التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 12 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

——————————

سورية وحرب النفوذ بين إسرائيل وتركيا/ بشير البكر

12 ابريل 2025

تشن إسرائيل حرباً مفتوحة على سورية، منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. تقوم بتدمير القدرات العسكرية السورية، التي ورثها النظام الجديد عن القديم، وهي تشمل الطائرات والزوارق الحربية والمدرعات والمدفعية والصواريخ، وكذلك المرافق كالمطارات العسكرية والأنفاق الخاصة بالصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى، وذلك فيما تصاعد مستوى حرب النفوذ بين إسرائيل وتركيا بالطرق المباشرة وغير المباشرة.

يشار إلى أن القسم الأكبر من السلاح والمعدات التي كانت بحوزة جيش النظام السابق، لم يعد صالحا للاستخدام، لكن البنى التحتية من مطارات عسكرية وأنفاق، ومصانع أسلحة، وموانئ، ومراكز بحوث، لا تزال في حالة جيدة، وقد كلفت سورية مبالغ مالية طائلة من أجل بنائها وتجهيزها. كان يصعب على إسرائيل إنجاز هذه المهمة بسهولة من دون توافر عدة معطيات، الأول خرائط تفصيلية عن تمركز الأسلحة والبنى الحاضنة لها، وإحصائيات عن الأعداد والنوعيات، والثاني معلومات مؤكدة من مصادر استخبارية على الأرض وعن طريق الجو، والثالث عدم وجود مقاومة.

حتى الآن، تقدم اسرائيل أربعة مبررات لهذه الاعتداءات، الأول هو الخلفية الجهادية للفصائل، التي استلمت السلطة في دمشق بعد سقوط النظام السابق، والتي عززت وضعها في الحكومة، التي تشكلت في نهاية الشهر الماضي، من خلال الاستحواذ على الحقائب السيادية، الدفاع، الخارجية، الداخلية، والعدل، والأمر ذاته بالنسبة لمناصب محافظي المدن. وتعد إسرائيل هذه الفصائل “إرهابية”، ولا مجال للتفاهم، أو التوصل إلى اتفاقات دائمة معها، وتتصرف على أساس أن الحل الوحيد هو استمرار الحرب عليها، ومنعها من تشكيل تهديد مستقبلي على إسرائيل. وهذا يعني استخدام الوسائل كافة التي تحول دون بناء جيش سوري جديد يخلف الجيش السابق، الذي تم حله بعد سقوط النظام.

المبرر الثاني، تعبر عنه التصريحات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية، عن نية توقيع تحالف عسكري بين دمشق وأنقرة. وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر اتهم، أخيراً، أنقرة بالرغبة في إقرار “الحماية التركية” في سورية. وحسب تصريح الخبيرة في سياسة الشرق الأوسط في جامعة بارإيلان نوا لازمي، لوكالة رويترز أخيراً فإن إسرائيل قلقة بشأن قيام تركيا بتركيب أنظمة روسية مضادة للطائرات، ونشر مسيّرات في قاعدة “تي فور” الجوية. وقالت: “ستسمح القاعدة لتركيا بإرساء التفوق الجوي في هذه المنطقة، وهو مصدر قلق خطير لإسرائيل، لأنه يقوض حريتها العملياتية في المنطقة”. وحسب المعلومات المتداولة، يتضمن التحالف التركي السوري تنظيم وتدريب الجيش السوري الجديد وتزويده بسلاح تركي حديث، وبناء قواعد عسكرية تركية في مناطق وسط سورية، ومن ذلك بادية تدمر، وإعادة تأهيل المطارات العسكرية الموجودة، ونشر طائرات تركية عسكرية بدون طيار. ولذلك تركز القصف الإسرائيلي الأخير على مطار “تي فور” في بادية حمص، وعدة مطارات عسكرية في محافظة حماة.

ونشرت صحيفة زمان التركية، الأسبوع الماضي، معلومات تفيد بأن تركيا قامت بتفقد ثلاث قواعد جوية في سورية، على الأقل، قد تتمركز قواتها بها في جزء من اتفاقية الدفاع المشترك المخطط توقيعها، وذلك قبل الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل. وأوضحت، بحسب مسؤول استخباراتي في المنطقة، ومصدرين عسكريين سوريين ومصدر سوري آخر مطلع على الأمر، أن فرقاً عسكرية تركية زارت قاعدة “تي فور” وقاعدة جوية أخرى في محافظة حمص السورية، ومطار حماة خلال الأسابيع الأخيرة.

المبرر الثالث، طموح إسرائيل لتصبح القوة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي تتحكم بمصيره، وتفرض عليه الاتفاقات الأمنية والعسكرية والسياسية، التي تناسب مصالحها. وبالنسبة لسورية، فإن فرض اتفاق إذعان، هو أحد الاحتمالات المطروحة، والذي لا يأتي على وضع الجولان السوري المحتل، بل وضعه خارج أي تفاوض. وتعتبر إسرائيل أن التحولات الجديدة في لبنان وسورية في الأشهر الأخيرة، يعود سببها إلى الحرب التي شنتها ضد “حزب الله” وإيران في لبنان وسورية، ولو لم تدمر قدراتهما العسكرية، لما سقط نظام الأسد، وتم انتخاب رئيس جمهورية، وتعيين رئيس حكومة للبنان. وبالتالي هي شريكة في هذا الإنجاز سلماً أم حرباً. والمبرر الرابع تحويل سورية إلى دولة فاشلة، وزعزعة استقرارها، وتشجيع إنشاء كيانات انفصالية في الشرق والجنوب والساحل، وقد لوحت بهذه الورقة منذ سقوط النظام، من أجل ابتزاز السلطة الجديدة، والحصول على مكاسب عبر تنازلات تشمل الانضمام إلى اتفاقات التطبيع العربي مع إسرائيل، وإقامة علاقات معها.

ترامب وتقسيم سورية

كانت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الاثنين الماضي محطة مهمة على مسار التصعيد بين إسرائيل وتركيا. حيث تبين من التصريحات التي صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن ما يجري الحديث عنه في وسائل الإعلام حول تقسيم سورية إلى منطقتي نفوذ بين إسرائيل وتركيا، وارد جداً. ويشي الموقف الأميركي بأن واشنطن تقف في الوسط بين إسرائيل وتركيا وفي وسعها أن تتدخل لتنظيم العلاقة. ودعا ترامب إسرائيل إلى التصرف بعقلانية لحل أي مشكلة مع تركيا في سورية، وذلك في الوقت الذي لم ينقطع فيه التواصل بين إسرائيل وتركيا بالطرق المباشرة وغير المباشرة. وتحدثت مصادر متعددة عن أن زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى واشنطن قبيل زيارة نتنياهو، كانت بهدف الطلب من الإدارة الأميركية التدخل لنزع فتيل التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد سورية. كما أن تزامن وجود فيدان في باريس مع زيارة نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، في السادس من الشهر الحالي، يرفع أسهم دخول باريس على خط الوساطة بين الطرفين.

عرض وجهتي نظر إسرائيل وتركيا

وتم في هذه اللقاءات عرض وجهتي نظر إسرائيل وتركيا حيال العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سورية. وحسب معلومات إعلامية، فإن فيدان طلب من واشنطن أن تضغط على إسرائيل كي توقف عمليات القصف على سورية، خاصة وأن تركيا ليست في وارد تهديد أمن إسرائيل من سورية، وكان الرد الإسرائيلي بأن تل أبيب تمتلك الحق في ضرب ما تراه يهدد أمنها في جنوب دمشق على نحو خاص، أو أي منطقة أخرى من سورية. وفي المحصلة سعى ترامب إلى تبريد الأجواء بين إسرائيل وتركيا قائلاً: نحن قادرون على حل أي مشكلة بين إسرائيل وتركيا بشأن سورية. لكن صورة الموقف لم تتضح بصورة نهائية، بانتظار ما سوف تتمخض عنه زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لكل من تركيا والإمارات.

إلى ذلك، لا تبدو ذرائع إسرائيل من وراء شن الحرب على الدولة السورية مقنعة، بقدر وضوح الأهداف المرسومة. فالذريعتان الأولى والثانية واهيتان، لأن التهديد الذي تشكله الفصائل افتراضي، في ظل موازين قوى مختلة، ووضع اقتصادي سوري تحت الصفر، في بلد يرزح تحت العقوبات الدولية. أما الاتفاقات العسكرية مع تركيا، فإن كانت مطروحة من جانب أنقرة، فإنه ليس هناك حماس فعلي لها من قبل السلطات السورية الجديدة، وحتى في حال قيامها، فإن أنقرة ليست في وارد الصدام مع إسرائيل، ولا يحق لها نقل صواريخ “إس 400” روسية الصنع إلى الأراضي السورية، وذلك أمر منصوص عليه بالاتفاق بين أنقرة وموسكو، التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل، وقواعد اشتباك في سورية، لا تزال سارية المفعول، رغم سقوط نظام الأسد.

تدرك تركيا حدود التصعيد مع إسرائيل، سواء على الأراضي السورية، أو خارجها. وهناك انضباط تركي صارم بعدم حصول احتكاك مع تل أبيب، وهذا الأمر واضح منذ بداية الثورة السورية، وانخراط تركيا في مساندة الفصائل العسكرية التي قاتلت نظام الأسد، والأمر ذاته بالنسبة لإسرائيل، التي لم تتعرض للوجود العسكري التركي على الأراضي السورية. ما تطمح له تركيا هو الاحتفاظ بعلاقات مع الدولة السورية تحقق عدة أهداف، في تعزيز العلاقات التقليدية، بين دولتين جارتين، تربطهما خصوصيات تاريخية وتعايش سكاني ووجود قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري بتركيا، وتبادل اقتصادي مهم يعود إلى زمن بعيد. كما تعمل أنقرة على إنهاء كل أشكال التهديد الحدودي، من خلال مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الموجودين في سورية. ومن هنا ليس هناك تقاطعات مباشرة مع إسرائيل تستدعي الحرب، بل إن كل الفرص قائمة على التفاهم حول قواعد لترسيم حدود النفوذ بينهما، بما في ذلك الأجواء.

لا تبدو السلطة السورية الجديدة في وارد بناء علاقات مع أنقرة تتجاوز الأهداف التركية المعلنة، في حسن الجوار والاقتصاد وأمن الحدود، وهي تدرك أن أي اتفاق عسكري ذي طبيعة استراتيجية مع أنقرة يعرضها لتهديدات إسرائيلية، وعدم رضى أميركي وأوروبي، مما يديم العقوبات الدولية. ولذلك كانت الزيارة الأولى للشرع إلى السعودية وليس إلى تركيا، وقد قصد من وراء ذلك توجيه رسالة سياسية ترافقت مع تسريبات من دمشق بأن الإدارة الجديدة غير متحمسة لتوقيع اتفاق عسكري لإنشاء قواعد تركية داخل سورية. وقال مصدر عسكري سوري، إن فيدان ومسؤولين أتراكا آخرين، أبلغوا الشرع في وقت سابق أن أنقرة عدلت بعناية خطواتها نحو اتفاق دفاع مشترك، لتجنب رد فعل من واشنطن، الأمر الذي ستتضح معالمه خلال الأيام القادمة، وسيكون أبرز مؤشراته توقف عمليات القصف الإسرائيلي لسورية.

العربي الجديد

———————————-

أمريكا والتوتر التركي ـ الإسرائيلي: قواعد اللعب في سوريا الجديدة/ صبحي حديدي

10 – أبريل – 2025

أياً كانت تأويلات قرار الخارجية الأمريكية تخفيض تصنيف العاملين في البعثة السورية إلى الأمم المتحدة، تقتضي الحدود الدنيا من المنطق السليم، القانوني والدبلوماسي والسياسي، الإقرار بأنها مظهر ملموس آخر لحال من النواس والتأرجح والتلوّن، غير البعيد أيضاً عن بعض التخبط، في الموقف الرسمي للبيت الأبيض إزاء سوريا الجديدة ما بعد انهيار نظام «الحركة التصحيحية»؛ بصفة إجمالية بادئ ذي بدء، وليس إزاء الإدارة الانتقالية والرئيس الانتقالي تحديداً أو حتى حصرياً.

وتلك حال كانت قد سادت خلال الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، حتى إذا كان الزمن القصير للغاية بين 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 وموعد تنصيب الرئيس الجديد دونالد ترامب لم يُسعف رجالات البيت الأبيض والمستشارين والخبراء؛ مثلما لم يكن معيناً، أو بالأحرى كان معيقاً، ذلك المعطى الذي سجّل هيمنة «هيئة تحرير الشام» على مشهد انطواء صفحة آل الأسد. وهذا في سياقات انتصار سريع ومباغت وخارج عن كثير من الحسابات الباردة التي اعتادت أجهزة الرئاسة الأمريكية على تسخيرها وتوظيفها قبيل اتخاذ خطّ معتمد، في الحدود الدنيا المطلوبة أو المرحلية أو العاجلة، هنا أيضاً.

وإذا صحّ أنّ ترامب قد عوّد الناس على كلام يبدو أقرب إلى الجزاف، في قضايا بالغة الحساسية (على شاكلة مشروع «ريفييرا غزّة» التائه اليوم بين النكتة السمجة والتطهير العرقي وجريمة الحرب المعلنة)؛ فإنّ أقواله حول سوريا من زاوية التوتر التركي ــ الإسرائيلي المحتمل، تقتضي بدورها جرعة إقرار غير ضئيلة بأنّ الجزاف ليس السيّد السائد هنا. خاصة وأنّ رئيس القوّة الكونية الأعظم كان يتحدث في المكتب البيضاوي، وعلى يساره جلس رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المستدعى إلى واشنطن على عجل، وعلى غير العادة.

وللمرء أن يبدأ من تفصيل صغير هو أنّ الصحافية الإسرائيلية ليزا روسوفسكي، من «هآرتز»، كانت هي المبادرة إلى طرح السؤال عن «مزاعم» تركيا بصدد إشاعة الاستقرار في سوريا، وما إذا كان ترامب يعتقد أنّ «تأثير تركيا في سوريا يمكن بالفعل أن يجعل البلد أفضل، أكثر ميلاً إلى السلام أم العكس؟». وهذا تفصيل ليس منعدم المغزى، لأنه أوّلاً يعكس الهواجس الإسرائيلية الجدّية إزاء احتمالات تمكين تركيا في سوريا، عسكرياً أوّلاً؛ كما يكتسب فحوى خاصة حين يصدر عن ممثلة لصحيفة ليست متعاطفة عموماً مع حكومة نتنياهو وسياساته، وسط رهط صحافي ضيّق العدد ومنتقى بعناية.

هل تطلّب السؤال كلّ ذلك الإسهاب في إجابات ترامب، سواء لجهة: 1) الإعراب عن الودّ الشخصي الذي يجمعه مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان؛ و2) إغداق صفات حميدة على الأخير، الذي «فعل شيئاً لم يكن أحد قادراً عليه»؛ و3) تهنئة الرئيس التركي على «تولّي» سوريا، بما «لم يستطع أحد القيام به على مدى 2000 سنة»؛ و4) عرض الوساطة الأمريكية، فهذه «لن تكون مشكلة»، ما دام «بيبي» سيلتزم حدود المعقول…؟

ليس تماماً، إلا في سياق أوّل يفيد بأنّ ترامب تعمد استثمار الجلسة، أو بالأحرى اختتام سلسلة من المقايضات الأمريكية ــ الإسرائيلية حول إيران وقطاع غزّة والرسوم الجمركية، بهذه النقلة المفاجئة نحو سوريا (وليس العلاقات التركية ــ الإسرائيلية فقط). وهذه بدت متضافرة مع مفاجأة أخرى عنوانها اعتزام البيت الأبيض إجراء مباحثات مباشرة مع طهران، على نقيض مطامح نتنياهو إلى ضربات أمريكية ــ إسرائيلية مشتركة تستهدف المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية.

وسؤال الصحافية الإسرائيلية لم يتطلب ذلك الإسهاب إلا في سياقٍ ثان يُرجّح أنّ ترامب تلقى مقداراً تمهيدياً من الإحاطات الجيو ــ سياسية والأمنية، حول وجوب استخلاص مقاربة للشأن السوري لا تراجع عطالة الموقف خلال ولاية ترامب الأولى وخَلَفه بايدن والولاية الثانية الراهنة، فحسب؛ بل ترتدّ، أيضاً، إلى ما تبقى من عثرات «عقيدة أوباما» حول الشطر السوري من مشهدية الربيع العربي عموماً. وغير مستبعَد أن تفضي بعض مداخل تلك المقاربة إلى البوابات التركية، حيث لا يغفل النابهون في البيت الأبيض عن حقائق نجاح أنقرة في إقامة توازنات ناجحة، ورابحة، في الملفّ السوري طوال عقد من الزمان على الأقلّ؛ وسط تقاطع نيران ومصالح إيرانية وروسية وإسرائيلية، على خلفية مساندة المعارضة السورية المسلحة، وإدارة الحروب مع الـPKK.

وإذا كانت قد انحسرت عناصرُ حضور عسكري وسياسي واستثماري وعقائدي وميليشياتي للاحتلالًين الإيراني والروسي في سوريا، بعد انهيار نظام الأسد ومتغيرات حرب الإبادة في قطاع غزّة والغزو الروسي في أوكرانيا؛ فإنّ الاحتلالات الإسرائيلية والتركية والأمريكية قائمة وتتمدد، على غرار التوغل الإسرائيلي في الجولان وحوران وقصف المطارات ومحيط العاصمة دمشق ذاته. في قراءة أخرى لأقوال ترامب، تأخذ بعين الاعتبار بعض مفاعيل بقاء هذه الاحتلالات أو كلّها، فإنّ وساطة ترامب المقترحة لا تغيب عنها مطالب محاصصة ضمنية على مناطق النفوذ؛ ما دام اردوغان و«بيبي» في عداد أحباب الرئيس الأمريكي، وبقاء الـ900 جندي أمريكي في سوريا مسألة أخذ وردّ.

وحتى الساعة، ورغم الإشارات السلبية أو الإيجابية، أو انعدامها على الوجهتين، فإنّ مقاربة أمريكية للشأن السوري في مجمل ملفاته الشائكة تبتعد، بثبات ملحوظ، عن رؤى تولسي غابارد مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية صاحبة التعاطف الشهير مع نظام الأسد الابن، وهذه نقلة يتوجب أن تكون حاسمة. الأرجح أيضاً أنّ أصدقاء البيت الأبيض من الأنظمة العربية التي رحّبت بسلطات الأمر الواقع في سوريا الجديدة، كلٌّ على طريقته، في السعودية ومصر والأردن والكويت خصوصاً؛ سوف يتولون أيضاً إقناع ترامب (خدمة لمصالح إقليمية مشتركة، غنيّ عن القول) بتعديل نظرة تقليدية جامدة تجاه الرئيس الانتقالي السوري، انتهجها عدد من مسؤولي إدارة ترامب. وتلك انحصرت عملياً في سردية مزدوجة، قاصرة مبدئياً عن ملاقاة الـRealpolitik في اشتراطاته الدنيا: أنه سليل «القاعدة» و«الإرهاب»، وأنه لا يسيطر على كامل الأراضي السورية.

مرجّح، ثالثاً، أنّ زيارة الشرع المقبلة إلى تركيا، والتي لا يلوح أنّ مصادفة عشوائية كانت وراء اقترانها بزيارة إلى دولة الإمارات، سوف تكشف مسارات أكثر وضوحاً لعلاقات سوريا الجديدة مع تركيا، القوّة الإقليمية والأطلسية الأبرز في المنطقة اليوم، وليس مع تركيا اردوغان الراهنة فقط، من جهة أولى. ثمّ لتلك العلاقات كما تنعكس، وسوف تواصل الانعكاس، على القوّة الإقليمية العظمى الموازية، دولة الاحتلال الإسرائيلي، من جهة ثانية يتوجب هذه المرّة أن تختلف قواعد اللعب فيها عن عربدة نتنياهو في المنطقة منذ 15 سنة.

والسادة في البيت الأبيض تحت إدارة ترامب يدركون، كما هي حال بسطاء العقول وجهابذته على حدّ سواء، أنّ علاقات أنقرة مع موسكو لم تكن، في غابة تعقيدات الملفّ السوري، زواجاً كاثوليكياً جامداً، وكانت استطراداً نتاج توازن محسوب لسلسلة مصالح متطابقة تارة أو متناقضة تارة أخرى؛ بحيث أتاح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ينتقل، ذات يوم غير بعيد، من دمشق إلى اسطنبول مباشرة، لتدشين خط أنابيب غاز روسي. ومنتظَر أيضاً أنهم يتذكرون سلامَ محاصصة تركياً ــ روسياً تأسس بعد خصام شديد أعقب إسقاط طائرة السوخوي 24 الروسية بنيران تركية خريف 2015.

ولعلّ الوقت لن يطول قبل أن يتكشف هذا الاشتباك الظاهر عن خلاصات تُكمل مفاجآت ترامب، على نحو أو آخر؛ عملاً أيضاً بحكمة الإمام الشافعي، عن ليالٍ من الزمان حبالى، مثقلات يلدن كل عجيبة!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————-

حدود بلا دولة: سورية والقوى الخارجية وانعدام الاستقرار المستمر/ أرميناك توكماجيان و خضر خضّور

تعنبمساهمة مهنّد الحاج علي، وحارث حسن، ومهى يحيَ

ي التغييرات التي طرأت على الأوضاع الديموغرافية والاقتصادية والأمنية أن عملية السلام السورية-السورية تتطلّب توافقًا بين القوى الإقليمية الرئيسة على أن سورية يجب أن تبقى موحّدة، وأن النصر لا يمكن أن يتحقّق لطرفٍ دون آخر، وأن انعدام الاستقرار الدائم يطرح تهديدًا للمنطقة بأسرها.

نشرت في 10 أبريل 2025

في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، تستمر النزاعات ويسود اللااستقرار في المناطق الحدودية المتنازَع عليها حيث تتفاعل التوترات المحلية مع الديناميكيات الإقليمية والعالمية. وفي هذا الصدد، تعمل مؤسسة آسيا ومعهد الأخدود العظيم ومركز كارنيغي للشرق الأوسط معاً من أجل تحقيق فهم أفضل لأسباب النزاعات في هذه المناطق الحدودية وتأثيراتها وأبعادها الدولية، ودعم اعتماد أساليب أكثر فاعلية لصنع السياسات وبرمجة التنمية، وبناء قدرات الشركاء المحليين من أجل تفعيل البحوث الآيلة إلى الدفع نحو التغيير السلمي.

للمزيد من المعلومات

ملخّص

خسرت السلطات المركزية السورية سيادتها على المناطق الحدودية، التي باتت موضع تنازع بين قوى محلية وإقليمية ودولية. ونظرًا إلى أن هذا الواقع لن يتغيّر قريبًا، من المُستبعَد التوصّل إلى حلٍّ للأزمة السورية، ولا سيما أن جميع الأطراف المنخرطة في الصراع، بما في ذلك القوى الخارجية، قد تواجه مخاطر إذا شهدت أجزاء مختلفة من سورية اضطرابات داخلية. وبما أن ما من طرفٍ قادرٍ على تحقيق نصرٍ مطلق، من الضروري بلورة إطار وطني للتوصّل إلى حلٍّ شامل للصراع السوري.

محاور أساسية

    أحدث الصراع في سورية تحوّلًا في المناطق الحدودية، إذ تفرض تركيا نفوذها على الجزء الأكبر من الحدود الشمالية، وتمارس إيران تأثيرًا كبيرًا على الحدود مع العراق والأردن، وأيضًا على الحدود مع لبنان بصورة غير مباشرة من خلال حزب الله؛ ولدى الولايات المتحدة أيضًا قواعد نفوذ على طول حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية، وصولًا إلى التنف.

    تختلف المناطق الحدودية عن بعضها البعض، لكنها باتت جميعها مناطق تتمتّع بالحكم الذاتي من خلال التفاعل القائم بين القوى المحلية والدول الإقليمية، بما في ذلك حلفاء النظام السوري. وأدّى ذلك إلى نشوء كانتونات بحكم الأمر الواقع خارجة عن سيطرة دمشق، لكلٍّ منها اقتصاده وأمنه وحتى إيديولوجيته الخاصة.

    شكّلت الترتيبات الديموغرافية والعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود والشواغل الأمنية عوامل أساسية أفضت إلى نشوء هذا الوضع. ولا يزال التفاعل بين هذه العوامل يؤثّر على الأنماط الاجتماعية والسياسية في المناطق الحدودية السورية.

خلاصات وتوصيات

    أعادت الحرب السورية تشكيل التركيبة الديموغرافية للمجتمع السوري بصورة جذرية، إذ تسبّبت بنزوح أو تهجير نحو 14 مليون شخص، وولادة جيلٍ جديد من السوريين في ظلّ واقعٍ سوري شديد الانقسام.

    أعاد الصراع السوري تشكيل الشبكات الاقتصادية العابرة للحدود، وساهم في الوقت نفسه في بروز مراكز وقوى اقتصادية جديدة خارجة عن سيطرة الحكومة السورية.

    نشأت في سورية على مدى العقد الماضي تقريبًا نُظمٌ أمنية موازية، تركية وإيرانية وأميركية، يعمل كلٌّ منها ضمن مناطق عملياتٍ أو نفوذٍ محددّة.

    نظرًا إلى أن العنف مستمرٌّ بشكلٍ أساسي في المناطق الحدودية السورية، حيث تتمتّع القوى الإقليمية والدولية بقدرٍ كبيرٍ من النفوذ، يجب أن يتطرّق أيّ حلٍّ للصراع السوري إلى هذا الواقع، ويُعيد إحياء الإطار الوطني السوري.

    للمفارقة، بقيت الحدود السورية المُعترَف بها دوليًا على حالها، ذلك أن النزاع على سورية، وانعدام الاستقرار الذي خلّفه ذلك، عزّزا على ما يبدو الاعتقاد السائد في أوساط الدول الإقليمية بضرورة الحفاظ على هذه الحدود.

    يجب أن يستند الاتفاق على استعادة السلطة الوطنية في إطار عملية سورية داخلية إلى توافق بين القوى الإقليمية الرئيسة على أن سورية يجب أن تبقى موحّدة، وأن النصر لا يمكن أن يتحقّق لطرفٍ دون آخر، وأن انعدام الاستقرار الدائم يطرح تهديدًا للمنطقة.

    من المستحيل ربما الرهان على عقلانية القوى الإقليمية والدولية، لكن مساعي احتواء الصراع السوري أو إدارته إلى أجلٍ غير مسمّى من دون التوصّل إلى حلّ، قد تتسبّب باضطرابات داخلية ستكون لها تداعيات إقليمية في نهاية المطاف.

مقدّمة

أحدثت الحرب السورية تحوّلًا في المناطق الحدودية في البلاد، إذ فقدت دمشق سيطرتها على معظم هذه المناطق، فيما احتفظت بسيطرة شكلية فقط على مناطق أخرى يهيمن عليها حلفاء نظام الرئيس بشار الأسد. لطالما كان إحكام السيطرة على الحدود عنصرًا أساسيًا من سلطة الدولة البعثية، ومؤشّرًا مهمًّا على سيادة أي دولة عمومًا. لكن اليوم، باتت سيطرة الحكومة المركزية السورية على المناطق الحدودية في البلاد محلّ تنافس بين قوى محلية ووطنية وإقليمية مختلفة، ما أدّى إلى انتشار مجموعة متنوعة من السلطات السياسية (أو المراكز) التي تتمتّع بالنفوذ في تلك المناطق.

تفرض تركيا نفوذها على مناطق واسعة من حدود سورية الشمالية، فيما تتمتّع إيران بتأثيرٍ كبير في المنطقة الحدودية الشرقية مع العراق، وأيضًا على الحدود الغربية مع لبنان بشكلٍ غير مباشر من خلال حليفها اللبناني حزب الله. أما الولايات المتحدة فأنشأت بدورها مواقع عسكرية على طول حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية، وصولًا إلى قاعدة التنف بالقرب من الأردن. صحيحٌ أن هذه المناطق الحدودية مختلفة كثيرًا في ما بينها، لكن يجمعها قاسمٌ مشتركٌ واحدٌ هو أنها أصبحت كياناتٍ تتمتّع بحكم ذاتي إلى حدٍّ بعيد، ولكلٍّ منها اقتصاده وأمنه وحتى إيديولوجيته الخاصة. إذًا، تحوّلت هذه المناطق إلى كانتونات بحكم الأمر الواقع، خارجة عن سيطرة دمشق.

نتيجةً لهذا الواقع، بات من المستبعد أن يستعيد النظام سيادته على معظم هذه المناطق الحدودية في وقتٍ قريب، بل ستستمرّ القوى المحلية والإقليمية والدولية والتفاعلات في ما بينها في تشكيل التطوّرات في تلك المناطق خلال السنوات المقبلة.

تشهد هذه المناطق الحدودية كافّة متغيّرات عدّة تؤثّر في حصيلة هذه التفاعلات، ويمكن حصرها بشكلٍ عام في عوامل ثلاثة، هي: الترتيبات الديموغرافية، أو تحديدًا مصير السكان النازحين داخليًا واللاجئين؛ والأسواق، أو ما يمكن تسميته بالعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود؛ والوضع الأمني. ونظرًا إلى أن دمشق لن تتمكّن قريبًا من استعادة سيطرتها الكاملة على مناطقها الحدودية، يقتضي حلّ الأزمة السورية الابتعاد عن المبادرات السياسية التي تمّ اقتراحها أو تطبيقها في البلاد حتى الآن، ومن ضمنها خطة الأمم المتحدة من أجل سورية المتمثّلة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، أو الاتفاقات الأضيق حول مناطق جغرافية مُحدَّدة والمنبثقة عن مسار الأستانة الذي ضمّ إيران وروسيا وتركيا.

من الصعب للغاية اليوم تصوّر خطة مفصّلة لإنهاء الأزمة السورية. فالوضع السائد راهنًا في ظلّ النزاعات بين القوى الإقليمية والدولية على الأراضي السورية، لا يُنبئ بتحقيق أي طرفٍ انتصارًا عسكريًا مطلقًا. بل على العكس، تزيد هذه النزاعات احتمال استمرار تفكّك الدولة السورية لتبقى البلاد مصدرًا رئيسًا لانعدام الاستقرار الإقليمي، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر مُحدِقة بجميع الأطراف المعنية في سورية. يهدّد استمرار الوضع الراهن باندلاع اضطرابات داخلية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وكذلك في مناطق سيطرة خصومها، ما من شأنه تقويض التوازن القائم بين القوى الخارجية المنخرطة في البلاد. وفي ضوء هذه الوقائع، من الضروري تحقيق توافق واسع النطاق لإعادة الديناميات في البلاد إلى إطار وطني سوري جامع يسمح للأطراف المتناحرة بالتوصّل إلى حلٍّ يسهم في استقرار الأوضاع في البلاد.

التطورات في المناطق الحدودية السورية بعد العام 2011

بدأ النزاع السوري في آذار/مارس 2011 على شكل مظاهرات سلمية في الغالب ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد، قبل أن تشتدّ حمأته ويتحوّل إلى حرب أهلية في منتصف العام 2012.1 ومع ارتفاع حصيلة الضحايا، امتدّت رقعة القتال لتشمل مناطق ومدنًا كبرى في مختلف أرجاء سورية، وسُرعان ما أصبحت البلاد بؤرةً أساسية للطموحات والتنافسات الإقليمية. وعلى الرغم من جيوب المقاومة المسلحة التي انبثقت في البلاد، كان النظام في أضعف حالاته والثوّار في أقوى حالاتهم في المناطق الحدودية، حيث استفادوا من دعم الدول الخارجية عبر الحدود. وبعد مرور أكثر من اثني عشر عامًا، لا يزال الصراع يتركّز بشدّةٍ على المناطق الحدودية.

ومع دخول الانتفاضة السورية في دوّامةٍ من العنف المتزايد، بدأت القوات التابعة للنظام بخسارة المناطق الحدودية، الواحدة تلو الأخرى، أو بالانسحاب منها للدفاع عن مدن كبرى أو بنى تحتية حيوية، ما سمح للأطراف المحلية التي تجمعها علاقات قوية مع القوى الإقليمية بملء الفراغ الذي خلّفته الدولة. ومنذ العام 2012، طرأت تغييرات كثيرة على خارطة النفوذ في سورية. فقد أسفرت ظروف الحرب القاسية إلى إخراج المجموعات المحلية الأضعف من المعادلة، ولم يبقَ منها سوى الأقوى، وخصوصًا تلك التي حظيت بدعمٍ مستمرّ من الدول الأجنبية. وما زالت هذه المجموعات تتحدّى هيمنة النظام وسيادة الدولة، وهي لا تقتصر على مجموعات المعارضة فحسب، بل تشمل أيضًا حلفاء نظام الأسد الذين حلّوا محلّ سلطة دمشق في الكثير من المناطق الحدودية، ولا سيما تلك المشتركة مع لبنان والعراق.

التطوّرات على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية

كانت القوات التابعة للحكومة السورية أشدّ ضعفًا على طول الحدود السورية التركية الممتدّة على مسافة 900 كيلومتر. فبحلول نهاية العام 2012، كان النظام قد فقد سيطرته تقريبًا على هذه المنطقة. وفي الشمال الغربي، خسر النظام المناطق الريفية والحدودية في محافظتَي حلب وإدلب لصالح كيانات المعارضة المدنية المحلية التي حلّت مكان مؤسسات الدولة السورية وتولّت توفير المساعدات والخدمات.2 على الصعيد العسكري، ظهرت عشرات المجموعات المسلحة المحلية المختلفة التوجّه في المنطقة، وتراوحت بين العصابات الإجرامية، والفصائل التي تُعتبر “معتدلة” مثل الجيش السوري الحر، والمجموعات الكردية الساعية إلى انتزاع الحكم الذاتي في الدولة السورية، والمنظّمات السلفية الجهادية مثل جبهة النصرة، ثم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام منذ العام 2014.3 وأصبحت جبهة النصرة في ما بعد تُعرف بهيئة تحرير الشام التي تفرض سيطرتها اليوم على محافظة إدلب. كانت هذه الفسيفساء منتشرة في جميع أنحاء الشمال الغربي، باستثناء عفرين، التي كانت خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

انسحب الجيش وقوات الأمن السورية من المناطق ذات الغالبية الكردية الواقعة في الشمال والشمال الشرقي في صيف العام 2012، ما سمح لحزب الاتحاد الديمقراطي بملء الفراغ الحاصل. يُشار إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني الذي يتّخذ من تركيا مقرًّا له وتصنّفه أنقرة تنظيمًا إرهابيًا.4 على مرّ السنوات، تمكّن حزب الاتحاد الديمقراطي من السيطرة على أجزاء واسعة من سورية، وأنشأ فيها منطقة حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع تُعرف باسم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية،5 ما أثار استياء كلٍّ من نظام الأسد وتركيا. يُشار إلى أن قوات سورية الديمقراطية التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية تتولّى حماية منطقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، وهي أقامت تحالفًا مع الولايات المتحدة على ضوء تعاونهما في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وإلحاق الهزيمة به.6

كانت للحدود وأمن الحدود والمساعدات عبرها تأثيرات بالغة الأهمية على المناطق الحدودية الشمالية لسورية. فقد أصبحت الحدود السورية التركية ممرًّا أساسيًا لتزويد الثوّار “المعتدلين” في سورية بالمساعدات العسكرية والمالية.7 وتَدَفّق عبر هذه الحدود المقاتلون السلفيون الجهاديون إلى سورية التي شهدت تشكُّل الكثير من الجماعات المتطرّفة، وكذلك المقاتلون الأكراد الذين أتوا من تركيا للانضمام إلى حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب.8 كانت أنقرة بدايةً على قناعة بأن أيام الأسد معدودة، لذا لم تشعر بالتهديد من التمرّد الكردي. لكن عندما أبدى الرئيس السوري قدرةً غير متوقعة على الصمود، باتت تركيا فجأة مُعرَّضة للتهديد من عدوّها اللدود في سورية، حيث وضع القادة الأكراد أُسُس كيانٍ يحكمونه عبر كوادر مُدرَّبة من حزب العمال الكردستاني ومرتبطة به.9

كان العام 2016 من أبرز سنوات الصراع، إذ شهد تغيّر وجه الشمال السوري بشكلٍ بالغ. حدث ذلك نتيجة عوامل عدّة، بما في ذلك التدخل الروسي في أيلول/سبتمبر 2015 الذي قلب الموازين العسكرية، وأرغم الداعمين الأساسيين للثوّار السوريين على التخلّي عن هدف تغيير النظام. وضاعفت أنقرة جهودها سعيًا إلى منع الهيمنة الكردية على حدودها. وفيما خاضت الولايات المتحدة، بالتحالف مع الأكراد، معارك للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، حقّق نظام الأسد انتصارات كبرى، أهمّها استعادة السيطرة على حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016. وفي غضون سنوات قليلة، انخفض عدد القوى المحلية والخارجية المنخرطة في الصراع السوري بشكل كبير.

في الشمال والشمال الغربي، حيث نفّذت تركيا عمليات عسكرية لتوسيع نطاق نفوذها بين العامَين 2016 و2019، بقيت قوّتان محليتان على الأرض: هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها في محافظة إدلب، والمجالس المحلية المترابطة بشكل فضفاض في ظلّ الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، والتي تعمل إلى جانب الجيش الوطني السوري الذي أعاد تنظيم ما تبقّى من عناصر الجيش السوري الحر.10 أما في الشمال الشرقي، فقد حافظت الإدارة الذاتية الكردية على وجودها في الغالب بفضل الدعم الأميركي. وتستمرّ هذه القوى المحلية حتى اليوم في تحدّي نظام الأسد والحدّ من نفوذه، مستفيدةً من الحماية التركية أو الأميركية.

أوضاع الجنوب السوري

بدايةً، كان مسار الصراع في الجنوب السوري، الذي يتألّف من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، مشابهًا لما حدث في الشمال، حيث حلّت الهيئات المدنية المحلية محلّ سلطة الدولة، فيما خاضت عشرات الفصائل المسلحة معارك ضدّ القوات التابعة للنظام وأبعدتها عن الحدود. في هذه المناطق، كان تأثير الجماعات السلفية الجهادية محدودًا مقارنةً بالشمال.11 وكان اللاعب الأبرز ما عُرف بالجبهة الجنوبية، وهي تحالفٌ مكوَّن من تسعة وأربعين فصيلًا مسلّحًا من المعارضة السورية، تمركَز بشكل أساسي في محافظة درعا، وتلقّى الدعم من غرفة عمليات مقرّها الأردن وشاركت فيها دول عربية وغربية عدّة.12 وعلى خلاف الشمال السوري حيث بسطت هيئة تحرير الشام سيطرة واسعة، لم تتمكّن جماعة واحدة من الهيمنة على الجنوب السوري. مع ذلك، تضاءل الدعم الأجنبي تدريجيًا إلى أن توقّف في العام 2017، عندما تغيّرت الأولويات الأميركية في سورية ولم يعد الهدف إسقاط نظام الأسد.13

أتاح الوضع الجديد لقوات النظام استعادة السيطرة على معظم أجزاء الجنوب السوري في صيف العام 2018، بفضل الاتفاق الذي تمّ بوساطة روسيا. وأفضت هذه التفاهمات إلى تليين المعارضة الأميركية والإسرائيلية حيال عودة الجيش السوري إلى هذه المناطق، شرط عدم نشر إيران وحلفائها قواتها في الجنوب.14 مع ذلك، عجز النظام خلال السنوات الخمس الماضية عن إعادة فرض سلطته بالكامل، في ظلّ تراجع نفوذ روسيا بسبب حربها في أوكرانيا.15 إذًا، يبدو الوضع متقلّبًا للغاية اليوم. فعلى الرغم من أن الحكومة لم تفقد أبدًا السيطرة على السويداء، شهدت المحافظة مؤخرًا احتجاجات مناهضة للنظام.16 كذلك، تواجه القوات الحكومية تحدياتٍ في محافظة درعا، بينما وسّعت إيران والقوى المتحالفة معها نفوذها في محافظة القنيطرة.17

المنطقتان الحدوديتان الشرقية والغربية في سورية بعد العام 2011

اختلفت التطوّرات على الحدود الشرقية والغربية نوعًا ما عن الأوضاع على الحدود الشمالية والجنوبية، نظرًا إلى النفوذ الإيراني في لبنان والعراق، حيث تدعم طهران قوى غير حكومية مؤيّدة لنظام الأسد.

خلال السنوات الأولى من الصراع السوري، كانت المساعدات العسكرية إلى فصائل المعارضة داخل سورية تصل من لبنان.18 على سبيل المثال، مرّت خطوط الإمداد باتّجاه مدينة حمص تعبر بلدة تلكلخ السورية الواقعة على مقربة من الحدود مع لبنان.19 وانطلقت من لبنان أيضًا خطوط الإمداد إلى القصير.20 وبدءًا من نيسان/أبريل 2013، شنّت القوات التابعة للنظام السوري وحزب الله هجمات عدّة على المناطق الحدودية نجحت من خلالها في السيطرة على القصير وتلكلخ، قبل استكمال سيطرتها على جبال القلمون في الفترة التي سبقت آب/أغسطس 2017، حين انسحبت آخر المجموعات الثورية من المنطقة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصّل إليه مع حزب الله.21 وكان الحزب قد أطلق في الشهر السابق، أي تموز/يوليو 2017، عملية تطهير جرود بلدة عرسال اللبنانية من المقاتلين التابعين للجماعات السلفية الجهادية.22 وقد ساهمت نجاحات الحزب على جانبَي الحدود في إحكام سيطرته على ذلك الجزء من الحدود السورية اللبنانية، وباتت القصير منذ ذلك الحين معقلًا لقوات حزب الله.

ينطبق الكثير من الخصائص الآنفة الذكر على النزاع في المنطقة الحدودية السورية مع العراق. ونظرًا إلى أن هذه الحدود هي ثاني أطول شريط حدودي لسورية، إذ تمتدّ على طول 600 كيلومتر تقريبًا، استخدمتها مختلف الجهات لخدمة مصالحها الخاصة. وكما هو الحال في أجزاء أخرى من سورية، انسحبت قوات النظام من جزءٍ كبيرٍ من الحدود السورية العراقية بحلول نهاية العام 2013.

في الشمال الشرقي، وخصوصًا في محافظة الحسكة السورية، عمَد الأكراد، ولا سيما وحدات حماية الشعب الكردية، إلى ملء الفراغ القائم، بينما سيطرت مجموعات ثورية مختلفة على أجزاء من محافظة دير الزور الواقعة على حدود سورية الشرقية. وقرابة نهاية العام 2012، خرج معبر القائم-البوكمال الاستراتيجي مع العراق عن سيطرة نظام الأسد.23 وفي غضون عام، لم تعد لديه أي سيطرة تقريبًا على ضفة نهر الفرات في دير الزور، وخسر جميع حقول النفط الرئيسة الواقعة شمال النهر.24 لكن ما إن أمسى النظام خارج المشهد حتى خاضت المجموعات الثورية معارك في ما بينها، وذلك بالدرجة الأولى للسيطرة على الموارد الاقتصادية. وبعد معارك دامية، انتصر تنظيم الدولة الإسلامية على كل هذه الجماعات في العام 2014 وأعلن تأسيس الخلافة الإسلامية في حزيران/يونيو، قبل أن يمحو الحدود بين الأراضي الخاضعة لسيطرته في سورية والعراق، والتي امتدّت من أجزاء من محافظة حلب في سورية وصولًا إلى الموصل في العراق.25

أدّى بروز تنظيم الدولة الإسلامية إلى استنفار القوى المحلية والإقليمية والدولية لمحاربته في سورية والعراق بدءًا من العام 2016. فشنّت كلٌّ من سورية والعراق وروسيا والميليشيات المدعومة من إيران، إضافةً إلى تحالفٍ جمع دولًا غربية وعربية بقيادة الولايات المتحدة، عمليات ضدّه بشكلٍ متزامن. وبعد إلحاق الهزيمة بالتنظيم في العام 2019، أعاد العراق نشر قواته عند بعض النقاط الحدودية.26 وفيما تقلّصت معاقل التنظيم، ملأت قوات سورية الديمقراطية الفراغ في شمال شرق سورية، شمال نهر الفرات. وفي سياق الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، عزّزت الولايات المتحدة أيضًا وجودها العسكري في التنف، عند تقاطع الحدود السورية مع الأردن والعراق، حيث تولّت تدريب قوة بالوكالة لمحاربة التنظيم.27 أما الأجزاء المتبقّية من دير الزور، فأصبحت تحت سيطرة الجيش السوري، مدعومًا بالميليشيات الموالية لإيران التي حلّت محلّ تنظيم الدولة الإسلامية على طول المناطق الجنوبية من نهر الفرات.

في الجانب العراقي، بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، كسب طرفٌ جديد نفوذًا في المنطقة الحدودية، أي قوات الحشد الشعبي، ولا سيما الفصائل المتحالفة مع إيران والعاملة تحت مظلّة هذه القوات.28 ويُذكر من بين هذه الفصائل لواء الطفوف، وهو فصيلٌ مسلّح كان في البدء مقرّبًا من السلطة الدينية الشيعية في النجف، بقيادة آية الله علي السيستاني، قبل أن يصطفّ تدريجيًا إلى جانب إيران. كذلك، نشرت كتائب حزب الله مقاتليها تحديدًا في منطقتَي القائم وعكاشات، حيث يقع معبر القائم-البوكمال.29 تشكّل هذه الفصائل جزءًا من محور المقاومة المدعوم من إيران والمناهض للنفوذ الأميركي والإسرائيلي في الشرق الأوسط.

وقد انتشرت الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي أيضًا في الأجزاء الشمالية من الحدود السورية العراقية، وخصوصًا في منطقة سنجار، حيث احتدم التنافس على السيطرة بين إقليم كردستان الذي يتمتّع بحكم ذاتي في العراق وحكومة بغداد.30 وفيما تهيمن وحدات حماية الشعب على الجانب السوري من القسم الشمالي من الحدود، تنتشر مجموعات عدّة على الجانب العراقي، من ضمنها الفصائل الأيزيدية المدعومة من حزب العمّال الكردستاني الذي نشر مقاتليه هناك وساعد في تشكيل ميليشيات محلية في سنجار، إضافةً إلى الفصائل العشائرية السنّية المرتبطة بالحشد الشعبي.31

توضح هذه الخريطة المعقّدة للصراع السوري تأثير الأطراف الخارجية، وأبرزها إيران. فمن خلال نشر حلفائها على جانبَي الحدود السورية العراقية، لم تسعَ فحسب إلى ضمان الاتصال الجغرافي للمناطق بين إيران ولبنان، وتسليح حليفها اللبناني حزب الله ودعمه، وتوظيف وسائل للضغط على القوات الأميركية في المنطقة الحدودية، بل هدفت أيضًا إلى وضع حلفائها في مواقع تخوّلهم شنّ هجمات على إسرائيل وتوفير الدعم للنظام السوري. هذا وأنشأت الولايات المتحدة بدورها قواعد عسكرية بالقرب من الحدود السورية العراقية، ما منحها نفوذًا سياسيًا وعسكريًا في سورية؛ ونشرت كذلك قوةً هناك لمحاربة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية ومراقبة أنشطة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحلفائه. وكثّفت تركيا أيضًا أنشطتها في المناطق الحدودية، حيث نفّذت عمليات عسكرية ضدّ معاقل حزب العمّال الكردستاني في سورية والعراق لمنع تشكيل كيانٍ سياسي كردي متحالف مع حزب العمّال الكردستاني في هذه الأراضي.32

بعد مرور أكثر من عقدٍ على الحرب، أصبحت المناطق الحدودية السورية تضمّ مجموعة كبيرة من الأطراف المحلية التي تحظى بدعم أو بحماية قوى أجنبية. أدّى ذلك إلى ضعف سيادة الدولة السورية على هذه المناطق، أو انحسارها تمامًا، أو تحوّلها إلى عملية تشاركية مع أطراف أخرى، نظرًا إلى انتشار حلفاء نظام الأسد وخصومه على السواء، ناهيك عن التفاعل القائم بين مختلف العوامل التي ترسم معالم البيئة المحلية، والتي تعكس مصالح جميع الجهات الفاعلة في هذه المناطق.

تأثير التركيبة الديموغرافية والأسواق والأمن

طوال فترة الصراع السوري، أدّى التفاعل بين القوى المحلية والدول الإقليمية إلى تعزيز الحكم الذاتي في المناطق الحدودية في شمال سورية وجنوبها وشرقها، وإلى تقليص دور دمشق كمركز إداري للبلاد ومصدر أساسي للسلطة السياسية. في المقابل، ازداد نفوذ القوى الإقليمية التي قوِّضت سيادة الدولة لخدمة أولوياتها الخاصة. وشكّلت الترتيبات الديموغرافية والعلاقات الاقتصادية العابرة للحدود والشواغل الأمنية عوامل أساسية أفضت إلى نشوء هذا الوضع. ولا يزال التفاعل بين هذه العوامل يؤثّر على الأنماط الاجتماعية والسياسية في المناطق الحدودية السورية.

إعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية السورية

لقد أعادت الحرب في سورية تشكيل التركيبة الديموغرافية للمجتمع السوري بصورة جذرية، إذ أدّت إلى نزوح ما لا يقل عن 14 مليون شخص، وولادة جيلٍ جديد من السوريين في ظلّ واقعٍ سوري جديد ومنقسم.33 كثيرةٌ هي العوامل التي تسبّبت بنزوح السكان. فبعضهم هرب من مناطق الصراع بشكلٍ استباقي، فيما فرّ البعض الآخر بسبب أعمال العنف، وغادر آخرون مناطقهم بحثًا عن فرص معيشية أفضل. وقد شهدت المناطق الحدودية التركية والعراقية واللبنانية تطوّرات ديموغرافية مختلفة أثّرت على سيادة سورية.

لا تغطّي العوامل الديموغرافية المناطق الحدودية بحدّ ذاتها وحسب، بل تشمل أيضًا كيف استخدمت القوى المختلفة في سورية، ولا سيما النظام، السياسات الحدودية وموجات النزوح عبر الحدود لاستحصال أوراق ضغط سياسية وانتزاع تنازلات. والمُلفت أيضًا كيف استخدم النظام السوري والقوى الخارجية النزوح وسيلةً لإدارة النزاع. وأبرز مثال على ذلك كيف شكّلت هذه الهندسة الاجتماعية التركيبة الاجتماعية والديموغرافية لشمال غرب سورية.

واجه نظام الأسد في بداية الصراع تحديًّا مهمًا في كيفية التعامل مع فئة محدّدة من السكان السنّة اعتبرها الحاضنة الاجتماعية للانتفاضة. فقد اعتبر لواءٌ في الفرقة الرابعة المدرّعة، وهي وحدة رئيسة من الجيش السوري مكلّفة بمهمّة حماية النظام، أن هذه الحاضنة مُحافِظة وذات توجّهات طائفية، ووصَف المنتمين إليها بأنهم أفرادٌ ذوو قناعات خاطئة تجاه النظام ظلّوا مقتنعين بصحة معتقداتهم.34 ورأى الكثير من المسؤولين في القيادة السورية أن التصالح مع هذه الفئة غير ممكن، مجادلين بأنها قنابل موقوتة قد تعيد إشعال الانتفاضة في المستقبل إذا ما أُعيد دمجها في المجتمع.35

في الفترة الممتدّة بين العامَين 2016 و2018، وافق ما يقرب من 200 ألف سوري يعيشون في المناطق التي كانت واقعة تحت سلطة المعارضة ثم استعادت قوات النظام السيطرة عليها، على نقلهم إلى شمال غرب سورية، وخصوصًا إلى محافظة إدلب.36 فهم فضّلوا هذا الخيار بدلًا من البقاء تحت رحمة الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية. قَبِل النظام هذا الخيار لمعالجة المأزق الذي يواجهه في التصرّف مع هذه الفئة الكبيرة من السكان المعادين له. بموجب هذه الخطوة، التي سهّلتها روسيا، وافق النظام على فقدان سيطرته على جزءٍ من سكانه، والتنازل فعليًا عن مكوّنٍ أساسي من سيادته. من المُفترَض أن هذا كان تدبيرًا مؤقتًا، وأن النظام كان ينوي استعادة منطقة الشمال الغربي في مرحلة لاحقة من الصراع، كما أظهرت الحملات العسكرية التي شنّتها القوات الحكومية على المنطقة بعد العام 2018.37 لكن مكامن ضعف النظام بسبب مزيجٍ من العوامل السياسية والاقتصادية المحلية، وانشغال روسيا بحربها في أوكرانيا بدءًا من العام 2022 وحتى اليوم، فضلًا عن الخلافات مع تركيا، أدّت إلى وقف التقدّم العسكري للقوات الحكومية في شمال غرب البلاد.38

شكّل اقتلاع السكان من أرضهم وسيلةً لإدارة النزاع منذ اندلاع الحرب في سورية. في البداية، فشلت قوات النظام إلى حدٍّ كبير في إخضاع السكان الداعمين للثورة بشكل حاسم. وحتى المعارك التي انتصرت فيها أدّت في معظم الأحيان إلى نزوحٍ جماعي لهذه المجتمعات المحلية إلى مناطق أخرى، حيث كانت تتجدّد أعمال القتال. خير مثالٍ على هذا النمط معركةُ القصير في العام 2013، حين فرضت القوات الحكومية وحزب الله في حزيران/يونيو حصارًا على الثوّار والمدنيين في المدينة. وسُمح لقوات المعارضة المُنهكة والمهزومة وللسكان المدنيين بالمغادرة عبر ممرّ خاضع لسيطرة حزب الله.39 لكن نزوح الثوّار إلى مناطق مجاورة أتاح لهم فرصة إعادة رصّ صفوفهم والحصول على إمدادات من لبنان، ما سمح بوقوع اشتباكات جديدة مع القوات الحكومية وحزب الله.

لكن ما حصل في حمص خلال العام 2014 كان أكثر تعقيدًا. فقد أفضى انتصار نظام الأسد في القصير إلى قطع خطوط الإمداد لفصائل المعارضة من لبنان إلى المدينة القديمة في حمص، ما سمح للجيش السوري بإنهاء التمرّد هناك.40 وبينما كانت القوات الحكومية تتقدّم وتستعيد السيطرة على مناطق إضافية من قبضة الثوّار، باءت بالفشل معظم المبادرات التي أطلقتها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات من أجل إجلاء المسنّين والجرحى والتخفيف من حدّة الصراع. وبحلول منتصف آذار/مارس 2014، كان ما بين 1500 و2400 شخص لا يزالون محاصرين في المدينة القديمة.41 عندئذٍ، جرت مفاوضاتٌ ضمّت إيران وروسيا والمجموعات الثورية خارج حمص، وتوصّلت في نهاية المطاف إلى اتفاق أتاح تنفيذ أول عملية إجلاء منظّمة بشكلٍ فعلي في الحرب السورية، إذ تمّ إخراج السكان المحاصرين في المدينة القديمة ونقلهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الثوّار في الريف الشمالي لحمص، بدءًا من أوائل أيار/مايو 2014.42

فيما شكّلت المدينة القديمة في حمص خير مثالٍ على التغيير الديموغرافي الذي طرأ، وتكرّر لاحقًا في أماكن أخرى، لم تكن العملية بالوضوح الذي تصوّره البعض. فالأدلة أشارت إلى أن النزوح من حمص كان نتيجةً ثانوية لعوامل عدّة، أكثر من كونه نتاجَ خطةٍ مقصودة. وشملت هذه العوامل عدم استعداد نظام الأسد لإعادة دمج آخر 1500 شخص متواجد في المدينة القديمة، ورفض السكان المحاصرين وضع مصيرهم في أيدي أجهزة الأمن التابعة للحكومة والخضوع لعملية التدقيق الأمني الذائعة الصيت التي تطبّقها. وقد ناسب ذلك كلًّا من النظام الذي أراد اقتلاع التمرّد من جذوره، والمعارضة التي فضّلت الإجلاء على الاعتقال وربما الموت.

يمكن القول إن ما حدث في حمص أصبح سابقةً لعمليات إجلاء السكان المنسّقة والمُخطَّط لها مسبقًا التي جرت لاحقًا ووضعت حدًّا للصراع في عددٍ من المناطق. وأصبحت الصفقات المُبرَمة لإجلاء السكان أكثر تواترًا بكثير في جميع أنحاء سورية، وتكثّفت بعد التدخّل العسكري الروسي في أواخر العام 2015. وبدأت المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة تقع في قبضة القوات الحكومية، غالبًا من خلال إبرام اتفاقيات تنصّ على إجلاء السكان إلى محافظة إدلب، التي أصبحت معقلًا للمعارضة السورية بعد أن خسرت القوات الحكومية إدلب المدينة، وأريحا، وجسر الشغور في آذار/مارس ونيسان/أبريل 2015.43

شهدت الغوطة الشرقية في ريف دمشق أكبر عملية نزوح سكاني، وكان ذلك في أوائل العام 2018. وفقًا للأمم المتحدة، كان 278 ألف شخص يعيشون آنذاك تحت الحصار في الأماكن الخاضعة لسيطرة المعارضة في المنطقة.44 وبمجرّد أن هُزم الثوّار، قرّر حوالى 66 ألف شخص المغادرة إلى محافظة إدلب، في حين أن الباقين إما نزحوا إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة، أو ظلّوا في الغوطة.45 الجدير بالذكر أن أولئك الذين غادروا إلى إدلب كانوا في الغالب من السكان السنّة المحافظين المقيمين في الأرياف، الذين شكّلوا شريحة وازنة من الثورة ضدّ حكم الأسد. وتَوجَّب على جميع الرجال الذين بلغوا سنّ الخدمة العسكرية الخضوع لعملية تدقيق تتيح للنظام احتجاز كلّ من يمكن أن يشكّل تهديدًا.46 علاوةً على ذلك، لم يكن كلّ الذين غادروا معارضين للنظام بالضرورة، ولا كلّ الذين بقوا أفلتوا من عقابه. لكن هذه العملية عمومًا ساعدت النظام على إجلاء أولئك الذين رفضوا حكمه، والإبقاء على الذين قبلوا به. ومنذ ذلك الحين، لم تشهد الغوطة أي مظهر من مظاهر الثورة. صحيحٌ أن نقل الفئة السكانية الرافضة للنظام إلى إدلب لم يكن حلًّا نهائيًا، لكنه شكّل وسيلةً لإدارة النزاع أعادت أجزاء كبيرة من البلاد إلى حكم الدولة السورية.

وعلى القدر نفسه من الأهمية، عزّزت مثل هذه الخطوات خططَ تركيا للشمال الغربي. فعلى غرار نظام الأسد، اعتبرت أنقرة أن الأكراد في شمال سورية الذين يدعمون حزب العمّال الكردستاني يطرحون تهديدًا أمنيًا كبيرًا. وحين اتّضح أن الأسد باقٍ في منصبه، تحوّل تركيز أنقرة الأساسي نحو معالجة مسألة انتشار وحدات حماية الشعب المتحالفة مع حزب العمّال الكردستاني، على حدودها الجنوبية.

أفسح نقل شريحةٍ من السوريين إلى إدلب المجال أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للانخراط في بعض عمليات الهندسة الديموغرافية وإعادة توطين النازحين العرب في المناطق الكردية. وبدا هذا واضحًا بشكل خاص في عفرين الواقعة شمال غرب حلب، والتي سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية بدعمٍ من الجيش التركي في أوائل العام 2018، بعد أن كانت خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، ما أدّى، بحسب التقارير، إلى نزوح 150 ألف شخص من منطقة هيمن عليها الأكراد تاريخيًا.47 حدث ذلك قبل وقتٍ قصير من عملية النظام في الغوطة الشرقية، وفي النهاية استقرّ بعض النازحين من هناك محلّ الأكراد في عفرين.48 وبحلول منتصف العام 2023، أصبح أكراد عفرين أقلية شكّلت في أفضل الأحوال 35 في المئة من إجمالي عدد المقيمين في المنطقة البالغ 440 ألف شخص.49 من غير الواضح إلى أي مدى تمّ تنسيق ذلك بين روسيا وإيران وتركيا ونظام الأسد، بيد أن أنقرة نجحت في تبديد التهديد الذي تطرحه أنشطة حزب العمّال الكردستاني بالقرب من حدودها، من خلال إخراج وحدات حماية الشعب وقاعدتها الاجتماعية من عفرين والسماح بتدفّق النازحين داخليًا من خارج المدينة.

صحيحٌ أن المناطق الواقعة في شمال سورية وشمالها الغربي قدّمت أمثلةً حيةً على التغيير الديموغرافي في المناطق الحدودية، إلّا أن التركيبة الديموغرافية حدّدت أيضًا معالم التطورات على طول الحدود السورية العراقية، التي لم تتّسم تحديدًا بنزوح وعزل السكان السنّة في الغالب، بقدر ما اتّسمت بعملية دمجهم عبر الحدود بين العامَين 2014 و2019، حين كرّس تنظيم الدولة الإسلامية الهوية السنّية ركيزةَ حكمه هناك. لطالما جمعت الروابط العشائرية والعائلية السكانَ العرب السنّة على جانبَي الحدود، في وسط المنطقة الحدودية بين سورية والعراق.50 ونظرًا إلى القدرة المحدودة للسلطات المركزية، سواء العراقية أو السورية، على الوصول إلى هذه المناطق، نشأت بيئة مؤاتية لبروز التنظيمات السلفية الجهادية السنّية. وبالفعل، حين أعلن تنظيم الدولة الإسلامية الخلافة الإسلامية من جانبٍ واحد في العام 2014، أسّس ولايةً تضمّ السنّة العرب في غرب محافظة الأنبار العراقية ومحافظة دير الزور السورية.51

بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق في كانون الأول/ديسمبر 2017 وفي سورية في آذار/مارس 2019، أُعيد فتح معبر القائم-البوكمال الحدودي رسميًا في تشرين الأول/أكتوبر 2019.52 لكن هذه الخطوة لم تعنِ عودة سلطة الدولة وسيادتها بالكامل، بل ملأت الميليشيات التي حاربت تنظيم الدولة الإسلامية الفراغ الحاصل. ونجحت قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في ترسيخ وجودها في وسط المنطقة الحدودية. ولاحقًا، حوّل موطئ القدم الذي خصّصته هذه المجموعات لنفسها الحدودَ إلى مركزٍ لاستعراض القوة الإقليمية الإيرانية، تمكّنت طهران عبره من التواصل مع حلفائها ووكلائها في العراق وسورية ولبنان. أدّى ذلك إلى تهجير سكان البوكمال والقائم بسبب ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية، أو إلى انحسار قدرتهم على التأثير في المنطقة بسبب هيمنة الميليشيات الشيعية.53

وعلى طول الجزء الشمالي من الحدود السورية العراقية، برز سيناريو أكثر تعقيدًا بسبب التنوّع الإثني في المنطقة والتفاعل بين مجموعة واسعة من القوى السياسية. تحديدًا، سهّل تواجد الأكراد في كلٍّ من سورية والعراق حركة المنظمات الكردية عبر الحدود، بقيادة حزب العمّال الكردستاني الذي سعى إلى إنشاء معاقل بديلة في شرق سورية ومنطقة سنجار في العراق من خلال استغلال الفراغ في السلطة لتعزيز نفوذه وتطبيق رؤية الفيدرالية المجتمعية التي دعا إليها زعيمه عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبّد في أحد السجون التركية.54

أدّت حركة السكان أيضًا دورًا مهمًا في ما يتعلق بلبنان. لكن في هذه الحالة، أدّى استغلال النظام السوري للسياسات الحدودية من خلال دفع أعدادٍ كبيرة من السوريين إلى لبنان، إلى نشوء وضعٍ لم يبقَ محصورًا بالمنطقة الحدودية في المقام الأول. وشكّلت هذه الخطوة محاولةً للتسلّح بورقةٍ للضغط على الحكومة اللبنانية والسياسات التي تتبنّاها. فعلى الرغم من أن القيادة السورية وحليفها حزب الله قد يتنافسان على النفوذ في المناطق الحدودية، ولا سيما في ما يتعلّق بالشؤون الأمنية، يبقى أنهما متفقان تمامًا على استغلال العوامل الديموغرافية لضمان امتثال الحكومة اللبنانية.

تَسبَّب الصراع السوري بنزوح أعدادٍ كبيرة من السوريين إلى لبنان. وفي تاريخ كتابة هذه السطور، قُدّر عدد اللاجئين المقيمين في مناطق لبنانية مختلفة بنحو 1.5 مليون لاجئ،55 من بينهم 784,884 شخصًا مسجّلين رسميًا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.56 ويشكّل هذا العدد نحو 22 في المئة من سكان لبنان. لقد هُجّر معظم السوريين قسرًا من مناطق كانت تُعتبر في السابق معاقل للمعارضة المناهضة للنظام، مثل محافظتَي حمص وحماة. ويعيش حوالى 600 ألف لاجئ في شمال لبنان وشرقه على طول الحدود السورية.57 وعلى الرغم من هدوء حمأة الصراع السوري منذ العام 2017، لا تزال الظروف اللازمة لعودة اللاجئين صعبة،58 وتعترضها عقباتٌ كثيرة لا تقتصر على سلوك السلطات والأجهزة الأمنية السورية التي لا تحبّذ هذه العودة، بل تشمل أيضًا الظروف الاقتصادية والأمنية المتردّية في سورية، ناهيك عن التدمير الواسع النطاق الذي لحق بالممتلكات، ومصادرة أملاك الغائبين، ما يعني في الكثير من الأحيان أن اللاجئين ليس لديهم مكانٌ يعودون إليه. وقد أصدر النظام السوري لوائح تشترط حصول بعض اللاجئين في لبنان على تصاريح أمنية. لكن في غالب الأحيان، ترفض الأجهزة الأمنية منحهم الإذن للعودة،59 علمًا أن عددًا من السوريين عاد بشكلٍ غير رسمي.60

سعى النظام السوري، بدعمٍ من حزب الله، إلى استخدام وجود اللاجئين السوريين في الدرجة الأولى لتحقيق مكاسب سياسية في لبنان، وتحديدًا لإعادة إحياء العلاقات الرفيعة المستوى والتنسيق الوثيق بين البلدَين.61 لكن هذه المسألة موضع خلافٍ في لبنان نظرًا إلى هيمنة سورية على البلاد طوال عقود، وإلى اعتقاد كثيرٍ من اللبنانيين بضلوع سورية وحزب الله في عملية اغتيال رئيس الوزراء الراحل والشخصية السنيّة البارزة رفيق الحريري في العام 2005. فقد أدّى مقتل الحريري إلى اندلاع مظاهرات واسعة النطاق، أعقبها انسحاب الجيش السوري من لبنان بعد وجودٍ دام تسعة وعشرين عامًا.62 ومنذ النجاح الذي حقّقه حزب الله في الصراع السوري، ضغطَ من أجل توطيد العلاقات مع سورية،63 أولاً على أساس أن هذا الأمر قد يفيد لبنان اقتصاديًا،64 وثانيًا لأنه ضروريٌ من أجل ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

أصبح وجود اللاجئين السوريين في كلٍّ من تركيا ولبنان سببًا في زيادة حدّة الانقسام الوطني، وفي تأجيج الحملات الشعبوية ضدّ السوريين.65 ونظرًا إلى أن الكثير منهم أتوا إلى لبنان لأسباب اقتصادية، جادل بعض اللبنانيين لصالح تبنّي مقاربة موجّهة أكثر نحو الأمن، لا تسعى فحسب إلى خفض عدد السوريين في البلاد، بل أيضًا إلى وضع حدٍّ للتهريب عبر الحدود، الذي كان كبّد الدولة اللبنانية خسائر بالغة، ولا سيما أنها غارقة أساسًا في أزمة اقتصادية حادّة.66 يُضاف إلى ذلك أن الأعداد الكبيرة من السوريين أحدثت خللًا في التوازن الطائفي الدقيق في لبنان، لأن معظم اللاجئين ينتمون إلى الطائفة السنّية. كذلك، شكّل اللاجئون عبئًا ثقيلًا على البنى التحتية المتهالكة في لبنان، ولا سيما أن معظمهم استقروا في مناطق فقيرة، ما أسفر عن حدوث احتكاكات بسبب التنافس على الموارد الشحيحة.67

لذا، قد يكون النظام في دمشق خسر سيادته على المناطق الحدودية، بيد أنه سعى في لبنان إلى استخدام العوامل الديموغرافية وسيلةً لاستعادة بعض النفوذ الذي كان يتمتع به في البلاد.68 مع ذلك، تشكّل عودة اللاجئين أيضًا ورقة مساومة في مفاوضات سورية مع المجتمع الدولي، ومع الدول العربية التي تريد سورية إعادة تطبيع العلاقات معها بعد سنوات من العزلة، وحتى مع حزب الله الذي لم يكن النظام دومًا راضيًا عن نفوذه المتنامي في سورية. وسيتطلّب إحراز أي تقدّم بشأن عودة اللاجئين على الأرجح تنازلات سياسية أو مالية مهمّة.

العلاقات الاقتصادية عبر الحدود والأسواق الجديدة

كان للصراع السوري تأثيرٌ مهمٌ آخر على المناطق الحدودية، إذ أدّى إلى إعادة تشكيل الشبكات الاقتصادية العابرة للحدود، وبروز مراكز وقوى اقتصادية جديدة خارجة عن سيطرة النظام السوري. وبدا هذا جليًا بشكلٍ خاص على طول الحدود الشمالية مع تركيا، ولا سيما عبر تهميش مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام والحدّ من دورها كمركزٍ اقتصادي لصالح بلدات حدودية تجمعها روابط قوية مع تركيا والشركات التي تتّخذ من تركيا مقرًّا لها. تختلف الأمثلة على طول الحدود السورية التركية باختلاف من يسيطر على منطقةٍ محدّدة، لكن في جميع الحالات، يسلّط الوضع على الأرض الضوء على ضعف قبضة نظام الأسد في المناطق الحدودية الشرقية.

حلب في زمن الحرب، على غرار مدن أخرى في سورية، تروي قصة انقساماتٍ وموتٍ ونزوحٍ ودمار. وتبرز حلب أكثر من غيرها من المدن لأنها شكّلت قبل الحرب المركز الاقتصادي والإداري للنصف الشمالي من البلاد، ثم استُبدِلت بنظام اقتصادي جديد مرتبط بالحدود الدولية. في العام 2010، ساهمت محافظة حلب بخُمس الناتج المحلي الإجمالي في سورية.69 تجاريًا، كانت البضائع والسلع تصل من جميع أنحاء العالم عبر الطرقات البرّية والموانئ البحرية إلى حلب ليُعاد توزيعها ليس في مختلف أرجاء المحافظة فحسب، بل أيضًا في الشمال السوري كلّه. وتوافدت القوى العاملة من الأحياء الأكثر فقرًا في المدينة ومناطق السكن العشوائي في ضواحي حلب الشرقية أو المناطق الريفية الداخلية حيث كانت فرص العمل محدودة. ولكن حين امتدّت الحرب إلى حلب في العام 2012، انقلب الوضع رأسًا على عقب: فشهدت المدينة هروب رؤوس الأموال والمستثمرين، وكذلك القوى العاملة الماهرة، وانتقلت الأنشطة الاقتصادية إلى مناطق حدودية أكثر أمانًا خارج سيطرة الحكومة.70

تشكّل بلدة سرمدا الحدودية الواقعة إلى الغرب من حلب على مقربة من معبر باب الهوى مع تركيا خير مثالٍ على ذلك.71 فهي كانت تضمّ 15 ألف نسمة قبل العام 2011، وازداد عدد سكانها ليبلغ 130 ألف نسمة بحلول العام 2019، بعد أن أصبحت ملاذًا للنازحين السوريين لأنها كانت محميّةً من الغارات الجوية السورية والروسية نتيجة قربها من الأراضي التركية.72 كان الكثير من النازحين فقراء، لكن ترافق وصولهم مع مجيء مستثمرين أسهموا، بالتعاون مع السكان المحليين في الغالب، في تغيير وجه البلدة التي كانت هادئة حتى ذلك الحين. وسُرعان ما انطلقت عمليات تشييد أحياء أكثر ثراءً، عكست بروز طبقة مزدهرة جديدة.73

المُلفت أن سرمدا باتت جسرًا يربط بين سورية وتركيا والأسواق العالمية، وهو دور كانت تضطلع به حلب قبل العام 2011. وتحوّلت سرمدا إلى مركز اقتصادي للسوريين الذين نقلوا أعمالهم إلى تركيا، وبدأت المدينة بتصنيع السلع وبيعها إلى السوريين داخل تركيا وفي أجزاء أخرى من سورية.74 ففي العام 2015، كانت 35 في المئة من جميع الشركات الجديدة في محافظة كيليس التركية تضمّ مساهمين سوريين، وبلغت النسبة 15 في المئة في محافظة مرسين و13 في المئة في محافظة غازي عنتاب.75 وللحصول على فكرة عن مدى توسّع حجم التبادلات التجارية، بلغت قيمة الصادرات من غازي عنتاب إلى سورية 400 مليون دولار في العام 2015، مُحقّقَةً زيادةً بواقع أربعة أضعاف مقارنةً مع ما كانت عليه في العام 2011.76

باتت سرمدا أيضًا صلة وصل بين الأسواق العالمية وسورية، خصوصًا عبر ميناء مرسين التركي. وشمل ذلك شمال غرب سورية الخاضع لسيطرة المعارضة، والمناطق الكردية في الشمال الشرقي، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية. مع ذلك، بقيت المعابر الداخلية بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وإدلب مغلقة خلال السنوات القليلة الماضية بضغطٍ من السكان المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.77 وأُغلقَت المعابر مع المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة خلال تفشّي وباء كورونا، وبقيت كذلك إلى حدٍّ كبير بعد الوباء. في الوقت الراهن، يركّز معظم التبادلات التجارية بين شمال غرب سورية والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة على أنشطة التهريب.78

نظرًا إلى بروز باب الهوى باعتباره معبرًا مهمًا لتسليم المساعدات الإنسانية إلى سورية، استفادت سرمدا أيضًا من تخزين الإمدادات في مستودعاتها. وباتت هذه المساعدات أساسية للاقتصاد المحلي.79 وبين تموز/يوليو 2014 وتشرين الثاني/نوفمبر 2020، عبرت 37,700 شاحنة مُحمَّلة بالمساعدات الإنسانية إلى المنطقة الواقعة شمال غرب سورية، ومرّت نسبة 85 في المئة تقريبًا من هذه الشاحنات عن طريق معبر باب الهوى.80 وخلال خلافة تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت سرمدا أيضًا مركزًا لعبور السلع الاستهلاكية والمساعدات المتّجهة إلى مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم.81

في كانون الأول/ديسمبر 2016، استولت قوات النظام على الجزء الخاضع لسيطرة الثوّار من مدينة حلب، بعد أن أمّنت في وقتٍ سابق الممرّ الشمالي الجنوبي الذي يربط حلب بدمشق.82 ونفّذت عمليات عسكرية في فترة 2019-2020 مكّنتها تدريجيًا من استعادة أراضٍ كانت في قبضة الثوّار وإعادة فرض سيطرتها على أجزاء من المناطق الداخلية في حلب، على الرغم من أنها لم تنجح في الوصول إلى الحدود التركية.83 وشكّلت هذه التطوّرات بارقة أمل لسكان حلب بأن مدينتهم قد تستعيد بعضًا من نشاطها الاقتصادي. مع ذلك، بقيت حلب مجرّد ظلٍّ لما كانت عليه في الماضي، وسط غياب القوة العاملة أو حركة الاستثمار، واستمرار هجرة الأدمغة وهروب رؤوس الأموال.84 في غضون ذلك، جرى استنساخ نموذج سرمدا في الشمال الغربي الذي أضحى عمليًا منذ العام 2016 محميّة تركية، وشهدت بلدات مثل أعزار وجرابلس والراعي نموًا سكانيًا وتحسُّنًا في البنى التحتية الاقتصادية والحركة التجارية.85

أما حدود سورية مع العراق فتروي قصة مختلفة نوعًا ما. فبدلًا من بروز مراكز اقتصادية بديلة، وقعت أجزاء أساسية من الحدود والموارد التي تُنتجها تحت نفوذ قوى غير حكومية. الجدير بالذكر أن الحدود السورية العراقية تتألّف في الغالب من سهول شاسعة ولا تفصل بين البلدَين حواجز طبيعية، ما سهّل في الكثير من الأحيان عمليات التهريب عبر الحدود. وأدّى قطع العلاقات الدبلوماسية بين سورية والعراق، بدءًا من أواخر السبعينيات ووصولًا إلى أواخر التسعينيات، إلى زيادة أنشطة التهريب أو العلاقات الاقتصادية غير الرسمية بين المجموعات المحلية، والتي سهّلتها في الكثير من الأحيان الروابط العائلية أو القَبَلية عبر الحدود.86

في السنوات الأخيرة، أصبحت أنشطة التهريب والعلاقات الاقتصادية غير الرسمية تحت سيطرة قوى غير محلية، من ضمنها الميليشيات والفصائل المسلّحة التي انخرطت في التهريب كجزءٍ من أنشطتها العسكرية أو سعيًا إلى تعظيم مواردها وتحقيق أرباح أكبر.87 يستمرّ الوضع على هذا الحال في ظلّ بقاء معابر حدودية مهمّة مثل القائم-البوكمال والتنف-الوليد وربيعة-اليعربية إمّا مغلقة أو تعمل بطاقة منخفضة تحت تأثير المجموعات المسلحة. واليوم، في خضمّ هذا المشهد الأمني الهجين على الحدود السورية والعراقية، من غير الواضح التمييز بين الكيانات الأمنية الرسمية وغير الرسمية. ومن الصعب تحديد مَن يمثّل السلطة الشرعية، لأن المجموعات شبه العسكرية ازدادت انخراطًا في مجالات الحوكمة المحلية، والعمليات الأمنية، والأنشطة الاقتصادية. هذا الالتباس يعكس مجموعة المصالح المحلية والوطنية والجيوسياسية الأوسع التي تؤثّر على الحكم المحلي وإدارة الحدود في المنطقة.88

أثّرت ميليشياتٌ مثل كتائب حزب الله ولواء فاطميون وحركة حزب الله النجباء وكتائب الإمام علي سلبًا على الاقتصاد المحلي من خلال الهيمنة على الأنشطة غير المشروعة، ولا سيما تهريب الوقود من سورية. قبل تشرين الأول/أكتوبر 2019، حين أعلنت بغداد إعادة فتح معبر القائم-البوكمال رسميًا،89 كانت الحدود مغلقة، لكن ذلك لم يمنع الميليشيات من السماح لمئات الشاحنات بالعبور لأغراضٍ تصبّ في مصلحة هذه المجموعات، إلى جانب السماح بعبور بعض الشاحنات التي تنقل بضائع مشروعة وغير مشروعة، إضافةً إلى الأسلحة. وأكّد عضو في جهاز أمني عراقي رسمي أن مؤسسات الدولة واجهت صعوبة في مراقبة المناطق التي تسيطر عليها الميلشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني الإٍسلامي قرب منطقة القائم الحدودية،90 وأُفيد بأن هذه الميليشيات فرضت رسومًا على الشاحنات التي تنقل البضائع.91

في بعض الحالات، انخرطت الميليشيات في الاستيلاء على أنشطة اقتصادية رسمية. على سبيل المثال، بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، قامت ميليشيا موالية لإيران داخل سورية بتشغيل حقل الورد النفطي، الواقع على بعد 50 كيلومترًا تقريبًا من العراق. وتشير تقارير إلى أن هذه الميليشيا احتفظت بجزءٍ من الإنتاج النفطي، بينما نقلت القسم الأكبر إلى مصفاة حمص في إطار صفقة بين هذه الميليشيا، وشركة يرأسها رجل الأعمال المقرّب من نظام الأسد حسام قاطرجي، ووزارة النفط السورية التي تدير المنشأة. علاوةً على ذلك، تؤدّي الميليشيات والسكان المحليون المرتبطون بها أيضًا دورًا في تهريب النفط والتبغ من العراق إلى سورية.92 هذان المثلان يسلّطان الضوء مجدّدًا على السلطة المحدودة للدولة السورية في هذه المناطق.

في القسم الشمالي من الحدود، عمَدت كلٌّ من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية التي تقودها وحدات حماية الشعب، وحكومة إقليم كردستان إلى إضفاء طابع رسمي فضفاض على إدارة المعابر الحدودية المشتركة في إطار جهودهما الهادفة إلى تحمّل مسؤولياتٍ كانت سابقًا من اختصاص حكومتَي دمشق وبغداد.93 ويقع هذَين الكيانَين في منزلةٍ ما بين الجهات الحكومية والجهات غير الحكومية. تجري مجموعة متنوعة من الأنشطة عبر الحدود بين الجانبَين، وتشمل التجارة الرسمية وغير الرسمية، وهجرة الأفراد بحثًا عن فرص عمل، وتحرّكات مسلحي حزب العمّال الكردستاني والقوات الأميركية، وغيرها. وتحدث هذه الأنشطة بشكل مستقل عن الحكومتَين السورية والعراقية، اللتَين لا تعترفان بالأنشطة التي تتمّ عبر المعبر الأساسي، المعروف بمعبر سيمالكا على الجانب السوري وفيشخابور على الجانب العراقي.94 تهدف الترتيبات غير الرسمية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية وحكومة إقليم كردستان إلى مكافحة التهريب والأنشطة غير المشروعة التي تستنزف موارد قيّمة. مع ذلك، لا تزال المنطقة الحدودية غارقة في الصراع وانعدام الاستقرار المؤسسي، فيما تتنافس الفصائل السياسية والمجموعات شبه العسكرية التابعة لها على النفوذ والسيطرة. ونتيجةً لذلك، تستمرّ أنشطة السوق الموازية وتحظى في بعض الحالات حتى بدعم السلطات الإدارية في حكومة إقليم كردستان والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية.95

من الجوانب اللافتة في هذا المشهد الاقتصادي المتغيّر بروز معابر حدودية جديدة تسهّل حركة الأشخاص والسلع بين شمال شرق سورية وإقليم كردستان العراق.96 هذه مواقعٌ مُتنازَع عليها يحاول كلٌّ من الحزب الديمقراطي الكردستاني والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية كسبَ نفوذ سياسي فيها. تمتدّ هذه المنطقة الحدودية على مسافة 150 كيلومترًا تقريبًا، بدءًا من المثلّث الحدودي العراقي-السوري-التركي وجنوبًا نحو قضاء البعاج في محافظة نينوى على الجانب العراقي، وحتى مدينة الشدادي على الجانب السوري.97 وفي هذه المنطقة معبرٌ حدودي رسمي واحد هو معبر ربيعة-اليعربية، إضافةً إلى ثلاثة معابر غير رسمية هي سيمالكا-فيشخابور، والفاو، والوليد (الذي يجب تمييزه عن معبر آخر يحمل الاسم نفسه جنوبًا).98

الوضع الأمني والمناطق الحدودية السورية

شهدت سورية على مدى العقد الماضي نشوء عددٍ من النُظم الأمنية الموازية، التي وإن كان أحدها يختلف عن الآخر، تقوّض جميعُها سيادة الدولة السورية وسلطة حكومتها، خصوصًا في المناطق الحدودية. وهذه النُظم تركية وإيرانية وأميركية، يعمل كلٌّ منها ضمن مناطق عملياتٍ أو نفوذٍ محدّدة.

نجح النموذج الأمني الإيراني، من خلال تقوية الميليشيات المحلية الموالية لإيران، في ربط العراق بشرق سورية، ومن هناك بجنوب سورية ولبنان. وبلدة القائم خير مثالٍ على كيفية استخدام إيران بلدةً سنّيةً ممرًّا لميليشياتها بغية ضمان نفوذها في المنطقة، في ظلّ توسيع حجم تأثيرها على بعض المجموعات السنّية المسلحة. في المقابل، ساد النموذج الأمني التركي في شمال سورية، حيث للجيش التركي وجود، ونجح في إقامة مناطق دفاع ذاتي فعّالة، وإعادة تشكيل هياكل السلطة المحلية. أما الولايات المتحدة، فهي موجودة في شرق سورية وشمال شرقها، وفي قاعدة التنف المجاورة للأردن، نظرًا إلى مشاركتها بدايةً في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ولا تبدو دمشق قادرة على استعادة سيادتها على تلك المناطق الحدودية في المستقبل المنظور.

وعلى خلاف الشمال الشرقي والشمال الغربي، يتّسم المشهد الأمني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالمزيد من التقلّب، إذ لا يوجد نموذج أمني مهيمن واحد، بل ثمّة تداخل ديناميّ وتنافس بين قوات النظام السوري وروسيا وإيران.99 لقد عجزت روسيا والقوات الحكومية، كلٌّ لأسباب مختلفة، عن إرساء إطار أمني جديد بعد العام 2016، حينما ساعدت موسكو النظام السوري في استعادة المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، بما فيها محافظات ريف دمشق والجنوب بأكمله. بدا الجيش السوري في البداية منتصرًا بفضل الدعم الروسي له، إلا أن نظام الأسد أخذ يضعف تدريجيًا في السنوات اللاحقة، وذلك جزئيًا بسبب العقوبات الأميركية الساحقة، وانهيار الاقتصاد اللبناني الذي كان بمثابة الرئة المالية للاقتصاد السوري المعتلّ،100 فيما حوّلت روسيا تركيزها نحو حربها في أوكرانيا. فكانت النتيجة أن بدأت المساعي الروسية في جنوب سورية تتعثّر.101 مع ذلك، لا تزال روسيا لاعبًا مهمًّا، ولكن بدرجة أقلّ من إيران، التي تُعَدّ اللاعب الرئيس في سورية.

النموذج الإيراني

لا يزال النموذج الأمني الإيراني في طور التشكّل، وهو يواجه تحدّيات. فالصراع السوري أتاح أمام طهران مساحةً لتوسيع شبكاتها العسكرية والاقتصادية، وامتدادها الإيديولوجي، في شتّى أرجاء سورية، وهو ما رسّخ الاعتقاد بأن إيران لاعبٌ سياسيٌّ يتمتّع بنفوذ إقليمي كبير، نظرًا إلى وجودها بالقرب من أراضٍ تسيطر عليها إسرائيل، وعلى طول الحدود الأردنية. لكن أنشطة إيران في جنوب سورية لا تقتصر على مواجهة إسرائيل، خصم طهران الرئيس في المنطقة، بل هي تعمل أيضًا على تنفيذ مشروع طويل الأمد يرمي إلى تحويل مجالات نفوذها في المناطق الحدودية السورية إلى موارد سياسية. هذه الموارد يمكن أن تُستخدَم كورقة ضغط لا ضدّ إسرائيل، ونظام الأسد، وروسيا، والأردن (الذي يشكّل فعليًّا البوابة إلى الخليج) فحسب، بل أيضًا في سياق المفاوضات حول القضايا الإقليمية التي تشمل سورية ولا تنحصر بها.

الواقع أن النموذج الأمني الإيراني يبقى الأنجع والأكثر تطوّرًا في سورية، نظرًا إلى مكامن ضعف روسيا ونظام الأسد. وتكشف الأنشطة التي اضطلعت بها إيران خلال العقد الماضي في كلٍّ من دمشق والمحافظات السورية الجنوبية، ولا سيما في القنيطرة ودرعا، وإلى حدّ أقلّ بكثير في السويداء، سماتٍ عدّة من هذا النموذج، أبرزها أنه يعمل ضدّ سيادة الدول، ويتجاوز الحدود الوطنية. فالبنية التحتية الأمنية التي أنشأتها إيران وحزب الله في محافظتَي ريف دمشق والقنيطرة تشكّل جزءًا من إطار أمني أوسع يربط مراكز نفوذٍ إيرانية عدّة في المنطقة. والدليل على ذلك لائحة الضحايا من الإيرانيين وحلفائهم، إذ إن الكثير من عناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني، الذي يقود فيلقُ القدس التابع له العمليات الإيرانية في الخارج، قُتِلوا في هجمات إسرائيلية على دمشق وجنوب سورية، ما يؤكّد أنهم ينشطون في تلك المناطق، وأنهم أنشأوا شبكة تمكّنهم من التحرّك بين إيران، والعراق، ولبنان، وسورية.102

ويعمل النموذج الإيراني ضدّ سيادة الدول تحديدًا لأنه قوّض الدولة السورية الضعيفة أصلًا لصالح مشروعٍ يتجاوز الحدود الوطنية. فهذا النموذج يستمدّ قوته حكمًا من إخضاع سورية للمصالح الإيرانية. ولا شكّ في أن ذلك يمثّل معضلةً لنظام الأسد، الذي وإن كان يحصل على الدعم من حليفه، ويتموضع أحيانًا كجزءٍ من محور المقاومة، يُدرك أن الثمن الذي سيدفعه في نهاية المطاف هو الإذعان السوري. وأحد الأمثلة على ذلك هو ارتفاع عدد الانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري بعد العام 2011 مقارنةً بما قبله، حينما كان نفوذ إيران في سورية أقلّ بكثير.103

ومن الخصائص اللافتة الأخرى للنموذج الإيراني أنه مُجهَّز لينجح بشكل أفضل في بيئات ما بعد الصراع غير المستقرّة، مثل جنوب سورية. في المقابل، ألحق غياب الاستقرار في الجنوب السوري ضررًا بالغًا بالقوات الحكومية، إذ تسبّبت الاغتيالات والهجمات هناك باستنزاف موارد دمشق. وهكذا، أصبح الجنوب، من الناحيتَين السياسية والإدارية، مثالًا على فشل الحكم في مرحلة ما بعد الصراع. أما روسيا، فمع أنها حقّقت إنجازًا بتوسّطها الناجح في العام 2018 في اتفاقٍ أنهى حكم الثوّار ولقي قبول كلٍّ من الحكومة السورية، والولايات المتحدة، وإسرائيل، والأردن،104 فشلت في فرض نفوذٍ دائمٍ على الأرض، وخسرت بعض ما كانت قد اكتسبته في سورية بعد غزوها لأوكرانيا.105

لكن النظام الأمني الذي أرسته إيران لا يخلو من التحدّيات، خصوصًا أن الميليشيات الإيرانية تواجه معارضةً في أوساط سكانٍ مُعادين لها بشكلٍ كبير في درعا والسويداء. ففي السويداء مثلًا، حاولت إيران تأسيس ميليشيا درزية ودعمها، إلا أنها فشلت بسبب المعارضة المحلية القوية من داخل المجتمع المحلي.106 ويبدو أن الضربات الإسرائيلية القليلة في المحافظتَين هي مؤشّر على عجز إيران (حتى الآن) عن إرساء وجود لها يشكّل تهديدًا لإسرائيل.107 مع ذلك، تتمتّع طهران وحلفاؤها بأفضلية استراتيجية تعود إلى أنهما الطرفان الأجنبيان الوحيدان اللذان يمتلكان نموذجًا أمنيًا، وموارد، وخبرة واسعة في العمل في بيئات فوضوية. فعلى سبيل المثال، تمكّنت إيران، من خلال الميليشيات التابعة لها، من إنشاء جيوب نفوذٍ في القنيطرة وصولًا إلى خطّ الهدنة للعام 1973 مع مرتفعات الجولان المحتلّة، فيما استغلّت التظلّمات المحلية والمخاوف الطائفية التي برزت خلال سنوات الصراع السوري.108 وقد أتاح لها تأثيرها على الشبكات غير الرسمية أيضًا توفير الحماية والرعاية، من خلال إشراك السكان المحليين في أنشطة مُدرّة للدخل مشروعة أو غير مشروعة.109

أحد الجوانب المهمّة للنموذج الأمني الإيراني هو امتداده إلى لبنان، حيث أدّى حزب الله دورًا أساسيًا في إطار تدخّل إيران في سورية، وفي تحالفات محور المقاومة الممتدّ من إيران إلى البحر المتوسط. فلطالما كانت أجزاء كبيرة من الحدود اللبنانية السورية، باستثناء عكار في أقصى الشمال، مناطق نفوذ رئيسة لحزب الله، الذي استخدمها لنقل الأسلحة وغيرها من العتاد من لبنان وإليه.110 وعقب تدخّل حزب الله في الصراع السوري في العام 2012 إلى جانب نظام الأسد، ازدادت سيطرته على هذه الحدود، وتحديدًا بعد انتصاره في معركة القصير في العام 2013. ومذّاك الحين، أصبح حزب الله لاعبًا على جانبيَ الحدود، ما أدّى إلى بروز ديناميّات متناقضة. وفيما واجه الحزب في سورية صدًّا من النظام كردّ فعلٍ على فقدان سيادته جرّاء تعاظم نفوذ الحزب،111 تعاوَنَ الطرفان في لبنان للتأثير على سلوك الدولة اللبنانية، واستخدما الحدود للقيام بعمليات التهريب المربحة.112

عارض النظام السوري وحزب الله منذ فترة طويلة محاولات الدولة اللبنانية الرامية إلى تشديد الرقابة على الحدود، نظرًا إلى المنافع التي يجنيانها منها. فالجيش اللبناني شيّد أبراج مراقبةٍ على الجانب اللبناني من الحدود بدعمٍ من المملكة المتحدة للحؤول في البداية دون تسلّل الجماعات السلفية الجهادية إلى لبنان، ومراقبة الحركة عبر الحدود، ومنع التهريب.113 ساعدت الأبراج الجيش اللبناني في الحدّ من تدفّق اللاجئين السوريين إلى لبنان، وأُوقِف المئات منهم كل شهرٍ في العام الماضي.114 لكن الحكومة السورية تقدّمت رسميًا بشكوى إلى الحكومة اللبنانية تعترض فيها على استخدام الأبراج، زاعمةً أنها تزوّد المملكة المتحدة بالمعلومات الاستخباراتية عن سورية.115 كذلك انتقدت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله هذه الأبراج علنًا.116 من المستبعد أن يؤدّي هذا الاستياء إلى التوقّف عن استخدام الأبراج، إلا أنه قد يحدّ من زيادتها وإجراء تحسينات تكنولوجية عليها. وهكذا، تبقى الحدود سهلة الاختراق، ما يسمح لحزب الله والقوى الأخرى بالعمل على جانبَيها.

فضلًا عن ذلك، ساهم دور حزب الله في البنية الأمنية الإيرانية في سورية في تعزيز جهود طهران الرامية إلى ربط إيران بالمتوسط.117 فخلال الصراعَين اللذَين اندلعا في العراق وسورية في العقدَين الماضيَين، امتدّ نفوذ إيران إلى آلاف الأميال، ما أدّى إلى تآكل أو استبدال سلطة الحكومات المركزية في كلٍّ من العراق وسورية ولبنان على مناطقها الحدودية. ولكن ذلك لم يخلُ من العوائق. ففي العام 2018، بعد ثلاث سنوات على تدخّل موسكو في سورية، انتشرت الشرطة العسكرية الروسية في منطقة القصير،118 الأمر الذي أثار التوتّرات مع حزب الله. عبّرت هذه الخطوة عن امتعاض كلٍّ من نظام الأسد وروسيا من انتشار حزب الله الطويل الأمد على الجانب السوري من الحدود مع لبنان. ثم أدّى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تقليص الوجود الروسي في سورية عمومًا، وفي المناطق الحدودية خصوصًا، إلا أن قرار الجيش السوري بترسيخ وجوده في منطقة القصير في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، يدلّ على أن التشنّجات حيال نفوذ حزب الله داخل سورية لا تزال قائمة.119

ومن المستبعد أن يتغيّر هذا الوضع عمّا قريب. فقد حاول حزب الله فرض وجوده في المنطقة الحدودية على حساب الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية. تجلّى ذلك أكثر ما تجلّى خلال المعارك التي وقعت في صيف العام 2017 في المنطقة الحدودية الشرقية ضدّ الجماعات الجهادية السلفية التابعة لتنظيمَي الدولة الإسلامية والقاعدة. انخرط حزب الله آنذاك في محاربة هذه الجماعات إلى جانب الجيش اللبناني، الذي كان أطلق عملية فجر الجرود، ليظهر بمظهر حامي حدود لبنان كما الجيش.120 إضافةً إلى ذلك، أبرم الحزب في وقتٍ لاحق اتفاقًا مع المسلحين السوريين للسماح بنقلهم إلى شمال سورية وشرقها، الأمر الذي قوّض بوضوح الدولة اللبنانية والجيش اللبناني بوصفهما المُحاوِر الرئيس في مسائل الدفاع الوطني. وما أعادت هذه الحادثة تأكيده هو أن الحزب غير مستعدٍّ للتنازل عن جزءٍ كبير من عملية صنع القرار بشأن الحدود مع سورية لصالح مؤسسات الدولة اللبنانية، وذلك إلى حدٍّ كبير لأن الحدود عنصرٌ أساسي من الشبكة الأمنية الإقليمية الإيرانية الأوسع، كما هي الحال في سورية أو العراق. وستظلّ المصالح الإيرانية هي التي تحدّد الأهمية المحورية لسورية في استراتيجية إيران الإقليمية.

النموذج الأمني الإيراني، الذي يشكّل فيه حزب الله تهديدًا أمنيًا واضحًا لإسرائيل، لا يقتصر على لبنان فقط، بل يمثّل انعدام الاستقرار وانتشار الشبكات الإجرامية غير الرسمية في كلٍّ من درعا والقنيطرة أيضا مشكلةً أكبر للأردن. فالتهديد للأردن نابعٌ من حقيقة أن هذه الشبكات المرتبطة بإيران تنخرط في أنشطةٍ غير مشروعةٍ تتسبّب بزعزعة استقراره بطرق عدّة،121 أحدها الإتجار بالمخدّرات، إذ أصبح الأردن سوقًا للمخدّرات المُنتَجة في سورية. ففي الفترة الممتدّة بين العامَين 2012 و2022، ارتفعت حالات حيازة المخدّرات والإتجار بها في أوساط المواطنين المحليين أو الأجانب بنسبة 150 في المئة، من 7,714 إلى 19,140 حالة.122 في الوقت عينه، يشكّل الأردن أيضًا نقطة عبور لتهريب المخدّرات إلى دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، الأمر الذي قد يتسبّب بمشاكل لعلاقات الأردن بهذه الدول.123 كذلك أفادت السلطات الأردنية بازدياد محاولات تهريب الأسلحة إلى الأردن أو عبره إلى الضفة الغربية، ما يشكّل تهديدًا أمنيًا كبيرًا له.124 أما من منظور إيران وحلفائها، فهذه التطوّرات هي موضع ترحيب، ليس فقط لأنها تعطي دمشق المتحالفة مع طهران، ورقة ضغط سياسية قيّمة في علاقاتها مع دول الخليج والأردن، يمكنها استخدامها لإعادة دمج سورية في العالم العربي، بل أيضًا لأنها تلحق الضرر بمصالح الأردن، الحليف البارز للولايات المتحدة والذي تربطه بإسرائيل معاهدة سلام.

لا بدّ من الإشارة إلى أن مواجهة الأردن للنموذج الأمني الإيراني في جنوب سورية كانت خجولةً مقارنةً مع الردّ الإسرائيلي له. فقد سعى الأردن، منذ تقاربه مع النظام السوري، إلى التعاون مع دمشق للحدّ من التهديدات الآتية من الحدود السورية، من خلال عقد اجتماعات عدّة رفيعة المستوى ضمّت مسؤولين أمنيين وعسكريين.125 وفي موازاة ذلك، أصبح الأردن أيضًا أشدّ حزمًا في تصدّيه للمهرّبين على حدوده مع سورية،126 مُحاوِلًا في بعض الأحيان استهدافهم داخل سورية،127 مع العلم أنه سعى أيضًا إلى الحصول على المزيد من المساعدة في هذا الإطار من الولايات المتحدة.128 لكن على الرغم من تحسّن العلاقات بين الأردن ودمشق، لم يبذل الجانب السوري جهودًا تُذكر للتعاون والمعاملة بالمثل، على الرغم من أن الحدود السورية الأردنية لا تزال تشكّل بؤرةً لانعدام الاستقرار، ما يسمح بازدهار الشبكات المرتبطة بإيران.

النموذج التركي

بدأت الحكومة التركية بدعم الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد منذ الأشهر الأولى للانتفاضة. وبلغ تعاون تركيا مع المعارضة السورية ذروته أثناء معركة حلب في صيف العام 2012، حينما سيطرت فصائل المعارضة المسلحة على أجزاء واسعة من محافظة حلب. وردّ النظام على ذلك بسحب قواته من المناطق الكردية على طول الحدود التركية، وتسليم هذه المناطق لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب، الخصم الرئيس لأنقرة، تاركًا وراءه تهديدًا أمنيًا لتركيا.129

يشكّل أمن الحدود من المنظور التركي قضيةً وجودية، نظرًا إلى العدد الكبير من الأكراد في تركيا، ومخاوفها من أن يسعوا إلى إقامة دولة مستقلّة. لذا دخل الجيش التركي الأراضي السورية مرّات عدّة على مدى العقد الماضي، وأنشأ جيوبًا لبسط سيطرة أنقرة على كامل الحدود. كان هدف هذه العمليات العسكرية في نهاية المطاف إنشاء منطقةٍ خاليةٍ من وحدات حماية الشعب، على حدّ قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2019.130 مع ذلك، يبدو تحقيق هذا الهدف بالكامل أمرًا غير واقعيّ في المستقبل المنظور بسبب المصالح المتضاربة للدول المتواجدة في المنطقة، بما فيها تركيا، والولايات المتحدة، وروسيا، وإيران.

ترتكز عناصر النموذج الأمني التركي على التركيبة الديموغرافية والوجود العسكري المباشر. فالصراع في شمال سورية، وجنوب تركيا، وشمال العراق، تحرّكه دوافع عرقية، ويشمل العرب والأكراد والأتراك. وإذا ألقينا نظرةً فاحصة على ما بَنَته أنقرة على طول الحدود خلال العقد الماضي، وجَدْنا ما يثبت ذلك بوضوح. فقد أفضت الحملات العسكرية للجيش التركي إلى إنشاء مناطق عدّة على طول الحدود مع شمال سورية يهيمن عليها العرب، وبالتالي فصلت أنقرة القوات العسكرية التي يقودها الأكراد، ولا سيما قوات سورية الديمقراطية، عن الأراضي التركية على الجانب الآخر من الحدود. تخضع هذه المناطق العسكرية لسيطرة السلطات التركية المباشرة، وترتبط إداريًا بالمحافظات الواقعة على الجانب التركي، ولا سيما غازي عنتاب، وأورفة، وكيليس، ومدينة أنطاكية.

تؤدّي الروابط الإثنية أيضًا دورًا كبيرًا في تشكيل هذا النموذج، إذ إن هيكل السلطة التركية في هذه المناطق هو من أعلى إلى أسفل، وقائم على أساسٍ عرقي، وثابت أي أنه يتّسم بوجود قوات تقليدية، وحدود وخطوط أمامية واضحة، وإدارات محلية. والتركمان السوريون، وإن كانوا أقلّيةً ضئيلة، هم المجموعة التي تحظى بالقدر الأكبر من ثقة القادة الأتراك، لا في سياق حماية الحاجات الأمنية المباشرة لتركيا فحسب، بل أيضًا من أجل الحفاظ على النفوذ التركي المحلي على المدى الطويل. فقد حاربت فرقة السلطان مراد، وهي جماعة مُعارِضة مسلحة ومكوّنة بمعظمها من التركمان السوريين، ضدّ نظام الأسد خلال الانتفاضة، وسُمِّيَت تيمّنًا بأحد السلاطين العثمانيين الأوائل، ما يعكس هويّتَها الرمزية. وهذه العلاقة لا تقتصر على الدعم العسكري، إذ إن وقف الديانة التركي مثلًا اختار فقط الفرقة التركمانية المسلحة في منطقة عفرين الحدودية لتزويدها بالمساعدة اللوجستية والمالية.131 وتنضوي فرقة السلطان مراد في صفوف الجيش الوطني السوري الذي أسّسه الأتراك في العام 2017، والذي تعمل ضمنه أيضًا فصائل مسلحة عربية سنّية.132 وما يجعل هذا التحالف متماسكًا هو الخوف المشترك من توسّع قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.

ثمّة خللٌ أساسي يشوب النموذج التركي، وهو أن الحدود السورية التركية ستبقى مصدر قلقٍ دائمٍ لأنقرة في المستقبل المنظور. اتّبعت تركيا سياسة الحدود هذه منذ العام 2016 في محاولةٍ لتصحيح أوجه القصور في استراتيجيتها السابقة، التي قامت على دعم الجماعات السياسية الإسلامية في تمرّدها ضدّ نظام الأسد. وحين لم تأتِ هذه المساعي أُكلَها، رأت أنقرة أن حدودها مع سورية أصبحت ضعيفة. ومنذ العام 2016، أتاح نهج تركيا المنقّح لها استعادة زمام المبادرة في المناطق الحدودية مع سورية، إلا أن تثبيت استقرار هذه المناطق ليس في يد تركيا وحدها، ولا في يد أيّ طرف سياسي واحد في سورية. بالتوازي مع ذلك، تظلّ قدرة نظام الأسد على المشاركة في السيطرة على تلك الحدود محدودةً للغاية. وتواجه تركيا أيضًا معضلةً في شمال سورية على صعيد الحكم المحلي. ففي حين أن مستوى معيّنًا من الإدارة والمراقبة المشدّدتَين ضروريٌّ ليتمكّن الأتراك من تحقيق أهدافهم الأمنية، يزيد انخراطُهم المسؤوليات المُلقاة على عاتقهم في ما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية، والأمن، والاستقرار، والحكم في المناطق التي ترزح تحت وطأة انعدام الاستقرار، والتطرّف، والفقر، والعسكرة.

تجدر الإشارة إلى أن المساعي الرامية إلى رأب العلاقات بين أنقرة ودمشق مستمرّة بوساطةٍ روسية وعراقية، نظرًا إلى قلقهما المشترك بشأن التهديد الكردي. وكان مسار التقارب بدأ في العام 2022 بوساطة روسية، إلّا أن الجهود المبذولة آنذاك لم تحقّق نجاحًا يُذكَر. ثم أُعيد إحياء جهود التقارب في صيف العام 2024، من خلال وساطة عراقية وبدعمٍ روسي، وقد أبدى الطرفان حينئذٍ مرونةً أكبر من السابق. فقد أعلن الأسد أنه منفتحٌ على كل تلك المبادرات شرط أن تحترم سيادة سورية،133 فيما صرّح أردوغان قائلًا: “مثلما أبقينا علاقاتنا حيوية للغاية في الماضي، حتى إننا أجرينا محادثات بين عائلاتنا مع السيد الأسد. من غير الممكن بالتأكيد [القول] إن ذلك لن يحدث مجدّدًا في المستقبل، بل يمكن أن يحدث”.134 لقد كان أمن الحدود محور تفكير الرئيس التركي.

لكن جهود الوساطة قد تفشل بسبب عددٍ من القضايا الخلافية التي ينبغي على الطرفَين حلّها. وإذا فشلت هذه الوساطة، فمن المرجّح أن يستمر النموذج الأمني التركي أو حتى أن يتوسّع لحماية المصالح التركية. وفي حال نجحت الدولتان في تحسين العلاقات بينهما، لن يؤدّي ذلك بالضرورة إلى اتفاق، بل سيكون في أحسن الأحوال فاتحةَ مسار صعب ولا يمكن التنبّؤ به لإعادة تشكيل النظام الأمني في شمال سورية. وسيهدف ذلك إلى معالجة مخاوف تركيا ونفي حاجتها إلى فرض نموذجها الأمني الخاص.

النموذج الأميركي

يمكن وصف وجود القوات الأميركية في سورية على أنه امتدادٌ لوجودها في العراق. فمنذ إطاحة نظام صدام حسين في العام 2003، واجه الجيش الأميركي الكثير من التحدّيات الآتية من الحدود السورية، ولا سيما انتقال الجهاديين السلفيين من شرق سورية إلى غرب العراق. وعلى الرغم من خطّة الانسحاب التي بدأتها إدارة الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في العام 2011، بقيت القوات الأميركية متمركزةً على الحدود السورية العراقية، حيث أنشأت إطارًا أمنيًا كان الهدف منه في المقام الأول تأمين الحدود. ومع مرور الوقت، انخرطت الولايات المتحدة بشكل متزايد في ديناميات الصراع السوري بسبب بروز تنظيم الدولة الإسلامية، والشراكة الناتجة عن ذلك مع قوات سورية الديمقراطية بقيادة الأكراد، وتوسّع نفوذ إيران وشبكاتها في سورية.

شكّل إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2013، والذي ربط بين أنشطة الجهاديين السلفيين في غرب العراق وشرق سورية، تهديدًا كبيرًا للأمنَين الإقليمي والدولي من قلب الشرق الأوسط. ردًّا على ذلك، أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا واسعًا لإلحاق الهزيمة بالتنظيم، انضمّت إليه القوات الكردية التي تقاتل تحت لواء قوات سورية الديمقراطية. لكن هذا التحالف ليس دائمًا أو محصّنًا في وجه التحوّلات الجيوسياسية على الإطلاق. صحيحٌ أن تهديد تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال قائمًا، إلا أن الشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية معقّدةٌ نظرًا إلى أن هذه القوات، وإن كانت تنظر إلى المنطقة الواقعة شرق الفرات (والحدود برمّتها) من منظور مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، فهي تراها أيضًا في ضوء الصراع الدائر بين حزب العمّال الكردستاني وتركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي. في الحالتَين، تؤدّي التطوّرات في المنطقة الحدودية إلى تأثيرات إقليمية، ولا تبقى مجرّد قضايا سورية محلية.

أما الولايات المتحدة فترى أن تأمين حدود سورية الشمالية الشرقية والشرقية مع العراق له تأثيرات واضحة على هذا الأخير. بينما تبقى الأولوية العسكرية للقوات الأميركية منع تنظيم الدولة الإسلامية من الصعود مجدّدًا، وهي عملية قد تستغرق عقدًا آخر من الزمن، طرأت حساباتٌ أخرى منذ إلحاق الهزيمة بدولة الخلافة في العراق في العام 2017، وسورية في العام 2019. فقد برزت خريطة نفوذ جديدة في الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم، حيث رسّخت موسكو وجودها في المنطقة من خلال فلول النظام في مدينة القامشلي، وهي تسعى إلى التأثير على الديناميات المحلية، فيما توسّعت طهران، وربطت مدينتَي القائم في العراق والبوكمال في سورية. في المقابل، سيطرت القوات الأميركية وحليفتها قوات سورية الديمقراطية على المعبر الأساسي الذي يربط شمال شرق سورية بإقليم كردستان العراق، وأنشأت قاعدة عسكرية في التنف. ونتيجةً ذلك، أصبحت الحدود التي تربط سورية بالعراق وتركيا مناطق صراعٍ على النفوذ.

لهذا السبب، إن النموذج الأمني الأميركي، على خلاف نظيرَيه الإيراني والتركي، هو الوحيد الذي دخل في صراع مع النموذجَين الآخرَين. عمومًا، لم تهدّد إيران وتركيا بشكل أساسي نظام أمن أحدهما الآخر، ما عدا في العلاقات التكتيكية والقابلة للإدارة التي شكّلتها الميليشيات المتحالفة مع إيران مع حزب العمّال الكردستاني، بينما نسّقتا في الشأن الأمني ضمن مسار الأستانة بالتعاون مع روسيا. في المقابل، يشكّل الوجود الأميركي تحدّيًا كبيرًا لكلٍّ من إيران وتركيا، حتى لو كانتا تختلفان على طريقة ردّهما إذا حدث الانسحاب الأميركي. فالتحالف الأميركي مع قوات سورية الديمقراطية يقيّد ما تستطيع القوات التركية فعله في شمال سورية وشمال شرقها، في حين أن الوجود الأميركي على طول الحدود العراقية يمثّل تحدّيًا استراتيجيًا محتملًا لجهود إيران الرامية إلى ضمان حرية تحرّك قواتها وحلفائها بين العراق وسورية.

وقد اعتمدت الولايات المتحدة في تعزيز نموذجها الأمني على طول الحدود السورية العراقية على الشركاء المحليين بالدرجة الأولى. فالجماعات الكردية تُعَدّ حليفًا مثاليًا في الحرب ضدّ الإرهاب، إذ كانت أولى ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية، وباتت شريكًا موثوقًا بفضل انضباطها العسكري وقدرتها على ضبط السلاح ضمن إطار موحّد. يُضاف إلى ذلك أن الوجود الأميركي القوي في كردستان العراق، حتى لو أنه محدودٌ أكثر اليوم، ساعد في تعزيز الانتشار الأميركي مع ما يضمّه من قنصلية كبيرة وقوة عسكرية.135

لكن السؤال الرئيس الذي يثيره التنافس بين نُظم الأمن الأميركية والتركية والإيرانية يتمحور حول التأثيرات الناجمة عن التوصّل إلى حلٍّ نهائي للصراع في سورية. وكما هي حال الواقع الديموغرافي في البلاد، والتحوّلات الكبرى التي طرأت على التجارة والتبادلات عبر الحدود، تعبّر حالة التشظّي الأمني عن غياب الإطار الوطني في سورية، ما يعقّد بشكلٍ كبير آفاق التفاهم السوري-السوري الذي يجب أن يندرج في صُلب أيّ عملية تسعى إلى إنهاء الصراع في سورية.

المناطق الحدودية ونهاية الصراع السوري

بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على الصراع في سورية، والذي يمكن وصفه اليوم على نحو أدقّ بأنه أزمةٌ متعدّدة الأوجه تنطوي على تشابكات إقليمية، لا يُلام مَن يعتقد أن المشاكل التي تعتري البلاد عصيّةٌ على الحلّ. ونظرًا إلى أن العنف لا يزال متواصلًا في المناطق الحدودية السورية على وجه الخصوص، حيث تتمتّع الأطراف الإقليمية والدولية بقدرٍ كبيرٍ من النفوذ، لا بدّ من أن يتضمّن أيّ حلّ عنصرًا يعالج هذا الواقع، وبُعدًا محليًا يستند إلى خطواتٍ تساعد في إحياء إطار وطني لسورية، بعد أن زال هذا الإطار إلى حدٍّ كبير خلال السنوات التي شهدت تفكّك البلاد.

لكن المفارقة هي أن الحدود السورية بقيت على حالها، ذلك أن النزاع على سورية، وانعدام الاستقرار الذي خلّفه، عزّزا على ما يبدو الاعتقاد في أوساط الدول الإقليمية بأن الحدود يجب الحفاظ عليها، خصوصًا للحؤول دون استفادة الخصوم الإقليميين من إعادة رسمها. ناهيك عن ذلك، كانت ديناميات الصراع أساسيةً في إعادة تثبيت هذه الحدود. فعندما حاول تنظيم الدولة الإسلامية محو الحدود بين سورية والعراق، خاض أعداؤه الحرب من أجل استعادتها. وعندما كانت الحكومة التركية تواجه صعوبةً في معالجة مشكلة تدفّق اللاجئين السوريين إلى تركيا، شكّل ترسيخ الحدود وسيلةً للحفاظ على حاجزٍ يمنع انتقال المشكلة شمالًا.

في موازاة ذلك، امتدّت صراعاتٌ إقليمية إلى سورية، وأبرزها نزاع تركيا مع حزب العمّال الكردستاني، ونزاع إيران مع إسرائيل، لذا ازدادت صعوبة حلّ الأزمة السورية. فالمواجهة بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني امتدّت إلى المناطق الحدودية الشمالية والشمالية الشرقية لسورية، إضافةً إلى أجزاء من جنوب تركيا وشمال العراق. تشكّل هذه المناطق كلّها ما يُعرَف بمنطقة الجزيرة السورية الممتدّة من جبال سنجار في غرب العراق، إلى نهر الفرات في شمال شرق سورية. وقد استمرّت حدّة الصراع في التصاعد تاركةً المجال مفتوحًا أمام تنفيذ الجيش التركي مزيدًا من العمليات العسكرية في المناطق الحدودية السورية. فمن المنظور التركي، يبقى التهديد الذي يشكّله حزب العمّال الكردستاني قائمًا، لذا تُعدّ الحلول التي طرحتها أنقرة عسكرية وأمنية بصورة أساسية. ومنذ انهيار المفاوضات السرّية بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني، التي بدأت في العام 2009 وانتهت في العام 2015، أصبحت الأوضاع المحلية أشدّ تعقيدًا وعرضةً للانفجار على نحو مفاجئ.

يُشار إلى أن أيّ اتّجاهات تفاقم الانقسامات الكردية العربية تضع قوات سورية الديمقراطية، ورعاتها الخارجيين في المناطق الحدودية، ولا سيما الولايات المتحدة، في موقفٍ أصعب. وقد تجلّى ذلك بوضوحٍ في آب/أغسطس-أيلول/سبتمبر 2023، عندما تصاعدت ثورة العشائر العربية ضدّ قوات سورية الديمقراطية بالقرب من دير الزور، وحشدت السكان المحليين.136 ما كان من هذا الوضع إلا أن دفع فلول تنظيم الدولة الإسلامية إلى استئناف أنشطتها، الأمر الذي حثّ القوات الأميركية على التدخّل وتهدئة الأوضاع.137 أظهرت هذه الحالة كيف يمكن للتطوّرات المحلية أن تخلّف تداعياتٍ كبيرة على القوى الخارجية، ما يسلّط الضوء على مدى تقلّب الوضع في المناطق الحدودية السورية، ويؤكّد كيف أن غياب سيادة الدولة يؤدّي إلى انعدام استقرارٍ وصراعٍ لا نهاية له.

أمّا الصراع الإيراني الإسرائيلي فأشدّ خطورةً حتى، إذ إن تداعياته المحتملة قد لا تطال مستقبل سورية فحسب، بل مستقبل المنطقة برمّتها أيضًا. تشكّل المنطقة الممتدّة من حدود سورية مع العراق في أقصى الشرق، إلى حدودها الجنوبية والجنوبية الغربية والغربية مع إسرائيل، والأردن، ولبنان، منطقة عمليات للحرس الثوري الإيراني. وفي حين يدور الصراع بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني على الحافة الشمالية لبلاد الشام، يقع الصراع الإسرائيلي الإيراني في مركز سورية الاستراتيجي، ضمن ما أسماه الأسد “سورية المفيدة”. إن الحوار في هذا الصراع لمستحيلٌ، لأن إيران وإسرائيل منخرطتان في صراع على النفوذ الإقليمي تُفاقِمُه الخلافات الإيديولوجية العميقة.

لقد دعمت إيران نظام الأسد لما يزيد عن عقدٍ من الزمن، وبذلت جهودًا كبيرةً للحؤول دون سقوطه، وفي المقابل تمكّنت من الاستمرار في مساندة حزب الله اللبناني. ولكن المشروع الإيراني يرمي إلى أبعد من ذلك. فطوال فترة الصراع السوري، أنشأ قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، شبكة ميليشيات عابرة للحدود انخرطت في القتال ضدّ المعارضة المسلحة السورية وتنظيم الدول الإسلامية. وانتشرت هذه الميليشيات في مختلف أرجاء العراق وسورية، وهي ترتبط في ما بينها ضمن شبكةٍ تشمل شرق سورية، وحلب، وأطراف دمشق، والحدود الجنوبية السورية، تحت إشراف قادة الحرس الثوري الإيراني. نظرًا إلى نفوذ إيران ووجودها في مناطق محدّدة من سورية، ولا سيما في الجنوب، باتت المواجهة مع إسرائيل أمرًا لا مفرّ منه.

وبسبب الروابط القائمة بين الأطراف المحلية والدول الإقليمية في المناطق الحدودية السورية، زالَ بشكلٍ شبه كامل أي إطار وطني السوري للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وحلّت محلّه هذه التحالفات المحلية-الإقليمية. وبالتالي، أصبحت إعادة بناء دولةٍ وطنيةٍ سوريةٍ حديثةٍ أمرًا غير واقعي اليوم بكل بساطة، ناهيك عن أن تخبّط المناطق الحدودية السورية في شرك الصراعات الإقليمية يعقّد أيّ حلٍّ للأزمة السورية.

يُذكَر أن نهجَين رئيسَين اعتُمِدا لتسوية هذه الأزمة أو إدارتها. النهج الأول مركزيٌّ يشمل الشروع في عملية انتقال سياسي تتمحور حول إعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي في سورية من المركز في دمشق. ويرمي هذا النهج، الذي تَجسَّد في مفاوضات جنيف التي انطلقت في صيف العام 2012، إلى صياغة دستور جديد لسورية.138 وكان قرار مجلس الأمن رقم 2254 أساسيًا في هذا المسعى، مع أنه صيغ ضمن مناخٍ سياسي مختلف إلى حدٍّ كبير عن المناخ السائد في البلاد اليوم. فالتدخّل العسكري الروسي في خريف العام 2015 قَلَب ميزان القوى على الأرض، فمالت دفّته لصالح نظام الأسد وحلفائه الإقليميين، مثل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. هذا التحوّل أفسح المجال أمام اعتماد القرار 2254 في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، لوقف الأعمال العدائية والتوصّل إلى تسوية سياسية في سورية.

أما النهج الثاني فهو أضيق نطاقًا، ويركّز على عقد اتفاقاتٍ محلية في مناطق جغرافية محدّدة، أو حتى عقد اتفاقات أوسع أحيانًا بشأن تلك المناطق، استنادًا إلى اعتبارات أمنية بصورة رئيسة. وقد تَجَسَّد هذا النهج في مسار الأستانة، الذي انطلق في أوائل العام 2017 وضمّ تركيا وروسيا وإيران.139 تكيّف هذا المسار مع حقيقة أن الحرب في سورية تدور على جبهات متعدّدة، وتنطوي على مصالح إقليمية متضاربة، ولذا سعى إلى إرساء الاستقرار على خطوط المواجهة بين قوات المعارضة والجيش السوري وحلفائه. لكن اليوم وبعد مرور سبع سنوات، يتّضح أن النتائج كانت كارثيةً للسوريين، وحالت دون بذل جهود دولية لحلّ الأزمة. فقد أدّت الاتفاقات المحلية التي جرى التوصّل إليها بين نظام الأسد وفصائل المعارضة المسلحة إلى نزوح السكان من وسط سورية وجنوبها إلى المناطق الحدودية مع تركيا. كذلك آلت هذه العملية إلى تشكُّل حدود داخلية، وتقسيم سورية، وتقويض أُسس الاتفاقات الهادفة إلى حلّ أزمة البلاد من خلال إعادة إحياء دور المركز، وأبرزها مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة.

لكن النهجَين المركزي والجغرافي قد استُنفِدا، والمناخ السياسي الدولي تبدّل منذ اعتمادهما. فقد كانت روسيا لاعبًا أساسيًا في كلا النهجَين، إلا أن اهتمامها منصبٌّ اليوم على مكان آخر، حتى وإن لم يكن لديها أيّ نيّة للخروج من سورية. من شأن النزاعات الإقليمية الآخذة في التفاقم سريعًا أن تُغرق الشرق الأوسط برمّته في حربٍ مفتوحة، في ظلّ تشكُّل سياسات المنطقة طبقًا للأولويات الأمنية. في ضوء هذه الحقائق، التي تفاقمها الانقسامات على المستوى الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا، يبدو أيّ حديث عن إنهاء الأزمة السورية بعيدَ المنال في أفضل الأحوال. وبما أن وضع خطّة سلام قد يكون خطوةً بعيدةً جدًّا في الوقت الراهن، من المنطقي أكثر النظر إلى الشروط المسبقة اللازم توافرها في أيّ اتفاق نهائي، على أن يكون الهدف الرئيس في هذه المرحلة اتّخاذ الإجراءات التي من شأنها تخفيف حالة الانهيار التي تشهدها سورية.

لن يكون حلّ الأزمة السورية ممكنًا ما لم يجرِ التوصّل إلى شكلٍ من أشكال التفاهم بين القوى الإقليمية والدولية الرئيسة التي تتمتّع بنفوذٍ في سورية، ولا سيما في المناطق الحدودية. ولكن ما من مؤشّرات اليوم على أن هذه القوى تفضّل حلًّا محدّدًا بدلًا من الوضع الراهن الذي يتيح لها تحقيق مصالحها على نحو مستقلّ. وهذا النهج هو الذي أوصل الوضعَ في سورية إلى طريقٍ مسدود. فبغضّ النظر عن الأهداف التي حدّدتها كل دولة من هذه الدول، سواء كان حزام الأمن الديموغرافي الذي تسعى تركيا إلى إقامته في نزاعها مع حزب العمّال الكردستاني، أم نفوذ إيران الاستراتيجي خارج حدودها في معركتها مع إسرائيل، اصطدمت هذه البلدان كلّها في الغالب بحائطٍ مسدود، ولم تحقّق سوى إنجازات قليلة في السنوات القليلة الماضية.

بتعبيرٍ آخر، تجد هذه القوى الإقليمية والدولية نفسها، إلى جانب حلفائها المحليين، في حالة توازن دقيق يَحول دون تحقيق أيّ طرف من الأطراف تقدّمًا ملحوظًا من دون الإخلال بتوازن القوى، الأمر الذي قد يسمح لأطراف أخرى بتوسيع نفوذها. من الناحية النظرية، يمكن أن يتغيّر هذا الوضع إذا ما أقدم أيٌّ من القوى الرئيسة على تغيير سياساته بشكل كبير، ولكن حاليًا ما من مؤشّرات قوية تدلّ على أن هذا الأمر سيحدث. أما إذا حصل، فسيؤدّي بلا شكّ إلى فراغٍ في السلطة في سورية، ما قد يسفر عن نشوب سلسلةٍ من النزاعات إلى حين إرساء وضعٍ راهنٍ جديد.

وإذا ما افترضنا أن القوى الخارجية في سورية اختارت إدامة الوضع الراهن، فقد تكون النتيجة مفاقمة حالة انعدام الاستقرار نفسها التي تسعى هذه الجهات إلى تجنّبها، وهنا تكمن المفارقة. فاحتواء الصراعات أو إدارتها ضمن مناطق سورية لا يحلّها فعليًا، بل قد يتسبّب بانفجار الوضع داخليًا. فالمناطق التي تُعَدّ مستقرّةً حتى الآن، على غرار إدلب والأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، ليست محصّنةً ضدّ الاضطرابات الداخلية. فالغضب المحلي المتنامي إزاء هيئة تحرير الشام أسفر عن زعزعة الاستقرار في إدلب، فيما تشكّل الانقسامات الكردية العربية في دير الزور أيضًا مثالًا على التوتّرات المتأصّلة، ناهيك عن الاستياء الشعبي من سياسات النظام في السويداء. صحيحٌ أن نظام الأسد لا يُظهِر بوادر انهيارٍ وشيك، إلا أن تراجع قدراته في مجالات الحكم والأمن والدبلوماسية، وغياب الإرادة السياسية لإحداث تغييرٍ في سورية، يُبقيان احتمال الانهيار قائمًا.

واقع الحال أن السبيل للخروج من الوضع الراهن لا يتمثّل في إعادة سورية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، بل في إحياء إطارٍ سوري-سوري للتوصّل إلى حلّ، يشمل التفكير في شكل الدولة المستقبلية، والحكم، ودور المؤسسات، والآليات الحكومية. بتعبيرٍ آخر، لا بدّ من أن يتوخّى هذا الإطار التوصّل إلى اتفاق سوري داخلي بشأن هذه المسائل. وما الذي قد يحفّز القوى الخارجية على تأييد مثل هذا الحوار؟ إقرارُها بأن ما من طرفٍ خارجي قادرٍ وحده على تحقيق النصر في سورية، في حين أن جميع الأطراف ستستفيد من عودة الاستقرار النسبي.

خاتمة

سيكون المسار الذي ينتظر سورية على الأرجح استمرار الوضع الراهن، وبالتالي غياب أيّ حلّ. ويصحّ ذلك أكثر نظرًا إلى غياب الإطار الوطني اللازم لمعالجة مشاكل البلاد، بالتزامن مع غياب أيّ توافق بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في سورية، التي ركّزت على احتواء مشاكل البلاد سعيًا إلى تحقيق أولوياتها السياسية الخاصة على حساب سيادة سورية. ولكن إذا ما ظلّت هذه القوى ملتزمةً بالحفاظ على التوازن الهشّ عن طريق استراتيجية احتواءٍ غير مستقرّة بطبيعتها، فلن يمرّ وقتٌ طويلٌ حتى تفرض الانهيارات الداخلية في سورية تبدّلًا في سلوك هذه الجهات من خلال تغيير الظروف داخل مناطق نفوذها. ومن الممكن أن يدفع ذلك هذه القوى في نهاية المطاف إلى القبول بإطارٍ سوري جامع يتيح للسوريين أنفسهم تولّي زمام المسار الساعي إلى تحقيق سلامٍ دائم. لكن إذا لم يحدث ذلك، فقد تكون المنطقة على شفا تصعيدٍ في وتائر العنف لا هوادة فيه، يتسبّب بزعزعة استقرارها إلى أَجَل غير مسمّى، حتى تُرغَم الأطراف كافّة على رؤية فوائد ومزايا التوصّل إلى حلّ دائم.

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK International Development التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

هوامش

    1″الصليب الأحمر: القتال بسوريا حرب أهلية”، الجزيرة، 15 تموز/يوليو 2012،

https://www.aljazeera.net/news/2012/7/15/الصليب-الأحمر-القتال-بسوريا-حرب-أهلية

    2“Local Administration Structures in Opposition-held Areas in Syria,” Center for Humanitarian Dialogue, March 15, 2014, https://um.dk/en/-/media/websites/umen/danida/partnerships/research/local-administration-structures-syria.ashx.

    3Zachary Laub, “Who’s Who in Syria’s Civil War,” Council on Foreign Relations, April 28, 2017, https://www.cfr.org/backgrounder/whos-who-syrias-civil-war.

    4″أكراد سورية: صراع داخل الصراع”، مجموعة الأزمات الدولية، تقرير الشرق الأوسط رقم 136، 22 كانون الثاني/يناير 2013،

https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/syria-s-kurds-struggle-within-struggle

    5Wladimir van Wilgenburg, “New Administration Name Adopted for Local Administration in Northeast Syria,” Kurdistan24, December 13, 2023, https://www.kurdistan24.net/en/story/33441-New-administration-name-adopted-for-local-administration-in-northeast-Syria.

    6“Syria’s SDF: U.S.-backed anti-IS alliance,” France 24, January 25, 2019, https://www.france24.com/en/20190125-syrias-sdf-us-backed-anti-alliance.

    7Güneş Murat Tezcür and Jalal Talabani, “Foreign Fighters From Türkiye,” Workshop memo presented at Contemporary Turkish Politics Workshop, October 14, 2016, https://pomeps.org/foreign-fighters-from-Türkiye;

    انظر أيضًا:

    Ayla Albayrak and Joe Parkinson, “Türkiye Struggles to Halt Islamic State ‘Jihadist Highway,’” Wall Street Journal, September 4, 2014, https://www.wsj.com/articles/Türkiye-struggles-to-halt-islamic-state-jihadist-highway-1409777884.

    8Güneş Murat Tezcür and Jalal Talabani, “Foreign Fighters From Türkiye”;

    انظر أيضًا:

    Ayla Albayrak and Joe Parkinson, “Türkiye Struggles to Halt Islamic State ‘Jihadist Highway.’”

    9″خيار حزب العمّال الكردستاني المنذر بالسوء في شمال سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، 4 أيار/مايو 2017،

https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/176-pkk-s-fateful-choice-northern-syria

    10Walid al-Nofal, “12 Years On, ‘Revolution’ Service Institutions Under Turkish Authority,” Syria Direct, March 18, 2023, https://syriadirect.org/12-years-on-revolution-service-institutions-under-turkish-authority;

    انظر أيضًا:

    Elizabeth Tsurkov, “Hay’at Tahrir al-Sham (Syria)” in “Guns and Governance: How Europe Should Talk to Non-State Armed Groups in the Middle East,” European Council on Foreign Relations, 2021, https://ecfr.eu/special/mena-armed-groups/hayat-tahrir-al-sham-syria.

    11″مقاربة جديدة في جنوب سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، 2 أيلول/سبتمبر 2015، قسم ii، ص. 10،

https://www.crisisgroup.org/sites/default/files/163-new-approach-in-southern-syria-arabic.pdf

    12″مقاربة جديدة في جنوب سورية”، مجموعة الأزمات الدولية، ص. 3 و9؛ للاطّلاع على المزيد من التفاصيل حول الجبهة الجنوبية، انظر:

    “The Southern Front,” Mapping Military Organizations, Stanford University, September 29, 2017, https://web.stanford.edu/group/mappingmilitants/cgi-bin/groups/view/645.

    13John Wallcot, “Trump Ends CIA Arms Support for Anti-Assad Syria Rebels—U.S. Officials,” Reuters, July 20, 2017, https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-usa-syria-idUSKBN1A42KC.

    14Wesley Dockery, “Israel, Russia Reach Syria Border Agreement,” Deutsche Welle, May 29, 2018, https://www.dw.com/en/israel-russia-team-up-to-keep-iran-out-of-syria-border-region/a-43979590.

    15Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.

    16Murhaf al-Sha’er, “Protests in Syria’s Suwayda to Continue Until Overthrowing “Regime,”” North Press Agency, February 26, 2024, https://npasyria.com/en/111563.

    17أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 30 نيسان/أبريل 2024،

https://carnegieendowment.org/research/2024/03/why-iranian-entrenchment-in-southern-syria-worries-neighboring-countries?lang=ar&center=middle-east

    18Michelle Nichols, “Weapons Being Smuggled Between Lebanon, Syria: U.N.,” Reuters, May 9, 2012, https://www.reuters.com/article/idUSBRE8471EV.

    19Isabel Nassief, “The Campaign for Homs and Aleppo: The Assad Regime’s Strategy in 2013,” Institute for the Study of War, January 2014, 12, https://www.understandingwar.org/sites/default/files/Nassief-BattleforHomsAleppo-web.pdf.

    20Isabel Nassief, “The Campaign for Homs and Aleppo.”

    21Elizabeth O’Bagy, “The Fall of Qusayr,” Institute for the Study of War, June 6, 2013, https://www.understandingwar.org/sites/default/files/SyriaQusayrUpdate.pdf; Patrick Cockburn, “Tal Kalakh: Syria’s Rebel Town that Forged its Own Peace Deal,” Independent, June 26, 2013, https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/tal-kalakh-syria-s-rebel-town-that-forged-its-own-peace-deal-8673695.html;

    وأيضًا:

    Mohammad Abdulssattar Ibrahim and Tariq Adely, “Last Rebel Faction Leaves Mountains on Syrian-Lebanese Border Alongside Displaced,” Syria Direct, August 14, 2017, https://syriadirect.org/last-rebel-faction-leaves-mountains-on-syrian-lebanese-border-alongside-displaced.

    22″وقف إطلاق النار في جرود عرسال اللبنانية”، الجزيرة، 27 تموز/يوليو 2017،

https://www.aljazeera.net/news/2017/7/27/وقف-إطلاق-النار-في-جرود-عرسال

    23“Assad Retakes Heart of Aleppo, Rebels Seize Town Near Iraq,” Arab News, August 17, 2012, https://www.arabnews.com/middle-east/assad-retakes-heart-aleppo-rebels-seize-town-near-iraq.

    24Wladimir van Wilgenburg, “Syrian Kurdish Militia Takes Over Oil Fields,” Al-Monitor, March 7, 2013, https://www.al-monitor.com/originals/2013/03/power-vacuum-oil-fields-syria-kurdish-militia-pyd.html;

    انظر أيضًا:

    Erika Solomon, “Islamist Rebels Capture Syria’s Largest Oilfield: Activists,” Reuters, November 23, 2013, https://www.reuters.com/article/us-syria-crisis-oil-idUSBRE9AM03K20131123.

    25“Islamic State Expels Rivals from Syria’s Deir al-Zor,” Reuters, July 14, 2014, https://www.reuters.com/article/idUSKBN0FJ1HZ;

    انظر أيضًا: “تنظيم الدولة يعلن ‘الخلافة’ ويبايع البغدادي”، الجزيرة، 30 حزيران/يونيو 2014،

https://www.aljazeera.net/news/2014/6/30/تنظيم-الدولة-يعلن-دولة-الخلافة-ويبايع

    26Linda Givetash, “ISIS Defeated Say U.S.-backed Forces, Declaring Total Victory in Syria,” NBC News, March 23, 2019, https://www.nbcnews.com/news/world/u-s-backed-forces-declare-victory-over-isis-syria-n972401;

    انظر أيضًا:

    Sarah Dadouch and Asser Khattab, “Syria and Iraq Open a Key Border Crossing Closed Since 2012,” Washington Post, September 30, 2019, https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/syria-and-iraq-open-a-key-border-crossing-closed-since-2012/2019/09/30/89ae4c16-e382-11e9-a6e8-8759c5c7f608_story.html.

    27“Al-Tanf, Syria” a timeline of events created by International Crisis Group, last updated April 13, 2024, https://www.crisisgroup.org/trigger-list/iran-usisrael-trigger-list/flashpoints/al-tanf-syria.

    28Inna Rudolph, “From Battlefield to Ballot Box: Contextualising the Rise and Evolution of Iraq’s Popular Mobilisation Units,” International Centre for the Study and Radicalisation and Political Violence, King’s College London, 2017, https://icsr.info/wp-content/uploads/2018/05/From-Battlefield-to-Ballot-Box.pdf;

    انظر أيضًا:

    Tamer El-Ghobashy and Mustafa Salim, “As Iraq’s Shiite Militias Expand Their Reach, Concerns About an ISIS Revival Grow,” Washington Post, January 9, 2019, https://www.washingtonpost.com/world/as-iraqs-shiite-militias-expand-their-reach-concerns-about-an-isis-revival-grow/2019/01/09/52da575e-eda9-11e8-8b47-bd0975fd6199_story.html.

    29Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border: From a National to a Regional Frontier,” Carnegie Endowment for International Peace, March 31, 2020, https://carnegieendowment.org/files/Hasan_Khaddour_Iraq-Syria_Border2.pdf.

    30حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية: معادلات النفوذ والنزاع والحوكمة في المناطق الحدودية العراقية السورية”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 8 تموز/يوليو 2021،

https://carnegieendowment.org/research/2021/03/the-making-of-the-kurdish-frontier-power-conflict-and-governance-in-the-iraqi-syrian-borderlands?lang=ar&center=middle-east

    31حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    32Jean Marcou, “Turkey’s Military Engagement in Northern Iraq, a Never-Ending Story,” Centre Français de Recherche sur l’Irak, February 11, 2022, https://cfri-irak.com/en/article/turkeys-military-engagement-in-northern-iraq-a-never-ending-story-2022-04-12.

    33“Syria Refugee Crisis Explained,” United Nations Higher Commissioner for Refugees, March 13, 2014, https://tinyurl.com/y9v2ak6m.

    34مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء من الفرقة الرابعة المدرّعة كان منخرطًا في الحرب السورية منذ اندلاعها، دمشق، تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

    35رأى ثلاثة من كبار الضباط السوريين أن التعايش مع هذه الحاضنة مستحيل، نظرًا إلى أنها تسعى إلى القضاء على النظام. مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء سوري، دمشق، نيسان/أبريل 2023؛ ومقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء من الفرقة الرابعة المدرّعة، دمشق، تشرين الثاني/نوفمبر 2023؛ ومقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع عقيد من الفرقة الرابعة المدرّعة، تشرين الثاني/نوفمبر 2023. كذلك اعتبر مسؤول عسكري آخر أن هذه الفئة من السكان “قنابل موقوتة” قد تُعيد إحياء المقاومة في المستقبل. مقابلة أجراها باحث مساعد لأحد المؤلّفَين مع لواء سوري، دمشق، نيسان/أبريل 2023.

    36“Out of Sight, Out of Mind: The Aftermath of Syria’s Sieges,” PAX Siege Watch, 2019, 20–21, https://paxforpeace.nl/wp-content/uploads/sites/2/import/import/pax-siege-watch-final-report.pdf.

    37“Half a Million Flee Syrian Regime’s Offensive in Idlib,” France 24, February 5, 2020, https://www.france24.com/en/20200205-half-a-million-flee-syrian-regime-idlib-offensive.

    38ما زال خط المواجهة في الشمال الغربي متوقفًا في الغالب منذ الهجوم الكبير الأخير الذي شنّته القوات الحكومية وحمل اسم “فجر إدلب 2″؛ انظر: “الحرب في سوريا: اتفاق روسي تركي على وقف إطلاق النار في إدلب”، بي بي سي، 5 آذار/مارس 2020،

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-51730835;

    لم تصل المفاوضات التي تمّت بين تركيا وسورية بوساطة سورية والمتمحورة حول الحدود الشمالية السورية، إلى نتائج ملحوظة؛ انظر:

    Wladimir van Wilgenburg, “There Is Little Progress in Relations Between Syria and Turkey: Russian FM Lavrov,” Kurdishtan24, October 10, 2023, https://www.kurdistan24.net/en/story/32821-There-is-little-progress-in-relations-between-Syria-and-Turkey:-Russian-FM-Lavrov;

    كذلك، شكّك الطرف التركي على نحو متزايد بقدرة النظام السوري على حماية الحدود مع تركيا إذا تولّى السيطرة عليها، انظر: سعيد عبد الرزاق، “تركيا تؤكد استعدادها لاستئناف محادثات التطبيع مع سوريا”، الشرق الأوسط، 29 أيلول/سبتمبر 2023،

https://tinyurl.com/3twed9px

    39“The Syrian Army Renews Offensive in Homs,” Institute for the Study of War, July 5, 2013,  https://www.understandingwar.org/backgrounder/syrian-army-renews-offensive-homs.

    40“The Syrian Army Renews Offensive in Homs,” Institute for the Study of War.

    41“Rebels in Syria’s Homs Fight for a Shattered Dream,” Jordan Times, March 12, 2014, https://www.jordantimes.com/news/region/rebels-syria%E2%80%99s-homs-fight-shattered-dream;

    انظر أيضًا: “القدس العربي تكشف بنود اتفاق هدنة حمص”، القدس العربي، 3 أيار/مايو 2014،

https://tinyurl.com/4bad7ucf

    42″القدس العربي تكشف بنود اتفاق هدنة حمص”؛ انظر أيضًا: “النظام يحتفل في ‘حمص المدمرة’ بعد انسحاب الدفعة الأخيرة من الثوار”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 9 أيار/مايو 2014،

https://tinyurl.com/4ef6d7y5

    43″الحصار كسلاح من أسلحة الحرب: التطويق، التجويع، الاستسلام، الإجلاء”، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية،

https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/HRBodies/HRCouncil/CoISyria/PolicyPaperSieges_29May2018_AR.pdf

    44“Syrian Arab Republic: East Ghouta Response to the East Ghouta Crisis in Rural Damascus Situation Report No. 5,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, May 2018, https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/East%20Ghouta%20SitRep_No.5.pdf.

    45“Syrian Arab Republic: East Ghouta Response to the East Ghouta Crisis in Rural Damascus Situation Report No. 5,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs.

    46″سوريا: اعتقالات ومضايقات في المناطق المستعادة”، هيومن رايتس ووتش، 21 أيار/مايو 2019،

https://www.hrw.org/ar/news/2019/05/21/330231

    47United Nations High Commissioner for Refugees, “UNHCR—Syria Factsheet (January–November 2018),” ReliefWeb, December 31, 2018, https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/ unhcr-syria-factsheet-january-november-2018.

    48″كل شي بقوة السلاح: الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا”، هيومن رايتس ووتش، شباط/فبراير 2024، ص. 10-26،

https://www.hrw.org/sites/default/files/media_2024/03/syria0224ar%20web.pdf

    انظر أيضًا:

    “Housing Settlements in Afrin: Demographic Engineering or IDP Housing Projects?,” Syrians for Truth and Justice, June 8, 2022, https://stj-sy.org/wp-content/uploads/2022/06/Housing-Settlements-in-Afrin-1.pdf.

    49″كل شي بقوة السلاح”، هيومن رايتس ووتش، ص. 13.

    50حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    51حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    52حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    53ورشة عمل مغلقة حول الحدود العراقية والسورية، من تنظيم مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط ومؤسسة كونراد أديناور، بيروت، 11-12 حزيران/يونيو 2019.

    54حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    55“Vulnerability Assessment of Syrian Refugees in Lebanon, 2022,” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR), March 2023,

https://www.unhcr.org/lb/wp-content/uploads/sites/16/2024/03/At-a-glance-2024.pdf.

    56Operational Data Portal, “Situation Syria Refugee Regional Response,” April 2024,

https://data.unhcr.org/en/situations/syria.

    57“Bekaa (Zahle),” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR) – Lebanon,

https://www.unhcr.org/lb/bekaa-zahle;

    انظر أيضًا:

    “North (Tripoli and Qobayat),” United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR) – Lebanon,

https://www.unhcr.org/lb/north-tripoli-and-qobayat#:~:text=“As%20of%2031%20December%202023,percentage%20residing%20in%20informal%20settlements.

    58مهى يحيَ وجان قصير وخليل الحريري، “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، نيسان/أبريل 2018،

https://carnegieendowment.org/research/2018/04/unheard-voices-what-syrian-refugees-need-to-return-home?lang=ar&center=middle-east

    59محسن المصطفى، “اللاجئون السوريون: العودة الانتقائية”، معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، 22 كانون الأول/ديسمبر 2022،

    60مهى يحيَ وجان قصير وخليل الحريري، “أصوات مهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”.

    61″حزب الله يطالب الحكومة اللبنانية بالتواصل مع سوريا لمعالجة أزمة النازحين”، سبوتنيك عربي، 16 تموز/يوليو 2023،

https://sputnikarabic.ae/20230716/حزب-الله-يطالب-الحكومة-اللبنانية-بالتواصل-مع-سوريا-لمعالجة-أزمة-النازحين-1079116243.html

    62Ewan MacAskill and Carolynne Wheeler, “Protests Force out Lebanese Government,” Guardian, March 1, 2005,

https://www.theguardian.com/world/2005/mar/01/syria.carolynnewheeler.

    63 “نصر الله: نستفيد من علاقاتنا بدمشق لإعادة اللاجئين”، الجزيرة، 30 حزيران/يونيو 2018،

https://www.aljazeera.net/news/2018/6/30/نصر-الله-نستفيد-من-علاقاتنا-بدمشق

    64ريا شرتوني، “نصر الله يدعو لإعادة ترتيب العلاقة مع سوريا لدعم لبنان اقتصاديًا”، وكالة الأناضول، 5 أيار/مايو 2020،

https://www.aa.com.tr/ar/اقتصاد/نصر-الله-يدعو-لإعادة-ترتيب-العلاقة-مع-سوريا-لدعم-لبنان-اقتصاديا/1839841

    65ضياء عودة، “حملات ترحيل السوريين من لبنان.. ماذا تقول مفوضية اللاجئين؟”، الحرة، 25 نيسان/أبريل 2023،

https://www.alhurra.com/arabic-and-international/2023/04/25/حملات-ترحيل-السوريين-لبنان-تقول-مفوضية-اللاجئين؟

    66“Impact of the Refugee Crisis in Lebanon: Who Needs the Most Help?,” Habitat for Humanity, https://www.habitatforhumanity.org.uk/blog/2016/10/impact-refugee-crisis-lebanon-who-needs-most-help-part-1.

    67″الأمم المتحدة تعود إلى ‘الليرة’ بعد اعتراضات لبنانية على ‘دولرة’ مساعدات اللاجئين”، الشرق الأوسط، 27 أيار/مايو 2023،

https://tinyurl.com/4h43h5c8

    68خالد العزي، “أزمة العابرين السوريين إلى لبنان كورقة للضغط والتهديد”، تلفزيون سوريا، 19 شباط/فبراير 2024،

https://www.syria.tv/أزمة-العابرين-السوريين-إلى-لبنان-كورقة-للضغط-والتهديد

    69“Rapid Assessment of the Needs of Households and Workers Affected by the Earthquake in Aleppo- Syria 2023,” International Labor Organization, 2023, 2, https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/—arabstates/—ro-beirut/documents/publication/wcms_890127.pdf.

    70أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 2 حزيران/يونيو 2021،

https://carnegie-mec.org/2021/06/02/ar-pub-84661

    71أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”.

    72مقابلة أجراها المؤلّفان مع محمد قلعة، رئيس مجلس محلي سابق ومهندس من سرمدا يدير أعماله الخاصة في سرمدا، 7 آب/أغسطس 2020.

    73مقابلة أجراها المؤلّفان مع مهندس ومسؤول سابق في المجلس المحلي من سرمدا (عبر تطبيق Zoom)، سرمدا، 7 آب/أغسطس 2020.

    74أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “كيف تحوّلت بلدة سرمدا الصغيرة إلى بوابة سورية إلى العالم الخارجي”.

    75Timur Kaymaz and Omar Kadkoy, “Syrians in Türkiye—The Economics of Integration,” Al Sharq Forum, September 2016, https://bit.ly/3726FDj, 5.

    76Timur Kaymaz and Omar Kadkoy, “Syrians in Türkiye—The Economics of Integration,” 6.

    77محمود حمزة، “في معركة هيئة تحرير الشام من أجل فتح معبر مع النظام: ما الدوافع ومن المستفيد؟”، سوريا على طول، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2022،

https://syriadirect.org/في-معركة-هيئة-تحرير-الشام-من-أجل-فتح-معب/?lang=ar

    78ثائر المحمد، “شيفرة معقدة وسيف ذو حدين.. معادلة الربح والخسارة لفتح المعابر شمالي سوريا”، تلفزيون سوريا، 24 أيار/مايو 2024،

https://tinyurl.com/5b26nau9

    79مقابلة أجراها المؤلّفان مع عامل بارز في الشؤون الإنسانية (عبر تطبيق Zoom)، هاتاي، تركيا، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

    80“Syrian Arab Republic: United Nations Cross Border Operations Under UNSC Resolutions,” United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, November 30, 2020, https://bit.ly/3jADYSK.

    81Samir Aita, “Trade Without Religion Between Turkey and Syria,” Institut Français des Relations Internationales, March 24, 2017, https://www.ifri.org/sites/default/files/atoms/files/aita_trade_without_religion_turkey_syria_2017.pdf.

    82“Aleppo Battle: Syrian City ‘Back Under Government Control,’” BBC, December 22, 2016, https://www.bbc.com/news/world-middle-east-38408548.

    83“Half a Million Flee Syrian Regime’s Offensive in Idlib,” France 24, February 5, 2020, https://www.france24.com/en/20200205-half-a-million-flee-syrian-regime-idlib-offensive.

    84″سورية: الحكم فوق أنقاض حلب”، تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، 9 أيار/مايو 2022،

https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/east-mediterranean-mena/syria/234-syria-ruling-over-aleppos-ruins

    85″تركيا ترفع تصنيف معبر جرابلس ليكون معبر بري تجاري”، شبكة شام، 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017،

https://bit.ly/3XqIS88

    وانظر أيضًا: “‘الراعي’ أوّل معبر مدني تجاري مع تركيا شمال حلب”، عنب بلدي، 23 أيار/مايو 2017،

https://www.enabbaladi.net/archives/151368

    86حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    87حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    88Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”

    89سلام زيدان، “افتتاح معبر القائم بين العراق وسوريا.. ما الجدوى الاقتصادية له؟”، الجزيرة، 2 تشرين الأول/أكتوبر 2019،

https://tinyurl.com/ykv6fak2

    90Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”

    91Harith Hasan and Kheder Khaddour, “The Transformation of the Iraqi-Syrian Border.”

    92Ziad Awad, “Iran in Deir ez-Zor: Strategy, Expansion, and Opportunities,” Robert Schulman Center for Advanced Studies, European University Institute, October 21, 2019, 7–8, https://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/64687/Deir%20ez%20Zor%20paper-NEW%20VER-2110-4.pdf?sequence=1&isAllowed=y.

    93حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    94حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    95حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    96حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    97حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    98حارث حسن وخضر خضّور، “تشكيل الحدود الكردية”.

    99″سورية: الحكم فوق أنقاض حلب”، مجموعة الأزمات الدولية، 9 أيار/مايو 2022،

https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/east-mediterranean-mena/syria/234-syria-ruling-over-aleppos-ruins

    100أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.

    101Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.

    102″مقتل قيادات لحزب الله بغارة إسرائيلية على الجولان”، الجزيرة، 18 كانون الثاني/يناير 2015،

https://www.aljazeera.net/news/2015/1/18/مقتل-قيادات-لحزب-الله-بغارة-إسرائيلية;

    انظر أيضًا:

    Amos Harel, et al., “Israel Launches Most Extensive Strike in Syria in Decades After Iranian Rocket Barrage,” Haaretz, May 11, 2018, https://www.haaretz.com/israel-news/2018-05-11/ty-article/israel-launches-extensive-syria-strike-after-iranian-rocket-barrage/0000017f-e37c-d568-ad7f-f37fb7b70000.

    103أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.

    104Wesley Dockery, “Israel, Russia Reach Syria Border Agreement.”

    105Jeremy Hodge, “The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria,” Foreign Policy, July 5, 2023, https://foreignpolicy.com/2023/07/05/putin-russia-wagner-mutiny-syria-iran.

    106″‘لبيك يا سلمان’ ميليشيا درزية موالية للنظام من تأسيس إيران”، نورت، 24 آذار/مارس 2015،

https://tinyurl.com/pseavaah

    ومقابلة أجراها المؤلّفان مع ناشط وكاتب سوري من السويداء، كان مقيمًا في المحافظة حين حاولت إيران تأسيس ميليشيا (عبر واتساب)، 5 كانون الثاني/يناير 2024.

    107أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.

    108أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، “لماذا يثير ترسُّخ إيران في جنوب سورية قلق الدول المجاورة”.

    109مقابلة أجراها المؤلّفان مع محامٍ من مغر المير، القنيطرة (عبر واتساب)، شباط/فبراير 2024.‎

    110“U.S. Warns Syria After Suspected Missile Transfer to Hezbollah,” France24, April 22, 2010, https://www.france24.com/en/20100422-us-warns-syria-after-suspected-missile-transfer-hezbollah.

    111″لا مستقبل لإيران في سوريا”، القدس العربي، 11 كانون الثاني/يناير 2019، تمّت زيارة الصفحة في 28 أيار/مايو 2024،

https://tinyurl.com/4u2hk4kt

    112فريق التحرير، “تجارة الظل: الرابحون والخاسرون والديناميكيات الثابتة لعمليات التهريب”، بديل، 8 آذار/مارس 2023، تمّت زيارة الصفحة في 28 نيسان/أبريل 2024،

https://thebadil.com/ar/investigations-ar/shadow-trade-smuggling

    113Nicholas Blanford, “Lebanon Erects a String of Watchtowers on Syrian Border,” Christian Science Monitor, March 1, 2013, https://www.csmonitor.com/World/Middle-East/2013/0301/Lebanon-erects-string-of-watchtowers-on-Syrian-border.

    114″الجيش اللبناني يمنع دخول 900 سوري بطريقة غير شرعية في كانون الثاني”، تلفزيون سوريا، 1 شباط/فبراير 2024،

https://tinyurl.com/yv2v9ezm

    115كارولين عاكوم، “اعتراض سوريا على أبراج المراقبة يطرح تساؤلات لبنانية”، الشرق الأوسط، 24 شباط/فبراير 2024،

https://aawsat.com/العالم-العربي/المشرق-العربي/4874926-اعتراض-سوريا-على-أبراج-المراقبة-يطرح-تساؤلات-لبنانية

    116″أبراج المراقبة البريطانية على الحدود: ضبط التهريب أم مراكز للتجسس؟”، الخنادق، 22 آذار/مارس 2021،

https://alkhanadeq.org.lb/post/75/أبراج-المراقبة-البريطانية-على-الحدود-ضبط-التهريب-أم-مراكز-للتجسس

    117Emil Avdaliani, “Iran and the New Land Corridor,” Begin-Sadat Center for Strategic Studies, no. 690 (December 19, 2017).

    118الشرق الأوسط، “انتشار شرطة روسية في مدينة القصير يثير أزمة مع حزب الله”، الشرق الأوسط، 6 حزيران/يونيو 2018،

https://aawsat.com/home/article/1292536/انتشار-شرطة-روسية-في-مدينة-القصير-يثير-أزمة-مع-«حزب-الله»

    119″الأمن العسكري يعزز تواجده بمحيط مقرات حزب الله اللبناني جنوب القصير”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2023،

https://www.syriahr.com/الأمن-العسكري-يعزز-تواجده-بمحيط-مقرات/691852

    120″لبنان يعلن انتهاء عمليات فجر الجرود.. وعون: الجيش هو الوحيد الذي طرد داعش”، سي إن إن بالعربية، 30 آب/أغسطس 2017،

https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/08/30/michel-auon-fajr-aljaroud-operations-victory-isis

    121Raed Omari, “Jordan Foils Arms Smuggling Plot by ‘State-Sponsored Militia’ in March—Official Source,” Jordan Times, May 16, 2024, https://jordantimes.com/news/local/jordan-foils-arms-smuggling-plot-state-sponsored-militia-march-%E2%80%94-official-source.

    122تستند هذه الإحصاءات إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، والتي من الممكن الاطّلاع عليها عبر الرابط التالي:

https://dataunodc.un.org/dp-prisons-persons-held

    123هشام الغنام، “كسر قبضة الكبتاغون: كيف تستخدم سورية هذا المخدّر لغرض الضغط السياسي”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 7 آب/أغسطس 2024،

https://carnegieendowment.org/research/2024/07/border-traffic-how-syria-uses-captagon-to-gain-leverage-over-saudi-arabia?lang=ar

    124Raed Omari, “Jordan Foils Arms Smuggling Plot by ‘State-Sponsored Militia’ in March—Official Source.”

    انظر أيضًا:

    Clara Hage, “Arms Trafficking Accelerates, Fueling Jordan-Syria border tension,” L’Orient Today, January 15, 2024, https://today.lorientlejour.com/article/1364430/arms-trafficking-accelerates-fueling-jordan-syria-border-tension.html.

    125Suleiman al-Khalidi, “Syrian and Jordanian Army and Intelligence Chiefs Meet Over Drug War Along Border,” Reuters, July 24, 2023, https://www.reuters.com/world/middle-east/syrian-jordanian-army-intelligence-chiefs-meet-over-drug-war-along-border-2023-07-23.

    126Suleiman al-Khalidi, “Jordan Says Iran-Linked Groups in Syria Wage Drug War Along Border,” Reuters, May 23, 2022, https://www.reuters.com/world/middle-east/jordan-says-iran-linked-groups-syria-wage-drug-war-along-border-2022-05-23.

    127Daoud Kuttab, “Jordan Takes Its War on Drugs to Syria,” Al-Majalla, January 2, 2024, https://en.majalla.com/node/307411/politics/jordan-takes-its-war-drugs-syria.

    128Khaled Yacoub Oweis, “U.S. Conducts Exercises With Jordan Amid Concern Over Syrian Border Security,” The National, September 4, 2022, https://www.thenationalnews.com/mena/2022/09/04/us-conducts-exercises-with-jordan-amid-concern-over-syrian-border-security.

    129  “أكراد سورية: صراع داخل الصراع”، مجموعة الأزمات الدولية، تقرير الشرق الأوسط رقم 136، 22 كانون الثاني/يناير 2013، ص. 3،

https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/syria-s-kurds-struggle-within-struggle

    130Ibrahim Hamidi, “Syria ‘Safe Zone’: 3 Options for Turkey,” Asharq al-Awsat English, June 4, 2022, https://english.aawsat.com/home/article/3683551/syria-safe-zone-3-options-turkey.

    131″الوقف التركي يدعم الفصائل التركمانية في الشمال السوري”، موقع نورث بالس، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021،

    132“The State of the Syrian National Army,” The Carter Center, March 2022, https://www.cartercenter.org/resources/pdfs/peace/conflict_resolution/syria-conflict/2022/state-of-the-syrian-national-army-march-2022.pdf.

    133″الرئيس الأسد للافرنتييف: سورية منفتحة على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية”، الوكالة العربية السورية للأنباء، 26 حزيران/يونيو 2024،

    134“Turkey’s Erdogan Does Not Rule Out Meeting Syria’s Assad to Restore Ties,” Reuters, June 28, 2024, https://www.reuters.com/world/middle-east/turkeys-erdogan-does-not-rule-out-meeting-syrias-assad-restore-ties-2024-06-28.

    135Winthrop Rodgers, “The Vision Behind the U.S. Consulate in Erbil Is Dissolving,” New Lines Magazine, February 15, 2024, https://newlinesmag.com/reportage/the-vision-behind-the-us-consulate-in-erbil-is-dissolving.

    136Paul McLoughlin, “Syria Insight: Deir az-Zour Tribal Uprising Sparks New War,” New Arab, September 27, 2023, https://www.newarab.com/analysis/syria-insight-what-sparked-deir-az-zour-uprising.

    137Suleiman al-Khalidi, “U.S. Officials Visit Syria’s Deir al Zor in Bid to Defuse Arab Tribal Unrest,” Reuters, September 3, 2023, https://www.reuters.com/world/middle-east/us-officials-visit-syrias-deir-al-zor-bid-defuse-arab-tribal-unrest-2023-09-03.

    138Magali Michiels and Zafer Kizilkaya, “Mediation in Syria: A Comparative Analysis of the Astana and the Geneva Processes,” Syria Studies Journal 14, no. 1, 2022: 15–28, https://ojs.st-andrews.ac.uk/index.php/syria/article/view/2486.

    139Magali Michiels and Zafer Kizilkaya, “Mediation in Syria.”

المؤلفون

    أرميناك توكماجيان

    باحث غير مقيم، مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط

    خضر خضّور

    باحث غير مقيم, مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.

—————————————

ماذا يعني أن يكون نتنياهو “معقولاً”؟/ علي أسمر

2025.04.11

في مشهد سياسي ثقيل بالدلالات، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال استضافته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي: “أيّ مشكلة قد تكون لديك مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها، أعني، طالما أنك معقول، يجب أن تكون معقولًا”.

هذه العبارة، التي تبدو للوهلة الأولى عابرة، تخفي خلفها إشارة واضحة إلى تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وتحديدًا في الساحة السورية التي أصبحت اليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود حكومة سورية جديدة بقيادة أحمد الشرع، ساحةً لإعادة رسم التحالفات، وميدانًا لاختبار “عقلانية” الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل.

فما الذي قصده ترمب بـ”العقلانية”؟ وماذا يعني أن يكون نتنياهو معقولًا في لحظة إقليمية حرجة، حيث تتضارب المصالح التركية مع المصالح الإسرائيلية؟

“العقلانية” تعني قبول الوجود التركي في سوريا

في السياق السوري الجديد، لم يعد الوجود التركي خيارًا مثيرًا للجدل، بقدر ما أصبح ضرورة استراتيجية تمليها الوقائع على الأرض. وخاصة بعد الانسحاب الأميركي المرتقب، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وتراجع النفوذ الإيراني نتيجة للمتغيرات السياسية الإقليمية، باتت تركيا الدولة الوحيدة القادرة على ملء الفراغ الأمني في شمال البلاد.

هذا الوجود التركي لم يعد قائمًا على الطموحات التوسعية أو الأجندات الأيديولوجية كما يروّج البعض، بل أصبح مطلبًا أمنيًا وجيوسياسيًا لحماية الحدود، وإعادة الاستقرار، وتسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية.

العقلانية، في هذا الإطار، تعني أن تدرك إسرائيل أن تركيا ليست خصمًا في سوريا الجديدة، بل شريك إقليمي لا يمكن تجاوزه. وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه إسرائيل لعب دور مباشر داخل سوريا، بسبب حساسيتها كـ”عدو تقليدي” لدى الشارع السوري، فإن تركيا تحظى بقبول نسبي، وتؤدي دورًا ميدانيًا بالغ الأهمية، مدعومًا بشكل غير مباشر من واشنطن.

“العقلانية” تعني وقف التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري عبر بوابة الأقليات

إحدى أبرز أدوات النفوذ التي استخدمتها إسرائيل في سوريا خلال العقد الأخير تمثلت في توظيف الأقليات، سواء كانت قومية أو دينية، كقنوات ضغط واختراق داخل البنية المجتمعية السورية. فسواء عبر تشجيع النزعات الانفصالية في الشمال الشرقي، أو دعم خطاب “حماية الأقليات” في الجنوب، لعبت تل أبيب دورًا غير مباشر في تأجيج الانقسام السوري.

لكن في ظل ولادة سوريا الجديدة، التي تسعى لإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة لا الطوائف، لم يعد هذا النهج مقبولًا أو ممكنًا. فالحكومة الجديدة، التي جاءت نتيجة توافق وطني واسع، وضعت ضمن أولوياتها إنهاء حالة التفكك المجتمعي، وتكريس سيادة الدولة على كامل التراب السوري.

العقلانية هنا تقتضي من إسرائيل أن تتوقف عن محاولات استخدام المكونات السورية كأدوات تفاوض أو ابتزاز سياسي، فمثل هذه السياسات لم تُنتج سوى مزيد من عدم الاستقرار، كما أنها تدفع المكونات السورية الأخرى نحو الاصطفاف خلف الدولة المركزية، رفضًا للحماية الإسرائيلية المشبوهة.

“العقلانية” تعني القبول بالحكومة السورية الجديدة والانخراط في تسوية سياسية

لطالما تعاملت إسرائيل مع النظام السوري السابق كخطر دائم، ولكن قابل للاحتواء. أما اليوم، فإن إسقاط النظام وبروز حكومة جديدة ببرنامج إصلاحي وطني، يضع إسرائيل أمام واقع مغاير تمامًا، يتطلب منها إعادة بناء تصورها للعلاقة مع دمشق.

العقلانية هنا لا تعني فقط التوقف عن قصف الأراضي السورية، بل الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، أي الاعتراف بالحكومة الجديدة والدخول في مفاوضات مباشرة معها، تحت رعاية إقليمية ودولية. فالمعادلة واضحة: سوريا تحتاج إلى وقف الهجمات الإسرائيلية لكي تتمكن من إعادة الإعمار وتأمين عودة اللاجئين، وإسرائيل تحتاج إلى ضمانات أمنية بأن الأراضي السورية لن تتحول من جديد إلى ساحة نفوذ إيراني أو تهديد مستقبلي.

إن التمسك بالسياسات القديمة تجاه سوريا ما بعد الأسد هو أقصر طريق لإنتاج عداء جديد لا يمكن السيطرة عليه، بينما يمثل القبول بالواقع الجديد والبحث عن تسوية سياسية فرصة نادرة لكتابة صفحة مختلفة في تاريخ العلاقات السورية-الإسرائيلية.

“العقلانية” تعني تفادي فتح جبهة مع تركيا حفاظًا على التوازن الإقليمي

في خلفية تصريح ترمب، يقف هاجس أميركي واضح: الخوف من أن يتحول الخلاف التركي-الإسرائيلي في سوريا إلى مواجهة مفتوحة، تهدد بنية التحالفات الأميركية في المنطقة. فتركيا وإسرائيل هما حليفان استراتيجيان للولايات المتحدة، وصراعهما يعني شرخًا في الجبهة الأميركية التي تواجه إيران أولًا وأساسًا.

الولايات المتحدة من جانبها تدرك أن فتح جبهة مع تركيا سيقود إلى نتائج عكسية، لعل أخطرها هو دفع أنقرة إلى التنسيق الميداني والسياسي مع دمشق وطهران على قاعدة “العدو المشترك”. هذا الاصطفاف الثلاثي المحتمل – سوري تركي إيراني – لا يصب بأي حال في مصلحة إسرائيل أو الولايات المتحدة.

ترمب، حين طالب نتنياهو بـ”العقلانية”، كان ينبهه إلى أن الدور الإسرائيلي في سوريا يجب أن يُعاد تصميمه بما لا يضر المصالح الأميركية الكبرى، خصوصًا في ظل التركيز الاستراتيجي على احتواء إيران.

“العقلانية” كخارطة طريق نحو شراكة إقليمية جديدة

إن “العقلانية” التي دعا إليها ترمب ليست مجرد نصيحة سياسية، بل هي رؤية استراتيجية متكاملة لإعادة بناء توازنات المنطقة، في ضوء متغيرات ما بعد الحرب السورية. أن يكون نتنياهو “معقولًا” لا يعني أن يتخلى عن المصالح الإسرائيلية، بل أن يعيد تعريفها وفقًا للواقع الجديد، بعيدًا عن الأوهام القديمة والتدخلات غير المجدية.

في سوريا الجديدة، لم تعد الأدوات القديمة صالحة. من العقل أن تقبل إسرائيل بدور تركي فعّال، وأن تتوقف عن التدخل الطائفي، وأن تنفتح على الحكومة السورية الجديدة بحوار سياسي واقعي. فالمعادلة واضحة: سوريا تريد الاستقرار، وتركيا تريد الأمن، وإسرائيل تريد الطمأنينة، والعقل وحده هو ما يمكن أن يجمع بين هذه الأهداف المتقاطعة.

تلفزيون سوريا

——————————

ترامب و”سورية التركية”/ حسام كنفاني

11 ابريل 2025

يبدو أننا لم نعتد بعد بشكل كامل على سلوك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقراءاته السياسية، فهو لا ينفك يفاجئنا بتصريح من هنا ولقطة من هناك، ليؤكّد لنا أنه لا يزال في جعبته كثير من “إبداعات” سيقدمها للعالم خلال ما تبقى من ولايته، التي في بدايتها، هذا في حال لم ينجح في مسعاه إلى ولاية ثالثة يبدو جدّياً في العمل عليها، رغم كل المعوقات التي تجعل تحقيق هذه الغاية شبه مستحيل.

قدّم ترامب، في أحدث إطلالاته، ما يمكن اعتبارها الرؤية الأميركية للوضع في سورية، وهو ما يمكن أن ينعكس على مساعي السلطة الجديدة لرفع العقوبات عن البلاد والحصول على اعترافات دولية، في مقدمتها بالضرورة الأميركية. سرد الرئيس الأميركي وخلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، تفاصيل اتصال هاتفي بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من شأنها أن تقدّم صورة عن كيفية التعاطي الأميركي مستقبلاً مع الشأن السوري.

قال ترامب إنه أبلغ أردوغان “تهانيه” لتمكنه من السيطرة على سورية، مضيفاً “لقد فعلت ما عجز عن فعله الآخرون على مدى ألفي عام. لقد أخذت سورية مهما تعدّدت أسماؤها تاريخياً عبر وكلائك”. ورغم محاولة الرئيس التركي، بحسب رواية ترامب، نفي أي صلة له بالأمر، وتأكيده إنه لم يكن هو “من أخذ سورية”، أصر الرئيس الأميركي على روايته قائلاً “لقد كنت أنت، ولكن حسناً ليس عليك الإقرار بذلك”. وبحسب السياق السردي الذي رواه ترامب، يبدو أن أردوغان أسقط في يده وأراد إغلاق النقاش في هذا الأمر ليختمه بالقول “حسناً ربما كنت أنا من أخذها”، وفق تعبير الرئيس الأميركي نقلاً عن نظيره التركي.

تحمل رواية ترامب لهذا الحديث، والذي لا يمت بصلة إلى الدبلوماسية، تفسيرات وتوقعات للموقف الأميركي من المشهد السوري، إذ يبدو أن الإدارة الأميركية سلمت أن تعاطيها مع الوضع في سورية سيكون عبر “الوكيل” التركي، وهو ما يوضح قرار واشنطن تغيير وضع البعثة السورية في نيويورك من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من الولايات المتحدة، مع ما رافق ذلك من إلغاء التأشيرات الدبلوماسية الممنوحة لأعضائها.

الأكثر خطورة في كلام ترامب أنه جاء بحضور نتنياهو، في وقت تستبيح فيه دولة الاحتلال الجنوب السوري برّاً وجواً وتستهدف قواعد عسكرية في سائر المناطق السورية، في رسائل مباشرة إلى تركيا. وقد عمد ترامب إلى طرح فرضيته لفتح باب التنسيق بين تركيا وإسرائيل في الشأن السوري، عارضاً التوسّط بين نتنياهو وأردوغان لتذليل الخلافات بين الرجليْن، مع ميل واضح إلى أردوغان الذي “يحبّه”، والطلب من نتنياهو أن يكون “عقلانياً” في تعاطيه مع تركيا.

ورغم أن رؤية ترامب للوضع في سورية أنها تدار بأوامر تركية تجافي الصواب بشكل كبير، لكنه يسلّم بهذا الأمر ويتعاطى معه بأنه حقيقة، ويعمل على تنسيق توزيع النفوذ بين تركيا وإسرائيل في الأراضي السورية. ويبدو أنه نجح عملياً في فتح قنوات لخفض التوتر بين الطرفين مع الاجتماع الذي عقد الأربعاء الماضي في أذربيجان بين مسؤولين من البلدين “لتجنّب الصدام”، وهو ما أكدته رئاسة الوزراء الإسرائيلية بالإشارة إلى الحوار مع أنقرة “للحفاظ على الاستقرار في سورية”.

والمشكلة أنه في ظل هذا التنسيق الإسرائيلي التركي اليوم، مترافقاً مع التصور الأميركي لولاءات الإدارة السورية الجديدة، لم يخرج أي من المسؤولين السوريين الحاليين، لتصحيح فكرة ترامب وتأكيد استقلالية القرار السوري وعدم ارتهانه لأي دولة خارجية، ما يعني التصديق ضمناً على كلام الرئيس الأميركي، ويضرب أي جهود ستبذلها الإدارة الجديدة للانفتاح على واشنطن.

العربي الجديد

———————–

سورية وحسابات إسرائيل وتركيا/ بشير البكر

11 ابريل 2025

تمارس إسرائيل تجاه سورية، منذ سقوط نظام بشّار الأسد، سياسة تقوم على تدمير القدرات العسكرية، وقضم الأراضي. تعتمد التصعيد اليومي، وتتقدم على الأرض في الجنوب، وتضرب في العمق مرافق عسكرية، ولا توفر حتى باقي السلاح التالف الخارج عن الخدمة. والغرض المباشر من الأعمال العدوانية تحقيق أمر واقع، تحتل من خلاله مساحات واسعة من الأراضي السورية من جهة، ومن جهة ثانية تحويل سورية إلى دولة منزوعة السلاح، غير قادرة على الدفاع عن السيادة وحماية الأرض والسكان، وممارسة سلطتها في منطقة الجنوب.

تتذرّع إسرائيل بمسألتين: الخشية من الخلفية الجهادية للفصائل العسكرية، التي وصلت إلى السلطة في دمشق يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولذلك تعمل على نحو استباقي يمنعها من تثبيت سلطتها، قبل أن تتمكن سياسياً وعسكرياً، ومن ثم تتحول إلى مصدر تهديد في المستقبل. وإمكانية قيام تحالف عسكري بين سورية وتركيا، وبناء أنقرة قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية. والحجّتان لا تبدوان مقنعتيْن، ولا تشكل أي منهما مبرّراً لاعتداءات إسرائيل على دولة مستقلة، لا سيما وأنه لم يصدر عن السلطة الجديدة أي موقف عدواني تجاه إسرائيل، بل إنها ترسل الرسالة تلو الأخرى إن أولويتها إعادة بناء سورية، وليس الحرب مع إسرائيل، حتى إنها لم تتحرّك دبلوماسياً، عربياً ودولياً، من أجل وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية. وفي الوقت ذاته، ليس هناك مؤشرات على قيام تحالف عسكري استراتيجي مع تركيا، التي ترتبط بالتزامات تحول دون ذلك، بسبب عضويتها بحلف شمال الأطلسي، وعلاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة.

لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، في وقت يشكل فيه تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية عاملَ ضغطٍ على دمشق، المنهمكة بترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية للانطلاق نحو مرحلة إعادة البناء، وقد شهدت الأيام الأخيرة موجة من الاعتداءات في درعا والقنيطرة، قابلها الأهالي بمواقف بطولية، أدّت إلى سقوط شهداء وجرحى من أبناء القرى الحدودية، وذلك مؤشر مهم إلى بدء تشكل حالة شعبية تتجاوز الموقف الرسمي، غير القادر على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية بالوسائل العسكرية. ومن شأن الرفض الشعبي التعامل مع الاحتلال في القنيطرة، والتصدّي العسكري للقوات الإسرائيلية في ريف درعا الغربي، أن يتطوّر إلى مقاومة شعبية سياسية وعسكرية للدفاع عن الذات، فأهل الأرض لن يسكتوا على العربدة الإسرائيلية، التي تعمل على تهجيرهم وسلب أراضيهم، ومصادرة ما بقي من مصادر مائية، وفصل هذه المناطق عن سورية، خاصة أنهم يدركون بالممارسة أبعاد المخطّطات الإسرائيلية التوسعية، التي تعمل على تنفيذها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في غزّة والضفة الغربية، وحرب الإبادة التي تهدف لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، ورفض الانسحاب من جنوب لبنان، والعمل على اقتطاع جزء من الأراضي اللبنانية.

تستغل حكومة نتنياهو هشاشة الوضع الرسمي في سورية، وتعمل على منع هذا البلد، المنهك اقتصادياً، من التقاط أنفاسه، والانصراف إلى الاهتمام بوضعه الداخلي الصعب. وفي هذه الحالة، على السلطات السورية ألا تقف مكتوفة الأيدي، وتستمر في تلقي الضربات من دون إبداء ردود فعل، ويحتم عليها الموقف الخطير التحرك بعجالة، وفق خارطة طريق حكومية واضحة، لوضع حد لذلك بشتى الوسائل، السياسية أولاً، من خلال تكثيف الاتصالات على المستويين، العربي والدولي، وتصليب الجبهة الداخلية باتباع سياسات تعزز السلم الأهلي، ومعالجة جادة للتجاوزات التي شهدها الساحل السوري، واستكمال الحوار مع “قوات سوريا الديمقراطية”، وفصائل محافظة السويداء، لقطع الطريق على مشاريع الاستثمار الخارجي في الشأن الداخلي السوري.

العربي الجديد

——————–

بؤس الانعزالية وأوهام الخصوصية/ أسامة الرشيدي

12 ابريل 2025

جاءت المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في درعا جنوبي سورية قبل أيّام، وأسفرت عن ارتقاء شهداء وإصابة آخرين، وقبلها مجزرة بلدة كويا أواخر الشهر الماضي (مارس/ آذار)، لتمثّلا صفعةً على وجه من كانوا يتصوّرون أن بالإمكان التعايش مع الاحتلال، بل كانوا يسخرون من أيّ دعوات للتصدّي للتمدّد الإسرائيلي في المدن السورية، ويطالبون بالتطبيع مع تل أبيب، بذريعة أن القضايا العربية لا يجوز “التورّط” فيها. فلم تكتف قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقصف والقتل، بل أجبر القصف أهل البلدة على النزوح، في مشاهد أعادت إلى الأذهان ما تفعله إسرائيل في قطاع غزّة والضفة الغربية وجنوبي لبنان. وقد مثّلت هذه المشاهد ذروة الإجرام الإسرائيلي ووقاحته، إذ سبق أن قُتل سوريون عديدون في عمليات قصف سابقة على مدار الأشهر الماضية، فضلاً عن مئات الغارات الجوية التي أسفرت إحداها عن استشهاد أربعة سوريين وإصابة 19 آخرين.

لم تتأخّر بداية مثل هذه الدعوات إلى الانعزالية، فقد بدأت بعد إسقاط نظام المخلوع بشّار الأسد مباشرة. تقوم هذه الدعوات على التبرّؤ من أيّ قضايا جامعة، ومحاولة النأي بالنفس عنها، والانكفاء على القضايا الداخلية، بدعوى خصوصية التجربة تارة، وادّعاء الحكمة وبُعد النظر تارة أخرى، على طريقة “أميركا أولاً” التي يروّجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أنتجت هذه الدعوات سلوكيات عديدة مذهلة في نذالتها من بعضهم، من قبيل سبّ الشعب الفلسطيني، والهجوم على عدد ممّن ذهبوا إلى سورية للاحتفال مع الشعب السوري بإسقاط النظام، بل والتحريض عليهم، وتجاهل أيّ ضرر لحق بهم من جراء هذا التحريض، والتبرير لمثل هذه الأفعال.

ليست هذه الدعوات غريبةً عن المشهد السياسي خلال العقد ونصف العقد الماضيين، ففي كلّ دولة عربية شهدت حراكاً مماثلاً، وجدنا بعضهم يبدي تذمّره من آراء مواطنين عرب بشأن ما يجري في بلدهم، بزعم أن بلدهم له خصوصية وظروف فريدة من نوعها، على الآخرين تفهمها ودراستها جيّداً قبل أن يتجرّأوا ويدلوا بدلوهم في الأحداث الجارية.

في تونس، على سبيل المثال، احتفى بعضهم بالانقلاب الذي قاده قيس سعيّد على المؤسّسات، وتنصيب نفسه حاكماً مطلقاً، وذلك نكاية بحركة النهضة (الإسلامية)، التي كانت لها الأكثرية في البرلمان، كما هلّلوا للإجراءات القمعية كلّها، التي تبعت ذلك، من قبيل حلّ المؤسّسات واعتقال المئات، مؤكّدين أن المنتقدين لسعيّد ليست لديهم أيّ معرفة بالشأن التونسي، وأن المستقبل سيكون مختلفاً تماماً عن تصوراتهم، وهو ما سمعته من تونسيون عديدون. لكن ما جرى كشف أن تونس تنهل من الماعون السلطوي البائس نفسها، وأن الخصوصية المزعومة ليست إلا وهما في عقول بعضهم.

فرضية أخرى روّجها بعض داعين إلى عدم الردّ على جرائم الاحتلال، تفيد بأن إسرائيل غير قابلة للهزيمة، لأنّها مدعومة من الولايات المتحدة، وأن الحلّ في الصمت واتباع خطّة طويلة المدى، تؤدّي إلى تنمية البلاد العربية وتقويتها، قبل إعلان المواجهة مع إسرائيل. المثير للدهشة أن هذا الطرح يأتي بعد اتضاح هشاشة إسرائيل، بعدما استطاع مئات المقاتلين هزيمة جيشها خلال ساعات، مثلما رأينا صوتاً وصورة. كما أن الولايات المتحدة نفسها تعرّضت للهزيمة في فيتنام وأفغانستان وأماكن أخرى، فكيف استنتج هؤلاء أن إسرائيل لا تُهزم، وأن الولايات المتحدة لا تقهر؟ ومن أين جاءوا بهذه الثقة في أن إسرائيل ستترك سورية في حالها حتى تقوّي نفسها وتصبح قادرةً على مواجهة الاحتلال؟ هل تعتمد خطّتهم فعلاً على أن إسرائيل ساذجة للدرجة التي ستسمح لهم بها بحشد قواهم حتى يواجهونها وهم في أفضل حالاتهم؟

والمفارقة الكبرى أن طرحا كهذا يُرّوج بعدما استطاعت الثورة السورية نفسها هزيمة نظام مدعوم من دولة إقليمية كبيرة مثل إيران، ودولة قوية مثل روسيا، تملك ثاني أقوى جيش بعد الولايات المتحدة. فلماذا هذا التدنّي المفاجئ في تقدير الذات؟… الحقيقة أن هذه الدعوات ليست انعزاليةً بالمطلق، بل مجرّد حجّة لتحويل سورية إلى دولة تابعة لمحاور ومشروعات إقليمية بدأت تتشكّل أخيراً، ولذلك يُرتدى قناع الانعزالية والخصوصية لإقناع السوريين بهما، بينما هي في الحقيقة دعوة إلى التبعية والاستسلام.

العربي الجديد

——————————-

تركيا وإسرائيل: سباق بين الدبلوماسية والتغوّل!

10 – أبريل – 2025

تبدأ في تركيا، اليوم الجمعة، فعاليات «منتدى أنطاليا»، واختار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لكلمته الافتتاحية التي يلقيها على الزعماء الحاضرين، عنوانا هو: «التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم».

يمثّل العنوان اختيارا شديد المناسبة لأوضاع العالم، الذي استعاد روعه من صدمة اقتصادية كبرى بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «تجميد» قراره بفرض رسوم جمركية على دول العالم (ولكنه رفع نسبتها إلى 125٪ ضد الصين). يبدو العنوان مغريا لتوصيف الانقسام الذي تعانيه منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في فلسطين، حيث تحوّل قطاع غزة إلى «أرض الحشر»، والمقتلة التي لا يبدو هناك نهاية لها، رغم جولات الدبلوماسية التي لم تنقطع منذ بدء الحرب الأخيرة.

كان من مفاعيل نشوء تحالف أمريكي ـ إسرائيلي (بدعم غربي) لضمان صدّ هجمات من حلفاء إيران، المهيمنة على سوريا ولبنان، إلى اتساع الحرب الدائرة ضد هؤلاء، وإلى انحسار كبير لتلك الهيمنة، ومع انكشاف اهتراء وتعفّن نظام بشار الأسد في سوريا اندفعت قوات المعارضة نحو دمشق وأسقطت النظام، فيما أدى النجاح العسكري والاستخباري الإسرائيلي في ضرب «حزب الله» اللبناني، لترتيب الأجواء لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، قائد الجيش السابق جوزف عون، ورئيس حكومة، نواف سلام، الرئيس السابق للمحكمة الجنائية الدولية.

وجدت الحكومتان في سوريا ولبنان نفسيهما أمام تغوّل إسرائيلي لا طاقة لهما على ردّه، فدمّر جيش الاحتلال مجمل مقدّرات الجيش السوري، وأعلن احتلال مناطق كبيرة في جنوب البلاد، وتابع بشكل شبه يومي أشكالا من التوغّل والغارات، كما أنه تابع غاراته في لبنان، وانتهاك أراضيه وأجوائه، وأعلن البقاء في خمس نقاط من الجنوب، كما قصف الضاحية الجنوبية عدة مرات.

بلغ هذا الانفلات للقوّة الإسرائيلية طورا جديدا مع قصف مواقع تفقّدتها تركيا في سوريا وبعد تقارير عن إمكانية عقد اتفاقية دفاع مشترك بين دمشق وأنقرة يسمح لتركيا بنشر منظومات دفاعية. اتهم وزير خارجية إسرائيل، جدعون ساعر، تركيا بـ«لعب دور سلبي في سوريا» وحذر الرئيس السوري أحمد الشرع من «دفع ثمن باهظ» في حال «سمح للقوى المعادية» بدخول بلاده وتهديد إسرائيل.

وضع هذا الاستفزاز الإسرائيلي المُعلن والصريح أنقرة في وضع جديد فاعتبرت الخارجية التركية أن «إسرائيل باتت أكبر تهديد لأمن المنطقة»، وأنها تزعزع استقرارها عبر «التسبب بالفوضى وتغذية الإرهاب»، ولكن وزير الخارجية التركية هاكان فيدان فتح المجال للدبلوماسية بتصريح قال فيه إن بلاده «لا تريد مواجهة مع إسرائيل في سوريا».

وضعت زيارة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، إلى واشنطن، قبل أيام، حدودا لانفلات القوة الإسرائيلية، حيث أعاد ترامب المسألة إلى الدبلوماسية، حيث قال إنه صديق لإردوغان وأنه قادر على المساهمة في حل المشكلة، طالبا من نتنياهو «أن يكون معقولا»!

يُضاف إلى ذلك طبعا، بروز اتجاه أوروبي للحدّ من معادلة التطرّف الإسرائيلي في غزة والمنطقة، مثّلته زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، وإعلان باريس إمكان اعترافها بفلسطين قريبا، والتي سبقها لقاؤه بالرئيس اللبناني في باريس، ورعايته اجتماعا مع الرئيس السوري، مع توقع تعاون فرنسي ـ تركي في سوريا ولبنان، وكذلك مواقف مشابهة من اسبانيا وإيطاليا وبريطانيا.

تشير الأنباء الواردة، أمس، إلى إجراء ضباط أتراك وإسرائيليين «محادثات فنية» في أذربيجان (وهي بلد حليف لكليهما) وهو ما يعني أن الأوضاع متجهة نحو وضع «آلية لفض الاشتباك» و«بناء منظومة للتنسيق» لخفض التوتر في سوريا، وهو تطوّر مهم قد يضع سوريا، ولبنان، وربما فلسطين وإيران، على سكّة الدبلوماسية مجددا، وهو ما لا تريده إسرائيل بالطبع.

القدس العربي

————————–

 وفد من “مضافة الكرامة” يلتقي بيدرسن: نرفض المحاصصة وندعو لاستقرار شامل في سوريا

2025.04.11

عقد وفد يمثل “مضافة الكرامة” اجتماعاً مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، أكد خلاله رفضه للمحاصصة والتدخل الخارجي، ودعا لاستقرار شامل في سوريا.

وناقش الاجتماع، الذي عُقد في العاصمة دمشق، مساء أول أمس الأربعاء، آخر المستجدات المتعلقة بالوضع العام في البلاد، والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب السوري.

وأكد وفد “مضافة الكرامة” على “ضرورة الدفع نحو استقرار شامل وعادل، يستند إلى إرادة السوريين، ويضمن وحدة البلاد وسيادتها، بعيداً عن المحاصصات والتدخلات الخارجية”، مشدداً على “أهمية دعم المسار الأممي لتحقيق تطلعات الشعب السوري في العدالة والكرامة والحرية”.

كما تناول الاجتماع “ضرورة رفع كامل العقوبات المفروضة على سوريا، لتتمكن من التعافي المبكر، مما ينعكس إيجاباً على الشعب السوري، والدفع نحو الاستقرار المعيشي والاقتصادي والخدمي والأمني”.

وأشار وفد “مضافة الكرامة” إلى أن “التعويل على المجتمع الدولي يجب أن يكون أكثر جدية وفعالية في دعم العملية السياسية وتخفيف معاناة السوريين في الداخل والخارج، وفتح المجال أمام طاقات وطنية حقيقية تعمل بصدق لبناء مستقبل يليق بسوريا وشعبها”.

الأمم المتحدة متفائلة بالحكومة الجديدة

في سياق ذلك، كشف قائد فصيل “قوات شيخ الكرامة” المنضوي ضمن “مضافة الكرامة”، الشيخ ليث البلعوس، أن اللقاء مع المبعوث الأممي جاء تلبية لدعوة وجهها مكتب بيدرسن لـ “مضافة الكرامة”، مشيراً إلى أن بيدرسن لم يلتق حتى الآن بوفود أخرى من محافظة السويداء.

وفي تصريحات نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط”، قال الشيخ البلعوس إن “هناك توجهاً لدى الأمم المتحدة لدعم وحدة الأراضي السورية أرضاً وشعباً، ولدعم الانتقال السياسي للسلطة، وأنها متفائلة خيراً بالحكومة السورية الانتقالية الجديدة”.

وأوضح الشيخ البلعوس أن الاجتماع تناول عدة ملفات من بينها “المعوقات الأمنية على الأرض، وضرورة التكاتف الصحيح للشعب السوري، وتضافر جهوده لتحقيق التوافق مع الحكومة السورية الجديدة”، مضيفاً أنه “من بين التحديات الأمنية والسياسية في سوريا، الملف الإسرائيلي، والملف التركي، وملف الأقليات، والإعلان الدستوري”.

وأعرب الشيخ ليث البلعوس عن أمله في أن “يكون في قادم الأيام عمل صحيح بشأن هذه الطروحات، فاليوم هناك توجه أممي حيال سوريا ووحدة الأراضي السورية، أرضاً وشعباً، ودعم الانتقال السياسي للسلطة، وقد شعرنا بأنهم متفائلون خيراً بالحكومة الجديدة”.

————————

محافظ السويداء: نُفّذت أغلب بنود وثيقة قنوات ونواصل العمل على الباقي

2025.04.10

أكد محافظ السويداء، مصطفى البكور، أن بنود “وثيقة التفاهم” التي خرجت عن لقاء دارة قنوات بمشاركة مشايخ العقل وأعضاء من اللجنة الوطنية، تُطبق فعليا على الأرض منذ لحظة الإعلان عنها، مشددًا على أن الوثيقة لا تمثل اتفاقا أو عقدا رسميا، بل تفاهمات مكتوبة لضمان متابعتها وعدم نسيانها.

وقال البكور في مقابلة مع تلفزيون سوريا إن العديد من البنود بدأت الجهات المعنية بتنفيذها بشكل مباشر، أبرزها تحويل مبنى “الحزب” إلى مقر لفرع جامعة السويداء بقرار من وزارة التعليم العالي، إضافة إلى خطوات لتنظيم عمل الشرطة، حيث أُرسلَت لجنة من وزارة الداخلية لمتابعة التوظيف، وتم تعيين أكثر من 600 عنصر يتقاضون رواتبهم حاليا.

وأضاف أن الوثيقة تناولت أيضا ملف المياه، إذ حصلت مديرية المياه على دعم مالي من الرئاسة بهدف تغطية الاحتياجات العاجلة. وأكد أن أغلب بنود الوثيقة أصبحت قيد التنفيذ، رغم وجود بعض البنود التي تحتاج إلى وقت وظروف مناسبة لإنجازها.

المتحدث باسم “رجال الكرامة”: حديثي مجتزأ والحماية من إسرائيل طعن بالإرث الوطني

ملف المنشقين: الأولوية لعودتهم دون ظلم

أوضح محافظ السويداء أن وزارة الدفاع منحت الأولوية للمنشقين عن الجيش في العودة إلى وظائفهم، بعد معاناة طويلة عاشوها، مشيرًا إلى أن التنسيق مستمر مع الجهات المعنية لضمان استكمال بياناتهم ومتابعة حقوقهم. وأكد أن “الشرفاء من غير المنشقين” ممن لم تتورط أيديهم بالدماء سيجري العمل على إعادتهم إلى المؤسسات وفق معايير مهنية.

الأمن والشرطة: استعادة الثقة والتوطين من أبناء المحافظة

رأى البكور أن تحقيق العدالة يتطلب وجود شرطة فاعلة، لأن القضاء لا يستطيع أداء دوره دون الذراع التنفيذية، أي جهاز الشرطة. ولفت إلى أن المحافظة تشهد حاليًا تحركًا لتحسين واقع الشرطة وتوفير الدعم اللوجستي من مركبات وتجهيزات في الفترة المقبلة.

وفي رده على مواقف الشيخ حكمت الهجري، خاصة فيما يتعلق برفض دخول قوات الأمن من خارج المحافظة، قال البكور إن الرفض ليس على فكرة الأمن نفسها، بل على الذهنية السابقة المرتبطة بجهاز الأمن، والتي زرعت الخوف في نفوس السوريين طوال السنوات الماضية. وأشار إلى أن المفهوم الجديد للأمن يجب أن يعني “حماية الناس وأمانهم لا ترويعهم”.

وأضاف: “أنا أميل إلى رأي الشيخ حكمت في أن يكون عناصر الأمن من أبناء السويداء. أهل مكة أدرى بشعابها، وأبناء المحافظة أدرى بتفاصيلها”، مشددًا على أن استعادة الثقة بين الأهالي والأمن بحاجة إلى وقت.

العلاقة مع مشايخ العقل: لا خلاف مع الشيخ حكمت

نفى محافظ السويداء وجود أي خلاف مع الشيخ حكمت الهجري، وأكد أن اللقاءات المتكررة معه تؤكد وجود تفاهم وتنسيق دائمين، مشيرًا إلى أن ما يُنشر في الإعلام عن خلافات هو محض إشاعات تُروّج من قبل “الذباب الإلكتروني” بهدف زرع الانقسام.

وقال إن الشيخ حكمت كان واضحًا في مواقفه، وإنه يؤكد دائمًا على أن “وجهة السويداء هي دمشق”، وأن أبناء المحافظة يريدون مؤسسات فاعلة تخدم السكان.

وفيما يتعلق بحديث الشيخ عن “اللامركزية الإدارية”، شدد البكور على أنه لم يسمع هذا الطرح منه شخصيًا، لكنه لا يرى في الحديث عنها أي معارضة للدولة، بل وجهة نظر تهدف إلى تحسين الإدارة المحلية.

الفصائل المحلية: دور مهم في دعم الأمن

وجّه البكور تحية إلى الفصائل المحلية في السويداء، وعلى رأسها “حركة رجال الكرامة”، مشيدًا بدورها في الحفاظ على الأمن خلال السنوات الماضية. وأوضح أن الحركة أعلنت مرارًا دعمها لتثبيت الأمن، لكنها تؤكد في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون الأمن بيد أبناء المحافظة.

وأشار إلى أن معظم الفصائل مستعدة للمساهمة في ضبط الأمن، لكن الأمر يتطلب تهيئة ظروف مناسبة، قائلاً: “الفصائل جزء من الحل وليست عائقًا أمام الأمن، لكنها تريد ضمان ألا يُعاد إنتاج أدوات القمع القديمة”.

رفض البكور التشكيك في نوايا “الحكومة” بتفعيل الإدارات المحلية، موضحًا أن أغلب المديريات، من الكهرباء والمياه إلى الزراعة، تعمل بشكل يومي، وتقدم خدماتها رغم ضعف الإمكانيات. وأشار إلى أن نقص الدعم المالي واللوجستي يعود إلى الأزمة العامة في سوريا، لا إلى تقصير إداري.

ووصف المرحلة القادمة بأنها “مرحلة تعافٍ تدريجي”، داعيا إلى الصبر حتى تتحسن الظروف، وتتمكن الدولة من رفع نسبة الخدمات إلى 100%، مشيرًا إلى أن النسبة الحالية تُقدّر بنحو 50%.

أنهى الدكتور مصطفى البكور اللقاء بالتأكيد على أن السويداء تسير نحو دمشق، وأن جهود إعادة الثقة بالمؤسسات مستمرة، رغم التحديات. وقال: “نأمل أن تصل السويداء، كما باقي سوريا، إلى حالة من الأمن والاستقرار تُعيد للناس حياتهم وكرامتهم”.

لقاء خاص مع محافظ السويداء الدكتور مصطفى البكور حول آخر التطورات في المحافظة

———————————–

المتحدث باسم “رجال الكرامة”: حديثي مجتزأ والحماية من إسرائيل طعن بالإرث الوطني

2025.04.10

قال المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة” العاملة في السويداء، باسم أبو فخر، إن الحركة ليست على صلة وتوافق مع مَن يطلب حماية من إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أن ذلك “طعن بتاريخ الأجداد و الإرث الوطني”.

ورد “أبو فخر” على ما وصفه بـ”اجتزاء وتأويل لحديثه” مع الإذاعة الوطنية الأميركية (NPR) التي نشرت تقريراً حول فصائل السويداء وموقفها من الحكومة السورية، وأوضح أن التقرير مدمج مع تصريحات ومقابلات مع أشخاص من جبل العرب لا تتوافق الحركة مع طروحاتهم فيه.

أبو فخر: الحديث محرّف

وأكد “أبو فخر” أن حديثه ضمن التقرير كان مجتزءاً ومحرفاً ومأوّلاً، ضمن عدة نقاط، منها حسب قوله: “كنت أتحدث عن مكونات المجتمع السوري بشكل عام وأن ما حدث في الساحل يدعونا أن نخشى بأن يصبح المجتمع السوري غير قادر على العيش المشترك، وقد أوّلت الإذاعة ذلك القول بأننا غير قادرين على العيش مع العرب السنة “.

وأضاف: “قلت بأن موقفنا منذ البداية، لا موالون و لا معارضون، بل وطنيون سوريون عروبيون وإنسانيون وما زلنا على هذا النحو، لتجتزئ الإذاعة من هذا الكلام بأننا غير موالين للحكومة السورية”.

وقال “أبو فخر” في حديث نشرته “شبكة السويداء 24” المحلية: “لا ندين بالولاء إلا للمبادئ التي سرنا عليها والتي تمثل قيم أهلنا وإرثهم التاريخي الوطني”، مؤكداً: “لسنا ميليشيا بل نحن مجتمع معروفي عروبي أصيل “.

وأشار إلى بعثه بـ”رسالة استنكار للإذاعة عبر مترجمها في العراق وبانتظار الرد”.

ماذا أوردت الإذاعة عن “رجال الكرامة”؟

ونقلت الإذاعة الوطنية الأميركية عن “أبو فخر”، قوله إنه “لا يمكننا أن نخدع أنفسنا بعد ما حدث في الساحل”، موضحاً أنه “توصلنا إلى قناعة بأنه إذا استمر الوضع على هذا النحو فنحن غير قادرين على العيش المشترك”.

وأضاف أبو فخر أنه “نحن لسنا موالين للحكومة ولدينا مخاوف بشأنها، لكننا حريصون على توحيد سوريا، وعاصمتنا دمشق، ولا كرامة لإنسان إلا في بلده”.

وكشف المتحدث باسم “رجال الكرامة” أن الحركة لديها رجال في 100 قرية، مسلحون بالبنادق والرشاشات والصواريخ وقذائف الهاون، لكنه رفض الكشف عن عدد المقاتلين.

وتعليقاً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن حماية الدروز في سوريا، قال أبو فخر إنه “عندما يقول نتنياهو إنه يريد حماية الدروز، فهو يفعل ذلك لتحقيق مصالحه الخاصة”.

الهجري: لا توافق مع دمشق

وقال شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، حكمت الهجري، في تصريحات للإذاعة الأميركية، إنه “لا يوجد توافق بيننا وبين حكومة دمشق”، مشيراً إلى أن مقاتلي السويداء مستعدون للقتال وصد القوات الحكومية إذا لزم الأمر.

وأوضح أن “المحادثات مع حكومة دمشق مستمرة، لكن الاتفاق سيكون صعباً”، مضيفاً أن “الفصائل الإرهابية المسلحة تعتبر نفسها الآن مسؤولة عن الإدارة في دمشق، وهذا غير مقبول على المستوى السوري ولا الدولي”.

وأكد الشيخ الهجري أن القوات الدرزية التي حافظت على الأمن في السويداء “ستبقى على حالها”، وستواصل السيطرة على حدود المحافظة مع الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، مشيراً إلى أن القوات الدرزية “تجمع مقاتلين وتضع خططاً لصد قوات الحكومة إذا لزم الأمر”.

وشدد الشيخ الهجري على أنه “لا نريد تدخل أحد من الخارج، لأن هذه مرحلة انتقالية ومرحلة خطيرة”، مؤكداً أن “إراقة الدماء تُفضي دائماً إلى مزيد من سفك الدماء، ونحن نرفض هذه الطائفية، ونريد بناء دولة مدنية”.

—————————-

خبير أميركي: لهذا سوريا التحدي الأصعب لترامب في الشرق الأوسط

صورة لقيام الجيش الإسرائيلي بإقامة نقطة عسكرية جديدة في ريف القنيطرة جنوب سوريا

12/4/2025

يفيد مقال نشرته وول ستريت جورنال بأن أصعب الاختيارات التي يمكن أن تواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يكمن في سوريا.

وأوضح المقال، الذي كتبه مايكل دوران مدير مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط التابع لمعهد هدسون بواشنطن، أن إنهاء برنامج إيران النووي يُعد من أولويات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، إلا أن التحدي الأكبر أمامه يتمثل في سوريا، حيث تتولى حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع إدارة البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.

وقال إن هذه الحكومة تعاني من ضعف السيطرة على الأراضي السورية، حيث تسيطر إسرائيل على الجنوب بدعم عسكري، وتركيا على الشمال حيث تقدم دعما مباشرا لحكومة الشرع، مما يخلق توترات متصاعدة بين أنقرة وتل أبيب.

وذكر المقال أن ترامب أشار إلى استعداده للوساطة خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، مؤكدا ثقته في قدرته على حل الخلافات، بشرط أن يتحلى الطرفان بالعقلانية.

اختبار لنهج ترامب

وعلق دوران بأن وساطة ترامب المحتملة تمثل اختبارا لنهجه في السياسة الخارجية الذي يركز على النفوذ الاقتصادي وتقليص الوُجود العسكري، مع الاعتماد على الحلفاء لتحقيق المصالح الأميركية، إلا أن كلا الحليفين، تركيا وإسرائيل، لا يثق بالآخر، رغم قوتهما العسكرية.

ولفت إلى أن التوترات تفاقمت بعد أن قصفت إسرائيل قاعدة “تي فور” الجوية في سوريا لمنع تركيا من نشر طائرات مسيّرة فيها، مما ينذر بإمكانية التصعيد العسكري الذي قد يشعل الحرب الأهلية مجددا ويقوض جهود الاستقرار الإقليمي.

خشية إسرائيل من تركيا

وقال إن إسرائيل ترى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشكل تهديدا جديا، خاصة بعد تصريحاته ضدها واستضافته قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتخشى أن تحل تركيا محل إيران كراعية “للجهاد” ضدها. ومن هذا المنطلق، أعلنت إسرائيل بوضوح أنها ستتعامل مع أي وجود مسلح جنوب دمشق كتهديد مباشر، وتوعدت بضربات استباقية عند الحاجة.

في المقابل، تعتبر تركيا أن استقرار سوريا ضروري لأمنها القومي ولحل أزمة اللاجئين، حيث تستضيف أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري. ويعتمد جزء كبير من شرعية أردوغان السياسية على إعادتهم، مما يتطلب إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.

ويقترح الكاتب أن يلعب ترامب دور الوسيط عبر خطة متوازنة: تُمنح إسرائيل حرية العمل الجوي لحماية أمنها من التهديدات الإيرانية، بينما يُعترف لتركيا بدورها الميداني في الشمال، مما يعزز أمنها الحدودي ويمكنها من التأثير في مستقبل سوريا. كما ينبغي للولايات المتحدة قطع علاقاتها مع وحدات حماية الشعب الكردية، وهي ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، وهو ما من شأنه تحسين علاقاتها مع تركيا.

قيادة تحالف دولي

على الجانب الاقتصادي، يمكن لترامب قيادة تحالف دولي لاستثمار أموال إعادة إعمار سوريا، مع إشراك دول الخليج وأوروبا ومؤسسات مالية دولية، بحيث تستفيد تركيا اقتصاديا من خلال شركاتها في البناء واللوجيستيات، بينما تُمنح سوريا فرصة للانتعاش تحت رقابة أميركية. وستلقى هذه الخطة دعما سعوديا أيضا، حيث ترغب الرياض في استقرار سوريا وتخشى عودة الفوضى التي قد تمنح إيران موطئ قدم جديدا.

في الختام، يرى الكاتب أن جعل سوريا منطقة عازلة شبيهة بالأردن يمكن أن يخدم مصالح الجميع: إسرائيل وتركيا ستحققان الأمن، والشعب السوري سينعم بالسلام، والولايات المتحدة ستستعيد نفوذها من دون تدخل عسكري مباشر، مما يثبت نجاح نهج ترامب في السياسة الخارجية القائمة على الوساطة والقيادة الاقتصادية.

المصدر : وول ستريت جورنال

——————————-

لمواجهة تهديدات إسرائيل.. تركيا تعلن تشكيل آلية مشتركة مع خمس دول مركزها سوريا

2025.04.12

أعلن نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، تشكيل آلية إقليمية مشتركة تضم تركيا والعراق وسوريا ولبنان والأردن بهدف التصدي لما وصفه بـ”الدور الإسرائيلي المزعزع للاستقرار الاستراتيجي في المنطقة”.

وأوضح يلماز أن هذه الآلية ليست بديلاً عن نظام إقليمي جديد، بل تأتي كخطوة عملية لتوفير أدوات دعم وتنسيق، ومساعدة سوريا في “بناء نوع من القدرات”.

وأكد المسؤول التركي أن العمل بالآلية سيبدأ “قريباً جداً”، مشيراً إلى أن مركز التنسيق الخاص بها سيكون داخل الأراضي السورية، وأن جميع الطلبات المتعلقة بمهامها ستصدر من الجانب السوري.

واجتمع الرئيسان السوري أحمد الشرع والتركي رجب طيب أردوغان في لقاء ثنائي على هامش منتدى أنطاليا، تناول العلاقات الثنائية وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية.

أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن امتنانه لإحباط ما وصفه بمحاولات نشر الفوضى مجدداً في سوريا، مؤكداً أهمية استمرار الاستقرار في البلاد.

وأكد أردوغان مواصلة الجهود الدبلوماسية لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، مشدداً على ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، مع إمكانية توسيعه ليشمل مجالات أخرى.

انطلقت في تركيا أعمال النسخة الرابعة من منتدى أنطاليا الدبلوماسي تحت شعار “تبنّي الدبلوماسية في عالم منقسم”، بمشاركة واسعة من رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية وممثلين عن منظمات إقليمية ودولية. وقد شكّل الملف السوري محوراً بارزاً في جلسات المنتدى، سواء في اللقاءات الثنائية أو على هامش الفعاليات، وذلك بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي حظي باهتمام إعلامي كبير منذ لحظة وصوله، حيث لاحقته عدسات الصحفيين والتُقطت صورٌ لحركته وتنقّلاته.

وشاركت الجمهورية العربية السورية بوفد رسمي رفيع المستوى ترأسه الرئيس أحمد الشرع، إلى جانب عقيلته لطيفة الدروبي، ووزير الخارجية أسعد الشيباني.

وشهد المنتدى سلسلة من اللقاءات الثنائية التي أجراها الرئيس الشرع مع عدد من القادة والمسؤولين، كان أبرزها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إضافة إلى لقاء مع رئيسة جمهورية كوسوفو فيوسا عثماني، التي أكدت التزام بلادها بدعم الشعب السوري ومشاركة خبراتها في إعادة البناء، بالإضافة إلى لقاء جمعه بنظيره الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، في مؤشر على تحرّك سوري نحو بناء شراكات جديدة على أساس المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي.

تأتي تصريحات نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، بشأن إنشاء آلية إقليمية خماسية تضم تركيا والعراق وسوريا ولبنان والأردن، في سياق تصاعد التوترات الإقليمية حول النفوذ التركي المتزايد في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024. فقد أثار ذلك التدخل التركي، وخاصة محاولة أنقرة الاستفادة من قواعد جوية داخل سوريا، قلقاً متزايداً في إسرائيل، التي ردّت بسلسلة من الغارات الجوية استهدفت تلك القواعد، وهو ما دفع أنقرة لإصدار تصريحات غير معتادة، أكدت فيها أنها “لا تسعى لمحاربة أي دولة على التراب السوري”.

وفي ظل القلق الإسرائيلي، دخلت أنقرة وتل أبيب في محادثات تقنية لتجنب التصادم العسكري في سوريا، كما ظهر جلياً أن تركيا – بدعم من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب – تسعى لتثبيت نفوذها من خلال شراكة استراتيجية مع الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، الذي كان قد زار تركيا أكثر من مرة منذ توليه الحكم. وقد رأت إسرائيل أن هذا التحصن التركي على الأراضي السورية يحد من قدرتها على المناورة، خصوصاً مع ميل واشنطن لتأييد الدور التركي في سوريا، بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

ويأتي تشكيل الآلية الإقليمية الجديدة كمحاولة تركية لخلق توازن إقليمي داعم لتحركاتها في سوريا، ضمن تحالف يعزز الشرعية السياسية للتدخل، ويواجه النفوذ الإسرائيلي من خلال التنسيق الإقليمي مع دول الجوار السوري. كما تسعى تركيا، عبر هذه الآلية، لتقوية المؤسسات الأمنية السورية الجديدة واحتواء المخاوف الإقليمية، خاصة بعد إعلانها عن إمكانية تقديم مساعدات عسكرية إلى الجيش السوري الجديد، وإقامة شراكة استراتيجية تشمل التعاون الدفاعي.

إلى جانب الأبعاد الأمنية، تهدف أنقرة أيضًا إلى تسريع إعادة الإعمار، وضمان عودة اللاجئين، وتأمين مصالحها الاقتصادية في بلد يمثل عمقًا استراتيجيًا لها. ومن جهة الحكومة السورية، فإنها تجد في هذه الآلية نافذة للحصول على الدعم الخارجي وتحقيق الاستقرار بعد حرب مدمرة، خاصة بعد خسارتها لموارد ضخمة كانت تعتمد عليها سابقاً.

تشكل الآلية الإقليمية التي تحدث عنها نائب وزير الخارجية التركي امتداداً عملياً لتقارب سياسي واستراتيجي متسارع بين تركيا وسوريا الجديدة، وسط توازنات إقليمية معقدة، ومخاوف متبادلة من تصاعد النفوذ العسكري والأمني في سوريا على حساب اللاعبين الآخرين، وعلى رأسهم إسرائيل.

—————————–

السويداء بعد سقوط نظام الأسد.. حياد محسوب أم بوادر تموضع مستقل؟/ مالك الحافظ

2025.04.12

بعد مرور أربعة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، ما تزال محافظة السويداء تُمثّل حالة سورية لا تخضع لقياس سياسي تقليدي، ولا تستجيب بسهولة لمعادلات السيطرة التي وُضعت في المناطق الأخرى. فهذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية، التي حافظت على حيادها العسكري طوال سنوات الصراع، تواصل اليوم تمسّكها بنموذج خاص، يتأرجح بين رفض مركزي مستتر، واستقلال وظيفي حذر، في ظل غياب أي نفوذ واضح للسلطة الانتقالية المركزية الجديدة، وعدم دخولها فعلياً في معادلة الحكم المحلي.

فمن يملك القرار في السويداء؟ وما هي القوى الفاعلة التي تتصدّر المشهد؟

“ثوابت درزية”

لا تزال حركة “رجال الكرامة” تُعدّ الفاعل الأكثر حضوراً في السويداء على مستوى التنظيم المسلح المحلي، مستندة إلى شبكة ولاءات مجتمعية واسعة، وخطاب أخلاقي راسخ. إلى جانبها، تبرز مجموعات أخرى مثل “لواء الجبل” و”قوات الفهد”، كما برز مؤخرا اسم “المجلس العسكري للسويداء”، والتي رغم اختلافها في درجة الانضباط والانتشار، تشترك في هدف حماية المجتمع المحلي من التسلط والفوضى، دون ارتباط واضح بأي مشروع سياسي خارج السياق السوري الداخلي.

رغم سيطرة “رجال الكرامة” على المشهد الرمزي، إلا أن تباينات خفية بدأت بالظهور بين بعض الفصائل المحلية حول من يملك حق تمثيل المحافظة، ورغم أن هذا التباين لم يتحول إلى صدام مباشر، لكنه يمكن أن يعكس سباقاً داخلياً على الشرعية والقيادة.

إلى جانب هذه القوى، يحضر البعد المجتمعي ــ الديني بقوة، من خلال المرجعيات الروحية الثلاث المعروفة لدى أبناء الطائفة الدرزية. إلا أن التأثير الأكبر ما يزال متركزاً في الشارع بيد الشيخ حكمت الهجري.

إن فهم الديناميات المحلية يبقى ناقصاً ما لم يُؤخذ بعين الاعتبار دور المشيخات الدينية الدرزية الثلاث، ورغم وجود تباينات بين المشيخات الثلاث أحياناً في المقاربات، إلا أنها تتّفق غالباً على ضرورة الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي، ورفض الانجرار وراء أي استقطاب سياسي حاد. هذا ما يمنح هذه المرجعيات بُعداً ضابطاً للمعادلة الداخلية، ويُكسب القوى العسكرية المحلية غطاءً أخلاقياً لا يُستهان به.

خلال اليومين الماضيين أثارت تصريحات الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، جدلاً واسعاً بعد تأكيده عدم وجود توافق بين القوى المحلية في المحافظة وحكومة دمشق. وذلك في مقابلة نشرها موقع الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (NPR) بتاريخ التاسع من نيسان.​

غير أن مصادر خاصة من السويداء أفادت لموقع “تلفزيون سوريا” أن هذه المقابلة تأخر نشرها لمدة شهر كامل، مشيرة إلى أن تاريخ التصريحات يعود لشهر آذار الفائت، ولا تُعبّر بالضرورة عن وجهة النظر الحالية للشيخ الهجري.

رداً على التصريحات، أكد محافظ السويداء، مصطفى البكور، في مقابلة مع “تلفزيون سوريا”، أنه لا يوجد أي خلاف مع الشيخ الهجري، مشدداً على وجود تفاهم وتنسيق دائمين بينهما. كما أعرب البكور عن تأييده لفكرة أن يكون عناصر الأمن في المحافظة من أبناء السويداء، تعزيزاً للثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية .​

كذلك كان قد قام محافظ السويداء، مصطفى البكور، بزيارة إلى دارة الشيخ الهجري في السادس من نيسان الجاري، لتقديم التهاني بمناسبة عيد الفطر. وسبق ذلك كله، رسالة وجهها الشيخين حمود الحناوي ويوسف جربوع إلى جانب الأمير حسن الأطرش، للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في 26 آذار الماضي، طالبوا فيها بإعادة النظر في الإعلان الدستوري، وتشكيل لجان تمثيلية لكافة الفعاليات، وتفعيل الضابطة العدلية، وإعادة تفعيل عمل المحاكم، ووقف تسريح الموظفين، وتشكيل لجان حوار اقتصادي وتعليمي تشمل النقابات والصناعيين والمعلمين وأساتذة الجامعات.

هذا الغموض في تموضع السويداء يُعزّزه الغياب الكامل لإطار دستوري متفق عليه، بعد أن قوبل “الإعلان الدستوري” الصادر عن الحكومة الانتقالية برفض واسع في الجنوب السوري، واعتُبر من قبل الزعامات المحلية في السويداء محاولة لإعادة إنتاج مركزية غير مقبولة، وهو ما دفع المشيخات لتوجيه رسالتها التي طالبت بإعادة النظر في النصوص المنظمة للمرحلة الجديدة.

مشايخ العقل.. تأثير فعلي بلا مشروع معلن

تُظهر مواقف مشايخ العقل الثلاثة في السويداء تجاه السلطة الانتقالية تنوعاً في المقاربات يعكس التباين الداخلي في المرجعيات الدينية والسياسية للطائفة.

فـالشيخ حكمت الهجري، المقيم في بلدة قنوات، يُعدّ الأكثر تأثيراً ووضوحاً في موقفه، حيث اتّسم خطابه بالاستقلالية الحادة، ورفض بشكل مباشر مشروعية السلطة الانتقالية الجديدة، داعياً في تصريحاته للإذاعة الأميركية إلى تشكيل حكومة مدنية مستقلة خالية من التبعية لأي فصيل أو جهة سياسية، ما جعله يُعبّر عن موقف رافض جذري واضح.

أما الشيخ حمود الحناوي، المقيم في مدينة السويداء، فيتبنى مقاربة أكثر تقليدية وتوافقية، إذ لم يُصدر موقفاً صريحاً معارضاً أو مؤيداً للسلطة، بل اختار موقعاً وسطاً يركّز على الحفاظ على وحدة الصف والتوازن الداخلي. وقد شارك الحناوي في الرسالة المفتوحة التي وُجهت إلى الشرع، والتي دعت إلى الإصلاح والحوار، ما يعكس رغبته في التواصل دون التصعيد.

في المقابل، يُعتبر الشيخ يوسف جربوع، المقيم في بلدة صلخد جنوبي المحافظة، من الأصوات المعتدلة التي تميل إلى الحياد الإيجابي. وقد وقّع بدوره على الرسالة ذاتها الموجّهة إلى الشرع، متجنباً التصعيد أو التسييس المفرط، ومفضّلاً التفاعل مع الحكومة الجديدة في إطار مطالبة مدنية سلمية بالحقوق، لا عبر المواجهة.

الكاتبة الصحفية، مزن مرشد، اعتبرت خلال حديثها لموقع “تلفزيون سوريا” أن هناك اتجاهين متشكلان في السويداء، اتجاه يمثله تيار الشيخ الهجري وهو اليوم على الأرض الأقل ثقلاً لكنه الأعلى صوتاً، وفق تعبيرها. واتجاه آخر يقف على النقيض منه تمثله عدة تيارات وشخصيات كالشيخ الحناوي “كلنا سمعنا تصريحاته الواضحة والشفافة”، مشيرة إلى أن التيار الثاني يقف مع “الدولة السورية الوليدة ومع اعادة الاستقرار للمنطقة ولديهم اتصالات دائمة مع حكومة دمشق. هذا (التيار) مؤيد لبناء الدولة بغض النظر عن الأفراد فالولاء للوطن وللحرية وللثورة التي انتصرت بدماء أبنائها”.

من جانبه قال الناشط المدني من السويداء، كنان خداج، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” إن الثقة معدومة تجاه السلطة الانتقالية بدمشق، مضيفاً بأن “رأي سماحة الشيخ الهجري هو الأول في المحافظة، ولا يستطيع أحد تجاوزه”. معتبراً أن حضور الهجري وثقله لدى شرائح من أبناء المحافظة أدى إلى نوع من الانضباط في السويداء، وساهم أيضاً في اتفاق الفصائل المسلحة المحلية أن تبقى على الحياد تجاه السلطة الانتقالية.

وأضاف “يجب التمييز بين الفصائل الكبيرة في السويداء، وبعض العصابات. يحاول اللاعبين الخارجين سواء الإدارة في دمشق أو بعض الجهات الإقليمية أو حتى أطراف من المعارضة الخارجية السورية الاستفراد ببعض الأشخاص”. كما اعتبر أن ضعف الحالة المدنية والسياسية في المحافظة هي التي ساهمت بثقل حضور الزعامات الدينية والمسلحة، الذين اعتبرهم الأكثر تنظيماً.

قياس المواقف المتفاوتة

يبقى التفاوت في المواقف بين المشايخ الثلاثة لا يعكس انقساماً حاداً، بل يُجسّد تنوعاً داخل البنية الدينية – الاجتماعية، ويمنح المشهد العام في السويداء مرونة كبيرة في التعاطي مع السلطة، إذ يوازن بين الرفض الواضح (الهجري)، والدعوة للتفاهم المشروط (جربوع والحناوي)، بما يحفظ وحدة الصف الداخلي للطائفة ويمنع الاصطدام المباشر مع المركز.

وفي الوقت الذي تراقب فيه دمشق بصمت، وتتجنّب الاشتباك مع الفاعلين المحليين، تظلّ المشيخات بمنزلة قوة توازن ناعمة، تؤطّر المسار العام للمحافظة، وتمنح المشهد السياسي والأمني هناك طابعاً محلياً متماسكاً، يختلف عن باقي مناطق البلاد.

رغم غياب أي سلطة رسمية تُمسك بالمشهد من أعلى، تبدو السويداء اليوم في حالة من “الاستقرار المشوب بالانتظار”. فالقوى المحلية تفرض أمناً نسبياً في المدينة وريفها الغربي، وتدير بعض شؤون الحياة اليومية عبر لجان محلية غير رسمية، مع اعتماد جزئي على تحويلات الخارج والمساعدات الفردية من المغتربين. إلا أن هذا الاستقرار ليس مدعوماً بمشروع إداري واضح أو رؤية سياسية مستقبلية.

ما يحدث هو أشبه بـ”اللاحل المؤقت”، حيث تُحكم المدينة بقواعد الأمر الواقع، مع خطوط حمراء غير مكتوبة تحكم العلاقة بين الفاعلين المحليين، وتمنع انهيار المشهد إلى فوضى أمنية أو تنافس دموي. لكن في المقابل، لا تملك هذه القوى الشرعية الكاملة أو الإمكانات الإدارية اللازمة لتشكيل بديل فعلي للدولة، مما يجعل الوضع هشاً وقابلاً للانفجار.

الكاتبة الصحفية، مزن مرشد، قالت إن الهدوء اليوم في المحافظة هو هدوء العقل والتعقل والحكمة، “أي مواجهة أو اقتتال من الممكن أن يحصل بين التيارين في السويداء ستكون عواقبه وخيمة ليس على السويداء فقط بل على المنطقة بمجملها، واليوم هناك تريث حتى تتضح الأمور بالنسبة لجماعة الشيخ الهجري لإيجاد نقاط التقاطع مع الوطن لا نقاط الخلاف”.

خطابات ومطالب.. من الدفاع عن الكرامة إلى الحياد السياسي

ما يلفت في شعارات القوى الفاعلة في السويداء هو تمسّكها بخطاب أخلاقي أكثر منه سياسي. تتكرر عبارات “الدفاع عن الأرض”، “الكرامة”، و”القرار المستقل”، في بيانات حركة رجال الكرامة أو البيانات المشيخية، لكن دون أن تتحول إلى مشروع سياسي علني أو برنامج مطالب واضح.

وهو ما أعلن عنه بوضوح مؤخراً، المتحدث باسم حركة “رجال الكرامة”، باسم أبو فخر، في تصريحات صحفية نشرت في العاشر من نيسان، قال فيها إن موقفهم منذ البداية “لا موالون و لا معارضون، بل وطنيون سوريون عروبيون إنسانيون ولا زلنا على هذا النحو”.

وأضاف “لا ندين بالولاء إلا للمبادئ التي سرنا عليها والتي تمثل قيم أهلنا وإرثهم التاريخي الوطني. لسنا ميليشيا بل نحن مجتمع معروفي عروبي أصيل”.

في المقابل، يغيب الحديث عن “السلطة الانتقالية” في دمشق بشكل شبه تام. فلا دعوات للتعاون، ولا مواجهات صريحة، بل حياد محسوب، وكأن السويداء تراقب عن بُعد لتقدير اتجاه الريح. وهذا الحذر ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لنهج تاريخي اختار فيه الدروز غالباً التريث وتجنّب الانخراط في الصراعات العمودية إلا بعد اتضاح نتائجها.

حول ذلك تُبيّن الكاتبة الصحفية، مزن مرشد في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا” بوجوب أن يصار إلى التفاهم مع القيادات في السويداء، “من الحكمة التواصل والتعامل مع الفرق الوطنية والتي هدفها الوطن لا مصالح فردية ولا طموحات سلطوية، وبالنهاية يجب أن نصل إلى سوريا التي نتمناها والتي جميعنا دفع ثمن حريتها باهظاً”.

تلعب الحدود الجغرافية دوراً كامناً في معادلة السويداء، فالمحافظة التي تفصلها مسافة رمزية عن درعا ذات التاريخ الثوري، تُطل أيضاً على الأردن الذي يُشكّل نافذة محتملة للعبور أو الاتصال الخارجي. هذا الموقع يجعل من أي تحوّل في السويداء تحولا ذا صدى إقليمي، ويُبقيها ضمن الحسابات الدولية، رغم خطابها الداخلي المنكفئ.

تعيش السويداء لحظة سياسية مركّبة، عنوانها الأبرز “السيطرة بلا سلطة”، فالمدينة تحكم نفسها عبر شبكة قوى أهلية، لكن دون غطاء شرعي أو مشروع سياسي ناضج. وتبدو كأنها تتجه نحو تموضع خاص، يشبه “استقلالاً ناعماً” لا تعلنه، ولا ترفضه.

كذلك لا يمكن فصل سلوك السويداء اليوم عن إرثها التاريخي كمهد للثورة السورية الكبرى ومحطة مفصلية للقرار المحلي في مواجهة السلطة المركزية، وهو ما يجعل التوجس من كل سلطة مفروضة جزءاً من هوية جبل العرب، لا مجرّد موقف سياسي راهن.

تلفزيون سوريا

————————

عالم في مهبّ الريح!/ حسان الأسود

2025.04.11

أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق، لم تأت من جائحة صحية مثل كورونا، ولا من انهيار مصارف عالمية كما حصل عام 2008 في أزمة الرهن العقاري، بل جرّاء فقد الثقة المتبادلة في العلاقات الدولية، ليس بين الأعداء كما هو المنطق، بل بين الأصدقاء والحلفاء، حتى يخال الناظر أنّ مصفوفة هؤلاء باتت بانزياح كبير لدرجةٍ أرعبت فيها البعض وأربكت البعض الآخر.

من كان يتصوّر أن تتغيّر أولويات الولايات المتحدة الأميركية تجاه أوكرانيا وروسيا بهذه الدرجة الحادّة، ومن كان يتوقّع هذه السياسة الحمائيّة الأميركية التي بدأها الرئيس ترمب وفرض بموجبات ضرائب متنوّعة وقاسية على الحلفاء قبل المنافسين والأعداء؟ وعندما نتحدّث عن هذا السبب الأميركي فإننا لا نقلل من قيمة الأسباب الأخرى العالمية، فكل منطقة في العام لديها اعتباراتها التي تؤثر في مسارها الخاص من جهة وفي المسار العالمي من جهة ثانية.

لا يمكن إغفال التحديات التي تواجهها منطقة آسيا بتضارب مصالح عملاقين بشريين هما الصين والهند، ولا يمكن القفز على التناقضات البينيّة في دول الاتحاد الأوروبي، ولا عن توترات منطقة الشرق الأوسط المستدامة. الأمر الحاسم في كل هذه القضايا أنّه ما لأي منها التأثير ذاته الذي يحدثه العامل الأميركي، ويعود السبب بحسب وجهة نظر كاتب هذه السطور لارتباط اقتصادات العالم بشكل كبير بالدولار وبحكم اتساع تأثير التكنولوجيا الأميركية والثقل السياسي والعسكري للولايات المتحدة عالميًا.

قد يعيد التاريخ نفسه مجددًا بالتحضّر لحرب عالمية من نوع جديد، من المحتمل ألا تكون عسكرية هذه المرّة، لكنّها قد تكون أشدّ تدميرًا لما لها من تداعيات ستصيب كل دول العالم. نظامٌ دولي جديد يتخلّق من رحم الواقع الهمجي الذي تطبق عليه رؤوس الأموال المرعبة المتركّزة بيد فئة قليلة من البشر على حساب الغالبيّة الساحقة منهم. تراجع القيم الديمقراطية والليبرالية المستمر حتى في الدول التي نشأت فيها وتطوّرت، ازدياد التوحش الرأسمالي الساعي إلى مراكمة الربح بغض النظر عن النتائج التدميرية لبنية المجتمعات الرأسمالية ذاتها، الموجة الشعبوية المتعاظمة والانزياح نحو اليمين المتطرّف والتي أخذت تضرب العالم في أربع جهاته، النزوع المتصاعد لسياسة إضعاف المؤسسات الراعية للقانون الدولي، وبالنتيجة هدمها أو إعاقتها عن الدور البسيط الذي كانت تقوم به في حفظ بعض القواعد والأعراف في التعاملات الدولية، هذه المؤسسات التي نشأت إثر صراعات كبرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية بدأت تضمحلّ فعلًا وبدأت تفقد أي دور أو مكانة لها في عالم ينحو باضطراد تجاه العنف، تفاخرٌ بالدّوس على القيم الإنسانية التي تتعاطف مع ضحايا المجازر والجرائم الخطيرة وجرائم الحرب والإبادة في شتى أصقاع الأرض. هذا غيضٌ من فيض المؤشرات التي تدلّ على حجم التغييرات الكبيرة في عالما اليوم.

على صعيد الشرق الأوسط، ثمّة شعورٌ فائضٌ وكبيرٌ جدًا بالقوّة لدى نتنياهو، يزيد كثيرًا على مشكلاته الداخلية وتوازنات القوى السياسية ضمن حكومته وبينها وبين المجتمع الإسرائيلي. قد يترجم هذا الشعور عمليًا بحماقات كبيرة بعد زيارته إلى البيت الأبيض، وقد يؤدي بالنتيجة إلى خلق تصورات عجيبة عن إمكانية إعادة رسم خرائط الإقليم وفق مشيئته. يتوقّف هذا بالطبع على قدرته إقناع ترمب بتوافق مصالحهما أو تقريب وجهات نظرهما أكثر مما هي عليه الآن. لا يبدو ما رشح من خلال تصريحات الرئيس ترمب بهذا الشأن حتى الآن مطمئنًا لنا نحن السوريين، فرغم أنها تشير إلى رغبة ترمب بعدم دعم التصعيد الإسرائيلي تجاه تركيا، والذي يُفهم منه دعمه مبدأ التفاهم بين نتنياهو والرئيس أردوغان لا دعم الأول ضد الثاني وتبني وجهة نظره بالكامل، إلا أنّ التصريحات ذاتها تشير إلى فهم سطحي لتعقيدات الوضع عمومًا، وتدلّ على استخفاف كامل بإرادة السوريين، بل وحتى التصرّف بهم ووبلادهم كأنّهم بضاعة يتقاسمها من يستحوذ عليها أولًا أو بالقوّة العارية أو الحيلة أيهما أيسر. بكل الأحوال هذا ليس مستغربًا بحسب فهمنا طريقة تفكير ترمب الذي يحاول الاستيلاء على غرينلاند وبنما وغزّة وغيرها من دول ومناطق، فكيف سيُنتظر منه رؤية مصالح السوريين في خضمّ هذا الصراع الشديد بين المحاور الإقليمية والدولية ووسط هذا الفراغ الكبير في الساحة!

نعايش مشهدًا دراماتيكيًا متدحرجًا بتسارع ملحوظ، التغوّل الإسرائيلي منقطع النظير، ومنها المحاولة الحثيثة لوضع قواعد جديدة للتعامل الإقليمي التي لا تقتصر على سوريا فحسب، بل هي جزء من لوحة التصعيد مع إيران الذي بدأ بتسخينٍ عسكريٍ في اليمن ودبلوماسي في لبنان، وقد تتطوّر الأمور إلى أبعد من هاتين الساحتين لتصل إلى داخل إيران ذاتها. المشاغلة واضحة لتركيا في سوريا، القصف الهستيري والاقتحامات البرية وبناء قواعد عسكرية وتدمير أخرى، كلها محاولات حثيثة لرسم سيناريوهات جديدة وطرحها على طاولة التشريح. ما الذي سيشكّل الواقع الجديد غير مباضع السياسيين والحكّام ومدافع العسكر، أليس هذا ما اعتادت عليه الشعوب والحضارات منذ وعى الإنسان ذاته؟

ثمّة من يرى أنّها المرّة الثانية التي تتاح لنا فيها فرصة بناء سوريتنا خلال قرن ميلادي، وأنها تأتي دائمًا في ظرف غاية في السوء. أتاحت لنا الأقدار بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بناء دولة قويّة تضمّ الجغرافيا الطبيعية لبلاد الشام، لكنّ ظروف الحرب العالمية الأولى وتشكلات العالم الجديد آنذاك منعت استكمال الولادة. واليوم أيضًا نعيش على حافة صدع تشكّل نظاماً دولياً مختلفاً عما سبقه كليًا، تغيب فيه كل القواعد السابقة شيئًا فشيئًا وتولد قواعد غير مألوفة بعد. خسرنا آنذاك أراضيَ تزيد على جغرافية سوريا الحالية بكثير، ونحن مهددون اليوم بخسارة ما بقي لدينا من جغرافيا وهُويّة وطنيةٍ إذا ما عثرنا مجددًا وشاءت لنا الأقدار المضيّ في طريق الخراب.

ستحدد طريقة تعاملنا مع واقعنا السوري الراهن مدى تأثير هذا العالم المضطرب علينا، وسيكون العامل الحاسم في قيامتنا مجددًا أو في اندثارنا هو نحن، إرادتنا وتضامننا واتفاقنا على تعريف المواطن والوطن والوطنية والدولة والسياسية والشأن العام، تواضعنا للعمل وفق أسس ديمقراطية تشاركية تبادلية سلمية تحترم كرامة كلٍ منّا بالقدر نفسه الذي يرتضيه كل واحد لنفسه وعليها. نحن الآن بمجموعنا أمام الواقع وفي مواجهة التاريخ، سلطة جديدة وقوى سياسية ومدنية ومجتمعيّة. فإمّا أن ننجو جميعًا معًا، وإما أن نبقى في مهبّ الريح تتقاذفنا الأطماع والأهواء إلى أجلٍ لا يعلمه إلّا الله، فهل نغتم رياحنا التي هبّت أم نصبح نحن الغنيمة؟

تلفزيون سوريا

———————————–

دوافع التصعيد الإسرائيلي في سوريا/ خالد الجرعتلي | هاني كرزي

النفوذ التركي وإضعاف دمشق أو اتفاق سلام

تحديث 12 نيسان 2025

صارت التحركات الإسرائيلية في الأراضي السورية حدثًا يوميًا منذ سقوط النظام السوري في 8 من كانون الأول 2024، بمبررات مختلفة، إذ بدأت إسرائيل التوغل وتدمير ترسانة جيش النظام المخلوع العسكرية، بزعم خوفها من وقوعها في أيدي متطرفين، وفق ما كانت تقوله إسرائيل.

ومع مرور الوقت، كان ما يحدث في سوريا ضبابيًا بالنسبة لمراكز صنع القرار في إسرائيل، واقتصرت مبررات التدخل على تدمير أسلحة، ومصادرة أخرى كان يستخدمها النظام في المنطقة المنزوعة السلاح بالقرب من محافظة القنيطرة.

وفي شباط الماضي، بدأت مبررات إسرائيل للتدخل في سوريا تأخذ منحى عدائيًا أكثر، إذ قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في 25 من شباط، إن الحكومة السورية الجديدة “جماعة إرهابية إسلامية جهادية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة”، معربة عن استعدادها لحماية الأقليات الدينية في البلاد.

وتحولت تباعًا لتتركز حول قلق إسرائيل من النفوذ التركي المتنامي على الساحة السورية، وهو ما اعتبره مراقبون تصعيدًا قد يمتد لفترة طويلة.

وبينما تستمر وتيرة التحركات الإسرائيلية في التصاعد، يبدو أن السلطات السورية لا تحمل الكثير في جعبتها لإيقاف تحركات الجيش الإسرائيلي، في وقت تزداد فيه حدة الضربات بمختلف المحافظات.

زاد في الأمر تزايد مخاوف إسرائيل من الانتشار التركي المتوقع في قواعد عسكرية داخل سوريا، بموجب اتفاقيات مع السلطات الجديدة.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مسوغات التحركات الإسرائيلية في سوريا، وتأثير قرب الحكومة السورية الجديدة من تركيا على هذا التصعيد، واعتباره مسوّغًا لتحركات إسرائيل في سوريا، والخيارات السورية أمام استقطاب بين الشمال والجنوب علقت المصلحة السورية فيه.

تنافس تركي- إسرائيلي

تخطط تركيا لإنشاء قواعد عسكرية متعددة، مستفيدة من البنية التحتية للمطارات السورية في منطقة تدمر، حيث يقع مطارا “تدمر” و”T4″، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية، ولم تؤكده الحكومة التركية.

مركز “ألما” الإسرائيلي للأبحاث نشر، في 25 من آذار الماضي، تقريرًا قال فيه إن معلومات متكررة وردت من سوريا بشأن حوادث جوية شملت احتكاكًا بين طائرات سلاح الجو الإسرائيلي والتركي، لافتًا إلى أن هذه الحوادث، وإن لم يؤكدها أي من الجانبين، قد تعتبر “دليلًا إضافيًا على التهديد الذي تشكله تركيا على إسرائيل”.

وأضاف أنه على غرار الفترة التي كان فيها انتشار روسي كبير في سوريا، فإن الأتراك يمكن أن يتخذوا مجموعة متنوعة من التدابير الانتقامية إلى جانب إرسال طائراتهم ضد الطائرات الإسرائيلية، وقد تشمل هذه الإجراءات تزويد السوريين بمعلومات استخباراتية مسبقة عن النيات الإسرائيلية، ونشر تفاصيل الأنشطة الإسرائيلية، ونقل الأسلحة التقليدية المتقدمة إلى السوريين (مع التركيز على أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ والطائرات دون طيار وأكثر من ذلك).

ويعتقد المركز أن إسرائيل ستعرف كيفية العمل عسكريًا في سوريا حسب الحاجة، حتى في ظل وجود القوات التركية، كما فعلت خلال الوجود الروسي، وقد يتطلب هذا من إسرائيل بذل جهود استخباراتية أكبر لتجنب الاحتكاك مع القوات التركية، ويتطلب تحسين إدارة المخاطر والاستعداد للردود التركية المحتملة.

ولم يستبعد أن تتفوق المصالح الأمنية المشتركة للطرفين على التوترات السياسية الكبيرة، وقد تنشأ آلية تنسيق عسكري، مماثلة لتلك التي أُنشئت مع القوات الروسية الموجودة في سوريا.

ووفق ما نقلته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عن مصدر أمني لم تسمِّه، في 31 من آذار الماضي، فإن إنشاء قاعدة جوية تركية في سوريا، من شأنه أن يقوض حرية عمل إسرائيل، معتبرًا أنه “تهديد محتمل”.

وبحسب الصحيفة، أجرت القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، خلال الأسابيع الماضية، عدة مناقشات تتعلق بمخاوف من تعمق التدخل التركي في سوريا.

النفوذ التركي يستفز إسرائيل

لم تقتصر الجغرافيا السورية على كونها بريد رسائل إسرائيلي لتركيا، إذ لعبت أنقرة هذا الدور أيضًا، وفق ما يعتقده الصحفي السوري ماجد عبد النور، الذي قال إن تركيا تبعث رسائل مفادها أنها تسعى لبناء نفوذ قوي في سوريا، كجس نبض للموقف الإسرائيلي، لكن التصريحات التركية المتكررة كالحديث عن ترسيم الحدود مع سوريا مثلًا، وزيارات مسؤوليها إلى سوريا تستفز تل أبيب.

وقال عبد النور لعنب بلدي، إنه بالنسبة لإسرائيل، فإن تركيا مثل إيران، فهي لن تستبدل إسلامًا سياسيًا شيعيًا بإسلام سياسي سني، لذلك لن تسمح تل أبيب لأنقرة بالتمدد وتقوية نفوذها أكثر في سوريا، ما يعني أن إسرائيل ستستمر بالتصعيد في سوريا، طالما أن هناك نية تركية بزيادة نفوذها في المنطقة، وسيبقى السوريون هم من يدفع الثمن.

وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قال لوكالة “رويترز”، إن تركيا لا تريد مواجهة مع إسرائيل في سوريا، مضيفًا، “إذا أرادت دمشق التوصل إلى تفاهمات معينة مع إسرائيل فهذا شأنها”.

من جانبه، يرى المحلل السياسي أحمد عطاونة، مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أن النفوذ التركي في سوريا الذي يشكل هاجسًا لإسرائيل، هو النقطة الأكثر حرجًا في المشهد، خصوصًا أن لا رغبة إسرائيلية أو تركية في مواجهة مباشرة، كما أن إسرائيل تدرك أن تركيا دولة كبيرة وقوية، وهي أيضًا عضو في حلف “الناتو”، وبالتالي المواجهة معها ليست سهلة أبدًا.

وقال عطاونة لعنب بلدي، إن إسرائيل تحاول رسم حدود لمستوى الوجود التركي في سوريا من وجهة نظرها، وبالتالي تريد إيصال رسالة لأنقرة، مفادها أنها لن تسمح لها بالسيطرة على كامل التراب السوري أو أن يكون لها نفوذ في كامل سوريا.

ولفت المحلل السياسي إلى أن تركيا مصرة على خطواتها في سوريا، وبالتالي لن تفلح استراتيجية إسرائيل أمامها، مشيرًا إلى أن أنقرة تنظر إلى انتشارها في سوريا كجزء من أمنها القومي، وتصر أيضًا على فكرة استقرار سوريا موحدة تحت حكم مركزي، وهو مطلب استراتيجي مهم لتركيا نظرًا لأن أي تقسيم في سوريا سينعكس بالتأكيد على تركيا.

عطاونة قال أيضًا، إن الموقف الإقليمي والدولي يمكن أن يساند تركيا في فرض استقرار بسوريا، ولذلك قد تكون إسرائيل تلعب في الوقت الضائع أو في الوقت الأخير، ولن تتمكن من فرض إرادتها في سوريا.

صراع الحدود

أفضت العمليات العسكرية لـ”غرفة عمليات ردع العدوان” إلى إسقاط النظام السوري نهاية عام 2024، لكن نتائجها لم تقتصر على ذلك، إنما أدت إلى إنهاء نفوذ إيران في سوريا، وفتح الساحة السورية على عهد جديد وتحالفات جديدة.

ومنذ سقوط النظام عادت، سفارات عديدة لفتح أبوابها في دمشق، بعد نحو 13 عامًا على غيابها، كان أبرزها وأولاها تركيا وقطر.

وبعد هزيمة المشروع الإيراني داخل سوريا وانفتاح البلاد على عهد جديد، ظهر دعم واضح جدًا من المحور التركي الخليجي للحكومة المؤقتة، وكان هذا الدعم مترافقًا بشيء من النفوذ التركي في الشمال السوري، بناء على مخاوف تركية من قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية، وفق ما يراه الباحث السياسي جمال الشوفي.

الباحث ربط رغبة تركيا بمد نفوذها داخل سوريا بقلق الحدود، إذ اعتبر أن الشمال السوري يهدد تركيا بقيام دولة كردية، قد تمتد لداخل أراضيها في حال لم تتحرك ضدها، لافتًا إلى أن إسرائيل أيضًا تتحرك بناء على القلق نفسه.

وقال الشوفي لعنب بلدي، إن هناك استقطابًا بين الشمال والجنوب تقوده تركيا وإسرائيل.

ولفت إلى أن القلق التركي واضح المعالم حتى اليوم، خصوصًا أن الوضع الأمني في سوريا لم يستقر بعد، لكن في الجنوب تسعى إسرائيل للاستثمار في ضعف الدولة السورية الناشئة بالوقت الحالي، وأعلنت بناء على رغبتها هذه عن فض اتفاقية “فض الاشتباك” الموقعة عام 1974، وتوغلت داخل بعض قرى القنيطرة، في محاولة منها لترسيم الحدود مرة أخرى بمعاهدة دولية جديدة.

واعتبر الشوفي أن إسرائيل تسعى للاستثمار بموضوع الأقليات الدينية، لافتًا إلى أن هذا هو الاستثمار السيئ الذي يقوض محاولة الاستقرار.

الباحث أضاف لعنب بلدي أنه بالمقابل، هناك موضوعات أخرى تتعلق بتركيا وترسيم حدودها، لكن النقطة المهمة هي ضرورة تمسك سوريا بالعمق العربي الذي يعتبر الأوضح والأفضل للبقاء بعيدًا عن خطر الاستثمار الإسرائيلي بالداخل السوري، خصوصًا أن إسرائيل لا تريد سوى ترسيم حدودها بمعاهدة دولية جديدة، مستبعدًا أن تكون إسرائيل تبحث عن توغل بري، بل تحاول الهيمنة التقنية والمادية على دول الجوار.

مخاوف تركيا في الشمال السوري أساسًا هي من قيام دولة كردية على حدودها، وهذا جزء من الاستقطاب بين الشمال والجنوب، بينما تبحث إسرائيل جنوبًا عن الاستثمار في ضعف الدولة السورية الناشئة بالوقت الحالي، وأعلنت بسبب ذلك عن فض اتفاقية 1974 في بعض قرى القنيطرة، بهدف محاولة ترسيم الحدود مرة أخرى بمعاهدة دولية جديدة.

رسائل أخرى.. إبقاء سوريا ضعيفة

لم تكن تركيا حجة إسرائيل الأولى في سوريا، إذ توغلت في الجنوب السوري بحثًا عن معدات عسكرية، وأعلنت مصادرة عدد منها، ثم ضربت مواقع عسكرية قالت إنها تحوي مخازن أسلحة للنظام السابق، إلى جانب غارات أخرى قالت إنها ضربت مجموعات مرتبطة بجماعات فلسطينية.

الاستناد إلى الوجود التركي في سوريا جاء مؤخرًا بعد حديث تركي عن توقيع اتفاقيات عسكرية مع سوريا، رغم أن تركيا قالت إنها لا تبحث عن صدام مع إسرائيل في سوريا.

مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أحمد عطاونة، يرى أن إسرائيل تمارس ذات السياسة التي اتبعتها منذ زمن بعيد تجاه كل الدول التي يمكن أن تؤثر جديًا في المنطقة، ويمكن أن يكون أثرها مخلًا بتوازن القوى.

وقال عطاونة لعنب بلدي، إن إسرائيل تعلم القيمة الجيواستراتيجية لسوريا، وتعلم تاريخها وموقفها من القضية الفلسطينية ومن الصراع العربي- الإسرائيلي، وبالتالي تستمر في إحداث الفوضى والضغط العسكري والأمني على سوريا بوصفها دولة محورية ومركزية في المنطقة.

وأضاف أنه بعد التغيير الكبير الذي حدث في سوريا وسقوط النظام، باتت إسرائيل تنظر بعين الشك للحكم الجديد في سوريا بوصفه حكمًا اسلاميًا لديه مواقف أيديولوجية ومبدئية تجاه إسرائيل، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وبناء عليه، هي ليست مطمئنة ولا ترغب بأن تستقر سوريا موحدة تحت هذا النظام.

وتعتقد إسرائيل اليوم أنها في مرحلة تعيد فيها بناء التوازن العسكري أو الردع الإسرائيلي على مستوى المنطقة، في لبنان وفي سوريا وفلسطين والعراق وكل دول المنطقة، وفق عطاونة، وبالتالي تعتقد أن ممارساتها تعزز من سياسة الردع في المنطقة.

وأشار المحلل السياسي إلى مخاوف إسرائيل من النفوذ التركي المتزايد في سوريا، لافتًا إلى أن إسرائيل تنظر إليه على أنه “نفوذ سني” يمهد لإعادة بناء قوة سنية كبيرة في المنطقة، وهو ما يشكل خطرًا على وجودها.

إسرائيل متخوفة بشكل كبير جدًا من النفوذ التركي، وما تعتقد بأنه نفوذ سني في سوريا، وبالتالي إعادة بناء قوة سنية كبيرة في المنطقة بالنسبة لها تشكل خطرًا على وجودها.

وقال عطاونة لعنب بلدي، إن إسرائيل تهدف من تصعيدها العسكري الخشن في سوريا إلى الضغط باتجاه عدم السماح بوجود سوريا موحدة، على أمل أن تسهم في التقسيم استنادًا إلى الأقليات والإثنيات والقوميات المختلفة، وتفصح عن ذلك بصراحة من خلال حديثها عن الدروز السوريين والكرد والعلويين.

رسائل أخرى وراء التصعيد

الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان، يرى أن التصعيد الإسرائيلي على سوريا، ليس لاستهداف مواقع أمنية تابعة للنظام المخلوع كما تدّعي، بل لإيصال رسائل غير مباشرة، وتقويض القدرة العسكرية للدولة السورية، وخلق البيئة التي تؤمّن عدم الاستقرار، بالتزامن مع تحركاتها مع الأقليات ومحاولة استمالة الدروز في الجنوب لصفها.

وقال شعبان لعنب بلدي، إن زيادة التصعيد سببه كذلك تغيّر المنظومة التي كانت تتعامل مع إسرائيل، فخلال حكم الأسد، كان هناك تهديد أمني على تل أبيب متمثل بإيران، وكانت إسرائيل تتعامل مع هذا التهديد بطريقة أمنية، عبر قصف كل فترة يستهدف أي تحركات مشبوهة لإيران داخل سوريا.

وكانت إسرائيل قادرة على ضبط الأمور الأمنية في سوريا بوجود نظام الأسد سابقًا، وفق شعبان، سواء عن طريق توازنات واتفاقات غير معلنة مع الروس، أو عن طريق تسريب مخابرات الأسد معلومات لإسرائيل عن المواقع الإيرانية في سوريا، بينما أدى تغيّر الحكم في سوريا إلى خلق حكومة جديدة مستقلة تحاول أن تبني سيادتها، وفق شعبان.

ولفت الباحث إلى أن أدوات إسرائيل السابقة اختلفت، إضافة إلى أن الحلفاء الجدد للحكومة السورية، ومنهم تركيا التي يعتبر تهديدها على إسرائيل ليس أمنيًا وإنما بنيوي واستراتيجي، باتت تشكل خطرً كبيرًا على الاستراتيجية التي تتبعها ما بعد 7 من تشرين الأول 2023، وهذه كلها أمور تفسر سبب التصعيد الإسرائيلي على سوريا، وفق نوار شعبان.

أدوات إسرائيل السابقة اختلفت، كما أن الحلفاء الجدد للحكومة السورية، ومنهم تركيا التي يعتبر تهديدها على إسرائيل ليس أمنيًا وإنما بنيوي واستراتيجي، باتت تشكل خطرً كبيرًا على الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل ما بعد طوفان الأقصى، وهذه أمور كلها تفسر سبب التصعيد الإسرائيلي على سوريا.

دخو ل قوات إسرائيلية إلى المنطقة العازلة على الحدود السورية مع الجولان المحتل- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)دخو ل قوات إسرائيلية إلى المنطقة العازلة على الحدود السورية مع الجولان المحتل- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)

موافقة ودعم أمريكي

في 28 من شباط الماضي، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة أن إسرائيل تمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا “ضعيفة ولا مركزية”، مع السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية على الساحل السوري لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا.

وبينما لم تبدِ أمريكا أي رد فعل تجاه سلوك إسرائيل في سوريا، توقع مسؤولون أمريكيون أن تنشأ علاقات بين إسرائيل ودمشق، دون الإشارة إلى كيفية تحقيق ذلك.

ويعتقد الباحث المتخصص في الشأن السياسي نادر الخليل، أن إسرائيل تستند خلال تحركاتها في سوريا إلى دعم أمريكي على الصعيدين السياسي والعسكري، ما يمنحها حرية أكبر في التحرك داخل سوريا.

وقال الباحث لعنب بلدي، إن ضعف الدولة السورية أحد ارتكازات إسرائيل في سلوكها داخل الأراضي السورية، إذ تستغل حالة الضعف التي تعاني منها سوريا منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ما يتيح لها تنفيذ ضربات جوية واستهداف مواقع تعتبرها تهديدًا لها، لتمنع وجود أو إنشاء أي قواعد ومعدات عسكرية تشكل تهديدًا مستقبليًا لهيمنتها.

وتحاول إسرائيل أيضًا تقديم نفسها كحامية لبعض الأقليات الدينية في سوريا مثل الدروز، وتعبر عن ذلك علنًا على أنه مبرر يمنحها الحق للتدخل في بعض المناطق السورية.

من جانبه، اعتبر الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، أن إسرائيل تعتمد على موجِّهات داخلية بلورتها بعد عملية “طوفان الأقصى” في تشرين الأول 2023، وهي “ضرورة عدم وجود قوى مناوئة لها في محيطها الحيوي”.

طلاع قال لعنب بلدي، إن هذه الاستراتيجية تشمل لبنان وجنوبي سوريا، وعدم جعل أي قوى جديدة تمتلك حتى القدرة الفنية على تشكيل منظومة دفاع وليس فقط منظومة هجوم، وتحاول بذلك أن تجعل هذه المنظومة ضعيفة لا تمتلك أي مقومات للرد، لأن إسرائيل تنظر إلى ما تعرضت له عام 2023 على أنه خرق أمني استراتيجي لم تتعرض له منذ 2008، وبالتالي هي تحتاج إلى آلية ردع جديدة.

ولفت إلى أن جل موظفي الإدارة الأمريكية في إدارة ترامب يتفقون على ضرورة دعم إسرائيل، وأيضًا على عدم محاباة “الإسلام السياسي”، لذلك هي اليوم تحاول استغلال فرصة الوقت الضائع وتثبيت قواعد جديدة للتعاطي مع هذا المشهد.

خيارات سوريا محدودة

الخارجية السورية أصدرت عدة بيانات أدانت فيها الهجمات الإسرائيلية على سوريا.

وعقب القصف الإسرائيلي على مطار حماة ومواقع أخرى، قالت الخارجية السورية، إن هذا التصعيد غير المبرر هو محاولة متعمدة لزعزعة استقرار سوريا وإطالة معاناة شعبها، وتقويض جهود التعافي وتكريس سياسة الإفلات من العقاب.

في ظل تواصل التصعيد الإسرائيلي عقب سقوط النظام، قال الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستمسون” بواشنطن عامر السبايلة، إن الخيارات أمام الحكومة السورية ضيقة جدًا، فهذه الحكومة ما زالت في مرحلة إعادة التأهيل، وتواجه تحديات على مستوى اتخاذ القرارات داخليًا، أو على مستوى بناء العلاقات الخارجية والحصول على الاعتراف الدولي.

وأضاف السبايلة، “بالنسبة للوضع الحالي، أعتقد أنه ليس هناك قدرة لدمشق على المواجهة العسكرية مع تل أبيب، أي بمعنى حرب تقليدية، ولا حتى على المناورة الدبلوماسية على الصعيد الدولي”.

 الخيارات أمام الحكومة السورية ضيقة جدًا، فهذه الحكومة ما زالت في مرحلة إعادة التأهيل، وتواجه تحديات على مستوى اتخاذ القرارات داخليًا، أو على مستوى بناء العلاقات الخارجية والحصول على الاعتراف الدولي.

أمام هذا الواقع، يرى السبايلة أنه ليس أمام الحكومة السورية سوى محاولة التفاهم مع الإدارة الأمريكية، وهو ما سيتم العمل عليه خلال زيارة أحمد الشرع إلى السعودية واحتمالات لقائه مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وبالتالي عندها يمكن البدء بالحديث عن إعادة تشكيل هذا المشهد.

كانت قناة “i24” الإسرائيلية قالت، إن الرئيس الأمريكي ترامب سيلتقي الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته المرتقبة للسعودية منتصف أيار المقبل.

وبحسب القناة، تم ترتيب اللقاء المرتقب بوساطة شخصية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

الصحفي ماجد عبد النور، تحدث كذلك عن أن الحكومة السورية ضعيفة وهشة، والخيارات جدًا ضيقة لديها للتعامل مع التصعيد الإسرائيلي، وليس أمامها إلا العمل الدبلوماسي، مشيرًا إلى أن على تركيا أن تدرك أن الحكومة الوليدة في دمشق ليست لديها من الرفاهية السياسية والدبلوماسية ما يجعلها تدفع ثمن السلوكيات التركية التي تزعج إسرائيل.

وأضاف عبد النور أن أمريكا ما زالت مترددة بالاعتراف بالحكومة السورية، والاتحاد الأوروبي لا يؤثر على إسرائيل رغم انفتاحه على دمشق، وبالتالي العرب هم الوحيدون القادرون على التأثير على إسرائيل، لكن ليس هناك حتى الآن أي موقف ملموس، وتكتفي تلك الدول بالإدانات.

بدوره، قال نوار شعبان، إن على الحكومة السورية اللجوء إلى المجتمع الدولي بشكل متواصل دون ملل، وتوثيق الانتهاكات وإصدار البيانات بوقتها، إضافة إلى الاهتمام بالحاضنة الشعبية التي تتأثر بالتصعيد الإسرائيلي، عبر تقديم مساعدات مادية وتعويضات عن الأضرار إلى جانب التضامن المعنوي.

أما موضوع التصدي عسكريًا، فهذا غير متاح، فليس لدى الحكومة الحالية القدرة على فتح جبهة مع إسرائيل التي زادت شراسة بعد تشرين الأول 2023، حيث دمرت “حزب الله” اللبناني، وأنهت قيادات “حماس” و”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا ولبنان، وارتكبت مجازر في غزة، وفق شعبان.

وحدة عسكرية من الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من قمة جبل الشيخ جنوبي سوريا- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)

وحدة عسكرية من الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من قمة جبل الشيخ جنوبي سوريا- 9 من كانون الأول 2024 (أفيخاي أدرعي/ إكس)

سيناريوهات التصعيد

ثمة العديد من السيناريوهات المطروحة على الطاولة كنتيجة للتصعيد الحاصل على الساحة السورية، يعتقد مراقبون أنها حتمية ما لم يطرأ حدث يغير مسار الأحداث في الميدان، خصوصًا أن المناخ الدولي مُهيأ للتصعيد منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، ولبنان، ووصولها إلى حرب أمريكية على اليمن مؤخرًا.

وربط الباحث معن طلاع الأحداث الحاصلة بثلاثة سيناريوهات متوقعة، الأول مرتبط بتعثر حكومة دمشق، وبالتالي تحويل إسرائيل النقاط العسكرية الموجودة في الجنوب السوري إلى قواعد استراتيجية، خاصة بعدما شهدت هذه النقاط توغلات وتدمير بعض مخازن الأسلحة وحتى منظومات الدفاع فيها.

ويرتبط السيناريو الثاني بالصعيد الدبلوماسي، إذ قال طلاع لعنب بلدي، إن التحركات الإسرائيلية في سوريا قد تتوقف في حال توصلت الأطراف لاتفاق مع القوى الإقليمية لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، تضمن عدم ملء الفراغ الإيراني بأي قوة مناوئة لإسرائيل، وبالتالي محاولة إقامة ترتيبات وتفاهمات أمنية، يمكن أن تكون بدأت بالفعل، وهناك مؤشرات على ذلك، بهدف إفراز قواعد جديدة لمسار الأحداث، لكن ذلك سيحتاج إلى فترة زمنية طويلة.

ولفت طلاع إلى أن السيناريو الثالث هو أن تكون إسرائيل تستعد لـ”سيناريو الحرب الأهلية” في سوريا، وبالتالي انفلات القدرة على السيطرة على الحدود وغيرها من المخازن، مثل مخزون سلاح استراتيجي لا سيما السلاح الكيماوي أو بقاياه، وبالتالي ترى إسرائيل أنها يجب أن تكون متقدمة جدًا في المسألة السورية على المدى المنظور.

هل يستمر التصعيد؟

يعتبر المناخ الإقليمي الحالي ملائمًا للتصعيد بالنسبة لإسرائيل تجاه سوريا إلى أن يتحقق أمران، أولًا ضمان تحييد الجغرافيا التي تريدها، والثاني تحقيق توافقات سياسية، وفق ما يراه الباحث عامر السبايلة.

السبايلة قال لعنب بلدي، إنه طالما أن المنطقة تتحضر لتصعيد مع إيران، فهذا يعني أن هذه الجغرافيا بالنسبة لإسرائيل يجب عزلها تمامًا عن أي محاولة لاستهداف تل أبيب من خلالها، ما يعني أن سوريا ستبقى محطة للهجمات الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة.

من جهته، قال الباحث نوار شعبان، إن الاستهدافات الإسرائيلية لم تعد في سياق الضربات لأغراض أمنية، وإنما هي بسياق ضربات لتوجيه رسائل غير مباشرة، لتقويض أي تحرك عسكري يمكن أن يزعج إسرائيل.

ولفت شعبان إلى أن المشكلة هي في إسرائيل حاليًا، فهي تستهدف أي تحرك تعتقد أنه يهدد مصالحها، لكبح هذا التهديد الأمني أو إيصال رسالة من خلال هذا الاستهداف، وبالتالي لا يمكن التكهن بجدول زمني لتوقف تلك الضربات.

الباحث نادر الخليل قال من جانبه، إن التنافس التركي- الإسرائيلي في سوريا يعكس تضارب المصالح الاستراتيجية بين الطرفين، فبينما تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، تعمل إسرائيل على حماية أمنها القومي وضمان حرية عملياتها العسكرية.

واعتبر أن التصعيد المباشر بين الطرفين قد يكون مكلفًا، لذا من المرجح أن يستمر التنافس في إطار غير مباشر، مع تدخلات محدودة من كلا الجانبين.

لا بد من العمل والتركيز على أهمية الحوار والتفاهم لتجنب المزيد من الصراعات التي يدفع ثمنها الشعب السوري، والحل الوحيد لتجنب تصعيد خطير يكمن في تعزيز الجهود الدولية لإيجاد تسوية سياسية شاملة في سوريا، وضبط التدخلات الخارجية بما يضمن احترام السيادة السورية.

نادر الخليل

باحث متخصص في الشأن السياسي

عنب بلدي

—————————-

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى