أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

عالم في مهبّ الريح!/ حسان الأسود

2025.04.11

أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق، لم تأت من جائحة صحية مثل كورونا، ولا من انهيار مصارف عالمية كما حصل عام 2008 في أزمة الرهن العقاري، بل جرّاء فقد الثقة المتبادلة في العلاقات الدولية، ليس بين الأعداء كما هو المنطق، بل بين الأصدقاء والحلفاء، حتى يخال الناظر أنّ مصفوفة هؤلاء باتت بانزياح كبير لدرجةٍ أرعبت فيها البعض وأربكت البعض الآخر.

من كان يتصوّر أن تتغيّر أولويات الولايات المتحدة الأميركية تجاه أوكرانيا وروسيا بهذه الدرجة الحادّة، ومن كان يتوقّع هذه السياسة الحمائيّة الأميركية التي بدأها الرئيس ترمب وفرض بموجبات ضرائب متنوّعة وقاسية على الحلفاء قبل المنافسين والأعداء؟ وعندما نتحدّث عن هذا السبب الأميركي فإننا لا نقلل من قيمة الأسباب الأخرى العالمية، فكل منطقة في العام لديها اعتباراتها التي تؤثر في مسارها الخاص من جهة وفي المسار العالمي من جهة ثانية.

لا يمكن إغفال التحديات التي تواجهها منطقة آسيا بتضارب مصالح عملاقين بشريين هما الصين والهند، ولا يمكن القفز على التناقضات البينيّة في دول الاتحاد الأوروبي، ولا عن توترات منطقة الشرق الأوسط المستدامة. الأمر الحاسم في كل هذه القضايا أنّه ما لأي منها التأثير ذاته الذي يحدثه العامل الأميركي، ويعود السبب بحسب وجهة نظر كاتب هذه السطور لارتباط اقتصادات العالم بشكل كبير بالدولار وبحكم اتساع تأثير التكنولوجيا الأميركية والثقل السياسي والعسكري للولايات المتحدة عالميًا.

قد يعيد التاريخ نفسه مجددًا بالتحضّر لحرب عالمية من نوع جديد، من المحتمل ألا تكون عسكرية هذه المرّة، لكنّها قد تكون أشدّ تدميرًا لما لها من تداعيات ستصيب كل دول العالم. نظامٌ دولي جديد يتخلّق من رحم الواقع الهمجي الذي تطبق عليه رؤوس الأموال المرعبة المتركّزة بيد فئة قليلة من البشر على حساب الغالبيّة الساحقة منهم. تراجع القيم الديمقراطية والليبرالية المستمر حتى في الدول التي نشأت فيها وتطوّرت، ازدياد التوحش الرأسمالي الساعي إلى مراكمة الربح بغض النظر عن النتائج التدميرية لبنية المجتمعات الرأسمالية ذاتها، الموجة الشعبوية المتعاظمة والانزياح نحو اليمين المتطرّف والتي أخذت تضرب العالم في أربع جهاته، النزوع المتصاعد لسياسة إضعاف المؤسسات الراعية للقانون الدولي، وبالنتيجة هدمها أو إعاقتها عن الدور البسيط الذي كانت تقوم به في حفظ بعض القواعد والأعراف في التعاملات الدولية، هذه المؤسسات التي نشأت إثر صراعات كبرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية بدأت تضمحلّ فعلًا وبدأت تفقد أي دور أو مكانة لها في عالم ينحو باضطراد تجاه العنف، تفاخرٌ بالدّوس على القيم الإنسانية التي تتعاطف مع ضحايا المجازر والجرائم الخطيرة وجرائم الحرب والإبادة في شتى أصقاع الأرض. هذا غيضٌ من فيض المؤشرات التي تدلّ على حجم التغييرات الكبيرة في عالما اليوم.

على صعيد الشرق الأوسط، ثمّة شعورٌ فائضٌ وكبيرٌ جدًا بالقوّة لدى نتنياهو، يزيد كثيرًا على مشكلاته الداخلية وتوازنات القوى السياسية ضمن حكومته وبينها وبين المجتمع الإسرائيلي. قد يترجم هذا الشعور عمليًا بحماقات كبيرة بعد زيارته إلى البيت الأبيض، وقد يؤدي بالنتيجة إلى خلق تصورات عجيبة عن إمكانية إعادة رسم خرائط الإقليم وفق مشيئته. يتوقّف هذا بالطبع على قدرته إقناع ترمب بتوافق مصالحهما أو تقريب وجهات نظرهما أكثر مما هي عليه الآن. لا يبدو ما رشح من خلال تصريحات الرئيس ترمب بهذا الشأن حتى الآن مطمئنًا لنا نحن السوريين، فرغم أنها تشير إلى رغبة ترمب بعدم دعم التصعيد الإسرائيلي تجاه تركيا، والذي يُفهم منه دعمه مبدأ التفاهم بين نتنياهو والرئيس أردوغان لا دعم الأول ضد الثاني وتبني وجهة نظره بالكامل، إلا أنّ التصريحات ذاتها تشير إلى فهم سطحي لتعقيدات الوضع عمومًا، وتدلّ على استخفاف كامل بإرادة السوريين، بل وحتى التصرّف بهم ووبلادهم كأنّهم بضاعة يتقاسمها من يستحوذ عليها أولًا أو بالقوّة العارية أو الحيلة أيهما أيسر. بكل الأحوال هذا ليس مستغربًا بحسب فهمنا طريقة تفكير ترمب الذي يحاول الاستيلاء على غرينلاند وبنما وغزّة وغيرها من دول ومناطق، فكيف سيُنتظر منه رؤية مصالح السوريين في خضمّ هذا الصراع الشديد بين المحاور الإقليمية والدولية ووسط هذا الفراغ الكبير في الساحة!

نعايش مشهدًا دراماتيكيًا متدحرجًا بتسارع ملحوظ، التغوّل الإسرائيلي منقطع النظير، ومنها المحاولة الحثيثة لوضع قواعد جديدة للتعامل الإقليمي التي لا تقتصر على سوريا فحسب، بل هي جزء من لوحة التصعيد مع إيران الذي بدأ بتسخينٍ عسكريٍ في اليمن ودبلوماسي في لبنان، وقد تتطوّر الأمور إلى أبعد من هاتين الساحتين لتصل إلى داخل إيران ذاتها. المشاغلة واضحة لتركيا في سوريا، القصف الهستيري والاقتحامات البرية وبناء قواعد عسكرية وتدمير أخرى، كلها محاولات حثيثة لرسم سيناريوهات جديدة وطرحها على طاولة التشريح. ما الذي سيشكّل الواقع الجديد غير مباضع السياسيين والحكّام ومدافع العسكر، أليس هذا ما اعتادت عليه الشعوب والحضارات منذ وعى الإنسان ذاته؟

ثمّة من يرى أنّها المرّة الثانية التي تتاح لنا فيها فرصة بناء سوريتنا خلال قرن ميلادي، وأنها تأتي دائمًا في ظرف غاية في السوء. أتاحت لنا الأقدار بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بناء دولة قويّة تضمّ الجغرافيا الطبيعية لبلاد الشام، لكنّ ظروف الحرب العالمية الأولى وتشكلات العالم الجديد آنذاك منعت استكمال الولادة. واليوم أيضًا نعيش على حافة صدع تشكّل نظاماً دولياً مختلفاً عما سبقه كليًا، تغيب فيه كل القواعد السابقة شيئًا فشيئًا وتولد قواعد غير مألوفة بعد. خسرنا آنذاك أراضيَ تزيد على جغرافية سوريا الحالية بكثير، ونحن مهددون اليوم بخسارة ما بقي لدينا من جغرافيا وهُويّة وطنيةٍ إذا ما عثرنا مجددًا وشاءت لنا الأقدار المضيّ في طريق الخراب.

ستحدد طريقة تعاملنا مع واقعنا السوري الراهن مدى تأثير هذا العالم المضطرب علينا، وسيكون العامل الحاسم في قيامتنا مجددًا أو في اندثارنا هو نحن، إرادتنا وتضامننا واتفاقنا على تعريف المواطن والوطن والوطنية والدولة والسياسية والشأن العام، تواضعنا للعمل وفق أسس ديمقراطية تشاركية تبادلية سلمية تحترم كرامة كلٍ منّا بالقدر نفسه الذي يرتضيه كل واحد لنفسه وعليها. نحن الآن بمجموعنا أمام الواقع وفي مواجهة التاريخ، سلطة جديدة وقوى سياسية ومدنية ومجتمعيّة. فإمّا أن ننجو جميعًا معًا، وإما أن نبقى في مهبّ الريح تتقاذفنا الأطماع والأهواء إلى أجلٍ لا يعلمه إلّا الله، فهل نغتم رياحنا التي هبّت أم نصبح نحن الغنيمة؟

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى