الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

وزارة ترث اتحاداً بما عليه من ذنوب: الرياضة السورية على مفترق/ مازن الهندي

15 ابريل 2025

ما كان بالأمس يبدو حلماً بعيد المنال في دولة تقودها الأفرع الأمنية ويهيمن فيها حزب البعث على مقاليد الحكم في مؤسساتها وبمختلف القطاعات، أصبح في 30 مارس/ آذار الفائت حقيقة. فوزارة الرياضة والشباب أبصرت النور أخيراً بعد سنوات من المطالبة بها.

سيحظى الرياضيون، أخيراً، بهيكل تنظيمي بديل لما كانت تسمّى “منظمّة الاتحاد الرياضي العام”، التي تهالكت وتداعت وأصحبت عاجزة عن تلبية احتياجات الرياضة السورية، والعاملين في هذا القطاع من مؤسسات وأفراد. وقد شهدت هذه المنظمة محاولاتٍ عديدة لإنقاذها وإخراجها من غرفة الإنعاش التي دخلتها مع بدء تطبيق نظام الاحتراف في مطلع الألفية الثالثة، وهو النظام الذي كشف عورة الترهل والفساد الإداري والمالي في المنظمة، التي تأسست عام 1971 وبدأت مهمة لعب دور (الواجهة) في تسيير شؤون الرياضة في سورية، بينما كانت الأمور تدار في مكاتب مغلقة أخرى.

ربما كان من الصعوبة بمكان تلخيص حجم الفساد الذي ارتكبته السلطة الرياضية الأعلى في سورية خمسة عقود، فبمجرد الدخول من البوابة الرئيسية لمبنى منظمة الاتحاد الرياضي العام في منطقة البرامكة، يأتيك ذلك الشعور بالرهبة والخوف، فهي محاطة بمبنى الأمن القومي، وبحراسة مشدّدة، ثم لا يلبث هذا الشعور أن يترافق مع حذر تام من كل خطوة أو مكتب تزوره، أو كلام وسلام لهذا الشخص أو ذاك.. فالمحسوبيات والشللية كانت تطغى في هذا المكان، و(كلو بيوصل). فقد يؤدي ذلك لحرمانك من منصب في إدارة نادٍ أو سفرة مع منتخب، لأن رئيس الاتحاد الرياضي العام (الساكن في الطابق الثالث) حتى وإن أظهر لك ابتسامة دافئة، فإنه يطلب فوراً فتح ملف لك ومتابعتك في كل صغيرة وكبيرة عبر مكاتب وأشخاص يختصون بهذا الشأن.

المتضررون من هذه الهيمنة كثر، ورغم أن الأصوات التي ارتفعت في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة قادت إلى إصدار مرسوم القانون رقم 8 والذي حاول تصحيح منظومة وآليات العمل من أجل انتشال المنظمة من المستنقع الذي دخلته، إلا أن تطبيق هذا المرسوم (على علّاته) واجه صعوبات كبيرة بسبب الفساد (المتجذر) في أروقة عمل هذه المنظمة وفروعها.  

لماذا شكلت وزارة الرياضة حلماً؟

يجيب المحامي وحيد عرفات (نجل الشهيد مروان عرفات، والذي تولى منصب رئاسة الاتحاد السوري لكرة القدم في تسعينيات القرن الماضي): “الدافع الأساسي للمطالبة والحلم بوجود وزارة للرياضة في سورية بالنسبة لكثيرين من العاملين في الحقل الرياضي يعود إلى الإحساس التام بالفشل الذي عاشته الرياضة السورية خلال العقدين الماضيين، حيث كان جلياً أن منظمة الاتحاد الرياضي العام قد تجاوزت فترة صلاحيتها، وباتت عاجزة عن مواكبة وإدارة وتلبية احتياجات الرياضة السورية، ومواكبة التغييرات التي تعيشها الرياضة على مستوى العالم بشكل عام. وهو ما أدى إلى ظهور أصوات كثيرة تنادي بإنشاء وزارة للرياضة أو حتى هيئة عامة للرياضة والشباب، بهدف الخروج من الشكل الإداري والتنظيمي للاتحاد الرياضي العام”.

على مر عقود أصبحت منظمة الاتحاد الرياضي العام مكاناً لكثيرين من العاطلين من العمل والفاسدين وأصحاب الواسطات، وهو ما زاد في ترهل المنظمة على المستويين الإداري والمهني، خاصة مع إبعاد أهل الاختصاص والخبرات والشهادات عن المناصب والمراكز الحساسة، إضافة إلى التسلط الكبير على عمل الأندية والاتحادات الرياضية، مع “تخوين” أي محاولة للشكوى أو التذمر بحجة “الاستقواء بالخارج”.

ويقول عرفات “كان هناك تحفظ كبير لدى الأندية الرياضية والعاملين في القطاع الرياضي عموماً بشأن تدخل القيادة القُطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بجزء كبير من قرارات الاتحاد الرياضي العام.. وتجسد هذا التدخل من خلال تشكيل إدارات الأندية الرياضية من فروع الحزب في المحافظات، بشكل معلن أو غير معلن وذلك عبر المكتب المختص بالمنظمات الشعبية في القيادة القطرية للحزب”. وقد شكل هذا التدخل عائقاً كبيراً أمام استقلالية وحرية العمل داخل الأندية، التي كانت مجالس إداراتها مهدّدة دوماً بالانهيار في أي لحظة بمجرد تقديم الأعضاء الحزبيين فيها استقالاتهم، علماً أن القوانين الرياضية في سورية تفرض ألا تقل نسبة الأعضاء الحزبيين في مجالس إدارات الأندية عن 51%.

تحديات أمام الوزارة

سيجد الوريث الجديد لمنظمة الاتحاد الرياضي العام على طاولته تركة ثقيلة، هي نتاج عمل إداري وتنظيمي ومالي فاشل عمره عشرات السنين، فالفساد الحاصل والمتراكم والذي أصاب مختلف مفاصل العمل الرياضي في سورية خلال فترة النظام البائد كفيل بتأخير وتعطيل أي توجه أو خطط استراتيجية للنهوض بالرياضة السورية، كما يقول وحيد عرفات، ويضيف: “كان الانحدار في المنحنى البياني للرياضة السورية واضحاً للجميع واقتصرت الإشراقات على مواهب وإبداعات فردية بين الحين والآخر.. في حين وصلت المنشآت الرياضية إلى حالة مزرية للغاية لا تتلاءم مع أي معايير لاستضافة الأحداث والمباريات الرياضية الدولية… وهو ما يضع الوزارة الجديدة أمام تحديات كبرى تحتاج إلى فرق عمل متكاملة من الخبراء وأصحاب الرؤية الاستراتيجية والفكر الرياضي السليم لبناء هيكل تنظيمي يتناسب مع احتياجات الرياضة السورية والآمال العريضة للشارع الرياضي، ولعل من بين أبرز هذه التحديات تحديث وتغيير أنظمة وقوانين كثيرة أعتقد أنها ستكون مفصلاً مهماً للانطلاق نحو عهد جديد للرياضة السورية”.  

لكن وبما أن “اليد الواحدة لا تصفق وحدها”، فإن التعامل مع هذه التحديات والنجاح في تذليل الصعاب مترافق مع التوجه الجديد للحكومة المؤقتة ومدى الاهتمام والدعم الذي ستقدمه لقطاع الرياضة والشباب، سواء كان الأمر يتعلق بالرياضة الجماهيرية وتوسع القاعدة أفقياً أم عمودياً نحو رياضة احترافية، ونحو إشراك القطاع الخاص بعملية البناء، فمن دون هذا الدعم (العام والخاص والمشترك)، ستتم إعادة النموذج السابق الذي لم يشهد تقديم أي دعم يذكر للأندية الرياضية في سورية، علماً أن هذه الأندية تعد (عماد) البناء والتطوير واكتشاف المواهب ورفد المنتخبات الوطنية، مع الإشارة إلى أن الوضع المالي للأندية السورية يبدو في حالة يرثى لها حالياً بشكل يعرقل إقامة الأنشطة الرياضية ولو بالحد الأدنى، بما في ذلك أندية الهيئات (الجيش والشرطة والمحافظة وأندية النقابات)، التي تدخل حقبة جديدة من تاريخها.

العلاقة بين وزارة الرياضة واللجنة الأولمبية

إحدى المسائل العالقة والشائكة كانت ازدواجية المهام التي كانت توحد منصب رأس الهرم الرياضي ورئاسة اللجنة الأولمبية السورية، إذ شهدت دول كثيرة نماذج وحالات أسقطت الأنظمة الرياضية، وأدت إلى أخطاء ومشاكل وتبعات وصلت إلى حدود تجميد النشاط الرياضي وحظر المشاركات الخارجية بسبب ما اعتبر تدخلاً حكومياً وسياسياً في عمل المؤسسات والاتحادات الرياضية المحلية. 

وفي هذا السياق، يقول المحامي وحيد عرفات: “لن يكون من المقبول الوقوع في مثل هذه الأخطاء، لأن تبعات هذا الأمر باتت معروفة للجميع، وبالتالي فإن الفصل التام بين الأدوار، والتوصيف الوظيفي الصحيح لكل جهة سواء كانت وزارة للرياضة أو لجنة أولمبية، هو خطوة أساسية لمعرفة الأطر والحدود التي يمكن لكل جهة العمل فيها من أجل تجنب أي مشاكل قد تكون لها انعكاسات داخلية أو خارجية على مستوى الرياضة السورية”.

من نافل القول إن اللجنة الأولمبية ستكون معنية بالمشاركات الخارجية للمنتخبات الوطنية وبشؤون اتحادات الألعاب وصلت إليها وعلاقتها مع الاتحادات القارية والدولية واللجنة الأولمبية الدولية، في حين ستكون الوزارة معنية بالشؤون الداخلية للأندية وإعادة تأهيل المنشآت وتلبية احتياجات الرياضة ورسم خططها على مستويات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، من دون أي تداخل حقيقي بين الطرفين.. لذا، من الضروري عدم وجود ازدواجية في المهام بين رئيس اللجنة الأولمبية السورية ووزير الرياضة (كما كان عليه الأمر في عهد المنظومة السابقة)، فبالمحصلة ستضيّع هذه الازدواجية جهود مؤسسة أخرى.

الصلاحيات والتدخلية

من أهم الأمور التي يجب على الوزارة الجديدة التنبه إليها، مسألة ممارسة صلاحياتها وتدخليتها، لا سيما في عمل الاتحادات والأندية، أي عدم تغول القرار السياسي على الرياضي كما كان عليه الحال في السابق، ولا شك أن التدخل الكبير في لسلطة الاتحاد الرياضي العام في عمل الاتحادات، لا سيما فيما يخص الانتخابات والميزانية، جلب على الرياضة السورية الكثير من المتاعب على المستويين القاري والدولي، والأمثلة كثيرة في اتحاد كرة القدم، الذي تدخلت المنظمة في حله والتوجيه بانتخاب شخصيات محددة، ما عرّض نشاط كرة القدم في البلاد لخطر التجميد أكثر من مرة.

وعلى العكس، يجب أن تعمل الوزارة أن تؤمن أكبر قدر من الاستقلالية لعمل الاتحادات والأندية، وفيما يخص الأندية، فإن استقلاليتها المالية (على سبيل المثال)، بما في ذلك تخصيص الملاعب والصالات لها، سيكون من شأنها تذليل الصعوبات في مشاركتها بالمسابقات القارية، التي تعاني الأندية السورية من حرمان المشاركة فيها، لمثل هذه الأسباب وغيرها.

أول وزير للرياضة والشباب

تردّد أن تشكيل وزارة للرياضة كان قراراً قد اتخذ في الساعات أو الأيام القليلة التي سبقت الإعلان عن تشكيل الحكومة المؤقتة، والتي كان من المفترض أن تضم حسب بعض التسريبات 22 حقيبة وزارية، قبل أن يرتفع العدد في أمسية السبت، 30 مارس/ آذار 2025، إلى 23 حقيبة بإضافة وزارة الرياضة والشباب. وهذا ما يفسر لكثيرين تسمية محمد سامح الحامض وزيراً للرياضة والشباب كأول من يشغل هذا المنصب في سورية، إذ يعتقد أن الوقت الضيق الذي سبق اتخاذ هذا القرار لم يسمح بالمفاضلة بينه وبين أسماء أخرى تمتلك سيرة ذاتية أفضل كان يمكنها أن تشغل هذا المنصب.

ولعل نظرة سريعة إلى سيرة الرجل، في صفحة الاتحاد الرياضي العام، وتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي للاعب كرة السلة السابق محمد سامح الحامض، وهو من مواليد 1976، تفيد بتجاهل ذكر الشهادة العلمية بشكل واضح، والتركيز على امتلاكه شهادة تحكيم سلوية لمنافسات الدرجتين الثانية والثالثة، وشهادة انتساب لتدريب كرة السلة، إضافة إلى توليه رئاسة الاتحاد الرياضي العام في 2024 (حقيقة الأمر أنه تسلم منصبه بعد سقوط النظام بمائة يوم تقريباً).. كما تفيد سيرته الذاتية بأنه تولى رئاسة نادي كفرتخاريم (من ريف إدلب)، ما بين عامي 2008 و2011، وناد يدعى النخبة (لم أسمع به أو بمشاركاته في البطولات)، بين عامي 2018 و2021.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى