من سهول دونباس في أوكرانيا إلى بادية الشام… وثائق حصرية ومصادر مفتوحة تكشف تكثيف روسيا حرب المسيّرات في سماء سوريا

محمد بسيكي (سراج) عبد القادر ضويحي، كريستسان مامو، أليكسينا كالونكي (osint for ukraine)
11.04.2025
دخلت الطائرات من دون طيار إلى الصراع السوري في عامه الثالث عشر، ولعب السلاح الجديد دوراً كبيراً في تشكيل ديناميكيات الحرب، وتصاعدت الهجمات بالطائرات من دون طيّار من قِبل كلّ من النظام السوري السابق والجماعات المعارضة، مما شكّل تطوراً حاسماً في هذا الصراع. يتطرّق هذا التقرير إلى الاعتماد المتزايد على الطائرات من دون طيّار، وتحليل تأثيرها على الاستراتيجيات العسكرية والتداعيات الخطيرة التي تركتها على السكّان المدنيين.
منذ تدخّلها المفتوح في سوريا في عام 2015، كانت روسيا بلا شك الحليف الأكثر ثباتاً للنظام السوري السابق، فعبر سلاح الجوّ الروسي، تمكّن جيش الأسد من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد بشكل سريع نسبياً، وبحلول نهاية العام الثاني من التدخّل في 2016، كان النظام قد استعاد السيطرة الكاملة على مدينة حلب، وسقطت معاقل المعارضة السورية واحدة تلو الأخرى، لتُحصر الجماعات المناهضة للنظام في محافظة إدلب إلى حدّ كبير.
فاتورة التدخّل الروسي كانت عالية بالنسبة إلى المدنيين، واتُّهمت القوّات الروسية في سوريا بأنها كانت فعلياً تساعد وتشارك – إن لم تكن ترتكب بشكل مباشر – في جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد.
الهجمات الجوّية التي نفّذها النظام السوري وروسيا، لعبت دوراً حاسماً في سلسلة الهزائم التي تكّبدتها المعارضة السورية بين عامي 2015 و2019، الأمر الذي أدّى إلى إرهاق المعارضة التي لم يكن لديها أي ردّ فعل تكتيكي.
عملت روسيا على تعزيز قدرات نظام الأسد من خلال نقل الدروس التي تعلّمها جيشها في أوكرانيا، ولا سيّما مسيّرات FPV التي نقلها مدربون روس إلى مقرّات الوحدات الأكثر ثقة لدى نظام الأسد، من بينها الفرقة 25 قوّات خاصّة – المعروفة سابقاً باسم قوّات النمر – المتّهمة بارتكاب بعض من أسوأ الفظائع في سوريا، بما في ذلك المجازر ضدّ المتظاهرين في الأيام الأولى للثورة، وبالتالي فإن تزويد وحدات قوّات النظام السوري بطائرات FPV نقل الصراع إلى مرحلة جديدة مميتة.
وفقًا للدكتور جلين كولوميتز مستشار القانون الدولي والمحامي العسكري السابق في الجيش الأسترالي، فإن سوريا وقبل سقوط نظام الأسد بفترة وجيزة، أصبحت “مختبراً للطائرات المسيّرة”، ما يسمح لروسيا بـ”اختبار قدرة دولة حليفة على تصنيع طائرات FPV منخفضة التكلفة محلياً باستخدام التكنولوجيا التجارية، واختبار القدرة على التحايل على العقوبات”، ونظراً لأن روسيا وعدّة دول حليفة لها ترزح تحت وطأتها، تمثّل هذه الفرصة قيمة كبيرة لموسكو لاكتساب خبرة عملية، سواء في قدرتها على التحايل على العقوبات، أو في قدرتها على دعم الدول الحليفة وممارسة نفوذها، ويضيف كولوميتز: “لقد حصلت روسيا على مقعد في طاولة النفوذ في الشرق الأوسط”.
بدأ العمل على هذا التحقيق طيلة الأشهر الخمسة التي سبقت سقوط نظام الأسد المدوّي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بهدف متابعة تطوّر نشاط استخدام الجيش الروسي والسوري قدرات المسيّرات الانتحارية في سوريا، وذلك بناء على معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر OSINT، بتحليل طبيعة استخدام الطائرات من دون طيّار FPV في سوريا، والآثار المترتّبة على ذلك بالنسبة إلى الحرب في سوريا.
ماهي طائرات FPV -المنظور الشخصي
طائرات FPV – First-Person View تعني “المنظور الشخصي” أن تتطابق عين الكاميرا مع عين المتحكّم بالطائرة، هذه التقنية كانت تُستخدم في الأصل لسباقات الطائرات من دون طيّار والتصوير الجوّي والفيديوغرافي، ولكنها وجدت الآن طريقها إلى ساحات القتال في أوكرانيا وسوريا والسودان وغيرها، يشير مصطلح “FPV” إلى الطريقة التي يختبر بها المشغل عبر كاميرا مثبتة على الطائرة، حيث تقوم بنقل فيديو مباشر إلى سماعة رأس أو شاشة أو جهاز محمول، مما يسمح للمشغّل برؤية المنظر من منظور الطائرة، ويوفّر تجربة آمنة نسبياً له في مناطق النزاع، ويمكن التحكّم فيها من مسافات تصل إلى كيلومترات.
تُعتبَر الطائرات من دون طيّار من نوع FPV تكنولوجيا متطوّرة، توفّر إمكانات كبيرة نظراً لتكلفتها المنخفضة وقدرتها على الفتك، تُتيح تنفيذ عمليات دقيقة وموجّهة، مما يجعلها أداة قوية لتنفيذ هجمات مركّزة على أفراد أو أهداف محدّدة.
انتشار طائرات FPV يُثير مخاوف بشأن الأمن والحاجة إلى إجراءات تنظيمية فعّالة لمنع إساءة استخدامها، بينما يمكن في الوقت نفسه استغلالها في تطبيقات مشروعة مثل المراقبة وإدارة الكوارث وصناعة الأفلام.
الحرب في أوكرانيا وتطوّر طائرات FPV
دفعت الحرب في أوكرانيا إلى تطوّر كبير في تكنولوجيا الطائرات من دون طيّار من نوع FPV، حيث كانت وحدات الجيش الأوكراني سبّاقة في استخدام هذه التكنولوجيا بعد عدّة أشهر من بدء الحرب، وسرعان ما واكب الروس وبدأوا في إنشاء خطوط إنتاجهم الخاصّة، بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2023، حذّر الخبراء الأوكرانيين من أن روسيا تُنتج ستّة أضعاف ما تُنتجه كييف من الطائرات من دون طيّار، حيث تصل إلى 300 ألف طائرة شهرياً مع إمكانية زيادة الإنتاج.
تُوضح الأرقام فعّالية هذه الأسلحة، حيث توجد لقطات لتدمير دبابات حديثة بشكل كامل بضربات دقيقة من طائرات FPV، إضافة إلى أن المركبات الأخفّ – مثل المدرّعات وعربات المشاة – تكون أكثر عرضة للخطر.
كما أن استخدام طائرات FPV لقتل جندي واحد يُعتبَر استخداماً أكثر فعّالية من حيث التكلفة، مقارنة بالأساليب التقليدية، لأن الطائرات صغيرة وسريعة وقابلة للمناورة، مما يجعل إسقاطها بالرصاص العادي شبه مستحيل، ونتيجة لذلك، تجول الطائرات من دون طيّار ساحات المعارك في أوكرانيا من دون عوائق تقريباً، وأصبحت تمثّل السلاح الأكثر رعباً في الحرب.
تكنولوجيا رخيصة
ما يُثير القلق بشأن طائرت FPV هو سهولة الوصول إليها والفعّالية التي توفّرها، مما يجعل إمكانية الحصول عليها من قبل المنظّمات الإرهابية والأنظمة الخاضعة للعقوبات سهلة. التكنولوجيا أمر وارد نسبياً، حيث يمكن تجميع FPV يدوياً في غضون ساعات وبتكلفة منخفضة، يُوضح المحلّل العسكري الألماني جوليان روبكه: “من السهل شراء طائرة FPV بشكل قانوني بأقلّ من 750 يورو وتحويلها إلى انتحارية، كل ما تحتاجه هو إضافة رأس حربي RPG-7 أو أي نوع آخر من المتفجّرات وربطها بالطائرة من دون طيّار”.
وأمام هذه المعطيات، وصول هذه التكنولوجيا إلى أيدي نظام الأسد السابق يثير قلقاً واضحاً، ووفقًا لجوليان روبكه “استخدم النظام هذه الطائرات كسلاح إرهابي، بدلاً من استخدامها بشكل استراتيجي لهزيمة قوّات المعارضة السورية، يبدو أن النظام يستخدم هذه الطائرات كبديل رخيص عن سلاح المدفعيّة وقذائف الهاون”.
وفقًا للمنظّمات الإنسانية السورية، استُخدمت الطائرات من دون طيار لاستهداف المدنيين – سواء كان ذلك كنوع من اللعب، أو كاستمرار لاستراتيجية النظام السوري الوحشية.
تمّ رصد طائرات من دون طيّار رباعية المراوح ذات تصميم صيني وروسي في الأساس تستخدمها قوّات الجيش السوري السابق. ومن المرجّح أن تُظهر الصور أعلاه طائرات رباعية المراوح من طراز Gastello FPV الروسية – التي ورد أنها قيد الإنتاج الضخم في روسيا منذ عام 2023. وقد ظهرت هذه الطائرات في وسائل الإعلام الروسية الرسمية، في الصورة الرابعة.
شوهدت أيضاً طائرات من دون طيّار صينية وروسية التصميم من نوع “ quadcopter” تُستخدَم من قِبل قوّات النظام السوري السابق، تُظهر الصور طائرات روسية الصنع من نوع “ quadcopter” من طراز “Gastello FPV“، التي يُقال إنها تُنتَج بكميات كبيرة في روسيا منذ العام 2023 وتظهر الطائرات في وسائل الإعلام الرسمية الروسية (الصورة الرابعة).
التدريب والمرتزقة الصرب
فضّلت موسكو منذ بداية تدخّلها العسكري في سوريا في عام 2015، العمل مع عدد قليل من وحدات عسكرية محدّدة في قوّات النظام السوري السابق، التي تمّ فرزها بناءً على ولائها لنظام الأسد وفعّاليتها القتالية مقارنةً بوحدات أخرى. غالباً ما كانت هذه الوحدات أوّل من يتلقّى المعدّات المصنّعة في روسيا، ويبدو أن الأمر يتكرّر في ما يتعلق بتدريب وتزويد الطائرات من دون طيّار من نوع FPV.
وفقًا لتحليلنا باستخدام تقنيات المصادر المفتوحة OSINT، تبيّن أن أربعة وحدات من قوّات النظام السوري السابق خضعت للتدريب على استخدام طائرات FPV، وهي الفرق: الخامسة والسادسة والسابعة، والفرقة 25 للمهامّ الخاصّة المعروفة سابقاً باسم “قوّات النمر”، بقيادة سهيل الحسن الذي شغل لغاية سقوط النظام منصب قائد القوّات الخاصّة.
لم يقتصر التدريب على استخدام الطائرات من دون طيّار من نوع FPV فقط، بل شوهد المدرّبون الروس وهم يحملون معدّات حرب إلكترونية، وما يبدو أنه بندقية روسية مضادّة للطائرات من دون طيّار من نوع “Garpiya“، وشوهد ضبّاط من رتب تصل إلى العميد يخضعون للتدريب، علاوة على ذلك، وبناءً على تحليل الصور التي نشرتها حسابات مؤيّدة للنظام السوري المنهار على الإنترنت، يبدو أن التدريب يتمّ في موقعين تابعين للجيش السوري على الأقلّ.
الأول مقرّ الفرقة الخامسة في مدينة إزرع في محافظة درعا، والثاني في بلدة كوم الويسية بالقرب من مرتفعات الجولان المحتلّة من قِبل إسرائيل، وقد تمّ تحديد المواقع من خلال تحليل OSINT.
كما ذُكر سابقاً، يتجاوز التدريب أكثر من مجرّد استخدام طائرات FPV، فبعض الصور المنشورة على قنوات الإنترنت المؤيّدة للأسد، تعطي لمحات نادرة لبندقية روسية مضادّة للطائرات من دون طيّار من نوع “Gharbiya”، وإذا كان كذلك، فقد تكون قوّات النظام السوري من أوائل الجيوش في العالم التي تستخدم هذا النوع من الأسلحة المضادّة للطائرات من دون طيّار، ما يعكس الخطر المتزايد الذي تمثّله طائرات FPV وغيرها من الأسلحة الصغيرة، التي يتمّ التحكّم بها عن بُعد.
وفقاً لمصدر عسكري في المعارضة السورية السابقة “تم إطلاق طائرات من دون طيّار انتحارية من قِبل القوّات الخاصّة الروسية، من المناطق المرتفعة على خطوط الجبهة في المناطق الريفية من إدلب وحلب، من دون أي وجود ملحوظ لقوّات النظام السوري خلال عمليات الإطلاق”.
وهذا يؤكّد ما نشره الحساب العسكري الرسمي لـ”الجبهة الوطنية للتحرير”، وهي فصيل سابق مناهض للنظام السوري قبل سقوطه، وبحسب المصدر فإن الطائرات تُوجًَه بواسطة طائرات مراقبة روسية، وقد توغّلت لمسافة تصل إلى 10 كيلومترات داخل الأراضي التي تسيطر عليها قوّات المعارضة السورية.
يعود الاستخدام الأول لطائرات fpv إلى مطلع العام 2024 في بلدة الزيارة غرب
تُظهر لقطات عسكرية غير منشورة لقوّات المعارضة السورية، أن مواقع إطلاق الطائرات من دون طيّار من قِبل نظام الأسد، تتمركز حول قرى الدانا وسراقب وجبل الزاوية، وكذلك الفوج 46، وهو موقع محصّن في ريف حلب شهد معركة كبيرة في عام 2012.
وفقاً لنوار شعبان الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الذي قال إن: “هناك أدلة على أن قوات الأسد عملت بنشاط على تطوير الطائرات من دون طيّار، مثل تركيب بطاريات أكبر لزيادة مدى الطيران، ونظراً للتكتيكات الوحشية التي عُرفت بها قوّات النظام تاريخياً، فإن الزيادة الملحوظة في استخدام طائرات FPV واكتساب الخبرة من قِبل قوّات الأسد قد تكون لها عواقب وخيمة على المدنيين”.
بالمقابل تُظهر وثيقة استخباراتية عثر عليها أحد الصحافيين لدى المخابرات السورية بعد سقوط النظام، كانت في أحد المباني التي حوّلها جيش الأسد إلى مقرّ عسكري في حماة، تعقّب النظام السوري السابق التحرّكات المتعلّقة بنشاط القوّات المعارضة له والجماعات التي يصفها بالإرهابية، بخاصّة في ما يتعلّق باستخدامها طائرات الدرون. مما يعني أن تطوّر قدرات خصومه كانت محطّ متابعة ومراقبة من قبله، من أجل الإبقاء على ميزة السبق في استخدام هذا السلاح الحديث.
تُظهر برقية موجّهة من فرع الأمن السياسي في اللاذقية رقمها 28933 بتاريخ 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى رئيس اللجنة العسكرية والأمنية في المنطقة الساحلية، تتبّع مخابرات النظام السوري السابق أنشطة المعارضة المسلّحة في ما يتعلّق بسلاح المسيّرات.
تقول المذكرة: “وردنا معلومات من أحد فروع شعبتنا تفيد بأن ما يسمّى الحزب التركستاني الإرهابي وكتيبة غرباء فرنسا الإرهابية، يملكان طائرات مسيّرة عدد 20 من نوع “بروبر” أوكرانية الصنع. وأن الطيران الحربي السوري- الروسي يستهدف المقر ات التابعة للمجموعات المسلّحة”.
أيضا تُظهر وثيقة أخرى، تعود للفترة الزمنية نفسها تقريباً بعد شهر، وتحديداً في تشرين الثاني/ نوفمبر، أن المخابرات العامّة السورية التابعة لنظام الأسد السابق، حذّرت قوّات الجيش السوري من الاستهداف بالمسيّرات الأوكرانية التي “حصلوا عليها عبر تركيا”، كما تذكر الوثيقة، وذلك في منطقة استهدافات متنوّعة في مطار حماة العسكري ومنطقة السقيلبية وجورين وسط البلاد.
امتلاك قوّات النظام السوري السابق، المعروف بوحشيته تاريخياً، تكنولوجيا الطائرات من دون طيّار من نوع FPV حمل معه تداعيات كبيرة، خاصةً على المدنيين، كما نشر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، في تقاريره أن قوّات الأسد استهدفتهم بشكل منظّم.
سواء خلال تدريب المشغّلين على طائرات FPV، أو من خلال استراتيجية أوسع للإرهاب الموجّه ضدّ المدنيين، فإن التأثيرات تظلّ نفسها، فقد استهدفت هذه الأجهزة بالفعل العشرات من المدنيين، مما أسفر عن مقتلهم أو التسبّب بتشويههم، لا سيّما في بداية العام 2024.
علاوة على ذلك، منحت الطائرات من دون طيّار من نوع FPV النظام السوري مزايا تكتيكية واستراتيجية كبيرة. وفقاً للدكتور جلين كولوميتز مستشار القانون الدولي والمحامي العسكري السابق في الجيش الأسترالي، فإن هذه الأسلحة تكون فعّالة بشكل خاصّ، عندما تكون في أيدي فصيل لا يُولي اعتباراً كبيراً للخسائر المدنية.
ويقول كولوميتز: “من منظور الأسلحة والتوجيه، تمنح الطائرات من دون طيّار من نوع FPV القادة خيارات أكبر ومرونة أكثر ودقّة أعلى في ساحة المعركة”، مشيراً إلى أن هذا الأمر يكون أكثر وضوحاً عندما لا تكون الأضرار الجانبية جزءاً رئيسياً من عملية اتّخاذ القرار لدى القادة، وهو ما يبدو أنه الحال مع القوّات المؤيّدة للأسد.
ويضيف كولوميتز علاوة على ذلك: “إن الفوائد تتجاوز ساحة المعركة بسبب ما يسمّيه “التأثير المدمّر” بمعنى التأثير على معنويات قوّات المعارضة، وخلق حالة من الذعر والرعب بين المدنيين من الطائرات الانتحارية المحمّلة بمتفجرّات يتمّ تشغيلها عن بعد”.
ويابع كولوميتز: “لنتذكّر الاستخدام التكتيكي الشائع من قِبل القوّات الموالية للأسد للبراميل المتفجّرة – وهي في الأساس براميل مملوءة بالمتفجرات التي يتمّ رميها من طائرات الهليكوبتر إلى المناطق المكتظّة بالسكّان، من دون أي اعتبار عملي للدقّة. لقد أثبتت القوّات الموالية للأسد باستمرار اعتمادها على مثل هذه التكتيكات الإرهابية لإخضاع السكّان المدنيين، حيث تمنحهم طائرات FPV من دون طيّار وسيلة جديدة لمتابعة هذه الاستراتيجية، مع مخاطر أقلّ بالنسبة للمشغّلين، خاصّة وأن المهندسين يبتكرون طرقاً لزيادة عدد الطائرات من دون طيّار”.
تكنولوجيا تتجاوز العقوبات الغربية
يمكن اعتبار تكنولوجيا الطائرات من دون طيّار من نوع FPV، بمثابة تدبير لتوفير التكاليف بالنسبة لنظام الأسد، الذي عاني من العقوبات، “من دون تقليل التأثير الإنساني لهذه الأسلحة، فإن الطائرات من دون طيّار من نوع FPV، منحت قوّات النظام السوري ‘نتائج كبيرة بتكلفة أقلّ”، كما يوضح الدكتور كولوميتز. “هذه الطائرات… أرخص بكثير في التصنيع والتشغيل مقارنة بأنظمة الأسلحة التقليدية غير المباشرة… الكثير من التكنولوجيا المستخدمة هي تجارية ومتعدّدة الاستخدامات ومتاحة في الأسواق”، وهذا يسهّل على النظام السوري تصنيع هذه الطائرات المسيّرة، وهو ما يفعله على ما يبدو.
التقدّم السريع في التكنولوجيا ذات الطابع المدني والمتعدّد الاستخدامات يجعل من الصعب تحديد المعدّات التي تخضع للعقوبات، ومع تقدّم روسيا وإيران في تصنيع الطائرات المسيّرة محلياً، أصبح من السهل على النظام السوري الوصول إلى المكونات الحيوية اللازمة لتصنيعها.
جيل جديد من الحروب
الانتشار المتزايد للطائرات المسيّرة من طراز FPV من قِبل قوّات النظام السوري السابق، عكس النفوذ المتزايد الذي تمارسه روسيا في سوريا، والتي استفادت جزئياً من الخبرة التي اكتسبتها خلال غزوها لأوكرانيا.
تساعد هذه الخبرة أيضاً روسيا في تطوير قدراتها الذاتية على مدى عقود، كان الجيش الروسي يتطوّر تدريجياً من جذوره السوفييتية نحو قدرات معاصرة تتماشى مع المناخ الجيوسياسي والعسكري الحالي، أحد أهم مظاهر هذا التحوّل هو تركيز روسيا على تطوير قدرات عسكرية صغيرة النطاق، كما شهدنا في غزوها أوكرانيا في عام 2014، وتدخّلها في سوريا، ومشاركتها في العديد من الصراعات في أفريقيا.
وبناءً على ذلك، فإن تدريب القوّات الموالية للأسد السابقة على استخدام طائرات FPV، يتماشى مع “الجيل الجديد من الحروب” الذي تطبّقه روسيا، والذي يوضح الدكتور كولوميتز أن له “طابعاً تكنولوجياً متزايداً، وهذا يمكن أن يُسهم بشكل كبير في تعويض تراجع تصدير الأسلحة الروسية، إذا أخذنا بعين الاعتبار دور روسيا في التدريب على الطائرات المسيّرة في سوريا، فمن الممكن القول إن بيع الخبرة في مجال الطائرات FPV كأداة نفوذ متخصّص، بدأ يحلّ تدريجياً محلّ بيع الأسلحة التقليدية”.
من خلال تجربته في أوكرانيا، اكتسب الجيش الروسي مستوى من الخبرة في القتال الحديث على نطاق واسع، يتجاوز تقريباً أي دولة أخرى في العالم باستثناء أوكرانيا.
وهذا يمنح روسيا القدرة على فرض نفوذها بطريقة لا يستطيع منافسوها مجاراتها بالقدر نفسه، واكتسبت القوّات الروسية وحلفاؤها سمعة سيئة بسبب الأضرار التي تُلحقها بالمدنيين، سواء في أوكرانيا، أو سوريا، أو جمهورية أفريقيا الوسطى، أو دول الساحل. حيثما توجد القوّات الروسية أو وكلاؤها، يحوم الموت حول المدنيين، ومن خلال مشاركة خبراتها التكنولوجية، تُسهّل الدولة الروسية على حلفائها المشكوك فيهم تحقيق أجنداتهم.
تشكّل طائرات FPV المسيّرة حقاً جبهة جديدة في الحروب، ولسوء الحظ، تتصدّر روسيا هذه الجبهة. تقع المسؤولية على الجميع للحاق بها.
نُشرت نسخة من هذا التقرير على موقع “أوبن سورس” في أوكرانيا باللغة الإنكليزية، وشارك في الإعداد الزميل مصعب الياسين.
درج