّد الحاج علي، وحارث حسن، ومهى يحيَ
ي التغييرات التي طرأت على الأوضاع الديموغرافية والاقتصادية والأمنية أن عملية السلام السورية-السورية تتطلّب توافقًا بين القوى الإقليمية الرئيسة على أن سورية يجب أن تبقى موحّدة، وأن النصر لا يمكن أن يتحقّق لطرفٍ دون آخر، وأن انعدام الاستقرار الدائم يطرح تهديدًا للمنطقة بأسرها.
نشرت في 10 أبريل 2025
في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، تستمر النزاعات ويسود اللااستقرار في المناطق الحدودية المتنازَع عليها حيث تتفاعل التوترات المحلية مع الديناميكيات الإقليمية والعالمية. وفي هذا الصدد، تعمل مؤسسة آسيا ومعهد الأخدود العظيم ومركز كارنيغي للشرق الأوسط معاً من أجل تحقيق فهم أفضل لأسباب النزاعات في هذه المناطق الحدودية وتأثيراتها وأبعادها الدولية، ودعم اعتماد أساليب أكثر فاعلية لصنع السياسات وبرمجة التنمية، وبناء قدرات الشركاء المحليين من أجل تفعيل البحوث الآيلة إلى الدفع نحو التغيير السلمي.
للمزيد من المعلومات
ملخّص
خسرت السلطات المركزية السورية سيادتها على المناطق الحدودية، التي باتت موضع تنازع بين قوى محلية وإقليمية ودولية. ونظرًا إلى أن هذا الواقع لن يتغيّر قريبًا، من المُستبعَد التوصّل إلى حلٍّ للأزمة السورية، ولا سيما أن جميع الأطراف المنخرطة في الصراع، بما في ذلك القوى الخارجية، قد تواجه مخاطر إذا شهدت أجزاء مختلفة من سورية اضطرابات داخلية. وبما أن ما من طرفٍ قادرٍ على تحقيق نصرٍ مطلق، من الضروري بلورة إطار وطني للتوصّل إلى حلٍّ شامل للصراع السوري.
محاور أساسية
أحدث الصراع في سورية تحوّلًا في المناطق الحدودية، إذ تفرض تركيا نفوذها على الجزء الأكبر من الحدود الشمالية، وتمارس إيران تأثيرًا كبيرًا على الحدود مع العراق والأردن، وأيضًا على الحدود مع لبنان بصورة غير مباشرة من خلال حزب الله؛ ولدى الولايات المتحدة أيضًا قواعد نفوذ على طول حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية، وصولًا إلى التنف.
تختلف المناطق الحدودية عن بعضها البعض، لكنها باتت جميعها مناطق تتمتّع بالحكم الذاتي من خلال التفاعل القائم بين القوى المحلية والدول الإقليمية، بما في ذلك حلفاء النظام السوري. وأدّى ذلك إلى نشوء كانتونات بحكم الأمر الواقع خارجة عن سيطرة دمشق، لكلٍّ منها اقتصاده وأمنه وحتى إيديولوجيته الخاصة.
شكّلت الترتيبات الديموغرافية والعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود والشواغل الأمنية عوامل أساسية أفضت إلى نشوء هذا الوضع. ولا يزال التفاعل بين هذه العوامل يؤثّر على الأنماط الاجتماعية والسياسية في المناطق الحدودية السورية.
خلاصات وتوصيات
أعادت الحرب السورية تشكيل التركيبة الديموغرافية للمجتمع السوري بصورة جذرية، إذ تسبّبت بنزوح أو تهجير نحو 14 مليون شخص، وولادة جيلٍ جديد من السوريين في ظلّ واقعٍ سوري شديد الانقسام.
أعاد الصراع السوري تشكيل الشبكات الاقتصادية العابرة للحدود، وساهم في الوقت نفسه في بروز مراكز وقوى اقتصادية جديدة خارجة عن سيطرة الحكومة السورية.
نشأت في سورية على مدى العقد الماضي تقريبًا نُظمٌ أمنية موازية، تركية وإيرانية وأميركية، يعمل كلٌّ منها ضمن مناطق عملياتٍ أو نفوذٍ محددّة.
نظرًا إلى أن العنف مستمرٌّ بشكلٍ أساسي في المناطق الحدودية السورية، حيث تتمتّع القوى الإقليمية والدولية بقدرٍ كبيرٍ من النفوذ، يجب أن يتطرّق أيّ حلٍّ للصراع السوري إلى هذا الواقع، ويُعيد إحياء الإطار الوطني السوري.
للمفارقة، بقيت الحدود السورية المُعترَف بها دوليًا على حالها، ذلك أن النزاع على سورية، وانعدام الاستقرار الذي خلّفه ذلك، عزّزا على ما يبدو الاعتقاد السائد في أوساط الدول الإقليمية بضرورة الحفاظ على هذه الحدود.
يجب أن يستند الاتفاق على استعادة السلطة الوطنية في إطار عملية سورية داخلية إلى توافق بين القوى الإقليمية الرئيسة على أن سورية يجب أن تبقى موحّدة، وأن النصر لا يمكن أن يتحقّق لطرفٍ دون آخر، وأن انعدام الاستقرار الدائم يطرح تهديدًا للمنطقة.
من المستحيل ربما الرهان على عقلانية القوى الإقليمية والدولية، لكن مساعي احتواء الصراع السوري أو إدارته إلى أجلٍ غير مسمّى من دون التوصّل إلى حلّ، قد تتسبّب باضطرابات داخلية ستكون لها تداعيات إقليمية في نهاية المطاف.
مقدّمة
أحدثت الحرب السورية تحوّلًا في المناطق الحدودية في البلاد، إذ فقدت دمشق سيطرتها على معظم هذه المناطق، فيما احتفظت بسيطرة شكلية فقط على مناطق أخرى يهيمن عليها حلفاء نظام الرئيس بشار الأسد. لطالما كان إحكام السيطرة على الحدود عنصرًا أساسيًا من سلطة الدولة البعثية، ومؤشّرًا مهمًّا على سيادة أي دولة عمومًا. لكن اليوم، باتت سيطرة الحكومة المركزية السورية على المناطق الحدودية في البلاد محلّ تنافس بين قوى محلية ووطنية وإقليمية مختلفة، ما أدّى إلى انتشار مجموعة متنوعة من السلطات السياسية (أو المراكز) التي تتمتّع بالنفوذ في تلك المناطق.
تفرض تركيا نفوذها على مناطق واسعة من حدود سورية الشمالية، فيما تتمتّع إيران بتأثيرٍ كبير في المنطقة الحدودية الشرقية مع العراق، وأيضًا على الحدود الغربية مع لبنان بشكلٍ غير مباشر من خلال حليفها اللبناني حزب الله. أما الولايات المتحدة فأنشأت بدورها مواقع عسكرية على طول حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية، وصولًا إلى قاعدة التنف بالقرب من الأردن. صحيحٌ أن هذه المناطق الحدودية مختلفة كثيرًا في ما بينها، لكن يجمعها قاسمٌ مشتركٌ واحدٌ هو أنها أصبحت كياناتٍ تتمتّع بحكم ذاتي إلى حدٍّ بعيد، ولكلٍّ منها اقتصاده وأمنه وحتى إيديولوجيته الخاصة. إذًا، تحوّلت هذه المناطق إلى كانتونات بحكم الأمر الواقع، خارجة عن سيطرة دمشق.
نتيجةً لهذا الواقع، بات من المستبعد أن يستعيد النظام سيادته على معظم هذه المناطق الحدودية في وقتٍ قريب، بل ستستمرّ القوى المحلية والإقليمية والدولية والتفاعلات في ما بينها في تشكيل التطوّرات في تلك المناطق خلال السنوات المقبلة.
تشهد هذه المناطق الحدودية كافّة متغيّرات عدّة تؤثّر في حصيلة هذه التفاعلات، ويمكن حصرها بشكلٍ عام في عوامل ثلاثة، هي: الترتيبات الديموغرافية، أو تحديدًا مصير السكان النازحين داخليًا واللاجئين؛ والأسواق، أو ما يمكن تسميته بالعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود؛ والوضع الأمني. ونظرًا إلى أن دمشق لن تتمكّن قريبًا من استعادة سيطرتها الكاملة على مناطقها الحدودية، يقتضي حلّ الأزمة السورية الابتعاد عن المبادرات السياسية التي تمّ اقتراحها أو تطبيقها في البلاد حتى الآن، ومن ضمنها خطة الأمم المتحدة من أجل سورية المتمثّلة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، أو الاتفاقات الأضيق حول مناطق جغرافية مُحدَّدة والمنبثقة عن مسار الأستانة الذي ضمّ إيران وروسيا وتركيا.
من الصعب للغاية اليوم تصوّر خطة مفصّلة لإنهاء الأزمة السورية. فالوضع السائد راهنًا في ظلّ النزاعات بين القوى الإقليمية والدولية على الأراضي السورية، لا يُنبئ بتحقيق أي طرفٍ انتصارًا عسكريًا مطلقًا. بل على العكس، تزيد هذه النزاعات احتمال استمرار تفكّك الدولة السورية لتبقى البلاد مصدرًا رئيسًا لانعدام الاستقرار الإقليمي، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر مُحدِقة بجميع الأطراف المعنية في سورية. يهدّد استمرار الوضع الراهن باندلاع اضطرابات داخلية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وكذلك في مناطق سيطرة خصومها، ما من شأنه تقويض التوازن القائم بين القوى الخارجية المنخرطة في البلاد. وفي ضوء هذه الوقائع، من الضروري تحقيق توافق واسع النطاق لإعادة الديناميات في البلاد إلى إطار وطني سوري جامع يسمح للأطراف المتناحرة بالتوصّل إلى حلٍّ يسهم في استقرار الأوضاع في البلاد.
التطورات في المناطق الحدودية السورية بعد العام 2011
بدأ النزاع السوري في آذار/مارس 2011 على شكل مظاهرات سلمية في الغالب ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد، قبل أن تشتدّ حمأته ويتحوّل إلى حرب أهلية في منتصف العام 2012.1 ومع ارتفاع حصيلة الضحايا، امتدّت رقعة القتال لتشمل مناطق ومدنًا كبرى في مختلف أرجاء سورية، وسُرعان ما أصبحت البلاد بؤرةً أساسية للطموحات والتنافسات الإقليمية. وعلى الرغم من جيوب المقاومة المسلحة التي انبثقت في البلاد، كان النظام في أضعف حالاته والثوّار في أقوى حالاتهم في المناطق الحدودية، حيث استفادوا من دعم الدول الخارجية عبر الحدود. وبعد مرور أكثر من اثني عشر عامًا، لا يزال الصراع يتركّز بشدّةٍ على المناطق الحدودية.
ومع دخول الانتفاضة السورية في دوّامةٍ من العنف المتزايد، بدأت القوات التابعة للنظام بخسارة المناطق الحدودية، الواحدة تلو الأخرى، أو بالانسحاب منها للدفاع عن مدن كبرى أو بنى تحتية حيوية، ما سمح للأطراف المحلية التي تجمعها علاقات قوية مع القوى الإقليمية بملء الفراغ الذي خلّفته الدولة. ومنذ العام 2012، طرأت تغييرات كثيرة على خارطة النفوذ في سورية. فقد أسفرت ظروف الحرب القاسية إلى إخراج المجموعات المحلية الأضعف من المعادلة، ولم يبقَ منها سوى الأقوى، وخصوصًا تلك التي حظيت بدعمٍ مستمرّ من الدول الأجنبية. وما زالت هذه المجموعات تتحدّى هيمنة النظام وسيادة الدولة، وهي لا تقتصر على مجموعات المعارضة فحسب، بل تشمل أيضًا حلفاء نظام الأسد الذين حلّوا محلّ سلطة دمشق في الكثير من المناطق الحدودية، ولا سيما تلك المشتركة مع لبنان والعراق.
التطوّرات على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية
كانت القوات التابعة للحكومة السورية أشدّ ضعفًا على طول الحدود السورية التركية الممتدّة على مسافة 900 كيلومتر. فبحلول نهاية العام 2012، كان النظام قد فقد سيطرته تقريبًا على هذه المنطقة. وفي الشمال الغربي، خسر النظام المناطق الريفية والحدودية في محافظتَي حلب وإدلب لصالح كيانات المعارضة المدنية المحلية التي حلّت مكان مؤسسات الدولة السورية وتولّت توفير المساعدات والخدمات.2 على الصعيد العسكري، ظهرت عشرات المجموعات المسلحة المحلية المختلفة التوجّه في المنطقة، وتراوحت بين العصابات الإجرامية، والفصائل التي تُعتبر “معتدلة” مثل الجيش السوري الحر، والمجموعات الكردية الساعية إلى انتزاع الحكم الذاتي في الدولة السورية، والمنظّمات السلفية الجهادية مثل جبهة النصرة، ثم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام منذ العام 2014.3 وأصبحت جبهة النصرة في ما بعد تُعرف بهيئة تحرير الشام التي تفرض سيطرتها اليوم على محافظة إدلب. كانت هذه الفسيفساء منتشرة في جميع أنحاء الشمال الغربي، باستثناء عفرين، التي كانت خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
انسحب الجيش وقوات الأمن السورية من المناطق ذات الغالبية الكردية الواقعة في الشمال والشمال الشرقي في صيف العام 2012، ما سمح لحزب الاتحاد الديمقراطي بملء الفراغ الحاصل. يُشار إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني الذي يتّخذ من تركيا مقرًّا له وتصنّفه أنقرة تنظيمًا إرهابيًا.4 على مرّ السنوات، تمكّن حزب الاتحاد الديمقراطي من السيطرة على أجزاء واسعة من سورية، وأنشأ فيها منطقة حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع تُعرف باسم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية،5 ما أثار استياء كلٍّ من نظام الأسد وتركيا. يُشار إلى أن قوات سورية الديمقراطية التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية تتولّى حماية منطقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، وهي أقامت تحالفًا مع الولايات المتحدة على ضوء تعاونهما في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وإلحاق الهزيمة به.6
كانت للحدود وأمن الحدود والمساعدات عبرها تأثيرات بالغة الأهمية على المناطق الحدودية الشمالية لسورية. فقد أصبحت الحدود السورية التركية ممرًّا أساسيًا لتزويد الثوّار “المعتدلين” في سورية بالمساعدات العسكرية والمالية.7 وتَدَفّق عبر هذه الحدود المقاتلون السلفيون الجهاديون إلى سورية التي شهدت تشكُّل الكثير من الجماعات المتطرّفة، وكذلك المقاتلون الأكراد الذين أتوا من تركيا للانضمام إلى حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب.8 كانت أنقرة بدايةً على قناعة بأن أيام الأسد معدودة، لذا لم تشعر بالتهديد من التمرّد الكردي. لكن عندما أبدى الرئيس السوري قدرةً غير متوقعة على الصمود، باتت تركيا فجأة مُعرَّضة للتهديد من عدوّها اللدود في سورية، حيث وضع القادة الأكراد أُسُس كيانٍ يحكمونه عبر كوادر مُدرَّبة من حزب العمال الكردستاني ومرتبطة به.9
كان العام 2016 من أبرز سنوات الصراع، إذ شهد تغيّر وجه الشمال السوري بشكلٍ بالغ. حدث ذلك نتيجة عوامل عدّة، بما في ذلك التدخل الروسي في أيلول/سبتمبر 2015 الذي قلب الموازين العسكرية، وأرغم الداعمين الأساسيين للثوّار السوريين على التخلّي عن هدف تغيير النظام. وضاعفت أنقرة جهودها سعيًا إلى منع الهيمنة الكردية على حدودها. وفيما خاضت الولايات المتحدة، بالتحالف مع الأكراد، معارك للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، حقّق نظام الأسد انتصارات كبرى، أهمّها استعادة السيطرة على حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016. وفي غضون سنوات قليلة، انخفض عدد القوى المحلية والخارجية المنخرطة في الصراع السوري بشكل كبير.
في الشمال والشمال الغربي، حيث نفّذت تركيا عمليات عسكرية لتوسيع نطاق نفوذها بين العامَين 2016 و2019، بقيت قوّتان محليتان على الأرض: هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها في محافظة إدلب، والمجالس المحلية المترابطة بشكل فضفاض في ظلّ الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، والتي تعمل إلى جانب الجيش الوطني السوري الذي أعاد تنظيم ما تبقّى من عناصر الجيش السوري الحر.10 أما في الشمال الشرقي، فقد حافظت الإدارة الذاتية الكردية على وجودها في الغالب بفضل الدعم الأميركي. وتستمرّ هذه القوى المحلية حتى اليوم في تحدّي نظام الأسد والحدّ من نفوذه، مستفيدةً من الحماية التركية أو الأميركية.
أوضاع الجنوب السوري
بدايةً، كان مسار الصراع في الجنوب السوري، الذي يتألّف من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، مشابهًا لما حدث في الشمال، حيث حلّت الهيئات المدنية المحلية محلّ سلطة الدولة، فيما خاضت عشرات الفصائل المسلحة معارك ضدّ القوات التابعة للنظام وأبعدتها عن الحدود. في هذه المناطق، كان تأثير الجماعات السلفية الجهادية محدودًا مقارنةً بالشمال.11 وكان اللاعب الأبرز ما عُرف بالجبهة الجنوبية، وهي تحالفٌ مكوَّن من تسعة وأربعين فصيلًا مسلّحًا من المعارضة السورية، تمركَز بشكل أساسي في محافظة درعا، وتلقّى الدعم من غرفة عمليات مقرّها الأردن وشاركت فيها دول عربية وغربية عدّة.12 وعلى خلاف الشمال السوري حيث بسطت هيئة تحرير الشام سيطرة واسعة، لم تتمكّن جماعة واحدة من الهيمنة على الجنوب السوري. مع ذلك، تضاءل الدعم الأجنبي تدريجيًا إلى أن توقّف في العام 2017، عندما تغيّرت الأولويات الأميركية في سورية ولم يعد الهدف إسقاط نظام الأسد.13
أتاح الوضع الجديد لقوات النظام استعادة السيطرة على معظم أجزاء الجنوب السوري في صيف العام 2018، بفضل الاتفاق الذي تمّ بوساطة روسيا. وأفضت هذه التفاهمات إلى تليين المعارضة الأميركية والإسرائيلية حيال عودة الجيش السوري إلى هذه المناطق، شرط عدم نشر إيران وحلفائها قواتها في الجنوب.14 مع ذلك، عجز النظام خلال السنوات الخمس الماضية عن إعادة فرض سلطته بالكامل، في ظلّ تراجع نفوذ روسيا بسبب حربها في أوكرانيا.15 إذًا، يبدو الوضع متقلّبًا للغاية اليوم. فعلى الرغم من أن الحكومة لم تفقد أبدًا السيطرة على السويداء، شهدت المحافظة مؤخرًا احتجاجات مناهضة للنظام.16 كذلك، تواجه القوات الحكومية تحدياتٍ في محافظة درعا، بينما وسّعت إيران والقوى المتحالفة معها نفوذها في محافظة القنيطرة.17
المنطقتان الحدوديتان الشرقية والغربية في سورية بعد العام 2011
اختلفت التطوّرات على الحدود الشرقية والغربية نوعًا ما عن الأوضاع على الحدود الشمالية والجنوبية، نظرًا إلى النفوذ الإيراني في لبنان والعراق، حيث تدعم طهران قوى غير حكومية مؤيّدة لنظام الأسد.
خلال السنوات الأولى من الصراع السوري، كانت المساعدات العسكرية إلى فصائل المعارضة داخل سورية تصل من لبنان.18 على سبيل المثال، مرّت خطوط الإمداد باتّجاه مدينة حمص تعبر بلدة تلكلخ السورية الواقعة على مقربة من الحدود مع لبنان.19 وانطلقت من لبنان أيضًا خطوط الإمداد إلى القصير.20 وبدءًا من نيسان/أبريل 2013، شنّت القوات التابعة للنظام السوري وحزب الله هجمات عدّة على المناطق الحدودية نجحت من خلالها في السيطرة على القصير وتلكلخ، قبل استكمال سيطرتها على جبال القلمون في الفترة التي سبقت آب/أغسطس 2017، حين انسحبت آخر المجموعات الثورية من المنطقة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصّل إليه مع حزب الله.21 وكان الحزب قد أطلق في الشهر السابق، أي تموز/يوليو 2017، عملية تطهير جرود بلدة عرسال اللبنانية من المقاتلين التابعين للجماعات السلفية الجهادية.22 وقد ساهمت نجاحات الحزب على جانبَي الحدود في إحكام سيطرته على ذلك الجزء من الحدود السورية اللبنانية، وباتت القصير منذ ذلك الحين معقلًا لقوات حزب الله.
ينطبق الكثير من الخصائص الآنفة الذكر على النزاع في المنطقة الحدودية السورية مع العراق. ونظرًا إلى أن هذه الحدود هي ثاني أطول شريط حدودي لسورية، إذ تمتدّ على طول 600 كيلومتر تقريبًا، استخدمتها مختلف الجهات لخدمة مصالحها الخاصة. وكما هو الحال في أجزاء أخرى من سورية، انسحبت قوات النظام من جزءٍ كبيرٍ من الحدود السورية العراقية بحلول نهاية العام 2013.
في الشمال الشرقي، وخصوصًا في محافظة الحسكة السورية، عمَد الأكراد، ولا سيما وحدات حماية الشعب الكردية، إلى ملء الفراغ القائم، بينما سيطرت مجموعات ثورية مختلفة على أجزاء من محافظة دير الزور الواقعة على حدود سورية الشرقية. وقرابة نهاية العام 2012، خرج معبر القائم-البوكمال الاستراتيجي مع العراق عن سيطرة نظام الأسد.23 وفي غضون عام، لم تعد لديه أي سيطرة تقريبًا على ضفة نهر الفرات في دير الزور، وخسر جميع حقول النفط الرئيسة الواقعة شمال النهر.24 لكن ما إن أمسى النظام خارج المشهد حتى خاضت المجموعات الثورية معارك في ما بينها، وذلك بالدرجة الأولى للسيطرة على الموارد الاقتصادية. وبعد معارك دامية، انتصر تنظيم الدولة الإسلامية على كل هذه الجماعات في العام 2014 وأعلن تأسيس الخلافة الإسلامية في حزيران/يونيو، قبل أن يمحو الحدود بين الأراضي الخاضعة لسيطرته في سورية والعراق، والتي امتدّت من أجزاء من محافظة حلب في سورية وصولًا إلى الموصل في العراق.25
أدّى بروز تنظيم الدولة الإسلامية إلى استنفار القوى المحلية والإقليمية والدولية لمحاربته في سورية والعراق بدءًا من العام 2016. فشنّت كلٌّ من سورية والعراق وروسيا والميليشيات المدعومة من إيران، إضافةً إلى تحالفٍ جمع دولًا غربية وعربية بقيادة الولايات المتحدة، عمليات ضدّه بشكلٍ متزامن. وبعد إلحاق الهزيمة بالتنظيم في العام 2019، أعاد العراق نشر قواته عند بعض النقاط الحدودية.26 وفيما تقلّصت معاقل التنظيم، ملأت قوات سورية الديمقراطية الفراغ في شمال شرق سورية، شمال نهر الفرات. وفي سياق الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، عزّزت الولايات المتحدة أيضًا وجودها العسكري في التنف، عند تقاطع الحدود السورية مع الأردن والعراق، حيث تولّت تدريب قوة بالوكالة لمحاربة التنظيم.27 أما الأجزاء المتبقّية من دير الزور، فأصبحت تحت سيطرة الجيش السوري، مدعومًا بالميليشيات الموالية لإيران التي حلّت محلّ تنظيم الدولة الإسلامية على طول المناطق الجنوبية من نهر الفرات.
في الجانب العراقي، بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، كسب طرفٌ جديد نفوذًا في المنطقة الحدودية، أي قوات الحشد الشعبي، ولا سيما الفصائل المتحالفة مع إيران والعاملة تحت مظلّة هذه القوات.28 ويُذكر من بين هذه الفصائل لواء الطفوف، وهو فصيلٌ مسلّح كان في البدء مقرّبًا من السلطة الدينية الشيعية في النجف، بقيادة آية الله علي السيستاني، قبل أن يصطفّ تدريجيًا إلى جانب إيران. كذلك، نشرت كتائب حزب الله مقاتليها تحديدًا في منطقتَي القائم وعكاشات، حيث يقع معبر القائم-البوكمال.29 تشكّل هذه الفصائل جزءًا من محور المقاومة المدعوم من إيران والمناهض للنفوذ الأميركي والإسرائيلي في الشرق الأوسط.
وقد انتشرت الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي أيضًا في الأجزاء الشمالية من الحدود السورية العراقية، وخصوصًا في منطقة سنجار، حيث احتدم التنافس على السيطرة بين إقليم كردستان الذي يتمتّع بحكم ذاتي في العراق وحكومة بغداد.30 وفيما تهيمن وحدات حماية الشعب على الجانب السوري من القسم الشمالي من الحدود، تنتشر مجموعات عدّة على الجانب العراقي، من ضمنها الفصائل الأيزيدية المدعومة من حزب العمّال الكردستاني الذي نشر مقاتليه هناك وساعد في تشكيل ميليشيات محلية في سنجار، إضافةً إلى الفصائل العشائرية السنّية المرتبطة بالحشد الشعبي.31
توضح هذه الخريطة المعقّدة للصراع السوري تأثير الأطراف الخارجية، وأبرزها إيران. فمن خلال نشر حلفائها على جانبَي الحدود السورية العراقية، لم تسعَ فحسب إلى ضمان الاتصال الجغرافي للمناطق بين إيران ولبنان، وتسليح حليفها اللبناني حزب الله ودعمه، وتوظيف وسائل للضغط على القوات الأميركية في المنطقة الحدودية، بل هدفت أيضًا إلى وضع حلفائها في مواقع تخوّلهم شنّ هجمات على إسرائيل وتوفير الدعم للنظام السوري. هذا وأنشأت الولايات المتحدة بدورها قواعد عسكرية بالقرب من الحدود السورية العراقية، ما منحها نفوذًا سياسيًا وعسكريًا في سورية؛ ونشرت كذلك قوةً هناك لمحاربة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية ومراقبة أنشطة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحلفائه. وكثّفت تركيا أيضًا أنشطتها في المناطق الحدودية، حيث نفّذت عمليات عسكرية ضدّ معاقل حزب العمّال الكردستاني في سورية والعراق لمنع تشكيل كيانٍ سياسي كردي متحالف مع حزب العمّال الكردستاني في هذه الأراضي.32
بعد مرور أكثر من عقدٍ على الحرب، أصبحت المناطق الحدودية السورية تضمّ مجموعة كبيرة من الأطراف المحلية التي تحظى بدعم أو بحماية قوى أجنبية. أدّى ذلك إلى ضعف سيادة الدولة السورية على هذه المناطق، أو انحسارها تمامًا، أو تحوّلها إلى عملية تشاركية مع أطراف أخرى، نظرًا إلى انتشار حلفاء نظام الأسد وخصومه على السواء، ناهيك عن التفاعل القائم بين مختلف العوامل التي ترسم معالم البيئة المحلية، والتي تعكس مصالح جميع الجهات الفاعلة في هذه المناطق.
تأثير التركيبة الديموغرافية والأسواق والأمن
طوال فترة الصراع السوري، أدّى التفاعل بين القوى المحلية والدول الإقليمية إلى تعزيز الحكم الذاتي في المناطق الحدودية في شمال سورية وجنوبها وشرقها، وإلى تقليص دور دمشق كمركز إداري للبلاد ومصدر أساسي للسلطة السياسية. في المقابل، ازداد نفوذ القوى الإقليمية التي قوِّضت سيادة الدولة لخدمة أولوياتها الخاصة. وشكّلت الترتيبات الديموغرافية والعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود والشواغل الأمنية عوامل أساسية أفضت إلى نشوء هذا الوضع. ولا يزال التفاعل بين هذه العوامل يؤثّر على الأنماط الاجتماعية والسياسية في المناطق الحدودية السورية.
إعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية السورية
لقد أعادت الحرب في سورية تشكيل التركيبة الديموغرافية للمجتمع السوري بصورة جذرية، إذ أدّت إلى نزوح ما لا يقل عن 14 مليون شخص، وولادة جيلٍ جديد من السوريين في ظلّ واقعٍ سوري جديد ومنقسم.33 كثيرةٌ هي العوامل التي تسبّبت بنزوح السكان. فبعضهم هرب من مناطق الصراع بشكلٍ استباقي، فيما فرّ البعض الآخر بسبب أعمال العنف، وغادر آخرون مناطقهم بحثًا عن فرص معيشية أفضل. وقد شهدت المناطق الحدودية التركية والعراقية واللبنانية تطوّرات ديموغرافية مختلفة أثّرت على سيادة سورية.
لا تغطّي العوامل الديموغرافية المناطق الحدودية بحدّ ذاتها وحسب، بل تشمل أيضًا كيف استخدمت القوى المختلفة في سورية، ولا سيما النظام، السياسات الحدودية وموجات النزوح عبر الحدود لاستحصال أوراق ضغط سياسية وانتزاع تنازلات. والمُلفت أيضًا كيف استخدم النظام السوري والقوى الخارجية النزوح وسيلةً لإدارة النزاع. وأبرز مثال على ذلك كيف شكّلت هذه الهندسة الاجتماعية التركيبة الاجتماعية والديموغرافية لشمال غرب سورية.
واجه نظام الأسد في بداية الصراع تحديًّا مهمًا في كيفية التعامل مع فئة محدّدة من السكان السنّة اعتبرها الحاضنة الاجتماعية للانتفاضة. فقد اعتبر لواءٌ في الفرقة الرابعة المدرّعة، وهي وحدة رئيسة من الجيش السوري مكلّفة بمهمّة حماية النظام، أن هذه الحاضنة مُحافِظة وذات توجّهات طائفية، ووصَف المنتمين إليها بأنهم أفرادٌ ذوو قناعات خاطئة تجاه النظام ظلّوا مقتنعين بصحة معتقداتهم.34 ورأى الكثير من المسؤولين في القيادة السورية أن التصالح مع هذه الفئة غير ممكن، مجادلين بأنها قنابل موقوتة قد تعيد إشعال الانتفاضة في المستقبل إذا ما أُعيد دمجها في المجتمع.35
في الفترة الممتدّة بين العامَين 2016 و2018، وافق ما يقرب من 200 ألف سوري يعيشون في المناطق التي كانت واقعة تحت سلطة المعارضة ثم استعادت قوات النظام السيطرة عليها، على نقلهم إلى شمال غرب سورية، وخصوصًا إلى محافظة إدلب.36 فهم فضّلوا هذا الخيار بدلًا من البقاء تحت رحمة الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية. قَبِل النظام هذا الخيار لمعالجة المأزق الذي يواجهه في التصرّف مع هذه الفئة الكبيرة من السكان المعادين له. بموجب هذه الخطوة، التي سهّلتها روسيا، وافق النظام على فقدان سيطرته على جزءٍ من سكانه، والتنازل فعليًا عن مكوّنٍ أساسي من سيادته. من المُفترَض أن هذا كان تدبيرًا مؤقتًا، وأن النظام كان ينوي استعادة منطقة الشمال الغربي في مرحلة لاحقة من الصراع، كما أظهرت الحملات العسكرية التي شنّتها القوات الحكومية على المنطقة بعد العام 2018.37 لكن مكامن ضعف النظام بسبب مزيجٍ من العوامل السياسية والاقتصادية المحلية، وانشغال روسيا بحربها في أوكرانيا بدءًا من العام 2022 وحتى اليوم، فضلًا عن الخلافات مع تركيا، أدّت إلى وقف التقدّم العسكري للقوات الحكومية في شمال غرب البلاد.38
شكّل اقتلاع السكان من أرضهم وسيلةً لإدارة النزاع منذ اندلاع الحرب في سورية. في البداية، فشلت قوات النظام إلى حدٍّ كبير في إخضاع السكان الداعمين للثورة بشكل حاسم. وحتى المعارك التي انتصرت فيها أدّت في معظم الأحيان إلى نزوحٍ جماعي لهذه المجتمعات المحلية إلى مناطق أخرى، حيث كانت تتجدّد أعمال القتال. خير مثالٍ على هذا النمط معركةُ القصير في العام 2013، حين فرضت القوات الحكومية وحزب الله في حزيران/يونيو حصارًا على الثوّار والمدنيين في المدينة. وسُمح لقوات المعارضة المُنهكة والمهزومة وللسكان المدنيين بالمغادرة عبر ممرّ خاضع لسيطرة حزب الله.39 لكن نزوح الثوّار إلى مناطق مجاورة أتاح لهم فرصة إعادة رصّ صفوفهم والحصول على إمدادات من لبنان، ما سمح بوقوع اشتباكات جديدة مع القوات الحكومية وحزب الله.
لكن ما حصل في حمص خلال العام 2014 كان أكثر تعقيدًا. فقد أفضى انتصار نظام الأسد في القصير إلى قطع خطوط الإمداد لفصائل المعارضة من لبنان إلى المدينة القديمة في حمص، ما سمح للجيش السوري بإنهاء التمرّد هناك.40 وبينما كانت القوات الحكومية تتقدّم وتستعيد السيطرة على مناطق إضافية من قبضة الثوّار، باءت بالفشل معظم المبادرات التي أطلقتها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات من أجل إجلاء المسنّين والجرحى والتخفيف من حدّة الصراع. وبحلول منتصف آذار/مارس 2014، كان ما بين 1500 و2400 شخص لا يزالون محاصرين في المدينة القديمة.41 عندئذٍ، جرت مفاوضاتٌ ضمّت إيران وروسيا والمجموعات الثورية خارج حمص، وتوصّلت في نهاية المطاف إلى اتفاق أتاح تنفيذ أول عملية إجلاء منظّمة بشكلٍ فعلي في الحرب السورية، إذ تمّ إخراج السكان المحاصرين في المدينة القديمة ونقلهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الثوّار في الريف الشمالي لحمص، بدءًا من أوائل أيار/مايو 2014.42
فيما شكّلت المدينة القديمة في حمص خير مثالٍ على التغيير الديموغرافي الذي طرأ، وتكرّر لاحقًا في أماكن أخرى، لم تكن العملية بالوضوح الذي تصوّره البعض. فالأدلة أشارت إلى أن النزوح من حمص كان نتيجةً ثانوية لعوامل عدّة، أكثر من كونه نتاجَ خطةٍ مقصودة. وشملت هذه العوامل عدم استعداد نظام الأسد لإعادة دمج آخر 1500 شخص متواجد في المدينة القديمة، ورفض السكان المحاصرين وضع مصيرهم في أيدي أجهزة الأمن التابعة للحكومة والخضوع لعملية التدقيق الأمني الذائعة الصيت التي تطبّقها. وقد ناسب ذلك كلًّا من النظام الذي أراد اقتلاع التمرّد من جذوره، والمعارضة التي فضّلت الإجلاء على الاعتقال وربما الموت.
يمكن القول إن ما حدث في حمص أصبح سابقةً لعمليات إجلاء السكان المنسّقة والمُخطَّط لها مسبقًا التي جرت لاحقًا ووضعت حدًّا للصراع في عددٍ من المناطق. وأصبحت الصفقات المُبرَمة لإجلاء السكان أكثر تواترًا بكثير في جميع أنحاء سورية، وتكثّفت بعد التدخّل العسكري الروسي في أواخر العام 2015. وبدأت المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة تقع في قبضة القوات الحكومية، غالبًا من خلال إبرام اتفاقيات تنصّ على إجلاء السكان إلى محافظة إدلب، التي أصبحت معقلًا للمعارضة السورية بعد أن خسرت القوات الحكومية إدلب المدينة، وأريحا، وجسر الشغور في آذار/مارس ونيسان/أبريل 2015.43
شهدت الغوطة الشرقية في ريف دمشق أكبر عملية نزوح سكاني، وكان ذلك في أوائل العام 2018. وفقًا للأمم المتحدة، كان 278 ألف شخص يعيشون آنذاك تحت الحصار في الأماكن الخاضعة لسيطرة المعارضة في المنطقة.44 وبمجرّد أن هُزم الثوّار، قرّر حوالى 66 ألف شخص المغادرة إلى محافظة إدلب، في حين أن الباقين إما نزحوا إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة، أو ظلّوا في الغوطة.45 الجدير بالذكر أن أولئك الذين غادروا إلى إدلب كانوا في الغالب من السكان السنّة المحافظين المقيمين في الأرياف، الذين شكّلوا شريحة وازنة من الثورة ضدّ حكم الأسد. وتَوجَّب على جميع الرجال الذين بلغوا سنّ الخدمة العسكرية الخضوع لعملية تدقيق تتيح للنظام احتجاز كلّ من يمكن أن يشكّل تهديدًا.46 علاوةً على ذلك، لم يكن كلّ الذين غادروا معارضين للنظام بالضرورة، ولا كلّ الذين بقوا أفلتوا من عقابه. لكن هذه العملية عمومًا ساعدت النظام على إجلاء أولئك الذين رفضوا حكمه، والإبقاء على الذين قبلوا به. ومنذ ذلك الحين، لم تشهد الغوطة أي مظهر من مظاهر الثورة. صحيحٌ أن نقل الفئة السكانية الرافضة للنظام إلى إدلب لم يكن حلًّا نهائيًا، لكنه شكّل وسيلةً لإدارة النزاع أعادت أجزاء كبيرة من البلاد إلى حكم الدولة السورية.
وعلى القدر نفسه من الأهمية، عزّزت مثل هذه الخطوات خططَ تركيا للشمال الغربي. فعلى غرار نظام الأسد، اعتبرت أنقرة أن الأكراد في شمال سورية الذين يدعمون حزب العمّال الكردستاني يطرحون تهديدًا أمنيًا كبيرًا. وحين اتّضح أن الأسد باقٍ في منصبه، تحوّل تركيز أنقرة الأساسي نحو معالجة مسألة انتشار وحدات حماية الشعب المتحالفة مع حزب العمّال الكردستاني، على حدودها الجنوبية.
أفسح نقل شريحةٍ من السوريين إلى إدلب المجال أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للانخراط في بعض عمليات الهندسة الديموغرافية وإعادة توطين النازحين العرب في المناطق الكردية. وبدا هذا واضحًا بشكل خاص في عفرين الواقعة شمال غرب حلب، والتي سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية بدعمٍ من الجيش التركي في أوائل العام 2018، بعد أن كانت خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، ما أدّى، بحسب التقارير، إلى نزوح 150 ألف شخص من منطقة هيمن عليها الأكراد تاريخيًا.47 حدث ذلك قبل وقتٍ قصير من عملية النظام في الغوطة الشرقية، وفي النهاية استقرّ بعض النازحين من هناك محلّ الأكراد في عفرين.48 وبحلول منتصف العام 2023، أصبح أكراد عفرين أقلية شكّلت في أفضل الأحوال 35 في المئة من إجمالي عدد المقيمين في المنطقة البالغ 440 ألف شخص.49 من غير الواضح إلى أي مدى تمّ تنسيق ذلك بين روسيا وإيران وتركيا ونظام الأسد، بيد أن أنقرة نجحت في تبديد التهديد الذي تطرحه أنشطة حزب العمّال الكردستاني بالقرب من حدودها، من خلال إخراج وحدات حماية الشعب وقاعدتها الاجتماعية من عفرين والسماح بتدفّق النازحين داخليًا من خارج المدينة.
صحيحٌ أن المناطق الواقعة في شمال سورية وشمالها الغربي قدّمت أمثلةً حيةً على التغيير الديموغرافي في المناطق الحدودية، إلّا أن التركيبة الديموغرافية حدّدت أيضًا معالم التطورات على طول الحدود السورية العراقية، التي لم تتّسم تحديدًا بنزوح وعزل السكان السنّة في الغالب، بقدر ما اتّسمت بعملية دمجهم عبر الحدود بين العامَين 2014 و2019، حين كرّس تنظيم الدولة الإسلامية الهوية السنّية ركيزةَ حكمه هناك. لطالما جمعت الروابط العشائرية والعائلية السكانَ العرب السنّة على جانبَي الحدود، في وسط المنطقة الحدودية بين سورية والعراق.50 ونظرًا إلى القدرة المحدودة للسلطات المركزية، سواء العراقية أو السورية، على الوصول إلى هذه المناطق، نشأت بيئة مؤاتية لبروز التنظيمات السلفية الجهادية السنّية. وبالفعل، حين أعلن تنظيم الدولة الإسلامية الخلافة الإسلامية من جانبٍ واحد في العام 2014، أسّس ولايةً تضمّ السنّة العرب في غرب محافظة الأنبار العراقية ومحافظة دير الزور السورية.51
بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق في كانون الأول/ديسمبر 2017 وفي سورية في آذار/مارس 2019، أُعيد فتح معبر القائم-البوكمال الحدودي رسميًا في تشرين الأول/أكتوبر 2019.52 لكن هذه الخطوة لم تعنِ عودة سلطة الدولة وسيادتها بالكامل، بل ملأت الميليشيات التي حاربت تنظيم الدولة الإسلامية الفراغ الحاصل. ونجحت قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في ترسيخ وجودها في وسط المنطقة الحدودية. ولاحقًا، حوّل موطئ القدم الذي خصّصته هذه المجموعات لنفسها الحدودَ إلى مركزٍ لاستعراض القوة الإقليمية الإيرانية، تمكّنت طهران عبره من التواصل مع حلفائها ووكلائها في العراق وسورية ولبنان. أدّى ذلك إلى تهجير سكان البوكمال والقائم بسبب ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية، أو إلى انحسار قدرتهم على التأثير في المنطقة بسبب هيمنة الميليشيات الشيعية.53
وعلى طول الجزء الشمالي من الحدود السورية العراقية، برز سيناريو أكثر تعقيدًا بسبب التنوّع الإثني في المنطقة والتفاعل بين مجموعة واسعة من القوى السياسية. تحديدًا، سهّل تواجد الأكراد في كلٍّ من سورية والعراق حركة المنظمات الكردية عبر الحدود، بقيادة حزب العمّال الكردستاني الذي سعى إلى إنشاء معاقل بديلة في شرق سورية ومنطقة سنجار في العراق من خلال استغلال الفراغ في السلطة لتعزيز نفوذه وتطبيق رؤية الفيدرالية المجتمعية التي دعا إليها زعيمه عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبّد في أحد السجون التركية.54
أدّت حركة السكان أيضًا دورًا مهمًا في ما يتعلق بلبنان. لكن في هذه الحالة، أدّى استغلال النظام السوري للسياسات الحدودية من خلال دفع أعدادٍ كبيرة من السوريين إلى لبنان، إلى نشوء وضعٍ لم يبقَ محصورًا بالمنطقة الحدودية في المقام الأول. وشكّلت هذه الخطوة محاولةً للتسلّح بورقةٍ للضغط على الحكومة اللبنانية والسياسات التي تتبنّاها. فعلى الرغم من أن القيادة السورية وحليفها حزب الله قد يتنافسان على النفوذ في المناطق الحدودية، ولا سيما في ما يتعلّق بالشؤون الأمنية، يبقى أنهما متفقان تمامًا على استغلال العوامل الديموغرافية لضمان امتثال الحكومة اللبنانية.
تَسبَّب الصراع السوري بنزوح أعدادٍ كبيرة من السوريين إلى لبنان. وفي تاريخ كتابة هذه السطور، قُدّر عدد اللاجئين المقيمين في مناطق لبنانية مختلفة بنحو 1.5 مليون لاجئ،55 من بينهم 784,884 شخصًا مسجّلين رسميًا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.56 ويشكّل هذا العدد نحو 22 في المئة من سكان لبنان. لقد هُجّر معظم السوريين قسرًا من مناطق كانت تُعتبر في السابق معاقل للمعارضة المناهضة للنظام، مثل محافظتَي حمص وحماة. ويعيش حوالى 600 ألف لاجئ في شمال لبنان وشرقه على طول الحدود السورية.57 وعلى الرغم من هدوء حمأة الصراع السوري منذ العام 2017، لا تزال الظروف اللازمة لعودة اللاجئين صعبة،58 وتعترضها عقباتٌ كثيرة لا تقتصر على سلوك السلطات والأجهزة الأمنية السورية التي لا تحبّذ هذه العودة، بل تشمل أيضًا الظروف الاقتصادية والأمنية المتردّية في سورية، ناهيك عن التدمير الواسع النطاق الذي لحق بالممتلكات، ومصادرة أملاك الغائبين، ما يعني في الكثير من الأحيان أن اللاجئين ليس لديهم مكانٌ يعودون إليه. وقد أصدر النظام السوري لوائح تشترط حصول بعض اللاجئين في لبنان على تصاريح أمنية. لكن في غالب الأحيان، ترفض الأجهزة الأمنية منحهم الإذن للعودة،59 علمًا أن عددًا من السوريين عاد بشكلٍ غير رسمي.60
سعى النظام السوري، بدعمٍ من حزب الله، إلى استخدام وجود اللاجئين السوريين في الدرجة الأولى لتحقيق مكاسب سياسية في لبنان، وتحديدًا لإعادة إحياء العلاقات الرفيعة المستوى والتنسيق الوثيق بين البلدَين.61 لكن هذه المسألة موضع خلافٍ في لبنان نظرًا إلى هيمنة سورية على البلاد طوال عقود، وإلى اعتقاد كثيرٍ من اللبنانيين بضلوع سورية وحزب الله في عملية اغتيال رئيس الوزراء الراحل والشخصية السنيّة البارزة رفيق الحريري في العام 2005. فقد أدّى مقتل الحريري إلى اندلاع مظاهرات واسعة النطاق، أعقبها انسحاب الجيش السوري من لبنان بعد وجودٍ دام تسعة وعشرين عامًا.62 ومنذ النجاح الذي حقّقه حزب الله في الصراع السوري، ضغطَ من أجل توطيد العلاقات مع سورية،63 أولاً على أساس أن هذا الأمر قد يفيد لبنان اقتصاديًا،64 وثانيًا لأنه ضروريٌ من أجل ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
أصبح وجود اللاجئين السوريين في كلٍّ من تركيا ولبنان سببًا في زيادة حدّة الانقسام الوطني، وفي تأجيج الحملات الشعبوية ضدّ السوريين.65 ونظرًا إلى أن الكثير منهم أتوا إلى لبنان لأسباب اقتصادية، جادل بعض اللبنانيين لصالح تبنّي مقاربة موجّهة أكثر نحو الأمن، لا تسعى فحسب إلى خفض عدد السوريين في البلاد، بل أيضًا إلى وضع حدٍّ للتهريب عبر الحدود، الذي كان كبّد الدولة اللبنانية خسائر بالغة، ولا سيما أنها غارقة أساسًا في أزمة اقتصادية حادّة.66 يُضاف إلى ذلك أن الأعداد الكبيرة من السوريين أحدثت خللًا في التوازن الطائفي الدقيق في لبنان، لأن معظم اللاجئين ينتمون إلى الطائفة السنّية. كذلك، شكّل اللاجئون عبئًا ثقيلًا على البنى التحتية المتهالكة في لبنان، ولا سيما أن معظمهم استقروا في مناطق فقيرة، ما أسفر عن حدوث احتكاكات بسبب التنافس على الموارد الشحيحة.67
لذا، قد يكون النظام في دمشق خسر سيادته على المناطق الحدودية، بيد أنه سعى في لبنان إلى استخدام العوامل الديموغرافية وسيلةً لاستعادة بعض النفوذ الذي كان يتمتع به في البلاد.68 مع ذلك، تشكّل عودة اللاجئين أيضًا ورقة مساومة في مفاوضات سورية مع المجتمع الدولي، ومع الدول العربية التي تريد سورية إعادة تطبيع العلاقات معها بعد سنوات من العزلة، وحتى مع حزب الله الذي لم يكن النظام دومًا راضيًا عن نفوذه المتنامي في سورية. وسيتطلّب إحراز أي تقدّم بشأن عودة اللاجئين على الأرجح تنازلات سياسية أو مالية مهمّة.
العلاقات الاقتصادية عبر الحدود والأسواق الجديدة
كان للصراع السوري تأثيرٌ مهمٌ آخر على المناطق الحدودية، إذ أدّى إلى إعادة تشكيل الشبكات الاقتصادية العابرة للحدود، وبروز مراكز وقوى اقتصادية جديدة خارجة عن سيطرة النظام السوري. وبدا هذا جليًا بشكلٍ خاص على طول الحدود الشمالية مع تركيا، ولا سيما عبر تهميش مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام والحدّ من دورها كمركزٍ اقتصادي لصالح بلدات حدودية تجمعها روابط قوية مع تركيا والشركات التي تتّخذ من تركيا مقرًّا لها. تختلف الأمثلة على طول الحدود السورية التركية باختلاف من يسيطر على منطقةٍ محدّدة، لكن في جميع الحالات، يسلّط الوضع على الأرض الضوء على ضعف قبضة نظام الأسد في المناطق الحدودية الشرقية.
حلب في زمن الحرب، على غرار مدن أخرى في سورية، تروي قصة انقساماتٍ وموتٍ ونزوحٍ ودمار. وتبرز حلب أكثر من غيرها من المدن لأنها شكّلت قبل الحرب المركز الاقتصادي والإداري للنصف الشمالي من البلاد، ثم استُبدِلت بنظام اقتصادي جديد مرتبط بالحدود الدولية. في العام 2010، ساهمت محافظة حلب بخُمس الناتج المحلي الإجمالي في سورية.69 تجاريًا، كانت البضائع والسلع تصل من جميع أنحاء العالم عبر الطرقات البرّية والموانئ البحرية إلى حلب ليُعاد توزيعها ليس في مختلف أرجاء المحافظة فحسب، بل أيضًا في الشمال السوري كلّه. وتوافدت القوى العاملة من الأحياء الأكثر فقرًا في المدينة ومناطق السكن العشوائي في ضواحي حلب الشرقية أو المناطق الريفية الداخلية حيث كانت فرص العمل محدودة. ولكن حين امتدّت الحرب إلى حلب في العام 2012، انقلب الوضع رأسًا على عقب: فشهدت المدينة هروب رؤوس الأموال والمستثمرين، وكذلك القوى العاملة الماهرة، وانتقلت الأنشطة الاقتصادية إلى مناطق حدودية أكثر أمانًا خارج سيطرة الحكومة.70
تشكّل بلدة سرمدا الحدودية الواقعة إلى الغرب من حلب على مقربة من معبر باب الهوى مع تركيا خير مثالٍ على ذلك.71 فهي كانت تضمّ 15 ألف نسمة قبل العام 2011، وازداد عدد سكانها ليبلغ 130 ألف نسمة بحلول العام 2019، بعد أن أصبحت ملاذًا للنازحين السوريين لأنها كانت محميّةً من الغارات الجوية السورية والروسية نتيجة قربها من الأراضي التركية.72 كان الكثير من النازحين فقراء، لكن ترافق وصولهم مع مجيء مستثمرين أسهموا، بالتعاون مع السكان المحليين في الغالب، في تغيير وجه البلدة التي كانت هادئة حتى ذلك الحين. وسُرعان ما انطلقت عمليات تشييد أحياء أكثر ثراءً، عكست بروز طبقة مزدهرة جديدة.73
المُلفت أن سرمدا باتت جسرًا يربط بين سورية وتركيا والأسواق العالمية، وهو دور كانت تضطلع به حلب قبل العام 2011. وتحوّلت سرمدا إلى مركز اقتصادي للسوريين الذين نقلوا أعمالهم إلى تركيا، وبدأت المدينة بتصنيع السلع وبيعها إلى السوريين داخل تركيا وفي أجزاء أخرى من سورية.74 ففي العام 2015، كانت 35 في المئة من جميع الشركات الجديدة في محافظة كيليس التركية تضمّ مساهمين سوريين، وبلغت النسبة 15 في المئة في محافظة مرسين و13 في المئة في محافظة غازي عنتاب.75 وللحصول على فكرة عن مدى توسّع حجم التبادلات التجارية، بلغت قيمة الصادرات من غازي عنتاب إلى سورية 400 مليون دولار في العام 2015، مُحقّقَةً زيادةً بواقع أربعة أضعاف مقارنةً مع ما كانت عليه في العام 2011.76
باتت سرمدا أيضًا صلة وصل بين الأسواق العالمية وسورية، خصوصًا عبر ميناء مرسين التركي. وشمل ذلك شمال غرب سورية الخاضع لسيطرة المعارضة، والمناطق الكردية في الشمال الشرقي، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية. مع ذلك، بقيت المعابر الداخلية بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وإدلب مغلقة خلال السنوات القليلة الماضية بضغطٍ من السكان المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.77 وأُغلقَت المعابر مع المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة خلال تفشّي وباء كورونا، وبقيت كذلك إلى حدٍّ كبير بعد الوباء. في الوقت الراهن، يركّز معظم التبادلات التجارية بين شمال غرب سورية والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة على أنشطة التهريب.78
نظرًا إلى بروز باب الهوى باعتباره معبرًا مهمًا لتسليم المساعدات الإنسانية إلى سورية، استفادت سرمدا أيضًا من تخزين الإمدادات في مستودعاتها. وباتت هذه المساعدات أساسية للاقتصاد المحلي.79 وبين تموز/يوليو 2014 وتشرين الثاني/نوفمبر 2020، عبرت 37,700 شاحنة مُحمَّلة بالمساعدات الإنسانية إلى المنطقة الواقعة شمال غرب سورية، ومرّت نسبة 85 في المئة تقريبًا من هذه الشاحنات عن طريق معبر باب الهوى.80 وخلال خلافة تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت سرمدا أيضًا مركزًا لعبور السلع الاستهلاكية والمساعدات المتّجهة إلى مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم.81
في كانون الأول/ديسمبر 2016، استولت قوات النظام على الجزء الخاضع لسيطرة الثوّار من مدينة حلب، بعد أن أمّنت في وقتٍ سابق الممرّ الشمالي الجنوبي الذي يربط حلب بدمشق.82 ونفّذت عمليات عسكرية في فترة 2019-2020 مكّنتها تدريجيًا من استعادة أراضٍ كانت في قبضة الثوّار وإعادة فرض سيطرتها على أجزاء من المناطق الداخلية في حلب، على الرغم من أنها لم تنجح في الوصول إلى الحدود التركية.83 وشكّلت هذه التطوّرات بارقة أمل لسكان حلب بأن مدينتهم قد تستعيد بعضًا من نشاطها الاقتصادي. مع ذلك، بقيت حلب مجرّد ظلٍّ لما كانت عليه في الماضي، وسط غياب القوة العاملة أو حركة الاستثمار، واستمرار هجرة الأدمغة وهروب رؤوس الأموال.84 في غضون ذلك، جرى استنساخ نموذج سرمدا في الشمال الغربي الذي أضحى عمليًا منذ العام 2016 محميّة تركية، وشهدت بلدات مثل أعزار وجرابلس والراعي نموًا سكانيًا وتحسُّنًا في البنى التحتية الاقتصادية والحركة التجارية.85
أما حدود سورية مع العراق فتروي قصة مختلفة نوعًا ما. فبدلًا من بروز مراكز اقتصادية بديلة، وقعت أجزاء أساسية من الحدود والموارد التي تُنتجها تحت نفوذ قوى غير حكومية. الجدير بالذكر أن الحدود السورية العراقية تتألّف في الغالب من سهول شاسعة ولا تفصل بين البلدَين حواجز طبيعية، ما سهّل في الكثير من الأحيان عمليات التهريب عبر الحدود. وأدّى قطع العلاقات الدبلوماسية بين سورية والعراق، بدءًا من أواخر السبعينيات ووصولًا إلى أواخر التسعينيات، إلى زيادة أنشطة التهريب أو العلاقات الاقتصادية غير الرسمية بين المجموعات المحلية، والتي سهّلتها في الكثير من الأحيان الروابط العائلية أو القَبَلية عبر الحدود.86
في السنوات الأخيرة، أصبحت أنشطة التهريب والعلاقات الاقتصادية غير الرسمية تحت سيطرة قوى غير محلية، من ضمنها الميليشيات والفصائل المسلّحة التي انخرطت في التهريب كجزءٍ من أنشطتها العسكرية أو سعيًا إلى تعظيم مواردها وتحقيق أرباح أكبر.87 يستمرّ الوضع على هذا الحال في ظلّ بقاء معابر حدودية مهمّة مثل القائم-البوكمال والتنف-الوليد وربيعة-اليعربية إمّا مغلقة أو تعمل بطاقة منخفضة تحت تأثير المجموعات المسلحة. واليوم، في خضمّ هذا المشهد الأمني الهجين على الحدود السورية والعراقية، من غير الواضح التمييز بين الكيانات الأمنية الرسمية وغير الرسمية. ومن الصعب تحديد مَن يمثّل السلطة الشرعية، لأن المجموعات شبه العسكرية ازدادت انخراطًا في مجالات الحوكمة المحلية، والعمليات الأمنية، والأنشطة الاقتصادية. هذا الالتباس يعكس مجموعة المصالح المحلية والوطنية والجيوسياسية الأوسع التي تؤثّر على الحكم المحلي وإدارة الحدود في المنطقة.88
أثّرت ميليشياتٌ مثل كتائب حزب الله ولواء فاطميون وحركة حزب الله النجباء وكتائب الإمام علي سلبًا على الاقتصاد المحلي من خلال الهيمنة على الأنشطة غير المشروعة، ولا سيما تهريب الوقود من سورية. قبل تشرين الأول/أكتوبر 2019، حين أعلنت بغداد إعادة فتح معبر القائم-البوكمال رسميًا،89 كانت الحدود مغلقة، لكن ذلك لم يمنع الميليشيات من السماح لمئات الشاحنات بالعبور لأغراضٍ تصبّ في مصلحة هذه المجموعات، إلى جانب السماح بعبور بعض الشاحنات التي تنقل بضائع مشروعة وغير مشروعة، إضافةً إلى الأسلحة. وأكّد عضو في جهاز أمني عراقي رسمي أن مؤسسات الدولة واجهت صعوبة في مراقبة المناطق التي تسيطر عليها الميلشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني الإٍسلامي قرب منطقة القائم الحدودية،90 وأُفيد بأن هذه الميليشيات فرضت رسومًا على الشاحنات التي تنقل البضائع.91
في بعض الحالات، انخرطت الميليشيات في الاستيلاء على أنشطة اقتصادية رسمية. على سبيل المثال، بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، قامت ميليشيا موالية لإيران داخل سورية بتشغيل حقل الورد النفطي، الواقع على بعد 50 كيلومترًا تقريبًا من العراق. وتشير تقارير إلى أن هذه الميليشيا احتفظت بجزءٍ من الإنتاج النفطي، بينما نقلت القسم الأكبر إلى مصفاة حمص في إطار صفقة بين هذه الميليشيا، وشركة يرأسها رجل الأعمال المقرّب من نظام الأسد حسام قاطرجي، ووزارة النفط السورية التي تدير المنشأة. علاوةً على ذلك، تؤدّي الميليشيات والسكان المحليون المرتبطون بها أيضًا دورًا في تهريب النفط والتبغ من العراق إلى سورية.92 هذان المثلان يسلّطان الضوء مجدّدًا على السلطة المحدودة للدولة السورية في هذه المناطق.
في القسم الشمالي من الحدود، عمَدت كلٌّ من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية التي تقودها وحدات حماية الشعب، وحكومة إقليم كردستان إلى إضفاء طابع رسمي فضفاض على إدارة المعابر الحدودية المشتركة في إطار جهودهما الهادفة إلى تحمّل مسؤولياتٍ كانت سابقًا من اختصاص حكومتَي دمشق وبغداد.93 ويقع هذَين الكيانَين في منزلةٍ ما بين الجهات الحكومية والجهات غير الحكومية. تجري مجموعة متنوعة من الأنشطة عبر الحدود بين الجانبَين، وتشمل التجارة الرسمية وغير الرسمية، وهجرة الأفراد بحثًا عن فرص عمل، وتحرّكات مسلحي حزب العمّال الكردستاني والقوات الأميركية، وغيرها. وتحدث هذه الأنشطة بشكل مستقل عن الحكومتَين السورية والعراقية، اللتَين لا تعترفان بالأنشطة التي تتمّ عبر المعبر الأساسي، المعروف بمعبر سيمالكا على الجانب السوري وفيشخابور على الجانب العراقي.94 تهدف الترتيبات غير الرسمية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية وحكومة إقليم كردستان إلى مكافحة التهريب والأنشطة غير المشروعة التي تستنزف موارد قيّمة. مع ذلك، لا تزال المنطقة الحدودية غارقة في الصراع وانعدام الاستقرار المؤسسي، فيما تتنافس الفصائل السياسية والمجموعات شبه العسكرية التابعة لها على النفوذ والسيطرة. ونتيجةً لذلك، تستمرّ أنشطة السوق الموازية وتحظى في بعض الحالات حتى بدعم السلطات الإدارية في حكومة إقليم كردستان والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية.95
من الجوانب اللافتة في هذا المشهد الاقتصادي المتغيّر بروز معابر حدودية جديدة تسهّل حركة الأشخاص والسلع بين شمال شرق سورية وإقليم كردستان العراق.96 هذه مواقعٌ مُتنازَع عليها يحاول كلٌّ من الحزب الديمقراطي الكردستاني والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية كسبَ نفوذ سياسي فيها. تمتدّ هذه المنطقة الحدودية على مسافة 150 كيلومترًا تقريبًا، بدءًا من المثلّث الحدودي العراقي-السوري-التركي وجنوبًا نحو قضاء البعاج في محافظة نينوى على الجانب العراقي، وحتى مدينة الشدادي على الجانب السوري.97 وفي هذه المنطقة معبرٌ حدودي رسمي واحد هو معبر ربيعة-اليعربية، إضافةً إلى ثلاثة معابر غير رسمية هي سيمالكا-فيشخابور، والفاو، والوليد (الذي يجب تمييزه عن معبر آخر يحمل الاسم نفسه جنوبًا).98
الوضع الأمني والمناطق الحدودية السورية
شهدت سورية على مدى العقد الماضي نشوء عددٍ من النُظم الأمنية الموازية، التي وإن كان أحدها يختلف عن الآخر، تقوّض جميعُها سيادة الدولة السورية وسلطة حكومتها، خصوصًا في المناطق الحدودية. وهذه النُظم تركية وإيرانية وأميركية، يعمل كلٌّ منها ضمن مناطق عملياتٍ أو نفوذٍ محدّدة.
نجح النموذج الأمني الإيراني، من خلال تقوية الميليشيات المحلية الموالية لإيران، في ربط العراق بشرق سورية، ومن هناك بجنوب سورية ولبنان. وبلدة القائم خير مثالٍ على كيفية استخدام إيران بلدةً سنّيةً ممرًّا لميليشياتها بغية ضمان نفوذها في المنطقة، في ظلّ توسيع حجم تأثيرها على بعض المجموعات السنّية المسلحة. في المقابل، ساد النموذج الأمني التركي في شمال سورية، حيث للجيش التركي وجود، ونجح في إقامة مناطق دفاع ذاتي فعّالة، وإعادة تشكيل هياكل السلطة المحلية. أما الولايات المتحدة، فهي موجودة في شرق سورية وشمال شرقها، وفي قاعدة التنف المجاورة للأردن، نظرًا إلى مشاركتها بدايةً في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ولا تبدو دمشق قادرة على استعادة سيادتها على تلك المناطق الحدودية في المستقبل المنظور.
وعلى خلاف الشمال الشرقي والشمال الغربي، يتّسم المشهد الأمني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالمزيد من التقلّب، إذ لا يوجد نموذج أمني مهيمن واحد، بل ثمّة تداخل ديناميّ وتنافس بين قوات النظام السوري وروسيا وإيران.99 لقد عجزت روسيا والقوات الحكومية، كلٌّ لأسباب مختلفة، عن إرساء إطار أمني جديد بعد العام 2016، حينما ساعدت موسكو النظام السوري في استعادة المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، بما فيها محافظات ريف دمشق والجنوب بأكمله. بدا الجيش السوري في البداية منتصرًا بفضل الدعم الروسي له، إلا أن نظام الأسد أخذ يضعف تدريجيًا في السنوات اللاحقة، وذلك جزئيًا بسبب العقوبات الأميركية الساحقة، وانهيار الاقتصاد اللبناني الذي كان بمثابة الرئة المالية للاقتصاد السوري المعتلّ،100 فيما حوّلت روسيا تركيزها نحو حربها في أوكرانيا. فكانت النتيجة أن بدأت المساعي الروسية في جنوب سورية تتعثّر.101 مع ذلك، لا تزال روسيا لاعبًا مهمًّا، ولكن بدرجة أقلّ من إيران، التي تُعَدّ اللاعب الرئيس في سورية.
النموذج الإيراني
لا يزال النموذج الأمني الإيراني في طور التشكّل، وهو يواجه تحدّيات. فالصراع السوري أتاح أمام طهران مساحةً لتوسيع شبكاتها العسكرية والاقتصادية، وامتدادها الإيديولوجي، في شتّى أرجاء سورية، وهو ما رسّخ الاعتقاد بأن إيران لاعبٌ سياسيٌّ يتمتّع بنفوذ إقليمي كبير، نظرًا إلى وجودها بالقرب من أراضٍ تسيطر عليها إسرائيل، وعلى طول الحدود الأردنية. لكن أنشطة إيران في جنوب سورية لا تقتصر على مواجهة إسرائيل، خصم طهران الرئيس في المنطقة، بل هي تعمل أيضًا على تنفيذ مشروع طويل الأمد يرمي إلى تحويل مجالات نفوذها في المناطق الحدودية السورية إلى موارد سياسية. هذه الموارد يمكن أن تُستخدَم كورقة ضغط لا ضدّ إسرائيل، ونظام الأسد، وروسيا، والأردن (الذي يشكّل فعليًّا البوابة إلى الخليج) فحسب، بل أيضًا في سياق المفاوضات حول القضايا الإقليمية التي تشمل سورية ولا تنحصر بها.
الواقع أن النموذج الأمني الإيراني يبقى الأنجع والأكثر تطوّرًا في سورية، نظرًا إلى مكامن ضعف روسيا ونظام الأسد. وتكشف الأنشطة التي اضطلعت بها إيران خلال العقد الماضي في كلٍّ من دمشق والمحافظات السورية الجنوبية، ولا سيما في القنيطرة ودرعا، وإلى حدّ أقلّ بكثير في السويداء، سماتٍ عدّة من هذا النموذج، أبرزها أنه يعمل ضدّ سيادة الدول، ويتجاوز الحدود الوطنية. فالبنية التحتية الأمنية التي أنشأتها إيران وحزب الله في محافظتَي ريف دمشق والقنيطرة تشكّل جزءًا من إطار أمني أوسع يربط مراكز نفوذٍ إيرانية عدّة في المنطقة. والدليل على ذلك لائحة الضحايا من الإيرانيين وحلفائهم، إذ إن الكثير من عناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني، الذي يقود فيلقُ القدس التابع له العمليات الإيرانية في الخارج، قُتِلوا في هجمات إسرائيلية على دمشق وجنوب سورية، ما يؤكّد أنهم ينشطون في تلك المناطق، وأنهم أنشأوا شبكة تمكّنهم من التحرّك بين إيران، والعراق، ولبنان، وسورية.102
ويعمل النموذج الإيراني ضدّ سيادة الدول تحديدًا لأنه قوّض الدولة السورية الضعيفة أصلًا لصالح مشروعٍ يتجاوز الحدود الوطنية. فهذا النموذج يستمدّ قوته حكمًا من إخضاع سورية للمصالح الإيرانية. ولا شكّ في أن ذلك يمثّل معضلةً لنظام الأسد، الذي وإن كان يحصل على الدعم من حليفه، ويتموضع أحيانًا كجزءٍ من محور المقاومة، يُدرك أن الثمن الذي سيدفعه في نهاية المطاف هو الإذعان السوري. وأحد الأمثلة على ذلك هو ارتفاع عدد الانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري بعد العام 2011 مقارنةً بما قبله، حينما كان نفوذ إيران في سورية أقلّ بكثير.103
ومن الخصائص اللافتة الأخرى للنموذج الإيراني أنه مُجهَّز لينجح بشكل أفضل في بيئات ما بعد الصراع غير المستقرّة، مثل جنوب سورية. في المقابل، ألحق غياب الاستقرار في الجنوب السوري ضررًا بالغًا بالقوات الحكومية، إذ تسبّبت الاغتيالات والهجمات هناك باستنزاف موارد دمشق. وهكذا، أصبح الجنوب، من الناحيتَين السياسية والإدارية، مثالًا على فشل الحكم في مرحلة ما بعد الصراع. أما روسيا، فمع أنها حقّقت إنجازًا بتوسّطها الناجح في العام 2018 في اتفاقٍ أنهى حكم الثوّار ولقي قبول كلٍّ من الحكومة السورية، والولايات المتحدة، وإسرائيل، والأردن،104 فشلت في فرض نفوذٍ دائمٍ على الأرض، وخسرت بعض ما كانت قد اكتسبته في سورية بعد غزوها لأوكرانيا.105
لكن النظام الأمني الذي أرسته إيران لا يخلو من التحدّيات، خصوصًا أن الميليشيات الإيرانية تواجه معارضةً في أوساط سكانٍ مُعادين لها بشكلٍ كبير في درعا والسويداء. ففي السويداء مثلًا، حاولت إيران تأسيس ميليشيا درزية ودعمها، إلا أنها فشلت بسبب المعارضة المحلية القوية من داخل المجتمع المحلي.106 ويبدو أن الضربات الإسرائيلية القليلة في المحافظتَين هي مؤشّر على عجز إيران (حتى الآن) عن إرساء وجود لها يشكّل تهديدًا لإسرائيل.107 مع ذلك، تتمتّع طهران وحلفاؤها بأفضلية استراتيجية تعود إلى أنهما الطرفان الأجنبيان الوحيدان اللذان يمتلكان نموذجًا أمنيًا، وموارد، وخبرة واسعة في العمل في بيئات فوضوية. فعلى سبيل المثال، تمكّنت إيران، من خلال الميليشيات التابعة لها، من إنشاء جيوب نفوذٍ في القنيطرة وصولًا إلى خطّ الهدنة للعام 1973 مع مرتفعات الجولان المحتلّة، فيما استغلّت التظلّمات المحلية والمخاوف الطائفية التي برزت خلال سنوات الصراع السوري.108 وقد أتاح لها تأثيرها على الشبكات غير الرسمية أيضًا توفير الحماية والرعاية، من خلال إشراك السكان المحليين في أنشطة مُدرّة للدخل مشروعة أو غير مشروعة.109
أحد الجوانب المهمّة للنموذج الأمني الإيراني هو امتداده إلى لبنان، حيث أدّى حزب الله دورًا أساسيًا في إطار تدخّل إيران في سورية، وفي تحالفات محور المقاومة الممتدّ من إيران إلى البحر المتوسط. فلطالما كانت أجزاء كبيرة من الحدود اللبنانية السورية، باستثناء عكار في أقصى الشمال، مناطق نفوذ رئيسة لحزب الله، الذي استخدمها لنقل الأسلحة وغيرها من العتاد من لبنان وإليه.110 وعقب تدخّل حزب الله في الصراع السوري في العام 2012 إلى جانب نظام الأسد، ازدادت سيطرته على هذه الحدود، وتحديدًا بعد انتصاره في معركة القصير في العام 2013. ومذّاك الحين، أصبح حزب الله لاعبًا على جانبيَ الحدود، ما أدّى إلى بروز ديناميّات متناقضة. وفيما واجه الحزب في سورية صدًّا من النظام كردّ فعلٍ على فقدان سيادته جرّاء تعاظم نفوذ الحزب،111 تعاوَنَ الطرفان في لبنان للتأثير على سلوك الدولة اللبنانية، واستخدما الحدود للقيام بعمليات التهريب المربحة.112
عارض النظام السوري وحزب الله منذ فترة طويلة محاولات الدولة اللبنانية الرامية إلى تشديد الرقابة على الحدود، نظرًا إلى المنافع التي يجنيانها منها. فالجيش اللبناني شيّد أبراج مراقبةٍ على الجانب اللبناني من الحدود بدعمٍ من المملكة المتحدة للحؤول في البداية دون تسلّل الجماعات السلفية الجهادية إلى لبنان، ومراقبة الحركة عبر الحدود، ومنع التهريب.113 ساعدت الأبراج الجيش اللبناني في الحدّ من تدفّق اللاجئين السوريين إلى لبنان، وأُوقِف المئات منهم كل شهرٍ في العام الماضي.114 لكن الحكومة السورية تقدّمت رسميًا بشكوى إلى الحكومة اللبنانية تعترض فيها على استخدام الأبراج، زاعمةً أنها تزوّد المملكة المتحدة بالمعلومات الاستخباراتية عن سورية.115 كذلك انتقدت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله هذه الأبراج علنًا.116 من المستبعد أن يؤدّي هذا الاستياء إلى التوقّف عن استخدام الأبراج، إلا أنه قد يحدّ من زيادتها وإجراء تحسينات تكنولوجية عليها. وهكذا، تبقى الحدود سهلة الاختراق، ما يسمح لحزب الله والقوى الأخرى بالعمل على جانبَيها.
فضلًا عن ذلك، ساهم دور حزب الله في البنية الأمنية الإيرانية في سورية في تعزيز جهود طهران الرامية إلى ربط إيران بالمتوسط.117 فخلال الصراعَين اللذَين اندلعا في العراق وسورية في العقدَين الماضيَين، امتدّ نفوذ إيران إلى آلاف الأميال، ما أدّى إلى تآكل أو استبدال سلطة الحكومات المركزية في كلٍّ من العراق وسورية ولبنان على مناطقها الحدودية. ولكن ذلك لم يخلُ من العوائق. ففي العام 2018، بعد ثلاث سنوات على تدخّل موسكو في سورية، انتشرت الشرطة العسكرية الروسية في منطقة القصير،118 الأمر الذي أثار التوتّرات مع حزب الله. عبّرت هذه الخطوة عن امتعاض كلٍّ من نظام الأسد وروسيا من انتشار حزب الله الطويل الأمد على الجانب السوري من الحدود مع لبنان. ثم أدّى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تقليص الوجود الروسي في سورية عمومًا، وفي المناطق الحدودية خصوصًا، إلا أن قرار الجيش السوري بترسيخ وجوده في منطقة القصير في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، يدلّ على أن التشنّجات حيال نفوذ حزب الله داخل سورية لا تزال قائمة.119
ومن المستبعد أن يتغيّر هذا الوضع عمّا قريب. فقد حاول حزب الله فرض وجوده في المنطقة الحدودية على حساب الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية. تجلّى ذلك أكثر ما تجلّى خلال المعارك التي وقعت في صيف العام 2017 في المنطقة الحدودية الشرقية ضدّ الجماعات الجهادية السلفية التابعة لتنظيمَي الدولة الإسلامية والقاعدة. انخرط حزب الله آنذاك في محاربة هذه الجماعات إلى جانب الجيش اللبناني، الذي كان أطلق عملية فجر الجرود، ليظهر بمظهر حامي حدود لبنان كما الجيش.120 إضافةً إلى ذلك، أبرم الحزب في وقتٍ لاحق اتفاقًا مع المسلحين السوريين للسماح بنقلهم إلى شمال سورية وشرقها، الأمر الذي قوّض بوضوح الدولة اللبنانية والجيش اللبناني بوصفهما المُحاوِر الرئيس في مسائل الدفاع الوطني. وما أعادت هذه الحادثة تأكيده هو أن الحزب غير مستعدٍّ للتنازل عن جزءٍ كبير من عملية صنع القرار بشأن الحدود مع سورية لصالح مؤسسات الدولة اللبنانية، وذلك إلى حدٍّ كبير لأن الحدود عنصرٌ أساسي من الشبكة الأمنية الإقليمية الإيرانية الأوسع، كما هي الحال في سورية أو العراق. وستظلّ المصالح الإيرانية هي التي تحدّد الأهمية المحورية لسورية في استراتيجية إيران الإقليمية.
النموذج الأمني الإيراني، الذي يشكّل فيه حزب الله تهديدًا أمنيًا واضحًا لإسرائيل، لا يقتصر على لبنان فقط، بل يمثّل انعدام الاستقرار وانتشار الشبكات الإجرامية غير الرسمية في كلٍّ من درعا والقنيطرة أيضا مشكلةً أكبر للأردن. فالتهديد للأردن نابعٌ من حقيقة أن هذه الشبكات المرتبطة بإيران تنخرط في أنشطةٍ غير مشروعةٍ تتسبّب بزعزعة استقراره بطرق عدّة،121 أحدها الإتجار بالمخدّرات، إذ أصبح الأردن سوقًا للمخدّرات المُنتَجة في سورية. ففي الفترة الممتدّة بين العامَين 2012 و2022، ارتفعت حالات حيازة المخدّرات والإتجار بها في أوساط المواطنين المحليين أو الأجانب بنسبة 150 في المئة، من 7,714 إلى 19,140 حالة.122 في الوقت عينه، يشكّل الأردن أيضًا نقطة عبور لتهريب المخدّرات إلى دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، الأمر الذي قد يتسبّب بمشاكل لعلاقات الأردن بهذه الدول.123 كذلك أفادت السلطات الأردنية بازدياد محاولات تهريب الأسلحة إلى الأردن أو عبره إلى الضفة الغربية، ما يشكّل تهديدًا أمنيًا كبيرًا له.124 أما من منظور إيران وحلفائها، فهذه التطوّرات هي موضع ترحيب، ليس فقط لأنها تعطي دمشق المتحالفة مع طهران، ورقة ضغط سياسية قيّمة في علاقاتها مع دول الخليج والأردن، يمكنها استخدامها لإعادة دمج سورية في العالم العربي، بل أيضًا لأنها تلحق الضرر بمصالح الأردن، الحليف البارز للولايات المتحدة والذي تربطه بإسرائيل معاهدة سلام.
لا بدّ من الإشارة إلى أن مواجهة الأردن للنموذج الأمني الإيراني في جنوب سورية كانت خجولةً مقارنةً مع الردّ الإسرائيلي له. فقد سعى الأردن، منذ تقاربه مع النظام السوري، إلى التعاون مع دمشق للحدّ من التهديدات الآتية من الحدود السورية، من خلال عقد اجتماعات عدّة رفيعة المستوى ضمّت مسؤولين أمنيين وعسكريين.125 وفي موازاة ذلك، أصبح الأردن أيضًا أشدّ حزمًا في تصدّيه للمهرّبين على حدوده مع سورية،126 مُحاوِلًا في بعض الأحيان استهدافهم داخل سورية،127 مع العلم أنه سعى أيضًا إلى الحصول على المزيد من المساعدة في هذا الإطار من الولايات المتحدة.128 لكن على الرغم من تحسّن العلاقات بين الأردن ودمشق، لم يبذل الجانب السوري جهودًا تُذكر للتعاون والمعاملة بالمثل، على الرغم من أن الحدود السورية الأردنية لا تزال تشكّل بؤرةً لانعدام الاستقرار، ما يسمح بازدهار الشبكات المرتبطة بإيران.
النموذج التركي
بدأت الحكومة التركية بدعم الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد منذ الأشهر الأولى للانتفاضة. وبلغ تعاون تركيا مع المعارضة السورية ذروته أثناء معركة حلب في صيف العام 2012، حينما سيطرت فصائل المعارضة المسلحة على أجزاء واسعة من محافظة حلب. وردّ النظام على ذلك بسحب قواته من المناطق الكردية على طول الحدود التركية، وتسليم هذه المناطق لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب، الخصم الرئيس لأنقرة، تاركًا وراءه تهديدًا أمنيًا لتركيا.129
يشكّل أمن الحدود من المنظور التركي قضيةً وجودية، نظرًا إلى العدد الكبير من الأكراد في تركيا، ومخاوفها من أن يسعوا إلى إقامة دولة مستقلّة. لذا دخل الجيش التركي الأراضي السورية مرّات عدّة على مدى العقد الماضي، وأنشأ جيوبًا لبسط سيطرة أنقرة على كامل الحدود. كان هدف هذه العمليات العسكرية في نهاية المطاف إنشاء منطقةٍ خاليةٍ من وحدات حماية الشعب، على حدّ قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2019.130 مع ذلك، يبدو تحقيق هذا الهدف بالكامل أمرًا غير واقعيّ في المستقبل المنظور بسبب المصالح المتضاربة للدول المتواجدة في المنطقة، بما فيها تركيا، والولايات المتحدة، وروسيا، وإيران.
ترتكز عناصر النموذج الأمني التركي على التركيبة الديموغرافية والوجود العسكري المباشر. فالصراع في شمال سورية، وجنوب تركيا، وشمال العراق، تحرّكه دوافع عرقية، ويشمل العرب والأكراد والأتراك. وإذا ألقينا نظرةً فاحصة على ما بَنَته أنقرة على طول الحدود خلال العقد الماضي، وجَدْنا ما يثبت ذلك بوضوح. فقد أفضت الحملات العسكرية للجيش التركي إلى إنشاء مناطق عدّة على طول الحدود مع شمال سورية يهيمن عليها العرب، وبالتالي فصلت أنقرة القوات العسكرية التي يقودها الأكراد، ولا سيما قوات سورية الديمقراطية، عن الأراضي التركية على الجانب الآخر من الحدود. تخضع هذه المناطق العسكرية لسيطرة السلطات التركية المباشرة، وترتبط إداريًا بالمحافظات الواقعة على الجانب التركي، ولا سيما غازي عنتاب، وأورفة، وكيليس، ومدينة أنطاكية.
تؤدّي الروابط الإثنية أيضًا دورًا كبيرًا في تشكيل هذا النموذج، إذ إن هيكل السلطة التركية في هذه المناطق هو من أعلى إلى أسفل، وقائم على أساسٍ عرقي، وثابت أي أنه يتّسم بوجود قوات تقليدية، وحدود وخطوط أمامية واضحة، وإدارات محلية. والتركمان السوريون، وإن كانوا أقلّيةً ضئيلة، هم المجموعة التي تحظى بالقدر الأكبر من ثقة القادة الأتراك، لا في سياق حماية الحاجات الأمنية المباشرة لتركيا فحسب، بل أيضًا من أجل الحفاظ على النفوذ التركي المحلي على المدى الطويل. فقد حاربت فرقة السلطان مراد، وهي جماعة مُعارِضة مسلحة ومكوّنة بمعظمها من التركمان السوريين، ضدّ نظام الأسد خلال الانتفاضة، وسُمِّيَت تيمّنًا بأحد السلاطين العثمانيين الأوائل، ما يعكس هويّتَها الرمزية. وهذه العلاقة لا تقتصر على الدعم العسكري، إذ إن وقف الديانة التركي مثلًا اختار فقط الفرقة التركمانية المسلحة في منطقة عفرين الحدودية لتزويدها بالمساعدة اللوجستية والمالية.131 وتنضوي فرقة السلطان مراد في صفوف الجيش الوطني السوري الذي أسّسه الأتراك في العام 2017، والذي تعمل ضمنه أيضًا فصائل مسلحة عربية سنّية.132 وما يجعل هذا التحالف متماسكًا هو الخوف المشترك من توسّع قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
ثمّة خللٌ أساسي يشوب النموذج التركي، وهو أن الحدود السورية التركية ستبقى مصدر قلقٍ دائمٍ لأنقرة في المستقبل المنظور. اتّبعت تركيا سياسة الحدود هذه منذ العام 2016 في محاولةٍ لتصحيح أوجه القصور في استراتيجيتها السابقة، التي قامت على دعم الجماعات السياسية الإسلامية في تمرّدها ضدّ نظام الأسد. وحين لم تأتِ هذه المساعي أُكلَها، رأت أنقرة أن حدودها مع سورية أصبحت ضعيفة. ومنذ العام 2016، أتاح نهج تركيا المنقّح لها استعادة زمام المبادرة في المناطق الحدودية مع سورية، إلا أن تثبيت استقرار هذه المناطق ليس في يد تركيا وحدها، ولا في يد أيّ طرف سياسي واحد في سورية. بالتوازي مع ذلك، تظلّ قدرة نظام الأسد على المشاركة في السيطرة على تلك الحدود محدودةً للغاية. وتواجه تركيا أيضًا معضلةً في شمال سورية على صعيد الحكم المحلي. ففي حين أن مستوى معيّنًا من الإدارة والمراقبة المشدّدتَين ضروريٌّ ليتمكّن الأتراك من تحقيق أهدافهم الأمنية، يزيد انخراطُهم المسؤوليات المُلقاة على عاتقهم في ما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية، والأمن، والاستقرار، والحكم في المناطق التي ترزح تحت وطأة انعدام الاستقرار، والتطرّف، والفقر، والعسكرة.
تجدر الإشارة إلى أن المساعي الرامية إلى رأب العلاقات بين أنقرة ودمشق مستمرّة بوساطةٍ روسية وعراقية، نظرًا إلى قلقهما المشترك بشأن التهديد الكردي. وكان مسار التقارب بدأ في العام 2022 بوساطة روسية، إلّا أن الجهود المبذولة آنذاك لم تحقّق نجاحًا يُذكَر. ثم أُعيد إحياء جهود التقارب في صيف العام 2024، من خلال وساطة عراقية وبدعمٍ روسي، وقد أبدى الطرفان حينئذٍ مرونةً أكبر من السابق. فقد أعلن الأسد أنه منفتحٌ على كل تلك المبادرات شرط أن تحترم سيادة سورية،133 فيما صرّح أردوغان قائلًا: “مثلما أبقينا علاقاتنا حيوية للغاية في الماضي، حتى إننا أجرينا محادثات بين عائلاتنا مع السيد الأسد. من غير الممكن بالتأكيد [القول] إن ذلك لن يحدث مجدّدًا في المستقبل، بل يمكن أن يحدث”.134 لقد كان أمن الحدود محور تفكير الرئيس التركي.
لكن جهود الوساطة قد تفشل بسبب عددٍ من القضايا الخلافية التي ينبغي على الطرفَين حلّها. وإذا فشلت هذه الوساطة، فمن المرجّح أن يستمر النموذج الأمني التركي أو حتى أن يتوسّع لحماية المصالح التركية. وفي حال نجحت الدولتان في تحسين العلاقات بينهما، لن يؤدّي ذلك بالضرورة إلى اتفاق، بل سيكون في أحسن الأحوال فاتحةَ مسار صعب ولا يمكن التنبّؤ به لإعادة تشكيل النظام الأمني في شمال سورية. وسيهدف ذلك إلى معالجة مخاوف تركيا ونفي حاجتها إلى فرض نموذجها الأمني الخاص.
النموذج الأميركي
يمكن وصف وجود القوات الأميركية في سورية على أنه امتدادٌ لوجودها في العراق. فمنذ إطاحة نظام صدام حسين في العام 2003، واجه الجيش الأميركي الكثير من التحدّيات الآتية من الحدود السورية، ولا سيما انتقال الجهاديين السلفيين من شرق سورية إلى غرب العراق. وعلى الرغم من خطّة الانسحاب التي بدأتها إدارة الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في العام 2011، بقيت القوات الأميركية متمركزةً على الحدود السورية العراقية، حيث أنشأت إطارًا أمنيًا كان الهدف منه في المقام الأول تأمين الحدود. ومع مرور الوقت، انخرطت الولايات المتحدة بشكل متزايد في ديناميات الصراع السوري بسبب بروز تنظيم الدولة الإسلامية، والشراكة الناتجة عن ذلك مع قوات سورية الديمقراطية بقيادة الأكراد، وتوسّع نفوذ إيران وشبكاتها في سورية.
شكّل إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2013، والذي ربط بين أنشطة الجهاديين السلفيين في غرب العراق وشرق سورية، تهديدًا كبيرًا للأمنَين الإقليمي والدولي من قلب الشرق الأوسط. ردًّا على ذلك، أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا واسعًا لإلحاق الهزيمة بالتنظيم، انضمّت إليه القوات الكردية التي تقاتل تحت لواء قوات سورية الديمقراطية. لكن هذا التحالف ليس دائمًا أو محصّنًا في وجه التحوّلات الجيوسياسية على الإطلاق. صحيحٌ أن تهديد تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال قائمًا، إلا أن الشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية معقّدةٌ نظرًا إلى أن هذه القوات، وإن كانت تنظر إلى المنطقة الواقعة شرق الفرات (والحدود برمّتها) من منظور مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، فهي تراها أيضًا في ضوء الصراع الدائر بين حزب العمّال الكردستاني وتركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي. في الحالتَين، تؤدّي التطوّرات في المنطقة الحدودية إلى تأثيرات إقليمية، ولا تبقى مجرّد قضايا سورية محلية.
أما الولايات المتحدة فترى أن تأمين حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية مع العراق له تأثيرات واضحة على هذا الأخير. بينما تبقى الأولوية العسكرية للقوات الأميركية منع تنظيم الدولة الإسلامية من الصعود مجدّدًا، وهي عملية قد تستغرق عقدًا آخر من الزمن، طرأت حساباتٌ أخرى منذ إلحاق الهزيمة بدولة الخلافة في العراق في العام 2017، وسورية في العام 2019. فقد برزت خريطة نفوذ جديدة في الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم، حيث رسّخت موسكو وجودها في المنطقة من خلال فلول النظام في مدينة القامشلي، وهي تسعى إلى التأثير على الديناميات المحلية، فيما توسّعت طهران، وربطت مدينتَي القائم في العراق والبوكمال في سورية. في المقابل، سيطرت القوات الأميركية وحليفتها قوات سورية الديمقراطية على المعبر الأساسي الذي يربط شمال شرق سورية بإقليم كردستان العراق، وأنشأت قاعدة عسكرية في التنف. ونتيجةً ذلك، أصبحت الحدود التي تربط سورية بالعراق وتركيا مناطق صراعٍ على النفوذ.
لهذا السبب، إن النموذج الأمني الأميركي، على خلاف نظيرَيه الإيراني والتركي، هو الوحيد الذي دخل في صراع مع النموذجَين الآخرَين. عمومًا، لم تهدّد إيران وتركيا بشكل أساسي نظام أمن أحدهما الآخر، ما عدا في العلاقات التكتيكية والقابلة للإدارة التي شكّلتها الميليشيات المتحالفة مع إيران مع حزب العمّال الكردستاني، بينما نسّقتا في الشأن الأمني ضمن مسار الأستانة بالتعاون مع روسيا. في المقابل، يشكّل الوجود الأميركي تحدّيًا كبيرًا لكلٍّ من إيران وتركيا، حتى لو كانتا تختلفان على طريقة ردّهما إذا حدث الانسحاب الأميركي. فالتحالف الأميركي مع قوات سورية الديمقراطية يقيّد ما تستطيع القوات التركية فعله في شمال سورية وشمال شرقها، في حين أن الوجود الأميركي على طول الحدود العراقية يمثّل تحدّيًا استراتيجيًا محتملًا لجهود إيران الرامية إلى ضمان حرية تحرّك قواتها وحلفائها بين العراق وسورية.
وقد اعتمدت الولايات المتحدة في تعزيز نموذجها الأمني على طول الحدود السورية العراقية على الشركاء المحليين بالدرجة الأولى. فالجماعات الكردية تُعَدّ حليفًا مثاليًا في الحرب ضدّ الإرهاب، إذ كانت أولى ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية، وباتت شريكًا موثوقًا بفضل انضباطها العسكري وقدرتها على ضبط السلاح ضمن إطار موحّد. يُضاف إلى ذلك أن الوجود الأميركي القوي في كردستان العراق، حتى لو أنه محدودٌ أكثر اليوم، ساعد في تعزيز الانتشار الأميركي مع ما يضمّه من قنصلية كبيرة وقوة عسكرية.135
لكن السؤال الرئيس الذي يثيره التنافس بين نُظم الأمن الأميركية والتركية والإيرانية يتمحور حول التأثيرات الناجمة عن التوصّل إلى حلٍّ نهائي للصراع في سورية. وكما هي حال الواقع الديموغرافي في البلاد، والتحوّلات الكبرى التي طرأت على التجارة والتبادلات عبر الحدود، تعبّر حالة التشظّي الأمني عن غياب الإطار الوطني في سورية، ما يعقّد بشكلٍ كبير آفاق التفاهم السوري-السوري الذي يجب أن يندرج في صُلب أيّ عملية تسعى إلى إنهاء الصراع في سورية.
المناطق الحدودية ونهاية الصراع السوري
بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على الصراع في سورية، والذي يمكن وصفه اليوم على نحو أدقّ بأنه أزمةٌ متعدّدة الأوجه تنطوي على تشابكات إقليمية، لا يُلام مَن يعتقد أن المشاكل التي تعتري البلاد عصيّةٌ على الحلّ. ونظرًا إلى أن العنف لا يزال متواصلًا في المناطق الحدودية السورية على وجه الخصوص، حيث تتمتّع الأطراف الإقليمية والدولية بقدرٍ كبيرٍ من النفوذ، لا بدّ من أن يتضمّن أيّ حلّ عنصرًا يعالج هذا الواقع، وبُعدًا محليًا يستند إلى خطواتٍ تساعد في إحياء إطار وطني لسورية، بعد أن زال هذا الإطار إلى حدٍّ كبير خلال السنوات التي شهدت تفكّك البلاد.
لكن المفارقة هي أن الحدود السورية بقيت على حالها، ذلك أن النزاع على سورية، وانعدام الاستقرار الذي خلّفه، عزّزا على ما يبدو الاعتقاد في أوساط الدول الإقليمية بأن الحدود يجب الحفاظ عليها، خصوصًا للحؤول دون استفادة الخصوم الإقليميين من إعادة رسمها. ناهيك عن ذلك، كانت ديناميات الصراع أساسيةً في إعادة تثبيت هذه الحدود. فعندما حاول تنظيم الدولة الإسلامية محو الحدود بين سورية والعراق، خاض أعداؤه الحرب من أجل استعادتها. وعندما كانت الحكومة التركية تواجه صعوبةً في معالجة مشكلة تدفّق اللاجئين السوريين إلى تركيا، شكّل ترسيخ الحدود وسيلةً للحفاظ على حاجزٍ يمنع انتقال المشكلة شمالًا.
في موازاة ذلك، امتدّت صراعاتٌ إقليمية إلى سورية، وأبرزها نزاع تركيا مع حزب العمّال الكردستاني، ونزاع إيران مع إسرائيل، لذا ازدادت صعوبة حلّ الأزمة السورية. فالمواجهة بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني امتدّت إلى المناطق الحدودية الشمالية والشمالية الشرقية لسورية، إضافةً إلى أجزاء من جنوب تركيا وشمال العراق. تشكّل هذه المناطق كلّها ما يُعرَف بمنطقة الجزيرة السورية الممتدّة من جبال سنجار في غرب العراق، إلى نهر الفرات في شمال شرق سورية. وقد استمرّت حدّة الصراع في التصاعد تاركةً المجال مفتوحًا أمام تنفيذ الجيش التركي مزيدًا من العمليات العسكرية في المناطق الحدودية السورية. فمن المنظور التركي، يبقى التهديد الذي يشكّله حزب العمّال الكردستاني قائمًا، لذا تُعدّ الحلول التي طرحتها أنقرة عسكرية وأمنية بصورة أساسية. ومنذ انهيار المفاوضات السرّية بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني، التي بدأت في العام 2009 وانتهت في العام 2015، أصبحت الأوضاع المحلية أشدّ تعقيدًا وعرضةً للانفجار على نحو مفاجئ.
يُشار إلى أن أيّ اتّجاهات تفاقم الانقسامات الكردية العربية تضع قوات سورية الديمقراطية، ورعاتها الخارجيين في المناطق الحدودية، ولا سيما الولايات المتحدة، في موقفٍ أصعب. وقد تجلّى ذلك بوضوحٍ في آب/أغسطس-أيلول/سبتمبر 2023، عندما تصاعدت ثورة العشائر العربية ضدّ قوات سورية الديمقراطية بالقرب من دير الزور، وحشدت السكان المحليين.136 ما كان من هذا الوضع إلا أن دفع فلول تنظيم الدولة الإسلامية إلى استئناف أنشطتها، الأمر الذي حثّ القوات الأميركية على التدخّل وتهدئة الأوضاع.137 أظهرت هذه الحالة كيف يمكن للتطوّرات المحلية أن تخلّف تداعياتٍ كبيرة على القوى الخارجية، ما يسلّط الضوء على مدى تقلّب الوضع في المناطق الحدودية السورية، ويؤكّد كيف أن غياب سيادة الدولة يؤدّي إلى انعدام استقرارٍ وصراعٍ لا نهاية له.
أمّا الصراع الإيراني الإسرائيلي فأشدّ خطورةً حتى، إذ إن تداعياته المحتملة قد لا تطال مستقبل سورية فحسب، بل مستقبل المنطقة برمّتها أيضًا. تشكّل المنطقة الممتدّة من حدود سورية مع العراق في أقصى الشرق، إلى حدودها الجنوبية والجنوبية الغربية والغربية مع إسرائيل، والأردن، ولبنان، منطقة عمليات للحرس الثوري الإيراني. وفي حين يدور الصراع بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني على الحافة الشمالية لبلاد الشام، يقع الصراع الإسرائيلي الإيراني في مركز سورية الاستراتيجي، ضمن ما أسماه الأسد “سورية المفيدة”. إن الحوار في هذا الصراع لمستحيلٌ، لأن إيران وإسرائيل منخرطتان في صراع على النفوذ الإقليمي تُفاقِمُه الخلافات الإيديولوجية العميقة.
لقد دعمت إيران نظام الأسد لما يزيد عن عقدٍ من الزمن، وبذلت جهودًا كبيرةً للحؤول دون سقوطه، وفي المقابل تمكّنت من الاستمرار في مساندة حزب الله اللبناني. ولكن المشروع الإيراني يرمي إلى أبعد من ذلك. فطوال فترة الصراع السوري، أنشأ قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، شبكة ميليشيات عابرة للحدود انخرطت في القتال ضدّ المعارضة المسلحة السورية وتنظيم الدول الإسلامية. وانتشرت هذه الميليشيات في مختلف أرجاء العراق وسورية، وهي ترتبط في ما بينها ضمن شبكةٍ تشمل شرق سورية، وحلب، وأطراف دمشق، والحدود الجنوبية السورية، تحت إشراف قادة الحرس الثوري الإيراني. نظرًا إلى نفوذ إيران ووجودها في مناطق محدّدة من سورية، ولا سيما في الجنوب، باتت المواجهة مع إسرائيل أمرًا لا مفرّ منه.
وبسبب الروابط القائمة بين الأطراف المحلية والدول الإقليمية في المناطق الحدودية السورية، زالَ بشكلٍ شبه كامل أي إطار وطني السوري للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وحلّت محلّه هذه التحالفات المحلية-الإقليمية. وبالتالي، أصبحت إعادة بناء دولةٍ وطنيةٍ سوريةٍ حديثةٍ أمرًا غير واقعي اليوم بكل بساطة، ناهيك عن أن تخبّط المناطق الحدودية السورية في شرك الصراعات الإقليمية يعقّد أيّ حلٍّ للأزمة السورية.
يُذكَر أن نهجَين رئيسَين اعتُمِدا لتسوية هذه الأزمة أو إدارتها. النهج الأول مركزيٌّ يشمل الشروع في عملية انتقال سياسي تتمحور حول إعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي في سورية من المركز في دمشق. ويرمي هذا النهج، الذي تَجسَّد في مفاوضات جنيف التي انطلقت في صيف العام 2012، إلى صياغة دستور جديد لسورية.138 وكان قرار مجلس الأمن رقم 2254 أساسيًا في هذا المسعى، مع أنه صيغ ضمن مناخٍ سياسي مختلف إلى حدٍّ كبير عن المناخ السائد في البلاد اليوم. فالتدخّل العسكري الروسي في خريف العام 2015 قَلَب ميزان القوى على الأرض، فمالت دفّته لصالح نظام الأسد وحلفائه الإقليميين، مثل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. هذا التحوّل أفسح المجال أمام اعتماد القرار 2254 في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، لوقف الأعمال العدائية والتوصّل إلى تسوية سياسية في سورية.
أما النهج الثاني فهو أضيق نطاقًا، ويركّز على عقد اتفاقاتٍ محلية في مناطق جغرافية محدّدة، أو حتى عقد اتفاقات أوسع أحيانًا بشأن تلك المناطق، استنادًا إلى اعتبارات أمنية بصورة رئيسة. وقد تَجَسَّد هذا النهج في مسار الأستانة، الذي انطلق في أوائل العام 2017 وضمّ تركيا وروسيا وإيران.139 تكيّف هذا المسار مع حقيقة أن الحرب في سورية تدور على جبهات متعدّدة، وتنطوي على مصالح إقليمية متضاربة، ولذا سعى إلى إرساء الاستقرار على خطوط المواجهة بين قوات المعارضة والجيش السوري وحلفائه. لكن اليوم وبعد مرور سبع سنوات، يتّضح أن النتائج كانت كارثيةً للسوريين، وحالت دون بذل جهود دولية لحلّ الأزمة. فقد أدّت الاتفاقات المحلية التي جرى التوصّل إليها بين نظام الأسد وفصائل المعارضة المسلحة إلى نزوح السكان من وسط سورية وجنوبها إلى المناطق الحدودية مع تركيا. كذلك آلت هذه العملية إلى تشكُّل حدود داخلية، وتقسيم سورية، وتقويض أُسس الاتفاقات الهادفة إلى حلّ أزمة البلاد من خلال إعادة إحياء دور المركز، وأبرزها مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة.
لكن النهجَين المركزي والجغرافي قد استُنفِدا، والمناخ السياسي الدولي تبدّل منذ اعتمادهما. فقد كانت روسيا لاعبًا أساسيًا في كلا النهجَين، إلا أن اهتمامها منصبٌّ اليوم على مكان آخر، حتى وإن لم يكن لديها أيّ نيّة للخروج من سورية. من شأن النزاعات الإقليمية الآخذة في التفاقم سريعًا أن تُغرق الشرق الأوسط برمّته في حربٍ مفتوحة، في ظلّ تشكُّل سياسات المنطقة طبقًا للأولويات الأمنية. في ضوء هذه الحقائق، التي تفاقمها الانقسامات على المستوى الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا، يبدو أيّ حديث عن إنهاء الأزمة السورية بعيدَ المنال في أفضل الأحوال. وبما أن وضع خطّة سلام قد يكون خطوةً بعيدةً جدًّا في الوقت الراهن، من المنطقي أكثر النظر إلى الشروط المسبقة اللازم توافرها في أيّ اتفاق نهائي، على أن يكون الهدف الرئيس في هذه المرحلة اتّخاذ الإجراءات التي من شأنها تخفيف حالة الانهيار التي تشهدها سورية.
لن يكون حلّ الأزمة السورية ممكنًا ما لم يجرِ التوصّل إلى شكلٍ من أشكال التفاهم بين القوى الإقليمية والدولية الرئيسة التي تتمتّع بنفوذٍ في سورية، ولا سيما في المناطق الحدودية. ولكن ما من مؤشّرات اليوم على أن هذه القوى تفضّل حلًّا محدّدًا بدلًا من الوضع الراهن الذي يتيح لها تحقيق مصالحها على نحو مستقلّ. وهذا النهج هو الذي أوصل الوضعَ في سورية إلى طريقٍ مسدود. فبغضّ النظر عن الأهداف التي حدّدتها كل دولة من هذه الدول، سواء كان حزام الأمن الديموغرافي الذي تسعى تركيا إلى إقامته في نزاعها مع حزب العمّال الكردستاني، أم نفوذ إيران الاستراتيجي خارج حدودها في معركتها مع إسرائيل، اصطدمت هذه البلدان كلّها في الغالب بحائطٍ مسدود، ولم تحقّق سوى إنجازات قليلة في السنوات القليلة الماضية.
بتعبيرٍ آخر، تجد هذه القوى الإقليمية والدولية نفسها، إلى جانب حلفائها المحليين، في حالة توازن دقيق يَحول دون تحقيق أيّ طرف من الأطراف تقدّمًا ملحوظًا من دون الإخلال بتوازن القوى، الأمر الذي قد يسمح لأطراف أخرى بتوسيع نفوذها. من الناحية النظرية، يمكن أن يتغيّر هذا الوضع إذا ما أقدم أيٌّ من القوى الرئيسة على تغيير سياساته بشكل كبير، ولكن حاليًا ما من مؤشّرات قوية تدلّ على أن هذا الأمر سيحدث. أما إذا حصل، فسيؤدّي بلا شكّ إلى فراغٍ في السلطة في سورية، ما قد يسفر عن نشوب سلسلةٍ من النزاعات إلى حين إرساء وضعٍ راهنٍ جديد.
وإذا ما افترضنا أن القوى الخارجية في سورية اختارت إدامة الوضع الراهن، فقد تكون النتيجة مفاقمة حالة انعدام الاستقرار نفسها التي تسعى هذه الجهات إلى تجنّبها، وهنا تكمن المفارقة. فاحتواء الصراعات أو إدارتها ضمن مناطق سورية لا يحلّها فعليًا، بل قد يتسبّب بانفجار الوضع داخليًا. فالمناطق التي تُعَدّ مستقرّةً حتى الآن، على غرار إدلب والأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، ليست محصّنةً ضدّ الاضطرابات الداخلية. فالغضب المحلي المتنامي إزاء هيئة تحرير الشام أسفر عن زعزعة الاستقرار في إدلب، فيما تشكّل الانقسامات الكردية العربية في دير الزور أيضًا مثالًا على التوتّرات المتأصّلة، ناهيك عن الاستياء الشعبي من سياسات النظام في السويداء. صحيحٌ أن نظام الأسد لا يُظهِر بوادر انهيارٍ وشيك، إلا أن تراجع قدراته في مجالات الحكم والأمن والدبلوماسية، وغياب الإرادة السياسية لإحداث تغييرٍ في سورية، يُبقيان احتمال الانهيار قائمًا.
واقع الحال أن السبيل للخروج من الوضع الراهن لا يتمثّل في إعادة سورية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، بل في إحياء إطارٍ سوري-سوري للتوصّل إلى حلّ، يشمل التفكير في شكل الدولة المستقبلية، والحكم، ودور المؤسسات، والآليات الحكومية. بتعبيرٍ آخر، لا بدّ من أن يتوخّى هذا الإطار التوصّل إلى اتفاق سوري داخلي بشأن هذه المسائل. وما الذي قد يحفّز القوى الخارجية على تأييد مثل هذا الحوار؟ إقرارُها بأن ما من طرفٍ خارجي قادرٍ وحده على تحقيق النصر في سورية، في حين أن جميع الأطراف ستستفيد من عودة الاستقرار النسبي.
خاتمة
سيكون المسار الذي ينتظر سورية على الأرجح استمرار الوضع الراهن، وبالتالي غياب أيّ حلّ. ويصحّ ذلك أكثر نظرًا إلى غياب الإطار الوطني اللازم لمعالجة مشاكل البلاد، بالتزامن مع غياب أيّ توافق بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في سورية، التي ركّزت على احتواء مشاكل البلاد سعيًا إلى تحقيق أولوياتها السياسية الخاصة على حساب سيادة سورية. ولكن إذا ما ظلّت هذه القوى ملتزمةً بالحفاظ على التوازن الهشّ عن طريق استراتيجية احتواءٍ غير مستقرّة بطبيعتها، فلن يمرّ وقتٌ طويلٌ حتى تفرض الانهيارات الداخلية في سورية تبدّلًا في سلوك هذه الجهات من خلال تغيير الظروف داخل مناطق نفوذها. ومن الممكن أن يدفع ذلك هذه القوى في نهاية المطاف إلى القبول بإطارٍ سوري جامع يتيح للسوريين أنفسهم تولّي زمام المسار الساعي إلى تحقيق سلامٍ دائم. لكن إذا لم يحدث ذلك، فقد تكون المنطقة على شفا تصعيدٍ في وتائر العنف لا هوادة فيه، يتسبّب بزعزعة استقرارها إلى أَجَل غير مسمّى، حتى تُرغَم الأطراف كافّة على رؤية فوائد ومزايا التوصّل إلى حلّ دائم.
تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK International Development التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.
هوامش
1″الصليب الأحمر: القتال بسوريا حرب أهلية”، الجزيرة، 15 تموز/يوليو 2012،
2“Local Administration Structures in Opposition-held Areas in Syria,” Center for Humanitarian Dialogue, March 15, 2014, https://um.dk/en/-/media/websites/umen/danida/partnerships/research/local-administration-structures-syria.ashx.
3Zachary Laub, “Who’s Who in Syria’s Civil War,” Council on Foreign Relations, April 28, 2017, https://www.cfr.org/backgrounder/whos-who-syrias-civil-war.
4″أكراد سورية: صراع داخل الصراع”، مجموعة الأزمات الدولية، تقرير الشرق الأوسط رقم 136، 22 كانون الثاني/يناير 2013،
5Wladimir van Wilgenburg, “New Administration Name Adopted for Local Administration in Northeast Syria,” Kurdistan24, December 13, 2023, https://www.kurdistan24.net/en/story/33441-New-administration-name-adopted-for-local-administration-in-northeast-Syria.
6“Syria’s SDF: U.S.-backed anti-IS alliance,” France 24, January 25, 2019, https://www.france24.com/en/20190125-syrias-sdf-us-backed-anti-alliance.
7Güneş Murat Tezcür and Jalal Talabani, “Foreign Fighters From Türkiye,” Workshop memo presented at Contemporary Turkish Politics Workshop, October 14, 2016, https://pomeps.org/foreign-fighters-from-Türkiye;
انظر أيضًا:
Ayla Albayrak and Joe Parkinson, “Türkiye Struggles to Halt Islamic State ‘Jihadist Highway,’” Wall Street Journal, September 4, 2014, https://www.wsj.com/articles/Türkiye-struggles-to-halt-islamic-state-jihadist-highway-1409777884.
8Güneş Murat Tezcür and Jalal Talabani, “Foreign Fighters From Türkiye”;
انظر أيضًا:
Ayla Albayrak and Joe Parkinson, “Türkiye Struggles to Halt Islamic State ‘Jihadist Highway.’”
9″خيار حزب العمّال الكردستاني المنذر بالسوء في شمال سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، 4 أيار/مايو 2017،
10Walid al-Nofal, “12 Years On, ‘Revolution’ Service Institutions Under Turkish Authority,” Syria Direct, March 18, 2023, https://syriadirect.org/12-years-on-revolution-service-institutions-under-turkish-authority;
انظر أيضًا:
Elizabeth Tsurkov, “Hay’at Tahrir al-Sham (Syria)” in “Guns and Governance: How Europe Should Talk to Non-State Armed Groups in the Middle East,” European Council on Foreign Relations, 2021, https://ecfr.eu/special/mena-armed-groups/hayat-tahrir-al-sham-syria.
11″مقاربة جديدة في جنوب سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، 2 أيلول/سبتمبر 2015، قسم ii، ص. 10،
12″مقاربة جديدة في جنوب سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، ص. 3 و9؛ للاطّلاع على المزيد من التفاصيل حول الجبهة الجنوبية، انظر:
“The Southern Front,” Mapping Military Organizations, Stanford University, September 29, 2017, https://web.stanford.edu/group/mappingmilitants/cgi-bin/groups/view/645.
13John Wallcot, “Trump Ends CIA Arms Support for Anti-Assad Syria Rebels—U.S. Officials,” Reuters, July 20, 2017, https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-usa-syria-idUSKBN1A42KC.
14Wesley Dockery, “Israel, Russia Reach Syria Border Agreement,” Deutsche Welle, May 29, 2018, https://www.dw.com/en/israel-russia-team-up-to-keep-iran-out-of-syria-border-region/a-43979590.
15Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.
16Murhaf al-Sha’er, “Protests in Syria’s Suwayda to Continue Until Overthrowing “Regime,”” North Press Agency, February 26, 2024, https://npasyria.com/en/111563.
17أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 30 نيسان/أبريل 2024،
18Michelle Nichols, “Weapons Being Smuggled Between Lebanon, Syria: U.N.,” Reuters, May 9, 2012, https://www.reuters.com/article/idUSBRE8471EV.
19Isabel Nassief, “The Campaign for Homs and Aleppo: The Assad Regime’s Strategy in 2013,” Institute for the Study of War, January 2014, 12, https://www.understandingwar.org/sites/default/files/Nassief-BattleforHomsAleppo-web.pdf.
20Isabel Nassief, “The Campaign for Homs and Aleppo.”
21Elizabeth O’Bagy, “The Fall of Qusayr,” Institute for the Study of War, June 6, 2013, https://www.understandingwar.org/sites/default/files/SyriaQusayrUpdate.pdf; Patrick Cockburn, “Tal Kalakh: Syria’s Rebel Town that Forged its Own Peace Deal,” Independent, June 26, 2013, https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/tal-kalakh-syria-s-rebel-town-that-forged-its-own-peace-deal-8673695.html;
وأيضًا:
Mohammad Abdulssattar Ibrahim and Tariq Adely, “Last Rebel Faction Leaves Mountains on Syrian-Lebanese Border Alongside Displaced,” Syria Direct, August 14, 2017, https://syriadirect.org/last-rebel-faction-leaves-mountains-on-syrian-lebanese-border-alongside-displaced.
22″وقف إطلاق النار في جرود عرسال اللبنانية”، الجزيرة، 27 تموز/يوليو 2017،
23“Assad Retakes Heart of Aleppo, Rebels Seize Town Near Iraq,” Arab News, August 17, 2012, https://www.arabnews.com/middle-east/assad-retakes-heart-aleppo-rebels-seize-town-near-iraq.
24Wladimir van Wilgenburg, “Syrian Kurdish Militia Takes Over Oil Fields,” Al-Monitor, March 7, 2013, https://www.al-monitor.com/originals/2013/03/power-vacuum-oil-fields-syria-kurdish-militia-pyd.html;
انظر أيضًا:
Erika Solomon, “Islamist Rebels Capture Syria’s Largest Oilfield: Activists,” Reuters, November 23, 2013, https://www.reuters.com/article/us-syria-crisis-oil-idUSBRE9AM03K20131123.
25“Islamic State Expels Rivals from Syria’s Deir al-Zor,” Reuters, July 14, 2014, https://www.reuters.com/article/idUSKBN0FJ1HZ;
انظر أيضًا: “تنظيم الدولة يعلن ‘الخلافة’ ويبايع البغدادي”، الجزيرة، 30 حزيران/يونيو 2014،
26Linda Givetash, “ISIS Defeated Say U.S.-backed Forces, Declaring Total Victory in Syria,” NBC News, March 23, 2019, https://www.nbcnews.com/news/world/u-s-backed-forces-declare-victory-over-isis-syria-n972401;
انظر أيضًا:
Sarah Dadouch and Asser Khattab, “Syria and Iraq Open a Key Border Crossing Closed Since 2012,” Washington Post, September 30, 2019, https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/syria-and-iraq-open-a-key-border-crossing-closed-since-2012/2019/09/30/89ae4c16-e382-11e9-a6e8-8759c5c7f608_story.html.
27“Al-Tanf, Syria” a timeline of events created by International Crisis Group, last updated April 13, 2024, https://www.crisisgroup.org/trigger-list/iran-usisrael-trigger-list/flashpoints/al-tanf-syria.
28Inna Rudolph, “From Battlefield to Ballot Box: Contextualising the Rise and Evolution of Iraq’s Popular Mobilisation Units,” International Centre for the Study and Radicalisation and Political Violence, King’s College London, 2017, https://icsr.info/wp-content/uploads/2018/05/From-Battlefield-to-Ballot-Box.pdf;
انظر أيضًا:
Tamer El-Ghobashy and Mustafa Salim, “As Iraq’s Shiite Militias Expand Their Reach, Concerns About an ISIS Revival Grow,” Washington Post, January 9, 2019, https://www.washingtonpost.com/world/as-iraqs-shiite-militias-expand-their-reach-concerns-about-an-isis-revival-grow/2019/01/09/52da575e-eda9-11e8-8b47-bd0975fd6199_story.html.
29Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border: From a National to a Regional Frontier,” Carnegie Endowment for International Peace, March 31, 2020, https://carnegieendowment.org/files/Hasan_Khaddour_Iraq-Syria_Border2.pdf.
30حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية: معادلات النفوذ والنزاع والحوكمة في المناطق الحدودية العراقية السورية”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 8 تموز/يوليو 2021،
31حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
32Jean Marcou, “Turkey’s Military Engagement in Northern Iraq, a Never-Ending Story,” Centre Français de Recherche sur l’Irak, February 11, 2022, https://cfri-irak.com/en/article/turkeys-military-engagement-in-northern-iraq-a-never-ending-story-2022-04-12.
33“Syria Refugee Crisis Explained,” United Nations Higher Commissioner for Refugees, March 13, 2014, https://tinyurl.com/y9v2ak6m.
34مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء من الفرقة الرابعة المدرّعة كان منخرطًا في الحرب السورية منذ اندلاعها، دمشق، تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
35رأى ثلاثة من كبار الضباط السوريين أن التعايش مع هذه الحاضنة مستحيل، نظرًا إلى أنها تسعى إلى القضاء على النظام. مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء سوري، دمشق، نيسان/أبريل 2023؛ ومقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء من الفرقة الرابعة المدرّعة، دمشق، تشرين الثاني/نوفمبر 2023؛ ومقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع عقيد من الفرقة الرابعة المدرّعة، تشرين الثاني/نوفمبر 2023. كذلك اعتبر مسؤول عسكري آخر أن هذه الفئة من السكان “قنابل موقوتة” قد تُعيد إحياء المقاومة في المستقبل. مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء سوري، دمشق، نيسان/أبريل 2023.
36“Out of Sight, Out of Mind: The Aftermath of Syria’s Sieges,” PAX Siege Watch, 2019, 20–21, https://paxforpeace.nl/wp-content/uploads/sites/2/import/import/pax-siege-watch-final-report.pdf.
37“Half a Million Flee Syrian Regime’s Offensive in Idlib,” France 24, February 5, 2020, https://www.france24.com/en/20200205-half-a-million-flee-syrian-regime-idlib-offensive.
38ما زال خط المواجهة في الشمال الغربي متوقفًا في الغالب منذ الهجوم الكبير الأخير الذي شنّته القوات الحكومية وحمل اسم “فجر إدلب 2″؛ انظر: “الحرب في سوريا: اتفاق روسي تركي على وقف إطلاق النار في إدلب”، بي بي سي، 5 آذار/مارس 2020،
لم تصل المفاوضات التي تمّت بين تركيا وسورية بوساطة سورية والمتمحورة حول الحدود الشمالية السورية، إلى نتائج ملحوظة؛ انظر:
Wladimir van Wilgenburg, “There Is Little Progress in Relations Between Syria and Turkey: Russian FM Lavrov,” Kurdishtan24, October 10, 2023, https://www.kurdistan24.net/en/story/32821-There-is-little-progress-in-relations-between-Syria-and-Turkey:-Russian-FM-Lavrov;
كذلك، شكّك الطرف التركي على نحو متزايد بقدرة النظام السوري على حماية الحدود مع تركيا إذا تولّى السيطرة عليها، انظر: سعيد عبد الرزاق، “تركيا تؤكد استعدادها لاستئناف محادثات التطبيع مع سوريا”، الشرق الأوسط، 29 أيلول/سبتمبر 2023،
39“The Syrian Army Renews Offensive in Homs,” Institute for the Study of War, July 5, 2013, https://www.understandingwar.org/backgrounder/syrian-army-renews-offensive-homs.
40“The Syrian Army Renews Offensive in Homs,” Institute for the Study of War.
41“Rebels in Syria’s Homs Fight for a Shattered Dream,” Jordan Times, March 12, 2014, https://www.jordantimes.com/news/region/rebels-syria%E2%80%99s-homs-fight-shattered-dream;
انظر أيضًا: “القدس العربي تكشف بنود اتفاق هدنة حمص”، القدس العربي، 3 أيار/مايو 2014،
42″القدس العربي تكشف بنود اتفاق هدنة حمص”؛ انظر أيضًا: “النظام يحتفل في ‘حمص المدمرة’ بعد انسحاب الدفعة الأخيرة من الثوار”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 9 أيار/مايو 2014،
43″الحصار كسلاح من أسلحة الحرب: التطويق، التجويع، الاستسلام، الإجلاء”، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية،
44“Syrian Arab Republic: East Ghouta Response to the East Ghouta Crisis in Rural Damascus Situation Report No. 5,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, May 2018, https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/East%20Ghouta%20SitRep_No.5.pdf.
45“Syrian Arab Republic: East Ghouta Response to the East Ghouta Crisis in Rural Damascus Situation Report No. 5,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs.
46″سوريا: اعتقالات ومضايقات في المناطق المستعادة”، هيومن رايتس ووتش، 21 أيار/مايو 2019،
47United Nations High Commissioner for Refugees, “UNHCR—Syria Factsheet (January–November 2018),” ReliefWeb, December 31, 2018, https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/ unhcr-syria-factsheet-january-november-2018.
48″كل شي بقوة السلاح: الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا”، هيومن رايتس ووتش، شباط/فبراير 2024، ص. 10-26،
انظر أيضًا:
“Housing Settlements in Afrin: Demographic Engineering or IDP Housing Projects?,” Syrians for Truth and Justice, June 8, 2022, https://stj-sy.org/wp-content/uploads/2022/06/Housing-Settlements-in-Afrin-1.pdf.
49″كل شي بقوة السلاح”، هيومن رايتس ووتش، ص. 13.
50حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
51حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
52حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
53ورشة عمل مغلقة حول الحدود العراقية والسورية، من تنظيم مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط ومؤسسة كونراد أديناور، بيروت، 11-12 حزيران/يونيو 2019.
54حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
55“Vulnerability Assessment of Syrian Refugees in Lebanon, 2022,” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR), March 2023,
56Operational Data Portal, “Situation Syria Refugee Regional Response,” April 2024,
57“Bekaa (Zahle),” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR) – Lebanon,
انظر أيضًا:
“North (Tripoli and Qobayat),” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR) – Lebanon,
58مهى يحيَ وجان قصير وخليل الحريري، “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، نيسان/أبريل 2018،
59محسن المصطفى، “اللاجئون السوريون: العودة الانتقائية”، معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، 22 كانون الأول/ديسمبر 2022،
60مهى يحيَ وجان قصير وخليل الحريري، “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”.
61″حزب الله يطالب الحكومة اللبنانية بالتواصل مع سوريا لمعالجة أزمة النازحين”، سبوتنيك عربي، 16 تموز/يوليو 2023،
62Ewan MacAskill and Carolynne Wheeler, “Protests Force out Lebanese Government,” Guardian, March 1, 2005,
63 “نصر الله: نستفيد من علاقاتنا بدمشق لإعادة اللاجئين”، الجزيرة، 30 حزيران/يونيو 2018،
64ريا شرتوني، “نصر الله يدعو لإعادة ترتيب العلاقة مع سوريا لدعم لبنان اقتصاديًا”، وكالة الأناضول، 5 أيار/مايو 2020،
65ضياء عودة، “حملات ترحيل السوريين من لبنان.. ماذا تقول مفوضية اللاجئين؟”، الحرة، 25 نيسان/أبريل 2023،
66“Impact of the Refugee Crisis in Lebanon: Who Needs the Most Help?,” Habitat for Humanity, https://www.habitatforhumanity.org.uk/blog/2016/10/impact-refugee-crisis-lebanon-who-needs-most-help-part-1.
67″الأمم المتحدة تعود إلى ‘الليرة’ بعد اعتراضات لبنانية على ‘دولرة’ مساعدات اللاجئين”، الشرق الأوسط، 27 أيار/مايو 2023،
68خالد العزي، “أزمة العابرين السوريين إلى لبنان كورقة للضغط والتهديد”، تلفزيون سوريا، 19 شباط/فبراير 2024،
69“Rapid Assessment of the Needs of Households and Workers Affected by the Earthquake in Aleppo- Syria 2023,” International Labor Organization, 2023, 2, https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/—arabstates/—ro-beirut/documents/publication/wcms_890127.pdf.
70أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 2 حزيران/يونيو 2021،
71أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”.
72مقابلة أجراها المؤلّفان مع محمد قلعة، رئيس مجلس محلي سابق ومهندس من سرمدا يدير أعماله الخاصة في سرمدا، 7 آب/أغسطس 2020.
73مقابلة أجراها المؤلّفان مع مهندس ومسؤول سابق في المجلس المحلي من سرمدا (عبر تطبيق Zoom)، سرمدا، 7 آب/أغسطس 2020.
74أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”.
75Timur Kaymaz and Omar Kadkoy, “Syrians in Türkiye—The Economics of Integration,” Al Sharq Forum, September 2016, https://bit.ly/3726FDj, 5.
76Timur Kaymaz and Omar Kadkoy, “Syrians in Türkiye—The Economics of Integration,” 6.
77محمود حمزة، “في معركة هيئة تحرير الشام من أجل فتح معبر مع النظام: ما الدوافع ومن المستفيد؟”، سوريا على طول، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2022،
78ثائر المحمد، “شيفرة معقدة وسيف ذو حدين.. معادلة الربح والخسارة لفتح المعابر شمالي سوريا”، تلفزيون سوريا، 24 أيار/مايو 2024،
79مقابلة أجراها المؤلّفان مع عامل بارز في الشؤون الإنسانية (عبر تطبيق Zoom)، هاتاي، تركيا، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
80“Syrian Arab Republic: United Nations Cross Border Operations Under UNSC Resolutions,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, November 30, 2020, https://bit.ly/3jADYSK.
81Samir Aita, “Trade Without Religion Between Turkey and Syria,” Institut Français des Relations Internationales, March 24, 2017, https://www.ifri.org/sites/default/files/atoms/files/aita_trade_without_religion_turkey_syria_2017.pdf.
82“Aleppo Battle: Syrian City ‘Back Under Government Control,’” BBC, December 22, 2016, https://www.bbc.com/news/world-middle-east-38408548.
83“Half a Million Flee Syrian Regime’s Offensive in Idlib,” France 24, February 5, 2020, https://www.france24.com/en/20200205-half-a-million-flee-syrian-regime-idlib-offensive.
84″سورية: الحكم فوق أنقاض حلب”، تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، 9 أيار/مايو 2022،
85″تركيا ترفع تصنيف معبر جرابلس ليكون معبر بري تجاري”، شبكة شام، 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017،
وانظر أيضًا: “‘الراعي’ أوّل معبر مدني تجاري مع تركيا شمال حلب”، عنب بلدي، 23 أيار/مايو 2017،
86حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
87حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
88Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”
89سلام زيدان، “افتتاح معبر القائم بين العراق وسوريا.. ما الجدوى الاقتصادية له؟”، الجزيرة، 2 تشرين الأول/أكتوبر 2019،
90Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”
91Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”
92Ziad Awad, “Iran in Deir ez-Zor: Strategy, Expansion, and Opportunities,” Robert Schulman Center for Advanced Studies, European University Institute, October 21, 2019, 7–8, https://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/64687/Deir%20ez%20Zor%20paper-NEW%20VER-2110-4.pdf?sequence=1&isAllowed=y.
93حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
94حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
95حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
96حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
97حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
98حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.
99″سورية: الحكم فوق أنقاض حلب”، مجموعة الأزمات الدولية، 9 أيار/مايو 2022،
100أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.
101Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.
102″مقتل قيادات لحزب الله بغارة إسرائيلية على الجولان”، الجزيرة، 18 كانون الثاني/يناير 2015،
انظر أيضًا:
Amos Harel, et al., “Israel Launches Most Extensive Strike in Syria in Decades After Iranian Rocket Barrage,” Haaretz, May 11, 2018, https://www.haaretz.com/israel-news/2018-05-11/ty-article/israel-launches-extensive-syria-strike-after-iranian-rocket-barrage/0000017f-e37c-d568-ad7f-f37fb7b70000.
103أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.
104Wesley Dockery, “Israel, Russia Reach Syria Border Agreement.”
105Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.
106″‘لبيك يا سلمان’ ميليشيا درزية موالية للنظام من تأسيس إيران”، نورت، 24 آذار/مارس 2015،
ومقابلة أجراها المؤلّفان مع ناشط وكاتب سوري من السويداء، كان مقيمًا في المحافظة حين حاولت إيران تأسيس ميليشيا (عبر واتساب)، 5 كانون الثاني/يناير 2024.
107أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.
108أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.
109مقابلة أجراها المؤلّفان مع محامٍ من مغر المير، القنيطرة (عبر واتساب)، شباط/فبراير 2024.
110“U.S. Warns Syria After Suspected Missile Transfer to Hezbollah,” France24, April 22, 2010, https://www.france24.com/en/20100422-us-warns-syria-after-suspected-missile-transfer-hezbollah.
111″لا مستقبل لإيران في سوريا”، القدس العربي، 11 كانون الثاني/يناير 2019، تمّت زيارة الصفحة في 28 أيار/مايو 2024،
112فريق التحرير، “تجارة الظل: الرابحون والخاسرون والديناميكيات الثابتة لعمليات التهريب”، بديل، 8 آذار/مارس 2023، تمّت زيارة الصفحة في 28 نيسان/أبريل 2024،
113Nicholas Blanford, “Lebanon Erects a String of Watchtowers on Syrian Border,” Christian Science Monitor, March 1, 2013, https://www.csmonitor.com/World/Middle-East/2013/0301/Lebanon-erects-string-of-watchtowers-on-Syrian-border.
114″الجيش اللبناني يمنع دخول 900 سوري بطريقة غير شرعية في كانون الثاني”، تلفزيون سوريا، 1 شباط/فبراير 2024،
115كارولين عاكوم، “اعتراض سوريا على أبراج المراقبة يطرح تساؤلات لبنانية”، الشرق الأوسط، 24 شباط/فبراير 2024،
116″أبراج المراقبة البريطانية على الحدود: ضبط التهريب أم مراكز للتجسس؟”، الخنادق، 22 آذار/مارس 2021،
117Emil Avdaliani, “Iran and the New Land Corridor,” Begin-Sadat Center for Strategic Studies, no. 690 (December 19, 2017).
118الشرق الأوسط، “انتشار شرطة روسية في مدينة القصير يثير أزمة مع حزب الله”، الشرق الأوسط، 6 حزيران/يونيو 2018،
119″الأمن العسكري يعزز تواجده بمحيط مقرات حزب الله اللبناني جنوب القصير”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2023،
120″لبنان يعلن انتهاء عمليات فجر الجرود.. وعون: الجيش هو الوحيد الذي طرد داعش”، سي إن إن بالعربية، 30 آب/أغسطس 2017،
121Raed Omari, “Jordan Foils Arms Smuggling Plot by ‘State-Sponsored Militia’ in March—Official Source,” Jordan Times, May 16, 2024, https://jordantimes.com/news/local/jordan-foils-arms-smuggling-plot-state-sponsored-militia-march-%E2%80%94-official-source.
122تستند هذه الإحصاءات إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، والتي من الممكن الاطّلاع عليها عبر الرابط التالي:
123هشام الغنام، “كسر قبضة الكبتاغون: كيف تستخدم سورية هذا المخدّر لغرض الضغط السياسي”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 7 آب/أغسطس 2024،
124Raed Omari, “Jordan Foils Arms Smuggling Plot by ‘State-Sponsored Militia’ in March—Official Source.”
انظر أيضًا:
Clara Hage, “Arms Trafficking Accelerates, Fueling Jordan-Syria border tension,” L’Orient Today, January 15, 2024, https://today.lorientlejour.com/article/1364430/arms-trafficking-accelerates-fueling-jordan-syria-border-tension.html.
125Suleiman al-Khalidi, “Syrian and Jordanian Army and Intelligence Chiefs Meet Over Drug War Along Border,” Reuters, July 24, 2023, https://www.reuters.com/world/middle-east/syrian-jordanian-army-intelligence-chiefs-meet-over-drug-war-along-border-2023-07-23.
126Suleiman al-Khalidi, “Jordan Says Iran-Linked Groups in Syria Wage Drug War Along Border,” Reuters, May 23, 2022, https://www.reuters.com/world/middle-east/jordan-says-iran-linked-groups-syria-wage-drug-war-along-border-2022-05-23.
127Daoud Kuttab, “Jordan Takes Its War on Drugs to Syria,” Al-Majalla, January 2, 2024, https://en.majalla.com/node/307411/politics/jordan-takes-its-war-drugs-syria.
128Khaled Yacoub Oweis, “U.S. Conducts Exercises With Jordan Amid Concern Over Syrian Border Security,” The National, September 4, 2022, https://www.thenationalnews.com/mena/2022/09/04/us-conducts-exercises-with-jordan-amid-concern-over-syrian-border-security.
129 “أكراد سورية: صراع داخل الصراع”، مجموعة الأزمات الدولية، تقرير الشرق الأوسط رقم 136، 22 كانون الثاني/يناير 2013، ص. 3،
130Ibrahim Hamidi, “Syria ‘Safe Zone’: 3 Options for Turkey,” Asharq al-Awsat English, June 4, 2022, https://english.aawsat.com/home/article/3683551/syria-safe-zone-3-options-turkey.
131″الوقف التركي يدعم الفصائل التركمانية في الشمال السوري”، موقع نورث بالس، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021،
132“The State of the Syrian National Army,” The Carter Center, March 2022, https://www.cartercenter.org/resources/pdfs/peace/conflict_resolution/syria-conflict/2022/state-of-the-syrian-national-army-march-2022.pdf.
133″الرئيس الأسد للافرنتييف: سورية منفتحة على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية”، الوكالة العربية السورية للأنباء، 26 حزيران/يونيو 2024،
134“Turkey’s Erdogan Does Not Rule Out Meeting Syria’s Assad to Restore Ties,” Reuters, June 28, 2024, https://www.reuters.com/world/middle-east/turkeys-erdogan-does-not-rule-out-meeting-syrias-assad-restore-ties-2024-06-28.
135Winthrop Rodgers, “The Vision Behind the U.S. Consulate in Erbil Is Dissolving,” New Lines Magazine, February 15, 2024, https://newlinesmag.com/reportage/the-vision-behind-the-us-consulate-in-erbil-is-dissolving.
136Paul McLoughlin, “Syria Insight: Deir az-Zour Tribal Uprising Sparks New War,” New Arab, September 27, 2023, https://www.newarab.com/analysis/syria-insight-what-sparked-deir-az-zour-uprising.
137Suleiman al-Khalidi, “U.S. Officials Visit Syria’s Deir al Zor in Bid to Defuse Arab Tribal Unrest,” Reuters, September 3, 2023, https://www.reuters.com/world/middle-east/us-officials-visit-syrias-deir-al-zor-bid-defuse-arab-tribal-unrest-2023-09-03.
138Magali Michiels and Zafer Kizilkaya, “Mediation in Syria: A Comparative Analysis of the Astana and the Geneva Processes,” Syria Studies Journal 14, no. 1, 2022: 15–28, https://ojs.st-andrews.ac.uk/index.php/syria/article/view/2486.
139Magali Michiels and Zafer Kizilkaya, “Mediation in Syria.”
المؤلفون
أرميناك توكماجيان
باحث غير مقيم، مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
خضر خضّور
باحث غير مقيم, مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
—————————————
ماذا يعني أن يكون نتنياهو “معقولاً”؟/ علي أسمر
2025.04.11
في مشهد سياسي ثقيل بالدلالات، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال استضافته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي: “أيّ مشكلة قد تكون لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها، أعني، طالما أنك معقول، يجب أن تكون معقولًا”.
هذه العبارة، التي تبدو للوهلة الأولى عابرة، تخفي خلفها إشارة واضحة إلى تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وتحديدًا في الساحة السورية التي أصبحت اليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود حكومة سورية جديدة بقيادة أحمد الشرع، ساحةً لإعادة رسم التحالفات، وميدانًا لاختبار “عقلانية” الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل.
فما الذي قصده ترمب بـ”العقلانية”؟ وماذا يعني أن يكون نتنياهو معقولًا في لحظة إقليمية حرجة، حيث تتضارب المصالح التركية مع المصالح الإسرائيلية؟
“العقلانية” تعني قبول الوجود التركي في سوريا
في السياق السوري الجديد، لم يعد الوجود التركي خيارًا مثيرًا للجدل، بقدر ما أصبح ضرورة استراتيجية تمليها الوقائع على الأرض. وخاصة بعد الانسحاب الأميركي المرتقب، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وتراجع النفوذ الإيراني نتيجة للمتغيرات السياسية الإقليمية، باتت تركيا الدولة الوحيدة القادرة على ملء الفراغ الأمني في شمال البلاد.
هذا الوجود التركي لم يعد قائمًا على الطموحات التوسعية أو الأجندات الأيديولوجية كما يروّج البعض، بل أصبح مطلبًا أمنيًا وجيوسياسيًا لحماية الحدود، وإعادة الاستقرار، وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية.
العقلانية، في هذا الإطار، تعني أن تدرك إسرائيل أن تركيا ليست خصمًا في سوريا الجديدة، بل شريك إقليمي لا يمكن تجاوزه. وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه إسرائيل لعب دور مباشر داخل سوريا، بسبب حساسيتها كـ”عدو تقليدي” لدى الشارع السوري، فإن تركيا تحظى بقبول نسبي، وتؤدي دورًا ميدانيًا بالغ الأهمية، مدعومًا بشكل غير مباشر من واشنطن.
“العقلانية” تعني وقف التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري عبر بوابة الأقليات
إحدى أبرز أدوات النفوذ التي استخدمتها إسرائيل في سوريا خلال العقد الأخير تمثلت في توظيف الأقليات، سواء كانت قومية أو دينية، كقنوات ضغط واختراق داخل البنية المجتمعية السورية. فسواء عبر تشجيع النزعات الانفصالية في الشمال الشرقي، أو دعم خطاب “حماية الأقليات” في الجنوب، لعبت تل أبيب دورًا غير مباشر في تأجيج الانقسام السوري.
لكن في ظل ولادة سوريا الجديدة، التي تسعى لإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة لا الطوائف، لم يعد هذا النهج مقبولًا أو ممكنًا. فالحكومة الجديدة، التي جاءت نتيجة توافق وطني واسع، وضعت ضمن أولوياتها إنهاء حالة التفكك المجتمعي، وتكريس سيادة الدولة على كامل التراب السوري.
العقلانية هنا تقتضي من إسرائيل أن تتوقف عن محاولات استخدام المكونات السورية كأدوات تفاوض أو ابتزاز سياسي، فمثل هذه السياسات لم تُنتج سوى مزيد من عدم الاستقرار، كما أنها تدفع المكونات السورية الأخرى نحو الاصطفاف خلف الدولة المركزية، رفضًا للحماية الإسرائيلية المشبوهة.
“العقلانية” تعني القبول بالحكومة السورية الجديدة والانخراط في تسوية سياسية
لطالما تعاملت إسرائيل مع النظام السوري السابق كخطر دائم، ولكن قابل للاحتواء. أما اليوم، فإن إسقاط النظام وبروز حكومة جديدة ببرنامج إصلاحي وطني، يضع إسرائيل أمام واقع مغاير تمامًا، يتطلب منها إعادة بناء تصورها للعلاقة مع دمشق.
العقلانية هنا لا تعني فقط التوقف عن قصف الأراضي السورية، بل الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، أي الاعتراف بالحكومة الجديدة والدخول في مفاوضات مباشرة معها، تحت رعاية إقليمية ودولية. فالمعادلة واضحة: سوريا تحتاج إلى وقف الهجمات الإسرائيلية لكي تتمكن من إعادة الإعمار وتأمين عودة اللاجئين، وإسرائيل تحتاج إلى ضمانات أمنية بأن الأراضي السورية لن تتحول من جديد إلى ساحة نفوذ إيراني أو تهديد مستقبلي.
إن التمسك بالسياسات القديمة تجاه سوريا ما بعد الأسد هو أقصر طريق لإنتاج عداء جديد لا يمكن السيطرة عليه، بينما يمثل القبول بالواقع الجديد والبحث عن تسوية سياسية فرصة نادرة لكتابة صفحة مختلفة في تاريخ العلاقات السورية-الإسرائيلية.
“العقلانية” تعني تفادي فتح جبهة مع تركيا حفاظًا على التوازن الإقليمي
في خلفية تصريح ترمب، يقف هاجس أميركي واضح: الخوف من أن يتحول الخلاف التركي-الإسرائيلي في سوريا إلى مواجهة مفتوحة، تهدد بنية التحالفات الأميركية في المنطقة. فتركيا وإسرائيل هما حليفان استراتيجيان للولايات المتحدة، وصراعهما يعني شرخًا في الجبهة الأميركية التي تواجه إيران أولًا وأساسًا.
الولايات المتحدة من جانبها تدرك أن فتح جبهة مع تركيا سيقود إلى نتائج عكسية، لعل أخطرها هو دفع أنقرة إلى التنسيق الميداني والسياسي مع دمشق وطهران على قاعدة “العدو المشترك”. هذا الاصطفاف الثلاثي المحتمل – سوري تركي إيراني – لا يصب بأي حال في مصلحة إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ترمب، حين طالب نتنياهو بـ”العقلانية”، كان ينبهه إلى أن الدور الإسرائيلي في سوريا يجب أن يُعاد تصميمه بما لا يضر المصالح الأميركية الكبرى، خصوصًا في ظل التركيز الاستراتيجي على احتواء إيران.
“العقلانية” كخارطة طريق نحو شراكة إقليمية جديدة
إن “العقلانية” التي دعا إليها ترمب ليست مجرد نصيحة سياسية، بل هي رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة بناء توازنات المنطقة، في ضوء متغيرات ما بعد الحرب السورية. أن يكون نتنياهو “معقولًا” لا يعني أن يتخلى عن المصالح الإسرائيلية، بل أن يعيد تعريفها وفقًا للواقع الجديد، بعيدًا عن الأوهام القديمة والتدخلات غير المجدية.
في سوريا الجديدة، لم تعد الأدوات القديمة صالحة. من العقل أن تقبل إسرائيل بدور تركي فعّال، وأن تتوقف عن التدخل الطائفي، وأن تنفتح على الحكومة السورية الجديدة بحوار سياسي واقعي. فالمعادلة واضحة: سوريا تريد الاستقرار، وتركيا تريد الأمن، وإسرائيل تريد الطمأنينة، والعقل وحده هو ما يمكن أن يجمع بين هذه الأهداف المتقاطعة.
تلفزيون سوريا
——————————
ترامب و”سورية التركية”/ حسام كنفاني
11 ابريل 2025
يبدو أننا لم نعتد بعد بشكل كامل على سلوك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقراءاته السياسية، فهو لا ينفك يفاجئنا بتصريح من هنا ولقطة من هناك، ليؤكّد لنا أنه لا يزال في جعبته كثير من “إبداعات” سيقدمها للعالم خلال ما تبقى من ولايته، التي في بدايتها، هذا في حال لم ينجح في مسعاه إلى ولاية ثالثة يبدو جدّياً في العمل عليها، رغم كل المعوقات التي تجعل تحقيق هذه الغاية شبه مستحيل.
قدّم ترامب، في أحدث إطلالاته، ما يمكن اعتبارها الرؤية الأميركية للوضع في سورية، وهو ما يمكن أن ينعكس على مساعي السلطة الجديدة لرفع العقوبات عن البلاد والحصول على اعترافات دولية، في مقدمتها بالضرورة الأميركية. سرد الرئيس الأميركي وخلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، تفاصيل اتصال هاتفي بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من شأنها أن تقدّم صورة عن كيفية التعاطي الأميركي مستقبلاً مع الشأن السوري.
قال ترامب إنه أبلغ أردوغان “تهانيه” لتمكنه من السيطرة على سورية، مضيفاً “لقد فعلت ما عجز عن فعله الآخرون على مدى ألفي عام. لقد أخذت سورية مهما تعدّدت أسماؤها تاريخياً عبر وكلائك”. ورغم محاولة الرئيس التركي، بحسب رواية ترامب، نفي أي صلة له بالأمر، وتأكيده إنه لم يكن هو “من أخذ سورية”، أصر الرئيس الأميركي على روايته قائلاً “لقد كنت أنت، ولكن حسناً ليس عليك الإقرار بذلك”. وبحسب السياق السردي الذي رواه ترامب، يبدو أن أردوغان أسقط في يده وأراد إغلاق النقاش في هذا الأمر ليختمه بالقول “حسناً ربما كنت أنا من أخذها”، وفق تعبير الرئيس الأميركي نقلاً عن نظيره التركي.
تحمل رواية ترامب لهذا الحديث، والذي لا يمت بصلة إلى الدبلوماسية، تفسيرات وتوقعات للموقف الأميركي من المشهد السوري، إذ يبدو أن الإدارة الأميركية سلمت أن تعاطيها مع الوضع في سورية سيكون عبر “الوكيل” التركي، وهو ما يوضح قرار واشنطن تغيير وضع البعثة السورية في نيويورك من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من الولايات المتحدة، مع ما رافق ذلك من إلغاء التأشيرات الدبلوماسية الممنوحة لأعضائها.
الأكثر خطورة في كلام ترامب أنه جاء بحضور نتنياهو، في وقت تستبيح فيه دولة الاحتلال الجنوب السوري برّاً وجواً وتستهدف قواعد عسكرية في سائر المناطق السورية، في رسائل مباشرة إلى تركيا. وقد عمد ترامب إلى طرح فرضيته لفتح باب التنسيق بين تركيا وإسرائيل في الشأن السوري، عارضاً التوسّط بين نتنياهو وأردوغان لتذليل الخلافات بين الرجليْن، مع ميل واضح إلى أردوغان الذي “يحبّه”، والطلب من نتنياهو أن يكون “عقلانياً” في تعاطيه مع تركيا.
ورغم أن رؤية ترامب للوضع في سورية أنها تدار بأوامر تركية تجافي الصواب بشكل كبير، لكنه يسلّم بهذا الأمر ويتعاطى معه بأنه حقيقة، ويعمل على تنسيق توزيع النفوذ بين تركيا وإسرائيل في الأراضي السورية. ويبدو أنه نجح عملياً في فتح قنوات لخفض التوتر بين الطرفين مع الاجتماع الذي عقد الأربعاء الماضي في أذربيجان بين مسؤولين من البلدين “لتجنّب الصدام”، وهو ما أكدته رئاسة الوزراء الإسرائيلية بالإشارة إلى الحوار مع أنقرة “للحفاظ على الاستقرار في سورية”.
والمشكلة أنه في ظل هذا التنسيق الإسرائيلي التركي اليوم، مترافقاً مع التصور الأميركي لولاءات الإدارة السورية الجديدة، لم يخرج أي من المسؤولين السوريين الحاليين، لتصحيح فكرة ترامب وتأكيد استقلالية القرار السوري وعدم ارتهانه لأي دولة خارجية، ما يعني التصديق ضمناً على كلام الرئيس الأميركي، ويضرب أي جهود ستبذلها الإدارة الجديدة للانفتاح على واشنطن.
العربي الجديد
———————–
سورية وحسابات إسرائيل وتركيا/ بشير البكر
11 ابريل 2025
تمارس إسرائيل تجاه سورية، منذ سقوط نظام بشّار الأسد، سياسة تقوم على تدمير القدرات العسكرية، وقضم الأراضي. تعتمد التصعيد اليومي، وتتقدم على الأرض في الجنوب، وتضرب في العمق مرافق عسكرية، ولا توفر حتى باقي السلاح التالف الخارج عن الخدمة. والغرض المباشر من الأعمال العدوانية تحقيق أمر واقع، تحتل من خلاله مساحات واسعة من الأراضي السورية من جهة، ومن جهة ثانية تحويل سورية إلى دولة منزوعة السلاح، غير قادرة على الدفاع عن السيادة وحماية الأرض والسكان، وممارسة سلطتها في منطقة الجنوب.
تتذرّع إسرائيل بمسألتين: الخشية من الخلفية الجهادية للفصائل العسكرية، التي وصلت إلى السلطة في دمشق يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولذلك تعمل على نحو استباقي يمنعها من تثبيت سلطتها، قبل أن تتمكن سياسياً وعسكرياً، ومن ثم تتحول إلى مصدر تهديد في المستقبل. وإمكانية قيام تحالف عسكري بين سورية وتركيا، وبناء أنقرة قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية. والحجّتان لا تبدوان مقنعتيْن، ولا تشكل أي منهما مبرّراً لاعتداءات إسرائيل على دولة مستقلة، لا سيما وأنه لم يصدر عن السلطة الجديدة أي موقف عدواني تجاه إسرائيل، بل إنها ترسل الرسالة تلو الأخرى إن أولويتها إعادة بناء سورية، وليس الحرب مع إسرائيل، حتى إنها لم تتحرّك دبلوماسياً، عربياً ودولياً، من أجل وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية. وفي الوقت ذاته، ليس هناك مؤشرات على قيام تحالف عسكري استراتيجي مع تركيا، التي ترتبط بالتزامات تحول دون ذلك، بسبب عضويتها بحلف شمال الأطلسي، وعلاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة.
لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، في وقت يشكل فيه تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية عاملَ ضغطٍ على دمشق، المنهمكة بترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية للانطلاق نحو مرحلة إعادة البناء، وقد شهدت الأيام الأخيرة موجة من الاعتداءات في درعا والقنيطرة، قابلها الأهالي بمواقف بطولية، أدّت إلى سقوط شهداء وجرحى من أبناء القرى الحدودية، وذلك مؤشر مهم إلى بدء تشكل حالة شعبية تتجاوز الموقف الرسمي، غير القادر على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية بالوسائل العسكرية. ومن شأن الرفض الشعبي التعامل مع الاحتلال في القنيطرة، والتصدّي العسكري للقوات الإسرائيلية في ريف درعا الغربي، أن يتطوّر إلى مقاومة شعبية سياسية وعسكرية للدفاع عن الذات، فأهل الأرض لن يسكتوا على العربدة الإسرائيلية، التي تعمل على تهجيرهم وسلب أراضيهم، ومصادرة ما بقي من مصادر مائية، وفصل هذه المناطق عن سورية، خاصة أنهم يدركون بالممارسة أبعاد المخطّطات الإسرائيلية التوسعية، التي تعمل على تنفيذها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في غزّة والضفة الغربية، وحرب الإبادة التي تهدف لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، ورفض الانسحاب من جنوب لبنان، والعمل على اقتطاع جزء من الأراضي اللبنانية.
تستغل حكومة نتنياهو هشاشة الوضع الرسمي في سورية، وتعمل على منع هذا البلد، المنهك اقتصادياً، من التقاط أنفاسه، والانصراف إلى الاهتمام بوضعه الداخلي الصعب. وفي هذه الحالة، على السلطات السورية ألا تقف مكتوفة الأيدي، وتستمر في تلقي الضربات من دون إبداء ردود فعل، ويحتم عليها الموقف الخطير التحرك بعجالة، وفق خارطة طريق حكومية واضحة، لوضع حد لذلك بشتى الوسائل، السياسية أولاً، من خلال تكثيف الاتصالات على المستويين، العربي والدولي، وتصليب الجبهة الداخلية باتباع سياسات تعزز السلم الأهلي، ومعالجة جادة للتجاوزات التي شهدها الساحل السوري، واستكمال الحوار مع “قوات سوريا الديمقراطية”، وفصائل محافظة السويداء، لقطع الطريق على مشاريع الاستثمار الخارجي في الشأن الداخلي السوري.
العربي الجديد
——————–
بؤس الانعزالية وأوهام الخصوصية/ أسامة الرشيدي
12 ابريل 2025
جاءت المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في درعا جنوبي سورية قبل أيّام، وأسفرت عن ارتقاء شهداء وإصابة آخرين، وقبلها مجزرة بلدة كويا أواخر الشهر الماضي (مارس/ آذار)، لتمثّلا صفعةً على وجه من كانوا يتصوّرون أن بالإمكان التعايش مع الاحتلال، بل كانوا يسخرون من أيّ دعوات للتصدّي للتمدّد الإسرائيلي في المدن السورية، ويطالبون بالتطبيع مع تل أبيب، بذريعة أن القضايا العربية لا يجوز “التورّط” فيها. فلم تكتف قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقصف والقتل، بل أجبر القصف أهل البلدة على النزوح، في مشاهد أعادت إلى الأذهان ما تفعله إسرائيل في قطاع غزّة والضفة الغربية وجنوبي لبنان. وقد مثّلت هذه المشاهد ذروة الإجرام الإسرائيلي ووقاحته، إذ سبق أن قُتل سوريون عديدون في عمليات قصف سابقة على مدار الأشهر الماضية، فضلاً عن مئات الغارات الجوية التي أسفرت إحداها عن استشهاد أربعة سوريين وإصابة 19 آخرين.
لم تتأخّر بداية مثل هذه الدعوات إلى الانعزالية، فقد بدأت بعد إسقاط نظام المخلوع بشّار الأسد مباشرة. تقوم هذه الدعوات على التبرّؤ من أيّ قضايا جامعة، ومحاولة النأي بالنفس عنها، والانكفاء على القضايا الداخلية، بدعوى خصوصية التجربة تارة، وادّعاء الحكمة وبُعد النظر تارة أخرى، على طريقة “أميركا أولاً” التي يروّجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أنتجت هذه الدعوات سلوكيات عديدة مذهلة في نذالتها من بعضهم، من قبيل سبّ الشعب الفلسطيني، والهجوم على عدد ممّن ذهبوا إلى سورية للاحتفال مع الشعب السوري بإسقاط النظام، بل والتحريض عليهم، وتجاهل أيّ ضرر لحق بهم من جراء هذا التحريض، والتبرير لمثل هذه الأفعال.
ليست هذه الدعوات غريبةً عن المشهد السياسي خلال العقد ونصف العقد الماضيين، ففي كلّ دولة عربية شهدت حراكاً مماثلاً، وجدنا بعضهم يبدي تذمّره من آراء مواطنين عرب بشأن ما يجري في بلدهم، بزعم أن بلدهم له خصوصية وظروف فريدة من نوعها، على الآخرين تفهمها ودراستها جيّداً قبل أن يتجرّأوا ويدلوا بدلوهم في الأحداث الجارية.
في تونس، على سبيل المثال، احتفى بعضهم بالانقلاب الذي قاده قيس سعيّد على المؤسّسات، وتنصيب نفسه حاكماً مطلقاً، وذلك نكاية بحركة النهضة (الإسلامية)، التي كانت لها الأكثرية في البرلمان، كما هلّلوا للإجراءات القمعية كلّها، التي تبعت ذلك، من قبيل حلّ المؤسّسات واعتقال المئات، مؤكّدين أن المنتقدين لسعيّد ليست لديهم أيّ معرفة بالشأن التونسي، وأن المستقبل سيكون مختلفاً تماماً عن تصوراتهم، وهو ما سمعته من تونسيون عديدون. لكن ما جرى كشف أن تونس تنهل من الماعون السلطوي البائس نفسها، وأن الخصوصية المزعومة ليست إلا وهما في عقول بعضهم.
فرضية أخرى روّجها بعض داعين إلى عدم الردّ على جرائم الاحتلال، تفيد بأن إسرائيل غير قابلة للهزيمة، لأنّها مدعومة من الولايات المتحدة، وأن الحلّ في الصمت واتباع خطّة طويلة المدى، تؤدّي إلى تنمية البلاد العربية وتقويتها، قبل إعلان المواجهة مع إسرائيل. المثير للدهشة أن هذا الطرح يأتي بعد اتضاح هشاشة إسرائيل، بعدما استطاع مئات المقاتلين هزيمة جيشها خلال ساعات، مثلما رأينا صوتاً وصورة. كما أن الولايات المتحدة نفسها تعرّضت للهزيمة في فيتنام وأفغانستان وأماكن أخرى، فكيف استنتج هؤلاء أن إسرائيل لا تُهزم، وأن الولايات المتحدة لا تقهر؟ ومن أين جاءوا بهذه الثقة في أن إسرائيل ستترك سورية في حالها حتى تقوّي نفسها وتصبح قادرةً على مواجهة الاحتلال؟ هل تعتمد خطّتهم فعلاً على أن إسرائيل ساذجة للدرجة التي ستسمح لهم بها بحشد قواهم حتى يواجهونها وهم في أفضل حالاتهم؟
والمفارقة الكبرى أن طرحا كهذا يُرّوج بعدما استطاعت الثورة السورية نفسها هزيمة نظام مدعوم من دولة إقليمية كبيرة مثل إيران، ودولة قوية مثل روسيا، تملك ثاني أقوى جيش بعد الولايات المتحدة. فلماذا هذا التدنّي المفاجئ في تقدير الذات؟… الحقيقة أن هذه الدعوات ليست انعزاليةً بالمطلق، بل مجرّد حجّة لتحويل سورية إلى دولة تابعة لمحاور ومشروعات إقليمية بدأت تتشكّل أخيراً، ولذلك يُرتدى قناع الانعزالية والخصوصية لإقناع السوريين بهما، بينما هي في الحقيقة دعوة إلى التبعية والاستسلام.
العربي الجديد
——————————-
تركيا وإسرائيل: سباق بين الدبلوماسية والتغوّل!
10 – أبريل – 2025
تبدأ في تركيا، اليوم الجمعة، فعاليات «منتدى أنطاليا»، واختار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لكلمته الافتتاحية التي يلقيها على الزعماء الحاضرين، عنوانا هو: «التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم».
يمثّل العنوان اختيارا شديد المناسبة لأوضاع العالم، الذي استعاد روعه من صدمة اقتصادية كبرى بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «تجميد» قراره بفرض رسوم جمركية على دول العالم (ولكنه رفع نسبتها إلى 125٪ ضد الصين). يبدو العنوان مغريا لتوصيف الانقسام الذي تعانيه منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في فلسطين، حيث تحوّل قطاع غزة إلى «أرض الحشر»، والمقتلة التي لا يبدو هناك نهاية لها، رغم جولات الدبلوماسية التي لم تنقطع منذ بدء الحرب الأخيرة.
كان من مفاعيل نشوء تحالف أمريكي ـ إسرائيلي (بدعم غربي) لضمان صدّ هجمات من حلفاء إيران، المهيمنة على سوريا ولبنان، إلى اتساع الحرب الدائرة ضد هؤلاء، وإلى انحسار كبير لتلك الهيمنة، ومع انكشاف اهتراء وتعفّن نظام بشار الأسد في سوريا اندفعت قوات المعارضة نحو دمشق وأسقطت النظام، فيما أدى النجاح العسكري والاستخباري الإسرائيلي في ضرب «حزب الله» اللبناني، لترتيب الأجواء لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، قائد الجيش السابق جوزف عون، ورئيس حكومة، نواف سلام، الرئيس السابق للمحكمة الجنائية الدولية.
وجدت الحكومتان في سوريا ولبنان نفسيهما أمام تغوّل إسرائيلي لا طاقة لهما على ردّه، فدمّر جيش الاحتلال مجمل مقدّرات الجيش السوري، وأعلن احتلال مناطق كبيرة في جنوب البلاد، وتابع بشكل شبه يومي أشكالا من التوغّل والغارات، كما أنه تابع غاراته في لبنان، وانتهاك أراضيه وأجوائه، وأعلن البقاء في خمس نقاط من الجنوب، كما قصف الضاحية الجنوبية عدة مرات.
بلغ هذا الانفلات للقوّة الإسرائيلية طورا جديدا مع قصف مواقع تفقّدتها تركيا في سوريا وبعد تقارير عن إمكانية عقد اتفاقية دفاع مشترك بين دمشق وأنقرة يسمح لتركيا بنشر منظومات دفاعية. اتهم وزير خارجية إسرائيل، جدعون ساعر، تركيا بـ«لعب دور سلبي في سوريا» وحذر الرئيس السوري أحمد الشرع من «دفع ثمن باهظ» في حال «سمح للقوى المعادية» بدخول بلاده وتهديد إسرائيل.
وضع هذا الاستفزاز الإسرائيلي المُعلن والصريح أنقرة في وضع جديد فاعتبرت الخارجية التركية أن «إسرائيل باتت أكبر تهديد لأمن المنطقة»، وأنها تزعزع استقرارها عبر «التسبب بالفوضى وتغذية الإرهاب»، ولكن وزير الخارجية التركية هاكان فيدان فتح المجال للدبلوماسية بتصريح قال فيه إن بلاده «لا تريد مواجهة مع إسرائيل في سوريا».
وضعت زيارة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، إلى واشنطن، قبل أيام، حدودا لانفلات القوة الإسرائيلية، حيث أعاد ترامب المسألة إلى الدبلوماسية، حيث قال إنه صديق لإردوغان وأنه قادر على المساهمة في حل المشكلة، طالبا من نتنياهو «أن يكون معقولا»!
يُضاف إلى ذلك طبعا، بروز اتجاه أوروبي للحدّ من معادلة التطرّف الإسرائيلي في غزة والمنطقة، مثّلته زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، وإعلان باريس إمكان اعترافها بفلسطين قريبا، والتي سبقها لقاؤه بالرئيس اللبناني في باريس، ورعايته اجتماعا مع الرئيس السوري، مع توقع تعاون فرنسي ـ تركي في سوريا ولبنان، وكذلك مواقف مشابهة من اسبانيا وإيطاليا وبريطانيا.
تشير الأنباء الواردة، أمس، إلى إجراء ضباط أتراك وإسرائيليين «محادثات فنية» في أذربيجان (وهي بلد حليف لكليهما) وهو ما يعني أن الأوضاع متجهة نحو وضع «آلية لفض الاشتباك» و«بناء منظومة للتنسيق» لخفض التوتر في سوريا، وهو تطوّر مهم قد يضع سوريا، ولبنان، وربما فلسطين وإيران، على سكّة الدبلوماسية مجددا، وهو ما لا تريده إسرائيل بالطبع.
القدس العربي
————————–
وفد من “مضافة الكرامة” يلتقي بيدرسن: نرفض المحاصصة وندعو لاستقرار شامل في سوريا
2025.04.11
عقد وفد يمثل “مضافة الكرامة” اجتماعاً مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أكد خلاله رفضه للمحاصصة والتدخل الخارجي، ودعا لاستقرار شامل في سوريا.
وناقش الاجتماع، الذي عُقد في العاصمة دمشق، مساء أول أمس الأربعاء، آخر المستجدات المتعلقة بالوضع العام في البلاد، والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب السوري.
وأكد وفد “مضافة الكرامة” على “ضرورة الدفع نحو استقرار شامل وعادل، يستند إلى إرادة السوريين، ويضمن وحدة البلاد وسيادتها، بعيداً عن المحاصصات والتدخلات الخارجية”، مشدداً على “أهمية دعم المسار الأممي لتحقيق تطلعات الشعب السوري في العدالة والكرامة والحرية”.
كما تناول الاجتماع “ضرورة رفع كامل العقوبات المفروضة على سوريا، لتتمكن من التعافي المبكر، مما ينعكس إيجاباً على الشعب السوري، والدفع نحو الاستقرار المعيشي والاقتصادي والخدمي والأمني”.
وأشار وفد “مضافة الكرامة” إلى أن “التعويل على المجتمع الدولي يجب أن يكون أكثر جدية وفعالية في دعم العملية السياسية وتخفيف معاناة السوريين في الداخل والخارج، وفتح المجال أمام طاقات وطنية حقيقية تعمل بصدق لبناء مستقبل يليق بسوريا وشعبها”.
الأمم المتحدة متفائلة بالحكومة الجديدة
في سياق ذلك، كشف قائد فصيل “قوات شيخ الكرامة” المنضوي ضمن “مضافة الكرامة”، الشيخ ليث البلعوس، أن اللقاء مع المبعوث الأممي جاء تلبية لدعوة وجهها مكتب بيدرسن لـ “مضافة الكرامة”، مشيراً إلى أن بيدرسن لم يلتق حتى الآن بوفود أخرى من محافظة السويداء.
وفي تصريحات نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط”، قال الشيخ البلعوس إن “هناك توجهاً لدى الأمم المتحدة لدعم وحدة الأراضي السورية أرضاً وشعباً، ولدعم الانتقال السياسي للسلطة، وأنها متفائلة خيراً بالحكومة السورية الانتقالية الجديدة”.
وأوضح الشيخ البلعوس أن الاجتماع تناول عدة ملفات من بينها “المعوقات الأمنية على الأرض، وضرورة التكاتف الصحيح للشعب السوري، وتضافر جهوده لتحقيق التوافق مع الحكومة السورية الجديدة”، مضيفاً أنه “من بين التحديات الأمنية والسياسية في سوريا، الملف الإسرائيلي، والملف التركي، وملف الأقليات، والإعلان الدستوري”.
وأعرب الشيخ ليث البلعوس عن أمله في أن “يكون في قادم الأيام عمل صحيح بشأن هذه الطروحات، فاليوم هناك توجه أممي حيال سوريا ووحدة الأراضي السورية، أرضاً وشعباً، ودعم الانتقال السياسي للسلطة، وقد شعرنا بأنهم متفائلون خيراً بالحكومة الجديدة”.
————————
محافظ السويداء: نُفّذت أغلب بنود وثيقة قنوات ونواصل العمل على الباقي
2025.04.10
أكد محافظ السويداء، مصطفى البكور، أن بنود “وثيقة التفاهم” التي خرجت عن لقاء دارة قنوات بمشاركة مشايخ العقل وأعضاء من اللجنة الوطنية، تُطبق فعليا على الأرض منذ لحظة الإعلان عنها، مشددًا على أن الوثيقة لا تمثل اتفاقا أو عقدا رسميا، بل تفاهمات مكتوبة لضمان متابعتها وعدم نسيانها.
وقال البكور في مقابلة مع تلفزيون سوريا إن العديد من البنود بدأت الجهات المعنية بتنفيذها بشكل مباشر، أبرزها تحويل مبنى “الحزب” إلى مقر لفرع جامعة السويداء بقرار من وزارة التعليم العالي، إضافة إلى خطوات لتنظيم عمل الشرطة، حيث أُرسلَت لجنة من وزارة الداخلية لمتابعة التوظيف، وتم تعيين أكثر من 600 عنصر يتقاضون رواتبهم حاليا.
وأضاف أن الوثيقة تناولت أيضا ملف المياه، إذ حصلت مديرية المياه على دعم مالي من الرئاسة بهدف تغطية الاحتياجات العاجلة. وأكد أن أغلب بنود الوثيقة أصبحت قيد التنفيذ، رغم وجود بعض البنود التي تحتاج إلى وقت وظروف مناسبة لإنجازها.
المتحدث باسم “رجال الكرامة”: حديثي مجتزأ والحماية من إسرائيل طعن بالإرث الوطني
ملف المنشقين: الأولوية لعودتهم دون ظلم
أوضح محافظ السويداء أن وزارة الدفاع منحت الأولوية للمنشقين عن الجيش في العودة إلى وظائفهم، بعد معاناة طويلة عاشوها، مشيرًا إلى أن التنسيق مستمر مع الجهات المعنية لضمان استكمال بياناتهم ومتابعة حقوقهم. وأكد أن “الشرفاء من غير المنشقين” ممن لم تتورط أيديهم بالدماء سيجري العمل على إعادتهم إلى المؤسسات وفق معايير مهنية.
الأمن والشرطة: استعادة الثقة والتوطين من أبناء المحافظة
رأى البكور أن تحقيق العدالة يتطلب وجود شرطة فاعلة، لأن القضاء لا يستطيع أداء دوره دون الذراع التنفيذية، أي جهاز الشرطة. ولفت إلى أن المحافظة تشهد حاليًا تحركًا لتحسين واقع الشرطة وتوفير الدعم اللوجستي من مركبات وتجهيزات في الفترة المقبلة.
وفي رده على مواقف الشيخ حكمت الهجري، خاصة فيما يتعلق برفض دخول قوات الأمن من خارج المحافظة، قال البكور إن الرفض ليس على فكرة الأمن نفسها، بل على الذهنية السابقة المرتبطة بجهاز الأمن، والتي زرعت الخوف في نفوس السوريين طوال السنوات الماضية. وأشار إلى أن المفهوم الجديد للأمن يجب أن يعني “حماية الناس وأمانهم لا ترويعهم”.
وأضاف: “أنا أميل إلى رأي الشيخ حكمت في أن يكون عناصر الأمن من أبناء السويداء. أهل مكة أدرى بشعابها، وأبناء المحافظة أدرى بتفاصيلها”، مشددًا على أن استعادة الثقة بين الأهالي والأمن بحاجة إلى وقت.
العلاقة مع مشايخ العقل: لا خلاف مع الشيخ حكمت
نفى محافظ السويداء وجود أي خلاف مع الشيخ حكمت الهجري، وأكد أن اللقاءات المتكررة معه تؤكد وجود تفاهم وتنسيق دائمين، مشيرًا إلى أن ما يُنشر في الإعلام عن خلافات هو محض إشاعات تُروّج من قبل “الذباب الإلكتروني” بهدف زرع الانقسام.
وقال إن الشيخ حكمت كان واضحًا في مواقفه، وإنه يؤكد دائمًا على أن “وجهة السويداء هي دمشق”، وأن أبناء المحافظة يريدون مؤسسات فاعلة تخدم السكان.
وفيما يتعلق بحديث الشيخ عن “اللامركزية الإدارية”، شدد البكور على أنه لم يسمع هذا الطرح منه شخصيًا، لكنه لا يرى في الحديث عنها أي معارضة للدولة، بل وجهة نظر تهدف إلى تحسين الإدارة المحلية.
الفصائل المحلية: دور مهم في دعم الأمن
وجّه البكور تحية إلى الفصائل المحلية في السويداء، وعلى رأسها “حركة رجال الكرامة”، مشيدًا بدورها في الحفاظ على الأمن خلال السنوات الماضية. وأوضح أن الحركة أعلنت مرارًا دعمها لتثبيت الأمن، لكنها تؤكد في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون الأمن بيد أبناء المحافظة.
وأشار إلى أن معظم الفصائل مستعدة للمساهمة في ضبط الأمن، لكن الأمر يتطلب تهيئة ظروف مناسبة، قائلاً: “الفصائل جزء من الحل وليست عائقًا أمام الأمن، لكنها تريد ضمان ألا يُعاد إنتاج أدوات القمع القديمة”.
رفض البكور التشكيك في نوايا “الحكومة” بتفعيل الإدارات المحلية، موضحًا أن أغلب المديريات، من الكهرباء والمياه إلى الزراعة، تعمل بشكل يومي، وتقدم خدماتها رغم ضعف الإمكانيات. وأشار إلى أن نقص الدعم المالي واللوجستي يعود إلى الأزمة العامة في سوريا، لا إلى تقصير إداري.
ووصف المرحلة القادمة بأنها “مرحلة تعافٍ تدريجي”، داعيا إلى الصبر حتى تتحسن الظروف، وتتمكن الدولة من رفع نسبة الخدمات إلى 100%، مشيرًا إلى أن النسبة الحالية تُقدّر بنحو 50%.
أنهى الدكتور مصطفى البكور اللقاء بالتأكيد على أن السويداء تسير نحو دمشق، وأن جهود إعادة الثقة بالمؤسسات مستمرة، رغم التحديات. وقال: “نأمل أن تصل السويداء، كما باقي سوريا، إلى حالة من الأمن والاستقرار تُعيد للناس حياتهم وكرامتهم”.
لقاء خاص مع محافظ السويداء الدكتور مصطفى البكور حول آخر التطورات في المحافظة
———————————–
المتحدث باسم “رجال الكرامة”: حديثي مجتزأ والحماية من إسرائيل طعن بالإرث الوطني
2025.04.10
قال المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة” العاملة في السويداء، باسم أبو فخر، إن الحركة ليست على صلة وتوافق مع مَن يطلب حماية من إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أن ذلك “طعن بتاريخ الأجداد و الإرث الوطني”.
ورد “أبو فخر” على ما وصفه بـ”اجتزاء وتأويل لحديثه” مع الإذاعة الوطنية الأميركية (NPR) التي نشرت تقريراً حول فصائل السويداء وموقفها من الحكومة السورية، وأوضح أن التقرير مدمج مع تصريحات ومقابلات مع أشخاص من جبل العرب لا تتوافق الحركة مع طروحاتهم فيه.
أبو فخر: الحديث محرّف
وأكد “أبو فخر” أن حديثه ضمن التقرير كان مجتزءاً ومحرفاً ومأوّلاً، ضمن عدة نقاط، منها حسب قوله: “كنت أتحدث عن مكونات المجتمع السوري بشكل عام وأن ما حدث في الساحل يدعونا أن نخشى بأن يصبح المجتمع السوري غير قادر على العيش المشترك، وقد أوّلت الإذاعة ذلك القول بأننا غير قادرين على العيش مع العرب السنة “.
وأضاف: “قلت بأن موقفنا منذ البداية، لا موالون و لا معارضون، بل وطنيون سوريون عروبيون وإنسانيون وما زلنا على هذا النحو، لتجتزئ الإذاعة من هذا الكلام بأننا غير موالين للحكومة السورية”.
وقال “أبو فخر” في حديث نشرته “شبكة السويداء 24” المحلية: “لا ندين بالولاء إلا للمبادئ التي سرنا عليها والتي تمثل قيم أهلنا وإرثهم التاريخي الوطني”، مؤكداً: “لسنا ميليشيا بل نحن مجتمع معروفي عروبي أصيل “.
وأشار إلى بعثه بـ”رسالة استنكار للإذاعة عبر مترجمها في العراق وبانتظار الرد”.
ماذا أوردت الإذاعة عن “رجال الكرامة”؟
ونقلت الإذاعة الوطنية الأميركية عن “أبو فخر”، قوله إنه “لا يمكننا أن نخدع أنفسنا بعد ما حدث في الساحل”، موضحاً أنه “توصلنا إلى قناعة بأنه إذا استمر الوضع على هذا النحو فنحن غير قادرين على العيش المشترك”.
وأضاف أبو فخر أنه “نحن لسنا موالين للحكومة ولدينا مخاوف بشأنها، لكننا حريصون على توحيد سوريا، وعاصمتنا دمشق، ولا كرامة لإنسان إلا في بلده”.
وكشف المتحدث باسم “رجال الكرامة” أن الحركة لديها رجال في 100 قرية، مسلحون بالبنادق والرشاشات والصواريخ وقذائف الهاون، لكنه رفض الكشف عن عدد المقاتلين.
وتعليقاً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن حماية الدروز في سوريا، قال أبو فخر إنه “عندما يقول نتنياهو إنه يريد حماية الدروز، فهو يفعل ذلك لتحقيق مصالحه الخاصة”.
الهجري: لا توافق مع دمشق
وقال شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، حكمت الهجري، في تصريحات للإذاعة الأميركية، إنه “لا يوجد توافق بيننا وبين حكومة دمشق”، مشيراً إلى أن مقاتلي السويداء مستعدون للقتال وصد القوات الحكومية إذا لزم الأمر.
وأوضح أن “المحادثات مع حكومة دمشق مستمرة، لكن الاتفاق سيكون صعباً”، مضيفاً أن “الفصائل الإرهابية المسلحة تعتبر نفسها الآن مسؤولة عن الإدارة في دمشق، وهذا غير مقبول على المستوى السوري ولا الدولي”.
وأكد الشيخ الهجري أن القوات الدرزية التي حافظت على الأمن في السويداء “ستبقى على حالها”، وستواصل السيطرة على حدود المحافظة مع الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، مشيراً إلى أن القوات الدرزية “تجمع مقاتلين وتضع خططاً لصد قوات الحكومة إذا لزم الأمر”.
وشدد الشيخ الهجري على أنه “لا نريد تدخل أحد من الخارج، لأن هذه مرحلة انتقالية ومرحلة خطيرة”، مؤكداً أن “إراقة الدماء تُفضي دائماً إلى مزيد من سفك الدماء، ونحن نرفض هذه الطائفية، ونريد بناء دولة مدنية”.
—————————-
خبير أميركي: لهذا سوريا التحدي الأصعب لترامب في الشرق الأوسط
صورة لقيام الجيش الإسرائيلي بإقامة نقطة عسكرية جديدة في ريف القنيطرة جنوب سوريا
12/4/2025
يفيد مقال نشرته وول ستريت جورنال بأن أصعب الاختيارات التي يمكن أن تواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يكمن في سوريا.
وأوضح المقال، الذي كتبه مايكل دوران مدير مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط التابع لمعهد هدسون بواشنطن، أن إنهاء برنامج إيران النووي يُعد من أولويات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، إلا أن التحدي الأكبر أمامه يتمثل في سوريا، حيث تتولى حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع إدارة البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.
وقال إن هذه الحكومة تعاني من ضعف السيطرة على الأراضي السورية، حيث تسيطر إسرائيل على الجنوب بدعم عسكري، وتركيا على الشمال حيث تقدم دعما مباشرا لحكومة الشرع، مما يخلق توترات متصاعدة بين أنقرة وتل أبيب.
وذكر المقال أن ترامب أشار إلى استعداده للوساطة خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، مؤكدا ثقته في قدرته على حل الخلافات، بشرط أن يتحلى الطرفان بالعقلانية.
اختبار لنهج ترامب
وعلق دوران بأن وساطة ترامب المحتملة تمثل اختبارا لنهجه في السياسة الخارجية الذي يركز على النفوذ الاقتصادي وتقليص الوُجود العسكري، مع الاعتماد على الحلفاء لتحقيق المصالح الأميركية، إلا أن كلا الحليفين، تركيا وإسرائيل، لا يثق بالآخر، رغم قوتهما العسكرية.
ولفت إلى أن التوترات تفاقمت بعد أن قصفت إسرائيل قاعدة “تي فور” الجوية في سوريا لمنع تركيا من نشر طائرات مسيّرة فيها، مما ينذر بإمكانية التصعيد العسكري الذي قد يشعل الحرب الأهلية مجددا ويقوض جهود الاستقرار الإقليمي.
خشية إسرائيل من تركيا
وقال إن إسرائيل ترى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشكل تهديدا جديا، خاصة بعد تصريحاته ضدها واستضافته قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتخشى أن تحل تركيا محل إيران كراعية “للجهاد” ضدها. ومن هذا المنطلق، أعلنت إسرائيل بوضوح أنها ستتعامل مع أي وجود مسلح جنوب دمشق كتهديد مباشر، وتوعدت بضربات استباقية عند الحاجة.
في المقابل، تعتبر تركيا أن استقرار سوريا ضروري لأمنها القومي ولحل أزمة اللاجئين، حيث تستضيف أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري. ويعتمد جزء كبير من شرعية أردوغان السياسية على إعادتهم، مما يتطلب إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
ويقترح الكاتب أن يلعب ترامب دور الوسيط عبر خطة متوازنة: تُمنح إسرائيل حرية العمل الجوي لحماية أمنها من التهديدات الإيرانية، بينما يُعترف لتركيا بدورها الميداني في الشمال، مما يعزز أمنها الحدودي ويمكنها من التأثير في مستقبل سوريا. كما ينبغي للولايات المتحدة قطع علاقاتها مع وحدات حماية الشعب الكردية، وهي ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، وهو ما من شأنه تحسين علاقاتها مع تركيا.
قيادة تحالف دولي
على الجانب الاقتصادي، يمكن لترامب قيادة تحالف دولي لاستثمار أموال إعادة إعمار سوريا، مع إشراك دول الخليج وأوروبا ومؤسسات مالية دولية، بحيث تستفيد تركيا اقتصاديا من خلال شركاتها في البناء واللوجيستيات، بينما تُمنح سوريا فرصة للانتعاش تحت رقابة أميركية. وستلقى هذه الخطة دعما سعوديا أيضا، حيث ترغب الرياض في استقرار سوريا وتخشى عودة الفوضى التي قد تمنح إيران موطئ قدم جديدا.
في الختام، يرى الكاتب أن جعل سوريا منطقة عازلة شبيهة بالأردن يمكن أن يخدم مصالح الجميع: إسرائيل وتركيا ستحققان الأمن، والشعب السوري سينعم بالسلام، والولايات المتحدة ستستعيد نفوذها من دون تدخل عسكري مباشر، مما يثبت نجاح نهج ترامب في السياسة الخارجية القائمة على الوساطة والقيادة الاقتصادية.
المصدر : وول ستريت جورنال
——————————-
لمواجهة تهديدات إسرائيل.. تركيا تعلن تشكيل آلية مشتركة مع خمس دول مركزها سوريا
2025.04.12
أعلن نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، تشكيل آلية إقليمية مشتركة تضم تركيا والعراق وسوريا ولبنان والأردن بهدف التصدي لما وصفه بـ”الدور الإسرائيلي المزعزع للاستقرار الاستراتيجي في المنطقة”.
وأوضح يلماز أن هذه الآلية ليست بديلاً عن نظام إقليمي جديد، بل تأتي كخطوة عملية لتوفير أدوات دعم وتنسيق، ومساعدة سوريا في “بناء نوع من القدرات”.
وأكد المسؤول التركي أن العمل بالآلية سيبدأ “قريباً جداً”، مشيراً إلى أن مركز التنسيق الخاص بها سيكون داخل الأراضي السورية، وأن جميع الطلبات المتعلقة بمهامها ستصدر من الجانب السوري.
واجتمع الرئيسان السوري أحمد الشرع والتركي رجب طيب أردوغان في لقاء ثنائي على هامش منتدى أنطاليا، تناول العلاقات الثنائية وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية.
أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن امتنانه لإحباط ما وصفه بمحاولات نشر الفوضى مجدداً في سوريا، مؤكداً أهمية استمرار الاستقرار في البلاد.
وأكد أردوغان مواصلة الجهود الدبلوماسية لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، مشدداً على ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، مع إمكانية توسيعه ليشمل مجالات أخرى.
انطلقت في تركيا أعمال النسخة الرابعة من منتدى أنطاليا الدبلوماسي تحت شعار “تبنّي الدبلوماسية في عالم منقسم”، بمشاركة واسعة من رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية وممثلين عن منظمات إقليمية ودولية. وقد شكّل الملف السوري محوراً بارزاً في جلسات المنتدى، سواء في اللقاءات الثنائية أو على هامش الفعاليات، وذلك بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي حظي باهتمام إعلامي كبير منذ لحظة وصوله، حيث لاحقته عدسات الصحفيين والتُقطت صورٌ لحركته وتنقّلاته.
وشاركت الجمهورية العربية السورية بوفد رسمي رفيع المستوى ترأسه الرئيس أحمد الشرع، إلى جانب عقيلته لطيفة الدروبي، ووزير الخارجية أسعد الشيباني.
وشهد المنتدى سلسلة من اللقاءات الثنائية التي أجراها الرئيس الشرع مع عدد من القادة والمسؤولين، كان أبرزها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إضافة إلى لقاء مع رئيسة جمهورية كوسوفو فيوسا عثماني، التي أكدت التزام بلادها بدعم الشعب السوري ومشاركة خبراتها في إعادة البناء، بالإضافة إلى لقاء جمعه بنظيره الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، في مؤشر على تحرّك سوري نحو بناء شراكات جديدة على أساس المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي.
تأتي تصريحات نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، بشأن إنشاء آلية إقليمية خماسية تضم تركيا والعراق وسوريا ولبنان والأردن، في سياق تصاعد التوترات الإقليمية حول النفوذ التركي المتزايد في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024. فقد أثار ذلك التدخل التركي، وخاصة محاولة أنقرة الاستفادة من قواعد جوية داخل سوريا، قلقاً متزايداً في إسرائيل، التي ردّت بسلسلة من الغارات الجوية استهدفت تلك القواعد، وهو ما دفع أنقرة لإصدار تصريحات غير معتادة، أكدت فيها أنها “لا تسعى لمحاربة أي دولة على التراب السوري”.
وفي ظل القلق الإسرائيلي، دخلت أنقرة وتل أبيب في محادثات تقنية لتجنب التصادم العسكري في سوريا، كما ظهر جلياً أن تركيا – بدعم من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب – تسعى لتثبيت نفوذها من خلال شراكة استراتيجية مع الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، الذي كان قد زار تركيا أكثر من مرة منذ توليه الحكم. وقد رأت إسرائيل أن هذا التحصن التركي على الأراضي السورية يحد من قدرتها على المناورة، خصوصاً مع ميل واشنطن لتأييد الدور التركي في سوريا، بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
ويأتي تشكيل الآلية الإقليمية الجديدة كمحاولة تركية لخلق توازن إقليمي داعم لتحركاتها في سوريا، ضمن تحالف يعزز الشرعية السياسية للتدخل، ويواجه النفوذ الإسرائيلي من خلال التنسيق الإقليمي مع دول الجوار السوري. كما تسعى تركيا، عبر هذه الآلية، لتقوية المؤسسات الأمنية السورية الجديدة واحتواء المخاوف الإقليمية، خاصة بعد إعلانها عن إمكانية تقديم مساعدات عسكرية إلى الجيش السوري الجديد، وإقامة شراكة استراتيجية تشمل التعاون الدفاعي.
إلى جانب الأبعاد الأمنية، تهدف أنقرة أيضًا إلى تسريع إعادة الإعمار، وضمان عودة اللاجئين، وتأمين مصالحها الاقتصادية في بلد يمثل عمقًا استراتيجيًا لها. ومن جهة الحكومة السورية، فإنها تجد في هذه الآلية نافذة للحصول على الدعم الخارجي وتحقيق الاستقرار بعد حرب مدمرة، خاصة بعد خسارتها لموارد ضخمة كانت تعتمد عليها سابقاً.
تشكل الآلية الإقليمية التي تحدث عنها نائب وزير الخارجية التركي امتداداً عملياً لتقارب سياسي واستراتيجي متسارع بين تركيا وسوريا الجديدة، وسط توازنات إقليمية معقدة، ومخاوف متبادلة من تصاعد النفوذ العسكري والأمني في سوريا على حساب اللاعبين الآخرين، وعلى رأسهم إسرائيل.
—————————–
السويداء بعد سقوط نظام الأسد.. حياد محسوب أم بوادر تموضع مستقل؟/ مالك الحافظ
2025.04.12
بعد مرور أربعة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، ما تزال محافظة السويداء تُمثّل حالة سورية لا تخضع لقياس سياسي تقليدي، ولا تستجيب بسهولة لمعادلات السيطرة التي وُضعت في المناطق الأخرى. فهذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية، التي حافظت على حيادها العسكري طوال سنوات الصراع، تواصل اليوم تمسّكها بنموذج خاص، يتأرجح بين رفض مركزي مستتر، واستقلال وظيفي حذر، في ظل غياب أي نفوذ واضح للسلطة الانتقالية المركزية الجديدة، وعدم دخولها فعلياً في معادلة الحكم المحلي.
فمن يملك القرار في السويداء؟ وما هي القوى الفاعلة التي تتصدّر المشهد؟
“ثوابت درزية”
لا تزال حركة “رجال الكرامة” تُعدّ الفاعل الأكثر حضوراً في السويداء على مستوى التنظيم المسلح المحلي، مستندة إلى شبكة ولاءات مجتمعية واسعة، وخطاب أخلاقي راسخ. إلى جانبها، تبرز مجموعات أخرى مثل “لواء الجبل” و”قوات الفهد”، كما برز مؤخرا اسم “المجلس العسكري للسويداء”، والتي رغم اختلافها في درجة الانضباط والانتشار، تشترك في هدف حماية المجتمع المحلي من التسلط والفوضى، دون ارتباط واضح بأي مشروع سياسي خارج السياق السوري الداخلي.
رغم سيطرة “رجال الكرامة” على المشهد الرمزي، إلا أن تباينات خفية بدأت بالظهور بين بعض الفصائل المحلية حول من يملك حق تمثيل المحافظة، ورغم أن هذا التباين لم يتحول إلى صدام مباشر، لكنه يمكن أن يعكس سباقاً داخلياً على الشرعية والقيادة.
إلى جانب هذه القوى، يحضر البعد المجتمعي ــ الديني بقوة، من خلال المرجعيات الروحية الثلاث المعروفة لدى أبناء الطائفة الدرزية. إلا أن التأثير الأكبر ما يزال متركزاً في الشارع بيد الشيخ حكمت الهجري.
إن فهم الديناميات المحلية يبقى ناقصاً ما لم يُؤخذ بعين الاعتبار دور المشيخات الدينية الدرزية الثلاث، ورغم وجود تباينات بين المشيخات الثلاث أحياناً في المقاربات، إلا أنها تتّفق غالباً على ضرورة الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي، ورفض الانجرار وراء أي استقطاب سياسي حاد. هذا ما يمنح هذه المرجعيات بُعداً ضابطاً للمعادلة الداخلية، ويُكسب القوى العسكرية المحلية غطاءً أخلاقياً لا يُستهان به.
خلال اليومين الماضيين أثارت تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، جدلاً واسعاً بعد تأكيده عدم وجود توافق بين القوى المحلية في المحافظة وحكومة دمشق. وذلك في مقابلة نشرها موقع الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (NPR) بتاريخ التاسع من نيسان.
غير أن مصادر خاصة من السويداء أفادت لموقع “تلفزيون سوريا” أن هذه المقابلة تأخر نشرها لمدة شهر كامل، مشيرة إلى أن تاريخ التصريحات يعود لشهر آذار الفائت، ولا تُعبّر بالضرورة عن وجهة النظر الحالية للشيخ الهجري.
رداً على التصريحات، أكد محافظ السويداء، مصطفى البكور، في مقابلة مع “تلفزيون سوريا”، أنه لا يوجد أي خلاف مع الشيخ الهجري، مشدداً على وجود تفاهم وتنسيق دائمين بينهما. كما أعرب البكور عن تأييده لفكرة أن يكون عناصر الأمن في المحافظة من أبناء السويداء، تعزيزاً للثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية .
كذلك كان قد قام محافظ السويداء، مصطفى البكور، بزيارة إلى دارة الشيخ الهجري في السادس من نيسان الجاري، لتقديم التهاني بمناسبة عيد الفطر. وسبق ذلك كله، رسالة وجهها الشيخين حمود الحناوي ويوسف جربوع إلى جانب الأمير حسن الأطرش، للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في 26 آذار الماضي، طالبوا فيها بإعادة النظر في الإعلان الدستوري، وتشكيل لجان تمثيلية لكافة الفعاليات، وتفعيل الضابطة العدلية، وإعادة تفعيل عمل المحاكم، ووقف تسريح الموظفين، وتشكيل لجان حوار اقتصادي وتعليمي تشمل النقابات والصناعيين والمعلمين وأساتذة الجامعات.
هذا الغموض في تموضع السويداء يُعزّزه الغياب الكامل لإطار دستوري متفق عليه، بعد أن قوبل “الإعلان الدستوري” الصادر عن الحكومة الانتقالية برفض واسع في الجنوب السوري، واعتُبر من قبل الزعامات المحلية في السويداء محاولة لإعادة إنتاج مركزية غير مقبولة، وهو ما دفع المشيخات لتوجيه رسالتها التي طالبت بإعادة النظر في النصوص المنظمة للمرحلة الجديدة.
مشايخ العقل.. تأثير فعلي بلا مشروع معلن
تُظهر مواقف مشايخ العقل الثلاثة في السويداء تجاه السلطة الانتقالية تنوعاً في المقاربات يعكس التباين الداخلي في المرجعيات الدينية والسياسية للطائفة.
فـالشيخ حكمت الهجري، المقيم في بلدة قنوات، يُعدّ الأكثر تأثيراً ووضوحاً في موقفه، حيث اتّسم خطابه بالاستقلالية الحادة، ورفض بشكل مباشر مشروعية السلطة الانتقالية الجديدة، داعياً في تصريحاته للإذاعة الأميركية إلى تشكيل حكومة مدنية مستقلة خالية من التبعية لأي فصيل أو جهة سياسية، ما جعله يُعبّر عن موقف رافض جذري واضح.
أما الشيخ حمود الحناوي، المقيم في مدينة السويداء، فيتبنى مقاربة أكثر تقليدية وتوافقية، إذ لم يُصدر موقفاً صريحاً معارضاً أو مؤيداً للسلطة، بل اختار موقعاً وسطاً يركّز على الحفاظ على وحدة الصف والتوازن الداخلي. وقد شارك الحناوي في الرسالة المفتوحة التي وُجهت إلى الشرع، والتي دعت إلى الإصلاح والحوار، ما يعكس رغبته في التواصل دون التصعيد.
في المقابل، يُعتبر الشيخ يوسف جربوع، المقيم في بلدة صلخد جنوبي المحافظة، من الأصوات المعتدلة التي تميل إلى الحياد الإيجابي. وقد وقّع بدوره على الرسالة ذاتها الموجّهة إلى الشرع، متجنباً التصعيد أو التسييس المفرط، ومفضّلاً التفاعل مع الحكومة الجديدة في إطار مطالبة مدنية سلمية بالحقوق، لا عبر المواجهة.
الكاتبة الصحفية، مزن مرشد، اعتبرت خلال حديثها لموقع “تلفزيون سوريا” أن هناك اتجاهين متشكلان في السويداء، اتجاه يمثله تيار الشيخ الهجري وهو اليوم على الأرض الأقل ثقلاً لكنه الأعلى صوتاً، وفق تعبيرها. واتجاه آخر يقف على النقيض منه تمثله عدة تيارات وشخصيات كالشيخ الحناوي “كلنا سمعنا تصريحاته الواضحة والشفافة”، مشيرة إلى أن التيار الثاني يقف مع “الدولة السورية الوليدة ومع اعادة الاستقرار للمنطقة ولديهم اتصالات دائمة مع حكومة دمشق. هذا (التيار) مؤيد لبناء الدولة بغض النظر عن الأفراد فالولاء للوطن وللحرية وللثورة التي انتصرت بدماء أبنائها”.
من جانبه قال الناشط المدني من السويداء، كنان خداج، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” إن الثقة معدومة تجاه السلطة الانتقالية بدمشق، مضيفاً بأن “رأي سماحة الشيخ الهجري هو الأول في المحافظة، ولا يستطيع أحد تجاوزه”. معتبراً أن حضور الهجري وثقله لدى شرائح من أبناء المحافظة أدى إلى نوع من الانضباط في السويداء، وساهم أيضاً في اتفاق الفصائل المسلحة المحلية أن تبقى على الحياد تجاه السلطة الانتقالية.
وأضاف “يجب التمييز بين الفصائل الكبيرة في السويداء، وبعض العصابات. يحاول اللاعبين الخارجين سواء الإدارة في دمشق أو بعض الجهات الإقليمية أو حتى أطراف من المعارضة الخارجية السورية الاستفراد ببعض الأشخاص”. كما اعتبر أن ضعف الحالة المدنية والسياسية في المحافظة هي التي ساهمت بثقل حضور الزعامات الدينية والمسلحة، الذين اعتبرهم الأكثر تنظيماً.
قياس المواقف المتفاوتة
يبقى التفاوت في المواقف بين المشايخ الثلاثة لا يعكس انقساماً حاداً، بل يُجسّد تنوعاً داخل البنية الدينية – الاجتماعية، ويمنح المشهد العام في السويداء مرونة كبيرة في التعاطي مع السلطة، إذ يوازن بين الرفض الواضح (الهجري)، والدعوة للتفاهم المشروط (جربوع والحناوي)، بما يحفظ وحدة الصف الداخلي للطائفة ويمنع الاصطدام المباشر مع المركز.
وفي الوقت الذي تراقب فيه دمشق بصمت، وتتجنّب الاشتباك مع الفاعلين المحليين، تظلّ المشيخات بمنزلة قوة توازن ناعمة، تؤطّر المسار العام للمحافظة، وتمنح المشهد السياسي والأمني هناك طابعاً محلياً متماسكاً، يختلف عن باقي مناطق البلاد.
رغم غياب أي سلطة رسمية تُمسك بالمشهد من أعلى، تبدو السويداء اليوم في حالة من “الاستقرار المشوب بالانتظار”. فالقوى المحلية تفرض أمناً نسبياً في المدينة وريفها الغربي، وتدير بعض شؤون الحياة اليومية عبر لجان محلية غير رسمية، مع اعتماد جزئي على تحويلات الخارج والمساعدات الفردية من المغتربين. إلا أن هذا الاستقرار ليس مدعوماً بمشروع إداري واضح أو رؤية سياسية مستقبلية.
ما يحدث هو أشبه بـ”اللاحل المؤقت”، حيث تُحكم المدينة بقواعد الأمر الواقع، مع خطوط حمراء غير مكتوبة تحكم العلاقة بين الفاعلين المحليين، وتمنع انهيار المشهد إلى فوضى أمنية أو تنافس دموي. لكن في المقابل، لا تملك هذه القوى الشرعية الكاملة أو الإمكانات الإدارية اللازمة لتشكيل بديل فعلي للدولة، مما يجعل الوضع هشاً وقابلاً للانفجار.
الكاتبة الصحفية، مزن مرشد، قالت إن الهدوء اليوم في المحافظة هو هدوء العقل والتعقل والحكمة، “أي مواجهة أو اقتتال من الممكن أن يحصل بين التيارين في السويداء ستكون عواقبه وخيمة ليس على السويداء فقط بل على المنطقة بمجملها، واليوم هناك تريث حتى تتضح الأمور بالنسبة لجماعة الشيخ الهجري لإيجاد نقاط التقاطع مع الوطن لا نقاط الخلاف”.
خطابات ومطالب.. من الدفاع عن الكرامة إلى الحياد السياسي
ما يلفت في شعارات القوى الفاعلة في السويداء هو تمسّكها بخطاب أخلاقي أكثر منه سياسي. تتكرر عبارات “الدفاع عن الأرض”، “الكرامة”، و”القرار المستقل”، في بيانات حركة رجال الكرامة أو البيانات المشيخية، لكن دون أن تتحول إلى مشروع سياسي علني أو برنامج مطالب واضح.
وهو ما أعلن عنه بوضوح مؤخراً، المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة”، باسم أبو فخر، في تصريحات صحفية نشرت في العاشر من نيسان، قال فيها إن موقفهم منذ البداية “لا موالون و لا معارضون، بل وطنيون سوريون عروبيون إنسانيون ولا زلنا على هذا النحو”.
وأضاف “لا ندين بالولاء إلا للمبادئ التي سرنا عليها والتي تمثل قيم أهلنا وإرثهم التاريخي الوطني. لسنا ميليشيا بل نحن مجتمع معروفي عروبي أصيل”.
في المقابل، يغيب الحديث عن “السلطة الانتقالية” في دمشق بشكل شبه تام. فلا دعوات للتعاون، ولا مواجهات صريحة، بل حياد محسوب، وكأن السويداء تراقب عن بُعد لتقدير اتجاه الريح. وهذا الحذر ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لنهج تاريخي اختار فيه الدروز غالباً التريث وتجنّب الانخراط في الصراعات العمودية إلا بعد اتضاح نتائجها.
حول ذلك تُبيّن الكاتبة الصحفية، مزن مرشد في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا” بوجوب أن يصار إلى التفاهم مع القيادات في السويداء، “من الحكمة التواصل والتعامل مع الفرق الوطنية والتي هدفها الوطن لا مصالح فردية ولا طموحات سلطوية، وبالنهاية يجب أن نصل إلى سوريا التي نتمناها والتي جميعنا دفع ثمن حريتها باهظاً”.
تلعب الحدود الجغرافية دوراً كامناً في معادلة السويداء، فالمحافظة التي تفصلها مسافة رمزية عن درعا ذات التاريخ الثوري، تُطل أيضاً على الأردن الذي يُشكّل نافذة محتملة للعبور أو الاتصال الخارجي. هذا الموقع يجعل من أي تحوّل في السويداء تحولا ذا صدى إقليمي، ويُبقيها ضمن الحسابات الدولية، رغم خطابها الداخلي المنكفئ.
تعيش السويداء لحظة سياسية مركّبة، عنوانها الأبرز “السيطرة بلا سلطة”، فالمدينة تحكم نفسها عبر شبكة قوى أهلية، لكن دون غطاء شرعي أو مشروع سياسي ناضج. وتبدو كأنها تتجه نحو تموضع خاص، يشبه “استقلالاً ناعماً” لا تعلنه، ولا ترفضه.
كذلك لا يمكن فصل سلوك السويداء اليوم عن إرثها التاريخي كمهد للثورة السورية الكبرى ومحطة مفصلية للقرار المحلي في مواجهة السلطة المركزية، وهو ما يجعل التوجس من كل سلطة مفروضة جزءاً من هوية جبل العرب، لا مجرّد موقف سياسي راهن.
تلفزيون سوريا
————————
عالم في مهبّ الريح!/ حسان الأسود
2025.04.11
أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق، لم تأت من جائحة صحية مثل كورونا، ولا من انهيار مصارف عالمية كما حصل عام 2008 في أزمة الرهن العقاري، بل جرّاء فقد الثقة المتبادلة في العلاقات الدولية، ليس بين الأعداء كما هو المنطق، بل بين الأصدقاء والحلفاء، حتى يخال الناظر أنّ مصفوفة هؤلاء باتت بانزياح كبير لدرجةٍ أرعبت فيها البعض وأربكت البعض الآخر.
من كان يتصوّر أن تتغيّر أولويات الولايات المتحدة الأميركية تجاه أوكرانيا وروسيا بهذه الدرجة الحادّة، ومن كان يتوقّع هذه السياسة الحمائيّة الأميركية التي بدأها الرئيس ترمب وفرض بموجبات ضرائب متنوّعة وقاسية على الحلفاء قبل المنافسين والأعداء؟ وعندما نتحدّث عن هذا السبب الأميركي فإننا لا نقلل من قيمة الأسباب الأخرى العالمية، فكل منطقة في العام لديها اعتباراتها التي تؤثر في مسارها الخاص من جهة وفي المسار العالمي من جهة ثانية.
لا يمكن إغفال التحديات التي تواجهها منطقة آسيا بتضارب مصالح عملاقين بشريين هما الصين والهند، ولا يمكن القفز على التناقضات البينيّة في دول الاتحاد الأوروبي، ولا عن توترات منطقة الشرق الأوسط المستدامة. الأمر الحاسم في كل هذه القضايا أنّه ما لأي منها التأثير ذاته الذي يحدثه العامل الأميركي، ويعود السبب بحسب وجهة نظر كاتب هذه السطور لارتباط اقتصادات العالم بشكل كبير بالدولار وبحكم اتساع تأثير التكنولوجيا الأميركية والثقل السياسي والعسكري للولايات المتحدة عالميًا.
قد يعيد التاريخ نفسه مجددًا بالتحضّر لحرب عالمية من نوع جديد، من المحتمل ألا تكون عسكرية هذه المرّة، لكنّها قد تكون أشدّ تدميرًا لما لها من تداعيات ستصيب كل دول العالم. نظامٌ دولي جديد يتخلّق من رحم الواقع الهمجي الذي تطبق عليه رؤوس الأموال المرعبة المتركّزة بيد فئة قليلة من البشر على حساب الغالبيّة الساحقة منهم. تراجع القيم الديمقراطية والليبرالية المستمر حتى في الدول التي نشأت فيها وتطوّرت، ازدياد التوحش الرأسمالي الساعي إلى مراكمة الربح بغض النظر عن النتائج التدميرية لبنية المجتمعات الرأسمالية ذاتها، الموجة الشعبوية المتعاظمة والانزياح نحو اليمين المتطرّف والتي أخذت تضرب العالم في أربع جهاته، النزوع المتصاعد لسياسة إضعاف المؤسسات الراعية للقانون الدولي، وبالنتيجة هدمها أو إعاقتها عن الدور البسيط الذي كانت تقوم به في حفظ بعض القواعد والأعراف في التعاملات الدولية، هذه المؤسسات التي نشأت إثر صراعات كبرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية بدأت تضمحلّ فعلًا وبدأت تفقد أي دور أو مكانة لها في عالم ينحو باضطراد تجاه العنف، تفاخرٌ بالدّوس على القيم الإنسانية التي تتعاطف مع ضحايا المجازر والجرائم الخطيرة وجرائم الحرب والإبادة في شتى أصقاع الأرض. هذا غيضٌ من فيض المؤشرات التي تدلّ على حجم التغييرات الكبيرة في عالما اليوم.
على صعيد الشرق الأوسط، ثمّة شعورٌ فائضٌ وكبيرٌ جدًا بالقوّة لدى نتنياهو، يزيد كثيرًا على مشكلاته الداخلية وتوازنات القوى السياسية ضمن حكومته وبينها وبين المجتمع الإسرائيلي. قد يترجم هذا الشعور عمليًا بحماقات كبيرة بعد زيارته إلى البيت الأبيض، وقد يؤدي بالنتيجة إلى خلق تصورات عجيبة عن إمكانية إعادة رسم خرائط الإقليم وفق مشيئته. يتوقّف هذا بالطبع على قدرته إقناع ترمب بتوافق مصالحهما أو تقريب وجهات نظرهما أكثر مما هي عليه الآن. لا يبدو ما رشح من خلال تصريحات الرئيس ترمب بهذا الشأن حتى الآن مطمئنًا لنا نحن السوريين، فرغم أنها تشير إلى رغبة ترمب بعدم دعم التصعيد الإسرائيلي تجاه تركيا، والذي يُفهم منه دعمه مبدأ التفاهم بين نتنياهو والرئيس أردوغان لا دعم الأول ضد الثاني وتبني وجهة نظره بالكامل، إلا أنّ التصريحات ذاتها تشير إلى فهم سطحي لتعقيدات الوضع عمومًا، وتدلّ على استخفاف كامل بإرادة السوريين، بل وحتى التصرّف بهم ووبلادهم كأنّهم بضاعة يتقاسمها من يستحوذ عليها أولًا أو بالقوّة العارية أو الحيلة أيهما أيسر. بكل الأحوال هذا ليس مستغربًا بحسب فهمنا طريقة تفكير ترمب الذي يحاول الاستيلاء على غرينلاند وبنما وغزّة وغيرها من دول ومناطق، فكيف سيُنتظر منه رؤية مصالح السوريين في خضمّ هذا الصراع الشديد بين المحاور الإقليمية والدولية ووسط هذا الفراغ الكبير في الساحة!
نعايش مشهدًا دراماتيكيًا متدحرجًا بتسارع ملحوظ، التغوّل الإسرائيلي منقطع النظير، ومنها المحاولة الحثيثة لوضع قواعد جديدة للتعامل الإقليمي التي لا تقتصر على سوريا فحسب، بل هي جزء من لوحة التصعيد مع إيران الذي بدأ بتسخينٍ عسكريٍ في اليمن ودبلوماسي في لبنان، وقد تتطوّر الأمور إلى أبعد من هاتين الساحتين لتصل إلى داخل إيران ذاتها. المشاغلة واضحة لتركيا في سوريا، القصف الهستيري والاقتحامات البرية وبناء قواعد عسكرية وتدمير أخرى، كلها محاولات حثيثة لرسم سيناريوهات جديدة وطرحها على طاولة التشريح. ما الذي سيشكّل الواقع الجديد غير مباضع السياسيين والحكّام ومدافع العسكر، أليس هذا ما اعتادت عليه الشعوب والحضارات منذ وعى الإنسان ذاته؟
ثمّة من يرى أنّها المرّة الثانية التي تتاح لنا فيها فرصة بناء سوريتنا خلال قرن ميلادي، وأنها تأتي دائمًا في ظرف غاية في السوء. أتاحت لنا الأقدار بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بناء دولة قويّة تضمّ الجغرافيا الطبيعية لبلاد الشام، لكنّ ظروف الحرب العالمية الأولى وتشكلات العالم الجديد آنذاك منعت استكمال الولادة. واليوم أيضًا نعيش على حافة صدع تشكّل نظاماً دولياً مختلفاً عما سبقه كليًا، تغيب فيه كل القواعد السابقة شيئًا فشيئًا وتولد قواعد غير مألوفة بعد. خسرنا آنذاك أراضيَ تزيد على جغرافية سوريا الحالية بكثير، ونحن مهددون اليوم بخسارة ما بقي لدينا من جغرافيا وهُويّة وطنيةٍ إذا ما عثرنا مجددًا وشاءت لنا الأقدار المضيّ في طريق الخراب.
ستحدد طريقة تعاملنا مع واقعنا السوري الراهن مدى تأثير هذا العالم المضطرب علينا، وسيكون العامل الحاسم في قيامتنا مجددًا أو في اندثارنا هو نحن، إرادتنا وتضامننا واتفاقنا على تعريف المواطن والوطن والوطنية والدولة والسياسية والشأن العام، تواضعنا للعمل وفق أسس ديمقراطية تشاركية تبادلية سلمية تحترم كرامة كلٍ منّا بالقدر نفسه الذي يرتضيه كل واحد لنفسه وعليها. نحن الآن بمجموعنا أمام الواقع وفي مواجهة التاريخ، سلطة جديدة وقوى سياسية ومدنية ومجتمعيّة. فإمّا أن ننجو جميعًا معًا، وإما أن نبقى في مهبّ الريح تتقاذفنا الأطماع والأهواء إلى أجلٍ لا يعلمه إلّا الله، فهل نغتم رياحنا التي هبّت أم نصبح نحن الغنيمة؟
تلفزيون سوريا
———————————–
دوافع التصعيد الإسرائيلي في سوريا/ خالد الجرعتلي | هاني كرزي
النفوذ التركي وإضعاف دمشق أو اتفاق سلام
تحديث 12 نيسان 2025
صارت التحركات الإسرائيلية في الأراضي السورية حدثًا يوميًا منذ سقوط النظام السوري في 8 من كانون الأول 2024، بمبررات مختلفة، إذ بدأت إسرائيل التوغل وتدمير ترسانة جيش النظام المخلوع العسكرية، بزعم خوفها من وقوعها في أيدي متطرفين، وفق ما كانت تقوله إسرائيل.
ومع مرور الوقت، كان ما يحدث في سوريا ضبابيًا بالنسبة لمراكز صنع القرار في إسرائيل، واقتصرت مبررات التدخل على تدمير أسلحة، ومصادرة أخرى كان يستخدمها النظام في المنطقة المنزوعة السلاح بالقرب من محافظة القنيطرة.
وفي شباط الماضي، بدأت مبررات إسرائيل للتدخل في سوريا تأخذ منحى عدائيًا أكثر، إذ قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في 25 من شباط، إن الحكومة السورية الجديدة “جماعة إرهابية إسلامية جهادية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة”، معربة عن استعدادها لحماية الأقليات الدينية في البلاد.
وتحولت تباعًا لتتركز حول قلق إسرائيل من النفوذ التركي المتنامي على الساحة السورية، وهو ما اعتبره مراقبون تصعيدًا قد يمتد لفترة طويلة.
وبينما تستمر وتيرة التحركات الإسرائيلية في التصاعد، يبدو أن السلطات السورية لا تحمل الكثير في جعبتها لإيقاف تحركات الجيش الإسرائيلي، في وقت تزداد فيه حدة الضربات بمختلف المحافظات.
زاد في الأمر تزايد مخاوف إسرائيل من الانتشار التركي المتوقع في قواعد عسكرية داخل سوريا، بموجب اتفاقيات مع السلطات الجديدة.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مسوغات التحركات الإسرائيلية في سوريا، وتأثير قرب الحكومة السورية الجديدة من تركيا على هذا التصعيد، واعتباره مسوّغًا لتحركات إسرائيل في سوريا، والخيارات السورية أمام استقطاب بين الشمال والجنوب علقت المصلحة السورية فيه.
تنافس تركي- إسرائيلي
تخطط تركيا لإنشاء قواعد عسكرية متعددة، مستفيدة من البنية التحتية للمطارات السورية في منطقة تدمر، حيث يقع مطارا “تدمر” و”T4″، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية، ولم تؤكده الحكومة التركية.
مركز “ألما” الإسرائيلي للأبحاث نشر، في 25 من آذار الماضي، تقريرًا قال فيه إن معلومات متكررة وردت من سوريا بشأن حوادث جوية شملت احتكاكًا بين طائرات سلاح الجو الإسرائيلي والتركي، لافتًا إلى أن هذه الحوادث، وإن لم يؤكدها أي من الجانبين، قد تعتبر “دليلًا إضافيًا على التهديد الذي تشكله تركيا على إسرائيل”.
وأضاف أنه على غرار الفترة التي كان فيها انتشار روسي كبير في سوريا، فإن الأتراك يمكن أن يتخذوا مجموعة متنوعة من التدابير الانتقامية إلى جانب إرسال طائراتهم ضد الطائرات الإسرائيلية، وقد تشمل هذه الإجراءات تزويد السوريين بمعلومات استخباراتية مسبقة عن النيات الإسرائيلية، ونشر تفاصيل الأنشطة الإسرائيلية، ونقل الأسلحة التقليدية المتقدمة إلى السوريين (مع التركيز على أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ والطائرات دون طيار وأكثر من ذلك).
ويعتقد المركز أن إسرائيل ستعرف كيفية العمل عسكريًا في سوريا حسب الحاجة، حتى في ظل وجود القوات التركية، كما فعلت خلال الوجود الروسي، وقد يتطلب هذا من إسرائيل بذل جهود استخباراتية أكبر لتجنب الاحتكاك مع القوات التركية، ويتطلب تحسين إدارة المخاطر والاستعداد للردود التركية المحتملة.
ولم يستبعد أن تتفوق المصالح الأمنية المشتركة للطرفين على التوترات السياسية الكبيرة، وقد تنشأ آلية تنسيق عسكري، مماثلة لتلك التي أُنشئت مع القوات الروسية الموجودة في سوريا.
ووفق ما نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عن مصدر أمني لم تسمِّه، في 31 من آذار الماضي، فإن إنشاء قاعدة جوية تركية في سوريا، من شأنه أن يقوض حرية عمل إسرائيل، معتبرًا أنه “تهديد محتمل”.
وبحسب الصحيفة، أجرت القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، خلال الأسابيع الماضية، عدة مناقشات تتعلق بمخاوف من تعمق التدخل التركي في سوريا.
النفوذ التركي يستفز إسرائيل
لم تقتصر الجغرافيا السورية على كونها بريد رسائل إسرائيلي لتركيا، إذ لعبت أنقرة هذا الدور أيضًا، وفق ما يعتقده الصحفي السوري ماجد عبد النور، الذي قال إن تركيا تبعث رسائل مفادها أنها تسعى لبناء نفوذ قوي في سوريا، كجس نبض للموقف الإسرائيلي، لكن التصريحات التركية المتكررة كالحديث عن ترسيم الحدود مع سوريا مثلًا، وزيارات مسؤوليها إلى سوريا تستفز تل أبيب.
وقال عبد النور لعنب بلدي، إنه بالنسبة لإسرائيل، فإن تركيا مثل إيران، فهي لن تستبدل إسلامًا سياسيًا شيعيًا بإسلام سياسي سني، لذلك لن تسمح تل أبيب لأنقرة بالتمدد وتقوية نفوذها أكثر في سوريا، ما يعني أن إسرائيل ستستمر بالتصعيد في سوريا، طالما أن هناك نية تركية بزيادة نفوذها في المنطقة، وسيبقى السوريون هم من يدفع الثمن.
وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قال لوكالة “رويترز”، إن تركيا لا تريد مواجهة مع إسرائيل في سوريا، مضيفًا، “إذا أرادت دمشق التوصل إلى تفاهمات معينة مع إسرائيل فهذا شأنها”.
من جانبه، يرى المحلل السياسي أحمد عطاونة، مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أن النفوذ التركي في سوريا الذي يشكل هاجسًا لإسرائيل، هو النقطة الأكثر حرجًا في المشهد، خصوصًا أن لا رغبة إسرائيلية أو تركية في مواجهة مباشرة، كما أن إسرائيل تدرك أن تركيا دولة كبيرة وقوية، وهي أيضًا عضو في حلف “الناتو”، وبالتالي المواجهة معها ليست سهلة أبدًا.
وقال عطاونة لعنب بلدي، إن إسرائيل تحاول رسم حدود لمستوى الوجود التركي في سوريا من وجهة نظرها، وبالتالي تريد إيصال رسالة لأنقرة، مفادها أنها لن تسمح لها بالسيطرة على كامل التراب السوري أو أن يكون لها نفوذ في كامل سوريا.
ولفت المحلل السياسي إلى أن تركيا مصرة على خطواتها في سوريا، وبالتالي لن تفلح استراتيجية إسرائيل أمامها، مشيرًا إلى أن أنقرة تنظر إلى انتشارها في سوريا كجزء من أمنها القومي، وتصر أيضًا على فكرة استقرار سوريا موحدة تحت حكم مركزي، وهو مطلب استراتيجي مهم لتركيا نظرًا لأن أي تقسيم في سوريا سينعكس بالتأكيد على تركيا.
عطاونة قال أيضًا، إن الموقف الإقليمي والدولي يمكن أن يساند تركيا في فرض استقرار بسوريا، ولذلك قد تكون إسرائيل تلعب في الوقت الضائع أو في الوقت الأخير، ولن تتمكن من فرض إرادتها في سوريا.
صراع الحدود
أفضت العمليات العسكرية لـ”غرفة عمليات ردع العدوان” إلى إسقاط النظام السوري نهاية عام 2024، لكن نتائجها لم تقتصر على ذلك، إنما أدت إلى إنهاء نفوذ إيران في سوريا، وفتح الساحة السورية على عهد جديد وتحالفات جديدة.
ومنذ سقوط النظام عادت، سفارات عديدة لفتح أبوابها في دمشق، بعد نحو 13 عامًا على غيابها، كان أبرزها وأولاها تركيا وقطر.
وبعد هزيمة المشروع الإيراني داخل سوريا وانفتاح البلاد على عهد جديد، ظهر دعم واضح جدًا من المحور التركي الخليجي للحكومة المؤقتة، وكان هذا الدعم مترافقًا بشيء من النفوذ التركي في الشمال السوري، بناء على مخاوف تركية من قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية، وفق ما يراه الباحث السياسي جمال الشوفي.
الباحث ربط رغبة تركيا بمد نفوذها داخل سوريا بقلق الحدود، إذ اعتبر أن الشمال السوري يهدد تركيا بقيام دولة كردية، قد تمتد لداخل أراضيها في حال لم تتحرك ضدها، لافتًا إلى أن إسرائيل أيضًا تتحرك بناء على القلق نفسه.
وقال الشوفي لعنب بلدي، إن هناك استقطابًا بين الشمال والجنوب تقوده تركيا وإسرائيل.
ولفت إلى أن القلق التركي واضح المعالم حتى اليوم، خصوصًا أن الوضع الأمني في سوريا لم يستقر بعد، لكن في الجنوب تسعى إسرائيل للاستثمار في ضعف الدولة السورية الناشئة بالوقت الحالي، وأعلنت بناء على رغبتها هذه عن فض اتفاقية “فض الاشتباك” الموقعة عام 1974، وتوغلت داخل بعض قرى القنيطرة، في محاولة منها لترسيم الحدود مرة أخرى بمعاهدة دولية جديدة.
واعتبر الشوفي أن إسرائيل تسعى للاستثمار بموضوع الأقليات الدينية، لافتًا إلى أن هذا هو الاستثمار السيئ الذي يقوض محاولة الاستقرار.
الباحث أضاف لعنب بلدي أنه بالمقابل، هناك موضوعات أخرى تتعلق بتركيا وترسيم حدودها، لكن النقطة المهمة هي ضرورة تمسك سوريا بالعمق العربي الذي يعتبر الأوضح والأفضل للبقاء بعيدًا عن خطر الاستثمار الإسرائيلي بالداخل السوري، خصوصًا أن إسرائيل لا تريد سوى ترسيم حدودها بمعاهدة دولية جديدة، مستبعدًا أن تكون إسرائيل تبحث عن توغل بري، بل تحاول الهيمنة التقنية والمادية على دول الجوار.
مخاوف تركيا في الشمال السوري أساسًا هي من قيام دولة كردية على حدودها، وهذا جزء من الاستقطاب بين الشمال والجنوب، بينما تبحث إسرائيل جنوبًا عن الاستثمار في ضعف الدولة السورية الناشئة بالوقت الحالي، وأعلنت بسبب ذلك عن فض اتفاقية 1974 في بعض قرى القنيطرة، بهدف محاولة ترسيم الحدود مرة أخرى بمعاهدة دولية جديدة.
رسائل أخرى.. إبقاء سوريا ضعيفة
لم تكن تركيا حجة إسرائيل الأولى في سوريا، إذ توغلت في الجنوب السوري بحثًا عن معدات عسكرية، وأعلنت مصادرة عدد منها، ثم ضربت مواقع عسكرية قالت إنها تحوي مخازن أسلحة للنظام السابق، إلى جانب غارات أخرى قالت إنها ضربت مجموعات مرتبطة بجماعات فلسطينية.
الاستناد إلى الوجود التركي في سوريا جاء مؤخرًا بعد حديث تركي عن توقيع اتفاقيات عسكرية مع سوريا، رغم أن تركيا قالت إنها لا تبحث عن صدام مع إسرائيل في سوريا.
مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أحمد عطاونة، يرى أن إسرائيل تمارس ذات السياسة التي اتبعتها منذ زمن بعيد تجاه كل الدول التي يمكن أن تؤثر جديًا في المنطقة، ويمكن أن يكون أثرها مخلًا بتوازن القوى.
وقال عطاونة لعنب بلدي، إن إسرائيل تعلم القيمة الجيواستراتيجية لسوريا، وتعلم تاريخها وموقفها من القضية الفلسطينية ومن الصراع العربي- الإسرائيلي، وبالتالي تستمر في إحداث الفوضى والضغط العسكري والأمني على سوريا بوصفها دولة محورية ومركزية في المنطقة.
وأضاف أنه بعد التغيير الكبير الذي حدث في سوريا وسقوط النظام، باتت إسرائيل تنظر بعين الشك للحكم الجديد في سوريا بوصفه حكمًا اسلاميًا لديه مواقف أيديولوجية ومبدئية تجاه إسرائيل، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وبناء عليه، هي ليست مطمئنة ولا ترغب بأن تستقر سوريا موحدة تحت هذا النظام.
وتعتقد إسرائيل اليوم أنها في مرحلة تعيد فيها بناء التوازن العسكري أو الردع الإسرائيلي على مستوى المنطقة، في لبنان وفي سوريا وفلسطين والعراق وكل دول المنطقة، وفق عطاونة، وبالتالي تعتقد أن ممارساتها تعزز من سياسة الردع في المنطقة.
وأشار المحلل السياسي إلى مخاوف إسرائيل من النفوذ التركي المتزايد في سوريا، لافتًا إلى أن إسرائيل تنظر إليه على أنه “نفوذ سني” يمهد لإعادة بناء قوة سنية كبيرة في المنطقة، وهو ما يشكل خطرًا على وجودها.
إسرائيل متخوفة بشكل كبير جدًا من النفوذ التركي، وما تعتقد بأنه نفوذ سني في سوريا، وبالتالي إعادة بناء قوة سنية كبيرة في المنطقة بالنسبة لها تشكل خطرًا على وجودها.
وقال عطاونة لعنب بلدي، إن إسرائيل تهدف من تصعيدها العسكري الخشن في سوريا إلى الضغط باتجاه عدم السماح بوجود سوريا موحدة، على أمل أن تسهم في التقسيم استنادًا إلى الأقليات والإثنيات والقوميات المختلفة، وتفصح عن ذلك بصراحة من خلال حديثها عن الدروز السوريين والكرد والعلويين.
رسائل أخرى وراء التصعيد
الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان، يرى أن التصعيد الإسرائيلي على سوريا، ليس لاستهداف مواقع أمنية تابعة للنظام المخلوع كما تدّعي، بل لإيصال رسائل غير مباشرة، وتقويض القدرة العسكرية للدولة السورية، وخلق البيئة التي تؤمّن عدم الاستقرار، بالتزامن مع تحركاتها مع الأقليات ومحاولة استمالة الدروز في الجنوب لصفها.
وقال شعبان لعنب بلدي، إن زيادة التصعيد سببه كذلك تغيّر المنظومة التي كانت تتعامل مع إسرائيل، فخلال حكم الأسد، كان هناك تهديد أمني على تل أبيب متمثل بإيران، وكانت إسرائيل تتعامل مع هذا التهديد بطريقة أمنية، عبر قصف كل فترة يستهدف أي تحركات مشبوهة لإيران داخل سوريا.
وكانت إسرائيل قادرة على ضبط الأمور الأمنية في سوريا بوجود نظام الأسد سابقًا، وفق شعبان، سواء عن طريق توازنات واتفاقات غير معلنة مع الروس، أو عن طريق تسريب مخابرات الأسد معلومات لإسرائيل عن المواقع الإيرانية في سوريا، بينما أدى تغيّر الحكم في سوريا إلى خلق حكومة جديدة مستقلة تحاول أن تبني سيادتها، وفق شعبان.
ولفت الباحث إلى أن أدوات إسرائيل السابقة اختلفت، إضافة إلى أن الحلفاء الجدد للحكومة السورية، ومنهم تركيا التي يعتبر تهديدها على إسرائيل ليس أمنيًا وإنما بنيوي واستراتيجي، باتت تشكل خطرً كبيرًا على الاستراتيجية التي تتبعها ما بعد 7 من تشرين الأول 2023، وهذه كلها أمور تفسر سبب التصعيد الإسرائيلي على سوريا، وفق نوار شعبان.
أدوات إسرائيل السابقة اختلفت، كما أن الحلفاء الجدد للحكومة السورية، ومنهم تركيا التي يعتبر تهديدها على إسرائيل ليس أمنيًا وإنما بنيوي واستراتيجي، باتت تشكل خطرً كبيرًا على الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل ما بعد طوفان الأقصى، وهذه أمور كلها تفسر سبب التصعيد الإسرائيلي على سوريا.
دخو ل قوات إسرائيلية إلى المنطقة العازلة على الحدود السورية مع الجولان المحتل- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)دخو ل قوات إسرائيلية إلى المنطقة العازلة على الحدود السورية مع الجولان المحتل- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)
موافقة ودعم أمريكي
في 28 من شباط الماضي، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة أن إسرائيل تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولا مركزية”، مع السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية على الساحل السوري لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا.
وبينما لم تبدِ أمريكا أي رد فعل تجاه سلوك إسرائيل في سوريا، توقع مسؤولون أمريكيون أن تنشأ علاقات بين إسرائيل ودمشق، دون الإشارة إلى كيفية تحقيق ذلك.
ويعتقد الباحث المتخصص في الشأن السياسي نادر الخليل، أن إسرائيل تستند خلال تحركاتها في سوريا إلى دعم أمريكي على الصعيدين السياسي والعسكري، ما يمنحها حرية أكبر في التحرك داخل سوريا.
وقال الباحث لعنب بلدي، إن ضعف الدولة السورية أحد ارتكازات إسرائيل في سلوكها داخل الأراضي السورية، إذ تستغل حالة الضعف التي تعاني منها سوريا منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ما يتيح لها تنفيذ ضربات جوية واستهداف مواقع تعتبرها تهديدًا لها، لتمنع وجود أو إنشاء أي قواعد ومعدات عسكرية تشكل تهديدًا مستقبليًا لهيمنتها.
وتحاول إسرائيل أيضًا تقديم نفسها كحامية لبعض الأقليات الدينية في سوريا مثل الدروز، وتعبر عن ذلك علنًا على أنه مبرر يمنحها الحق للتدخل في بعض المناطق السورية.
من جانبه، اعتبر الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، أن إسرائيل تعتمد على موجِّهات داخلية بلورتها بعد عملية “طوفان الأقصى” في تشرين الأول 2023، وهي “ضرورة عدم وجود قوى مناوئة لها في محيطها الحيوي”.
طلاع قال لعنب بلدي، إن هذه الاستراتيجية تشمل لبنان وجنوبي سوريا، وعدم جعل أي قوى جديدة تمتلك حتى القدرة الفنية على تشكيل منظومة دفاع وليس فقط منظومة هجوم، وتحاول بذلك أن تجعل هذه المنظومة ضعيفة لا تمتلك أي مقومات للرد، لأن إسرائيل تنظر إلى ما تعرضت له عام 2023 على أنه خرق أمني استراتيجي لم تتعرض له منذ 2008، وبالتالي هي تحتاج إلى آلية ردع جديدة.
ولفت إلى أن جل موظفي الإدارة الأمريكية في إدارة ترامب يتفقون على ضرورة دعم إسرائيل، وأيضًا على عدم محاباة “الإسلام السياسي”، لذلك هي اليوم تحاول استغلال فرصة الوقت الضائع وتثبيت قواعد جديدة للتعاطي مع هذا المشهد.
خيارات سوريا محدودة
الخارجية السورية أصدرت عدة بيانات أدانت فيها الهجمات الإسرائيلية على سوريا.
وعقب القصف الإسرائيلي على مطار حماة ومواقع أخرى، قالت الخارجية السورية، إن هذا التصعيد غير المبرر هو محاولة متعمدة لزعزعة استقرار سوريا وإطالة معاناة شعبها، وتقويض جهود التعافي وتكريس سياسة الإفلات من العقاب.
في ظل تواصل التصعيد الإسرائيلي عقب سقوط النظام، قال الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستمسون” بواشنطن عامر السبايلة، إن الخيارات أمام الحكومة السورية ضيقة جدًا، فهذه الحكومة ما زالت في مرحلة إعادة التأهيل، وتواجه تحديات على مستوى اتخاذ القرارات داخليًا، أو على مستوى بناء العلاقات الخارجية والحصول على الاعتراف الدولي.
وأضاف السبايلة، “بالنسبة للوضع الحالي، أعتقد أنه ليس هناك قدرة لدمشق على المواجهة العسكرية مع تل أبيب، أي بمعنى حرب تقليدية، ولا حتى على المناورة الدبلوماسية على الصعيد الدولي”.
الخيارات أمام الحكومة السورية ضيقة جدًا، فهذه الحكومة ما زالت في مرحلة إعادة التأهيل، وتواجه تحديات على مستوى اتخاذ القرارات داخليًا، أو على مستوى بناء العلاقات الخارجية والحصول على الاعتراف الدولي.
أمام هذا الواقع، يرى السبايلة أنه ليس أمام الحكومة السورية سوى محاولة التفاهم مع الإدارة الأمريكية، وهو ما سيتم العمل عليه خلال زيارة أحمد الشرع إلى السعودية واحتمالات لقائه مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وبالتالي عندها يمكن البدء بالحديث عن إعادة تشكيل هذا المشهد.
كانت قناة “i24” الإسرائيلية قالت، إن الرئيس الأمريكي ترامب سيلتقي الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته المرتقبة للسعودية منتصف أيار المقبل.
وبحسب القناة، تم ترتيب اللقاء المرتقب بوساطة شخصية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
الصحفي ماجد عبد النور، تحدث كذلك عن أن الحكومة السورية ضعيفة وهشة، والخيارات جدًا ضيقة لديها للتعامل مع التصعيد الإسرائيلي، وليس أمامها إلا العمل الدبلوماسي، مشيرًا إلى أن على تركيا أن تدرك أن الحكومة الوليدة في دمشق ليست لديها من الرفاهية السياسية والدبلوماسية ما يجعلها تدفع ثمن السلوكيات التركية التي تزعج إسرائيل.
وأضاف عبد النور أن أمريكا ما زالت مترددة بالاعتراف بالحكومة السورية، والاتحاد الأوروبي لا يؤثر على إسرائيل رغم انفتاحه على دمشق، وبالتالي العرب هم الوحيدون القادرون على التأثير على إسرائيل، لكن ليس هناك حتى الآن أي موقف ملموس، وتكتفي تلك الدول بالإدانات.
بدوره، قال نوار شعبان، إن على الحكومة السورية اللجوء إلى المجتمع الدولي بشكل متواصل دون ملل، وتوثيق الانتهاكات وإصدار البيانات بوقتها، إضافة إلى الاهتمام بالحاضنة الشعبية التي تتأثر بالتصعيد الإسرائيلي، عبر تقديم مساعدات مادية وتعويضات عن الأضرار إلى جانب التضامن المعنوي.
أما موضوع التصدي عسكريًا، فهذا غير متاح، فليس لدى الحكومة الحالية القدرة على فتح جبهة مع إسرائيل التي زادت شراسة بعد تشرين الأول 2023، حيث دمرت “حزب الله” اللبناني، وأنهت قيادات “حماس” و”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا ولبنان، وارتكبت مجازر في غزة، وفق شعبان.
وحدة عسكرية من الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من قمة جبل الشيخ جنوبي سوريا- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)
وحدة عسكرية من الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من قمة جبل الشيخ جنوبي سوريا- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)
سيناريوهات التصعيد
ثمة العديد من السيناريوهات المطروحة على الطاولة كنتيجة للتصعيد الحاصل على الساحة السورية، يعتقد مراقبون أنها حتمية ما لم يطرأ حدث يغير مسار الأحداث في الميدان، خصوصًا أن المناخ الدولي مُهيأ للتصعيد منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، ولبنان، ووصولها إلى حرب أمريكية على اليمن مؤخرًا.
وربط الباحث معن طلاع الأحداث الحاصلة بثلاثة سيناريوهات متوقعة، الأول مرتبط بتعثر حكومة دمشق، وبالتالي تحويل إسرائيل النقاط العسكرية الموجودة في الجنوب السوري إلى قواعد استراتيجية، خاصة بعدما شهدت هذه النقاط توغلات وتدمير بعض مخازن الأسلحة وحتى منظومات الدفاع فيها.
ويرتبط السيناريو الثاني بالصعيد الدبلوماسي، إذ قال طلاع لعنب بلدي، إن التحركات الإسرائيلية في سوريا قد تتوقف في حال توصلت الأطراف لاتفاق مع القوى الإقليمية لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، تضمن عدم ملء الفراغ الإيراني بأي قوة مناوئة لإسرائيل، وبالتالي محاولة إقامة ترتيبات وتفاهمات أمنية، يمكن أن تكون بدأت بالفعل، وهناك مؤشرات على ذلك، بهدف إفراز قواعد جديدة لمسار الأحداث، لكن ذلك سيحتاج إلى فترة زمنية طويلة.
ولفت طلاع إلى أن السيناريو الثالث هو أن تكون إسرائيل تستعد لـ”سيناريو الحرب الأهلية” في سوريا، وبالتالي انفلات القدرة على السيطرة على الحدود وغيرها من المخازن، مثل مخزون سلاح استراتيجي لا سيما السلاح الكيماوي أو بقاياه، وبالتالي ترى إسرائيل أنها يجب أن تكون متقدمة جدًا في المسألة السورية على المدى المنظور.
هل يستمر التصعيد؟
يعتبر المناخ الإقليمي الحالي ملائمًا للتصعيد بالنسبة لإسرائيل تجاه سوريا إلى أن يتحقق أمران، أولًا ضمان تحييد الجغرافيا التي تريدها، والثاني تحقيق توافقات سياسية، وفق ما يراه الباحث عامر السبايلة.
السبايلة قال لعنب بلدي، إنه طالما أن المنطقة تتحضر لتصعيد مع إيران، فهذا يعني أن هذه الجغرافيا بالنسبة لإسرائيل يجب عزلها تمامًا عن أي محاولة لاستهداف تل أبيب من خلالها، ما يعني أن سوريا ستبقى محطة للهجمات الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة.
من جهته، قال الباحث نوار شعبان، إن الاستهدافات الإسرائيلية لم تعد في سياق الضربات لأغراض أمنية، وإنما هي بسياق ضربات لتوجيه رسائل غير مباشرة، لتقويض أي تحرك عسكري يمكن أن يزعج إسرائيل.
ولفت شعبان إلى أن المشكلة هي في إسرائيل حاليًا، فهي تستهدف أي تحرك تعتقد أنه يهدد مصالحها، لكبح هذا التهديد الأمني أو إيصال رسالة من خلال هذا الاستهداف، وبالتالي لا يمكن التكهن بجدول زمني لتوقف تلك الضربات.
الباحث نادر الخليل قال من جانبه، إن التنافس التركي- الإسرائيلي في سوريا يعكس تضارب المصالح الاستراتيجية بين الطرفين، فبينما تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، تعمل إسرائيل على حماية أمنها القومي وضمان حرية عملياتها العسكرية.
واعتبر أن التصعيد المباشر بين الطرفين قد يكون مكلفًا، لذا من المرجح أن يستمر التنافس في إطار غير مباشر، مع تدخلات محدودة من كلا الجانبين.
لا بد من العمل والتركيز على أهمية الحوار والتفاهم لتجنب المزيد من الصراعات التي يدفع ثمنها الشعب السوري، والحل الوحيد لتجنب تصعيد خطير يكمن في تعزيز الجهود الدولية لإيجاد تسوية سياسية شاملة في سوريا، وضبط التدخلات الخارجية بما يضمن احترام السيادة السورية.
نادر الخليل
باحث متخصص في الشأن السياسي
عنب بلدي
—————————-
======================